ب مم وبيسي

مم /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثاني /التجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة /صفائي /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانوي /الهندسة بأفرعها /لغة انجليزية2ث.ت1. /مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق /عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ /فيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق /فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات / /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني ثانوي.ت1. /ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث  ///بيسو /مدونات أمي رضي الله عنكي /نهاية العالم /مدونة تحريز نصوص الشريعة الإسلامية ومنع اللعب باالتأويل والمجاز فيها /ابن حزم الأندلسي /تعليمية /أشراط الساعة /أولا/ الفقه الخالص /التعقيبات /المدونة الطبية /خلاصة الفقه /معايير الآخرة ويوم الحساب /بر الوالين /السوالب وتداعياتها

الخميس، 24 ديسمبر 2020

فهرست حديث لمدونة اشماء أسماء صلاح التعليمية

 فهرست حديث لمدونة اشماء أسماء صلاح التعليمية

 

 

 

 فهرست حديث لمدونة اشماء أسماء صلاح التعليمية

 

........................

14.. نيل الأوطار - الشوكاني ] الكتاب : نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار المؤلف : محمد بن علي بن محمد الشوكاني باب أن حكم الحاكم ظاهرا لا باطنا

        14            الجزء الاخير من
         [ نيل الأوطار - الشوكاني ]
الكتاب : نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار
المؤلف : محمد بن علي بن محمد الشوكاني
باب أن حكم الحاكم ظاهرا لا باطنا
1 - عن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي بنحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار "
- رواه الجماعة وقد احتج به من لم ير أن يحكم بعلمه
- قوله " إنما أنا بشر " البشر يطلق على الجماعة والواحد بمعنى أنه منهم والمراد أنه مشارك للبشر في أصل الخلقة ولو زاد عليهم بالمزايا التي أختص بها في ذاته وصفاته والحصر هنا مجازي لأنه يختص بالعلم الباطن ويسمى قصر قلب لأنه أتى به ردا على من زعم أن من كان رسولا فإنه يعلم كل غيب حتى لا يخفى عليه المظلوم من الظالم وقد أطال الكلام على بيان معنى هذا الحصر علماء المعاني والبيان فليرجع إلى ذلك
قوله : " ألحن " بالنصب على أنه خبر كان أن أفطن بها ويجوز أن يكون معناه أفصح تعبيرا عنها وأظهر احتجاجا حتى يخيل أنه محق وهو في الحقيقة مبطل . والأظهر أن معناه أبلغ كما وقع في رواية في الصحيحين أي أحسن ايرادا للكلام ولا بد في هذا التركيت من تقدير محذوف لتصحيح معناه أي وهو كاذب ويسمى هذا عند الأصوليين دلالة اقتضاء لأن هذا المحذوف اقتضاه اللفظ الظاهر بعده
وقال في النهاية اللحن الميل عن جهة الأستقامة يقال لحن فلان في كلامه إذا مال عن صحيح المنطق وأراد أن بعضهم يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره ويقال لحنت لفلان إذا قلت له قولا يفهمه ويخفي على غيره لأنك تميله بالتورية عن الواضح المفهوم انتهى
قوله : " فإنما أقطع له قطعة من النار " أي الذي قضيت له بحسب الظاهر إذا كان في الباطن لا يستحقه فهو عليه حرام يؤل به إلى النار وهو تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على ما يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه كقوله تعالى { إنما يأكلون في بطونهم نارا } وقد قدمنا الكلام على بعض ألفاظ الحديث في كتاب الصلح فوقع تكرار البعض هنا لتكرار الفائدة ( وفي الحديث ) دليل على أثم من خاصم في باطل حتى استحق به في الظاهر شيئا هو في الباطن حرام عليه وأن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل حتى يصير حقا في الظاهر ويحكم له به أنه لا يحل له تناوله في الباطن ولا يرتفع عنه الأثم بالحكم وفيه أن المجتهد إذا أخطأ لا يلحقه إثم بل يؤجر كما في الحديث الصحيح وإن اجتهد فأخطأ فله أجر وفيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقضي بالأجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شيء وخالف في ذلك قوم وهذا الحديث من أصرح ما يحتج به عليهم وفيه أنه ربما أداه اجتهاده إلى أمر فيحكم به ويكون في الباطن بخلاف ذلك
قال الحافظ لكن مثل ذلك لو وقع لم يقر عليه صلى الله عليه وآله وسلم لثبوت عصمته واحتج من منع مطلقا بأنه لو جاز وقوع الخطأ في حكمه للزم أمر المكلفين بالخطأ لثبوت الأمر باتباعه في جميع أحكامه حتى قال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } الآية وبأن الإجماع معصوم من الخطأ فالرسول أولى بذلك وأجيب عن الأول بأن الأمر إذا استلزم الخطأ لا محذور فيه لأنه موجود في حق المقلدين فإنهم مأمورون باتباع المفتي والحاكم ولو جاز عليه الخطأ وأجيب عن الثاني برد الملازمة فإن الإجماع إذا فرض وجوده دل على أن مستندهم ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فرجع الأتباع إلى الرسول لا إلى نفس الإجماع
قال الحافظ وفي الحديث أيضا أن من ادعى مالا ولم يكن له بينة فحلف المدعى عليه وحكم الحاكم ببراءة الحالف أنه لا يبرأ في الباطن ولا يرتفع عنه الأثم بالحكم والحديث حجة لمن أثبت أنه قد يحكم صلى الله عليه وآله وسلم بالشيء في الظاهر ويكون الأمر في الباطن بخلافه ولا مانع من ذلك إذ لا يلزم منه محال عقلا ولا نقلا وأجاب من منع بأن الحديث يتعلق بالحكومات الواقعة في فصل الخصومات المبنية إقرار أو البينة ولا مانع من وقوع الخطأ فيه أن يخبر عن أمر بإن الحكم على الشرعي فيه كذا ويكون ذلك ناشئا عن اجتهاده فإنه لا يكون إلا حقا لقوله تعلى { وما ينطق عن الهوى } وأجيب أن ذلك يستلم الحكم الشرعي فيعود الإشكال كما كان والمقام يحتاج إلى بسط طويل ومحله الأصول فليرجع إليها قال الطحاوي ذهب قوم إلى أن الحكم بتمليك مال أو إزاله ملك أو إثبات نكاح أو فرقة أو نحو ذلك إن كان في الباطن على خلاف ما استند إليه الحاكم من الشهادة أو غيرها لم يكن الحكم موجبا للتمليك ولا الإزالة ولا النكاح ولا الطلاق ولا غيرها وهو قول الجمهور ومعهم أبو يوسف
وذهب آخرون إلى أن الحمكم إن كان في مال وكان الأمر في الباطن بخلاف ما استند إليه الحاكم من الظاهر لم يكن ذلك موجبا لحله للحكومة له وإن كان في نكاح أو طلاق فإنه ينفذ ظاهرا وباطنا وحملوا حديث الباب على ما ورد فيه وهو المال واحتجوا لما عداه بقصة المتلاعنين فإنه صلى الله عليه وآله وسلم فرق بين المتلاعنين مع احتمال أن يكون الرجل قد صدق فيما رماها به قالوا فيؤخذ من هذا إن كان قضاء ليس فيه تمليك مال أنه على الظاهر ولو كان الباطن بخلافه وإن حكم الحاكم يحدث في ذلك التحريم والتحليل بخلاف الأموال وتعقب بأن الفرقة في اللعان إنما وقعت عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب وهو أصل برأسه فلا يقاس عليهز وقال بعض الحنفية مجيبا على من استدل بالديث لما تقدم بأن ظاهر الحديث يدل على أن ذلك مخصوص بما يتعلق بسماع كلام الخصم حيث لا بينة هناك ولا يمين وليس النزاع فيه وإنما النزاع في الحكم المرتب على الشهادة وبأن من في قوله " فمن قضيت له " شرطية وهي لا تستلزم الوقوع فيكون من فرض ما لم يقع وهو جائز فيما يتعلق به غرض وهو هنا محتمل لأن يكون للتهديد والزجر عن الإقدام على أخذ أموال الناس بالمبالغة في الخصومة وهو وإن كان جاز أن يستلزم عدم نفوذ الحكم باطنا في العقود والفسوخ لكنه لم يسق لذلك فلا يكون فيه حجة لمن منع وبأن الاحتجاج به يستلزم أنه صلى الله عليه وآله وسلم يقر على الخطأ لأنه لا يكون ما قضي به قطعة من النار إلا إذا استمر الخطأوإلا فمتى فوض أنه يطلع عليه فإنه يجب أن يبطل ذلك الحكم ويرد الحق لمستحقه
وظاهر الحديث يخالفه ذلك فأما أن يسقط الاحتجاج به ويؤول على ما تقدم وإما أن يستلزم استمرار التقرير على الخطأ وهو باطل والجواب عن الأول أنه خلاف الظاهر بل من التحريف الذي لا يفعله منصف وكذا الثاني والجواب عن الثالث إن الخطأ الذي لا يقر عليه هو الحكم الذي صدر عن اجتهاد فيما لم يوح إليه فليس النزاع فيه إنما النزاع في الحكم الصادر منه عن شهادة زور أو يمين فاجرة فلا يسمى خطأ للأتفاق على العمل بالشهادة وبالأيمان وإلا لكان الكثير من الأحكام يسمى خطأ وليس كذلك لما في حديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم " فيحكم بإسلام من بلفظ بالشهادتين ولو كان في نفس الأمر يعتقد خلاف ذلك ولما في حديث المتلاعنين حيث قال " لولا الإيمان لكان لي ولها شأن " فإنه لو كان خطأ لم يترك استدراكه والعمل بما عرفه . وكذلك حديث أني لم أومر بالتنقيب عن قلوب الناس فالحجة من حديث الباب شاملة للأموال والعقود والفسوخ وقد حكي الشافعي الإجماع على أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام
قال النووي والقول بأن حكم الحاكم يحلل ظاهرا وباطنا مخالف لهذا الحديث الصحيح وللإجماع المذكور ولقاعدة أجمع عليها العلماء ووافقهم القائل المذكور وهي إن الابضاع أولى بالأحتياط من الأموال وفي المقام مقاولات ومطاولات ومع وضوح الصواب لا فائدة في الأطناب
وقد استدل المصنف رحمه الله تعالى بالحديث على أن الحاكم لا يحكم بعلمه وسيأتي الكلام على ذلك في باب مستقل إن شاء الله تعالى وفيه الرد على من حكم بما يقع في خاطره من غير استناد إلى أمر خارجي من بينة ونحوها ووجه الرد عليه أنه صلى الله عليه وآله وسلم أعلى في ذلك من غيره مطلقا ومع ذلك فقد دل حديثه هذا على أنه إنما يحكم بالظاهر في الأمور العامة فلو كان المدعي صحيحا لكان الرسول أحق بذلك فإنه أعلم أنه تجري الأحكام على ظاهرها مع أنه يمكن أن الله يطلعه على غيب كل قضية وسبب ذلك إن تشريع الأحكام واقع على يده فكأنه أراد تعليم غيره من الحكام أن يعتمدوا ذلك نعم لو شهدت البينة مثلا بخلاف ما يعلمه مشاهدة أو سماعا أو ظنا راجحا لم يجز له أن يحكم بما قامت به البينة
قال الحافظ ونقل بعضهم فيه الأتفاق وإن وقع الأختلاف فيه في القضاء بالعلم كما سيأتي
باب ما يذكر في ترجمة الواحد
1 - في حديث زيد بن ثابت " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره فتعلم كتاب اليهود وقال حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كتبه واقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه "
- رواه أحمد والبخاري
قال البخاري عمر بن الخطاب وعند أمير المؤمنين علي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ماذا تقول هذه فقال عبد الرحمن بن حاطب فقلت تخبرك بالذي صنع بها قال وقال أبو جمرة كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس
- قوله " حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كتبه " يعني إليهم هذا الحديث من الأحاديث المعلقة في البخاري وقد وصله في تاريخه بلفظ " إن زيد بن ثابت قال أتى بي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقدمه المدينة فاعجب بي فقيل له هذا غلام النجار قد قرأ مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة فاستقرأني فقرأت ق فقال لي تعلم كتاب يهود فإني ما آمن يهود على كتابي فتعلمه في نصف شهر حتى كتبت له إلى يهود واقرأ له إذا كتبوا إليه " وأخرجه أيضا موصولا أبو داود والترمذي وصححه وأخرجه أحمد وإسحاق وأخرجه أيضا أبو يعلى بلفظ " أني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا على وينقصوا فتعلم السريانية " وظاهره أن اللغة السريانية كانت معروفة يومئذ وهي غير العبرانية فكأنه صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يتعلم اللغتين
قوله : " ماذا تقول هذه " أي المرأة التي وجدت حبلى
قوله : " وقال أبو جمرة " بالجيم المفتوحة الميم الساكنة والراء المهملة ( وفي الحديث ) جواز ترجمة واحد قال ابن بطال أجاز الأكثر ترجمة واحد
وقال محمد بن الحسن لا بد من رجلين أو رجل وامرأتين وقال الشافعي هو كالبينة وعن مالك روايتان ونقل الكرابيسي عن مالك والشافعي الأكتفاء بترجمان واحد . وعن أبي حنيفة الأكتفاء بواحد وعن أبي يوسف باثنين وعن زفر لا يجوز أقل من اثنين وقال الكرماني لا نزاع لأحد أنه يكفي ترجمان واحد عند الأخبار وأنه لابد من اثنين عند الشهادة فيرجع الخلاف إلى أنها أخبار أو شهادة فلوسلم الشافعي أنها أخبار لم يشترط العدد ولو سلم الحنفي أنها شهادة لقال بالعدد
وقال الحاكم لا تقبل فيه إلا البينة الكاملة والواحد ليس بينة كاملة حتى يضم إليه كمال النصاب غير أن الحديث إذا صح سقط النظر
وفي الأكتفاء بزيد بن ثابت وحده حجة ظاهرة لا يجوز خلافها انتهى . وتعقبه الحافظ فقال يمكن أن يجاب بأنه ليس غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الحكام في ذلك مثله لامكان اطلاعه على ماغاب عنه بالوحي بخلاف غيره بل لا بد له من أكثر من واحد فمهما كان طريقه الأخبار يكتفي فيه الواحد ومهما كان طريقة الشهادة لابد فيه من استيفاء النصاب وقد نقل الكرابيسي أن الخلفاء الراشدين والملوك بعدهم لم يكن لهم إلا
1 - عن ابن عمر قال " أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة موتة زيد بن حارثة وقال إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة "
واحد
وقد نقل ابن التين من رواية ابن عبد الحكم لا يترجم الأحر عدل وإذا أقر المترجم بشيء وجب أن يسمع ذلك منه شاهدان ويرفعان ذلك إلى الحاكم
باب الحكم بالشاهد واليمين
1 - عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بيمين وشاهد "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه
وفي رواية لأحمد إنما كان ذلك في الأموال
2 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى باليمين مع الشاهد "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي ولأحمد من حديث عمارة بن حزم وحديث سعد بن عبادة مثله
3 - وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن أمير المؤمنين علي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بشهادة واحد ويمين صاحب الحق وقضى به أمير المؤمنين علي بالعراق "
- رواه أحمد والدارقطني وذكره الترمذي
4 - وعن ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة " قال قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باليمين مع الشاهد الواحد "
- رواه ابن ماجه والترمذي وابو داود وزاد قال عبد العزيز الداروردي فذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه قال عبد العزيز وقد كان أصاب سهيلا علة أذهبت بعض عقلة ونسي بعض حديثه فكان سهيل بعد يحدثة عن ربيعة عنه عن أبيه
5 - وعن سرق " أو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجاز شهادة الرجل ويمين الطالب "
- رواه ابن ماجه
- حديث ابن عباس قال في التلخيص قال فيه لشافعي وهذا الحديث ثابت لا يرده أحد من أهل العلم لو لم يكن فيه غيره مع أن معه غيره مما يشده وقال النسائي إسناده جيد
وقال البزار في الباب أحاديث حسانأصحها حديث ابن عباس وقال ابن عبد البر لا مطعن لأحد في إسناده
وقال عباس الدوي في تاريخ يحيى بن معين ليس بمحفوظ
وقال البيهقي أعله الطحاوي بانه . لا يعلم قيسا يحدث عن عمرو بن دينار حديث الذي وقصته ناقته وهو محرم ثم قال وليس من شرط قبول رواية الأخبار كثيرة رواية الراوي عمن روى عنه ثم إذا روى الثقة عمن لا ينكر سماعه منه حديثا واحدا وجب قبول وإن لم يكن يروي عنه غيره على أن قيسا قد توبع عليه رواه عبد الرزاق عن محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار أخرجه أبو داود وتابع عبد الرزاق أبو حذيفة وقال الترمذي في العلل سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال لم يسمعه عندي عمرو من ابن عباس
قال الحاكم قد سمع عمرو من ابن عباس عدة أحاديث وسمع من جماعة من أصحابه فلا ينكر أن يكون سمع منه حديثا وسمعه من بعض أصحابه عنه وأما رواية عصام البلخي وغيره ممن زاد بين عمرو وابن عباس طاوس فهم ضعفاء
قال البيهقي ورواية الثقات لا تعلل برواية الضعفاء انتهى . ما في التلخيص على الحديث . وحديث جابر أخرجه ايضا البيهقي وهو من حديث جعفر بم محمد عن أبيه عن جابر قال الترمذي رواه الثوري وغيره عن جعفر عن أبيه مرسلا وهو أصح وقيل عن أبيه عن أمير المؤمنين على انتهى
وقد ذكر المصنف رحمه الله الطريقين كما ترى
وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبي زرعة وهو مرسل وقال الدارقطني كان جعفر ربما أرسله وربما وصله وقال الشافعي والبيهقي عبد الوهاب وصله وهو ثقة قال البيهقي روى إبراهيم بن أبي هند عن جعفر عن أبيه عن جابر رفعه أتاني جبريل وأمرني أن أقضي باليمين مع الشاهد وإبراهيم ضعيف جدا رواه ابن عدي وابن حبان في ترجمة وقد صحح حديث جابر أبو عوانة وابن خزيمة وحديث عمارة قال في مجمع الزوائد رجاله ثقات ولفظه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى باليمين والشاهد " وحديث سعد بن عبادة لفظه في مسند أحمد عن إسماعيل بن عمرو بن قيس بن سعد بن عبادة عن أبيه " أنهم وجدوا في كتاب سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى باليمين والشاهد " انتهى وإسماعيل بن عمرو قال الحافظ الحسيني شيخ محله الصدق وأبوه لم يذكر بشيء وسائر الإسناد رجال الصحيح وأخرجه البيهقي وأبو عوانة في صحيحه من حديثه بسند آخر . وحديث أبي هريرة قال الحافظ في الفتح رجال مدينون ثقات ولا يضره إن سهيل بن أبي صاح نسيه بعد أن حدث به ربيعة لأنه كان بعد ذلك يروبه عن ربيعة عن نفسه انتهى
وأخرجه أيضا الشافعي وروى ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه صحيح ورواه البيهقي من حديث مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وقال الترمذي بعد أخراج الطريق الأولى حسن غريب
قال ابن ارسلان في شرح السنن أنه صحح حديث الشاهد واليمين الحافظان أبو زرعة وأبو حاتم من حديث أبي هريرة وزيد بن ثابت وحديث سرق في إسناده رجل مجهول وهو الراوي له عنه فإنه قال ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هرون حدثنا جويرة بن أسماء حدثنا عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن رجل من أهل مصر عن سرق فذكره ورجال إسناده رجال الصحيح لولا الرجل المجهول وقد أخرجه أيضا أحمد
قال في التلخيص فائدة ذكر ابن الجوزي في التحقيق عدد من رواه فزاد على عشرين صحابيا وأصح طرقه حديث ابن عباس ثم حديث أبي هريرة
وأخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة مرفوعا قال استشرت جبريل في القضاء باليمين والشاهد فأشار علي بالأموال لانعد ذلك وإسناده ضعيف وفي الباب عن الزبيب بضم الزاي وفتح الموحدة وسكون المثناة وهو ابن ثعلبة فذكر قصة وفيها أنه قال له صلى الله عليه وآله وسلم هل لك بينة على أنكم أسلمتم قبل أن تؤخذوا في هذه الأيام قلت نعم قال من بينتك قلت سمرة رجل من بني العنبر ورجل آخر سماه له فشهد الرجل وأبي سمرة أن يشهد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أبى أن يشهد لك فتحلف مع شاهدك الآخر قلت نعم فاستحلفني فحلفت بالله لقد أسلمنا يوم كذا وكذا ثم ذكر تمام القصة وفيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمل بالشاهد واليمين أخرجه أبو داود مطولا
قال الخطابي إسناده ليس بذاك
وقال أبو عمر النمري أنه حديث حسن قال المنذري وقد روى القضاء بالشاهد واليمين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رواية عمر بن الخطاب وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وسعد بن عبادة والمغيرة بن شعبة وجماعة من الصحابة انتهى فجملة عدد من ذكره المصنف رحمه الله سبعة وزبيب وعمر بن الخطاب والمغيرة وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب وأبو سعيد الخدري وبلاب بن الحرث ومسلمة بن قيس وعامر بن ربيعة وسهل بن سعد وتميم الداري وأم سلمة وانس هؤلاء أحد وعشرون رجلا من الصحابة وهو المشار إليهم بقول ابن الجوزي فزاد عددهم على عشرين
وقد استدل بأحاديث الباب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فقالوا يجوز الحكم بشاهد ويمين المدعي وقد حكى ذلك صاحب البحر عن أمير المؤمنين علي وأبي بكر وعمر وعثمان وأبي وابن عباس وعمر بن عبد العزيز وشريح والشعبي وربيعة وفقهاء المدينة والناصر والهادوية ومالك والشافعي وحكى أيضا عن زيد بن علي والزهري والنخعي وابن شبرمة والإمام يحيى وأبي حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز الحكم بشاهد ويمين
وقد حكى البخاري وقوع المراجعة في ذلك ما بين أبي الزناد وابن شبرمة فاحتج أبو الزناد على جواز القضاء بشاهد ويمين بالخبر والوارد في ذلك فأجاب عليه ابن شبرمة بقوله تعالى { استشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } قال الحافظ وإنما تتم له الحجة بذلك على أصلمختلف فيه بين الفريقين يعني الكوفيين والحجازيين وهو أن الخبر إذا ورد متضمنا الزيادة على ما في القرآن هل يمون نسخا والسنة لا تنسخ القرآن أو لا يكون نسخا بل زيادة مستقلة بحكم مستقل إذا ثبت سنده وجب القول به والأول مذهب الكوفيين والثاني مذهب الحجازيين ومع قطع النظر عن ذلك لا تنهض حجة ابن شبرمة لأنها تصير معارضة للنص بالرأي وهو غير معتد به وقد أجاب عنه الإسماعيلي فقال الحجة إلى إذكار إحداهما الأخرى إنما هو فيما إذا شهدتا فإن لم تشهدا قامت مقامها يمين الطالب ببيان السنة الثابتة واليمين ممن هي عليه لو انفردت لحلت محل البينة في الأداء والإبراء فلذلك حلت اليمين هنا محل المرأتين في الاستحقاق بها مضافة إلى الشاهد الواحد قال ولو لزم إسقاط القول بالشاهد واليمين لأنه ليس في القرآن للزم إسقاط الشاهد والمرأتين لأنهما ليستا في السنة لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال شاهداك أو يمينه وحاصله أنه لا يلزم من التنصيص على الشيء نفيه عما عداه لكن مقتضى ما بحثه أنه لا يقضي باليمين مع الشاهد الواحد إلا عند فقد الشاهدين أو ما قام مقامهما من الشاهد والمرأتين وهو وجه للشافعية وصححه الحنابلة ويؤيده ما روى الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإن جاء بشاهد واحد مع شاهده وأجاب بعض الحنفية بأن الزيادة على القرآن نسخ وأخبار الآحاد لا تنسخ المتواتر ولا تقبل الزيادة من الأحاديث إلا إذا كان الخبر بها مشهورا وأجيب بأن النسخ رفع الحكم ولا رفع هنا وأيضا فالناسخ والمنسوخ لابد أن يتواردا على محل واحد وهذا غير متحقق في الزيادة على النص
وغاية ما فيه أن تسمية الزيادة كالتخصيص نسخا اصطلاح ولا يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة لكن تخصيص الكتاب بالسنة جائز وكذلك الزيادة عليه كما في قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وأجمعوا على تحريم نكاح العمة مع بنت أخيها وسند الإجماع في ذلك السنة الثابتة وكذلك قطع رجل السارق في المرة الثانية ونحو ذلك وقد أخذ من رد الحكم بالشاهد واليمين لكونه زيادة على ما في القرآن ترك العمل بأحاديث كثيرة في أحكام كثيرة كلها زائدة على ما في القرآن كالوضوء بالنبيذ والوضوء من القهقهة ومن القيء واستبراء المسبية وترك قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد وشهادة المرأة الواحدة في الولادة ولا قود إلا بالسيف ولا جمعة إلا في مصر جامع ولا تقطع الأيدي في الغزو ولا يرث الكافر المسلم ولا يؤكل الطافي من السمك ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ولا يقتل الوالد بالولد ولا يرث القاتل من القتيل وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم الكتاب وأجابوا بأن الأحاديث الواردة في هذه المواضع المذكورة أحاديث شهيرة فوجب العمل بها لشهرتها فيقال لهم وأحاديث القضاء بالشاهد واليمين رواها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نيف وعشرون نفسا كما قدمنا وفيها ما هو صحيح كما سلف فأي شهرة تزيد على هذه الشهرة
قال الشافعي القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن لأنه لا يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم أصلا فضلا عن مفهوم العدد
قال ابن العربي أظرف ما وجدت لهم في رد الحكم بالشاهد واليمين أمران أحدهما أن المراد قضى بيمين المنكر مع شاهد الطالب والمراد أن الشاهد الواحد لا يكفي في ثبوت الحق فتجب اليمين على المدعى عليه فهذا المراد بقوله قضى بالشاهد واليمين . وتعقبه ابن العربي بأنه جهل باللغة لأن لمعية تقتضي أن تكون من شيئين في جهة واحدة لا في المتضادين ثانيهما حمله على صورة مخصوصة وهي أن رجلا اشترى من آخر عبدا فادعى المشتري أن به عيبا وأقام شاهدا واحدا فقال البائع بعته بالبراءة فيحلف المشتري أنه ما اشتراه بالبراءة ويرد العبد بنحو ما تقدم وبندور ذلك فلا يحمل الخبر على النادر وأقول جميع ما أورده المانعون من الحكم بشاهد ويمين غير نافق في سوق المناظرة عند من له أدنى المام بالمعارف العلمية وأقل نصيب من أنصاف فالحق أن أحاديث العمل بشاهد زيادة على ما دل عليه قوله تعالى { واستشهدوا شهيدين } الآية وعلى ما دل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم " شاهداك أو يمينه " غير منافية للأصل فقبولها متحتم وغاية ما يقال على فرض التعارض وإن كان فرضا فاسدا أن الآية والحديث المذكورين يدلان بمفهوم العدد على عدم قبول الشاهد واليمين والحكم بمجردهما وهذا المفهوم المردود عند أكثر أهل الأصول لا يعارض المنطوق وهو ما ورد في العمل بشاهد ويمين على أنه يقال العمل بشهادة المرأتين مع الرجل مخالف لمفهوم حديث شاهداك أو يمينه ( فإن قالوا ) قدمنا على هذا المفهوم منطوق الآية الكريمة قلنا ونحن قدمنا على ذلك المفهوم منطوق أحاديث الباب هذا على فرض أن الخصم يعمل بمفهوم العدد فإن كان لا يعمل به أصلا فالحجة عليه أوضح وأتم
قوله : " وعن سرق " بضم السين المهملة وتشديد الراء بعدها قاف وهو ابن أسد صحابي مصري لم يرو عنه إلا رجل واحد
باب ما جاء في امتناع الحاكم من الحكم بعلمه
1 - عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا فلاحه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا القود يا رسول الله فقال لكم كذا وكذا فلم يرضوا فقال لكم كذا وكذا فرضوا فقال أني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم قالوا نعم فخطب فقال أن هؤلاء الذين أتوني يريدون القود فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا افرضيتم قالوا لافهم المهاجرون بهم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكفوا عنهم فكفوا ثم دعاهم فزادهم فقال أفضيتم قالوا نعم قال أني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم قالوا نعم فخطب فقال أرضيتم فقالوا نعم "
- رواه الخمسة إلا الترمذي
2 - وعن جابر " قال أتى رجل بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبض منها يعطي الناس فقال يا محمد أعدل فقال ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل فقال عمر دعني يا رسول الله أقتل هذا المنافق فقال معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية "
- رواه أحمد ومسلم
قال أبوبكر الصديق لو رأيت رجلا على حد من حدود الله ما أخذته ولا دعوت له أحدا حتى يكون معي غيري . حكاه أحمد
- حديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري قال المنذري ورواه يونس بن يزيد عن الزهري منقطعا
قال البيهقي ومعمر بن راشد حافظ قد اقام إسناده فقامت به الحجة . وأثر أبي بكر قال الحافظ في الفتح رواه ابن شهاب عن زيد بن الصلت أن أبا بكر فذكره وصحح إسناده ( وقد اختلف ) أهل العلم في جواز القضاء من الحاكم بعلمه فروى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف مثل ما ذكره المصنف عن أبي بكر واستدل البخاري أيضا على أنه لا يحكم الحاكم بعلمه بما قاله عمر لولا أن يقول الناس زاد عمر ىية في كتاب الله لكتبت آية الرجم
قال المهلب وأفصح بالعلة في ذلك بقوله لولا أن يقول الناس الخ فأشار إلى أن ذلك من قطع الذرائع لئلا يجد حكام السوء السبيل إلى أن يدعوا العلم لمن أحبوا له الحكم بشيء قال البخاري وقال أهل الحجاز الحاكم لا يقضي بعلمه سواء علم بذلك في ولايته أو قبلها
قال الكرابيسي لا يقضي القاضي بما علم لوجود التهمة إذ لا يؤمن على التقي أن تتطرق إليه التهمة قال ويلزم من أجاز للقاضي أن يقضي بعلمه مطلقا أنه لو عمد إلى رجل مستور لم يعهد منه فجور قط أن يرجمه ويدعي أنه رىه يزني أو يفرق بينه وبين زوجته ويزعم أنه سمعه سطلقها أو بينه وبين أمته ويزعم أنه سمعه يعتقها فإن هذا الباب لو فتح لوجد كل قاض السبيل إلى قتل عدوه وتفسيقه والتفريق بينه وبين من يحب ومن ثم قال الشافعي لولا قضاة السوء لقلت أن للحاكم أن يحكم بعلمه
قال ابن التين ما ذكره البخاري عن عمر وعبد الرحمن هو قول مالك وأكثر أصحابه
وقال بعض أصحابه يحكم بما علم فيما أقر به أحد الخصمين عنده في مجلس الحكم
وقال ابن القاسم وأشهب لا يقضي بما يقع عنده في مجلس الحكم إلا إذا شهد له عنده
وقال ابن المنير مذهب مالك أن من حكم بعلمه نقض على المشهور إلا إن كان علمه حادثا بعد الشروع بعد المحاكم فقولان وأما ما أقر به عنده في مجلس الحكم فيحكم ما لم ينكر الخصم بعد إقراره وقبل الحكم عليه فإن ابن القاسم قال لا يحكم عليه حينئذ ويكون شاهدا وقال ابن الماجشون يحكم بعلمه قال البخاري وقال بعض أهل العراق ما سمع أو رآه في مجلس القضاء قضي به وما كان في غيره لم يقض إلا بشاهدين يحضرهما إقراره قال في الفتح وهذا قول أبي حنيفة ومن تبعه ووافقهم مطرف وابن الماجشون وأصبغ وسحنون من المالكية
قال ابن التين وجرى به العمل وروى عبد الرزاق نحوه من شريح
قال البخاري وقال آخرون منهم يعني أهل العراق بل يقضي به لأنه مؤتمن قال في الفتح وهو قول أبي يوسف ومن تبعه ووافقهم الشافعي فيما بلغني عنه أنه قال إن كان القاضي عدلا لا يحكم بعلمه في حد ولا قصاص إلا ما أقر به بين يديه ويحكم بعلمه في كل الحقوق مما علمه قبل ان يلي القضاء أو بعد ما ولي فقيد ذلك بكون القاضي عدلا إشارة إلى أنه ربما ولي القضاء من ليس بعدل قال البخاري وقال بعضهم يعني أهل العراق يقضي بعلمه في الأموال ولا يقضي بغيرها
قال في الفتح هو قول أبي حنيفة القياس أنه يحكم في ذلك بعلمه ولكن ادع القياس واستحسن أن لا يقضي بعلمه في كل شيء إلا في الحدود قال وهذا هو الراجح عند الشافعية وقال ابن العربي لا يقضي بعلمه والصل فيه عندنا افجماع على أنه لا يحكم بعلمه في الحدود قال ثم أحدث بعض الشافعية قولا أنه يجوز فيها ايضا حين رأوا أنها لازمة لهم
قال الحافظ كذا قال فجرى على عادته في التهويل والإقدام على نقل الإجماع مع شهرة الاختلاف وق حكى في البحر القول بأن الحاكم يحكم بعلمه عن العترة والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وحكى المنع عن شريح والشعبي والأوزاعي ومالك وإسحاق وأحد قولي الشافعي والأقوال في المسألة فيها طول ذكر البخاري وشراح كتابه بعضا منها في باب الشهادة تكون عند الحاكم وبعضا في باب من رأي للقاضي ان يحكم بعلمه : وذكر البخاري في البابين أحاديث يستدل بها على الجواز وعدمه وهي في غاية البعد عن الدلالة على المقصود وكذلك ما ذكره المصنف في هذا الباب فإن حديث عائشة ليس فيه إلا مجرد وقوع الأخبار منه صلى الله عليه وآله وسلم بما وقع به الرضا من الطالبين للقود وإن كان الاحتجاج بعدم القضاء منه صلى الله عليه وآله وسلم عليهم بما رضوا به المرة الأولي فلم يكن هناك مطالب له بالحكم عليهم
وكذلك حديث جابر المذكور لا يدل على المطلوب بوجه وغاية ما فيه الامتناع عن القتل لمن كان في الظاهر من الصحابة لئلا يقول الناس تلك المقالة والأخبار للحاضرين بما يكون من أمر الخوارج وترك أخذهم بذلك لتلك العلة ومن جملة ما استدل به البخاري على الجواز حديث هند زوجة أبي سفيان لما أذن لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بوجوب النفقة لعلمه بأنها زوجة أبي سفيان ولم يلتمس على ذلك بينة وتعقبه ابن المنير بأنه لا دليل فيه لأنه خرج مخرج الفتيا وكلام المفتي يتنزل على تقدير صحة كلام المستفتي اه فإن قيل أن محل الدليل إنما هو عمله بعلمه أنها زوجة أبي سفيان فكيف صح هذا التعقب فيجاب بأن الذي يحتاج إلى معرفة المحكوم له هو الحكم لا الافتاء فإنه يصح لمجهول فإذا ثبت أن ذلك من قبيل الافتاء بطلت دعوى أنه حكم بعلمه أنها زوجة وقد تعقب الحافظ كلام ابن منير فقال وما أدعى تفيه بعيد فإنه لو لم يعلم صدقها لم يأمرها بالأخذ وإطلاعه على صدقها ممكن بالوحي دون من سواه فلا بد من سبق علم ويجاب عن هذا بأن الأمر لا يستلزم الحكم لأن المفتي يأمر المستفتي بما هو الحق لديه وليس ذلك من الحكم في شيء ومن جملة ما استدل به على المنع الحديث المتقدم عن أم سلمة " فأقضي بنحو ما أسمع " ولم يقل بما أعلم
ويجاب بأن التنصيص على السماع لا ينفي كون غيره طرقا للحكم على أنه يمكن أن يقال أن الاحتجاج بهذا الحديث للمجوزين أظهر فإن العلم أقوى من السماع لأنه يمكن بطلان ما سمعه الإنسان ولا يمكن بطلان ما يعلمه ففحوى الخطاب تقتضي جواز القضاء بالعلم ومن جملة ما استدل به المانعون حديث شاهداك أو يمينه وفي لفظ وليس لك إلا ذلك ويجاب بالعلم ومن جملة ما استدل به المانعون حديث شاهداك أو يمينه وفي لفظ ليس لك إلا ذلك ويجاب بما تقدم من التنصيص على ما ذكره لا ينفي ما عداه
وأما قوله " وليس لك إلا ذلك " فلم يقله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد علم بالحق منهما من المبطل حتى يكون دليلا على عدم حكم الحاكم بعلمه بل المراد أنه ليس للمدعي من المنكر إلا اليمين وإن كان فاجرا حيث لم يكن للمدعي برهان . والحق الذي لا ينبغي العدول عنه أن يقال إن كانت الأمور التي جعلها الشارع أسبابا للحكم كالبينة واليمين ونحوهما أمورا تعبدنا الله بها لا يسوغ لنا الحكم إلا بها وإن حصل لنا ما هو أقوى منها بيقين فالواجب علينا الوقوف عندها والتقيد بها وعدم العمل بغيرها في القضاء كائنا ما كان وإن كانت أسبابا يتوصل الحاكم بها إلى معرفة المحق من المبطل والمصيب من المخطئ غير مقصودة لذاتها بل لأمر آخر وهو حصول ما يحصل للحاكم بها من علم أو ظن وأنها أقل ما يحصل له ذلك في الواقع فكان الذكر لها لكونها طرائق لتحصيل ما هو المعتبر فلا شك ولا ريب أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه لأن شهادة الشاهدين والشهود لا تبلغ إلى مرتبة العلم الحاصل عن المشاهدة أو ما يجري مجراها فإن الحاكم بعلمه غير الحاكم الذي يستند إلى شاهدين أو يمين . ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم " فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذه إنما أقطع له قطعة من نار " فإذا جاز الحكم مع تجويز كون الحكم صوابا وتجويز كونه خطأ فكيف لا يجوز مع القطع بأنه صواب لاستناده إلى العلم اليقين ولا يخفي رجحان هذا وقوته لأن الحاكم به قد حكم بالعدل والقسط والحق كما أمر الله تعالى
ويؤيد هذا ما سيأتي في باب استحلاف المنكر حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم للكندي ألك بينة فإن البينة في الأصل ما به يتبين الأمر ويتضح ولا يرد على هذا أنه يستلزم قبول شهادة الواحد والحكم بها لأنا نقول إذا كان القضاء بأحد الأسباب المشروعة فيجب التوقف فيه على ما ورد
وقد قال تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقال صلى الله عليه وآله وسلم " شاهداك " وإنما النزاع إذا جاء بسبب آخر من غير جنسها هو أولى بالقبول منها كعلم الحاكم . واستدل المستثني للحدود بما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " وفي لفظ " لو كنت راجما أحدا من غير بينة لرجمتها " أخرجه مسلم وغيره من حديث ابن عباس في قصة الملاعنة . وظاهره أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد علم وقوع الزنا منها ولم يحكم بعلمه
ومن ذلك قول أبي بكر وعبد الرحمن المتقدمان . ويمكن أن يجاب عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما لم يعمل بعلمه لكونه قد حصل التلاعن وهو أحد الأسباب الشرعية الموجبة للحكم بعدم الرجم والنزاع إنما هو في الحكم بالعلم من دون أن يتقدم سبب شرعي ينافيه وقد تقدم في اللعان ما يزيد هذا وضوحا . ومن الأدلة الدالة على جواز الحكم بالعلم ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم من حديث عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن الأعرج عن أبي هريرة قال " جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال للمدعي أقم البينة فلم يقمها فقال للآخر أحلف فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ماله عنده شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد فعلت ولكن غفر لك بأخلاص لا إله إلا الله " وفي رواية للحاكم " بل هو عند أدفع إليه حقه ثم قال شهادتك أن لا إله إلا الله كفارة يمينك " وفي رواية لأحمد " فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أنه كاذب إن له عنده حقه فأمره أن يعطيه وكفارة يمينه معرفة لا إله إلا الله " وأعله ابن جزم بأبي يحيى وهو مصدع المعرقب كذا قال ابن عساكر وتعقبه المزي بأنه وهم بل اسمه زياد كذا اسمه عند أحمد والبخاري وأبي داود في هذا الحديث واعله أبو حاتم برواية شعبة عن عطاء بن السائب عن البختري بن عبيد عن أبي الزبير مختصرا " أن رجلا حلف بالله وغفر له " قال وشعبة أقدم سماعا من غيره
وفي الباب عن أنس من طريق الحارث بن عبيد عن ثابت وعن ابن عمر
قال الحافظ أخرجهما البيهقي والحارث بن عبيد هو أبو قدامة . فهذا الحديث فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى بعلمه بعد وقوع السبب الشرعي وهو اليمين فبالأولى جواز القضاء بالعلم قبل وقوعه
وقد حكى في البحر عن الإمام يحيى وأحد قولي المؤيد بالله وأحد قولي الشافعي أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في الحدود وغيرها واستدل لهم بأنه لم يفصل الدليل . وحكى عن ابن حنيفة ومحمد أنه إن علم الحد قبل ولايته أو في غير بلد ولايته لم يحكم به إذ ذلك شبهة وإن علم به في بلد ولايته أو بعد ولايته حكم بعلمه
باب من لا يجوز الحكم بشهادته
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر على أخيه ولا تجوز شهادتة القانع لأهل البيت والقانع الذي ينفق عليه أهل البيت "
- رواه أحمد وأبو داود
وقال شهادة الخائن والخائنة إلى آخره ولم يذكر تفسير القانع . ولأبي داود في رواية " لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي عمر على أخيه "
2 - وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " لاتجوز شهادة بدوى على صاحب قرية "
- رواه أبو داود وابن ماجه
- حديث عمرو بن شعيب أخرجه البيهقي وابن دقيق العيد قال في التلخيص وسنده قوي اه وقد ساقه أبو داود بإسنادين . الإسناد الأول قال حتدثنا حفص ابن عمر حدثنا محمد بن راشد يعني المكحولي الدمشقي نزيل البصرة وثقه أحمد وابن معين حدثنا سليمان بن موسى يعني القرشي الأموس فقيه أهل الشام وكان أوثق أصحاب مكحول وأعلاهم من عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهذا إسناد لا مطعن فيه . ورواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لا يخرج بها الحديث عن الحسن والصلاحية للاحتجاج . والسند الثاني قال حدثنا محمد بن خلف ابن طارق الرازي حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد يعني الدمشقي الخزاعي وهو ثقة حدثنا سعيد بن عبد العزيز يعني ابن يحيى التنوخي الدمشقي ورى له البخاري في الأدب وسائر الجماعة عن سليمان بن موسى المتقدم عن عمرو بن شعيب بالإسناد المتقدم وهذا كالإسناد الأول
وفي الباب من حديث عائشة مرفوعا بلفظ " لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر لأخيه ولا ظنين ولاقرابة " أخرجه الترمذي والدارقطني والبيهقي وفيه يزيد بن زياد الشامي وهو ضعيف قال الترمذي لا يعرف هذا من حديث الزهري إلا من هذا الوجه ولا يصح عندنا إسناده
وقال أبو زرعة في العلل منكر وضعفه عبد الحق وابن حزم وابن الجوزي وفي الباب أيضا من حديث عبد الله ابن عمر بن الخطاب نحوه أخرجه الدارقطني والبيهقي وفي إسناده عبد الأعلى وهو ضعيف وشيخه يحيى بن سعيد الفارسي وهو أيضا ضعيف قال البيهقي لا يصح من هذا شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي الباب أيضا عن عمر " لا تقبل شهادة ظنين ولاخصم " أخرجه مالك في الموطأ موقوفا وهو منقطع قال الإمام في النهاية واعتمد الشافعي خبرا صحيحا وهو أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تقبل شهادة خصم على خصم قال الحافظ ليس له إسناد صحيح لكن له طرق يتقوى بعضها بعض فروى أبو داود في المراسيل من حديث طلحة بن عبد الله ابن عوف إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث مناديا أنها لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ورواه البيهقي من طريق الأعرج مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تجوز شهادة ذي الظنة والحنة يعني الذي بينك وبينه عداوة ورواه الحاكم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه مثله
وفي إسناده نظر
وحديث الباب عن أبي هريرة أخرجه البيهقي وقال هذا الحديث مما تفرد به محمد ابن عمر وبن عطاء عن عطاء بن يسار وقال المنذري رجال إسناده احتج بهم مسلم في صحيحه اه وسياقه في سنن أبي داود قال حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب ونافع بن يزيد الكلاعي عن أبي الهاد يعني يزيد بن عبد الله بن الهاد الليثي عن محمد بن عمرو بن عطاء يعني القرشي العامري عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة
قوله : " لاتجوز شهادة خائن ولا خائنة " صرح أبو عبيد بأن الخيانة تكون في حقوق الله كما تكون في حقوق الناس من دون اختصاص
قوله : " ولا ذي غمر " قال ابن رسلان بكسر الغين المعجمة وسكون الميم بعدها راء مهملة قال أبو داود الغمر الحنة والسحناء والحنة بكسر الحاء المهملة وتخفيف النون المفتوحة لغة في احنة وهي الحقد قال الجوهري يقال في صدره عى ؟ ؟ احنة ولا يقال حنة والواحنة المعاداة والصحيح أنها لغة كما ذكره أبو داود وجمعها حنات
قال ابن الأثير وهي لغة قليلة في الاحنة وقال الهروي هي لغة رديئة والشحناء بالمد العداوة وهذا يدل على أن العداوة تمنع من قبول الشهادة لأنها تورث التهمة وتخالف الصداقة فإن في شهادة الصديق لصديقه بالزور نفع غيره بمضرة نفسه وبيع آخرته بدنيا غيره وشهادة العدو على عدوه يقصد بها نفع نفسه بالتشفي من عدوه فافترقا فإن قيل لم قبلته شهادة المسلمين على الكفار مع العداوة قال ابن رسلان قلنا العداوة ههنا دينية والدين لا يقتضي شهادة الزور بخلاف العداوة الدنيوية قال وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد والجمهور وقال أبو حنيفة لا تمنع العداوة الشهادة لأنها لا تخلب العدالة فلا تمنع الشهادة كالصداقة اه . وإلى الأول ذهبت الهادوية وإلى الثاني ذهب المؤيد بالله أيضا والحق عدم قبول شهادة العدو على عدوه لقيام الدليل على ذلك والأدلة لا تعارض بمحض الآراء وليس للقائل بالقبول دليل قبول قال في البحر مسألة العداوة لأجل الدين لا تمنع كالعدلى على القدرى والعكس ولأجل الدنيا تمنع
قوله " ولا تجوز شهادة القانه لأهل البيت " هو الخادم المنقطع إلى الخدمة فلا تقبل شهادته للتهمة بجلب النفع إلى نفسه وذلك كالأجير الخاص وقد ذهب إلى عدم قبول شهادته للمؤجر له الهادي والقاسم والناصر والشافعي قالوا لأن منافعه قد صارت مستغرقة فأشبه العبد وقد حكى في البحر الإجماع على عدم قبول شهادة العبد لسيده
قوله : " ولا زان ولا زانية " المانع من قبول شهادتهما الفسق الصريح
وقد حكى في البحر الإجماع على أنها لا تصح الشهادة من فاسق لصريح قوله تعالى { واشهدوا ذوي عدل } وقوله { إن جائكم فاسق } اه واختلف في شهادة الولد لوالده والعكس فمنع من ذلك الحسن البصري والشعبي وزيد بن علي والمؤيد بالله ووالإمام يحيى والالثوري ومالك والشافعية والحنفية وعللوا بالتهمة فكان القانع
وقال عمر بن الخطاب وشريح وعمر بن عبد العزيز والعترة وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في قوله له أنها تقبل لعموم قوله تعالى { ذوي عدل } وهكذا وقع الخلاف في شهادة أحد الزوجين للآخر لتلك العلة ولا ريب أن القرابة والزووجية مظنة للتهمة لأن الغالب فيهما المحاباة . وحديث ولا ظنين المتقدم يمنع من قبول شهادة المتهم فمن كان معروفا من القرابة ونحوهم بمتانة الدين البابغة إلى خد لا يؤثر معها محبة القرابة فقد زالت حينئذ وظنة التهمة ومن لم يكن كذلك فالواجب عدم القبول لشهادته لأنه مظنة للتهمة
قوله " لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية " البدوي هو الذي يسكن البادية في المضارب والخيام ولا يقيم في موضع خاص بل يرتحل من مكان إلى مكان وصاحب القرية هو الذي يسكن القرى وهي المصر الجامع
قال في النهاية إنما كره شهادة البدوي لما فيه من الجفاء في الدين والجهالة بأحكام الشرع ولأنهم في الغالب لا يضبظون الشهادة على وجهها
قال الخطابي يشبه أن يكون إنما كره شهادة أهل البدو لما فيهم من عدم العلم بإتيان الشهادة على وجهها ولا يقيمونها على حقها لقصور علمهم عما يغيرها عن وجهها وكذلك قال أحمد وذهب إلى العمل بالحديث جماعة من أصحاب أحمد وبه قال مالك وأبو عبيد وذهب الأكثر إلى القبول قال ابن رسلان وحملوا هذا الحديث على من لم تعرف عدالته من أهل البدو والغلب أنهم لا تعرف عدالتهم اه وهذا حمل مناسب لأن البدوي إذا كان معروف العدالة كان رد شهادته لعلة كونه بدويا غير مناسب لقواعد الشريعة لأن المساكن لا تأثير لها في الرد والقبول لعدم صحة جعل ذلك مناطا شرعيا ولعدم إنضباطه فالمناط هو العدالة الشرعية إن وجد للشرع اصطلاح في العدالة وإلا توجه الحمل على العدالة اللغوية فعند وجود العدالة يوجد القبول وعند عدمها يعدم ولم يذكر صلى الله عليه وآله وسلم المنع من شهادة البدوي إلا لكونه مظنة لعدم القيام بما يحتاج إليه العدالة وإلا فقد قبل صلى الله عليه وآله وسلم في الهلال شهادة بدوي
باب ما جاء في شهادة أهل الذمة بالوصية في السفر
1 - عن الشعبي " أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا هذه ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته فاشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة فأتيا الأشعري يعني أبا موسى فأخبراه وقدما بتركه ووصيته فقال الأشعري هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله ؟ ؟ ؟ ؟ فأحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا وأنها لوصية الرجل وتركته فأمضى شهادتهما "
- رواه أبو داود والدارقطني بمعناه
2 - وعن جبير بن نفير قال " دخلت على عائشة فقالت هل تفرأ سورة المائدة قلت نعم قالت فإنها آخر سورة أنزلت فما وجدتم فيها من حلال فاحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه "
- رواه أحمد
3 - وعن ابن عباس قال " خرج رجل من بني سهم مع تميم الدارى وعدي ابن بداء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم فلما قدموا بتركه فقدوا جاما من فضة مخوصا بذهب فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم وجد الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي بن بداء فقام رجلان من أوليائه فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وابن الجام لصاحبهم قال وفيهم نزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم "
- رواه البخاري وأبو داود
- حديث أبي موسى سكت عنه أبو دداود والمنذري قال الحافظ في الفتح أن رجال إسناده ثقات اه وسياقه عند أي داود قال حدثنا زياد بن أيوب يعني الطاوسي شيخ البخاري حددثنا هشيم أخبرنا زكريا يعني ابن أبي زائدة عن الشعبي وأثر عائشة رجاله في المسند رجال الصحيح وأخرجه أيضا الجحاكم قال في الفتح صح عن عائشة وابن عباس وعمرو بن شرحبيل وجمع من السلف أن سورة المائدة محكمة . وحديث ابن عباس قال البخاري في صحيحه وقال لي على المديني فذكره قال المنذري وهذه عادته فيما لم يكن على شرطه وقد لي على ابن المديني على هذا الحديث وقال لا أعرف ابن أبي القاسم وقال وهو حديث حسن اه وابن أبي القاسم هذا هو محمد بن أبي القاسم قال يحيى بن معين ثقة قد كتبت عنه وكذلك وثقة أبو حاتم وتوقف فيه البخاري وأخرج هذا الحديث الترمذي وقال حسن غريب وقد أشار في الفتح إلى مثل كلام المنذري فقال على قول البخاري وقا لي علي بن المديني وهذا مما يقوى مما قررته غير مرة أنه يعبر بقوله وقال لي في الأحاديث التي سمعها لكن حيث يكون في إسنادها عنده نظر أو حيث تكون موقوفة
وأما من زعم أنه يعبر بها فيما أخذه في المذاكرة أو بالمناولة فليس عليه دليل
قوله : " بدقوقا " بفتح الدال المهملة وضم القاف وسكون الواو بعدها قاف مقصورة وقد مدها بعضهم وهي بلد بين بغداد واربل
قوله : " من أهل الكتاب " يعني نصرانيين كما بين ذلك البيهقي وبين أن الرجل من خثعم ولفظه عن الشعبي توفي رجل من خثعم فلم يشهد موته إلا رجلان نصرانيانز قوله " فاحلفهما " يقال في المتعدي أحلفته احلافا وحلفته بالتشديد تحليفا واستحلفته
قوله : " بعد العصر " هذا يدل على جواز التغليظ بزمان من الأزمنة
قوله : " ولا بدلا " بتشديد الدال
قوله : " من بني سهم " هو بديل بضم الموحدة وفتح الدال مصغرا وقيل بريل بالراء المهملة
قوله : " وعدى بن بداء " بفتح الموحدة وتشديد المهملة مع المد
قوله : " فقدوا جاما " بالجيم وتخفيف الميم أي اناء
قوله : " مخوصا " بخاء معجمة وواو ثقيلة بعدها مهملة أي منقوشا فيه صفة الخوص . ووقع في رواية مخوضا بالضاد المعجمة أي مموها والأول أشهر
قوله " فقام رجلان " الخ وقع في رواية الكلبي فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم قال مقاتل بن سليمان هو المطلب بن أبي وداعة وهو سهمي ولكنه سمي الأول عبد الله بن عمرو بن العاص واستدل بهذا الحديث على جواز رد اليمين على المدعى فيحلف ويستحق واستدل به ابن سريج الشافعي على الحكم بالشاهد واليمين وتكلف في انتزاعه فقال قوله تعالى { فإن عثر على انهما استحقا اثما " لا يخلو أما أن يقرا أو يشهد عليهما شاهدان أو شاهد وامرأتان أوشاهد واحد قال وقد اجمعوا على أن الأقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينا على الطالب وكذلك مع الشاهدين ومع الشاهد والمرأتين فلم يبق إلا شاهد واحد فلذلك استحقه الطالبان بيمينيهما مع الشاهد الواحد وتعقبه الحافظ بأن القصة وردت من طرق متعددة في سبب النزول وليس في شيء منها أنه كان هناك من يشهد بل في رواية الكلبي فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم ان يستحلفوه أي عديا بما يعظم على أهل دينه واستدل بهذا الحديث على جواز شهادة الكفار بناء على أن المراد بالغير في الآية الكريمة الكفار
والمعنى منكم أن من أهل دينكم أو آخران من غيركم أي من غير أهل دينكم وبذلك قال أبو حنيفة ومن تبعه وتعقب بأنه لا يقول بظاهرها فلا يجيز شهادة الكفار على المسلمين وإنما يجيز شهادة بعض الكفار على بعض وأجيب بأن الآية دلت بمنطوقها على قبول شهادة الكافر على المسلم وبايمائها على قبول شهادة الكافر بطريق الأولى ثم دل الدليل على أن شهادة الكافر على المسلم غير مقبولة فبقيت شهادة الكافر على الكافر على حالها وهذا الجواب على التعقب في غير محله لأن التعقب هو باعتبار ما يقوله أبو حنيفة لا باعتبار استدلاله وخص جماعة القبول بأهل الكتاب وبالوصية وبفقد المسلم حينئذ ومنهم ابن عباس وأبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وشريح وابن سيرين والأوزاعي والثوري وأبو عبيدة وأحمد وأخذوا بظاهر الآية وحديث الباب فإن سياقه مطابق لظاهر الآية وقيل المراد بالغير غير العشيرة والمعنى منكم أي من عشيرتكم أو أخران من غيركم أي من غير عشيرتكم وهو قول الحسن البصري واستدل له النحاس بأن لفظ آخر لا بد أن يشارك الذي قبله في الصفة حتى لا يسوغ أن يقول مررت برجل كريم ولئيم آخر فعلى هذا فقد وصف الأثنان بالعدالة فتعين أن يكون الآخران كذلك وتعقب بأن هذا وإن ساغ في الآية لكن الحديث دل على خلاف ذلك والصحابي إذا حكى سبب النزول كان ذلك في حكم الحديث المرفوع
قال في الفتح اتفاقا وأيضا ففيما قال رد المختلف فيه بالمختلف فيه لأن اتصاف الكافر بالعدالة مختلف فيه وهو فرع قبول شهادته فمن قبلها وصفه بها ومن لا فلا واعترض أبو حبان على المنال الذي ذكره النحاس بأنه غير مطابق فلو قلت جاءني رجل مسلم وآخر كافر صح بخلاف ما لو قلت جاءني رجل مسلم وكافر آخر والآية من قبيل الأول لا الثاني لأن قوله آخران من جنس قوله اثنان لأن كلا منهما صفة رجلان فكأنه قال فرجلان اثنان ورجلان آخران . وذهب جماعة من الأئمة إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى { ممن ترضون من الشهداء } واحتجوا بالإجماع على رد شهادة الفاسق والكافر شر من الفاسق . وأجاب الأولون أن النسخ لا يثبت بالاحتمال وإن الجمع بين الدليلين أولى من ألغاء أحدهما وبأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن وأنها محكمة كما تقدم وأخرج الطبري عن ابن عباس بإسناد رجاله ثقات أن الآية نزلت فيمن مات مسافرا وليس عند أحد من المسلمين وأنكر أحمد على من قال أن هذه الآية منسوخة وقد صح عن أبي موسى الأشعري أنه عمل بذلك كما في حديث الباب وذهب الكرابيسي والطبري وآخرون إلى أن المراد بالشهادة في الآية اليمين قالوا وقد سمى الله اليمين شهادة في آية اللعان وأيدوا ذلك بالإجماع على أن الشاهد لا يلزمه أن يقول أشهد بالله وأن الشاهد لا يمين عليه أنه شهد بالحق قالوا فالمراد بالشهادة اليمين لقوله " فيقسمان بالله " أي يحلفان فإن عرف أنهما حلفا على الأثم رجعت اليمين على الأولياء وتعقب بأن اليمين لا يشترط فيها عدد ولاعدالة بخلاف الشهادة . قد اشترط في القصة فقوى حملها على أنها شهادة وأما عتلال من اعتل في ردها بأن الآية تخالف القياص والأصول لما فيها من قبول شهادة الكافر وحبس الشاهد وتحليفه وشهادة المدعى لنفسه واستحقاقه بمجرد اليمين فقد أجاب من قال به بأنه حكم بنفسه عن نظيره وقد قبلت شهادة الكافر في بعض المواضع كما في الطب وليس المراد بالحبس السجن وإنما المراد الأمساك لليمين ليحلف بعد الصلاة وأما تحليف الشاهد فهو مخصوص بهذه السورة عند قيام الريبة وأما شهادة المدعي لنفسه واستحقاقه بمجرد اليمين فإن الآية تضمنت نقل الأيمان إليهم عند ظهور الوصيين فيشرع لهما أن يحلفا ويستحقا كما يشرع لمدعي القسامة أن يحلف ويستحق فليس هو من شهادة المدعى لنفسه بل من باب الحكم له بيمينه القائمة مقام الشهادة لقوة جانبه وأي فرق بين ظهور اللوث في صحة الدعوى بالدم وظهوره في صحة الدعوى بالمال وحكى الطبري أن بعضهم قال المراد بقوله " اثنان ذوا عدل منكم " الوصيان قال والمراد بقوله " شهادة بينكم " معنى الحضور بما يوصيهما به الوصي ثم زيف ذلك وهذا الحكم يختص بالكافر الذمي وأما الكافر الذي ليس بذمي فقد حكى في البحر الإجماع على عدم قبول شهادته على المسلم مطلقا
باب الثناء على من أعلم صاحب الحق بشهادة له عنده وذم من أدى شهادة من غير مسألة
1 - عن زيد بن خالد الجهني " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ألا اخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسئلها "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه
وفي لفظ " الذين يبدؤن بشهادتهم من غير أن يسئلوا عنها " رواه أحمد
2 - وعن عمر أن بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال خير أمتي قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنة قرنين أو ثلاثة ثن أن من بعدهم قوما يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن "
- متفق عليه
3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير أمتي القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم والله أعلم اذكر الثالث أم لا قال ثم يحلف بقوم يشهدون قبل أن يستسهدوا "
- رواه أحمد ومسلم
- قوله " ألا أخبركم بخير الشهداء " جمع شهيد كظرفاء جمع ظريف ويجمع أيضا على شهود . والمراد بخير الشهداء أكملهم في رتبة الشهادة وأكثرهم ثوابا عند الله
قوله : " قبل أن يسئلها " في رواية قبل أن يستشهد وهذه هي شهادة الحسبة فشاهدها خير الشهداء لأنه لو لم يظهرها لضاع حكم من أحكام الدين وقاعدة من قواعد الشرع
وقيل أن ذلك في الأمانة والوديعة ليتيم لا يعلم مكانها غيره فيخبر بما يعلم من ذلك
وقيل هذا مثل في سرعة إجابة الشاهد إذا استشهد فلا يمنعها ولا يؤخرها كما يقال الجواد يعطي قبل سؤاله عبارة عن حسن عطائه وتعجيله
قوله : " خير أمتي قرني " قال في القاموس القرن يطلق من عشرة إلى مائة ووعشرين سنة ورجح الإطلاق على المائة وقال صاحب المطالع القرن أمة هلكت فلم يبق منهم أحد
قال في النهاية القرن أهل كل زمان وهو مقدار المتوسط في أعمار أهل كل زمان مأخوذ من الاقتران فكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم . قيل القرن أربعون سنة وقيل ثمانون وقيل مائة وقيل هو مطلق من الزمان وهو مصدر قرن يقرن اه
قال الحافظ لم نر من صرح بالتسعين ولا بمائة وعشرة وما عدا ذلك فقد قال به قائل . والمراد بقرنه صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث هم الصحابة كما في حديث أبي هريرة المذكور بلفظ " الذي بعثت فيه " والمراد بالذين يلونهم التابعون والذين يلونهم تابعوا التابعين
وفيه دليل على أن الصحابة أفضل الأمة والتابعين أفضل من الذين بعدهم وتابعي التابعين أفضل ممن بعدهم . وثم أحاديث معارضة في الظاهر لهذا الحديث وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله في باب ذكر من حلف قبل أن يستحلف وهو آخر أبواب الكتاب
قوله : " يخونون " بالخاء المعجمة مشتق من الخيانة . وزعم ابن حزم أنه وقع في نسة " يحربون " بسكون المهملة وكسر الراء بعدها موحدة قال فإن كان محفوظا فهو من قولهم حربة يحربه إذا أخذ مله وتركه بلا شيء ورجل محروب أي مسلوب المال
قوله : " ولا يؤتمنون " من الأمانة أي لا يثق بهم لخيانتهم
وقال النووي وقع في نسخ مسلم " ولا يتمنون " بتشديد الفوقية
قال غيره هو نظير قوله " يتزر " بالتشديد موضع يأتزر
قوله : " ويظهر فيهم السمن " يكسر المهملة وفتح الميم بهدها نون أي يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهي أسباب السمن
وقال ابن التين المراد ذم محبته وتعاصيه لا من يخلق كذلك
وقيل المراد يظهر فيهم كثرة المال
وقيل المراد أنهم يتسمنون أي يتكثرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس لم من الشرف
قال في القتح ويحتمل أن يكون جميع ذلك مرادا
وقد ورد في لفظ من حديث عمران عند الترمذي بلفظ " ثم يجيء قوم متسمنون ويحبون السمن " قال الحافظ وهو ظاهر في تعاطي السمن على حقيقته فهو أولى ما حمل عليه خبر الباب وإنما كان ذلك مذموما لأن السمين غالبا يكون بليد الفهم ثقيلا عن العبادة كما هو مشهور
قوله : " ويشهدزن وولا يستشهدون " يحتمل أن يكون التحمل بدون تحميل أو الأداء بدون طلب
قال الحافظ والثاني أقرب وأحاديث الباب متعارضة فحديث زيد بن خالد الجهني يدل على استحباب شهادة الشاهد قبل أن يستشهد . وحديث عمران وأبي هريرة يدلان على كراهة ذلك
وقد اختلف أهل العلم في ذلك فبعضهم جنح إلى الترجيح فرجح ابن عبد البر حديث زيد بن خالد لكونه من رواية أهل المدينة فقدمه على حديث عمران لكونه من رواية أهل العراق وبالغ فزعم أن حديث عمران المذكور لا أصل له وجنح غيره إلى ترجيح حديث عمران لاتفاق صاحبي الصحيح عليه وانفرد مسلم بإخراج حديث زيد وذهب آخرون إلى الجمع فمنهم من قال أن المراد بحديث زيد من عنده شهادة لأنسان بحق لا يعلم بها صاحبها فيأتي إليه فيخبره بها أو يموت صاحبها العالم بها ويخلف ورثة فيأتي الشاهد إلى وريته فيعلمهم بذلك قال الحافظ وهذا أحسن الأجوبة وبه أجاب يحيى بن سعيد شيخ مالك ومالك وغيرهما ثانيها أن المراد بحديث زيد شهادة الحسبة وهي ما لا يتعلق بحقوق الآدميين المختصة بهم محضا ويدخل في الحسبة مما يتعلق بحق الله أو فيه شائبة منه العتاق والوقف والوصية العامة والعدة والطلاق والحدود ونحو ذلك ( وحاصله ) أن المراد بحديث زيد الشهادة في حقوق الله وبحديث عمران وأبي الإجابة إلى الأداء فيكون لشدة استعداده لها كالذي أداها قبل أن يسئلها وهذه الأجوبة مبينة على أن الأصل في أداء الشهادة عند الحاكم أنه لا يكون إلا بعد الطلب من صاحب الحق فيخص ذم من يشهد قبل أن يستشهد بمن ذكر ممن يخبر بشهادته ولا يعلم بها صاحبها وذهب بعضهم إلى جواز أداء الشهادة قبل السؤال على ظاهر عموم حديث زيد وتأولوا حديث عمران بتأويلات . أحدها أنه محمول على شهادة الزور أي يؤدون شهادة لم يسبق لهم تحملها وهذا حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم . ثانيها المراد بها الشهادة في الحلف يدل عليه ما في البخاري من حديث ابن مسعود بلفظ " كانوا يضربوننا على الشهادة " أي قول الرجل أشهد بالله ما كان إلا كذا على معنى الحلف فكره ذلك كما كره الإكثار من الحلف واليمين قد تسمى شهادة كما تقدم وهذا جواب الطحاوي . ثالثها المراد بها الشهادة على المغيب من أمر الناس فيشهد على قوم أنهم في النار وعلى قوم أنهم في الجنة بغير دليل كما يصنع ذلك أهل الأهواء حكاه الخطابي . رابعها المراد به من ينتصب شاهدا وليس من أهل الشهادة . خامسها المراد مهما أمكن فهو مقدم على الترجيح فلا يصار إلى الترجيح في أحاديث الباب وقد أمكن الجمع بهذه الأمور
باب التشديد في شهادة الزور
1 - عن أنس قال " ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قول الزور أو شهادة الزور "
2 - وعن أبي بكرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس وقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت "
- متفق عليهما
3 - وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار "
- رواه ابن ماجه
- حديث ابن عمر انفرد ابن ماجه بإخراجه كما في الجامع وغيره وسياق إسناده . في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا سويد بن سعيد حدثنا محمد بن الفرات عن محارب ابن دثار عن ابن عمر فذكره ومحمد بن الفرات هو كوفي كذبه أحمد قال في التقريب كذبوه
قوله : " ذكر الكبائر أو سئل عنها " هذه رواية محمد بن جعفر ورواية في البخاري سئل عن الكبائر . ورواية أحمد أو ذكرها قال في الفتح وكأن المراد بالكبائر أكبرها لما في حديث أبي بكرة المذكور وليس القصد حصر الكبائر فيما ذكره وقد ذكر الله الثلاث المذكورة في الحديث في آيتين الأولى { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } والثانية { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور }
قوله : " وكان متكئا فجلس " هذا يشعر باهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئا ويفيد ذلك تأكيد تحريمه وعظيم قبحه وسبب الاهتمام بشهادة الزور كونها أسهل وقوعا على الناس والتهاون بها أكثر فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم والعقوق يصرف عنه الطبع وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام به وليس ذلك لعظمه بالنسبة إلى ما ذكر معه من الإشراك قطعا بل لكونه مفسدته متعدية إلى الغير بخلاف الاشراك فإن مفسدته مقصورة عليه غالبا وقول الزور أعم من شهادة الزور لأنه يشمل كل زور من شهادة أو غيبة أو بهت أو كذب ولذا قال ابن دقيق العيد يحتمل أن يكون من الخاص بعد العام لكن ينبغي أن يحمل على التوكيد فإنا لو حملنا على الأطلاق لزم أن تكون الكذبتة والواحدة كبيرة وليس كذلك قال ولا شك في عظم الكذب ومراتبه متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده ومنه قوله تعالى { ومن يكسب خطيئة أو اثما ثم يرم به بريأ فقد احتمل بهتانا واثما مبينا } قوله حتى قلنا " حتى قلنا ليته سكت " أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه صلى الله عليه وآله وسلم والمحبة له والشفقة عليه ( وفي الحديث ) إنقسام الذنوب إلى كبير وأكبر وليس هذا موضع بسط الكلام على الكبائر وستأتي إشارة إلى طرف من ذلك في باب التشديد في اليمين الكاذبة ويؤخذ من الحديث ثبوت الصغائر لأن الكبائر بالنسبة إليها أكبر منها والاختلاف في ثبوت الصغائر مشهور وأكثر ما تمسك به من قال ليس في الذنوب صغيرة كونه نظر إلى عظم المخالفة لأمر الله ونهبه فالمخالفة بالنسبة إلى جلالة الله كبيرة لكن لمن أثبت الصغائر أن يقول وهي بالنسبة إلى ما فوقها صغيرة كما دل عليه حديث الباب وقد فهم الفرق بين الصغيرة والكبيرة من مدارك الشرع ويدل على ثبوت الصغائر قوله تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم } فلا ريب أن السيآت المكفرة ههنا هي غير الكبائر المجتنبة لأنه لا يكفر إلا ذنب قد فعله المذنب لا ما كان مجتنبا من الذنوب فإنه لا معنى لتفكيره والكبائر المرادة في الآية مجتنبة فالسيآت المكفرة غيرها وليست إلا الصغائر لأنها المقابلة لها وكذلك يؤيد ثبوت الصغائر حديث تفكير الذنوب الوارد في الصلاة والوضوء مقيدا باجتناب الكبائر فثبت أن من الذنوب ما يكفر بالطاعات ومنها ما لا يكفر وذلك عين المدعي . ولهذا قال الغزالي إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة لا يليق بالفقيه . ثم أن مراتب الصغائر والكبائر تختلف بحسب تفاوت مفاسدها
قوله : " حتى يوجب الله له النار " في هذا وعيد شديد لشاهد الزور حيث أوجب الله له النار قبل أن ينتقل من مكانه . ولعل ذلك مع عدم التوبة . أما لو تاب وأكذب نفسه قبل العمل بشهادته فالله يقبل التوبة عن عباده
باب تعارض البينتين والدعوتين
1 - عن أبي موسى " أن رجلين أدعيا بعيرا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبعث كل واحد منهما بشاهدين فقسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهما نصفين "
- رواه أبو داود
2 - وعن أبي مزسى " أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دابة ليست لواحد منهما بينة فجعلها بينهما نصفين "
- رواه الخمسة إلا الترمذي
3 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرض على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف "
- رواه البخاري
وفي رواية " أن رجلين تدارآ في دابة ليست لواحد منهما بينة فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يستهما على اليمين أحبا أو كرها " رواه أحمدد وأبو داود وابن ماجه
وفي رواية " تدارآ في بيع "
وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا كره الإثنان اليمين أو استحباها فليستهما عليها " رواه أحمد وأبو داود
- حديث أبي موسى أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وذكر الخلاف فيه علي قتادة وقال هو معلول فقد رواه حماد بن سلمة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة . ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان في صحيحه واختلف فيه على سعيد بن أبي عروبة فقيل عنه عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى
وقيل عنه عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة قال " أنبئت أن رجلين " قال البخاري قال سماك بن حرب أنا بردة بهذا الحديث . فعلى هذا لم يسمع أبو بردة هذا الحديث من أبيه وروا ه أبو كامل عن أبيه . ورواه أبو كامل مطهر بن مدرك عن حماد عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبي بردة مرسلا
قال حماد فحدثت به سماك بن حرب فقال أنا حدثت به أبا بردة
وقال الدارقطني والبيهي والخطيب الصحيح أنه عن سماك مرسلا . ورواه ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن سماك عن تميم بن طرفة " أن رجلين أدعيا بعيرا فأقام فأقام كل واحد منهما بينة أنه له فقضى به صلى الله عليه وآله وسلم ووصله الطبراني بذكر جابر بن سمرة فيه إسنادين في أحدهما حجاج بن أرطأ والراوي عنه سويد بن عبد العزيز
وفي الآخر ياسين الزيات والثلاثة ضعفاء كذا قال الحافظ قال المنذري في مختصر السنن حاكيا عن النسائي أنه قال هذا خطأ . ومحمد بن كثير المصيصي هو صدوق إلا أنه كثير الخطأ . وذكر أنه خولف في إسناده ومتنه
قال المنذري ولم يخرج أبو داود لحديث أبي موسى ثلاثة أسانيد ليس في واحد منها محمد بن كثير . وحديث أبي هريرة أخرج الرواية الثانية عنه النسائي أيضا . والرواية الثاثة عزاها المنذري إلى البخاري
قوله : " فقسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهما نصفين " فيه أنه لو تنازع رجلان في عين دابة أو غيرها فادعى كل واحد منهما أنها ملكه دون صاحبه ولم يكن بينهما بينة وكانت العين في يديهما فكل واحد مدع في نصف ومدعى عليه في نصف أو أقاما البينة كل واحد على دعواه تساقطتا وصارتا كالعدم وحكم به الحاكم نصفين بينهما لاستوائهما في اليد . وكذا إذا لم يقيما بينة كما في الرواية الثانية . وكذا إذا حلفا أو نكلا
قال ابن رسلان يحتمل أن تكون القصة في حديث أبي موسى الأول والثاني واحدة إلا أن البينتين لما تعارضتا تساقطتا وصارتا كالعدم . ويحتمل أن يكون أحدهما في عين كانت في يديهما . والآخر كانت العين في يد ثالث لا يدعيها بدليل ما وقع في رواية للنسائي " إدعيا دابة وجداها عند رجل فأقام كل منهما شاهدين فلما أقام كل واحد منهما شاهدين نزعت من يد الثالث ودفعت إليهما " قال وهذا أظهر لأن حمل الإسنادين على معنيين متعددين أرجح من حملهما على معنى واحد لأن القاعدة ترجيح ما فيه زيادة علم على غيره
قوله : " أحبا أو كرها " قال الخطابي الإكراه هنا لا يراد به حقيقته لأن الإنسان لا يكره على اليمين وإنما المعنى إذا توجهت اليمين على اثنين وأرادا الحلف سواء كانا كارهين لذلك بقلبهما وهو معنى الإكراه أو مختارين لذلك بقلبهما وهو معنى المحبة وتنازعا أيهما يبدأ فلا يقدم أحدهما على الآخر بالتشهي بل بالقرعة وهو المراد بقوله فليستهما أي فليقترعا وقيل صورة الاشتراك في اليمين أن يتنازع إثنان عينا ليست في يد أحدهما ولا بينة لواحد منهما فيقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف واستحقها ويدل على ذلك الرواية الثانية من حديث أبي هريرة ويحتمل أن تكون قصة أخرى فيكون القوم المذكورون مدعى عليهم بعين في أيديهم مثلا وأنكروا ولا بينة للمدعي عليهم فتوجهت عليهم اليمين فسارعوا إلى الحلف والحلف لا يقع معتبرا إلا في بيان معنى الحديث أن القرعة في أيهما تقدم عند إرادة تحليف القاضي لهما وذلك أنه يحلف واحد ثم يحلف الآخر فإن لم يحلف الثاني بعد حلف الأول فقضى بالعين كلها للحالف أولا وإن حلف الثاني فقد استويا في اليمين فتكون العين بينهما كما كانت قبل أن يحلفا وهذا يشهد له الرواية الثالثة في حديث أبي هريرة المذكور في الباب وقد حمل ابن الأثير في جامع الأصول الحديث على الاقتراع في المقسوم بعد القسمة وهو بعيد ويرده الرواية الثالثة فإنها بلفظ فليستهما عليها أي على اليمين
قوله : " فليستهما عليها " وجه القرعة أنه إذا تساوى الخصمان فترجيح أحدهما بدون مرجح لا يسوغ فلم يبق إلا المصير إلى ما فيه التسوية بين الخصمين وهو القرعة وهذا نوع من التسوية المأمور بها بين الخصوم وقد طول أئمة الفقه الكلام على قسمة الشيء المتنازع فيه بين متنازعيه إذا كان في يد كل واحد منهم أو في يد غيرهم مقربة لهم وأما إذا كان في يد أحدهما فالقول قوله واليمين عليه والبينة على خصمه وأما القرعة في تقديم أحدهما في الحلف فالذي في فروع الشافعية إن الحاكم يعين لليمين منهما نت ؟ ؟ شاء على ما يراه قال البرماوي لكن الذي ينبغي العمل به هو القرعة للحديث وقد قدمنا في كتاب الصلح في العمل بالقرعة كلاما مفيدا
باب استحلاف المنكر إذا لم تكن بينة وأنه ليس للمدعي الجمع بينهما
1 - عن الأشعث بن قيس قال " كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال شاهداك أو يمينه فقلت أنه إذا يحلف ولا يبالي فقال من حلف على يمين يقتطع بها من مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان "
- متفق عليه
واحتج به من لم ير الشاهد واليمين ومن رأى العهد يمينا
وفي لفظ " خاصمت ابن عم لي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بئر كانت لي في يده فجحدني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينتك أنها بئرك وإلا فيمينه قلت مالي بينة وإن يجعلها يمينه تذهب بئري إن خصمي امرؤ فاجر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان " رواه أحمد
2 - وعن وائل بن حجر قال " جاء رجل من حضر موت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال الحضرمي يا رسول الله إن هذا قد غلبني علي أرض كانت لأبي قال الكندي هي ارضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحضرمي ألك بينة قال لا قال فلك يمينه فقال يا رسول الله الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع من شيء قال ليس لك منه إلا ذلك فانطلق ليحلف فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أدبر الرجل أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض "
- رواه مسلم والترمذي وصححه وهو حجة على عدم الملازمة والتكفيل وعدم رد اليمين
- قوله كان بيني وبين رجل خصومة قد تقدم في كتاب الغصب أن الأشعث بن قيس قال إن رجلا م كندة ورجلا من حضرموت اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا وقع في رواية أبي داود وذلك يقتضي أن الخصومة بين رجلين غيره ورواية حديث الباب تقتضي أنه أحد الخصمين ويمكن الجمع بالحمل على تعدد الواقعة فإن في رواية لأبي داود في حديث الأشعث هذا بلفظ " كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فيها " ففي هذا تصريح بأن خصمه كان يهوديا بخلاف ما تقدم في الغصب فإنه قال إن رجلا من كندة ورجلا من حضر موت والكندي هو امرؤ القيس بن عابس الصحابي الشاعر والحضري هو ربيعة بن عبدان بكسر العين وكذلك حديث وائل المذكور ههنا بأن الخصومة فيه بين الكندي والحضري وهما المذكوران في حديث الأشعث المتقدم فلعل الرواية لقصة الكندي والحضري من طريق الأشعث ومن طريق وائل
وأما المخاصمة بين الأشعث وغريمه فقصة أخرى رواها الأشعث والله أعلم
قوله : " في بئر " في رواية أبي داود في أرض ولا امتناع أن يكون المجموع صحيحا فتارة ذكرت الأرض لأن البئر داخله فيها وتارة ذكرت البئر لأنها المقصودة
قوله : " يقتطع بها مال امرئ مسلم " التقييد بالمسلم ليس بأخراج غير المسلم بل كأن تخصيص المسلمين بالذكر لكون الخطاب معهم ويحتمل أن يكون العقوبة العظيمة مختصة بالمسلمين وإن كان أصل العقوبة لازما في حق الكفار
قوله : " لقي الله وهو عليه غضبان " هذا وعيد شديد لأن غضب الله سبب لانتقامه وانتقامه بالنار فالغضب منه عز و جل يستلزم دخول المغضوب عليه بالنار ولهذا وقع عليه في رواية مسلم " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار " ولا بد من تقييد ذلك بعدم التوبة وسيأتي بقية الكلام على هذا في باب التشديد في اليمين الكاذبة
قوله : " ليس يتورع من شيء " أصل الورع الكف عن الحرام والمضارع بمعنى النكرة في سياق النفي فيعم ويكون التقدير ليس له ورع عن شيء قوله " ليس لك منه إلا ذلك " في هذا دليل على أنه لا يجب للغريم على غريمه اليمين المردودة ولا يلزمه التكفيل ولا يحل الحكم عليه بالملازمة ولا بالحبس ولكنه قد ورد ما يخصص هذه الأمور عن عموم هذا النفي وقد تقدم بعض ذلك ولنذكر ههنا ما ورد في جواز الحبس لمن استحقه فاخرج أبو داود والترمذي والنسائي من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبس رجلا في تهمة قال الترمذي حسن وزاد هو والنسائي ثم خلى عنه وقد تقدم الكلام على حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ولكنه قد روى هذا الحديث الحاكم وقال صحيح الإسناد وله شاهد من حديث أبي هريرة ثم أخرجه ولعله ما رواه ابن القاص بسنده عن عراك بن مالك عن أبيه عن جده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبس في تهمة يوما في وليلة استظهارا وطلبا لإظهار الحق بالاعتراف
وأخرج أبو داود من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه قام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال جيراني بما أخذوا فاعرض عنهم مرتين لكونه كلمه في حال الخطبة ثم ذكر شيئا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلوا له عن جيرانه فهذا يدل على أنهم كانوا محبوسين يدل أيضا على جواز الحبس ما تقدم في باب ملازمة الغريم فإن تسليط ذي الحق عليه وملازمته له نوع من الحبس وكذلك يدل على الجواز حديث " مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته " لأن العقوبة مطلقة والحبس من جملة ما يصدق عليه المطلق وقد تقدم الحديث في كتاب التفليس وحكى أبو داود عن ابن المبارك أنه قال في تفسير الحديث يحل عرضه أي يغلظ عليه عقوبته يحبس له
وروى البيهقي أن عبدا كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه فحبسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى باع غنيمة له وفيه انقطاع وقد روي من طريق أخرى عن عبد الله بن مسعود مرفوعا وقد بوب البخاري في صحيحه فقال في الأبواب التي قبل كتاب اللقطة ما لفظه باب الربط والحبس في الحرم قال في الفتح كأنه أشار في هذا التبويب إلى رد ما نقل عن طاوس أنه كان يكره السجن بمكة ويقول لا ينبغي لبيت عذاب أن يكون في بيت رحمة . وأورد البخاري في الرد عليه أن نافع بن عبد الحرث اشترى دارا للسجن بمكة وكان نافع عاملا لعمر على مكة
وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة عن محمد ابن يحيى بن غسان الكناني عن هشام بن سليمان عن ابن جريج أن نافع بن عبد الحرث الخزاعي كان عاملا لعمر على مكة فابتاع له سجن عارم بمهملتين قال البخاري وسجن ابن الزبير بمكة انتهى ( والحاصل ) إن الحبس وقع في زمن النبوة وفي أيام الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى الآن في جميع الاعصار والأمصار من دون انكار وفيه من المصالح ما لا يخفى لولم يكن منها إلا حفظ أهل الجرائم المنتهكين للمحارم الذين يسعون في الاضرار بالمسلمين ويعتادون ذلك ويعرف من أخلاقهم ولم يرتكبوا ما يوجب حدا ولاقصاصا حتى يقام ذلك عليهم فيراح العباد والبلاد فهؤلاء إن تركوا وخلى بينهم وبين المسلمين بلغوا من الاضرار بهم إلى كل غاية وإن قتلوا كان سفك دمائهم بدون حقها فلم يبق في السجن والحيلولة بينهم وبين الناس بذلك حتى تصح منهم التوبة أو يقضي الله في شأنهم ما يختاره وقد أمرنا الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بهما في حق من كان كذلك لا يمكن بدون الحيلولة بينه وبين الناس بالحبس كما يعرف ذلك من عرف أحوال كثير من هذا الجنس
وقد استدل البخاري على جواز الرط بما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من ربط ثمامة بن أثال بسارية من سواري مسجده الشريف كما في القصة المشهورة في الصحيح
باب استحلاف المدعي عليه في الأموال والدماء وغيرهما
1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى باليمين على المدعى عليه "
- متفق عليه
وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " . رواه أحمد ومسلم
- قوله " قضى باليمين على المدعى عليه " اختلف الفقهاء في تعريف المدعي والمدعى عليه
قال في الفتح والمشهور فيه تعريفان الأول أن المدعي من تخالف دعواه الظاهر والمدعى عليه بخلافه والثاني من إذا سكت ترك وسكوته والمدعى عليه من لا يخلى إذا سكت . والأول أشهر والثاني أسلم وقد أورد على الأول بأن المودع إذا ادعى الردأ والتلف فإن دعواه تخالف الظاهر ومع ذلك فالقول قوله ( واستدل بالحديث ) على أن اليمين على المدعى عليه وقد ذهب إلى ذلك الجمهور وحملوه على عمومه في حق كل أحد سواء كان بين المدعي والمدعى عليه اختلاط أم لا . وعن مالك لا تتوجه اليمين الأعلى من بينه وبين المدعي اختلاط لئلا يبتذل أهل السفه أهل الفضل بتحليفهم مرارا وقريب من مذهب مالك قول الاصطخري من الشافعية ان قرائن الحال إذا شهدت بكذب المدعي لم يلتفت إلى دعواه
قوله : " لو يعطي الناس " الخ هذا هو وجه الحكمة في جعل اليمين على المدعى عليه وقال جماعة من أهل العلم الحكمة في ذلك جانب المدعي ضعيف لأنه يقول بخلاف الظاهر فكلف الحجة القوية وهي البينة لأنها لا تجلب لنفسها نفعا ولا تدفع عنها ضررا فيقوى بها ضعف المدعى وأما جانب المدعى عليه فهولأن الأصل فراغ ذمته فاكتفى فيه باليمين وهي حجة ضعيفة لأن الحالف يجلب لنفسه النفع ويدفع عنها الضرر فكان ذلك في غاية الحكمة
وقد أخرج الحديث البيهقي بإسناد صحيح كما قال الحافظ بلفظ البينة على المدعي واليمين على من أنكر . وزعم الأصيلي أن قوله البينة الخ ادراج في الحديث
وأخرج ابن حبان عن ابن عمر نحوه
وأخرج الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه
وأخرجه أيضا الدارقطني بإسناد فيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف . وظاهر أحاديث الباب إن اليمين على المنكر والبينة على المدعي ومن كانت اليمين عليه فالقول قوله مع يمينه ولكنه ورد ما يدل على أنه إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع فأخرج أبو داود والنسائي من حديث الأشعث سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا اختلف البيعان ليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان
وأخرجه أيضا الترمذي وابن ماجه من حديث عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود قال الترمذي هذا مرسل عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود انتهى
قال المنذري في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ولا يحتج به وعبد الرحمن لم يسمع من أبيه فهو منقطع وقد روى هذا الحديث من طرق عن عبد الله بن مسعود كلها لا تصح قال البيهقي وأصح إسناد روى في هذا الباب رواية أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في كتاب البيوع في باب ما جاء في اختلاف المتبايعين بما هو أبسط من هذا وبين أحاديث الباب وهذه الأحاديث عموم وخصوص من وجه فظاهر أحاديث الباب أن اليمين على المدعى عليه فيكون القول قوله من غير فرق بين كونه بائعا أم لا مالم يكن مدعيا فإن كان كذلك فعليه البينة فلا يكون القول قوله . وظاهر الأحاديث المتقدمة في كتاب البيع أن القول قول البائع وذلك يستلزم أنه لا بينة عليه بل عليه اليمين فقط سواء كان مدعيا أو مدعى عليه وقد وقع التصريح باستحلاف البائع كما تقدم في رواية في البيع فمادة التعرض حيث كان البائع مدعيا والواجب في مثل ذلك الرجوع إلى الترجيح وأحاديث الباب أرجح فيكون القول ما يقوله البائع ما لم يكن مدعيا ( فإن قيل ) الجمع ممكن يجعل الأحاديث الواردة في المتبايعين مخصصة لعموم أحاديث الباب فيبنى العام على الخاص ويكون القول قول البائع مطلقا سواء كان مدعيا أو مدعى عليه إذا كان التنازع بينه وبين المشتري وماعدا البائع فإن كان مدعيا فعليه البينة وإن كان مدعى عليه فالقول قوله مع يمينه قلت هذا متوقف على أمرين أحدهما إن أحاديث الباب أعم مطلقا من أحاديث اختلاف المتبايعين والثاني إن أحاديث اختلاف البيعين صالحة للاحتجاج بها منتهضة لتخصيص أحاديث الباب وفي كلا الأمرين نظر أما الأول فلأن التخصيص إنما يكون بأخراج فرد من العام عن الأمر المحكوم به عليه والعام ههنا هو المدعى عليه والمحكوم به عليه هو وجوب اليمين عليه . وحديث اختلاف البيعين له صورتان أحداهما أن يكون البائع مدعى عليه والثانية أن يكون مدعيا والأولى موافقة للعام داخلة تحت حكمه غير مستثاة منه والثانية مخالفة للعام لأن العام هو باعتبار المدعى عليه وهذا مدع لا مدعى عليه فهو مخالف له فلا يصح أن يقال بأنه مخصص له وإن كان التخصيص بالنسبة إلى عموم الأحاديث الدالة على وجوب البينة على المدعى . ووجه التخصيص أن يقال هذا مدع ولم تجب عليه البينة فهذا مستقيم وإن لم يدعه القائل بالتخصيص ولكن حديث فالقول ما يقول البائع مع قوله في بعض ألفاظ الحديث كما تقدم في البيع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالبائع أن يستحلف هو أعم من الأحاديث القاضية بوجوب البينة على المدعي من وجه لشموله لصورة أخرى وهي حيث كان البائع مدعى عليه فالأظهر العموم والخصوص من وجه لا مطلقا وأما الثاني فقد عرفت عدم انتهاض الأحاديث المذكورة للتخصيص لما فيها من المقال
باب التشديد في اليمين الكاذبة
1 - عن أبي أمامة الحارثي " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من اقتطع حق امرئ مسلم بيمنيه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال رجل وإن كان شيئا يسيرا قال وإن كان قضيبا من أراك "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والنسائي
2 - وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال الكبائر الاشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي
3 - وعن عبد الله بن أنيس الجهني قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن من الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس وما حلف حالف بالله يمين صبر فادخل فيها مثل جناح بعوضة إلا جعله الله نكتة في قلبه إلى يوم القيامة "
- رواه أحمد والترمذي
- حديث عبد الله بن أنيس أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان وحسن الحافظ في الفتح إسناده وقال له شاهد من حديث عبد الله بن عمر
وأخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن
قوله : " وإن كان قضيبا من أراك " هذا مبالغة في القلة وإن استحقاق النار يكون بمجرد اليمين في اقتطاع الحق وإن كان شيئا يسيرا لا قيمة له
قوله : " الكبائر " الخ قد اختلف السلف في انقسام الذنوب إلى صغيرة وكبيرة فذهب إلى ذلك الجمهور ومنعهم جماعة منهم الاسفرايني ونقله ابن عباس وحكاه القاضي عياض عن المحققين ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية وقد تقدم قريبا وجه القولين وبيان الراجح منهما
قال الطيبي الكبيرة والصغيرة أمران نسبيان فلا بد من أمر يضافان إليه هو أحد ثلاثة أشياء الطاعة والمعصية والثواب . فأما الطاعة فكل ماتكفره الصلاة مثلا فهو من الصغائر وأما المعصية فكل معصية يستحق فاعلها بسببها وعيدا أوعقابا أزيد من الوعيد أو العقاب المستحق بسبب معصية أخرى فهي كبيرة
وأما الثواب ففاعل المعصية إن كان من المقربين فالصغيرة بالنسبة إليه كبيرة فقد وقعت المعاتبة في حق بعض الأنبياء على أمور لم تعد من غيرهم معصية انتهى
قال الحافظ وكلامه فيما يتعلق بالوعيد والعقاب تخصيص عموم من أطلق أن علامة الكبيرة ورود الوعيد أو العقاب في حق فاعلها لكن يلزم منه أن مطلق قتل النفس مثلا ليس كبيرة وإن ورد الوعيد فيه والعقاب لكن ورد الوعيد والعقاب في حق قاتل ولده أشد . فالصواب ما قاله الجمهور وإن المثال المذكور وما أشبهه ينقسم إلى كبير وأكبر
قال النووي واختلفوا في ضبط الكبيرة اختلافا كثيرا منتشرا فروي عن ابن عباس أنها كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذب
قال وجاء نحو هذا عن الحسن البصري
وقال أخرون هي ما أوعد الله عليه بنار في الأخرة أو أوجب فيه جزاء في الدنيا ( قلت ) وممن نص على هذا الأخير الإمام أحمد فيما نقله القاضي أبو يعلى . ومن الشافعية الماوردي ولفظه الكبيرة ما أوجبت فيها الحدود أو توجه إليها الوعيد . والمنقول عن ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم بسند لا بأس به إلا أن فيه انقطاع
وأخرج من وجه أخر متصل لا بأس برجاله أيضا عن ابن عباس قال ما توعد الله عليه بالنار كبيرة
وقد ضبط كثير من الشافعية الكبائر بضوابط أخر منها قول إمام الحرمين كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة
وقال الحليمي كل محرم لعينه منهى عنه لمعنى في نفسه
وقال الرافعي هي ما أوجب الحد
وقيل ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب أو سنة هذا ما أكثر ما يوجد للاصحاب وهم إلى ترجيح الأول أميل لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر انتهى
وقد استشكل بأن كثيرا مما وردت النصوص بكونه كبية لا حد فيه كالعقوق . وأجيب بأن مراد قائله ضبط ما لم يرد فيه نص بكونه كبيرة
وقال ابن عبد السلام في القواعد لم أقف لأحد من العلماء على ضابط للكبيرة لا يسلم من الاعتراض والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها بذنبه اشعارا دون الكبائر المنصوص عليها
قال الحافظ وهو ضابط جيد
وقال القرطبي في المفهم الراجح أن كل ذنب نص على كبره أو عظمه أو توعد عليه بالعقاب أو علق عليه حد أو اشتد النكير عليه فهو كبيرة . وكلان ابن الصلاح يوافق ما نقل أولا عن ابن عباس وزاد إيجاب الحد وعلى هذا يكثر عدد الكبائر . وهذا الكلام في غير ما قد ورد النص الصريح فيه أنه كبيرة أو من الكبائر أو أكبر الكبائر وقال الواحدي ما لم ينص الشارع على كونه فالحكمة في اخفائه أن يمتنع العبد من الوقوع فيه خشية أن يكون كبيرة كإخفاء ليلة القدر وساعة الجمعة والاسم الأعظم قوله " يمين صبر " أي ألزم بها حبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم إنما أطلق الصبر عليها وإن كان صاحبها هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها أي حبس فوصفت بالصبر وأضيفت إليه مجازا كذا في النهاية والنكتة الأثر
باب الأكتفاء في اليمين بالحلف بالله وجواز تغليظها باللفظ والمكان والزمان
1 - عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من حلف بالله فليصدق ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض فليس من الله "
- رواه ابن ماجه
2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل حلفه أحلف بالله الذي لا إله إلا هو ماله عندي شيء يعني المدعي "
- رواه أبو داود
3 - وعن عكرمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له يعني ابن صوريا أذكركم بالل الذي نجاكم من آل فرعون وأقطعكم البحر وظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل التوراة على موسى أتجدون في كتابكم الرجم قال ذكرتني بعظيم ولا يسعني أن اكذبك وساق الحديث "
- رواه أبو داود
4 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة على يمين آثمة ولو على سواك رطب إلا أوجب الله له النار "
5 - وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يحلف أحد على منبري كاذبا إلا تبوأ مقعده من النار "
- رواهما أحمد وابن ماجه
6 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا بزكيهم ولهم عذاب اليم رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل ورجل بايع الإمام لا يبايعه إلا للدنيا لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك "
- رواه الجماعة إلا الترمذي
وفي رواية " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم رجل حلف على سلعة لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كاذب ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقطتع بها مال امرئ مسلم ورجل منع فضل ماء فيقول الله له اليوم أمنعك فضلى كما منعت فضل ما لم تعلم يداك " رواه أحمد والبخاري
- حديث ابن عمر قال ابن ماجه في سننه حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة حدثنا أسباط بن محمد عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر فذكره ومحمد بن إسماعيل المذكور ثقة وبقية إسنلاده رجال الصحيح . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وفي إسناده عطاء بن السائب وفيه مقال وقد أخرج له البخاري مقرونا بآخر وحديث عكرمة هو مرسل وقد سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح ويؤيده ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة قال " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني لليهود أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى وفي إسناده مجهول لأن الزهري قال أخبرنا رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب عن أبي هريرة . وحديث أبي هريرة الأول المذكورة في الباب أخرجه ايضا الحاكم في المستدرك . وحديث جابر أخرجه أيضا مالك وأبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم كذا في الفتح ورجال إسناده عند ابن ماجه كلهم ثقات
وفي الباب عن أبي أمامة بن ثعلبة عند النسائي بإسناد رجاله ثقات رفعه من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا
قوله : " من حلف بالله " فيه دليل على أنه يكفي مجرد الحلف بالله تعالى من دون أن ينضم إليه وصف من أوصافه ومن دون تغليظ بزمان أو مكان
قوله : " قال له " يعني ابن صوريا بضم الصاد المهملة وسكون الواو وكسر الراء المهملة ممدودا . أصل القصة أن جماعة من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو جالس في المسجد فقالوا يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة زنيا فقال أئتونب بأعلم رجل منكم فأتوه بابن صوريا
قوله : " وأنزل عليكم المن والسلوى " أكثر المفسرين على أن المن هو الترنجبين وهو شيء أبيض كالثلج والسلوى طير يقال السماني فيه دليل على جواز تغليظ اليمين على أهل الذمة فيقال لليهودي بمثل ما قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن أراد الاختصار قال قل والله الذي أنزل التوراة على موسى وإن كان نصرانيا قال له قل والله الذي أنزل الأنجيل على عيسى
قوله : " ذكرتني " بتشديد الكاف المفتوحة
قوله : " أن أكذبك " بفتح الهمزة وكسر الذال المعجمة يعني فيما ذكرته لي
قوله : " عبد ولا أمة " أي ذكر وأنثى
قوله : " ولو على سواك رطب " إنما خص الرطب لأنه كثيرا الوجود لا يباع بالثمن وهو لا يكون كذلك إلا في مواطن نباته بخلاف اليابس فإنه قد يحمل من بلد إلى بلد فيباع
قوله : " ثلاثة لا يكلمهم الله " الخ فيه دليل على أن حالهم يوم القيامة حال المغضوب عليهم لأن هذه الأمور لا تكون إلا عند الغضب فهي كناية عن حلول العذاب بهم قوله " رجل على فضل ماء بالفلاة " قد تقدم الكلام على منع فضل الماء وحكم مانعه
قوله : " بعد العصر " خصه لمشرفه بسبب اجتماع مائكة الليل والنهار
قوله : " لقد أعطى بها " الخ قال في الفتح وقع مضبوطا بضم الهمزة وفتح الطاء على البناء للمجهول وفي بعضها بفتح الهمزة والطاء على البناء للفاعل والضمير للحالف وهي أرجح ومعنى لا خذها بكذا أي لقد أخذها وقد استدل بأحاديث الباب على جواز التغليض على الحالف بمكان معين كالحرم والمسجد ومنبره صلى الله عليه وآله وسلم وبالزمان كبعد العصر ويوم الجمعة ونحو ذلك وقد ذهب إلى هذا الجمهور كما حكاه صاحب الفتح . وذهبت الحنفية إلى عدم جواز التغليظ بذلك . وعليه دلت ترجمة البخاري فإنه قال في الصحيح ( باب يحلف المدعي عليه حيثما وجبت عليه اليمين ) وذهبت العترة إلى مثل ما ذهبت إليه الحنفية كما حكى ذلك عنهم صاحب البحر . وذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك موضع اجتهاد للحاكم
وقد ورد عن جماعة من الصحابة طلب التغليظ على خصومهم في الأيمان بالحلف بين الركن والمقام وعلى منبره صلى الله عليه وآله وسلم . وورد عن بعضهم الامتناع من الإجابة إلى ذلك
وروى عن بعض الصحابة التحليف على المصحف . والحاصل أنه لم يكن في أحاديث الباب ما يدل على مطلوب القائل بجواز التغليظ لأن الأحاديث الواردة في تعظيم ذنب الحالف على منبره صلى الله عليه وآله وسلم . وكذلك الأحاديث الواردة في تعظيم ذنب الحالف بعد العصر لا تدل على أنها تجب إجابة الطالب للحلف في ذلك المكان أو ذلك الزمان
وقد علمنا صلى الله عليه وآله وسلم كيف اليمين فقال للرجل الذي حلفه " احلف بالله الذي لا إله إلا هو " كما في حديث ابن عباس
وقال في حديث ابن عمر المذكور في الباب " ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض فليس من الله " وهذا أمر منه صلى الله عليه وآله وسلم بالرضا لمن حلف له بالله ووعيد لمن لم يرض بأنه ليس من الله ففيه أعظم دلالة على عدم وجور الإجابة إلى التغليظ بما ذكر وعدم جواز طلب ذلك ممن لا يساعد عليه
وقد كان الغالب من تحليفه صلى الله عليه وآله وسلم لغيره وحلفه هو الأقتصار على اسم الله مجردا عن الوصف كما في قوله " والله لا أحلف على شيء فأرى غيره خيرا منه إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني " وكما في تحليفه صلى الله عليه وآله وسلم لركانة فإنه اقتصر على اسم الله . وتارة كان يحلف صلى الله عليه وآله وسلم فيقول " لا والذي نفسي بيده . لا ومقلب القلوب " وقال تعالى ( فيقسمان بالله ) ومن جملة ما استدل به البخاري على عدم وجوب التغليظ حديث " شاهداك أو يمينه " ووجه ذلك أن الذي أوجبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو مطلق اليمين وهي تصدق على من حلف في أي زمان وأي مكان فمن بذلك لخصمه أن يحلف له حنث هو ولم يجبه إلى مكان مخصوص ولا إلى زمان مخصوص فقد بذل ما أوجبه عليه الشارف ولا يلزمه الزيادة على ذلك لأن الذي تعبد به هو اليمين على أي صفة كانت ولم يتعبد بأشد الأيمان جرما وأعظمها ذنبا . على أنه قد ورد في اليمين التي يقتطع بها حق امرئ مسلم من الوعيد ماليس عليه من مزيد كما في الباب الذي قيل هذا أنها من الكبائر ومن موجبات النار وليس في الحلف على منبره صلى الله عليه وآله وسلم وبعد العصر زيادة على هذا فالحق عدم وجوب إجابة الحالف لمن أراد تحليفه في زمان مخصوص أو مكان مخصوص أو بألفاظ مخصوصة
وقد روى ابن رسلان أنهم لم يختلفوا في جواز التغليظ على الذمي فإن صح الإجماع فذاك عند من يقول بحجيته وإن لم يصح فغاية ما يجوز به هو ما ورد في حديث الباب وما يشابهه من التغليظ باللفظ وأما التغليظ بزمان معين أو مكان معين على أهل الذمة مثل أن يطلب منه أن يحلف في الكنائس أو نحوها فلا دليل على ذلك
باب ذم من حلف قبل أن يستحلف
1 - عن ابن عمر " قال خطبنا عمر بالجابية فقال يا أيها الناس أني قمت فيكم كقيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينا أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد . من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة . من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن "
- رواه أحمد والترمذي
- قال الترمذي بعد اخراج هذا الحديث هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه
وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتهى
وأخرجه أيضا ابن حبان وصححه
قوله : " أوصيكم بأصحابي " قد وقع الأختلاف فيمن يستحق إطلاق اسم الصحابي عليه وهو مبسوط في مواطنه من علم الأصطلاع
قوله : " الجابية " بالجيم قال في القاموس هو حوض ضخم والجماعة وقرية بدمشق وباب الجابية من أبوابها انتهى . والمراد هنا القرية
قوله : " ثم يفشو الكذب " رتب صلى الله عليه وآله وسلم فشو الكذب على انقراض الثالث . فالقرن الذي بعده ثم من بعده إلى القيامة قد فشا فيهم الكذب بهذا النص . فعلى المتيقظ من حاكم أو عالم أن يبالغ في تعريف أحوال الشهادة والمخبرين وأن لا يجعل الأصل في ذلك الصدق لأن كل شهادة وكل خبر قد دخله الاحتمال ومع دخول الاحتمال يمتنع القبول إلا بعد معرفة صدق المخبر والشاهد بأي دليل . وأقل الأحوال أنه ليس ممن يتجارأ على الكذب ويجازف في أقواله . ومن هذه الحيثية لم يقبل المجهول عند علماء المنقول لأن العدالة ملكة والملكات مسبوقة بالعدم فمن لا تعرف عدالته لا تقبل روايته لأن الفسق مانع فلا بد من تحقق عدمه . وكذلك الكذب مانع فلا بد من تحقق عدمه كما تقرر في الأصول
وفي الحديث التوصية بخير القرون وهم الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
وقد وعدنا أن نذكر ههنا طرقا من الكلام على ما ورد من معارضة الأحاديث القاضية بأفضلية الصحابة فنقول قد تقدم في باب من أعلم صاحب الحق بشهادة له عنده وذم من أدى شهادة من غير مسألة حديث عمران ابن حصين وحديث أبي هريرة أن خير القرون قرنه صلى الله عليه وآله وسلم وفي ذلك دليل على أنهم الخيار من هذه الأمة وأنه لا أكثر خيرا منهم وقد ذهب الجمهور إلى أن ذلك باعتبار كل فرد فرد وقال ابن عبد البر إن التفضيل إنما هو بالنسبة إلى مجموع الصحابة فإنهم أفضل ممن بعدهم لا كل فرد منهم
وقد أخرج الترمذي بإسناد قوي من حديث أنس مرفوعا " مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره " وأخرجه أبو يعلى في مسنده بإسناد ضعيف وصححه ابن حبان من حديث عمار وأخرج ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير بإسناد حسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليدركن المسيح أقواما أنهم لمثلكم أو خير ثلاثا ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها ولكنه مرسل لأن عبد الرحمن تابعي وأخرج الطيالسي بإسناد ضعيف عن عمرو رفعه أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولا يروني
وأخرج أحمد والدارمي والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي جمعة قال قال أبو عبيدة يا رسول الله أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك قال قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني وقد صححه الحاكم وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة رفعه بدا الإسلام غيبا وسيعود غريبا كما بدا فطوبى للغرباء
وأخرج أبو داود والترمذي من حديث ثعلبة رفعه تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين قيل منهم أو منا يا رسول الله قال بل منكم وجمع الجمهور بأن الصحبة لها فضيلة ومزية لا يوازيها شيء من الأعمال فلمن صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضيلة الصحبة وإن قصر في الأعمال وفضيلة من بعد الصحابة باعتبار كثرة الأعمال المستلزمة لكثرة الأجور فحاصل هذا الجمع أن التنصيص على فضيلة الصحابة باعتبار فضيلة الصحبة وأما باعتبار أعمال الخير فهم كغيرهم قد يوجد فيمن بعدهم من هو أعمالا منهم أو من بعضهم فيكون أجره باعتبار ذلك أكثر فكان أفضل من هذه الحيثية ويشكل على هذا الجمع ما ثبت في الأحاديث الصحيحة في الصحابة بلفظ " لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " فإن هذا التفضيل باعتبار خصوص أجور الأعمال لا باعتبار فضيلة الصحبة ويشكل عليه أيضا حديث ثعلبة المذكور فإنه قال للعامل فيهن أجر خمسين رجلا ثم بين أن الخمسين من الصحابة وهذا صريح في أن التفضيل باعتبار الأعمال فاقتضى الأول أفضيلة الصحابة في الأعمال إلى حد يفضل نصف مدهم مثل أحد ذهبا واقتضى الثاني تفضيل من بعدهم إلى حد يكون أجر العامل أجر خمسين رجلا من الصحابة وفي بعض ألفاظ حديث ثعلبة فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن كالقبض على الجمر أجر العامل فيهن أجر خمسين رجلا فقال بعض الصحابة منا يا رسول الله أو منهم فقال بل منكم فتقرر بما ذكرناه عدم صحة ما جمع به الجمهور وقال النووي في حديث " أمتي كالمطر " أنه يشبته على الدين يرون عيسى ويدركون زمانه وما فيه من الخير أي الزمانين أفضل قال وهذا الأشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وآله وسلم خير القرون ولا يخفى ما في هذا من التعسف الظاهر والذي أوقعه فيه عدم ذكر فاعل يدري فحمله على هذا وغفل عن التشبيه بالمطر المفيد لوقوع التردد في الخيرية من كل أحد والذي يستفاد من مجموع الأحاديث أن للصحابة مزية لا يشاركهم فيها من بعدهم وهي صحبته صلى الله عليه وآله وسلم ومشاهدته والجهاد بين يديه وإنفاذ أوامره ونواهيه ولمن بعده مزية لا يشاركه الصحابة فيها وهي إيمانهم بالغيب في زمان لا يرون فيه الذات الشريفة التي جمعت من المحاسن ما يقود بزمام كل مشاهد إلى الإيمان إلا من حقت عليه الشقاوة وأما باعتبار الأعمال فأعمال الصحابة فاضلة مطلقا من غير تقييد لحالة مخصوصة كما يدل عليه لو أنفق أحدكم ومثل أحد الحديث . إلا أن هذه المزية للسابقين منهم فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطب بهذه المقالة جماعة من الصحابة الذين تأخر إسلامهم كما يشعر بذلك السبب وفيه قصة مذكورة في كتب الحديث فالذين قال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا هم جماعة من الصحابة الذين تأخرت صحبتهم فكان بين منزلة أول الصحابة وأخرهم أن إنفاق مثل أحد ذهبا من متأخيرهم لا يبلغ مثل إنفاق نصف مد من متقدميهم وأما أعمال من بعد الصحابة فلم يرد ما يدل على كونها أفضل على الإطلاق إنما ورد ذلك مقيدا بأيام الفتنة وغلبة الدين حتى كان أجر الواحد يعدل أجر خمسين رجلا من الصحابة فلم يرد ما يدل على كونها أفضل على الإطلاق إنما ورد ذلك مقيدا بأيام الفتنة وغربة الدين حتى كان أجر الواحد يعدل أجر خمسين رجلا من الصحابة فيكون هذا مخصصا لعموم ما ورد في أعمال الصحابة فأعمال الصحابة فاضلة وأعمال من بعدهم مفضولة إلا في مثل تلك الحالة ومثل حالة من أدرك المسيح إن صح ذلك المرسل وبانضمام أفضلية الأعمال إلى مزية الصحبة يكونون خير القرون ويكون قوله لا يدري خير أوله أم أخره باعتبار أن في المتأخرين من يكون بتلك المثابة من كون أجر خمسين هذا باعتبار أجور الأعمال وأما باعتبار غيرها فلكل طائفة مزية كما تقدم ذكره لكن مزية الصحابة فاضلة مطلقة باعتبار مجموع القرن لحديث خير القرون قرني فإذا اعتبرت كل قرن قرن ووازنت بين مجموع القرن الأول مثلا ثم الثاني ثم كذلك إلى إنقراض العالم فالصحابة خير القرون ولا ينافي هذا تفضيل الواحد من أهل قرن أو الجماعة على الواحد أو الجماعة من أهل قرن أخر فإن قلت ظاهر الحديث المتقدم أن أبي عبيدة قال يا رسول الله أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك فقال قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولا يروني يقتضي تفضيل مجموع قرن هؤلاء على مجموع قرن الصحابة قلت ليس هذا الحديث ما يفيد تفضيل المجموع على المجموع وإن سلم ذلك وجب المصير إلى الترجيح لتعذر الجمع ولا شك أن حديث خير القرون قرني ارجح من هذا الحديث بمسافات لو لم يكن إلا كونه في الصحيحين وكونه ثابتا من طرق وكونه متلقي بالقبول فظهر بهذا وجه الفرق بين المزيتين من غير نظر إلى الأعمال كما ظهر وجه الجمع باعتبار الأعمال على ما تقدم تقريره فلم يبق ههنا إشكال والله أعلم
قوله : " لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان " سبب ذلك أن الرجل يرغب إلى المرأة لما جبل عليه من الميل إليها لما ركب فيه من شهوة النكاح وكذلك المرأة ترغب إلى الرجل لذلك فمع ذلك يجد الشيطان السبيل إلى إثارة شهوة كل واحد منهما إلى الآخر فتقع المعصية
قوله : " بحبوحة الجنة " قال في النهاية بحبوحة الدار وسطها يقال بحبح إذا تمكن وتوسط المنزل والمقام والبحبوحة بمهملتين وموحدتين والمراد أن لزوم الجماعة سبب الكون في بحبوحة الجنة لأن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار كما ثبت في الحديث قوله " من سره حسنته " الخ فيه دليل على أن السرور لأجل الحسنة والحزن لأجل السيئة من خصال الإيمان لأن من ليس من أهل الإيمان لا يبالي أحسن أم أساء وأما من كان صحيح الإيمان خالص الدين فإنه لا يزال من سيئته في غم لعلمه بأنه مأخوذ بها محاسب عليها ولا يزال من حسنته في سرور لأنه يعلم أنها مدخرة له في صحائفه فلا يزال حريصا على ذلك حتى يوفقه الله عز و جل لحسن الخاتمة . وإلى هنا انتهى الشرح الموسوم بنيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار بعناية مؤلفة ( محمد بن علي بن محمد الشوكاني ) غفر الله له ذنوبه وستر عيوبه وتقبل أعماله وأصلح أقواله وأفعاله وختم له بخير ودفع عنه كل بؤس وضير . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

13- نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار المؤلف : محمد بن علي بن محمد الشوكاني باب جواز مصالحة المشركين على المال وإن كان مجهولا



13...
[ نيل الأوطار - الشوكاني ]
الكتاب : نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار
المؤلف : محمد بن علي بن محمد الشوكاني
باب جواز مصالحة المشركين على المال وإن كان مجهولا  
 
عن ابن عمر قال " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل خيبر فقاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والزرع والنخل فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله الصفراء والبيضاء والحلقة وهي السلاح ويخرجون منها واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فغيبوا مسكا فيه مال وحلى لحيى بن أخطب كان أحتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعم حيي واسمه سعية ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير فقال أذهبته النفقات والحروب فقال العهد قريب والمال أكثر من ذلك وقد كان حيي قتل قبل ذلم فدفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سعية إلى الزبير فمسه بعذاب فقال قد رأيت حييا يطوف في خربة ههنا فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة فقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابني أبي حقيق وأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب وسبى صلى الله عليه وآله وسلم نساءهم وذرا ريهم وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا وأراد أن يجليهم منها فقالوا يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا لإصحابه غلمان يقومون عليها وكانوا ألا يفرغون أن يقوموا عليها فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع وشيء ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم في كل عام فيخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شدة حرصه وأرادوا أن يرشوه فقال عبد الله تطعموني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي ولأنتم أبغض إلى من عدتكم من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم فقالوا بهذا قامت السموات والأرض وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر كل عام وعشرين وسقا من شعيرها فلما كان زمن عمر غشوا فألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه فقال عمر بن الخطاب من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها بينهم فقسمها عمر بينهم فقال رئيسهم لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر فقال عمر لرئيسهم أتراه سقط على قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما ثم يوما وقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية "
- رواه البخاري وفيه من الفقه أن تبين عدم الوفاء بالشرط المشروط يفسد الصلح حتى في حق النساء والذرية وأن قسمة الثمار خرصا من غير تقابض جائزة وأن عقد المزارعة والمساقاة من غير تقدير مدة جائز وأن معاقبة من يكتم مالا جائزة وإن ما فتح عنوة يجوز قسمته بين الغانمين وغير ذلك من الفوائد
2 - وعن رجل من جهينة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلكم تقاتلون قوما فيظهرون عليكم فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم فتصالحونهم على صلح فلا تصيبوا منهم فوق ذلك فإنه لا يصلح "
- رواه أبو داود
- حديث الرجل الذي من جهينة أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود وفي إسناده رجل مجهول لأنه من رواية رجل من ثقيف عن رجل من جهينة ورواه أبو داود أيضا من طريق خالد بن معدان عن جبير بن نفير قال " انطلق بنا إلى ذي مخبر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكره " قوله " على أن يجلوا منها " قال في القاموس جلا القوم عن الموضع ومنه جلوا وجلاء وجلوا تفرقوا أو جلا من الخوف وأجلى من الجدب ثم قال والجالية أهل الذمة لأن عمر أجلاهم من جزيرة العرب انتهى
وقال الهروي جلا القوم عن مواطنهم وأجلى بمعنى واحد والسم الجلاء والإجلاء
قوله : " الصفراء والبيضاء والحلقة " بفتح الحاء المهملة وسكون اللام وهي كما فسره المصنف رحمه الله تعالى السلاح وهذا فيه مصلحة المشركين بالمال المجهول
قوله : " فغيبوا مسكا " بفتح الميم وسكون المهملة قال في القاموس المسك الجلد أو خاص بالسخلة الجمع مسوك وبهاء القطعة منه
قوله : " لحبى " بضم الحاء تصغير حي . وأخطب بالخاء المعجمة وسعية بفتح السين المهملة وسكون العين المهملة أيضا بعدها تحتية
قوله : " فمسه بعذاب " فيه دليل على جواز تعذيب من امتنع من تسليم شيء يلزمه تسليمه وأنكر وجوده إذا غلب في ظن الإمام كذبه وذلك نوع من السياسة الشرعية
قوله : " فقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابني أبي الحقيق " بمهملة وقافين مصغرا وهو رأس يهود خيبر قال الحافظ ولم أقف على اسمه إنما قتلهما لعدم رفائهم بما شرطه عليهم لقوله في أول الحديث " فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد " قوله " ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " في لفظ للبخاري " نقركم على ذلك ماشئنا " وفي لفظ له آخر نقركم ما أقركم الله والمراد ما قدر الله إنا نترككم فيها إذا شئنا فأخرجنا كم تبين إن الله قد أخرجكم قوله " ففدعوا يديه " الفدع بفتح الفاء والدال المهملة بعدها عين مهملة زوال المفصل فدعت يداه إذا أزيلتا من مفاصلهما
وقال الخليل الفدع عوج في المفاصل وفي خلق الإنسان إذا زاغت القدم من أصلها من الكعب وطرق الساق فهو الفدع
قال الأصمعي هو زيغ في الكف بينها وبين الساعد وفي الرجل بينها وبين الساق . ووقع في رواية ابن السكن شدع بالشين المعجمة بدل الفاء وجزم به الكرماني قال الحافظ وهو وهم لأن الشدع بالمعجمة كسر الشيء المجوف قاله الجوهري ولم يقع ذلك لابن عمر في هذه القصة والذي في جميع الروايات بالفاء
وقال الخطابي كان اليهود سحروا عبد الله بن عمر فالتفت يداه ورجلاه قال ويحتمل أن يكونوا ضربوه والواقع في حديث الباب أنهم ألقوه من فوق بيت قوله " فقال رئيسهم لا تخرجن " لعل في الكلام محذوفا ووقع في رواية للبخاري في الشروط بلفظ " وقد رأيت إجلاءهم فلما أجمع " الخ فيكون المحذوف من حديث الباب هو هذا أي لما أجمع عمر على إجلائهم قال رئيسهم وظاهر هذا أن شبب الإجلاء هو ما فعلوه بعبد الله بن عمر
قال في الفتح وهذا لا يقتضي حصر السبب في إجلاء عمر أياهم وقد وقع لي فيه شببان آخران أحدهما رواه الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة قال مازال عمر حتى وجد الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لا يجتمع بجزيرة العرب دينان فقال من كان له من أهل الكتابين عهد فليأت به أنفذه له وإلا فإني مجليكم فأجلاهم أخرجه ابن أبي شيبة وغيره . ثانيهما رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة من طريق عثمان بن محمد الأخنسي قال لما كثر العيال أي الخدم في أيدي المسلمين وقووا على العمل في الأرض أجلاهم عمر ويحتمل أن يكون كل ومن هذه الأشياء جزء علة في أخراجهم والأجلاء الأخراج عن المال والوطن على وجه الأزعاج والكراهة اه
قوله : " كيف بك إذا رقصت بك راحلتك " أي دهبت بك راقصة نحو الشام وفي لفظ للبخاري " تعدو بك قلوصك " والقلوص بفتح القاف وبالصاد المهملة الناقة الصابرة على السير وقيل الشابة وقيل أول ما تركب من إناث الأبل وقي الطويلة القوائم فأشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى إخراجهم من خيبر فكان ذلك من أخباره بالمغيبات والمراد بقوله رقصت أي أسرعت
قوله : " نحو الشام " قد ثبت أن عمر أجلاهم إلى تيماء واريحاء وقد وهم المصنف رحمه الله في نسبة جميع ما ذكره من ألفاظ هذا الحديث إلى البخاري ولعله نقل لفظ الحميدي في الجمع بين الصحيحين والحميدي كأنه نقل السياق من مستخرج البرقاني كعادته فإن كثيرا ن هذه الألفاظ ليس في صحيح البخاري وإنما هي في مستخرج البرقاني من طريق حماد بن سلمة . وكذلك أخرج هذا الحديث بلفظ البرقاني أبو يعلى في مسنده والبغوي في فوائده ولعل الحميدي ذهل عن عزو هذا الحديث إلى البرقاني وعزاه إلى البخاري فتبعه المصنع في ذلط وقد نبه الإسماعيلي على أن حمادا كان يطوله تارة ويرويه تارة مختصرا وقد قدمنا الكلام على بعض فوائد هذا الحديث في المزارعة
قوله : " فلا تصيبوا منهم فوق ذلك فإنه لا يصلح " فيه دليل على أنه لا يجوز للمسلمين بعد وقوع الصلح بينهم وبين الكفار على شيء أن يطلبوا منهم زيادة عليه فإن ذلك من ترك الوفاء بالعهد ونقض العقد وهما محرمان بنص القرآن والسنة
باب ما جاء فيمن سار نحو العدو في آخر مدة الصلح بغتة
1 - عن سليمان بن عامر قال " كان معاوية يسير بأرض الروم وكان بينه وبينهم أمد فأراد أن يدنو منهم فإذا انقضى الأمد غزاهم فإذا شيخ على دابة يقول الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدنها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم عهدهم على سواء فبلغ ذلك معاوية فرجع فإذا الشيخ عمرو بن عبسة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه
- الحديث أخرجه أيضا النسائي وقال الترمذي بعد إخراجه حسن صحيح قوله " وكان بينه وبينههم أمد " الخ لفظ أبي داود كانت بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقشى العهد غزاهم فجاء رجل على فرس أو برذون
قوله : " وفاء لا غدر " أي أن الله سبحانه وتعالى شرع لعباده الوفاء بالعقود والعهود ولم يشرع لهم الغدر فكان شرعه الوفاء لا الغدر
قوله : " فلا يحلن عقدة " استعار عقدة الحبل لما يقع بين المسلمين من المعاهدة ونهي عن حلها أي نقضها وشدها أي تأكيدها بشيء لم يقع التصالح عليه بل الواجب الوفاء بها على الصفة التي كان وقوعها عليها بلا زيادة ولا نقصان
قوله : " أو ينبذ إليهم عهدهم على سواء " النبذ في أصل اللغة الطرح قال في القاموس النبذ طرحك الشيء أمامك أو وراءك أو عام انتهى . والمراد هنا إخبار المشركين بأن الذمة قد انقضت وإيذانهم بالحرب إن لم يسلموا أو يعطزا الجزية عن يدوهم صاغرون
وفي الحديث على ما ترجم به المصنف الباب من أنه لا يجوز المسير إلى العدو في آخر مدة الصلح بغتة بل الواجب الانتظار حتى تنقضي المدة أو النبذ إليهم على سواء
باب الكفار يحاصرون فينزلون على حكم رجل من المسلمين
1 - عن أبي سعيد " أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سعد فأتاه على حمار فلما دنا قريبا من المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوموا إلى سيدكم أو خيركم فقعد عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أن هؤلاء نزلوا على حكمك قال إني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسمى ذرا ريهم فقال لقد حكمت بما حكم به الملك " وفي لفظ " قضيت بحكم الله عز و جل "
- متفق عليه
- قوله " قوموا إلى سيدكم " قد اختلف هل المخاطب بهذا الخطاب الأنصار خاصة أم هم وغيرهم وقد بين ذلك صاحب الفتح في كتاب الاستئذان
قوله : " فإني أحكم " في رواية للبخاري فيهم وفي رواية له أخرى فيه أي في هذا الأمر
قوله : " بما حكم به الملك " بكسر اللام وفي رواية " لقد حكمت اليوم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات " وفي حديث جابر عن ابن عائذ فقال " احكم فيهم يا عائذ فقال الله ورسوله أحق بالحكم قال قد أمرك الله أن تحكم فيهم " وفي رواية ابن إسحاق " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة " والأرقعة بالقاف جمع رقيع وهو من أسماء السماء قيل سميت بذلك لأنها رقعت بالنجوم وهذا كله يدفع ما وقع على الكرماني بحكم الملك بفتح اللام وفسره بجبريل لأنه الذي كان ينزل بالأحكام قال السهيلي من فوق سبع سموات معناه أن الحكم نزل من فوق قال ومثله قول زينب بنت جحش زوجني الله من نبيه من فوق سبع سموات أي نزل تزويجها من فوق
قال ولا يستحيل وصفه تعالى بالفوق على المعنى الذي يليق بجلالته لا على المعنى الذي يسبق إلى الوهم من التحديد الذي يفصي إلى التشبيه
وفي الحديث دليل على أنه يجوز نزول العدو على حكم رجل من المسلمين ويلزمهم ما حكم به عليهم من قتل واسر واسترقاق وقد ذكر ابن إسحاق أن بني قريظة لما نزلوا على حكم سعد حبسوا في دار بنت الحرث
وفي رواية أبي الأسود عن عروة في دار أسامة بن زيد ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في البيتين . ووقع في حديث جابر عن ابن عائذ التصريح في أنهم جعلوا في البيتين قال ابن إسحاق فخندقوا لهم خنادق فضربت أعناقهم فجري الدم في الخندق وقسم أموالهم ونساءهم وأبناءهم على المسلمين وأسهم للخيل فكان أول يوم وقعت فيه السهمان لها . وعن أبي سعد عن مرسل حميد بن هلال أن سعد بن معاذ حكم أيضا أن تكون دورهم للمهاجرين دون الأنصار فلامه الأنصار فقال إني أحببت أن يستغنوا عن دوركم واختلف في عدتهم فعند ابن إسحاق أنهم كانوا ستمائة وبه جزم أبو عمر ابن عبد البر في ترجمة سعد بن معاذ وعن ابن عائذ من مرسل قتادة كانوا سبعمائة قال السهيلي المكثر يقول كانوا ما بين الثمانمائة إلى السبعمائة
وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل فيجمع بإن الباقين كانوا أتباعا وقد حكى ابن إسحاق أنه قيل أنهم كانوا تسعمائة
باب أخذ الجزية وعقد الذمة
1 - عن عمر أنه لم يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذها محوس هجر "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي . في رواية " أن عمر ذكر المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال له عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب " رواه الشافعي وهو دليل على أنهم ليشوا من أهل الكتاب
2 - وعن المغيرة بن شعبة أنه قال لعمل كسرى " أمرنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية "
- رواه أحمد والبخاري
3 - وعن ابن عباس قال " مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشكوه إلى أبي طالب فقال يا ابن أخي ما تريد من قومك قال أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب وتؤدي غليهم بها العجم الجزية قال كلمة واحدة قولوا لا إله إلا الله قالوا إلها واحدا ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق قال فنزل فيهم القرآن " ص والقرآن ذي الذكر إلى قوله إن هذا إلا اختلاق "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن
- حديث عمر وعبد الرحمن ورد بألفاظ من طرق منها ما ذكره المصنف وقد أخرجه الترمذي بلفظ " فجاءنا كتاب عمر انظر مجوس من قبلك فخذ منهم الجزية فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني فذكره " وأخرج أبو داود من طريق ابن عباس قال " جاء رجل من مجوس هجر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما خرج قلت له ما قضاء الله ورسوله فيكم قال شر الإسلام أو القتل " وقال عبد الرحمن بن عوف قبل منهم الجزية
قال ابن عباس فأخذ الناس بقول عبد الرحمن وتركوا وتركوا ما سمعت
وروى أبو عبيد في كتاب الأموال بسند صحيح عن حذيفة لولا أبي رأيت أصحابي أخذوا الجزية من المجوس ما أخذتها
وفي الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر قال لا أدري ما أصنع بالمجوس فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد لسم صلى الله عليه وآله وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب وهذا منقطع ورجاله ثقات . ورواه الدار قطني وابن المنذر في الغرائب من طريق أبي علي الحنفي عن مالك فزاد فيه عن جده أي جد جعفر بن محمد وهو أيضا منقطع لأن جده علي بن الحسين لم يلحق عبد الرحمن بن عوف ولا عمر فإن كان الضمير في جده يعود إلى محمد بن علي فيكون متصلا لأن جده الحسين ابن عوف وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء بن الحضرمي أخرجه الطبراني في آخر حديث بلفظ " سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب " قال ابن عبد البر هذا من الكلام العام الذي أريد به الخاص لأن المراد سنة أهل الكتاب على أنهم ليسوا أهل الكتاب لكن روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن علي كان المجوس أهل كتاب يدرسونه وعلم يقرؤنه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال أن آدم كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه وقتل من خالفه فأسري على ما في كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شيء وروى عبد ابن حميد في تفسير سورة البروج بإسناد صحيح عن ابن أبزي لما هزم المسلمون أهل فارس قال عمر اجتمعوا فقال أن المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع عليهم ولامن عبدة الأوثان فنجري عليهم أحكامهم فقال علي بل هم أهل كتاب فذكر نحوه لكن قال وقع على ابنته وقال في آخر فوضع الأخدود لمن خالفه فهذا حجة من قال كان لهم كتاب
وأما قول ابن بطال لو كان لهم كتاب ورفع لرفع حكمه ولما أستثنى حل ذبائحهم ونكاح نسائهم فالجواب أن الاستثناء وقع تبعا للأثر الوارد لأن في ذلك شبهة تقتضي حقن الدم بخلاف النكاح فإنه مما يحتاط له وقال ابن المنذر ليس تحريم نكاحهم وذبائحهم متفق عليه ولكن الأكثر من أهل العلم عليه وحديث ابن عباس أخرجه النسائي أيضا وصححه الترمذي والحاكم قوله " حتى تعبدو الله وحده " الخ فيه الإخبار من المغيرة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتال المجوس حتى يؤدوا الجزية زاد الطبراني وإنا والله لا نرجع إلى ذلك الشقاء حتى نغلبكم على ما في أيديكم
قوله : " وتؤدي إليهم بها العجم الجزية " فيه متمسك لمن قال لا تؤخذ الجزية من الكتابي إذا كان عربيا قال في الفتح فأما اليهود والنصارى فهم المراد بأهل الكتاب بالأتفاق وفرق الحنفية فقالوا تؤخذ من مجوس العجم دون مجوس العرب وحكى الطحاوي عنهم أنها تقبل الجزية من أهل الكتاب ومن جميع الكفار العجم ولا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف وعن مالك تقبل من جميع الكفار إلا من ارتد وبه قال الأوزاعي وفقهاء الشام وحكى ابن القاسم أنها لا تفبل من قريش وحكى ابن عبد البر الاتفاق على قبولها من المجوس لكن حكى ابن التين عن عبد الملك أنها لا تقبل من اليهود والنصارى فقط ونقل أيضا الاتفاق على أنه لا يحل نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم وحكى غيره عن أبي ثور حل ذلك قال ابن قدامة وهذا خلاف إجماع من تقدموا قال الحافظ وفيه نظر فقد حكى ابن عبد البر عن سعيد بن المسيب أنه لم يكن يرى بذبيحة المجوسي بأسا إذا أمره المسلم بذبحها وروى ابن أبي شيبة عنه وعن عطاء وطاوس وعمرو بن دينار أنهم لم يكونوا يرون بأسا بالتسرى بالمجوسية وقال الشافعي تقبل من أهل الكتاب عربا كانوا أوعجما ويلتحق بهم المجوس في ذلك قال أبو عبيدة ثبتت الجزية على اليهود والنصارى بالكتاب وعلى المجوس بالسنة
قال العلماء الحكمة في وضع الجزية أن الذي يلحقهم يحملهم على الدخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين من الإطلاع على محاسن الإسلام واختلف في السنة التي شرعت فيها فقيل في سنة وثمان وقيل في سنة وتسع
4 - وعن عمر بن بن عبد العزيز " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى أهل اليمن ان على كل إنسان منكم دينارا كل سنة أو قيمته من الممعاثر يعني أهل الذمة منهم "
- رواه الشافعي في مسنده
وقد سبق هذا المعنى في كتاب الوكاة في حديث لمعاذ
5 - وعن عمرو بن عوف الأنصاري " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي "
- متفق عليه
6 - وعن الزهري قال " قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجزية من أهل البحرين وكانوا مجوسا "
- رواه أبو عبيدة في الأموال
7 - وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيد ردومة فأخذوه فأتوا به فحقن دمه وصالح على الجزية "
- رواه أبو داود
8 - وهو دليل على أنها لا تختص بالعجم لأن أكيد ردومة عربي من غسان
9 - وعن ابن عباس قال " صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل نجران على الفي حلة النصف في صفو والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمون وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها والميسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد ذات غدر على أن لا يهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنوا عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا "
- أخرجه أبو داود
- حديث عمر بن عبد العزيز هو مرسل ولكنه يشهد له ما أشار له المصنف من حديث معاذ وقد سبق في باب صدقة المواشي من كتاب الزكاة ومن كل حالم دينارا أو عدله معافر وقد قدمنا الكلام عليه هنا لك . وحديث الزهري هو أيضا مرسل وقد تقدم ما يشهد له في أول الباب . وحديث أنس أخرجه أيضا وأخرجه أيضا البيهقي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وفيع عنعنة محمد بن إسحاق محديث ابن عباس هو من رواية السدى عنه قال المنذري وفي سماع السدى من عبد الله بن عباس نظر وإنما قيل أنه رآه ورأى ابن عمر وسمع من أنس بن مالك وكذا قال الحافظ أن في سماع السدي منه نظرا لكن له شواهد منها ما أخرجه ابن أبي شيبة عن الشعبي قال " كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل نجران وهم نصارى أن من بايع منكم بالربا فلا ذمة له " وأخرج أيضا عن سالم قال أن أهل نجران قد بلغوا أربعين ألفا وكان عمر رضي الله عنه يخافهم أن يميلوا على المسلمين فتحاسدوا بينهم فأتوا عمر فقالوا أجلنا قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كتب لهم كتابا أن لا يجلوا فاغتنمها عمر فأجلاهم فندموا فأتوه فقالوا أقلنا فأبى أن يقيلهم فلما قدم علي أتوه فقالوا إنا نسألك بخط يمينك وشفاعتك عند نبيك إلا ما أقلتنا فأبى وقال أن عمر كان رشيد الأمر
قوله : " من المعافر " بعين مهملة وفاء اسم قبيلة وبها سميت الثياب وإليها ينسب البز المعافري
قوله : " الأنصاري " كذا في صحيح البخاري والمعروف عند أهل المغازي أنه من المهاجرين وقد وقع أيضا في البخاري أنه حليف لبني عامر بن لؤي وهو يشعر بكونه من أهل مكة قال في الفتح ويحتمل أن يكون وصفه بالأنصاري بالمعنى الأعم ولامانع أن يكون أصله من الأوس والخزرج نزل مكة وحالف بعض أهلها فبهذا الأعتبار يكون أنصار يا مهاجر يا قال ثم ظهر لي أن لفظة الأنصاري وهم وقد تفرد بها شعيب عن الزهري ورواه أصحاب الزهري عنه بدونها في الصحيحين وغيرهما وهو معدود في أهل بدر باتفاقهم ووقع عند موسى بن عقبة في المغازي أنه عمير بن عوف بالتصغير
قوله : " إلى البحرين " هي البلد المشهور في العراق وهو بين البصرى وهجر . وقوله " يأتي بجزيتها " أي يأتي بجزية أهلها وكان غالب أهلها إذ ذاك المجوس ففيه تقوية للحديث الذي تقدم ومن ثم ترجم عليه النسائي أخذ الجزية من المجوس . وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد قسمة الغنائم بالجعرانة أرسل العلاء إلى المنذر بن ساوى عامل الفرس على البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية
قوله : " وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ كان في ذلك في سنة الوفود سنة تسع من الهجرة
قوله : " إلى أكيدر " بضم الهمزة تصغيرا أكدر قال في التلخيص إن ثبت أن أكيدر كان كنديا ففيه دليل على أن الجزية لا تختص بالعجم من أهل الكتاب لأن أكيدرا كان عربيا اه
قوله : " صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل نجران " الخ هذا المال الذي وقعت عليه المصالحة هو في الحقيقة جزية ولكن ما كان مأخوذا على هذه الصفة يختص بذوي الشوكة فيؤخذ ذلك المقدار من أموالهم ولا يضر به [ يضربه ؟ ؟ ] الإمام على رؤوسهم
قوله : " إن كان باليمن كيد ذات غدر " إنما أنث الكيد هنا لأنه أراد به الحرب ولفظ الجامع كيد إذا بغدر
وفي الإرشاد كيدا وغدر وهذا لفظ أبي داود
قوله : " ولا يخرج لهم قس " بفتح القاف وتشديد المهملة بعدها قال في القاموس هو رئيس النصارى في العلم
قوله : " يأكل الربا " زاد أبو داود قال إسماعيل قد أكلوا الربا
9 - وعن ابن شهاب قال " أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران وكانوا نصارى "
- رواه أبو عبيد في الأموال
10 - وعن ابن عباس قال " كانت المرأة تكون مقلاة فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا لا ندع أبناءنا فأنزل الله عز و جل لا إكراه في الدين "
- رواه أبو داود وهو دليل على أن الوثني إذا تهود يقر ويكون كغيره من أهل الكتاب
11 - وعن ابن أبي نجيح قال " قلت لمجاهد ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير وأهل اليمن عليهم دينار قال جعل ذلك من قبيل اليسار "
- أخرجه البخاري
- حديث ابن شهاب مرسل . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وقد رواه أبو داود من ثلاث طرق والنسائي من طريقين وجميع رجاله لا مطعن فيه
قوله : " مقلاة " بكسر الميم وسكون القاف قال في مختصر النهاية هي المرأة التي لا يعيش لها ولد قوله " فأنزل الله عز و جل لا إكراه في الدين " فيه دليل على أنه إذا أختار الوثني الدخول في اليهودية أو النصارانية جاز تقريره على ذلك بشرط أن يلتزم بما وضعه المسلمون على أهل الذمة
قوله : " ما شأن أهل الشام " الخ أشار بهذا الأثر إلى جواز التفاوت في الجزية وأقل الجزية عند الجمهور دينار في كل سنة من كل حالم لحديث معاذ المتقدم وما ورد في معناه وظاهره المساواة بين الغني والفقير وخصته الحنفية بالفقير قالوا وما المتوسط فعليه ديناران وعلى الغني أربعة وهو موافق لأثر مجاهد المذكور وعند الشافعية إن للإمام أن يماكس حتى يأخذها منهم وبه قال أحمد . وحكى في البحر عن الهادي والقاسم والمؤيد بالله وأبي حنيفة وأصحابه أنها تكون في الفقير إثنتي عشرة قفلة ومن الغني ثمانين وأربعين ومن المتوسط أربعا وعشرين وتمسكوا بما رواه أبوا عبيد من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه بعث عثمان بن حنيف بوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين وإثني عشر
قال في الفتح وهذا على حساب الدينار بإثني عشر وأخرجه البيهقي من طريق مرسلة بلفظ " إن عمر ضرب الجزية على الغني ثمانية وأربعين درهما وعلى المتوسط أربعة وعشرين وعلى الفقير المكتسب إثني عشر " وأخرج البيهقي عن عمر أنه وضع على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق ثمانية وأربعين
وأخرج أيضا عنه أنه قال دينار الجزية إثنا عشر درهما قال ويروى عنه بإسناد ثابت عشرة دراهم قال ووجهه التقويم باختلاف السعر وقال مالك لا يزيد على الأربعين وينقص منها عمن لا يطيق
قال في الفتح وهذا يحتمل أن يكون جعله على حساب الدينار بعشرة والقدر الذي لا بد منه دينار وحكى في البحر عن النفس الزكية وأبي حنيفة والشافعي في قول له أنه لا جزية على فقير وهذا يخالف ما حكاه في الفتح عن الحنفية والشافعية كما قدمنا ولعل ما وقع من عمر وغيره من الصحابة من الزيادة على الدينار لأنهم لم يفهموا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدا محدودا أو إن حديث ممعاذ المتقدم واقعة عين لا عموم لها وأن الجزية نوع من الصلح كما قدمنا وقد تقدم ما كان يأخذه صلى الله عليه وآله وسلم من أهل نجران وحكى في البحر عن الهادي أن الغني من يملك ألف دينار نقدا وبثلاثة آلاف دينار عروضا ويركب الخيل ويتختم بالذهب
وقال المؤيد بالله إن الغني هو العرفي وقواه المهدى وقال المنصور بالله بل الشرعي قال في الفتح ( واختلف السلف ) في أخذها من الصبي فالجمهور قالوا لا تؤخذ على مفهوم حديث معاذ وكذا لا تؤخذ من شيخ فان ولا زمن ولا امرأة ولا مجنون ولا عاجز عن الكسب ولا أجير ولا من أصحاب الصوامع في قول والأصح عند الشافعية الوجوب على من ذكر آخرا اه
وقد أخرج البيهقي من طريق زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر كتب إلى إمرأة الأجناد أن لا تضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسى وكان لا يضرب على النساء والصبيان ورواه من طريق أخرى بلفظ " ولا تضعوا الجزية على النساء والصبيان " ولكنه قد أخرج أبو عبيد في كتاب الأموال عن عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال " كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل اليمن أنه من كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا ينزعها وعليه الجزية على كل حال ذكرا أو أنثى عبد أو أمة دينار واف أو قيمته " ورواه ابن زنجويه في الأموال عن النضر بن شميل عن عوف عن الحسن قال " كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فذكره قال الحافظ وهذان مرسلان يقوي أحدهما الآخر
وروى أبو عبيد أيضا في الأموال عن يحيى بن سعيد عن قتادة عن شقيق العقيلي عن أبي عياض عن عمر قال لا تشتروا رقيق اهل الذمة فإنهم أهل خراج يؤدى بعضهم عن بعض
12 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تصلح قبلتان في أرض وليس على مسلم جزية "
- رواه أحمد وأبو داود وقد احتج به على سقوط الجزية بالإسلام وعلى المنع من إحداث بيعة أو كنيسة
13 - وعن رجل من بني تغلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ليس على المسلمين عشور إنما العشور على اليهود والنصارى "
- رواه أحمد وأبو داود
14 - وعن أنس " إن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت أن أقتلك فقال ما كان الله ليسلطك على ذلك قال فقالوا ألا نقتلها قال لا فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد ومسلم وهو دليل على أن العهد لا ينتقض بمثل هذا الفعل
- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود ورجال إسناده موثقون وقد تكلم في قابوس بن الحصين عن جندب ووثقه ابن معين
وقال المنذري أخرجه الترمذي وذكر أنه مرسل ويشهد له ما تقدم أنه صلى الله عليه وآله وسلم " قال المسلم والكافر لا تتراءى ناراهما " وأخرج مالك في الموطأ عن ابن شهاب " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يجتمع دينان في جزيرة العرب " قال ابن شهاب ففحص عمر عن ذلك حتى أتاه الثلج واليقين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا فأجلى يهود خيبر قال مالك وقد أجلى عمر يهود نجران وفدك . ورواه مالك في الموطأ أيضا عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول بلغني أنه كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن قال قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقى دينان بأرض العرب . ووصله صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه إسحاق في مسنده . ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب فذكره مرسلا وزاد فقال عمر من كان منكم عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فليأت به وإلا فإني مجليكم . ورواه أحمد في مسنده موصولا عن عائشة ولفظه قالت آخر ما عاهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يترك بجزيرة العرب دينان . أخرجه من طريق ابن إسحاق حدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها وحديث الرجل من بني تغلب أخرجه البخاري في التاريخ وساق الاضطراب فيه وقال لا يتابع عليه
قال المنذريي وقد فرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشور فيما أخرجت الأرض في خمسة أو ساق وقد أخرجه أبو داود أيضا من طريق أخرى من حديث حرب بن عبيد الله عن جده أبي أمه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما العشور على اليهود والنصارى . وليس على المسلمين عشور " ولم يتكلم أبو داود ولا المنذري على إسناده وأخرجه أيضا من طريق أخرى عن حرب بن عبيد الله فقال الخراج مكان العشور
وأخرجه أيضا من طريق أخرى عن رجل من بكر بن وائل عن خاله قال قلت يل رسول الله أعشر قومي قال لإنما العشور على اليهود والنصارى
وقدد سكت أبو داود والمنذري عنه في إسناده الرجل البكري وهو مجهول وخاله أيضا مجهول ولكنه صحابي
قوله : " لا تصلح قبلتنا " سيأتي الكلام عن ذلك في الباب الذي بعد هذا
قوله : " وليس على مسلم جزية " لأنها إنما ضربت على أهل الذمة ليكن بها حقن الدماء وحفظ الإموال والمسلم بإسلامه قد صار محترم الدم والمال
قوله " عشور " هي جمع عشر وهو واحد من عشرة أي ليس عليهم غير الزكاة من الضرائب والمكس ونحوهما
قال في القاموس عشرهم يشعرهم عشرا وعشورا أخذ عشر أموالهم انتهى
وقال الخطابي يريد عشور التجارات دون عشور الصدقات قال والذي يلزم اليهود والنصارى من العشور هو ما صولحوا عليه وإن لم يصالحوا عليه فلا شيء عليهم غير الجزية اتنهى . ولعله يريد على مذهب الشافعي
وأما عند الحنفية والزيدية فإنهم يقولون يؤخذ من تجار أهلالذمة نصف عشر ما يتجرون به هلالذمة نصف عشر ما يتجرون به إذا كان ذلك الإتجالر باماننا ويؤخذ من تجار أهل الحرب مقدار ما يأخذون من تجارنا فإن التبس المقدار وجب الاقتصار على العشر وقد أخرج البيهقي عن محمد بن سيرين أن أنس بن مالك قال له أبعثك على ما بعثني عليه عمر فقال لا أعمل لك عملا حتى تكتب لي عهد عمر الذي كان عهد إليك فكتب لي أن تأخذ لي من أموال المسلمين ربع العشر ومن أموال أهل الذمة إذا اختلفوا للتجارة نصف العشر ومن أموال أهل الحرب العشر
وأخرج سعيد ابن منصور عن زياد بن حدير قال استعملني عمر بن الخطاب على العشور فأمرني أن أخذ من تجار أهل الحرب العشر ومن تجار أهل الذمة يصف العشر ومن تجار المسلمين ربع العشر وأخرج مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه كان عمر يأخذ من القبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ولا يؤخذ ذلك منهم إلا في السنة مرة لظاهر اقترانه بربع العشر الذي على المسلمين وأما اشتراط النصاب والأنتقال بأمان المسلمين كما قاله جماعة من الزيدية فلم أقف في شيء من السنة أو أفعال أصحابه على ما يدل عليه وفعل عمر وإن لم يكن حجة لكنه قد عمل الناس به قاطبة فهو اجماع سكوتي . ويمكن أن يقال لا يسلم الإجماع على ذلك والأصل تحريم أموال أهل الذمة حتى يقوم دليل والحديث محتمل
وقد استنبط المصنف رحمه الله من حديث ابن عباس المذكور في الباب المنع من احداث بيعة أو كنيسة وأخرج البيهقي من طريق حزام بن معاوية قال كتب إلينا عمر أبو الخيل ولا يرفع بين ظهرانيكم الصليب ولا تجاوركم الخنازير وفي إسناده ضعف وأخرجه أيضا الحافظ الحراني وروى ابن عدي عن عمر مرفوعا لا تبني كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها
وروى البيهقي عن ابن عباس كل مصر مصره المسلمون لا تبني فيه بيعة ولا كنيسة ولا يضرب فيه ناقوس ولا يباع فيه لحم خنزير وفي إسناده حنش وهو ضعيف
وروى أبو عبيد في كتاب الأموال عن نافع عن أسلم أن عمر أمر في أهل الذمة أن تجز نواصيهم وأن يركبوا على الأكف عرضا ولا يركبوا كما يركب المسلمون وأن يوثقوا المناطق
قال أبو عبيد يعني الزنانير وروى البيهقي عن عمر أنه كتب إلى امراء الأجناد أن يختموا رقاب أهل الذمة بخاتم الرصاص وأن تجز نواصيهم وأن تشد المناطق . وحديث أنس المذكور في الباب استدل به المصنف رحمه الله على أن أرادة القتل من الذمي لا ينقض بها عهده لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقتلها بعد أن اعترفت بذلك والقصة معروفة في كتب السير والحديث والخلاف فيها مشهور
وقد جزم بعض أهل العلم بأنه يقتل من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الذمة واستدل بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتل من كان يشتمه من كفار قريش كما سبق وتعقبه ابن عبد البربان كفار قريش المأمور بقتلهم يوم الفتح كانوا حربيين
وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرت أن أبا عبيدة بن الجراح وأبا هريرة قتلا كتابيين أرادا امرأة على نفسها مسلمة وروى البيهقي من طريق الشعبي عن سويد بن غفلة قال كنا عند عمر وهو أمير المؤمنين بالشام فأتى نبطي مضروب مشجج يستعدى فغضب عمر وقال لصهيب أنظر من صاحب هذا فذكر القصة فجيء به فإذا هو عوف ابن مالك فقال رأيته يسوق بامرأة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها فلم تصرع ثم دفعها فخرت عن الحمار فغشيها ففعلت به ما ترى فقال عمر والله ما على هذا عاهدناكم فأمر به فصلب ثم قال يا أيها الناس فوا بذمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له
باب منع أهل الذمة من سكني الحجاز
1 - عن ابن عباس قال " اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه يوم الخميس وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة "
- متفق عليه والشك من سليمان الاحول
2 - وعن عمر " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا خرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلما "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه
3 - وعن عائشة قال " آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن قال لا يترك بجزيرة العرب دينان "
4 - وعن أبي عبيدة بن الجراح قال " آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب "
- رواهما أحمد
5 - وعن ابن عمر " أن عمر أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وذكر يهود خيبر إلى أن قال أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء "
- رواه البخاري
- حديث عائشة قد قدمنا أنه رواه أحمد في مسنده من طريق ابن إسحاق قال حدثني صالح ين كيسان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها وحديث أبي عبيدة أخرجه أيضا البيهقي وهو في مسند مسدد وفي مسند الحميدي أيضا
قوله : " من جزيرة العرب " قال الأصمعي جزيرة العرب ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق طولا ومن جدة وما والاها من أطراف الشام عرضا وسميت جزيرة لإحاطة البحار بها يعني بحر الهند وبحر فارس والحبشة . وأضيفت إلى العرب لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام وبها أوطانهم ومنازلهم
قال في القاموس وجزيرة العرب ما أحاط بها بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات أوما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولا ومن جدة إلى ريف العراق عرضا انتهى . وظاهر حديث ابن عباس انه يجب إخراج كل مشرك من جزيرة العرب سواء كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ويؤيد هذا ما في عبيدة ابن الجراح لتصريحهما بأخراج اليهود والنصارى وبهذا يعرف أن ما وقع في بعض ألفاظ الحديث من الأقتصار على الأمر بأخراج اليهود لا ينافي الأمر العام لما تقرر في الأصول أن التنصيص على بعض أفراد العام لا يكون مخصصا للعام المصرح به في لفظ آخر ومانحن فيه من ذلك قوله " ونسيت الثالثة " قيل هي تجهيز أسامة وقيل يحتمل أنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تتخذوا قبري وثنا " وفي الموطأ ما يشير إلى ذلك . وظاهر الحديث أنه يجب أخراج المشركين من كل مكان داخل في جزيرة العرب . وحكى الحافظ في الفتح في كتاب الجهاد عن الجمهور أن الذي يمنع منه المشركون من جزيرة العرب هو الحجاز خاصة قال وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب قال وعن الحنفية يجوز مطلقا إلا المسجد . وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة
وقال الشافعي لا يدخلون الحرم أصلا إلا بأذن الإمام لمصلحة المسلمين انتهى
قال ابن عبد البر في الأستذكار ما لفظه قال الشافعي جزيرة العرب التي أخرج عمر اليهود والنصارى منها مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها فأما اليمن فليس من جزيرة العرب انتهى
قال في البحر مسألة ولا يجوز إقرارهم في الحجاز إذ أوصى صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أشياء اخراجهم من جزيرة العرب الخبر ونحوه والمراد بجزيرة العرب في هذه الأخبار مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها ووج والطائف وما ينسب إليهما وسمى الحجاز حجاز الحجزه بين نجد وتهامة ثم حكى كلام الأصمعي السابق ثم حكى عن أبي عبيدة أنه قال جزيرة العرب هي ما بين حفر أبي موسى وهو قريب من البصرة إلى أقصى اليمن طولا وما بين يبرين إلى السماوة عرضا ثم قال لنا ما روى أبو عبيدة أن آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخرجوا النهود من جزيرة العرب . الخبر وأجلى عمر أهل الذمة من الحجاز فلحق بعضهم بالشام وبعضهم بالكوفة وأجلى أبو بكر قوما فلحقوا بخيبر فاقتضى أن المراد الحجاز لا غير انتهى ولا يخفى أنه لو كان حديث أبي عبيدة باللفظ الذي ذكره لم يدل على أن المراد بجزيرة العرب هو الحجاز فقط ولكنه باللفظ الذي ذكره المصنف فيكون دليلا لتخصيص جزيرة العرب بالحجاز وفيه سيأتي
قال المهدي في الغيث ناقلا عن الشفاء للأمير الحسين إنما قلنا بجواز تقريرهم في غير الحجاز لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قال أخرجوهم من جزيرة العرب ثم قال أخرجوهم من الحجاز عرفنا أن مقصوده بجزيرة العرب الحجاز فقط ولا مخصص للحجاز عن سائر البلاد إلا برعاية أن المصلحة في أخراجهم منه أقوى فوجب مراعاة المصلحة إذا كانت في تقريرهم أقوى منها في أخراجهم انتهى
وقد أجيب عن هذا الاستدلال بأجوبة منها أن حمل جزيرة العرب على الحجاز وإن صح مجازا من إطلاق اسم الكل على البعض فهو معارض بالقلب وهو أن يقال المراد بالحجاز جزيرة العرب أما لانحجازها بالأبحار كانحجازها بالحرار الخمس وأما مجاز من إطلاق اسم الجزء على الكل فترجيح أحد المجازين مفتقر إلى دليل ولا دليل إلا ما ادعاه من فهم أحد المجازين ومنها أن في خبر جزيرة العرب زيادة لم تغير حكم الخبر والزيادة كذلك مقبولة . ومنها أن استنباط كون علة التقرير في غير الحجاز هو المصلحة فرع ثبوت الحكم أعني التقرير لما علم من أن المستنبطة إنما تؤخذ من حكم الأصل بعد ثبوته والدليل لم يدل إلى على نفي التقرير لا ثبوته لما تقدم في حديث المسلم والكافر لا تتراءى ناراهما
وحديث لا يترك بجزيرة العرب دينان ونحوهما فهذا الأستنباط واقع في مقابلة النص المصرح فيه بأن العلة كراهة اجتماع دينين فلو فرضنا أنه لم يقع النص إلا على اخراجهم من الحجاز لكان المتعين الحاق بقية جزيرة العرب به لهذه العلة فكيف والنص الصحيح مصرح بالأخراج من جزيرة العرب وأيضا هذا الحديث الذي فيه الأمر بالأخراج من الحجاز فيه الأمر بأخراج أهل نجران كما وقع في حديث الباب وليس نجران من الحجاز فلو كان لفظ الحجاز مخصصا للفظ جزيرة العرب على انفراده أو دالا على أن المراد بجزيرة العرب الحجاز فقط لكان في ذلك أهمال لبعض الحديث وأعمال لبعض وأنه باطل وأيضا غاية ما في حديث أبي عبيدة الذي صرح فيه بلفظ أهل الحجاز مفهومه معارض لمنطوق ما في حديث ابن عباس المصرح فيه بلفظ جزيرة العرب والمفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق فكيف يرجح عليه ( فإن قلت ) فهل يخصص لفظ جزيرة العرب المنزلة منزلة العام لماله من الأجزاء بلفظ الحجاز عند من جوز التخصيص بالمفهوم قلت هذا المفهوم من مفاهيم اللقب وهو غير معمول به عند الحنفين من أئمة الأصول حتى قيل أنه لم يقل به إلا الدقاق وقد تقرر عند فحول أهل الأصول إن ما كان من هذا القبيل يجعل من قبيل التنصيص على بعض الأفراد لا من قبيل التخصيص إلا عند أبي ثور
قوله : " أهل الحجاز " قال في القاموس والحجاز مكة والمدينة والطائف ومخاليفها لأنها حجزت بين نجد وتهامة أوبين نجد والسراة أو لأنها احتجزت بالحرار الخمس حرة بني سليم وواقم وليلى وشوران والنار انتهى
باب ما جاء في بداءتهم بالتحية وعيادتهم
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تبدؤا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها "
- متفق عليه
2 - وعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم "
- متفق عليه
وفي رواية لأحمد " فقولوا عليكم " بغير واو
3 - وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن اليهود إذا سلم أحدهم إنما يقول السام عليكم فقل عليك "
- متفق عليه
وفي رواية لأحمد ومسلم " وعليك " بالواو
4 - وعن عائشة قالت " دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا السام عليك قالت عائشة ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا قد قلت وعليكم "
- متفق عليه
وفي لفظ " عليكم " أخرجاه
5 - وعن عقبة بن عامر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤهم بالسلام وإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم "
- رواه أحمد
- قوله " لا تبدؤا اليهود " الخ فيه تحريم ابتداء اليهود والنصارى بالسلام وقد حكاه النووي عن عامة السلف وأكثر العلماء
قال وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام روى ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي لكنه قال يقول السلام عليك ولا يقول عليكم بالجمع واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث الواردة في إفشاء السلام وهو من ترجيح العمل بالعام على الخاص . وذلك مخالف لما تقرر عند جميع المحققين ولا شك أن هذا الحديث الوارد في النهي عن ابتداء اليهود والنصارى بالسلام أخص منها مطلقا والمصير إلى بناء العام على الخاص واجب
وقال بعض أصحاب الشافعي يكره ابتداؤهم بالسلام ولا يحرم وهو مصير إلى معنى النهي المجازي بلا قرينة صارفة إليه . وحكى القاضي عياض عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة وهو قول علقمة والنخعي
وروى عن الأوزاعي أنه قال إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون
قوله : "
وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها " أي ألجؤهم إلى المكان الضيق منها وفيه دليل على أنه لا يجوز للمسلم أن يترك للذمي صدر الطريق وذلك نوع من أنزال الصغار بهم والإذلال لهم
قال النووي وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهذه لا يصدمه جدار ونحوه قوله " فقولوا وعليكم " في الرواية الأخرى " فقولوا عليكم " وفي الرواية الثالثة " فقل عليك " فيه دليل على أنه يرد على أهل الكتاب إذا وقع منهم الأبتداء بالسلام ويكون الرد بأثبات الواو وبدونها وبصيغة المفرد والجمع وكذا يرد عليهم لو قالوا السام بحذف اللام وهو عندهم الموت
قال النووي في شرح مسلم أتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا يقال لهم وعليكم السلام بل يقال عليكم أو وعليكم فقد جاءت الأحاديث بأثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات بأثباتها
قال وعلى هذا في معناه وجهان أحدهما . أنه على ظاهره فقالوا عيلكم الموت فقال وعليكم أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت . والثاني أن الواو هنا للإسئناس لا للعطف والتشريك وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذنب
وأما من حذف الواو فتقديره السام قال القاضي أختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو فتقديره بل عليكم السام
وقال غيره بإثباتها
قال وقال بعضهم يقول عليكم السلام بكسر السين أي الحجارة وهذا ضعيف وقال الخطابي عامة المحدثين يروون هذا الحرف وعليكم بالواو وكان ابن عيينة يرويه بغير واو قال وهذا هو الصواب لأنه إذا حذف الواو صار كلامهم بعينه مردودا عليهم خاصة وإذا ثبت الواو أقتضى الشركة معهم فيما قالوه
قال النووي والصواب أن إثبات الواو جائز كما صحت به الروايات وأن الواو أجود ولا مفسدة فيه السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر في المجيء بالواو . وحكى النووي بعد أن حكى الإجماع المتقدم عن طائفة من العلماء أنه لا يرد على أهل كتاب السلام
قال وراه ابن وهب وأشهب عن مالك . وحكى الماوردي عن بعض أصحاب الشافعي أنه يجوز أن يقال في الرد عليهم وعليكم السلام ولكن لا يقول رحمة الله
قال النووي وهو ضعيف مخالف للأحاديث
قال ويجوز الابتداء على جمع فيهم مسلمون وكفار أو مسلم وكافر ويقصد المسلمين والحديث الثابت في الصحيح أنه صلى الله عليه وآله وسلم سلم على مجلس في أخلاط من المسلمين والمشركين
قوله : " إن الله يحب الرفق في الأمر كله " هذا من عظيم خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وكمال حلمه وفيه حث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدعو حاجة إلى المخاشنة وفي الحديث أستحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم يترتب عليهم مفسدة
قال الشافعي الكيس العاقل هو الفطن المغافل
1 - وعن أنس قال " كان غلام يهودي يخدم رسول الله فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول الحمد لله أنقذه بي من النار "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود
وفي رواية لأحمد " إن غلاما يهوديا كان يضع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وضوءه ويناوله نعليه فمرض " فذكر الحديث
- قوله " كان غلام يهودي " زعم بعضهم أن أسمه عبد القدوس
وفي الحديث دليل على جواز زيارة تأهل الذمة إذا كان الزائر يرجو بذلك حصول مصلحة دينية كإسلام المريض
قال المنذري قيل يعاد المشرك ليدعى إلى الإسلام إذا رجي إجابته ألا ترى أن اليهودي أسلم حين عرض عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإسلام فأما إذا لم يطمع في الإسلام ولا يرجو إجابته فلا ينبغي عيادته . وهكذا قال ابن بطال أنها إنما تشرع عيادة المشرك إذا رجى أن يجيب إلى الدخول في الإسلام فأما إذا لم يطمع في ذلك فلا
قال الحافظ والذي يظهر أن ذلك يختلف بأختلاف المقاصد فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى قال الماوردي عيادة الذمي جائزة والقربة موقوفة على نوع حرمة تقترن بها من جوار أو قرابة
وقد بوب البخاري على هذا الحديث باب عيادة المشرك
باب قسمة خمس الغنيمة ومصرف الفيء
1 - عن جبير بن مطعم قال " مشيت أنا وعثمان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا قال إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد قال جبير ولم يقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبني عبد شمس ولا بني نوفل شيئا "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي . وابن ماجه وفي رواية " لما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهم ذي القربى من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب جئت أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله عز و جل منهم أرأيت أخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة قال إنهم لم يفارقوني في الجاهلية ولا إسلام وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ثم شبك بين أصابعه " . رواه أحمد والنسائي وأبو داود والبرقاني وذكر أنه على شرط مسلم
- قوله " مشيت أنا وعثمان " إنما أختص جبير عثمان بذلك لأن عثمان من بني عبد شمس وجبير من بني نوفل وعبد شمس ونوفل وهاشم والمطلب هم بنو عبد مناف فهذا معنى قولهما ونحن وهم منك بمنزلة واحدة أي في الانتساب إلى عبد مناف
قوله : " شيء واحد " بالشين المعجمة المفتوحة الهمزة كذا للأكثر
وقال عياض هكذا في البخاري بغير خلاف
وفي رواية للكشميهني والمستملى بالمهملة المكسورة وبشديد التحتانية وكذا كان يرويه يحيى بن معين
قال الخطابي هو أجود في المعنى . وحكاه عياض رواية خارج الصحيح وقال الصواب رواية الكافة لقوله فيه " وشبك بين أصابعه " وهذا دليل على الاختلاط والامتزاج كالشيء الواحد لا على التمثيل والتنظير . ووقع في رواية أبي زيد المروزي شيء أحد بغير واو وبهمز الألف فقيل هما بمعنى
وقيل الأحد الذي ينفرد بشيء لا يشاركه فيه غيره والواحد أول العدد . وقل الأحد المنفرد بالمعنى والواحد المنفرد بالذات
وقيل الأحد لنفي ما يذكر معه من العدد والواحد اسم لمفتاح العدد ومن جنسه
وقيل لا يقال أحد إلا لله تعالى حكى ذلك جميعه عياض
قوله : " ولم يقسم " الخ هذا أورده البخاري في كتاب الخمس معلقا ووصله في المعازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بتمامه وزاد أبو داود بهذا الإسناد وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده . وهذه الزيادة مدرجة من كلام الزهري والسبب الذي لأجله أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني المطلب مع بني هاشم دون غيرهم ما تقدم لهم من المعاضدة لبني هاشم والمناصرة فمن ذلك لما كتبت قرش الصحيفة بينهم وبين بني هاشم وحصروهم في الشعب دخل بنو المطلب مع بني هاشم ولم يدخل بنو نوفل وبنو عبد شمس كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير
وفي هذا الحديث دليل للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوي القربى لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قريش . وعن عمر بن عبد العزيز هم بنو هاشم خاصة وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين وإليه ذهب جميع أهل البيت . وهذا الحديث حجة لأهل القول الأول
وقد قيل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أعطى بني المطلب لعلة الحاجة ورد بأنه لو كان الأمر كذلك لم يخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوما دون قوم وأيضا الحديث مصرح بأنه إنما أعطاهم لكونهم هم ذرية هاشم شيء واحد وبمنزلة واحدة لكونهم لم يفارقوه في جاهلية ولا إسلام ( والحاصل ) أن الآية دلت على استحقاق قربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي متحققة في بني عبد شمس وبني نوفل . واختلفت الشافعية في سبب إخراجهم فقيل العلة القرابة مع النصرة . فلذلك دخل بنو هاشم وبنو المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو نوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها
وقيل سبب الأستحقاق القرابة . ووجد في بني عبد شمس ونوفل مانع لكونهم انحازوا عن بني هاشم وحاربوهم
وقيل أن القربى عام خصصته السنة
2 - وعن علي رضي الله عنه قال " اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله إن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس في كتاب الله تعالى فأقسمه في حياتك كيلا ينازعني أحد بعدك فأفعل قال ففعل ذلك فقسمته حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم ولانيه أبو بكر حتى كانت آخر سنة من سني عمر فإنه أتاه مال كثير "
- رواه أحمد وأبو داود
3 - وعن علي رضي الله عنه قال " ولاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحياة أبي بكر وحياة عمر "
- رواه أبو داو وهو دليل على أن مصارف الخمس خمسة
4 - وعن يزيد بن هرمز " أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن الخمس لمن هو فكتب إليه ابن عباس كتبت تسألني عن الخمس لمن هو فأنا نقول هو لنا فأبى علينا قومنا ذلك "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية أن نجدة الحروري حين خرج في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن يراه فقال هو لنا لقربى صلى الله عليه وآله وسلم لهم قسمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم وقد كان عمر عرض علينا شيئا منه رأيناه دون حقنا فرددناه إليه وأبينا أن نقبله وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم وأن يقضي عن غارمهم وأن يعطي فقيرهم وأبى أن يزيدهم على ذلك
- رواه أحمد والنسائي
5 - وعن عمر بن الخطاب قال " كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله ممالم يوحف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان ينفق على أهله نفقة سنته "
وفي لفظ " يحبس لأهله وقت سنتهم ما بقي في الساح والكراع عدة في سبيل الله "
- متفق عليه
- حديث علي الأول في إسناده حسين بن ميمون الخندقي قال أبو حاتم الرازي ليس بقوي الحديث يكتب حديثه
وقال علي بن المديني ليس بمعروف وذكر له البخاري في تاريخه هذا الحديث قال وهو حديث لا يتابع عليه . وزاد أبو داود بعد قوله فإنه أتاه مال كثير ما لفظه فعزل حقنا ثم أرسل إلى فقلت بناعنه العام وبالمسلمين إليه حاجة فاردده عليهم ثم لم يدعني إليه أحد بعد عمر فلقيت العباس بعدما خرجت من عند عمر فقال يا علي حرمتنا الغداة شيئا لا يرد علينا وكان رجلا داهيا . وحديث علي الثاني في إسناده أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان وقيل ابن عبد الله بن ماهان وثقه علي بن المديني وابن معين . ونقل عنهما خلاف ذلك وتكلم فيه غير واحد
قال في التقريب صدوق سيئ الحفظ خصوصا عن مغيرة من كبار السابعة مات في إحدى وستين . وتمام الحديث عند أبي داود فأني بمال يعني عمر فدعاني فقلت خذه قال خذه فأنتم أحق به قلت قد ستغنينا عنه فجعله في بيت المال
قوله : " وعن يزيد بن هرمز " بضم الهاء وسكون الراء وضم الميم وبعد هازاي
قوله : " إن نجدة " بفتح النون وسكون الجيم بعدها دال مهملة وقد تقدم ذكره
قوله : " كانت أموال بني النضير " الخ
قال في البخاري قال الزهري كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد هكذا ذكره معلقا ووصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عم الزهري أتم من هذا وهو في حديث عن عروة ثم كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أفلت لا بل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة يعني السلاح فأنزل الله فيهم ( سبح لله ) إلى قوله ( لأول الحشر ) وقاتلهم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا وكان الله كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي . وحكى ابن التين عن الداودي أنه رجح ما قال ابن إسحاق من أن غزوة بني النضير كانت بعد بئر معونة مستدلا بقوله تعالى { وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم } قال وذلك في قصة الأحزاب
قال في الفتح وهو استدلال واه فإن الآية نزلت في شأن بني قريظة فإنهم هم الذين ظاهروهم وهم أي من الأحزاب وأما بنو النضير فلم يكن لهم في الأحزاب ذكر بل كان من أعظم الأسباب في جمع الأحزاب ما وقع من اجلائهم فإنه كان من رؤوسهم حيي بن أخطب وهو الذي حسن لبني قريظة الغدر وموافقة الأحزاب حتى كان من هلاكهم ما كان فكيف يصير السابق لاحقا انتهى ( والأحاديث ) المذكورة في الباب فيها دليل على أن من مصارف الخمس قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد تقدم الخلاف في ذلك
وروى أبو داود في حديث أن أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عمر يعطيهم أمنه وعثمان بعده وقد استدل من قال أن الإمام يقسم الخمس حيث شاء بما أخرجه أبو داود وغيره عن ضباعة بنت الزبير قالت أصاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبيا فذهبت أنا وأختي فاطمة نسأله فقال سبقتكما يتامى بدر
وفي الصحيح أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بسبي فأتته تسأله خادما فذكر الحديث وفيه ألا أدلكما على خير مما سألتما فذكر الذكر عند النوم
قال إسماعيل القاضي هذا الحديث يدل على أن للإمام أن يقسم الخمس حيث يرى لأن الأربعة الأخماس استحقاق للغانمين والذي يختص بالإمام هو الخمس وقد منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته وأعز الناس عليه من قرابته وصرفه إلى غيرهم وقال بنحو ذلك الطبري والطحاوي
قال الحافظ في الاستدلال بذلك يظر لأنه يحتمل أن يكون ذلك من الفئ قوله " مما أفاء الله على رسوله " قد تقدم الكلام في مصرف الفئ
6 - وعن عوف بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أتاه الفيء في يومه فأعطى الآهل حظين وأعطى العزب حظا "
- رواه أبو داود وذكره أحمد في رواية أبي طالب وقال حديث حسن
7 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما أعطيكم ولا أمنعكم أنا قاسم أضع حيث أمرت "
- رواه البخاري ويحتج به من لم ير الفيء ملكا له
8 - وعم زيد بن أسلم " أن ابن عمر دخل على معاوية فقال حاجتك يا أبا عبد الرحمن فقال عطاء المحررين فأنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول ما جاءه شيء بدأ بالمحررين "
- رواه أبو داود
- حديث عوف بن مالك سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وزاد ابن المصنف فدعينا وكنت أدعي قبل عمار فدعيت فأعطاني حظين وكان لي أهل ثم دعا بعدي عمار بن ياسر فأعطى حظا واحدا . وحديث زيد بن أسلم سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري
وفي إسناده هشام بن سعد وفي مقال
قوله : " فأعطى الآهل " أي من له أهل يعني زوجة
وفيه دليل على أنه ينبغي أن يكون العطاء على مقدار اتباع الرجل الذي يلزم نفقتهم من النساء وغيرهن إذ غير الزوجة مثلها في الأحتياج إلى المؤنة
قوله : " ما أعطيكم " الخ فيه دليل على التفويض وإن النفع لا تأثير فيه لاحد سوى الله جل جلاله . والمراد بقوله أضع حيث أمرت أما الأمر الألهامي أو الأمر الذي طريقه الوحي
وقد استدل به من لم يجعل الفيء ملكا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقد تقدم تفصيل ذلك
قوله : " عطاء المحررين " جمع محرر وهو الذي صار حرا بعد أن كان عبدا وفي ذلك دليل على ثبوت نصيب لهم في الأموال التي تأتي إلى الأئمة وأما نصيبهم من الزكاة فقد تقدم الكلام فيه
وقد أخرج أبو داود من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة قالت عائشة كان أبي يقسم الحر والعبد
قوله : " بدأ بالمحررين " فيه استحباب البداءة بهم وتقديمهم عند القسمة على غيرهم
9 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو قد جاءني مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا فلم يجيء قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر مناديا فنادى من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دين أو عدة فليأتنا فأتيته فقلت أن رسول اللع صلى الله عليه وآله وسلم قال لي كذا وكذا فحثي لي حثية وقال عدها فإذا هي خمسمائة فقال خذ مثليها "
- متفق عليه
10 - وعن عمر بن العزيز أنه " كتب أن من سأل عن مواضع الفيء فهو ما حكم فيه عمر بن الخطاب فرآه المؤمنون عدلا موافقا لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه فرض الأعطية وعقد لأهل الأديان ذمة بما فرض الله عليهم من الجزية ولم يضرب فيها بخمس ولا مغنم "
- رواه أبو داود
- حديث عمر بن عبد العزيز فيه راو مجهول وأيضا فيه انقطاع لأن عمر بن عبد العزيز لم يدرك عمر بن الخطاب والمرفوع منه مرسل
وقد أخرج أبو داود من طريق أبي ذر رضي الله عنه قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الله تعالى وضع الحق على لسان عمر يقول به " أخرجه أيضا ابن ماجه وفي إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال مشهور وقد تقدم
قوله : " مال البحرين " هو من الجزية وقد قال ابن بطال يحتمل أن يكون من الخمس أو من الفيء وفي البخاري في باب الجزية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعت أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها أي بجزية أهلها وكان الغالب أنهم إذا ذاك مجوس وقد ترجم النسائي على هذا الحديث باب أخذ الجزية من المجوس وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد قسمة الغنائم بالجعرانة أرسل العلاء إلى المنذر بن ساوي عامل الفرس على البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية
قوله : " أمر أبو بكر مناديا ينادي " قال الحافظ لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون بلالا
قوله : " فحنى لي " بالمهملة والمثلثة
قوله : " حثية " الخ في رواية للبخاري فحنى لي ثلاثا وفي رواية له وجعل سفيان يحثو بكفيه وهذا يقتضي أن الحثية ما يؤخذ باليدين جميعا والذي قاله أهل اللغة أن الحثية ما تملأ الكف والحفنة ما تملأ الكفين ثم ذكر أبو عبيدة الهروي أن الحثية والحفنة بمعنى والحثية من حثي يحثى ويجوز حثوة من حثا يحثو وهما لغتان
قوله : " قد جعل الله الحق على لسان عمر " فيه منقبة ظتاهرة لعمر
قوله : " ولم يضربفيها بخمس " فيه دليل على عدم وجوب الخمس في الجزية وفي ذلك خلاف معروف في الفقه
11 - وعن مالك بن أوس قال " كان عمر يحلف على إيمان ثلاث والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد وما أنا أحق به من أحد ووالله ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا المال نصيب إلا عبدا مملوكا ولكنا على منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالرجل وبلاؤه في الإسلام والرجل وقدمه في الإسلام والرجل وغناؤه في الإسلام والرجل وحاجته ووالله لئن بقيت لهم لأوتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو يرعى مكانه "
- رواه أحمد في مسنده
12 - وعن عمر أنه قال يوم الجابية وهو يخطب الناس " إن الله عز و جل جعلني خازنا لهذا المال وقاسما له ثم قال بل الله قاسمه وأنا بادئ بأهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أشرفهم ففرض لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشرة آلاف جويرية وصفية وميمونة فقالت عائشة أن رسول الله كان يعدل بيننا بينهن عمر ثم قال أني بادئ بأصحابي المهاجرين الأولين فأنا أخرجنا من ديارنا ظلما وعدوانا ثم أشرفهم ففرض لأصحاب بدر منهم خمسة آلاف ولمن كان شهد بدر من الأنصار أربعة آلاف وفرض لمن شهد أحدا ثلاثة آلاف قال ومن أسرع في الهجرة أسرع به في العطاء ومن أبطأ الهجرة بطئ في العطاء فلا يلو من رجل إلا مناخ راحلته "
- رواه أحمد
- الأثر الأول أخرجه أيضا البيهقي والأثر الآخر قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات والأثران فيهما أن عمر كان يفاضل في العطاء على حسب البلاء في الإسلام والقدم فيه والغناء والحاجة ويفضل من شهد بدرا على غيره ممن لم يشهد وكذلك من شهد أحدا ومن تقدم في الهجرة
وقد أخرج الشافعي في الأم أن أبا بكر وعليا ذهبا إلى التسوية بين الناس في القسمة وأن عمر كان يفضل وروى البزار والبيهقي من طريق أبي معشر عن زيد بن أسلم عن أبيه قال عدم على أبي بكر مال البحرين فقال من كان له على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدة فليأت فذكر الحديث بطوله في تسويته بين الناس في القسمة وفي تفضيل عمر الناس على مراتبهم
وروى البيهقي من وجه آخر من طريق عيسى ين عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده قال أتت عليا امرأتان فذكر القصة وفيها أني نظرت في كتاب الله فلم أر فضلا لولد إسماعيل على ولد إسحاق وروى البيهقي عن عثمان أيضا أنه كان يفاضل بين الناس كما كان عمر يفاضل
قوله : " وما أنا أحق به من أحد " فيه دليل على أن الإمام كسائر الناس لا فضل له على غيره في تقديم ولا توفير نصيب
قوله : " إلا عبدا مملوكا " فيه دليل على أنه لانصيب للعبد المملوك في المال المذكور ولكن حديث عائشة المتقدم قريبا الذي أخرجه أبو داود عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة وقول عائشة أن أبا بكر كان يقسم للحر والعبد ولا شك أن أقوال الصحابة لا تعارض المرفوع فمنع العبيد اجتهاد من عمر والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أعطى الأمة ولا فيق بينها وبين العبد ولهذا كان أبو بكر يعطي العبيد
قوله : " ولكنا على منازلنا من كتاب الله تعالى وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فيه اشعار بأن التفضيل لم يقع من عمر بمجرد الأجتهاد وأنه فهم ذلك من كتاب العزيز والسنة النبوية
قوله : " وغناؤه " بالغين المعجمة وهو في الأصل الكفاية فالمراد أن الرجل إذا كان له في القيام ببعض الأمور ما ليس لغيره كان مستحقا للتفضيل
قوله : " لئن بقيت لأوتين الراعي " فيه مبالغة حسنة لأن الراعي الساكن في جبل منقطع عن الحي في مكان بعيد إذا نال نصيبه فبالأولى أن يناله القريب من المتولى للقسمة ومن كان معروفا من الناس ومخالطا لهم
قوله : " يوم الجابية " بالجيم وبعد الألف موحدة وهي موضع في دمشق على ما في القاموس وغيره
قوله : " فأنا أخرجنا من ديارنا " هو تعليل للبداءة بالمهاجرين الأولين لأن في ذلك مشقة عظيمة ولهذا جعله الله قرينا لقتل الأنفس وكذلك في بعد العهد بالأوطان مشقة زائدة على مشقة من كان قريب العهد والمهاجرون الأولون قد أصيبوا بالمشقتين فكانوا أقدم من غيرهم ولهذا قال في آخر الكلام ومن أسرع في الهجرة أسرع به في العطاء الخ والمراد بقوله فلا يلومن رجل إلا مناخ راحلته البيان لمن بأخر في العطاء بأنه أتى من قبل نفسه حيث تأخر عن المسارعة إلى الهجرة وأناخ راحلته ولم يهاجر عليها ولكنه كنى بالمناخ عن القعود عن السفر إلى الهجرة والمناخ بضم الميم كما في القاموس
13 - وعن قيس بن أبي حازم قال " كان عطاء البدريين خمسة آلاف خمسة آلاف وقال عمر لأفضلنهم على من بعدهم
14 - وعن نافع مولى بن عمر أن عمر كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة فقيل له هو من المهاجرين فلم نقصته من أربعة آلاف قال إنما هاجر به أبوه يقول ليس هو كمن هاجر بنفسه
15 - وعن أسلم مولى عمر " قال خرجت مع عمر بن الخطاب إلى السوق فلحقت عمر امرأة شابة فقالت يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترج صبية صغارا والله ما ينضجون كراعا ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تأكلهم الضبع وأنا ابنة خفاف بن ايماء الغفاري وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوقف معها عمر ولم يمض وقال مرحبا بنسب قريب ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما وجعل بينهما نفقة وثيابا ثم ناولها خطامه فقال اقتاديه فلن يفني هذا حتى ياتيكم الله بخير فقال رجل يا أمير المؤمنين أكثرت لها فقال ثكلتك أمك فوالله أني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه فأصبحنا نستفيء سهمانهما فيه "
- أخرجهن البخاري
16 - وعن محمد بن علي " أن عمر لما دون الدواوين قال بمن ترون أبدأ قيل له أبدأ بالأقرب فالأقرب بك قال بل أبدأ بالأقرب فالأقرب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه الشافعي
- قوله " لأفضلنهم على من بعدهم " فيه اشعار بمزية البدريين من الصحابة وأنه لا يلحق بهم من عداهم وإن هاجر ونصر لحديث " إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وقد تقدم هذا الحديث وشرحه قوله " إنما هاجر به أبوه " فيه دليل على أن الهجرة التي يستحق بها كمال أحر الدين والدنيا وهي التي تكون بأختيار وقصد لا مجرد الأنتقال من المكان إلى المكان فإن ذلك وإن كان هجرة في السورة والحقيقة لكن كمال الأجور يتوقف على ما قدمنا ولهذا جعل عمر هجرة ابنه عبد الله كلا هجرة وقال إنما هاجربه أبوه مع أنه قد كان مميزا وقت الهجرة قوله " ما ينضجون " بضم أوله ثم نون ثم ضاد معجمة ثم جيم أي لم يبلغوا إلى سن من يقدر على الطبخ ومع ذلك فليسوا بأهل أموال يستغلون بغلتها ولا أهل مواش يعيشون بما يحصل بما يحصل من ألبانها وأدهانها وأصوافها
قوله : " الضبع " بضم الباء وسكونها هي مؤنثة اسم لسبع كالذئب معروف ولكن ليس ذلك هو المراد هنا إنما المراد السنة المجدبة قال في القاموس والضبع كرجل السنة المجدبة
قوله : " خفاف " بكسر الخاء المعجمة وفاءين خفيفتين بينهما ألف وإيماء بفتح الهمزة وكسرها والكسر أشهر وسكون الياء
قوله : " فوقف معها عمر " أي لم يجاوز المكان الذي سألته وهو فيه بل وقف حتى سمع منها ثم انصرف بعد ذلك لقضاء حاجتها . والمراد بالنسب القريب الذي يعرفه السامع بلا سرد لكثير من الآباء وذلك إنما يكون في الأشراف المشاهير
قوله : " وجعل بينهما نفقة " أي دراهم قال في القاموس النفقة ما تنفقة من الدراهم ونحوها
قوله : " ثكلتك أمك " قال في القاموس الثكل بالضم الموت والهلاك وفقدان الحبيب أو الولد ويحرك وقد ثكله كفرح فهو ثاكل وثكلان وهي ثاكل وثكلانة قليلة وثكول وأثكلت لزمها الثكل فهي مثكل من مثاكيل انتهى
قوله : " نستفيء " قال في النهاية أي نأخذها لأنفسنا ونقتسمها
قوله : " بل أبدأ بالأقرب فالأقرب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فيه مشروعية البداءة بقرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتقديمهم على غيرهم
أبواب السبق والرمي
باب ما يجوز المسابقة عليه بعوض
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر "
- رواه الخمسة ولم يذكر فيه ابن ماجه أو نصل
2 - وعن ابن عمر " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الخيل فأرسلت التي ضمرت منها وأمدها الحفياء إلى ثنية الوداع والتي لم تضمر أمدها ثنية الوداع إلى المسجد بني زريق "
- رواه الجماعة
وفي الصحيحين عن موسى بن عقبة " أن بين الحفياء إلى ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة " . وللبخاري قال سفيان " من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا الشافعي والحاكم من طرق وصححه ابن القطان وابن حبان وابن دقيق العيد وحسنه الترمذي وأعله الدارقطني بالوقف ورواه الطبراني وأبو الشيخ من حديث ابن عباس
قوله : " لا سبق " وهو بفتح السين والباء الموحدة مفتوحة أيضا ما يجعل للسابق على سبقه من جعل قاله الخطابي وابن الصلاح . وحكى ابن الدقيق العيد فيه الوجهين وقيل هو بفتح السين وسكون الموحدة مصدر وبفتحها الجعل وهو الثابت في كتب اللغة . وقوله " في خف " كناية عن الأبل والحافر عن الخيل . والنصل عن السهم أي ذي خف أو ذي حافر أو ذي نصل والنصل حديد السهم وفيه دليل على جواز السباق على جعل فإن كان الجعل من غير المتسابقين كالإمام يجعله للسابق فهو بلا خلاف وإن كان من أحد المتسابقين جاز ذلك عند الجمهور كما حكاه الحافظ في الفتح . وكذا إذا كان معهما ثالث محلل بشرط أن لا يخرج من عنده شيئا ليخرج العقد عند صورة القمار وهو أن يخرج كل منهما سبقا فمن غلب أخذ السبقين فإن هذا مما وقع الأتفاق على منعه كما حكاه الحافظ في الفتح . ومنهم من شرط في المحلل أن يكون لا يتحقق السبق وهكذا وقع الأتفاق على جواز المسابقة بغير عوض لكن قصرها مالك والشافعي على الخف والحافر والنصل بعض العلماء بالخيل وأجازه عطاء في كل شيء وقد حكى في البحر عن أبي حنيفة أن عقد المسابقة على مال باطل وحكى عن مالك أيضا أنه لا يجوز أن يكون العوض من غير الإمام وحكى أيضا عن مالك وابن الصباغ وابن خيران أنه لا يصح بذل المال من جهتهما وإن دخل المحلل وروى عن أحمد بن حنبل أنه لا يجوز السبق على الفيلة وروى عن الإمام يحيى وأصحاب الشافعي أنه لا يجوز على الأقدام مع العوض وذكر في البحر أن شروط صحة العقد خمسة الأول كون العوض معلوما والثاني كون المسابقة معلومة الأبتداء والأنتهاء . الثالث كون السلق بسكون الموحدة معلوما يعني المقدار الذي يكون من سبق به مستحقا للجعل . الرابع تعيين المركوبين . الخامس سبق كل منهما فلو علم عجز أحدهما لم يصح إذا القصد الخبرة
قوله : " ضمرت " لفظ البخاري التي أضمرت والتي لم بضمر بسكون الضاد المعجمة والمراد به أن تعلف الخيل حتى تسمن وتقوى ثم يقلل علفها بقدر القوت وتدخل بينا وتغسى بالجلال حتى يحمي فتعرق فإذا جف عرقها خف لحمها وقويت على الجري هطذا في الفتح وذكر مثل معناه في النهاية وزاد في الصحاح وذلك في أربعين يوما
قوله : " الحفياء " بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها تحتانية ثم همزة ممدودة ويجوز القصر وحكى الحازمي تقديم التحتانية على الفاء وحكى عياض ضم أوله وخطأء
قوله : " ثنية الوداع " هي قريب المدينة سميت بذلك لأن المودعين يمشون مع حاج المدينة إليها
قوله : " زريق " بتقديم الزاي ( والحديث ) فيه مشروعية المسابقة وأنها ليست من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والأنتفاع بها عند الحاجة وهي دائرة بين الأستحباب والأباحة بحسب الباعث على ذلك
قال القرطبي لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب وعلى الأقدام وكذا الرمي بالسهام واستعمال الأسلحة لما في ذلك من التدرب على الجري وفيه جواز تضمير الخيل وبه يندفع قول من قال أنه لا يجوز لما فيه من مشقة سوقها ولا يخفي اختصاص ذلك بالخيل المعدة للغزو
وفيه مشروعية الأعلام بالأبتداء والأنتهاء عند السابقة
3 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبق بالخيل وراهن "
وفي لفظ " سبق بين الخيل وأعطى السابق "
- رواهما أحمد
4 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبق الخيل وفضل القرح في الغاية "
- رواه أحمد وأبو داود
5 - وعن أنس وقيل له أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يراهن قال " نعم والله لقد راهن على فرس يقال له سبحة فسبق الناس فبهش لذلك وأعجبه "
- رواه أحمد
6 - وعن أنس قال " كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناقة تسمى العضباء وكانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فأشتد ذلك على المسلمين وقالوا سبقت العضباء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه "
- رواه أحمد والبخاري
- حديث ابن عمر الأول أخرجه أيضا ابن أبي عاصم من حديث نافع عنه وقوى إسناده الحافظ
وقال في مجمع الزوائد رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما ثقات ويشهد له ما أخرجه ابن حبان وابن عاصم من حديث ابن عمر بلفط " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سابق بين الخيل وجعل بينهما سبقا " وفي إسناده عاصم بم عمر وهو ضعيف وقد اضطرب فيه رأى ابن حبان فصحح حديثه تارة وقال في الضعفاء لا يجوز الأحتجاج به
وقال في الثقات يخطئ ويخالف . وحديث ابن عمر الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري وصححه ابن حبان . وحديث الأول قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات وأخرجه أيضا الدرامي والدارقطني والبيهقي من حديث أبي لبيد قال أتينا أنس بن مالك وأخرج نحوه البيهقي من طريق سليمان بن حزم عن حماد بن زيد أو سعيد بن زيد عن واصل مولى أبي عتبة قال حدثني موسى بن عبيد قال كنا في الحجر بعدما صلينا الغداة فلما أسفرنا إذا فينا عبد الله بن عمر فجعل يستقر بنا رجلا رجلا ويقول صليت يا فلان حتى قال أين صليت يا أبا عبيد فقلت ههنا فقال بخ بخ ما يعلم صلاة أفضل عند الله من صلاة الصبح جماعة يوم الجمعة فسألوه أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نعم لقد راهن على فرس يقال لها سبحة فجاءت سابقة
قوله : " سبق " بفتح السين المهملة وتشديد الموحدة بعدها قاف
قوله : " وفضل القرح " بالقاف مضمومة وتشديد الراء بعدها حاء مهملة جمع قارح وهو ما كملت سنه كالبازل من الأبل
قوله : " سبحة " بفتح المهملة وسكون الموحدة حاء مهملة هو من قولهم فرس سباح إذا كان حسن مد اليدين في الجري
قوله : " فبهش " بالباء الموحدة والشين المعجمة أي هش وفرح كذا في التلخيص
قوله : " تسمى العضباء " بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة ومد وقد تقدم ضبطها وتفسيرها غير مرة
قوله : " وكانت لا تسبق " زاد البخاري قال حميد أو لا تكاد تسبق شك منه وهو موصول بأسناد الحديث المذكور كما قال الحافظ
قوله : " فجاء اعرابي " قال الحافظ لم أقف على اسم هذا الأعرابي بعد التتبع الشديد
قوله : " على قعود " بفتح القاف وهو ما استحق الركوب من الأبل
وقال الجوهري هو البكر حتى يركب وأقل ذلك أن يكون ابن سنتين إلى أن يدخل في السادسة فيسمى جملاء وقال الأزهري لا يقال إلا للذكور ولا يقال للأنثى قعودة وإنما يقال لها قلوص
قال وقد حكة الكسائي في النوادر قعودة للقلوص وكلام الأكثر على غيره
وقال الخليل القعودة من الأبل ما يقتعده الراعي لحمل متاعه والهاء فيه للمبالغة
قوله : " أن لا يرفع شيئا " الخ في رواية موسى بن إسماعيل أن لا يرتفع وكذلك في رواية للبخاري وفي رواية للنسائي أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا
وفي الحديث اتخاذ الأبل للركوب والمسابقة عليها وفيه التزهيد في الدنيا للإشارة إلى أن كل شيء منها لا يرتفع إلا اتضع وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتواضعه
باب ما جاء في المحلل وآداب السبق
1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو آمن أن يسبق فهو قمار "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
2 - وعن رجل من الأنصار قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخيل ثلاثة فرس يربطه الرجل في سبيل الله فثمنه أجر وركوبه أجر وعاريته أجر وعلفه أجر . وفرس يغالق فيه الرجل ويراهن فثمنه وزر وعلفه وزر وركوبه وزر . وفرس للبطنة فعسى أن يكون سدادا من الفقر إن شاء الله "
3 - وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الخيل ثلاثة فرس للرحمن وفرس للإنسان وفرس للشيطان . فأما فرس الرحمن فالذي يرتبط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله وذكر ما شاء الله
وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أويراهم عليه
وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطه الأنسان يلتمس بطنها فهي ستر فقر "
- رواه أحمد ويحملان على المراهنة من الطرفين
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا الحاكم وصححه والبيهقي وابن حزم وصححه وقال الطبراني في الصغير تفرد به سعيد بن بشير عن قتادة عن سعيد بن المسيب وتفرد به عنه الوليد وتفرد به عنه هشام بن خالد . ورواه أيضا أبو داود عن محمود بن خالد عن الوليد لكنه أبدل قتادة بالزهري . ورواه أبو داود وغيره ممن تقدم من طريق سفيان ابن حسين عن الزهري وسفيان ضعيف في الزهري وقد رواه معمر وشعيب وعقيل عن الزهري عن رجال من أهل العلم . كذا قال أبو داود وقال هذا أصح عندنا
وقال أبو حاتم أحسن أحواله أن يكون موقوفا على سعيد بن المسيب . فقد رواه يحيى بن سعيد عنه وهو كذلك في الموطأ عن سعيد من قوله
وقال ابن أبي خيثمة سألت ابن معين فقال هذا باطل وضرب علي أبي هريرة . وحكى أبو نعيم في الحلية أنه من حديث الوليد عن سعيد بن عبد العزيز
قال الدارقطني والصواب سعيد بن بشير كما عند الطبراني والحاكم وحكى الدارقطني في العلل أن عبيد بن شريك رواه عن هشام بن عمار عن الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن ابن المسيب عن أبي هريرة هو وهم أيضا . فقد رواه أصحاب هشام عنه عن الوليد عن سعيد عن الزهري
قال الحافظ وقد رواه عبد أن عن هشام أخرجه ابن عدي مثل ما قال عبيد وقال إنه غلط فتبين بهذا أن الغلط فيه من هشام وذلك أنه تغير حفظه
وأما حديث الرجل من الأنصار وكذلك حديث ابن مسعود فقال في مجمع الزوائد أن حديث الرجل من الأنصار رجال أحمد فيه رجال الصحيح . وحديث ابن مسعود قال أيضا رجال أحمد ثقات وقد تقدم ما يشهد لهما في أوائل كتاب الزكاة قوله " وهو لا يأمن أن يسبق " استدل به من قال أنه يشترط في المحلل أن لا يكون متحقق السبق وإلا كان قمارا وقيل أن الغرض الذي شرع له السباق هو معرفة الخيل السابق منها والمسبوق فإذا كان السابق معلوما فات الغرض الذي شرع لأجله قوله " الخيل ثلاثة " الخ قد سبق شرحه . وشرح ما بعده في كتاب الزكاة
قوله : " يغالق " بالغين المعجمة والقاف من المغالقة
قال في القاموس المغالقة المراهنة فيكون قوله " ويراهن " عطف بيان وهو محمول على المراهنة المحرمة كما سبق تحقيقه قوله " وفرس للبطنة " قال في القاموس أبطن البعير شد كبطنه فلعل المراد هنا الفرس الذي يتخذ للركوب . وتقدم في كتاب الزكاة تقسيم الخيل إلى ثلاثة أقسام منها الخيل المعدة للجهاد وهي الأجر ومنها الخيل المتخذة أشرا وبطرا وهو الوزر ومنها الخيل المتخذة تكرما وتجملا وهي الستر فيمكن أن يكون المراد بالفرس التي للبطنة المذكورة هنا هو المتخذ للتكرم والتجمل . ويؤيد ذلك قوله في حديث ابن مسعود المذكور في الباب
وأما فرس الإنسان فالفرض الذي يرتبطه الإنسان يلتمس بطنها . ويمكن أن يكون المراد ما يتخذ من الأفراس للنتاج
قال في النهاية رجل ارتبط فرسا ليستبطنها أي يطلب ما في بطنها من النتاج
قوله : " فالذي يقامر أو يراهن عليه " قال في القاموس قامره مقامرة وقمارا فقمره كنصره وتقمره راهنه فيكون على هذا قوله " أو يراهن عليه " شكا من الراوي
قوله : " ويحملان على المراهنة من الطرفين " أي بأن يكون الجعل المسابق من المسبوق من غير تعيين
4 - وعن عمر أن بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لا جنب ولا جنب يوم الرهان "
- رواه أبو داود
5 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام "
- رواه أحمد
6 - وروى عن علي رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يا علي قد جعلت إليك هذه السبقة بين الناس فخرج علي فدعا سراقة بن مالك فقال يا سراقة إني قد جعلت إليك ما جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عنق من هذه السبقة في عنقك فإذا أتيت الميطان
قال أبو عبد الرحمن والميطان مرسلها من الغاية فنصف الخيل ثم ناد هل من مصلح للجام أو حامل لغلام أو طارح لجل فإذا لم يجبك أحد فكبر ثلاثا ثم خلها عند الثالثة يسعد الله بسبقه من شاء من خلقه وكان علي يقعد عند منتهى الغاية ويخط خطا ويقيم رجلين متقابلين عند طرف الخط طرفه بين أبهامي أرجلهما وتمر الخيل بين الرجلين ويقول إذا خرج أحد الفرسين على صاحبه بطرف أذنيه أو أذن أو عذار فأجعلوا السبقة له فإن شككتما فأجعلا سبقهما نصفين فإذا قرنتم ثنتين فأجعلوا الغاية من غاية أصغر الثنتين ولا جلب ولاجنب ولا شغار في الإسلام "
- رواه الدارقطني
- حديث عمران بن حصين قد تقدم في كتاب الزكاة وزيادة يوم الرهان إنفرد بها أبو داود . وحديث ابن عمر هو من طريق حميد عن الحسن عنه وقد تقدم بيان ذلك وبيان ما في الباب من الأحاديث في الزكاة ( وفي الباب ) عن ابن عباس مرفوعا " ليس منا من أجلب على الخيل يوم الرهان " رواه أبو يعلى بإسناد صحيح . وعنه أيضا حديث آخر بلفظ " لا جلب في الإسلام " أخرجه الطبراني وفيه أبو شيبة وهو ضعيف . وعن أنس مرفوعا عند الطبراني بإسناد صحيح " لا شغار في الإسلام ولا جلب ولا جنب " وتقدم أيضا هنالك تفسير الجلب والجنب . والمراد بالجلب في الرهان أن يأتي برجل يجلب على فرسه أي يصيح عليه حتى يسبق . والجنب أن يجنب فرسا إلى فرسه حتى إذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب
وقال ابن الأثير له تفسيران ثم ذكر معنى في الرهان ومعنى في الزكاة كما سلف وتبعه المنذري في حاشيته . والرهان المسابقة على الخيل كما في القاموس والشغار بالشين والغين معجمتين قد تقدم تفسيره في النكاح . وحديث علي أخرجه البيهقي بإسناد الدارقطني وقال هذا إسناد ضعيف
قوله : " هذه السبقة " بضم السين المهملة وسكون الموحدة بعدها قاف هو الشيء الذي يجعله المتسابقان بينهما يأخذه من سبق منهما
قال في القاموس السبقة بالضم الخطر يوضع بين أهل السباق الجمع أسباق
قوله : " فإذا أتيت الميطان " بكسر الميم
قال في القاموس والميطان بالكسر الغاية قوله " فصف الخيل " هي خيل الحلبة
قال في القاموس الحلبة بالفتح الدفعة من الخيل في الرهان وخيل تجتمع للسباق من كل أوب
قال الجوهري ترتيبها المجلي ثم المصلي ثم المثلي ثم التالي ثم العاطف ثم المرتاح ثم المؤمل ثم الحظي ثم اللطيم ثم السكيت
قال في النهاية وسمي المصلي لأن رأسه عند صلا السابق وهو ما عن يمين الذنب وشماله
قال القتيبي والسكيت مخفف ومشدد وهو بضم السين
قال في الكفاية والمحفوظ المجلى والمصلي والسكيت وباقي الأسماء محدثة انتهى
وقد تعرض بعض الشعراء لضبطها نظما في أبيات منها :
شهدنا الرهان غداة الرهان بمجمعه ضمها الموسم
فجلى الأغر وصل الكميت وسلى فلم يذمم الأدهم
وجاء اللطيم لها تاليا ومن كل ناحية يلطم
وغاب عني بقية النظم وضبطها بعضهم فقال :
سبق المجلي والمصلي بعده ثم المسلي بعد المرتاح
ولعاطف ولحظيها ومؤمل ولطميها وسكيتها أيضاح
والعاشر المنعوت منها فسكل فافهم هديت فما عليك جناح
وجمعها أيضا الإمام المهدي فقال :
مجل مصل مسل لها ومرتاح عاطفها والحظى
ومسحنفر ومؤملها وبعد اللطيم السكيت البطى
قوله " ثم ناد " الخ فيه استحباب التأني قبل إرسال خيل الحلبة وتنبيههم على إصلاح ما يحتاج إلى إصلاحه وجعل علامة على الإرسال من تكبير أو غيره وتأمير أمير يفعل ذلك
قوله : " يسعد الله بسبقه " الخ فيه أن السباق وقد تقدم البحث عن ذلك
قوله : " ويخط خطا " الخ فيه مشروعية التحري فيه تبيين الغاية التي جعل السباق إليها لما يلزم من عدم ذلك من الأختلاف والشقاق والافتراق
قوله : " بطرف أذنيه " الخ فيه دليل على أن السبق يحصل بمقدار يسير من الفرس كطرف الأذنين أو طرف أذن واحدة
قوله : " فإن شككتما " الخ فيه جواز قسمة ما يراهن عليه المتسابقون عند الشك في السبق
قوله : " فإذا قرنتم ثنتين " أي إذا جعل الرهان بين فرسين من جانب وفرسين من الجانب الآخر فلم يحكم لأحد المتراهنين بالسبق بمجرد سبق أكبر الفرسين إذا كانت إحداهما صغرى والأخرى كبرى بل الأعتبار بالصغرى
باب الحث على الرمي
1 - عن سلمة بن الأكوع قال " مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نفر من أسلم ينتضلون بالسوق فقال ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان قال فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لكم لا ترمون قالوا كيف نرمي وأنت معهم فقال ارموا وأنا معكم كلكم "
- رواه أحمد والبخاري
- قوله " ينتضلون " بالضاد المعجمة أي يترامون . والنضال الترامي للسبق ونضل فلان فلانا إذا غلبه
قال في القاموس ناضلة مناضلة ونضالا وتنضالا باراه في الرمي ونضلته سبقته فيه
قوله : " وأنا مع بني فلان " في حديث أبي هريرة عند ابن حبان والبزار في مثل هذه القصة وأنا مع ابن الأدرع اه . واسم ابن الأدرع محجن . وعند الطبرابس من حديث حمزة بن عمرو الأسلمي في هذا الحديث وأنا مع وأنا مع محجن بن الأدرع وقيل اسمه سلمة حكاه ابن منده
قال والأدرع لقب واسمه زكوان
قوله : " قالوا كيف نرمي وأنت معهم " ذكر ابن إسحاق في المغازي عن سفيان بن فروة الأسلمي عن اشياخ من قومه من الصحابة قال بينا محجن بن الأردرع يناضل رجل من أسلم يقال له نضلة فذكر الحديث وفيه فقال مضلة وأسلقى قوسه من يده والله لا أرمي معه وأنت معه
قوله : " وأنا معكم كلكم " بكسر اللام تأكيدا للضمير
وفي رواية وأنا مع جماعتكم . والمراد بالمعية معية القصد إلى الخير . ويحتمل أن يكون قام مقام المحلل فيخرج السبق من عنده أولا يخرج وقد خصه بعضهم بالإمام
وفي رواية للطبراني أنهم قالوا من كنت معه فقد غلب . وكذا في رواية ابن إسحاق فهذه هي علة الامتناع ( وفي الحديث ) الندب إلى إتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها وفيه أيضا حسن أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحسن خلقه معهم والتنويه بفضيلة الرمي
2 - وعن عقبة بن عانر " قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي إلا إن القوة الرمي "
3 - وعنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال من علم الرمي ثم تركه فليس منا "
5 - رواهما أحمد ومسلم
- قوله " ألا إن القوة الرمي " قال القرطبي إنما فسر القوة بالرمي وإن كانت القوة تطهر بإعداد غيره من آلات الحرب لكون الرمي أشد نكاية في العدو وأسهل مؤنة له لأنه قد يرمي راس الكتيبة فيصاب فينهزم من خلفه اه . وكرر ذلك للترغيب في تعلمه وإعداد آلاته
وفيه دليل على مشروعية الاشتغال بتعليم آلات الجهاد والتمرن فيها والعناية في إعدادها ليتمرن بذلك على الجهاد ويتدرب فيه ويمرن أعضاءه
قوله : " فليس منا " قد تقدم الكلام على تأويل مثل هذه العبارة في مواضع
وفي ذلك إشعار بأن من أدرك نوعا من أنواع القتال التي ينتفع بها في الجهاد في سبيل الله ثم تساهل في ذلك حتى تركه كان آثما إثما شديدا لأنه ترك العناية بذلك يدل على ترك العناية بأمر الجهاد وترك العناية بالجهاد يدل على ترك العناية بالدين لكونه سنامه وبه قام
4 - وعنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير والذي يجهز به في سبيل الله والذي يرمي به في سبيل الله
وقال أرموا وأركبوا فإن ترموا خير لكم من أن تركبوا
وقال كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثا رميه عن قوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن من الحق "
- رواه الخمسة
5 - وعن علي عليه السلام قال " كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوس عربية فقال ما هذه ألقها وعليك بهذه وأشباهها ورماح القنا فإنهما يؤيد الله بهما في الدين ويمكن لكم في البلاد "
- رواه ابن ماجه
6 - وعن عمر بن عبسة قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من رمى بسهم في سبيل الله قهو عدل محرر "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . ولفظ أبي داود " من بلغ العدو بسهم في سبيل الله فله درجة " وفي لفظ للنسائي " من رمى بسهم في سبيل الله بلغ العدو أو لم يبلغ كان له كعتق رقبة "
- الحديث الأول في إسناده خالد بن زيد أو ابن يزيد وفيه مقال وبقية رجاله ثقات
وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه من غير طريقه
وأخرجه أيضا ابن حبان وزاد أبو داود ومن ترك الرمي بعدما علمه فإنها نعمة تركها . وحديث علي في إسناده أشعث بن سعيد السمان أبو الربيع النضري وهو متروك
وقد ورد في الترغيب في الرمي أحاديث كثيرة غير ما ذكره المصنف رحمه الله . منها ما أخرجه صاحب مسند الفردوس من طريق ابن أبي الدنيا بإسناده عن مكحول عن أبي هريرة رفعه " تعلموا الرمي فإن ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة " وفي إسناد ضعف وانقطاع
وأخرجه البيهقي من حديث جابر " وجبت محبتي على من سعى بين الغرضين " وأخرج الطبراني عن أبي ذر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مشي بين الغرضين كان له بكل خطوة حسنة " وروى البيهقي من حديث أبي رافع " حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي " وإسناده ضعيف
قوله : " يدخل بالسهم الواحد " الخ فيه دليل على أن العمل في آلات الجهاد وإصلاحها وإعدادها كالجهاد في أستحقاق فاعله الجنة لكن بشرط أن يكون ذلك لمحض التقريب إلى الله بإعانة المجاهدين ولهذا قال الذي يحتسب في صنعته الخيرز وأما من يصنع ذلك لما يعطاه من الأجرة فهو من المشغولين بعمل الدنيا لا بعمل الآخرة نعم يثاب مع صلاح النية كمن يعمل بالأجرة التي يستغني بها عن الناس أو يعول بها قرابته ولهذا ثبت في الصحيح أن الرجل يؤجر حتى على اللقمة يضعها في فم إمرأته
قوله : " والذي نجهز به في سبيل الله " أي الذي يعطي السهم مجاهدا يجاهد به في سبيل الله
قوله : " فإن ترموا خير لكم " الخ فيه تصريح بأن الرمي أفضل من الركوب ولعل ذلك من لشدة نكايته في العدو في كل موطن يقوم فيه القتال وفي جميع الأوقات بخلاف الخيل فإنها لا تقابل إلا في المواطن التي يمكن فيها الجولان دون المواضع التي فيها صعوبة لا تتمكن الخيل من الجريان فيها وكذلك المعاقل والحصون
قوله : " كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل " الخ فيه أن ما صدق عليه مسمى اللهو داخل في حيز البطلان إلا تلك الثلاثة الأمور فإنها وإن كانت في صورة اللهو فهي طاعات مقربة إلى الله عز و جل مع الالتفات إلى ما يترتب علي ذلك الفعل من النفع الديني
قوله : " ما هذه ألقها " فيه دليل على كراهة القوس العجمية واستحباب ملازمة القوس العربية للعلة التي ذكرها صلى الله عليه وآله وسلم من أن الله يؤيد بها وبرماح القنا الدين ويمكن للمسلمين في البلاد وقد كان ذلك فإن الصحابة رضي الله عنهم فتحوا أراضي العجم كالروم وفارس وغيرهما ومعظم سلاحهم تلك السهام والرماح
قوله : " فهو عدل محرر " أي محرر من رق العذاب الواقع على أعداء الدين أو عدل ثواب محرر من الرق أي ثواب من أعتق عبدا
قوله : " بلغ العدو أم لم يبلغ " في هذا دليل على أن الأجر يحصل لمن رمى بسهم في سبيل الله بمجرد الرمي سواء أصاب بذلك السهم أو لم يصب وسواء بلغ إلى جيش العدو أو لم يبلغ تفضلا من الله جل جلاله على عباده لجلالة هذه القربة العظيمة الشأن التي هي لأصل الإسلام أعظم أس وبنيان
باب النهي عن صبر البهائم وإخصائها والتحريش بينها ووسمها في الوجه
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا "
2 - وعن أنس " أنه دخل دار الحكم بن ايوب فإذا قوم قد نصبوا دجاجة يرمونها فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تصبر البهائم "
- متفق عليهما
3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا "
- رواه الجماعة إلا البخاري
4 - وعن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن إخصاء الخيل والبهائم ثم قال ابن عمر فيها إنماء الخلق "
- رواه أحمد
5 - وعن ابن عباس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن التحريش بين البهائم "
- رواه أبو داود والترمذي
6 - وعن جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ضرب الوجه وعن وسم الوجه "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه
وفي لفظ " مر عليه بحمار قد وسم في وجهه فقال لعن الله الذي وسمه " رواه أحمد ومسلم
وفي لفظ " مر عليه بحمار قد وسم في وجهه فقال أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها ونهى عن ذلك " . رواه أبو داود
7 - وعن ابن عباس قال " رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمارا موسوم الوجه فانكر ذلك قال فوالله لا أسمه إلا في أقصى شيء من الوجه وأمر بحماره فكوى في جاعرتيه فهو أول من كوى الجاعرتين "
- رواه مسلم
- حديث ابن عمر الثاني في إسناده عبد الله بن نافع وهو ضعيف
وأخرج البزار بإسناد صحيح من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن صبر الروح وعن إخصاء البهائم نهيا شديدا حديث ابن عباس الثاني في إسناده أبو يحيى القتات وهو ضعيف
قوله : " لعن من إتخذ شيئا فيه الروح غرضا " الغرض بفتح الغين المعجمة والراء وهو المنصوب للرمي واللعن دليل على التحريم
قوله : " أن تصبر البهائم " بضم أوله أي تحبس لترمي حتى تموت وأصل الصبر الحبس قال النووي قال العلماء صبر البهائم أن تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه وهو معنى لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا أي لا تتخذوا الحيوان الحي غرضا ترمون إليه كالغرض من الجلود وغيرها . وهذا النهي للتحريم ويدل على ذلك ما ورد من لعن من فعل ذلك كما في حديث ابن عمرو لأن الأصل في تعذيب الحيوان وإتلاف نفسه وإضاعة المال التحريم
قوله : " دجاجة " بفتح الدال المهملة وفي القاموس والدجاجة معروف للذكر والأنثى وتثلث وهذه الرواية مفسرة لما وقع في صحيح مسلم بلفظ نصبوا طيرا
قوله : " عن إخصاء الخيل " الإخصاء سل الخصية قال في القاموس وخصاه خصيا سل خصيته
وفيه دليل على تحريم خصى الحيوانات وقول ابن عمر فيها نماء الخلق أي زيادته إشارة إلى أن الخصي مما تنمو به الحيوانات ولكن ليس كل ما كان جلبا لنفع يكون حلالا بل لا بد من عدم المانع وإيلام الحيوان ههنا مانع لأنه إيلام لم ياذن به الشارع بل نهى عنه
قوله : " عن التحريش بين البهائم " قال في القاموس التحريش الإغراء بين القوم أو الكلاب اه . فجعله مختصا ببعض الحيوانات . وظاهر الإغراء بين ما عدا الكلاب من البهائم يقال له تحريش . ووجه النهي أنه إيلام للحيوان وإتعاب له بدون فائدة بل مجرد عبث
قوله : " وعن وسم الوجه " الوسم بفتح الواو وسكون المهملة كذا قال القاضي عياض
قال النووي وهو الصحيح المعروف في الروايات وكتب الحديث
قال القاضي عياض وبعضهم يقوله بالمهملة وبالمعجمة وبعضهم فرق فقال بالمهملة في الوجه وبالمعجمة في سائر اجسد ( وفيه دليل ) على تحريم وسم الحيوان في وجهه وهو معنى النهي حقيقة . ويؤيد ذلك اللعن الوارد لمن فعل ذلك كما في الرواية المذكورة في حديث الباب فإنه لا يلعن صلى الله عليه وآله وسلم إلا من فعل محرما وكذلك ضرب الوجه
قال النووي وأما الضرب في الوجه فمنهى عنه في كل الحيوان المحترم من الآدمي والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيرها لكنه في الآدمي أشد لأنه مجمع المحاسن مع أنه لطيف يظهر فيه أثر الضرب وربما شأنه وربما آذى بعض الحواس
قال وأما الوسم في الوجه فمنهى عنه بالإجماع للحديث ولما ذكرناه فأما الآدمي فوسمه حرام لكرامته ولأنه لا حاجة غليه ولا يجوز تعذيبه وأما غير الآدمي فقال جماعة من أصحابنا يكره وقال البغوي من أصحابنا لا يجوز فاشار إلى تحريمه وهو الأظهر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن فاعله واللعن يقتضي التحريم
وأما وسم غير الوجه من غير الآدمي فجائز بلا خلاف عندنا لكن يستحب في نعم الزكاة والجزية ولا يستحب في غيرها ولا ينهى عنه
قال أهل اللغة الوسم أثر الكية وقد وسمه يسمه وسما وسمة . والميسم الشيء الذي يسم به وهو بكسر الميم وفتح السين وجمعه مياسيم ومواسم وأصله كله من السمة الخير أي علامته وتوسمت فيه كذا أي رأت فيه علامته
قوله : " في جاعرتيه " بالجيم والعين المهملة بعدها راء مهملة . والجاعرتان حرفا الورك المشرفان مما يلي الدبر
قال النووي وأما القائل فوالله لا اسمه إلا في أقصى شيء من الوجه فقد قال القاضي عياض هو العباس بن عبد المطلب كذا ذكره في سنن أبي داود وكذا صرح به في رواية البخاري في تاريخه
قال القاضي وهو في كتاب مسلم مستشكل يوهم أنه من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم . والصواب أنه من قول العباس كما ذكرناه
قال النووي ليس هو بظاهر فيه بل ظاهره انه من كلام ابن عباس وحينئذ فيجوز أن تكون القضية جرت للعباس ولإبنه
قال النووي يستحب أن يسم الغنم في آذانها والإبل والبقر في أصول أفخاذها لأنه موضع صلب فيقل الألم فيه ويخف شعره فيظهر الوسم وفائدة الوسم تمييز الحيوان بعضه من بعض ويستحب ان يكتب في ماشية الجزية جزية أو صغار وفي ماشية الزكاة زكاة أو صدقة
قال الشافعي وأصحابه يستحب أن يكون ميسم الغنم ألطف من ميسم البقر والبقر ألطف من ميسم الإبل وحكى الاستحباب النووي عن الصحابة كلهم وجماهير العلماء بعدهم . ونقل ابن الصباغ وغيره إجماع الصحابة عليه
وقال أبو حنيفة هو مكروه لأنه تعذيب ومثله وقد نهى عن المثلة وحجة الجمهور هذه الأحاديث وغيرها والجواب عن النهي عن المثلة والتعذيب أنه عام وحديث الوسم خاص فوجب تقديمه كما تقرر في الأصول
باب ما يستحب ويكره من الخيل واختيار تكثير نسلها
1 - عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم ثم المحجل طلق اليمين فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه
2 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمن الخيل في شقرها "
- رواه احمد وأبو داود والترمذي
3 - وعن أبي وهب الجشمي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليكم بكل كميت أغر محجل أو أشقر أغر محجل أو أدهم أغر محجل "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود
4 - وعن أبي هريرة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكره الشكال من الخيل والشكال أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى أو في يده اليمنى وفي رجله اليسرى "
- رواه مسلم وابو داود
5 - وعن ابن عباس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبدا مأمورا ما اختصنا بشيء دون الناس إلا بثلاث أمرنا أن نسبغ الوضوء وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننزي حمارا على فرس "
- رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه
6 - وعن علي عليه السلام قال " أهديت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغلة فقلنا يا رسول الله لو أنزينا الحمر على خيلنا فجاءتنا بمثل هذه فقال إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون "
- رواه أحمد وابو داود
7 - وعن علي عليه السلام قال " قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا علي أسبغ الضوء وإن شق عليك ولا تأكل الصدقة ولا تنزل الحمر على الخيل ولا تجالس أصحاب النجوم "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند
- حديث أبي قتادة له طريقان عند الترمذي أحدهما فيها ابن هليعة عن يزيد ابن أبي حبيب . والثانية عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب وقال هذا حديث حسن غريب صحيح . وحديث ابن عباس الأول قال الترمذي حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث شيبان وحديث أبي وهب الجشمي سكت عند أبو داود والمنذري وفي إسناده عقيل بن شبيب وقيل ابن سعيد قيل هو مجهول . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الترمذي وقال حسن صحيح . وحديث ابن عباس الثاني
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ورواه سفيان الثوري عن أبي جهضم فقال عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن ابن عباس وسمعت محمدا يقول حديث الثوري غير محفوظ وهم فيه الثوري والصحيح ما رواه إسماعيل بن علية وعبد الوارث بن سعيد عن أبي جهضم عن عبد اللع بن عبيد الله بن عباس عن ابن عباس . وحديث علي الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناد أبي داود ثقات وقد أخرجه النسائي من طرق وأخرجه أيضا ابن ماجه أيضا وأشار غليه الترمذي فقال ( وفي الباب ) عن علي وحديثه الآخر في إسناده القاسم بن عبد الرحمن وهو ضعيف وتشهد له أحاديث إسباغ الوضوء وأحاديث تحريم الصدقة على الآل وأحاديث النهي عن إنزال الحمر على الخيل . وأحاديث النهي عن إتيان المنجمين فإن المجالسة إتيان وزيادة وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم " من أتى كاهنا أو منجما فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم " قوله " الأدهم " هو شديد السواد ذكره في الضياء
قوله : " الأقرح " هو الذي في جبهته قرحة وهي بياض يسير في وسطها
قوله : " الأرثم " هو الذي في شفته العليا بياض
قوله : " طلق اليمين " بضم الطاء واللام أي غير محجلها وكذا في شمس العلوم
قوله : " فكميت " هو الذي لونه أحمر يخالطه سواد ويقال للذكر والأنثى ولا يقال أكمت ولا كمتاء والجمع كمت وقيل أن الكميت أشد الخيل جلودا وأصلبها حوافر
قوله : " على هذه الشية " بكسر الشين المعجمة وتخفيف المثناة التحتية
قال في النهاية الشية كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره واصله من الوشى الهاء عوض عن الواو . يقال وشيت الثوب أشيه وشيا وشية والوشي النقش . أراد على هذه الصفة وهذا اللون من الخيل . وهذا الحديث فيه دليل على أن أفضل الخيل الأدهم المتصف بتلك الصفات . ثم الكميت
قوله : " يمن الخيل في شقرها " اليمن البركة . والأشقر قال في القاموس هو من الدواب الأحمر في مغرة حمرة يحمر منها العرف والذنب اه
وقيل الأشقر من الخيل نحو الكميت إلا أن الأشقر أحمر الذيل والناصية والعرف والكميت أسودها والأدهم شديد السواد كذا في الضياء
قوله : " بكل كميت أغر محجل " في رواية لأبي داود " عليكم بكل شقر أغر محجل أو كميت أغر محجل " في رواية لأبي داود " عليكم بكل شقر أغر محجل أو كميت أغر محجل " فذكر نحوه والأغر هو ما كان له غرة في جبهته بيضاء فوق الدرهم
قوله : " يكره الشكال من الخيل " هو أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياش وفي يده اليسرى أو يده اليمنى ورجله اليسرى كما في الرواية المذكورة في الباب
وقيل الشكال أن يكون ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة أو الثلاث مطلقة وواحدة محجلة ولا يكون الشكال إلا في رجل
وقال أبو عبيد وقد يكون الشكال ثلاث قوائم مطلقة وواحدة محجلة قال ولا تكون المطلقة من المحجلة إلا الرجل
وقال ابن دريد الشكال أن يكون محجلا من شق واحد في رجله ويده فإن كان مخالفا قيل شكال مخالف
قال القاضي عياض قال أبو عمر الشكال بياض الرجل اليمنى واليد اليمنى
وقيل بياض الرجل اليسرى واليد اليسرى
وقيل بياض اليدين
وقيل بياض الرجلين
وقيل بياض الرجلين ويد واحدة وقيل بياض اليدين ورجل واحدة . كذا في شرح مسلم
وفي شرح مسلم أنه إنما سمي شكالا تشيبها بالشكال الذي يشكل به الخيل فإنه يكون في ثلاثة قوائم غالبا
قال القاضي قال العلماء كره لأنه على صورة المشكول
وقيل يحتمل أن يكون قد جرب ذلك الجنس فلم تكن فيه نجابة قال بعض العلماء إذا كان مع ذلك أغر زالت الكراهية لزوال شبهة الشكال
قوله : " وأن لا ننزي حمارا على فرس " قال الخطابي يشبه أن يكون المعنى فيه والله أعلم أن الحمر إذا حملت على الخيل قل عددها وانقطع نماؤها وتعطلت منافعها والخيل يحتاج إليها للركوب والركض والطلب والجهاد وإحراز الغنائم ولحمها مأكول وغير ذلك من المنافع وليس للبغل شيء من هذه فأحب أن يكثر نسلها ليكثر الانتفاع بها كذا في النهاية
باب ما جاء في المسابقة على الأقدام والمصارعة واللعب بالحراب وغير ذلك
1 - عن عائشة قالت " سابقني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسبقته فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقنيفقال هذه بتلك "
- رواه أحمد وأبو داود
2 - وعن سلمة بن الأكوع قال " بينا نحن نسير وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدا فجعل يقول ألا مسابق إلى المدينة هل من مسابق فقلت أما تكرم كريما ولا تهاب شريفا قال لا إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ذرني فلأسابق الرجل قال إن شئت قال فسبقته إلى المدينة "
- مختصرا من أحمد ومسلم
3 - وعن محمد بن علي بن ركانة " أن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود
4 - وعن أبي هريرة قال " بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعهم يا عمر "
- متفق عليه . وللبخاري في رواية في المسجد
5 - وعن أنس " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة لعبت الحبشة لقدومه بحرابهم فرحا بذلك "
- متفق عليه
6 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا يتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانة "
- رواه أحمد وأبو داودوابن ماجه وقال يتبع شيطانا
- حديث عائشة أخرجه أيضا الشافعي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عنها واختلف فيه على هشام . فقيل هكذا وقيل عن رجل عن أبي سلمة عنها
وقيل عن ابيه وعن أبي سلمة عن عائشة . وحديث محمد بن علي بن ركانة في إسناده أبو الحسن العسقلاني وهو مجهول وأخرجه أيضا الترمذي من حديث أبي الحسن العسقلاني عن أبي جعفر محمد بن ركانة وقال غريب وليس إسناده بالقائم
وروى أبو داود في المراسيل عن سعيد بن جبير قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبطحاء فأتى عليه يزيد بن ركانة أو ركانة بن يزيد ومعه عير له فقال له يا محمد هل لك أن تصارعني فقال ما تسبقني قال شاة من غنمي فصارعه فصرعه فأخذ الشاة فقال ركانة هل لك في العود ففعل ذلك مرارا فقال با محمد ما وضع جنبي أحد إلى الأرض وما أنت بالذي تصرعني فأسلم ورد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه غنمه
قال الحافظ إسناده صحيح إلى سعيد بن جبير إلا أن سعيدا لم يدرك ركانة
قال البيهقي وروى موصولا وفي كتاب السبق لأبي الشيخ من رواية عبيد الله بن يزيد المصري عن حماد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مطولا . ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث أبي أمامة مطولا وإسنادهما ضعيف
وروى عبد الرزاق عن معمر عن يزيد ابن أبي زياد وأحسبه عن عبد الله بن الحرث قال صارع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا ركانة في الجاهلية وكان شديدا فقال شاة بشاة فصرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عاودني في أخرى فصرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عاودني فصرعه صلى الله عليه وآله وسلم الثالثة فق أبو ركانة ماذا أقول لأهلي شاة أكلها الذئب وشاة نشزت فما أقول في الثالثة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كنا لنجمع عليك أن نصرعك فنغرمك خذ غنمك هكذا وقع فيه أبو ركانة والصواب ركانة . وحديث أبي هريرة الثاني في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة الليثي استشهد به مسلم ووثقه ابن معين ومحمد بن يحيى الذهلي والنسائي وقال ابن عدي ارجوا أنه لا باس به
وقال ابن معين مرة ما زال الناس يتقون حديثه وقال السعدي ليس بالقوي وغمزه الإمام مالك
وقال ابن المديني سألت يحيى القطان عن محمد بن عمر بن علقمة كيف هز قال تريد العفو أو تشدد قلت بل أشدد قال فليس هم ممن تريد
قوله : " حتى إذا أرهقني اللحم " أي كثر لحمي قال في القاموس أرهقه طغيانا غشاه إياه وقال رهقه كفرح غشية
( وفي الحديثين ) دليل على مشروعية المسابقة على الأرجل وبين الرجال والنساء المحارم وإن مثل ذلك لا ينافي الوقار والشرف والعلم والفضل وعلو السن فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتزوج عائشة إلا بعد الخمسين من عمره ولا فرق بين الخلاء والملأ في حديث سلمة
قوله : " أن ركامة صارع النبي صلى الله عليه وآله وسلم " فيه دليل على جواز المصارعة بين المسلم والكافر وهكذا بين المسلمين ولا سيما إذا كان مطلوبا لا طالبا وكان يرجو حصول خصلة من خصال الخير يذلك أو كسر سورة كبر متكبر أو وضع مترفع بإظهار الغلب له وكما روى من مصارعته صلى الله عليه وآله وسلم ركانة روى أنه تصارع هو وأبو جهل قال الحافظ عبد الغني ما روى من مصارعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا جهل لا أصل له وحديث ركانة أمثل أمثل ما روى في مصارعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " يلعبون عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحرابهم " فيه جواز ذلك في المسجد كما في الرواية الثانية وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ بالقرآن والسنة أما القرآن فقوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع } وأما السنة فحديث " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم " وتعقب بأن الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما إدعاه ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طريق هذا الحديث . واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو
قال المهلب المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه وفي الحديث جواز النطر إلى اللهو المباح
قوله : " ودخل عمر " الخ قال ابن التين يحتمل أن يكون عمر لم ير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعلم أنه رآهم أو ظن أنه رآهم واستحيا أن يمنعهم وهذا أولى لقوله في الحديث يلعبون عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحتمل ان يكون إنكاره لهذه شبيها لإنكاره على المغنيتين وكان من شدته في الدين ينكر خلاف الأولى والجد في الجملة أولى من اللعب المباح وأما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان بصدد بيان الجواز
قوله : " فقال شيطان " الخ فيه دليل على كراهة اللعب بالحمام وأنه من اللهو الذي لم يؤذن فيه وقد قال بكراهته جمع من العلماء ولا يبعد على فرض انتهاض الحديث تحريمه لأن تسمية فاعلة شيطانا يدل على ذلك وتسمية الحمامة شيطانة أما لأنها سبب إتباع الرجل لها أو أنها تفعل فعل الشيطان حيث يتولع الإنسان بمتابعتها واللعب بها لحسن صورتها وجودة نغمتها
باب تحريم القمار واللعب بالنرد وما في معنى ذلك
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من حلف فقال في حلفه باللات والعزي فليقل لا إله إلا اللع ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق "
- متفق عليه
2 - وعن بريدة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود
3 - وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من لعب بالنرد فقد عصي الله ورسوله "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ومالك في الموطأ
4 - وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من لعب بالكعاب فقد عصي الله ورسوله "
- رواه أحمد
5 - وعن عبد الرحمن الخطمي قال سمعت أبي يقول " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي "
- رواه أحمد
- حدبث أبي موسى الأول رجال إسناده ثقات وأخرجه أيضا الحاكم والدارقطني والبيهقي . وحديث أبي موسى الثانيقال في مجمع الزوائد رواه الطبراني وفي إسناده علي بن زيد وهو متروك . وحديث عبد الرحمن الخطمي قال أحمد حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا الجعيد عن موسى بن عبد الرحمن فذكره وأورده الحافظ في التلخيص من كتاب الشهادات وسكت عنه وقال في مجمع الزوائد فيه موسى ابن عبد الرحمن الخطمي ولم أعرفه وبقية رجال الصحيح
قوله : " فليقل لا إله إلا الله " في الأمر لمن حلف باللات والعزى أن يتكلم بكلمة الشهادة دليل على أنه قد كفر بذلك وسيأتي تحقيق المسألة في كتاب الأيمان إن شاء الله
قوله : " فليتصدق " فيه دليل على المنع من المقامرة لأن الصدقة المأمور بها كفارة عن الذنب قال في القاموس وقامره مقامرة وقمارا فقمره كنصره وتقمره راهنة فغلبه وهو التقامر اه فالمراد بالقمار المذكور هنا الميسر ونحوه مما كانت تفعله العرب وهو المراد بقوله تعالى إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر وكل مالا يخلوا اللاعب فيه من غنم أو غرم فهو ميسر وقد صرح القرآن بوجوب اجتنابه قال الله تعالى { إنما الخمر والميسر } الآية وقد صرحت بتحريمه السنة كما سيأتي في الباب الذي بعد هذا
قوله : " من لعب بالنرد شير " قال النووي النرد شير هو النرد عجمي معرب وشير معناه حلو وكذا في النهاية وقيل هو خشية قصيرة ذات فصوص يلعب بها
وقيل إنما سمي بذلك الاسم لأن واضعه اردشير بن بابك من ملوك الفرس قال النووي وهذا الحديث حجة للشافعي والجمهور في تحريم اللعب بالنرد وقال أبو إسحاق المروزي يكره ولا يحرم قيل وسبب تحريمه أن وضعه على هيئة الفلك بصورة شمس وقمر وتأثيرات مختلفة تحدث عند اقترانات أوضاعه ليدل على أن أقضية الأمور الأمور مقدرة بقضاء الله ليس للكسب فيها مدخل ولهذا ينتظر اللاعب به ما يقضي له به والتمثيل بقوله فكأنما صبغ يده في لحم خنزير الخ في اشارة إلى التحريم لأن التلوث بالنجاسات من المحرمات . وقوله " فقد عصى الله ورسوله " تصريح بما يفيد التحريم
قوله : " من لعب بالكعاب " هي فصوص النرد وقد كرهها عامة الصحابة وروى أنه رخص فيها ابن مغفل وان المسيب على غير قمار واختلف في الشطرنج قال النووي مذهبنا أنه مكروه وليس بحرام وهو مروي عن جماعة من التابعين
وقال مالك وأحمد هو حرام قال مالك هو شر من النرد وألهى وروى ابن كثير في ارشاده أن أول ظهور الشطرنج في زمن الصحابة وضعه رجل هندي يقال له صصة قال وروى البيهقي من حديث جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا قال في الشطرنج هو من الميسر قال ابن كثير وهو منقطع جيد وروى عن ابن عباس وابن عمر وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد وعائشة أنهم كرهوا ذلك وروى عن ابن عمر أنه شر من النرد كما قال مالك وحكى في ضوء النهار عن ابن عباس وأبي هريرة وابن سيرين وهشام بن عروة بن الزبير وسعيد ابن المسيب وابن جبير أنهم أباحوه وقد روى في تحريمه أحاديث أخرج الديلمي من حديث واثلة مرفوعا " إن لله في كل يوم ثلثمائة نظرة ولا ينظر فيها إلى صاحب الشاه " وفي لفظ " يرحم بها عباده ليس لأهل الشاه فيها نصيب " يعني الشطرنج وأخرج من حديث ابن عباس يرفعه " إلا أن أصحاب الشاه في النار الذين يقولون قتلت والله شاهك " وأخرج الديلمي أيضا عن أنس يرفعه ملعون من لعب بالشطرنج وأخرج ابن حزم وعبد أن ملعون من لعب الشطرنج والناظر إليهم كالآكل لحم الخنزير من حديث جميع بن مسلم وأخرج الديلمي عن علي مرفوعا يأتي على الناس زمان يلعبون بها ولا يلعب بها إلا كل جبار والجبار في النار
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي كرم الله وجهه أنه قال النرد والشطرنج من الميسر
وأخرج عنه عبد بن حميد أنه قال الشطرنج ميسر العجم وأخرج عنه ابن عساكر أنه قال لا يسلم على أصحاب النرد شير والشطرنج قال ابن كثير والأحاديث المروية فيه لا يصح منها شيء ويؤيد هذا ما تقدم من أن ظهوره كان في أيام الصحابة وأحسن ما روي فيه ما تقدم عن علي كرم الله وجهه وإذا كان بحيث لا يخلو أحد اللاعبين من غنم أو غرم فهو من القمار وعليه يحمل ما قاله علي أنه من الميسر والمجوزون له قالوا إن فيه فائدة وهي معرفة تدبير الحروب ومعرفة المكايد فأشبه السبق والرمى قالوا وإذا كان على عوض فهو كمال الرهان وقد تقدم حكمه ولا نزاع أنه نوع من اللهو الذي نهى الله عنه ولا ريب أنه يلزم ايغار الصدور وتتأثر عنه العداوات وتنشأ منه المخاصمات فطالب النجاة لنفسه لا يشتغل بما هذا شأنه وأقل أحواله أن يكون من المشتبهات والمؤمنون عند الشبهات
وفي الشفاء للأمير الحسين قبل آخر الكتاب بنحو ثلاث ورق عن علي عليه السلام أنه أمر بحرق رقعة الشطرنج وإقامة كل واحد ممن لعب بها معقولا على فرد رجل إلى صلاة الظهر ثم ذكر غير ذلك
باب ما جاء في آلة اللهو
1 - عن عبد الرحمن بن غنم قال " حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف "
- أخرجه البخاري
وفي لفظ " لشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير " . رواه ابن ماجه
وقال عن أبي مالك الأشعري ولم يشك والمعازف الملاهي قاله الجوهري وغيره
2 - وعن نافع " أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع فوضع اصبعيه في أذنيه وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول يا نافع أتسمع فأقوله نعم فيمضي حتى قلت لا فرفع يده وعدل راحلته إلى الطريق وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع زمارة راع فصنع مثل هذا "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
3 - وعن عبد الله بن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام "
- رواه أحمد وأبو داود
وفي لفظ " إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنين " . رواه أحمد
- حديث أبي مالك الأشعري باللفظ الذي ساقه ابن ماجه هو من طريق ابن محيريز عن ثابت بن السمط وأخرجه أبو داود وصححه ابن حبان وله شواهد وحديث ابن عمر الأول أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه قال أبو علي وهو اللؤلؤي سمعت أبا داود يقول وهو حديث منكر . وحديثه الثاني سكت عنه الحافظ في التلخيص أيضا وفي اسناده الوليد بن عبدة الراوي له عن ابن عمر قال أبو حاتم الرازي هو مجهول
وقال ابن يونس في تاريخ المصريين أنه روى عنه يزيد ابن أبي حبيب
وقال المنذري أن الحديث معلول ولكنه يشهد له ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والبيهقي من حديث ابن عباس بنحوه وسيأتي وأخرجه أحمد من حديث قيس بن سعد بن عبادة قوله " يستحلون " الحر ضبطه ابن ناصر بالحاء المهملة المكسورة والراء الخفيفة وهو الفرج
قال في الفتح وكذا هو في معظم الروايات من صحيح البخاري ولم يذكر عياض ومن تبعه غيره وأغرب ابن التين فقال أنه عند البخاري بالمعجمتين
وقال ابن العربي هو بالمعجمتين تصحيف وإنما رويناه بالمهملتين وهو الفرج والمعنى يستحلون الزنا
قال ابن التين يريد ارتكاب الفرج لغير حله وحكى عياض فيه تشديد الراء والتخفيف هو الصواب ويؤيد الرواية بالمهملتين ما أخرجه ابن المبارك في الزهد عن علي مرفوعا بلفظ " يوشك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير " ووقع عند الداودي بالمعجمتين ثم تعقبه بأنه ليس بمحفوظ لأن كثيرا من الصحابة لبسوه
وقال ابن الأثير المشهور في روايات هذا الحديث بالإعجام وهو ضرب من الابر يسم وقال ابن العربي الخز بالمعجمتين والتشديد مختلف فيه فالأقوى حمله وليس فيه وعيد ولا عقوبة بالإجماع وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب اللباس
قوله : " والمعازف " بالعين المهملة والزاي بعدها فاء جمع معزفة بفتح الزاي وهي آلات الملاهي ونقل القرطبي عن الجوهري إن المعازف الغناء والذي في صحاحه أنها اللهو وقيل صوت الملاهي وفي حواشي الدمياطي المعازف الدفوف وغيرها مما يضرب به ويطلق على الغناء عزف وعلى كل لعب عزف
قوله : " زمارة " قال في القاموس والزمارة كجبانة ما يرمز به كالمزمار
قوله : " فصنع مثل هذا فيه " دليل على أن المشروع لمن سمع الزمارة أن يصنع كذلك واستشكل إذن ابن عمر لنافع بالسماع ويمكن أنه إذ ذاك لم يبلغ الحلم وسيأتي بيان وجه الاستدلال به والجواب عليه
قوله : " والميسر " هو القمار وقد تقدم
قوله : " والكوبة " بضم الكاف وسكون الواو ثم باء موحدة قيل هي الطبل كما رواه البيهقي من حديث ابن عباس وبين أن هذا التفسير من كلام علي بن بذيمة قوله " والغبيراء " بضم الغين المعجمة قال في التلخيص اختلف في تفسيرها فقيل الطنبور وقيل العود وقيل البربط وقيل المزر يصنع من الذرة أو من القمح وبذلك فسره من النهاية
قوله : " والمزر بكسر الميم وهو نبيذ الشعير
قوله : " والقنين " هو لعبة للروم يقامرون بها وقيل هو الطنبور بالحبشية كذا في مختصر النهاية وقد استدل المصنف بهذه الأحاديث على ما ترجم به الباب وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى
4 - وعن ابن عباس " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام "
- رواه أحمد . والكوبة الطبل قاله سفيان عن علي بن بذيمة
قال وقال ابن الأعرابي الكوبة النرد وقيل البربط والقتين هو الطنبور بالحبشية والتقنين الضرب به قال ابن الإعراب
5 - وعن عمر أن بن حصين " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف فقال رجل من المسلمين يا رسول الله ومتى ذلك قال إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور "
- رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب
6 - وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا اتخذ الفيء دولا والأمانة معنما والزكاة مغرما وتعلم لغير الدين وأطاع الرجل إمرأته وعق أمه وأدنى صديقه وأقصى أباه وظهرت الأصوات في المساجد وساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القيان والمعازف وشربت المور ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع بعضه بعضا "
- رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب
7 - وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " تبيت طائفة من أمتي على أكل وشرب ولهو ولعب ثم يصبحون قردة وخنازير وتبعث على أحياء من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسف من كان قبلكم باستحلالهم الخمر وضربهم بالدفوف وإتخاذهم القينات "
- رواه أحمد في إسناده فرقد السبخي قال أحمد ليس بقوي وقال ابن معين هو ثقة
وقال الترمذي تكلم عنه يحيى بن سعيد وقد روى عنه الناس
8 - وعن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبارات يعني البرابط والمعازف والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية "
- رواه أحمد قال البخاري عبيد الله بن زحر ثقة وعلي بن يزيد ضعيف والقاسم ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن ثقة وبهذا الإسناد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله على آخر الآية "
- رواه الترمذي . ولأحمد معناه ولم يذكر نزول الآية فيه ورواه الحميدي في مسنده ولفظه " لا يحل عن المغنية ولا بيعها ولاشراؤها ولا الأستماع إليها "
- حديث ابن عباس قد تقدم أنه أخرجه أيضا أبو داود وابن حبان والبيهقي وحديث عمران بن حصين قال الترمذي بعد أخراجه عن عباد بن يعقوب الكوفي حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمشي عن هلال بن يساف عن عمران ما لفظه وقد روى هذا الحديث عن الأعمش عن عبد الرحمن بن ساباط عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وهذا حديث غريب . وحديث أبي هريرة قال الترمذي بعد أن أخرجه من طريق علي بن حجر حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن المسلم بن سعيد عن رميح الجذامي عنه ما لفظه وفي الباب عن علي وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وحديث علي هذا الذي أشار إليه هو ما أخرجه في سننه قبل حديث أبي هريرة عن علي بن أبي طالب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء وفيه شربت الخمور وليس الحرير واتخذت القيان والمعازف " وقال بعد تعداد الخصال هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه ولا نعلم أحدا رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري غير الفرج بن فضالة والفرج بن فضالة قد تكلم فيه بعض الحديث وضعفه من قبل حفظه وقد روى وكيع وغير واحد من الأئمة انتهى . وحديث أبي أمامة الأول والثاني قد تكلم المصنف عليهما وحديثه الثالث قال الترمذي بعد أخراجه إنما يعرف مثل هذا من هذا الوجه وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد وضعفه وهو شامي انتهى
وأخرجه أيضا ابن ماجه وسعيد بن منصور والواحدي وعبيد الله بن زحر قال أبو مسهر أنه صاحب كل معضلة وقال ابن معين ضعيف وقال مرة ليس بشيء وقال ابن المديني منكر الحديث وقال الدارقطني ليس بالقوي
وقال ابن حبان روى موضوعات عن الأثبات وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات ( وفي الباب ) وعن ابن مسعود عند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أنه قال في قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال هو والله الغناء
وأخرجه الحاكم والبيهقي وصححاه وأخرجه البيهقي أيضا عن ابن عباس بلفظ هو الغناء وأشباهه ( وفي الباب ) أيضا عن ابن مسعود عند أبي داود والبيهقي مرفوعا بلفظ " الغناء ينبت النفاق في القلب " وفيه شيخ لم يسم ورواه البيهقي موقوفا وأخرجه ابن عدي من حديث أبي هريرة وقال ابن طاهر أصح الأسانيد في ذلك أنه من قول إبراهيم
وأخرج أبو يعقوب محمد ابن إسحاق النيسابوري من حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قعد إلى قين يسمع صب في أذنه الآنك " وأخرج أيضا من حديث ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع رجل يتغنى من الليل فقال لا صلاة له لا صلاة له لا صلاة له " وأخرج أيضا من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال أستماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر " وروى ابن غيلان عن علي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بعثت بكسر المزامير " وقال صلى الله عليه وآله وسلم كسب المغني والمغنية حرام وكذا رواه الطبراني من حديث عمر مرفوعا عن القينة سحت وغناؤها حرام
وأخرج القاسم بن سلام عن علي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ضرب الدف والطبل وصوت المزمار ( وفي الباب ) أحاديث كثيرة وقد وضع جماعة من أهل العلم في ذلك مصنفات ولكنه ضعفها جميعا بعض أهل العلم حتى قال ابن حزم أنه لا يصح في الباب حديث أبدا وكل ما فيه فموضوع . وزعم أن حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري المذكور في أول الباب منقطع فيما بين البخاري وهشام وقد وافقه على تضعيف أحاديث الباب من سيأتي قريبا
قال الحافظ في الفتح وأخطأ في ذلك يعني في دعوى الإنقطاع من وجوه والحديث الصحيح معروف الأتصال بشرط الصحيح والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكونه قد ذكر الحديث في موضع آخر من كتابه وأطال الكلام على ذلك بما يشفى
قوله : " الكبارات " جمع كبار قال في القاموس في مادة ك ب ر والطبل الجمع كبار أو أكبار انتهى . والبربط العود قال في القاموس البربط كجعفر معرب يربط أي صدر الأوز بأنه يشبهه انتهى
وقد اختلف في الغناء مع آلة من آلات الملاهي وبدونها فذهب الجمهور إلى التحريم مستدلين بما سلف . وذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر وجماعة من الصوفية إلى الترخيص في السماع ولو مع العود واليراع وقد حكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع أن عبد الله بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأسا ويصوغ الألحان لجواريه ويسمعها منهن على أوتاره وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه . وحكى الاستاذ المذكور مثل ذلك أيضا عن القاضي شريح وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والزهري والشعبي
وقال امام الحرمين في النهاية وابن أبي الدم نقل الإثبات المؤرخين ان عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات وإن ابن عمر دخل عليه والي جنيه عوج فقال ماهذا يا صاحب رسول الله فناوله أياه فتأمله ابن عمر فقال هذا ميزان شامي قال ابن الزبير يوزن به العقول
وروى الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالته في السماع سنده إلى ابن سيرين قال أن رجلا أتى المدينة بجوار فنزل على عبد الله بن عمر وفيهن جارية تضرب فجاء رجل فساومه فلم يهو منهن شيئا قال انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعا من هذا قال من هو قال عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه فأمر جارية منهن فقال لها خذي العود فأخذته فغنت فبايعه ثم جاء إلي ابن عمر إلى آخر القصة
وروى صاحب العقد العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي أن عبد الله بن عمر دخل على أبي جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود ثم قال لابن عمر هل ترى بذلك بأسا قال لابأس بهذا وحكى الماوردي عن معاوية وعمرو بن العاص أنهما سمعا العود عند ابن جعفر وروى أبو الفج الأصبهاني أن حسان ابن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء بالمزهر بشعر من شعره . وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك والمزهر عند أهل اللغة العود وذكر الأدفوي أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع جواريه قبل الخلافة ونقل ابن السمعاني الترخيص عن طاوس ونقله ابن قتيبة وصاحب الأمتاع عن قاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين ونقله أبو يعلى الخليلي في الأرشاد عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة
وحكى الروياني عن القفال أن مذهب مالك بن أنس أباحة الغناء بالمعازف وحكي الأستاذ أبو منصور الفوراني عن مالك جواز العود وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب عن شعبة أنه سمع طنبورا في بيت المنهال ابن عمر والمحدث المشهور . وحكي أبو الفضل بن طاهر في مؤلفه في السماع أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود
قال ابن النحوي في العمدة قال ابن طاهر هو إجماع أهل المدينة
قال ابن طاهر وإليه ذهبت الظاهرية قاطبة قال الأدفوى لم يختلف النقلة في نسبة الضرب إلى إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم وحكى الماوردي أباحة العود عن بعض الشافعية وحكاه أبو الفضل ابن طاهر عن أبي إسحاق الشيرازي وحكاه الأسنوي في المهمات عن الروياني والماوردي ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور وحكاه ابن الملقن في العمدة عن ابن طاهر . وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام وحكاه صاحب الأمتاع عن أبي بكر بن العربي وجزم بالأباحة الأدفوي هؤلاء جميعا قالوا بتحليل السماع مع آلة من الآلات المعروفة وأما مجرد الغناء من غير آلة فقال الأدفوي في الأمتاع أن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الأتفاق على حله ونقل ابن طاهر إجماع الصحابة والتابعين عليه ونقل التاج الفزاري وابن قتيبة إجماع أهل الحرمين عليه ونقل ابن طاهر وابن قتيبة أيضا إجماع أهل المدينة عليه وقال الماوردي لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيه بالعبادة والذكر قال ابن النحوي في العمدة وقد روى الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين فمن الصحابة عمر كما رواه ابن عبد البر وغيره وعثمان كما نقله الماوردي وصاحب البيان والرافعي وعبد الرحمن بن عوف كما رواه ابن أبي شيبة وأبو عبيدة بن الجراح كما أخرجه البيهقي وسعد بن أبي وقاص كما أخرجه ابن قتيبة وأبو مسعود الأنصاري كما أخرجه البيهقي وبلال وعبد الله ابن الأرقم وأسامة بن زيد كما أخرجه البيهقي أيضا وحمزة كما في الصحيح وابن عمر كما أخرجه ابن طاهر والبراء بن مالك كما أخرجه أبو نعيم وعبد الله بن جعفر كما رواه ابن عبد البر
وعبد الله بن الزبير كما نقله أبو طالب المكي وحسان كما رواه أبو الفرج الأصبهاني وعبد الله بن عمر وكما رواه الزبير بن بكار وقرظة بن كعب كما رواه ابن قتيبة وخوات بن جبير ورباح المعترف كما أخرجه صاحب الأغاني والمغيرة بن شعبة كما حكاه أبو طالب المكي وعمرو بن العاص كما حكاه الماوردي وعائشة والربيع كما في صحيح البخاري وغيره
وأما التابعون فسعيد بن المسيب وسالم بن عمرو بن حسان وخارجة بن زيد وشريح القاضي وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد الله بن أبي عتيق وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن شهاب الزهري وعمر بن عبد العزيز وسعد بن إبراهيم الزهري
وأما تابعوهم فخلق لا يحصون منهم الأئمة الأربعة وابن عيينة وجمهور الشافعية انتهى كلام ابن النحوي واختلف هؤلاء المجوزون فمنهم من قال بكراهته ومنهم من قال باستحبابه قالوا لكونه يرق القلب ويهيج الأحزان والشوق إلى الله قال المجوزون أنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا في معقولهما من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات وأما المانعون من ذلك فاستدلوا بأدلة . منها حديث أبي مالك وأبي عامر المذكور في أول الباب وأجاب المجوزون بأجوبة . الأول ما قاله ابن حزم وقد تقدم وتقدم جوابه الثاني أن في إسناده صجقة بن خالد وقد حكى ابن الجنيد عن يحيى بن معين أنه ليس بشيء
وروى المزي عن أحمد أنه ليس بمستقيم ويجاب عنه بأنه من رجال الصحيح . ثالثها أن الحديث مطرب سندا ومتنا أما الأسناد فللتردد من الراوي في اسم الصحابي كما تقدم وأما متنا فلان في بعض الألفاظ يستحلون وفي بعضها بدونه وعند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ ليشربن أناس من أمتي الخمر
وفي رواية الحر بمهملتين وفي أخرى بمعجمتين كما سلف ويجاب عن دعوى الاضطراب في السند بأنه قد رواه أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي مالك بغير شك ورواه أبو داود من حديث أبي عامر وأبي مالك وهي رواية ابن داسة عن أبي داود ورواية ابن حبان أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأسعريين فتبين بذلك أنه من روايتهما جميعا وأما الاضطراب في المتن فيجاب بأن مثل ذلك غير قادح في الاستدلال لأن الراوي قد يترك بعض ألفاظ الحديث تارة ويذكرها أخرى
والرابع أن لفظة المعازف التي هي محل الاستدلال ليست عند أبي داود ويجاب بأنه قد ذكرها غيره وثبتت في الصحيح والزيادة من العدل مقبولة وأجاب المجوزون أيضا على الحديث المذكور من حيث دلالته فقالوا لانسلم دلالته على التحريم وأسندوا هذا المنع بوجوه أحدها أن لفظة يستحلون ليست نصا في التحريم فقد ذكر أبو بكر بن العربي لذلك معنيين أحدهما أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال الثاني أن يكون مجازا عن الأسترسال في استعمال تلك الأمور ويجاب بأن الوعيد على الاعتقاد يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب وأما دعوى التجوز فالأصل الحقيقة ولا ملجئ إلى الخروج عنها وثانيها أن المعازف مختلف في مدلولها كما سلف وإذا كان اللفظ محتملا لأن يكون للآلة ولغير الآلة لم ينتهض للاستدلال لأنه أما أن يكون مشتركا والراجح التوقف فيه أو حقيقة ومجازا ولا يتعين المعنى الحقيقي ويجاب بأنه يدل على تحريم استعمال ما صدق عليه الاسم والظاهر الحقيقة في الكل من المعاني المنصوص عليها من أهل اللغة وليس من قبيل المشترك لأن اللفظ لم يوضع لكل واحد على حدة بل وضع للجميع على أن الراجح جواز استعمال المشترك في جميع معانيه مع عدم التضاد كما تقرر في الأصول وثالثها أنه يحتمل أن تكون المعازف المنصوص على تحريمها هي المقترنة بشرب الخمر كما ثبت في رواية بلفظ " يشربن أناس من أمتي الخمر تروح عليهم القيان وتغدو عليهم المعازف " ويجاب بأن الأقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط والألزام أن الزنا المصرح به في الحديث لا يحرم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله وأيضا يلزم في مثل قوله تعالى { أنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين } أنه لا يحرم عدم الإيمان بالله إلا عند عدم الحض على طعام المسكين فإن قيل تحريم مثل هذه الأمور المذكورة في الإلزام قد علم من دليل أخر فيجاب بأن تحريم المعازف قد علم من دليل أخر أيضا كما سلف علي أنه لا ملجئ إلى ذلك حتى يصار إليه ورابعها أن يكون المراد يستحلون مجموع الأمور المذكورة فلا يدل على تحريم واحد منها على الإنفراد وقد تقرر أن النهي عن الأمور المتعددة أو الوعيد على مجموعها لا يدل على تحريم كل فرد منها ويجاب عنه بما تقدم في الذي قبله واستدلوا ثانيا بالأحاديث المذكورة في الباب التي أوردها المصنف رحمه الله تعالى وأجاب عنها المجوزون بما تقدم من الكلام في أسانيدهم ويجاب بأنها تنتهض بمجموعها ولا سيما وقد حسن بعضها فأقل أحوالها أن تكون من قسم الحسن لغيره ولا سيما أحاديث النهي عن بيع القينات المغنيات فإنها ثابتة من طرق كثيرة منها ما تقدم ومنها غيره قد أستوفيت ذلك في رسالة وكذلك حديث أن الغناء ينبت النفاق فإنه ثابت من طرق قد تقدم بعضها وبعضها لم يذكر منه عن ابن عباس عند ابن صصرى في أماليه ومنه عن جابر عند البيهقي ومنه عن أنس عند الديلمي وفي الباب عن عائشة وأنس عند البزار والمقدسي وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي بلفظ صوتان ملعونان في الدنيا والأخرى مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة
وأخرج ابن سعد في السنن عن جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نعمة له ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة وخمش وجه وشق جيب ورنة شيطان
وأخرج الديلمي عن أبي أمامة مرفوعا أن الله يبغض صوت الخلخال كما يبغض الغناء والأحاديث في هذا كثيرة قد صنف في جمعها جماعة من العلماء كابن حزم وابن طاهر وابن أبي الدنيا وابن حمدان الأربلى والذهبي وغيرهم وقد أجاب المجوزون عنها بأنه قد ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية وقد تقدم ما قاله ابن حزم ووافقه على ذلك أبو بكر بن العربي في كتابه الأحكام وقال لم يصح في التحريم شيء وكذلك قال الغزالي وابن النحو في العمدة وهكذا قال ابن طاهر أنه لم يصح منها حرف واحد والمراد ما هو مرفوع منها وإلا فحديث ابن مسعود في تفسير قوله تعالى { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله } قد تقدم أنه صحيح وقد ذكر هذا الأستثاء ابن حزم فقال أنهم لو أسندوا حديثا واحدا فهو إلى غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا حجة في أحد دونه كما روى عن ابن عباس وابن مسعود في تفسير قوله تعالى { ومن الناس } الآية أنهما فسرا اللهو بالغناء قال ونص الآية يبطل أحتجاجهم لقوله تعالى { ليضل عن سبيل الله } وهذه صفة من فعلها كان كافرا ولو أن شخصا اشترى مصحفا ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوا لكان كافرا فهذا هو الذي ذم الله تعالى وما ذم من اشترى لهو الحديث ليروح به نفسه لا يضل به عن سبيل الله انتهى
قال الفاكهاني لم أعلم في كتاب الله ولا في السنة حديثا صحيحا صريحا في تحريم الملاهي وإنما هي ظواهر وعمومات يتأنس لا أدلة قطعية واستدل ابن رشد بقوله تعالى { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } وأي دليل على ذلك في تحريم الملاهي والغناء والمفسرين فيها أربعة أقوال الأول أنها نزلت في قوم من اليهود أسلموا فكان اليهود يلقونهم بالسب والشتم ويعرضون عنهم والثاني أن اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غيره اليهود من التوراة وبدلوا من نعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصفته أعرضوا عنه وذكروا الحق . الثالث أنهم مسلمون إذا سمعوا الباطل لم يلتفتوا إليه . الرابع أنهم ناس من أهل الكتاب لم يكونوا يهودا ولا نصارى وكانوا على دين الله كانوا ينتظرون بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلما سمعوا به بمكة أتوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا وكان الكفار من قريش يقولون لهم أف لكم أتبعتم غلاما كرهه قومه وهم أعلم به منكم وهذا الأخير قاله ابن العربي في أحكامه وليت شعري كيف يقوم الدليل من هذه الآية انتهى . ويجاب بأن الأعتبار لعموم اللفظ لا بخصوص السبب واللغو عام وهو في اللغة الباطل من الكلام الذي لا فائدة فيه والآية خارجة مخرج المدح لمن فعل ذلك وليس فيها دلالة على الوجوب ومن جملة ما استدلوا به حديث كل لهو يلهو به المؤمن هو باطل إل ثلاثة ملاعبة الرجل أهله وتأديبه فرسه . ورميه عن قوسه
قال الغزالي قلنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم فهو باطل لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة انتهى
وهو جواب صحيح لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة وهم يرقصون في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت في الصحيح خارج عن تلك الأمور الثلاثة وأجاب المجوزون عن حديث ابن عمر المتقدم في زمارة الراعي بما تقدم من أنه حديث منكر وأيضا لو كان سماعه حراما لما أباحه صلى الله عليه وآله وسلم لابن عمر ولابن عمر لنافع وانهي عنه وأمر بكسر الآلة لآن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وأما سده صلى الله عليه وآله وسلم لسمعه فيحتمل أنه تجنبه كما كان يتجنب كثير من المباحات كما تجنب أن يبيت في بيته درهم أو دينار وأمثال ذلك لا يقال يحتمل أن تركه صلى الله عليه وآله وسلم للإنكار على الراعي إنما كان لعدم القدرة على التغيير لأنا نقول ابن عمر إنما صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالمدينة بعد ظهور الإسلام وقوته فترك الإنكار فيه دليل على عدم التحريم وقد استدل المجوزون بأدلة منها قوله تعالى { ويحل لهم الطيبات ويحرك عليهم الخبائث } ووجهه التمسك أن الطيبات جمع محلى باللام فيشمل كل طيب والطيب يطلق بإذاء المستلذ وهو الأكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن ويطلق بإزاء الطاهر والحلال وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العام فتدخل أفراد المعاني الثلاثة كلها ولو قصرنا العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادره الظاهرة وقد صرح ابن عبد السلام في دلائل الأحكام أن المراد في الآية بالطيبات المستلذات ومن جملة ما استدل به المجوزون ما سيأتي في الباب الذي بعد هذا وسيأتي الكلام عليه
ومن جملة ما قاله المجوزون أنا لو حكمنا بتحريم اللهو لكونه لهوا لكان جميع ما في الدنيا محرما لأنه لهو لقوله تعالى إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ويجاب بأنه لا حكم على جميع ما يصدق عليه مسمى اللهو لكونه لهوا بل الحكم بتحريم لهو خاص وهو لهو الحديث المنصوص عليه في القرآن لكنه لما علل في الآية بعلة الضلال عن سبيل الله لم ينتهض للاستدلال به على المطلوب وإذا تقرر جميع ما حررناه من حجج الفريقين فلا يخفى على الناظر أن محل النزاع إذا خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه والمؤمنون وقافةن عند الشبهات كما صرح به الحديث الصحيح ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن حال حول الحمى يوشك أن يقع فيه ولا سيما إذا كان مشتملا على ذكر القدود والخدودج والجمال والدلال والهجر والوصال ومعاقرة العقار وخلع العذار والوقار فإن سامع ما كان كذلك لا يخلو عن بلية وإن كان من تصلب في ذات الله على حد يقصر عنه الوصف وكم لهذه الوسيلة الشيطانية من قتيل دمه مطلول وأسير بهموم غرامه وهيامه مكبول نسأل الله السداد والثبات ومن أراد الاستيفاء للبحث في هذه المسالة فعليه بالرسالة التي سميتها أبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع
باب ضرب النساء بالدف لقدوم الغائب وما في معناه
1 - عن بريدة " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى قال لها إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل على وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحت أستها ثم قعدت عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الشيطان ليخاف منك يا عمر إني كنت جالسا وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهس تضرب فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف "
- رواه أحمد والترمذي وصححه
- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي في الباب عن عبد الله بن عمر وعند أبي داود . وعن عائشة عند الفاكهاني في تاريخ مكة بسند صحيح وقد استدل المصنف بحديث الباب على جواز ما دل عليه الحديث عند القدوم من الغيبة والقائلون بالتحريم يخصون مثل ذلك من عموم الأدلة الدالة على المنع وأما المجوزون فيستدلون به على مطلق الجواز لما سلف وقد دلت الأدلة على أنه لا نذر في معصية الله فالإذن منه صلى الله عليه وآله وسلم لهذه المرأة بالضرب يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية في مثل ذلك الموطن وفي بعض ألفاظ الحديث أنه قال لها أوفي بنذرك ومن جملة مواطن التخصيص للهو في العرسات وقد تقدمت الأحاديث في ذلك في كتاب الوليمة من كتاب النكاح . ومن مواطن التخصيص أيضا في الأعياد لما في الصحيحين من حديث عائشة قالت " دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيانني بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر مزامير للشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك في يوم عيد فقال يا أبا بكر لكل قوم عيد وهذا عيدنا " وروى المبرد والبيهقي في المعرفة عن عمر أنه إذا كان داخلا في بيته ترنم بالبيت والبيتين . ورواه المعافي النهرواني في كتاب الجليس والأنيس وابن منده في المعرفة في ترجمة أسلم الحادي
وأخرج النسائي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لعبد الله بن رواحة حرك بالقوم فاندفع يرتجز
كتاب الأطعمة والصيد والذبائح
باب في أن الأصل في الأعيان والأشياء الإباحة إلى أن يرد منع أو إلزام
1 - عن سعد بن أبي وقاص " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على الناس فحرم من أجل مسألته "
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ذرني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم "
- متفق عليهما
3 - وعن سلمان الفارسي قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا لكم "
- رواه ابن ماجه والترمذي
4 - وعن علي عليه السلام قال " لما نزلت ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا قالوا يا رسول الله في كل عام فسكت فقالوا يا رسول الله في كل عام قال لا ولو قلت نعم لوجبت فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن
- حديث سلمان قيل لم يوجد في سنن الترمذي ويدل على ذلك أنه روى صاحب جامع الإصول شطرا منه من قوله الحلال ما أحل الله الخ ولم ينسبه إلى الترمذي بل بيض له ولكنه قد عزاه الحافظ في الفتح في باب ما يكره من كثرة السؤال إلى الترمذيي كما فعلا لمصنف . والحديث أورده الترمذي في كتاب اللباس وبوب له باب ما جاء في باب لباس الفراء وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك وقد ساقه ابن ماجه بإسناد فيه سيف بن هرون البرجمي وهو ضعيف متروك . وحديث على أخرجه أيضا الحاكم وهو منقطع كما قال الحافظ . وصورة إسناده في الترمذي قال حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا منصور بن زاذان عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن أبي البختري عن على فذكره قال أبو عيسى الترمذي حديث على حديث غريب واسم أبي البختري سعيد بن أبي عمران وهو سعيد بن فيروز انتهى
وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وقد تقدما في أول كتاب الحج ( وفي الباب ) أحاديث ساقها البخاري في باب ما يكره من كثرة السؤال وأخرج البزار وقال سنده صالح والحاكم وصححه من حديث أبي الدرداء رفعه بلفظ " ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يمن لينسى شيئا وتلا وما كان ربك نسيا " وأخرج الدارقطني من حديث أبي ثعلبة رفعه " إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها " وأخرج مسلم من حديث أنس وأصله في البخاري " قال كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شيء " الحديث وفي البخاري من حديث ابن عمر فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسائل وعابها
وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال لما نزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء } الآية كناقد اتقينا أن نساله صلى الله عليه وآله وسلم الحديث . والراجح في تفسير الآية أنها نزلت في النهي عن كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن وقد أنكر ذلك جماعة من أهل العلم منهم القاضي أبو بكر ابن العربي فقال أعتقد قوما من الغافلين منع السؤال عن النوازل إلى أن تقع تعلقا بهذه الآية وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المساءة في جوابه ومسائل النوازل ليست كذلك قال الحافظ وهو كما قال إلا أن ظاهرها اختصاص ذلك بزمان نزول الوحي ويؤيده حديث سعد المذكور في أول الباب لأنه قد أمن من وقوع التحريم لأجل المسألة ولكن ليس الظاهر ما قاله ابن العربي من الاختصاص لأن المساءة مجوزة في السؤال عن كل أمر لم يقع مأما ما ثبت في الأحاديث من وقوع المسائل من الصحابة فيحتمل أن ذلك قبل نزول الآية ويحتمل أن النهي في الآية لا يتناول ما يحتاج إليه ما تقرر حكمه كبيان ما أجمل أو نحوه ذلك مما وقعت عنه المسائل وقد وردت عن الصحابة آثار كثيرة في المنع من ذلك ساقها الدارمي في أوائل مسنده . منها عن زيد بن ثابت إنه كان إذا سئل عن الشيء يقول هل كان هذا فإن قيل لا قال دعوه حتى يكون
قال في الفتح والتحقيق في ذلك أن البحث عما لا يوجد فيه نص على قسمين أحدهما أن يبحث عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على من تعين عليه من المجتهدين . ثانيهما أن يدقق النظر في وجوه الفرق فيفرق بين متماثلين بفرق ليس له أثر في الشرع من وجود وصف الجمع أو بالعكس بأن يجمع بين مفترقين لوصف طردي مثلا فهذا الذي ذمه السلف وعليه ينطبق حديث ابن مسعود رفعه " هلك المتنطعون " أخرجه مسلم فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الإكثار من التفريغ على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع وهي نادرة الوقوع جدا فيصرف فيها زمانا كان صرفه في غيرها أولى ولا سيما إذا لزم من ذلك المقال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها
ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح وعن مدة هذه الأمة إلى امثال ذلك مما لا يعرف إلا النقل والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث وأشد من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة كما صح من حديث أبي هريرة رفعه عند البخاري وغيره " لا يزال الناس يتساءلون هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله " قال الحافظ فمن سد باب المسائل حتى فاته كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها فإنه يقل فهمه وعلمه ومن توسع في تفريغ المسائل وتوليدها ولا سيما فيما يقل وقوعه أو يندر ولا سيما إن كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة فإنه يذم فعله وهو عين الذي كرهه السلف ومن أمعن البحث عن معاني كتاب الله تعالى محافظا على ما جاء في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن الصحابة الذين شاهدوا التنزيل وحصل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه ومفهومه وعن معاني السنة وما دلت عليه كذلك مقتصرا على ما يصلح للحجة فيها فإنه الذي يجمد وينفع وينتفع به وعلى ذلك يحمل عمل الفقهاء الأمصار من التابعين فمن بعدهم حتى حدثت الطائفة الثانية فعارضتها الطائفة الأولى فكثر بينهم المراء والجدال وتولدت البغضاء وهم من أهل دين واحد والوسط هو المعتدل من كل شيء وإلى ذلك يشير قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المذكور في الباب " فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " فإن الاختلاف يجر إلى عدنم الإنقياد وهذ كله من حديث تقسيم المشتغلين بالعلم وأما العلم بما ورد في المتاب والسنة والتشاغل به فقد وقع الكلام في أيهما أولى يعني هل العلم أو العمل والإنصاف أن يقال كل ما زاد على ما هو في حق المكلف فرض عين فالناس فيه على قسمين من وجد من نفسه قوة على الفهم والتحرير فتشاغله ذلك أولى من إعراضه عنه وتشاغله بالعبادة لما فيه من النفع المتعدي ومن وجد من نفسه قصورا فإقباله على العبادة أولى به لعسر اجتماع الأمرين فإن الأول لو ترك العلم لأوشك أن يضيع بعض الأحكام بإعراضه والثاني لو أقبل على العلم وترك العبادة فإنه الأمران لعدم حصول الأول له وإعراضه عن الثاني انتهى
قوله : " إن أعظم المسلمين " الخ هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري " إن أعظم الناس جرما " قال الطيبي فيه من المبالغة أنه جعل عظيما ثم فسره بقوله جرما ليدل على أنه نفسه جرم قال وقوله في المسلمين أي في حقهم
قوله :
فحرم
بضم الحاء المهملة وتشديد الراء قال ابن بطال عن المهلب ظاهر الحديث يتمسك به القدرية في أن الله يفعل شيئا من أجل شيء وليس كذلك بل هو على كل شيء قدير فهو فاعل السبب والمسبب ولكن الجديث محمول على التحذير مما ذكره فمعظم جرم من فعل ذلك لكثرة الكارهين لفعله
وقال غيره أهل السنة لا ينكرون إمكان التعليل وإنما ينكرون وجوبه فلا يمتنع أن يكون الشيء الفلاني تتعلق به الحرمة إن سئل عنه فقد سبق القضاء بذلك إلا أن السؤال علة للتحريم
وقال ابن التين قيل الجرم اللاحق به الحاق المسلمين المضرة لسؤاله وهي منعهم التصرف فيما كان حلالا قبل مسألته وقل القاضي عياض المراد بالجزم هنا الحدث على المسلمين لا الذي هو بمعنى الإثم المعاقب عليه لأن السؤال كان مباحا ولهذا قال سلوني وتعقبه النووي فقال هذا الجواب ضعيف أو باطل والصواب الذي قاله الخطابي والتيمي وغيرهما أن المراد بالجرم الإثم والذنب وحملوه على من سأل تكلفا وتعنتا فيما لا حاجة له به إليه وسبب تخصيصه ثبوت الأمر بالسؤال عما يحتاج إليه لقوله تعالى { فاسألوا أهل الذكر } فمن سأل عن نازلة وقعت له لضورته إليها فهو معذور فلا إثم عليه ولا عتب فكل من الأمر بالسؤال والزجر عنه مخصوص بجهة غير الأخرى قال ويؤخذ منه أن من عمل شيئا أضر به غيره كان آثما وأورد الكرماني على الحديث سؤالا فقال السؤال ليس بجريم ولئن كان ليس بكبيرة ولئن كان فليس بأكبر الكبائر
وأجاب أن السؤال عن الشيء بحيث يصير سببا لتحريم شيء مباح هو أعظم الجرم لأنه صار سببا لتضييق الأمر على جميع المكلفين فالقتل مثلا كبيرة ولكن مضرته راجعة إلى المقتول راجعة إلى المقتول وحده أو إلى من هو منه بسبيل بخلاف صورة المسألة فضررها عام للجميع انتهى
وقد روى ما يدل على أنه قد وقع في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم من المسائل ما كان سببا لتحريم الحلال أخرج البزار عن سعد بن أبي وقاص قال كان الناس يتساءلون عن الشيء من الأمر فيسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو حلال فلا يزالون يسألونه على الشيء حتى يحرم عليهم
قوله : " ذروني " في رواية البخاري دعوني ومعناهما واحد
قوله : " ما تركتكم " أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيء قال ابن فرج معناه لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظاهره ولو كان صالحة لغيره كما أن قوله حجوا وإن كان صالحا للتكرار فينبغي أن يكتفى بما يصدق عليه اللفظ وهو المرة فإن الأصل عدم الزيادة ولا يكثر التعنت عن ذلك فإنه قد يفضي إلى مثل ما وقع لبني اسرائيل في البقرة
قوله : " واختلافهم " يجوز فيه الرفع والجر
قوله : " فإذا نهيتكم " وهذا النهي عام في جميع المناهي ويستثنى من ذلك ما يكره المكلف على فعله وإليه ذهب الجمهور وخالف قوم فتمسكوا بالعموم الإكراه على ارتكاب المعصية لا يبيحها
قوله : " وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " أي اجعلوه قدر استطاعتكم قال النووي هذا من جوامع الكلم وقواهد الإسلام ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل والإمساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في أثناء النهار إلى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها واستدل به على أن من أمر بشيء فعجز عن بعضه ففعل المقدور إنه يسقط عنه ما عجز عنه وبذلك استدل المزني على أن ما وجب أداؤه لا يجب قضاؤه ومن ثم كان الصحيح أن القضاء بأمر جديد
واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشارع بالمنهيات فةق اعتنائه بالمأمورات لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بالاستطاعة وهذا منقول عن الإمام أحمد ( فإن قيل ) أن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضا إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فجوابه أن الاستطاعة تطلق باعتبارين كذا قيل قال الحافظ والذي يظهر أن التقييد في الأمر بالاستطاعة لا يدل على المدعى من الاعتبار بل هو من جهة الكف إذ كل واحد قادر على الكف لولا داعية الشهوة مثلا فلا يتصور عدم الاستطاعة من الكف بل كل مكلف قادر على الترك بخلاف الفعل فإن العجز عن تعاطيه محسوس فمن ثم قيد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي
قال ابن فرج في شرح الأربعين أن الأمر بالاجتناب على إطلاقه حتى يوجد ما يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة وشرب الخمر عند الإكراه والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان كما نطق به القرآن
قال الحافظ والتحقيق أن المكلف في كل ذلك ليس منهيا في تلك الحال وقال الماوردي أن الكف عن المعاصي ترك وهو سهل وعمل الطاعة فعل وهو شاق فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر لأنه ترك والترك لا يعجز المعذور عنه وادعى بعضهم أن قوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهى وقد قيد بالاستطاعة فاستويا فحينئذ تكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الأمر دون النهي أن العجز يكثر تصوره في الأمر بخلاف النهي فإن تصور العجز فيه محصور في الاضطرار وهو قوله تعالى { إلا ما اضطررتم إليه } وهو مضطر ولا يرد الإكراه لأنه مندرج في الاضطرار وزعم بعضهم أن قوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } نسخ بقوله تعالى { واتقوا الله حق تقاته } قال الحافظ والصحيح أنه لا نسخ بل المراد بحق تقاته امتثال أمره واجتناب نهيه مع القدرة لا مع العجز
قوله : " الفراء " بفتح الفاء مهموز حمار الوحش كذا في مختصر النهاية ولكن تبويب الترمذي الذي ذكرناه سابقا يدل على أن الففراء بكسر الفاء جمع فرو
قوله : " الحلال ما أحل الله في كتابه " الخ المراد من هذه العبارة وأمثالها مما يدل على حصر التحليل والتحريم على الكتاب العزيز هو باعتبار اشتماله على جميع الأحكام ولو بطريق العموم أو الإشارة أو باعتبار الأغلب لحديث " إني أوتيت القرآن ومثله معه " وهو حديث صحيح
قوله : " وعن علي " الخ قد تقدم الكلام على ما اشتمل عليه حديث علي في أول كتاب الحج
باب ما يباح من الحيوان الإنسي
1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل "
- متفق عليه وهو للنسائي وأبو داود
وفي لفظ " أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر " رواه الترمذي وصححه
وفي لفظ " سافرنا يعني مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكنا نأكل لحوم الخيل ونشرب ألبانها " رواه الدارقطني
2 - وعن أسماء بنت أبي بكر قالت " ذبحنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرسا ونحن بالمدينة فأكلناها "
5 - متفق عليه . ولفظ أحمد " ذبحنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأكلناه نحن وأهل بيته " . وعن أبي موسى قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل لحم دجاج " متفق عليه
- قوله " نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية " فيه دليل على تحريمها وسيأتي الكلام على ذلك
قوله : " وأذن في لحوم الخيل " استدل به القائلون بحل أكلها قال الطحاوي ذهب أبو حنيفة إلى كراهة أكل الخيل وخالفه صاحباه وفيرهما واحتجوا بالأخبار المتواترة في حلها ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر لما كان بين الخيل والحمر الأهلية فرق ولكن الآثار إذا صحت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى أن نقول بها مما يوجبه النظر ولا سيما وقد أخبر جاب أنه صلى الله عليه وآله وسلم أباح لهم لحوم الخيل في الوقت الذي منعهم فيه من لحوم الحمر فدل ذلك على اختلاف حكمهما
قال الحافظ وقد نقل الحل بعض التابعين عن الصحابة من غير استثناء أحد فأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح على شرط الشيخين عن عطاء أنه قال لبن جريح لم يزل سلفك يأكلون قال ابن جريح قلت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال نعم
وأما ما نقل في ذلك عن ابن عباس من كراهتها فأخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بسندين ضعيفين وسيأتي في الباب الذي بعد هذا عن ابن عباس أنه استدل لحل الحمر الأهلية بقوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي } الآية وذلك يقوي أنه من القائلين بالحل وأخرج الدارقطني عنه بسند قوي " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأمر بلحوم الخيل " قال في الفتح وصح القول بالكراهية عن الحكم ابن عتيبة ومالك وبعض الحنفية وعن بعض المالكية والحنفية التحريم قال الفاكهاني المشهور عند المالكية الكراهية والصحيح عند المحققين منهم التحريم وقد صحح صاحب المحيط والهداية والذخيرة عن أبي حنيفة التحريم وإليه ذهبت العترة كما حكاه في البحر ولكنه حكى الحل عن زيد بن علي واستدل القائلون بالتحريم بما رواه الطحاوي وابن حزم من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر والخيل والبغال " قال الطحاوي أهل الحديث يضعفون عكرمة بن عمار قال الحافظ لا سيما في يحيى بن أبي كثير فإن عكرمة وإن كان مختلفا في توثيقه قد أخرج له مسلم لكن إنما أخرج له من غير روايته عن يحيى بن أبي كثير وقال يحيى بن سعيد القطان أحاديثه عن يحيى بن أبي كثير ضعيفة وقال البخاري حديثه عن يحيى مضطرب وقال النسائي ليس به بأس إلا في يحيى وقال أحمد حديثه من غير اياس بن سلمة مضطرب . وعلى تقدير صحة هذه الطريق فقد اختلف على عكرمة فيها فإن الحديث عند أحمد والترمذي من طريقه ليس فيه للخيل ذكر وعلى تقدير أن يكون أظهر إتصالا وأتقن رجالا وأكثر عددا ومن أدلتهم ما رواه في السنن من حديث خالد ابن الوليد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الخيل "
وتعقب بأنه شاذ منكر لأن في سياقه أنه شهد خيبر وهو خطأ لأنه لم يسلم إلا بعدها على الصحيح وقد روى الحديث من طريق أخرى عن خالد وفيها مجهول ولا يقال أن جابرا أيضا لم يشهد خيبر كما أعل الحديث بذلك بعض الحنفية لأنا نقول ذلك ليس بعلة مع عدم التصريح بحضوره فغايته أن يكون من مراسيل الصحابة
وأما الرواية الثانية عنه المذكورة في الباب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطعمهم لحوم الخيل وفي الأخرى أنهم سافروا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فليس في ذلك تصريح بأنه كان في خيبر فيمكن أن يكون في غيرها ولو فرضنا ثبوت حديث خالد وسلامته عن العلل لم ينتهض لمعارضة حديث جابر وأسماء المتفق عليهما مع أنه قد ضعف حديث خالد أحمد والبخاري وموسى بن هرون والدارقطني والخطابي وابن عبد البر وعبد الحق وآخرون . ومن جملة ما استدل به القائلون بالتحريم قوله تعالى { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } وقد تمسك بها أكثر القائلين بالتحريم وقرروا ذلك بأن اللام للتعليل فدل على أنها لم تخلق لغير ذلك لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر فإباحة أكلها تقتضي خلاف الظاهر من الآية وقرره أيضا بأن العطف يشعر بالاشتراك في الحكم وبأن الآية سيقت مساق الامتنان فلو كان ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان به أعظم وأجيب إجمالا بأن الآية مكية اتفاقا والإذن كان بعد الهجرة وأيضا ليست نصا في منع الأكل والحديث صريح في الحل وأجيب أيضا تفصيلا بأنا لو سلمنا أن اللام للعلة لم نسلم إفادته الحصر في الركوب والزينة فإنه ينتفع بالخيل في غيرهما وفي غير الأكل اتفاقا ونظير ذلك حديث البقرة المذكور في الصحيحين حين خاطبت راكبها فقالت إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث فإنه مع كونه أصرح في الحصر لكونه بأنما مع اللام لا يستدل به على تحريم أكلها وإنما المراد الأغلب من المنافع وهو الركوب في الخيل والتزين بها والحرث في البقر وأيضا يلزم المستدل بالآية أنه لا يجوز حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير ولا قائل بها
وأما الاستدلال بالعطف فغايته دلالة اقتران وهي من الضعف بمكان
وأما الاستدلال بالامتنان فهو باعتبار غالب المنافع
قوله : " ذبحنا فرسا " لفظ البخاري نحرنا فرسنا وقد جمع بين الروايتين بحمل النحر على الذبح مجازا وقد وقع ذلك مرتين
قوله : " يأكل لحم دجاج " هو اسم جنس مثلث الدال ذكره المنذري وابن مالك وغيرهما ولم يحك النووي أن ذلك مثلث وقيل أن الضم ضعيف قال الجوهري دخلتها التاء للوحدة مثل الحمامة وقال إبراهيم الحربي أن الدجاجة بالكسر اسم للذكر دون الإناث والواحد منها ديك وبالفتح الإناث دون الذكر أن والواحدة دجاجة بالفتح أيضا
وفي القاموس والدجاجة معروف للذكر والأنثى وتثلث اه وقد تقدم نقله
وفي الحديث قصة وهو أن رجلا امتنع من أكل الدجاج وحلف على ذلك فأفتاه أبو موسى بأنه يكفر عن يمينه ويأكل وقص له الحديث
باب النهي عن الحمر الإنسية
1 - عن أبي ثعلبة الخشني قال " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحوم الحمر الأهلية "
- متفق عليه وزاد أحمد ولحم كل ذي ناب من السباع
2 - وعن البراء بن عازب قال " نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية نضيجا ونيا "
3 - وعن ابن عمر قال " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية "
- متفق عليهما
4 - وعن ابن أبي أوفى قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر "
- رواه أحمد والبخاري
5 - وعن زاهر الأسلمي وكان ممن شهد الشجرة قال " إني لأوقد تحت القدور بلحوم الحمر إذ نادى مناد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاكم عن لحوم الحمر "
6 - وعن عمرو بن دينار قال " قلت لجابر بن زيد يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الحمر الأهلية قال قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة ولكن أبى ذلك البحر بن عباس وقرأ قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما "
- رواهما البخاري
7 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع والمجثمة والحمار الإنسي "
- رواه أحمد والترمذي وصححه
8 - وعن ابن أبي أوفى قال " أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أكفؤا القدور لا تأكلوا من لحوم الحمر سيئا فقال ناس إنما نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنها لم تخمس وقال آخرون نهى عنها البتة "
- متفق عليه
وقد ثبت النهي من رواية علي وأنس وقد ذكرا
- قوله " الأنسية " قال في الفتح بكسر الهمزة وسكون النون منسوبة إلى الأنس ويقال فيه إنسية بفتحتين وزعم ابن الأثير أن في كلام أبي موسى المديني ما يقتضي أنها بالضم ثم السكون وقد صرح الجوهري أن الإنس بالفتحتين ضد الوحشة ولم يقع في شيء من روايات الحديث بضم ثم سكون مع احتمال جوازه نعم زيف أبو موسى الرواية بكسر أوله ثم السكون فقال ابن الأثير إن أراد من جهة الرواية وإلا فهو ثابت في اللغة والمراد بالإنسية الأهلية كما وقع في سائر الروايات ويؤخذ من التقييد بها جوازا أكل الحمر الوحشية ولعله يأتي البحث عنها إن شاء الله
قوله : " إذ نادى مناد " وقع عند مسلم أن الذي ناد بذلك أبو طلحة ووقع عند مسلم أيضا أن بلالا نادى بذلك وعند النسائي أن المنادي بذلك عبد الرحمن بن عوف ولعل عبد الرحمن نادى أولا بالنهي مطلقا ثم نادى أبو طلحة وبلال بزيادة على ذلك وهو قوله فإنها رجس
قوله : " وقرأ قل لا أجد " الآية هذا الاستدلال إنما يتم في الأشياء التي لم يرد النص بتحريمها وأما الحمر الإنسية فقد تواترت النصوص على ذلك والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل وعلى القياس وأيضا الآية مكية وقد روى عن ابن عباس أنه قال إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحمر الأهلية مخافة قلة الظهر . رواه ابن ماجه والطبراني وإسناده ضعيف وفي البخاري في المغازي أن ابن عباس تردد هل كان النهي لمعنى خاص أو للتأبيد وعن بعضهم إنما نهى عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنها كانت تأكل العذرة وفي حديث ابن أبي أو في المذكور في الباب فقال ناس إنما نهى عنها لأنها لم تخمس
قال الحافظ وقد أزال هذه الاحتمالات من كونها لم تخمس أو كانت جلالة أو غيرخما حديث أنس حيث جاء فيه فإنها رجس وكذلك الأمر بغسل الإناء في حديث سلمة اه والحديثان متفق عليهما وقد تقدما في أول الكتاب في باب نجاسة لحم الحيوان الذي لا يؤكل إذا ذبح من كتاب الطهارة
قال القرطبي ظاهره أن الضمير في أنها رجس عائد على الحمر لأنها المتحدث عنها المأمور بإكفائها من القدور وغسلها وهذا حكم النجس فيستفاد منه تحريم أكلها لعينها لا لمعنى خارج وقال ابن دقيق العيد الأمر بإكفاء القدور ظاهر أنه سبب تحريم لحم الحمر
قال الحافظ وقد وردت علل أخر إن صح وفع شيء منها وجب المصير إليه لكن لا مانع أن يعلل الحكم بأكثر من علة . وحديث أبي ثعلبة صريح في التحريم فلا معدل عنه وأما التعليل بخشية قلة الظهر فأجاب عنه الطحاوي بالمعارضة بالخيل فإن في حديث جابر النهي عن الحمر والإذن في الخيل مقرونان فلو كانت العلة لأجل الحمولة لكانت الخيل أولى بالمنع لقلتها عندهم وعزتها وشدة حاجتهم إليها قال النووي قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم ولم نجد عن أحد من الصحابة في ذلك خلافا إلا عن ابن عباس وعنده الك ثلاث روايات ثالثها الكراهة
وقد أخرج أبو داود عن غالب بن أبجر قال أصابتنا سنة فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي الأسمان حمر قأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت أنك حرمت لحوم الحمر الأهلية وقد أصابتنا سنة قال أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوال القرية بفتح الجيم والواو وتشديد اللام مع جمع جالة مثل سوام جمع سامة بتشديد الميم وهوام جمع هامة يعني الجلالة وهي التي تأكل العذرة ( والحديث ) لا تقوم به حجة قال الحافظ إسناده ضعيف والمتن مخالف للأحاديث الصحيحة فلا اعتماد عليه
وقال المنذري اختلف في إسناده كثيرا وقال البيهقي إسناده مضطرب قال ابن عبد البر روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحريم الحمر الأهلية علي عليه السلام وعبد الله بن عمر وعبد الله عمرو وجابر البراء وعبد الله بن أبي أوفى وأنس وزاهر الأسلمي بأسانيد صحاح وحسان . وحديث غالب بن أبجر لا يعرج على مثله مع ما يعارضه ويحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص لهم في مجاعتهم وبين علة تحريمها المطلق بكونها تأكل العذرات
وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني عن أم نصر المحاربية أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحمر الأهلية فقال أليس ترعى الكلأ وتأكل الشجر قال نعم قال فاصب من لحومها
وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق رجل من بني مرة قال سألت فذكر نحوه فقال الحافظ في السندين مقال ولو ثبتا احتمل أن يكون قبل التحريم
قال الطحاوي لولا تواتر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحريم الحمر الأهلية لكان النظر يقتضي حلها لأن كل ما حرم من الأهلي أجمع على تحريمه إذا كان وحشيا كالخنزير وقد أجمع على حل الوحشي فكان النظر يقتضي حل الحمار الأهلي
قال في الفتح وما أدعاه من الإجماع مردود فإن كثيرا من الحيوان الأهلي مختلف في نظيره من الحيوان الوحشي كالهر
قوله : " كل ذي ناب من السباع " سيأتي الكلام فيه
قوله : " المجثمة " بضم الميم وفتح الجيم وتشديد المثلثة على صيغة اسم المفعول وهي كل حيوان ينصب ويقتل إلا أنها قد كثرت في الطير والأرنب وما يجثم في الأرض أي يلزمها والجثم في الأصل لزوم المكان أو الوقوع على الصدر أو التلبد بالأرض كما في القاموس فالتجثيم نوع من المثلة
باب تحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير
1 - عن أبي ثعلبة الخشنى " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال كل ذي ناب من السباع فأكله حرام "
- رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود
2 - وعن ابن عباس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كل ذي ناب من السباع ولك ذي مخلب من الطير "
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي
3 - وعن جابر قال " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني يوم خيبر لحوم الحمر الانسية ولحوم البغال وكل ذي ناب من السباع ولك ذي مخلب من الطير "
- رواه أحمد والترمذي
4 - وعن عرباض ابن سارية " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم يوم خيبر كل ذي مخلب من الطير ولحوم الحمر الأهلية والخلسة والمجثمة "
- رواه أحمد والترمذي وقال نهى بدل لفظ التحريم وزاد في رواية قال أبو عاصم المجثمة أن ينصب الطير فيرمى . والخلسة الذئب أو السبع يدركه الرجل فيأخذ منه يعني الفريسة فتموت في يده قبل أن يذكيها
- حديث جابر أصله في الصحيحن كما سلف وهو بهذا اللفظ بسند لابأس به كما قال الحافظ في الفتح وكذلك حديث العرباض بن سارية لا بأس بأسناده قوله " كل ذي ناب " الناب السن الذي خلف الرباعية جمعه أنياب قال ابن سينا لا يجتمع في حيوان واحد ناب وقرن معا وذو الناب من السباع كالأسد والذئب والنمر والفيل والقرد وكل ماله ناب يتقوي به ويصطاد قال في النهاية وهو ما يفترض الحيوان ويأكل قسرا كالأسد والنمر والذئب ونحوها وقال في القاموس والسبع بضم الباء وفتحها المفترس من الحيوان اه ووقع الخلاف في جنس السباع الحرمة فقال أبو حنيفة كل ما أكل اللحم فهو سبع حتى الفيل والضبع واليربوع والسنور وقال الشافعي يحرم من السباع ما يعدو على الناس كالأسد والنمر والذئب وأما الضبع والثعلب فيحلان عنده لأنهما لا يعدوان
قوله : " وكل ذي مخلب " المخلب بكسر الميم وفتح اللام قال أهل اللغة المخلب للطير والسباع بمنزلة الظفر للإنسان
وفي الحديث دليل على تحريم ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير وإلى ذلك ذهب الجمهور . وحكى ابن عبد الحكم وابن وهب عن مالك مثل قول الجمهور وقال ابن العربي المشهور عنه الكراهة قال ابن رسلان ومشهور مذهبه على إباحة ذلك وكذا قال القرطبي وقال ابن عبد البر اختلف فيه عن ابن عباس وعائشة وجاء عن ابن عمر من وجه ضعيف وهو قول الشعبي وسعيد بن جبير يعني عدم التحريم واحتجوا بقوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي } الآية وأجيب بأنها مكية وحديث التحريم بعد الهجرة وأيضا هي عامة والأحاديث خاصة وقد تقدم الجواب عن الأحتجاج بالآية مفصلا وعن بعضهم أن آية الأنعام خاصة ببهيمة الأنعام لأنه تقدم قبلها حكاية عن الجاهلية أنهم كانوا يحرمون أشياء من الأزواج الثمانية بآرائهم فنزلت الآية { قل لا أجد } أي من المذكورات ويجاب عن هذا أن الأعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
قوله : " ولحوم البغال " فيه دليل على تحريمه وبه قال الأكثر وخالف في ذلك الحسن البصري كما حكاه عنه في البحر
قوله : " والخلسة " بضم الخاء وسكون اللام بعدها سين مهملة وهي ما وقع التفسير به في المتن
قوله : " والمجثمة " قد تقدم ضبطها وتفسيرها
باب ما جاء في الهر والقنفذ
1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل الهر وأكل ثمنها "
- رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي
2 - وعن عيسى نميلة الفزاري عن أبيه قال " كنت عند ابن عمر فسئل عن أكل القنفذ فتلا هذه الآية { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } الآية فقال شيخ عنده سمعت أبا هريرة يقول ذكر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال خبيثة من الخبائث فقال ابن عمر إن كان قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو كما قال "
- رواه أحمد وأبو داود
- حديث جابر في إسناده عمر بن زيد الصنعاني قال المنذري وابن حبان لا يحتج به
وقال ابن رسلان في شرح السنن لم يرو عنه غير عبد الرزاق وقد أخرج النهي عن أكل ثمن الكلب والسنور مسلم في صحيحه . وحديث عيسى بن نميلة قال الخطابي ليس إسناده بذاك وقال البيهقي إسناده غير قوي ورواه شيخ مجهول وقال في بلوغ المرام إسناده ضعيف
وقد استدل بالحديث الأول على تحريم أكل الهر وظاهره عدم الفرق بين الوحشي والأهلي ويؤيد التحريم أنه من ذوات الأنياب وللشافعية وجه في حل الهر الوحشي كحمار الوحش إذا كان وحشي الأصل لا إن كان أهليا ثم توحش
قوله : " عن عيسى بن نميلة " بضم النون وتخفيف الميم مصغر نملة ذكره ابن حبان في الثقات
قوله : " القنفذ " هو واحد القنافذ والأنثى الواحدة قنفذة وهو بضم القاف وسكون النون وضم الفاء وبالذال المعجمة وقد تفتح الفاء وهو نوعان قنفذ يكون بأرض مصر قدر الفار الكبير وأخر يكون بأرض الشام في قدر الكلب وهو مولع بأكل الأفاعي ولا يتألم بها كذا قال ابن رسلان في شرح السنن
وقد استدل بالحديث على تحريم القنفذ لأن الخبائث محرمة بنص القرآن وهو مخصص لعموم الآية الكريمة كما سلف في مثل ذلك
وقد حكى التحريم في البحر عن أبي طالب والإمام يحيى قال ابن رسلان راويا عن القفال أنه قال إن صح الخبر فهو حرام وإلا رجعنا إلى العرب والمنقول عنهم أنهم يستطيبونه وقال مالك وأبو حنيفة القنفذ مكروه ورخص فيه الشافعي والليث وأبو ثور اه وحكى الكراهة في البحر أيضا عن المؤيد بالله والراجح أن الأصل الحل حتى يقوم دليل ناهض ينقل عنه أو يتقرر أنه مستخبث في غالب الطباع ويؤيد القول بالحل ما أخرجه أبو داود عن ملقام بن تلب عن أبيه قال صحبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم أسمع لحشرات الأرض تحريما وهذا يؤيد الأصل وإن كان عدم السماع لا يستلزم عدم ورود دليل ولكن قال البيهقي إن إسناده غير قوي وقال النسائي ينبغي أن يكون ملقان بن التلب ليس بالمشهور قال ابن رسلان أن حشرات الأرض كالضب والقنفذ واليربوع وما أشبهها وأطال في ذلك
باب ما جاء في الضب
1 - عن ابن عباس عن خالد بن الوليد أنه أخبره أنه " دخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ميمونة وهي خالته وخالة ابن عباس فوجد عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها حفيدة بنت الحرث من نجد فقدمت الضب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأهوى بيده إلى الضب فقالت امرأة من النسوة الحضور أخبرن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما قدمتن له قلن هو الضب يا رسول الله فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده فقال خالد ابن الوليد أحرام الضل يا رسول الله قال لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته و رسول الله ينظر فلم ينهني "
- رواه الجماعة إلا الترمذي
2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الضب فقال لا أكله ولا أحرمه "
- متفق عليه
وفي رواية عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان معه ناس فيهم سعد فأتوا بلحم ضب فنادت امرأة من نسائه إنه لحم ضب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلوا فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي " . رواه أحمد ومسلم
3 - وعن جابر " أن عمر بن الخطاب قال في الضب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرمه وأن عمر قال إن الله لينفع به غير واحد وإنما طعام عامة الرعاة منه ولو كان عندي طعمته "
- رواه مسلم وابن ماجه
4 - وعن جابر قال " أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بضب فأبى أن يأكل منه وقال لا أدري لعله من القرون التي مسخت "
5 - وعن أبي سعيد " أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال إني في غائط مضبة وأنه عامة طعام أهلي قال فلم يجبه فقلنا عاوده فعاوده فلم يجبه ثلاثة ثم ناداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الثالثة يا أعرابي إن الله لعن أو غضب على سبط من بني اسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض ولا أدري لعل هذا منها فلم أكلها ولا أنهى عنها "
- رواهما أحمد ومسلم
وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن الممسوخ لا نسل له والظاهر أنه لم يعلم ذلك إلا بوحي وإن تردده في الضب كان قبل الوحي بذلك . والحديث يرويه ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكرت عنده القردة قال مسعر وأراه قال والخنازير قبل ذلك
وفي رواية أن رجل قال يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يهلك أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا " روى ذلك أحمد ومسلم
- قوله " فوجد عندها ضبا " هو دويبة تشبه الحرذون ولكنه أكبر منه قليلا ويقال للأنثى ضبة
قال ابن خالويه أنه يعيش سبعمائة سنة وأنه لا يشرب الماء ويبول في كل أربعين يوما قطرة ولا يسقط له سن ويقال بل أسنانه قطعة واحدة
قوله : " محنوذا " بحاء مهملة ونون مضمومة وآخره ذال معجمة أي مشويا بالحجارة المخماة ووقع في رواية بضب مشوي
قوله : " أختها حفيدة " بمهملة مضمومة بعدها فاء مصغرة قوله " لم يكن بأرض قومي " قال ابن العربي اعترض بعض الناس على هذه اللفظة وقال أن الضباب موجودة بأرض الحجاز فإن كان أراد تكذيب الخبر فقد كذب هو فإنه ليس بأرض الحجاز منها شيء وربما أنها حدثت بعد عصر النبوة وكذا أنكر ذلك ابن عبد البر ومن تبعه قال الحافظ ولا يحتاج إلى شيء من هذا بل المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم بأرض قومي قريش فقط فيختص النفي بمكة وما حولها ولا يمنع ذلك أن تكون موجودة بسائر بلاد الحجاز
قوله : " فأجدني أعافه " أي أكره أكله يقال عفت الشيء أعافه
قوله : " فاجتررته " بجيم وراءين مهملتين هذا هو المعروف في كتب الحديث وضبطه بعد شراح المهذب بزاي قبل الراء وقد غلطه النووي
قوله : " لا آكله ولا أحرمه " فيه جواز أكل الضب قال النووي وأجمع المسلمون على أن الضب حلال ليس بمكروه إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته وإلا ما حكاه القاضي عياض عن قوم أنهم قالوا هو حرام وما أظنه يصح عن أحد فإن صح عن أحد فمحجوج بالنصوص وإجماع من قبله اه قال الحافظ قد نقله ابن المنذر عن علي رضي الله عنه فاين يكون الإجماع مع مخالفته ونقل الترمذي كراهته عن بعض أهل العلم
وقال الطحاوي في معاني الآثار كره قوم أكل الضب منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن أكل لحم الضب أخرجه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن شبل
قال الحافظ في الفتح وإسناده حسن فإنه من رواية إسماعيل ابن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل . وحديث ابن عياش عن الشاميين قوي وهؤلاء شاميون ثقات ولا يغتر بقول الخطابي ليس إسناده بذاك . وقول ابن حزم فيه ضعفاء ومجهولون وقول البيهقي تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة وقول ابن الجوري لا يصح ففي كل ذلك تساهل لا يخفى فإن رواية إسماعيل عن الشاميين قوية عند البخاري وقد صحح الترمذي بعضها
وأخرج أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والطحاوي وسنده على شرط الشيخين من حديث عبد الرحمن بن حسنة نزلنا أرضا كثيرة الضباب الحديث وفيه أنهم طبخوا منها فقال صلى الله عليه وآله وسلم إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب فأخشى أن تكون هذه فأفؤها
ومثله حديث أبي سعيد المذكور في الباب
قال في الفتح والأحاديث وإن دلت على الحل تصريحا وتلويحا نصا وتقريرا فالجمع بيها وبين الحديث المذكور حمل النهي فيه على أول الحال عند تجويز أن يكون مما مسخ . وحينئذ أمر بإكفاء القدور ثم توقف فلم يأمر به ولم ينه عنه . وحمل الإذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له وبعد ذلك كان يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه وأكل على مائدته بإذنهفدل على الإباحة . وتكون الكراهة للتنزيه في حق من يتقذره وتحمل أحاديث الإباحة على من لا يتقذره
وقد استدل على الكراهة بما أخرجه الطحاوي عن عائشة . أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ضب فلم ياكله فقام عليهم سائل فأرادت عائشة أن تعطيه فقال لها أتعطينه ما لا تأكلين
قال محمد بن الحسن دل ذلك على كراهته لنفسه ولغيره . وتعقبه الطحاوي باحتمال ان يكون ذلك من جنس ما قال الله تعالى { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } ثم ساق الأحاديث الدالة على كراهة التصدق بحشف التمر وكحديث البراء كانوا يحبون الصدقة باردأ تمرهم فنزلت { أنفقوا من طيبات ما كسبتم } قال فلهذا المعنى كره لعائشة أن تصدق بالضب لا لكونه حراما . وهذا يدل على أن الطحاوي فهم عن محمد أن الكراهة فيه للتحريم . والمعروف عن أكثر الحنفية فيه كراهة التنزيه . وجنح بعضهم إلى التحريم
وقال اختلفت الأحاديث وتعذرت معرفة المتقدم فرجحنا جانب التحريم ودعوى التعذر ممنوعة بما تقدم
قوله : " في غائط مضبة " قال النووي فيه لغتان مشهورتان إحداهما فتح الميم والضاد والثانية ضم الميم وكسر الضاد والأول أشهر وأفصح . والمراد ذات ضباب كثيرة والغئط الأرض المطمئنة
قوله : " يدبون " بكسر الالدال
قوله " ولا أدري لعل هذا منها " قال القرطبي إنما كان ذلك ظنا منه من قبل أن يوحى إليه أن الله لم يجعل لمسخ نسلا فلما أوحى إليه بذلك زال التظنن وعلم أن الضب ليس مما مسخ كما في الحديث المذكوز في الباب . ومن العجيب أن ابن العربي قال أن قولهم الممسوخ لانسل له دعوى فإنه أمر لا يعرف بالفعل وإنما طريقه النقل وليس فيه أمر يعول إليه وكأنه لم يستحضره من صحيح مسلم ثم قال وعلى تقدير كون الضب ممسوخا فذلك لا يقتضي تحريم أكله لأن كونه آدميا قد زال حكمه ولم يبق له أثر أصلا وإنما كره النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأكل منه لما وقع عليه من سخط الله كما كره الشرب من مياه ثمود اه . ولا منافاة بين كونه صلى الله عليه وآله وسلم عاف الضب وبين ما ثبت أنه كان لا يعيب الطعام لأن عدم العيب إنما هو فيما صنعه الآدمي لئلا ينكسر خاطره وينسب إلى التقصير فيه وأما الذي خلق ذلك فليس نفور الطبع منه ممتنعا
باب ما جاء في الضبع والأرنب
1 - عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمارة قال قلت لجابر " الضبع أصيد هي قال نعم قلت آكلها قال نعم قلت آكلها قال نعم قلت أقاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نعم "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . ولفظ أبي داود عن جابر " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الضبع فقال هي صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم "
2 - وعن أنس قال " أنفجنا أرنبا بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا وأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوركها وفخذها فقبله "
- رواه الجماعة . ولفظ أبي داود " صدت أرنبا فشويتها فبعث معي أبو طلحة بعجزها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتيته بها "
3 - وعن أبي هريرة قال " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأرنب قد شواها ومعها صنابها وأدمها فوضعها بين يديه فأمسك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يأكل وأمر أصحابه أن يأكلوا "
- رواه أحمد والنسائي
4 - وعن محمد بن صفوان " أنه صاد أرنبين فذبحهما بمروتين فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمره بأكلهما "
- رواه أحمد والنسائي وابن ماجه
- حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمارة أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي وصححه أيضا البخاري وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي وأعله ابن عبد البر بعبد الله المذكور وهو وهم فإن وثقه أبو زرعة والنسائي ولم يتكلم فيه أحد ثم أنه لم ينفرد به . وحديث أبي هريرة قال في الفتح رجاله ثقات إلا أنه اختلف فيه علي موسى بن طلحة اختلافا كثيرا . وحديث محمد بن صفوان أخرجه أيضا بقية أصحاب السنن وابن حبان والحاكم
قوله : " الضبع " هو الواحد الذكر والأنثى ضبعان ولا يقال ضبعة . ومن عجيب أمره أنه يكون سنة ذكرا وسنة أنثى فيلقح في حال الذكورة ويلد في حال الأنوثة وهو مولع بنبش القبور لشهوته للحوم بني آدم
قوله : " قال نعم " فيه دليل على جواز أكل الضبع . وإليه ذهب الشافعي وأحمد قال الشافعي ما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير ولأن العرب تستطيبه وتمدحه . وذهب الجمهور إلى التحريم واستدلوا بما تقدم في تحريم كل ذي ناب من السباع . ويجاب بأن حديث الباب خاص فيقدم على حديث كل ذي ناب واستدلوا أيضا بما أخرجه الترنذي من حديث خزيمة بن جزء قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الضبع فقال أو يأكل الضبع أحد
وفي رواية ومن يأكل الضبع فيجاب بأن هذا الجديث ضعيف لأن في إسناده عبد الكريم بن أمية وهو متفق على ضعفه والراوي عنه إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف قال ابن رسلان وقد قيل أن الضبع ليس لها ناب وسمعت من يذكر أن جميع أسنانها عظم واحد كصفيحة نعل الفرس فعلى هذا لا يدخل في عموم النهي اه
قوله : " ويجعل فيه كبش " فيه دليل على أن الكبش مثل الضبع
وفيه أن المعتبر في المثلية بالتقريب في الصورة لا بالقيمة ففي الضبع الكبش سواء كان مثله في القيمة أو أقل أو أكثر
قوله : " أنفجنا أرنبا " بنون ثم فاء مفتوحة وجيم ساكنة أي أثرنا . يقال نفخ لأرنب إذا ثار وأنقجته أي أثرته من موضعه ويقال الانتفاج الإقشعرار ووارتغاف الشعر وانتفاشه . والأرنب دويبة معروفة تشبه العناق ولكن في رجليها طول بخلاف يديها والأرنب اسم جنس للذكر والأنثى
قوله : " بمر الظهران " اسم موقع على مرحلة من مكة والراء من قوله بمر مشددة
قوله : " فلغبوا " بمعجمة وموحدة أي تعبوا وزنا ومعني
قوله : " صنابها " بالصاد المهملة بعدها نون
قال في القاموس الصناب ككتاب اه . وهو صبغ يتخذ من الخردل والزبيب ويؤتدم به فعلى هذا عطف أدمها عليه للتفسير . ويمكن أن يكون من عطف العام على الخاص
قوله : " بوركها " الورك بكسر الراء وبكسر الواو وسكون الراء وهما ركنان فوف الفخذين كالكتفين فوق العضدين كذا في المصباح
قوله : " وأمر أصحابه أن يأكلوا " في دليل على جواز أكل الأرنب
قال في الفتح وهو يقول العلماء كافة . إلا ما جاء في كراهتها عن عبد الله بن عمر بن العاص من الصحابة وعن عكرمة من التابعين وعن محمد بن أبي ليلى من الفقهاء
واحتجوا بحديث خزيمة بن جزء قال قلت يا رسول الله قال نبئت أنها تدمي
قال الحافظ وسنده ضعيف ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة وله شاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ " جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يأكلها ولم ينه عنها وزعم أنها تحيض " أخرجه أبو داود وله شاهد أيضا عند إسحاق بن راهويه في مسنده وهذا يضا عند إسحاق بن راهويه في مسنده وهذا إذا صح الاحتجاج به على كراهة التنزيه لا على التحريم . والمحكى عن عبد الله بن عمر والتحريم كما شرح ابن رسلان للسنن . وحكى الرافعي عن أبي حنيفة أنه حرمها وغلطه النووي في النقل عنأبي حنيفة
وقد حكى في البحر عن العترة الكراهة يعني كراهة التنزيه وهو القول الراجح
باب ما جاء في الجلالة
1 - عن ابن عباس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شرب لبن الجلالة "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي
2 - وفي رواية " نهى عن ركوب الجلالة "
- رواه أبو داود
3 - وعن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أكل الجلالة وألبانها "
- رواه الخمسة إلا النسائي
4 - وفي رواية " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها "
- رواه أبو داود
5 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة عن ركوبها وأكل لحومها "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه أيضا ابن دقيق العيد ولفظه وعن أكل الجلالة وشرب ألبانها . وحديث ابن عمرحسنه الترمذي
وقد اختلف في حديث ابن عمر على ابن أبي نجيح فقيل عن مجاهد عنه وقيل عن مجاهدمرسلا وقيل عن مجاهد عن ابن عباس . وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا الحاكم والدارقطني والبيهقي
وفي الباب عن أبي هريرة مرفوعا وفيه النهي عن الجلالة وهي التي تأكل العذرة
قال في التلخيص إسناده قوي
قوله : " عن شرب لبن الجلالة " بفتح الجيم وتشديد اللام من أبنية المبالغة وهي الحيوان الذي يأكل العذرة والجلة بفتح الجيم هي البعرة
وقال في القاموس الجلة مثلثة البعر أو البعرة اه . وتجمع على جلالات على لفظ الواحدة وجوال كدابة ودواب يقال جلت الدابة الجلة وأجلتها فهي جالة وجلالة . وسواء في الجلالة البقر والغنم والإبل وغيرها كالدجاج والإوز وغيرهما . وادعى ابن حزم أنها لا تقع إلا على ذات الأربع خاصة ثم قيل أن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلالة وإن كان أكثر علفها الطاهر فليست جلالة وجزم به النووي في تصحيح التنبيه
وقال في الروضة تبعا للرفاعي الصحيح أنه لا اعتداد بالكثرة بل بالرائحة والنتن فإن تغير ريح مرقها أو لحمها أو طعمها أو لونها فهي جلالة . والنهي حقيقة في التحريم . فأحاديث الباب ظاهرها تحريم أكل لحم الجلالة وشرب لبنها وركوبها
وقد ذهبت الشافعية إلى تحريم أكل الجلالة . وحكاه في البحر عن الثوري وأحمد بن حنبل
وقيل يكره فقط كما في اللحم المذكى إذا أنتن
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام لو غذى شاة عشر سنين بأكل حرام لم يحرم عليه أكلها ولا على غيره . وهذا أحد احتمالي البغوي ولإذا قلنا بالتحريم أو الكراهة فإن علفت طاهرا فطاب لحمها حل لأن علة النهي التغير وقد زالت
قال ابن رسلان ونقل الإمام فيه الاتفاق قال الخطابي كرهه أحمد وأصحاب الرأي والشافعي وقالوا لا تؤكل حتى تحبس أيامنا
وفي حديث أن البقر تعلف أربعين يوما ثم يؤكل لحمها . وكان ابن عمر يحبس الدجاجة ثلاثا ولم ير بأكلها بأسا مالك من دون حبس اه
قال ابن رسلان في شرح السنن وليس للحبس مدة مقدرة . وعن بعضهم في الإبل والبقر أربعين يوما وفي الغنم سبعة أيام وفي الدجاج ثلاثة . واختاره في المهذب والتحرير
قال الإمام المهدي في البحر فإن لم تحبس وجب غسل أمعائها مالم يستحل ما فيه استحالة تامة
قوله : " نهى عن ركوب الجلالة " على النهي أن تعرق فتلوث ما عليها بعرقها وهذا ما لم تحبس فإذا حبست جاز ركوبها عند الجميع كذا في شرح السنن
وقد اختلف في طهارة لبن الجلالة فالجمهور على الطهارة لأن النجاسة تستحيل في باطنها فيطهر بالاستحالة كالدم يستحيل في أعضاء الحيوانات لحما ويصير لبنا
باب ما استفيد تحريمه من الأمر بقتله أو النهي عن قتله
1 - عن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس فواسق يقتلن في الحل والحرام الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي
2 - وعن سعد بن أبي وقاص " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا "
- رواه أحمد ومسلم وللبخاري منه الأمر بقتله
3 - وعن أم شريك " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل الوزغ "
- متفق عليه زاد البخاري قال وكان ينفخ على إبراهيم عليه السلام
4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قتل وزغا في أول ضربة كتب له مائة حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك "
- رواه أحمد ومسلم ولبن ماجه والترمذي معناه
5 - وعن ابن عل \ باس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
6 - وعن عبد الرحمن بن عثمان قال " ذكر طبيب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دواء وذكر الضفدع يجعل فيه فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل الضفدع "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي
7 - وعن أبي لبابة قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنهما اللذان يخطفان البصر ويتبعان ما في بطون النساء "
- متفق عليه
8 - وعن أبي سعيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لبيوتكم عمار فحرجوا عليهن ثلاثا فإن بدا لكم بعد ذلك شيء فاقتلوه "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي
وفي لفظ لمسلم " ثلاثة أيام "
- حديث ابن عباس قال الحافظ رجاله رجال الصحيح
وقال البيهقي هو أقوى ما ورد في هذا الباب . ثم رواه من حديث سهل بن سعد وزاد فيه والضفدع
وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد وهو ضعيف . وحديث عبد الرحم بن عثمان أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي قال البيهقي ما ورد في النهى ( 1 ) [ هكذا الأصل المطبوع ولعل فيه سقطا تقديره ما ورد في النهي عن الضفدع من الأحاديث ضعيف والله أعلم ] وروى البيهقي من حديث أبي هريرة النهي عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد وفي إسناده إبراهيم بن الفضل وهو متروك
وروى البيهقي أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفا لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح ولا تقتلوا الخفاش فإنه لما خرب بيت المقدس قال يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم
قال البيهقي إسناده صحيح
قال الحافظ وإن كان إسناده صحيحا لكن عبد الله بن عمرو كان يأخذ عن الإسرائيليات . ومن جملة ما نهى عن قتله الخطاف . أخرج أبو داود في المراسيل من طريق عباد بن إسحاق عن أبيه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل الخطاطيف " ورواه البيهقي معضلا أيضا من طريق ابن أبي الحويرث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عباس وفيه الأمر بقتل العنكبوت
وفيع عمرو بن جميع وهو كذاب
وقال البيهقي روى فيه حديث مسند وفيه حمزة النصيبي وكان يرمي بالوضع . ومن ذلك الرخمة أخرج ابن عدي والبيهقي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل الرخمة
وفي إسناده خارجة بن مصعب وهو ضعيف جدا ومن ذلك العصفور أخرج الشافعي وأبو داود والحاكم من حديث عبد الله بن عمر وقال صحيح الإسناد مرفوعا " ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقا إلا سأل الله عنها قال يا رسول الله وما حقها قال يذبحها ويأكلها ولا يقطع رأسها ويطرحها " وأعله ابن قطان بصهيب مولى ابن عباس الراوي عن عبد الله فقال لا يعرف حاله . ورواه الشافعي وأحمد والنسائي وابن حبان عن عمرو بن الشريد عن أبيه مرفوعا " من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله به يوم القيامة يقول يا رب أن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة " قوله " خمس فواسق " الخ هذا الحديث قد تقدم الكلام عليه في كتاب الحج
قوله " أمر بقتل الوزغ " قال أهل اللغة هي من الحشرات المؤذيات وجمعه أوزاغ وسام أبرص جنس منه وهو كباره وتسميته فويسقا كتسمية الخمس فواسق وأصل الفسق الخروج والوزغ والخمس المذكور خرجت عن خلق معظم الحشرات ونحوها بزيادة الضر والأذى
قوله : " وكان ينفخ على إبراهيم " أي في النار وذلك لما جبل عليه طبعها من عداوة نوع الأنسان
قوله : " في أول ضربة كتب له مائة حسنة " في رواية أخرى سبعون قال النووي مفهوم العدد لا يعمل به عند جمهور الأصوليين فذكر سبعين لا يمنع المائة فلا معارضة بينهما ويحتمل أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بالسبعين ثم تصدق الله بالزيادة إلى الماءة فأعلم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أوحى إليه بعد ذلك . ويحتمل أن ذلك يختلف باختلاف قاتل الوزغ بحسب نياتهم وإخلاصهم وكمال أحوالهم ونقصها لتكون المائة للكامل منهم والسبعون لغيره
وأما سبب تكثير الثواب في قتله بأول ضربة ثم ما يليها فالمقصود به الحث على المبادرة بقتله والاعتناء به وتحريض قاتله على أن يقتله بأول ضربة فإنه إذا أراد أن يضربه ضربات ربما انفلت وفات قتله
قوله : " والصرد " هو طائر فوق العصفور . وأجاز مالك أكله
وقال ابن العربي إنما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قتله لأن العرب كانت تشاءم به فنهى عن قتله ليزول ما في قلوبهم من اعتقاد التشاؤم
وفي قول للشافعي مثل مالك لأنه أوجب فيه الجزاء على المحرم إذا قتله
وأما النمل فلعله إجماع على المنع من قتله
قال الخطابي إن النهي الوارد في قتل النمل المراد به السليماني أي لانتفاء الأذى منه دون الصغير وكذا في شرح السنة
وأما النحلة فقد روى إباحة أكلها عن بعض السلف
وأما الهدهد فقد روى أيضا حل أكله وهو مأخوذ من قول الشافعي أنه يلزم في قتله الفدية
قوله : " فنهى عن قتل الضفدع " فيه دليل على تحريم أكلها بعد تسليم أن النهي عن القتل يستلزم تحريم الأكل
قال في القاموس الضفدع كزبرج وجندب ودرهم وهذا أقل أو مردود دابة نهرية
قوله : " ينهى عن قتل الجنان " هو بجيم مكسورة ونون مشددة وهي الحيات جمع جان وهي الحية الصغيرة
وقيل الدقيقة الخفيفة
وقيل الدقيقة البيضاء
قوله " إلا الأبتر " هو قصير الذنب
وقال النضر بن شميل هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها . وهو المراد من قوله " يتبعان ما في بطون النساء " أي يسقطان قوله " وذا الطفيتين " هو بضم الطاء المهملة وإسكان الفاء وهما الخطان الأبيضان على ظهر الحية وأصل الطفية خوصة المقل وجمعها طفي شبه الخطين على ظهرها نحو صتي المقل
قوله : " يخطفان البصر " أي يطمسانه بمجرد نظرهما إليه لخاصية جعلها الله تعالى في بصرهما إذا وقع على بصر الإنسان
قال النووي قال العلماء وفي الحيات نوع يسمى الناظر إذا وقع بصره على عين إنسان مات من ساعته
قوله : " فحرجوا عليهن ثلاثا " بحاء مهملة ثم راء مشددة ثم جيم والمراد به الإنذار
قال المازري والقاضي لا تقتلوا حيات مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بإنذار كما جاء في هذه الأحاديث فإذا أنذرها ولم تنصرف قتلها وأما حيات غير المدينة في جميع الأرض والبيوت والدور فيندب قتلها من غير إنذار لعموم الأحاديث الصحيحة في الأمر بقتلها ففي الصحيح بلفظ " اقتلوا الحيات " ومن ذلك حديث الخمس الفواسق المذكورة في أول الباب
وفي حديث الحية الخارجة بمنى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتلها ولم يذكر إنذارا ولا نقل أنهم أنذروها فأخذ بهذه الحاديث في استحباب قتل الحيات مطلقا وخصت المدينة بالإنذار للحديث الوارد فيها وسببه ما صرح به في صحيح مسلم وغيره أنه أسلم طائفة من الجن بها وذهبت طائفة من العلماء إلى عموم النهي في حيات البيوت بكل بلد حتى تنذر
وأما ما ليس في البيوت فيقتل من غير إنذار قال مالك يقتل ما وجد منها في المساجد قال القاضي وقال بعض العلماء الأمر بقتل الحيات مطلقا مخصوص بالنهي عن حيات البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنه يقتل على كل حال سواء كان في البيوت أم غيرها وإلا ما ظهر منها بعد الإنذار قالوا ويخص من النهي عن قتل حيات البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين اه وهذا هو الذي يقتضيه العمل الصولي في مثل أحاديث الباب فالمصير إليه أرجح
وأما صفة الاستئذان فقال القاضي روى ابن حبيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يقول أنشدكن بالعهد الذي أخذه عليكن سليمان بن داود أن تؤذننا وإن تظهرن لنا وقال مالك يكفيه أن يقول أحرج عليك بالله واليوم الآخر أن تبدو لنا ولا تؤذننا ولعل مالكا أخذ لفظ التحريج من لفظ الحديث المذكور . وتبويب الكصنف في هذا الباب فيه إشارة إلى أن الأمر بالقتل والنهي عنه من أصول التحريم
قال المهدي في البحر أصول التحريم أما نص الكتاب أو السنة أو الأمر بقتله كالخمسة وما ضر من غيرها فمقيس عليها أو النهي عن قتله كالهدهد والخطاف والنحلة والوزغ والحرباء والجعلان وكالذباب والبعوض والزنبور والقمل والكتان والنامس والبق والبرغوث لقوله تعالى { يحرم عليهم الخبائث } وهي مستخبثة عندهم والقرآن نزل بلغتهم فكان استخباثهم طريق تحريم فإن استخبثه البعض اعتبر الأكثر والعبرة باستطابة هل السعة لا ذوي الفاقة اه . والحاصل أن الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة المذكورة في أول الكتاب وغيرها قد دلت على أن الأصل الحل وأن التحريم لا يثبت إلا إذا ثبت الناقل عن الأصل النعلوم وهو أحد الأمور المذكورة فما لم يرد فيه ناقل صحيح فالحكم بحله هو الحق كائنا ما كان وكذلك إذا حصل التردد فالمتوجه الحكم بالحل لأن الناقل غير موجود مع التردد ومما يؤيد أصالة الحل بالأدلة الخاصة استصحاب البراءة الأصلية
[ تتمة كتاب الأطعمة والصيد والذبائح ]
أبواب الصيد
باب ما يجوز فيه اقتناء الكلب وقتل الكلب الأسود البهيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- 1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اتخذ كلبا إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية انتقص من أجره كل يوم قيراط "
- رواه الجماعة
2 - وعن سفيان بن أبي زهير قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من اقتنى كلبا لا يغنى عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط "
- متفق عليه
3 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب ماشية "
- رواه مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه
4 - وعن عبد الله بن المغفل قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي
5 - وعن جابر قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل كل الكلاب حتى أن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتلها وقال عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان "
- رواه أحمد ومسلم
- قوله " أو زرع " زيادة الزرع أنكرها ابن عمر كما في صحيح مسلم أنه قيل لبن عمر أن أبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال ابن عمر إن لأبي هريرة زرعا ويقال إن ابن عمر أراد بذلك أن سبب حفظ أبي هريرة لهذه الرواية أنه صاحب زرع دونه زمن كان مشتغلا بشيء احتاج إلى تعرف أحكامه وهذا هو الذي ينبغي حمل الكلام عليه
وفي صحيح مسلم أيضا قال سالم وكان أبو هريرة يقول أو كلب حرث وكان صاحب الجرث
وقد وافق أبو هريرة على ذكر الزرع سفيان بن أبي زهير وعبد الله بن المغفل
قوله : " أو ماشية " أو للتنويع لا للتردد وهو ما يتخذ من الكلاب لحفظ الماشية عند رعيها . والمراد بقوله ولا ضرعا الماشية أيضا
قوله : " وقال عليكم بالأسود البهيم " أي الخالص السواد والنقتطان هما الكائنتان فوق العينين
قال ابن عبد البر في هذه الأحاديث إباحة اتخاذ الكلب للصيد والماشية وكذلك للزرع لأنها زيادة حافظة وكراهة اتخاذها لغير ذلك إلا أنه يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر إتخاذها لجلب المنافع ودفع المضار قياسا فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة لما فيه من ترويع الناس وامتناع دخول الملائكة إلى البيت الذي الكلاب فيهز والمراد بقوله " نقص من عمله " أي من أجر عمله
وقد استدل بهذا على جواز اتخاذها لغير ما ذكر وأنه ليس بمحرم لأن ما كان اتخاذه محرما امتنع اتخاذه على جواز اتخاذها لغير ما ذكر وأنه ليس بمحرم لأن ما كان اتخاذه محرما امتنع اتخاذه على كل حال سواء نقص الأجر أم لا . فدل ذلك على أن اتخاذها مكروه لا حرام
قال ابن عبد البر أيضا ووجه الحديث عندي أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإناء سبعا لا يكاد يقوم بها المكلف ولا يتحفظ منها فربما دخل عليه باتخاذها ما ينقص أجره من ذلك
وروى أن المنصور بالله سال عمرو بن عبيد عن سبب هذا الحديث فلم يعرفه فقال المنصور لأنه ينبح الضيف ويروع السائل اه
قال في الفتح وما أدعاه من عدم التحريم واستدل له بما ذكره ليس يلازم بل يحتمل أن تكون العقوبة تقع بعدم التوفيق للعمل بمقدار قيراط مما كان يعمله من الخير لو لم يتخذ كلبا ويحتمل أن يكون الإتخاذ حراما . والمراد بالنقص إذا الإثم الحاصل باتخاذه يوازن قدر قيراط أو قيراطين من أجر فينتقص من ثواب عمل المتخذ قدره ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه وهو قيراط أو قيراطان
وقيل سبب النقصان امتناع الملائكة من دخول بيته أو ما يلحق المارين من الأذى أو لأن بعضها شياطين أو عقوبة لمخالفة النهي أو لو لوغها في الأواني عند غفلة صاحبها فربما ينجس الطاهر منها فإذا استعمل في العبادة لم يقع موقع الطاهر
وقال ابن التين المراد أنه لو لم يتخذه لكان عمله كاملا فإذا اقتناه نقص من ذلك العمل ولا يجوز أن ينقص من عمل مضي وإنما أراد أنه ليس في الكمال كعمل من لم يتخذ اه
قال في الفتح وما ادعاه من عدم الجواز منازع فيه . فقد حكى الروياني في البحر اختلافا في الأجر هل ينقص من العمل الماضي أو المستقبل وفي محل نقصان القيراطين خلاف : فقيل من عمل النهار قيراط ومن عمل الليل آخر
وقيل من الفرض قيراط ومن النفل آخر . واخختلفوا في اختلاف الروايتين في القيراطين كما في صحيح البخاري والقيراط كما في أحاديث الباب . فقيل الحكم للزائد لكونه حفظ ما لم يحفظ الآخر أو أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أولا بنقص قيراط واحد فسمعه الراوي الأول ثم أخبر ثانيا بنقص قيراطين زيادة في التأكيد والتنفير من ذلك فسمع الراوي الثاني
وقيل ينزل على حالين فنقص القيراطين باعتبار كثرة الأضرار باتخاذها ونقص القيراط باعتبار قلته
وقيل يختص نقص القيراطين بمن اتخذها بالمدينة الشريفة خاصة والقيراط بما عداها
وقيل غير ذلك واختلف في القيراطين المذكورين هنا هل هما كالقيراطين المذكورين في الصلاة على الجنازة واتباعها فقيل بالتسوية
وقيل اللذان في الجنازة من باب الفضل واللذان هنا من باب العقوبة وباب الفضل أوسع من غيره والأصح عند الشافعية إباحة اتخاذ الكلب لحفظ الدروب الحاقا للمنصوص بما في معناه كما أشار إليه ابن عبد البر واتفقوا على أن المأذون في اتخاذه ما لم يحصل الاتفاق على قتله وهو الكلب العقور
وأما غير العقور فقد اختلف هل يجوز قتله مطلقا أم لا واستدل ( بأحاديث الباب ) على طهارة الكلب المأذون باتخاذه لأن في ملابسته مع الاحتراز عنه مشقة شديدة فالإذن باتخاذه إذن بمكملات مقصود كما أن المنع من اتخاذه مناسب للمنع منه وهو استدلال قوي كما قال الحافظ لا يعارضه إلا عموم الخبر في الأمر بغسل ما لوغ فيه الكلب من غير تفصيل وتخصيص العموم غير مستنكر إذا سوغه الدليل
باب ما جاء في صيد الكلب المعلم والبازي ونحوهما
1 - عن أبي ثعلبة الخشني قال " قلت يا رسول الله أنا بأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي المعلم وبكلبي الذي ليس بمعلم فما يصلح لي فقال ما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل "
2 - وعن عدي بن حاتم قال " قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسكن علي واذكر اسم الله قال إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله علي فكل ما أمسك عليك قلت وإن قتلن قال وإن قتلن ما لم ما لم يشركها كلب ليس معها قلت له فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيد قال إذا رميت بالمعراض فخزق فكله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله "
وفي رواية " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاة "
- متفق عليهن . وهو دليل على الإباحة سواء قتله الكلب جرحا أو خنقا
3 - وعن عدي بن حاتم " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك قلت وإن قتل قال ولإن قتل ولم يأكل منه شيئا فإنما أمسكه عليك "
- رواه أحمد وأبو داود
- حديث عدي بن حاتم الآخر أخرجه أيضا البيهقي وهو من رواية مجالد عن الشعبي عنه قال البيهقي تفرد مجالد بذكر الباز فيه وخالف الحفاظ
قوله : " ما صدت بقوسك " سيأتي الكلام عن الصيد بالقوس
قوله : " وما صدت بكلبك المعلم " المراد بالمعلم الذي إذا أغراه صاحبه على الصيد طلبه وإذا زجره أنزجر وإذا أخذ الصيد حبسه على صاحبه وفي اشتراط الثالث خلاف . واختلف متى يعلم ذلك منها فقال البغوي في التهذيب أقله ثلاث مرات وعن أبي حنيفة وأحمد يكفي مرتين
وقال الرافعي لا تقدير لاضطراب العرف واختلاف طباع الجوارح فصار المرجع إلى العرف
قوله : " فذكرت اسم الله عليه " فيه اشتراط التسمية وسيأتي الكلام عليه . ( وأحاديث الباب ) تدل على إباحة الصيد بالكلاب المعلمة وإليه ذهب الجمهور من غير تقييد واستثنى أحمد وإسحاق الأسود وقالا لا يحل الصيد به لأنه شيطان . ونقل عن الحسن وإبراهيم وقتادة نحو ذلك
قوله : " فكل ما أمسك عليك " فيه جواز أكل ما أمسكه الكلب بالشروط المذكورة في الأحاديث وهو مجمع عليه
قوله : " ما لم يشركها كلب ليس معها " فيه دليل على أنه لا يحل أكل ما يشاركه كلب آخر في اصطياده ومحله ما إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة فإن تحقق أنه أرسله من هو من أهل الذكاة حل ثم ينظر فإن كان أرسلهما معا فهو لهما وإلا فللأول ويؤخذ ذلك من التعليل في قوله " فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره " فإنه يفهم منه أن المرسل لو سمي على الكلب لحل ووقع في رواية بيان عن الشعبي وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل فيؤخذ منه أنه لو وجده حيا وفيه حياة مستقرة فذكاه حل لأن الاعتماد في الإباحة على التذكية لا على إمساك الكلب ويؤيده ما في حديث الباب وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل
قوله : " بالمعراض " بكسر الميم وسكون المهملة وآخره معجمة
قال الخليل وتبعه جماعة هو سهم لا ريش له ولا نصل
وقال ابن دريد وتبعه ابن سيده هو سهم طويل له أربه قذذ رقاق فإذا رمي به اعترض
وقال الخطابي المعراض نصل عريض له ثقل ورزانة وقيل عود رقيق الطرفين غليظ الوسط وقيل خشبة ثقيلة آخرها عصاة محدد رأسها وقد لا يحدد وقوى هذا الأخير النووي تبعا لعياض
وقال القرطبي أنه المشهور وقال ابن التين المعراض عصا في طرفها حديدة يرمي بها الصائد فما أصاب بحده فهو ذكي فيؤكل وما أصاب بغير حده فهو وقيذ
قوله : " فخزق " بفتح الخاء المعجمة والزاي بعدها قاف أي نفذ يقال سهم خازق أي نافذ ويقال بالسين المهملة بدل الزاي وقيل الخزق بالزاي زقدج تبدل سينا الخدش
قال في الفتح وحاصله أن السهم وما في معناه إذا أصاب الصيد حل وكانت تلك ذكاته وإذا أصاب بعرضه لم يحل لأنه في معتى الخشبة الثقيلة أو الحكر ونحو ذلك من المثقل
قوله : " بعرضه " بفتح العين المهملة أي بغير طرفه المحدد وهو حجة للجمهور في التفصيل المذكور وعن الأوزاعي وغيره من فقهاء الشام يحل مطلقا وسيأتي لهذا زيادة بسط إن شاء الله
قوله : " ولم يأكل منه " فيه دليل على تحريم ما أكل منه الكلب من الصيد ولو كان الكلب معلما وقد علل في الحديث بالخوف من أنه إنما أمسك على نفسه وهذا قول الجمهور وقال مالك وهو قول الشافعي في القديم ونقل عن بعض الصحابة أنه يحل
واحتجوا بما ورد في حديث عمر و بن شعيب عن أبيه عن جده " إن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها فقال كل مما أمسك عليك وإن أكل منه " أخرجه أبو داود قال الحافظ ولا بأس بإسناده وسيأتي هذا الحديث في الباب الذي بعد هذا
وقال سلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقا منها للقائلين بالتحريم . الأولي حمل حديث الأعرابي على ما إذا قتله وخلاه ثم عاد فأكل منه والثانية الترجيح . فرواية عدي في الصحيحين ورواية الأعرابي في غير الصحيحين ومختلف في تضعيفها وأيضا فرواية عدي صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الإمساك على نفسه متأيدة بأن الأصل في الميتة التحريم فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل ولطاهر القرآن أيضا وهو قوله تعالى { فكلوا مما أمسكن عليكم } فإن مقتضاه أن الذي تمسكه من غير إرسال لا يباح ويتقوى أيضا بالشواهد من حديث ابن عباس عند أحمد " إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه فإذا أرسلته فقتله ولم يأكل فكل فإنما أمسك على صاحبه " وأخرجه البزار من وجه آخر على ابن عباس وابن أبي شيبة من حديث أبي رافع نحوه بمعناه ولو كان مجرد الإمساك كافيا لما أحتيج إلى زيادة عليكم في الآية وأما القائلون بالإباحة فحملوا حديث عدي على كراهة التنزيه . وحديث الأعرابي على بيان الجواز قال بعضهم ومناسبة ذلك أن عديا كان موسرا فاختير له الحمل على الأولي بخلاف أبي ثعلبة فإنه كان بعكسه ولا يخفى ضعف هذا التمسك مع التصريح بالتعليل في الحديث لخوف الإمساك على نفسه
وقال ابن التين قال بعض أصحابنا هو عام فيحمل على الذي أدركه ميتا من شدة العدو أو من الصدمة فأكل منه لآنه صار على صفة لا يتعلق بها الإرسال والإمساك على صاحبه
قال ويحتمل أن يكون معنى قوله قان أكل فلا تأكل إن لا يوجد منه غير الأكل دون إرسال الصائد له وتكون هذه الجملة مقطوعة عما قبلها ولا يخفى تتعسف هذا وبعده وقال ابن القصار مجرد إرسالنا الكلب إمساك علينا لأن الكلب لا نية له وإنما يتصيد بالتعلم فإذا كان الاعتبار بأن يمسك علينا أو على نفسه واختلف الحكم في ذلك وجب أن يتميز ذلك بنية من له نية وهو مرسله فإذا أرسله فقد أمسك عليه وإذا لم يرسله فلم يمسك عليه كذا قال ولا يخفى بعده ومصادمته لسياق الحديث
وقد قال الجمهور إن معنى قوله أمسكن عليكم صدن لكم وقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه أمسك لنفسه لالصاحبه فلا يعدل عن ذلك وقد وقع في رواية لبن أبي شيبة إن شرب من دمه فلا تأكل فإنه لم يعلم ما علمته وفي هذا إشارة إلى أنه إذا شرع في أكله دجل على أنه ليس يعلم التعليم المشترط وسلك بعض المالكية الترجيح فقال هذه القطعة ذكرها الشعبي ولم يذكرها همام وعارضها حديث الأعرابي المعروف بأبي ثعلبة
قال الحافظ وهذا ترجيح مردود لما تقدم وتمسك بعضهم بأن الإجماع على جواز أكله إذا أخذه الكلب بفيه وهم بأكله فأدركه قبل أن يأكل منه يدل على أنه يحل ما أكل منه لآن تناوله بفيه وشروعه في أكله مثل الأكل في أن كل واحد منهما يدل على أنه إنما أمسكه على نفسه
قوله : " فإن أخذ الكلب ذكاة " فيه دليل على أن إمساك الكلب للصيد بمنزلة التذكية إذا لم يدركه الصائد إلا بعد الموت لا إذا أدركه قبل الموت فالتذكية واجبة لقوله في الحديث فإن أدركته حيا فاذبحه
قوله : " فكل ما أمسك عليك " استدل به على أنه لو أرسل كلبه على صيد فاصطاد غيره حل للعموم الذي في قوله " ما أمسك عليك " وهذا قول الجمهور وقال مالك لا يحل وهو رواية البويطي عن الشافعي
باب ما جاء فيما إذا أكل الكلب من الصيد
1 - عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه "
- متفق عليه
2 - وعن إبراهيم عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أرسلت الكلب فأكل من الصيد فلا تأكل فإنما أمسكه على نفسه فإذا أرسلته فقتل ولم يأكل فكل فإنما أمسكه على صاحبه "
- رواه أحمد
3 - وعن أبي ثعلبة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صيد الكلب إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه وكل ما ردت عليك يدك "
- رواه أبو داود
4 - وعن عبد الله بن عمرو " أن أبا ثعلبة الخشني قال يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فافتني في صيدها قال إن كانت لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكت عليك فقال يا رسول الله ذكي وغير ذكي قال ذكي وغير ذكي قال وإن أكل منه قال يا رسول الله أفتني في قوسي قال كل مما أمسك عليك قوسك قال ذكي وغير ذكي قال ذكي وغير ذكي قال ف'ن تغيب عني قال وإن تغيب عنك ما لم يصل يعني يتغير أو تجد فيه أثر غير سهمك "
- رواه أحمد وأبو داود
- حديث ابن عباس قد تقدم في الباب الذي قبل هذا ذكر طرقه وما يشهد له . وحديث أبي ثعلبة الأول قد تقدم أن الحافظ قال لا بأس بإسناده انتهى
وفي إسناده داود بن عمر والأودي الدمشقي عامل واسط قال أحمد بن عبد الله العجلي ليس بالقوي وقال أبو زرعة الرازي هو شيخ وقال يحيى بن معين ثقة وقال أبو زرعة لا بأس به
وقال ابن عدي لا أرى برواياته بأسا قال ابن كثير وقد طعن في حديث أبي ثعلبة وأجيب بأنه صحيح لا شك فيه على أنه قد روى الثوري عن سماك بن حرب عن عدي عنه صلى الله عليه وآله وسلم مثل حديث أبي ثعلبة إذا كان الكلب ضاريا وروى عبد الملك بن حبيب حدثنا اسد بن موسى عم أبي زائدة عن الشعبي عن عدي بمثله فوجب حمل حديث عدي يعني على نحو ما تقدم في حديث الباب الأول . وحديث أبي ثعلبة الثاني أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وأعله البيهقي وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر وابن شعيب عن أبيه عن جده
قوله : " إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل " قد تقدم البحث عن هذا وما عارضه من حديث أبي ثعلبة المذكور مبسوطا في الباب الذي قبل هذا فليرجع إليه
قوله : " وكل ما ردت عليه يدك " أي كل كل ما صدته بيدك لا بشيء من الجوارح ونحوها قوله " كلابا مكلبة " يحتمل أن يكون مشتقا من الكلب بسكون اللام اسم العين فيكون حجة لمن خص ما صاده الكلب بالحل لإذا وجد ميتا دون ما عداه من الوارح كما قيل في قوله تعالى { مكلبين } ويحتمل أن يكون مشتقا من الكلب بفتح العين وهو مصدر بمعنى التكليب وهو التضرية ويقوي هذا عموم قوله من الجوارح مكلبين فإن الجوارح المراد بها الكواسب على أهلها وهو عام
قوله : " ذكي وغير ذكي " فيه دليل على أنه يحل ما وجد ميتا من صيد الكلاب المعلمة فيما عداه من السباع كالفهد والنمر وغيرهما وكذلك الطيور فذهب مالك إلى أنها مثل الكلاب وحكاه ابن شعبان عن فقهاء الأمصار وهو مروي عن ابن عباس وقال جماعة ومنهم مجاهد لا يحل ما صادوه غير الكلب إلا بشرط إدراك ذكاته وبعضهم خص البازي بحل ما قتله لحديث ابن عباس المتقدم في الباب الأول
قوله : " وأن تغيب عنك " سيأتي الكلام عليه
قوله : " ما لم يصل " بفتح حرف المضارعة وكسر الصاد المهملة وتشديد اللام أي يتغير
قوله : " أو تجد فيه أثر غير سهمك " سيأتي أيضا الكلام عليه إن شاء الله تعالى
باب وجوب التسمية
1 - عن عدي بن حاتم قال " قلت يا رسول الله إني أرسل كلبي وأسمي قال إن أرسلت كلبك وسميت فأخذ فقتل فكل وإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه قلت إني أرسل كلبي أجد معه كلبا آخر لا أدري أيهما أخذه قال فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره "
2 - وفي رواية " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا أرسلت كلبك فاذكر ايم الله فإن وجدت معه كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله "
- متفق عليهما وهو دليل على أنه إذا أوحاه أحدهما وعلم بعينه فالحكم له لأنه قد علم أنه قاتله
- قوله " وسميت " استدل به على مشروعية التسمية وهو مجمع على ذلك إنما الخلاف في كونها شرطا في حل الأكل فذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإليه ذهبت القاسمية والناصر والثوري والحسن بن صالح إلى أنها شرط وذهب ابن عباس وأبو هريرة وطاوس والشافعي وهو مروى عن مالك وأحمد إلى أنها سنة فمن تركها عندهم عمدا أو سهوا لم يقدح في حل الأكل . ومن أدلة القائلين بأن التسمية شرط قوله تعالى { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } فهذه الآية فيها النهي عن أكل ما لم يسم عليه
وفي حديث الباب إيقاف الإذن في الأكل عليها والمعلق بالوصف ينتفي عند انتفائه عند من يقول بالمفهوم والشرط أقوى من الوصف ويتأكد القول بالوجوب بأن الأصل تحريم الميتة وما أذن فيه منها تراعي صفته فالمسمى عليها وافق الوصف وغير المسمى باق على أصل التحريم واختلفوا إذا تركها ناسيا فعند أبي حنيفة ومالك والثوري وجماهير العلماء ومنهم القاسمية والناصر أن الشرطية إنما هي في حق الذاكرة فيجوز أكل ما تركت التسمية عليه سهوا لا عمدا وذهب داود والشعبي وهو مروى عن مالك وأبي ثور أنها شرط مطلق لأن الأدلة لم تفصل واختلف الأولون في العمد هل يحرم الصيد ونحوه أم يكره فعند الحنفية يحرم . وعند الشافعية في العمد ثلاثة أوجه أصحها يكره الأكل وقيل خلاف الأولي وقيل يأثم بالترك ولا يحرم الأكل والمشهور عن أحمد التفرقة بين الصيد والذبيحة فذهب في الذبيحة إلى هذا القول الثالث . وحجة القائلين بعدم وجوب التسمية مطلقا ما سيأتي في باب الذبح إن شاء الله تعالى
قوله : " فإن وجدت مع كلبك " الخ فيه دليل على أن من وجد الصيد ميتا ومع كلبه كلب آخر وحصل اللبس عليه أيهما القاتل أنه لا يحل الصيد لأنه لم يسم إلا على كلبه بخلاف ما لو وجده حيا فإنه يذكيه ويحل أكله بالتذكية . وسيأتي الخلاف في الصيد إذا غاب وسبب الاختلاف حصول اللبس المذكور هنا
قوله : " على أنه أوحاه " بالحاء المهملة بمعنى أنها إلى حركة المذبوح وليس لأوجاه بالجيم هنا معنى
باب الصيد بالقوس وحكم الرمية إذا غابت أو وقعت في الماء
1 - عن عدي قال " قلت يا رسول الله إنا قومي نرمي فما يحل لنا قال يحل لكم ما ذكيتم وما ذكرتم اسم الله عليه وخزقتكم فكلوا منه "
- رواه أحمد وهو دليل على أن ما قتله السهم بثقله لا يحل
2 - وعن أبي ثعلبة الخشني " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رميت سهمك فغاب ثلاثة أيام وأدركته فكله ما لم ينتن "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
3 - وعن عدي بن حاتم قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصيد قال إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله فإن وجدته قل قتل فكل إلا أن تجده قد وقع في ماء فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك "
- متفق عليه وهو دليل على أن السهم إذا أوحاه أبيح لأنه قد علم أن سهمه قتله
4 - وعن عدي " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل إن شئت وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل "
- رواه مسلم والنسائي وفي رواية أنه قال " للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنا نرمي الصيد فنقتفي أثره اليومين والثلاثة ثم تجده ميتا وفيه سهمه قال يأكل إن شاء " . رواه البخاري
5 - وفي رواية قال " يالت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت إن أرضنا أرضيد فيرمي أحدنا الصيد فيغيب عنه ليلة أو ليلتين فيجده وفيه سهمه قال إذا وجدت سهمك ولم تجد فيه أثر غيره وعلمت أن سهمك قتله فكله "
- رواه أحمد والنسائي
6 - وفي رواية قال قلت " يا رسول الله أرمي الصيد فأجد فيه سهمي من الغد قال إذا علمت أن سهمك قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل "
- رواه الترمذي وصححه
- حديث عدي الأول له طرق هذه أحدها وقد تقدم بعضها والرواية الأخرى من حديث عدي أخرجها أيضا أبو داود
قوله : " يحل لكم ما ذكيتم وما ذكرتم اسم الله عليه " فيه دليل على أن التسمية واجبة لتعليق الحل عليها وقد تقدم الخلاف في ذلك وسيأتي له مزيد
قوله : " فكله ما لم ينتن " جعل الغاية أن ينتن الصيد فلو وجده في دونها مثلا بعد ثلاث ولم ينتن حل فلو وجده دونها وقد أنتن فلا هذا ظاهر الحديث . وأجاب النووي بأن النهي عن أكله إذا أنتن للتنزيه وظاهر الحديث التحريم ولكنه سيأتي في باب ما جاء في السمك أن الجيش أكلوا من الحوت التي القاها البحر نصف شهر وأهدوا عند قدومهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم منه فأكله واللحم لا يبقى في الغالب مثل هذه المدة بلا نتن لا سيما في الحجاز مع شدة الحر فلعل هذا الحديث هو الذي استدل به النووي على كراهة التنزيه ولكنه يحتمل أن يكونوا ملحوه وقددوه فلم يدخله النتن
وقد حرمت المالكية المنتن مطلقا وهو الظاهر
قوله : " إلا أن تجده وقع في ماء " وجهه أنه يحصل حينئذ التردد هل قتله السهم أو الغرق في الماء فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم حل أكله
قال النووي في شرح مسلم إذا وجد الصيد في الماء غريقا حرم بالاتفاق انتهى
وقد صرح الرافعي بأن محله ما لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى حركة المذبوح فإن انتهى إليها كقطع الحلقوم مثلا فقد تمت ذكاته ويؤيده ما قاله بعد ذلك فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك فدل على أنه إذا علم أن سهمه هو الذي قتله أنه يحل
قوله : " إذا أوحاه " قد تقدم ضبطه وتفسيره في الباب الذي قبل هذا
قوله : " ليس به إلا أثر سهمك " مفهومه أنه إن وجد فيه أثر غير سهمه لا يؤكل وهو نظير ما تقدم في الكلب من التفصيل فيما إذا خالط الكلب الذي أرسله الصائد كلب آخر لكن التفصيل في مسألة الكلب فيما إذا شارك الكلب في قتله كلب آخر وهنا الأثر الذي يوجد فيه من غير سهم الرامي أعم من أن يكون أثر سهم رام آخر أو غير ذلك من الأسباب القاتلة فلا يحل أكله مع التردد وقد جاءت فيه زيادة كما في الرواية الآخرة في الباب بلفظ " ولم تر فيه أثر سبع " قال الرفاعي يؤخذ منه أنه لو جرحه ثم غاب ثم وجده ميتا أنه لا يحل وهو ظاهر نص الشافعي في المختصر وقال النوويي الحل أصح دليلا وحكي البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه قال في قول ابن عباس كل ما أصميت ودع ما أنميت معنى ما أصميت ما قتله الكلب وأنت تراه وما أنميت ما غاب عنك مقتله قال وهذا لا يجوز عندي غيره إلا أن يكون جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه شيء فيسقط كل شيء خلف أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يقوم معه رأي ولا قياس
قال البيهقي وقد ثبت الخبر يعني المذكور في الباب فينبغي أن يكون هو قول الشافعي
وقد استدل بما في الباب على أن الرمي لو أخر طلب الصيد عقب الرمي إلى أن يجده أنه يحل بالسروط المتقدمة ولا يحتاج إلى استفصال عن سبب غيبته عنه
قوله : " فيقتفي أثره " بفاء ثم مثناة تحتية ثم قاف ثم مثناة فوقية ثم فاء . أي يتبع قفاه حتى يتمكن منه
قوله : " اليومين والثلاثة " فيه زيادة على الرواية التي قبلها وهي قوله . " بعد يوم أو يومين " وفي الرواية الآخرة فيغيب عنه الليلة والليلتين
باب النهي عن الرمي بالبندق وما في معناه
1 - عن عبد الله بن المغفل " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الخذف وقال أنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين "
- متفق عليه
2 - وعن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من قتل عصفورا بغير حقه سأله الله عنه يوم القيامة قيل يا رسول الله وما حقه قال أن تذبحه ولا تأخذ بعنقه فتقطعه "
- رواه أحمد والنسائي
3 - وعن إبراهيم عن عدي بن حاتم قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رميت فسميت فخزقت فكل وإن لم تخزق فلا تأكل ولا تأكل من المعراض إلا ما ذكيت ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت "
- رواه أحمد وهو مرسل إبراهيم لم يلق عديا
حديث عبد الله بن عمرو أخرجه أيضا الحاكم وصححه وأعله ابن القطان بصهيب مولى ابن عباس الراوي عن عبد الله فقال لا يعرف حاله وله طريق أخرى عند الشافعي وأحمد والنسائي وابن حبان عن عمرو بن الشريد عن أبيه مرفوعا من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة يقول يا رب إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة " وقد تقدم ذكر هذا الحديث . وحديث عدي المذكور في الباب وإن كان مرسلا كما ذكره لكن معناه صحيح ثابت عن عدي في الصحيحين كما تقدم
قوله : " نهى عن الخذف " بالخاء المعجمة وآخره فاء وهو الرامي بحصاة أو نواة بين سبابتيه أو بين الإبهام والسبابة أو على ظاهر الوسطى وباطن الإبهام وقال ابن فارس حذفت الحصاة رميتها بين إصبعيك وقيل في حصى الخذف أن تجعل الحصاة بين السبابة من اليمنى والإبهام من اليسرى ثم تقذفها بالسبابة اليمنى
وقال ابن سيده خذف بالشيء يخذف قال والمخذفة التي يوضع فيها الحجر ويرمى بها الطير ويطلق على المقلاع أيضا قال في الصحاح والمراد بالبندقة المذكورة في ترجمة الباب هي التي تتخذ من الطين وتيبس فيرمى بها
قال ابن عمر في المقتولة بالبندقة تلك الموقوذة وكرهه سالم والقاسم ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن كذا في البخاري وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد بن أبي بكر أنهما كانا يكرهان البندقة إلا ما أدركت ذكاته
قوله : " إنها لا تصيد صيدا " قال المهلب أباح الله الصيد على صفة فقال { تناله أيديكم ورماحكم } وليس الرمي بالبندقة ونحوها من ذلك وإنما هو وقيذ وأطلق الشارع أن الحذف لا يصاد به وقد اتفق العلماء إلا من شذ منهم على تحريم أكل ما قتلته البندقة والحجر وإنما كان كذلك لأنه يقتل الصيد بقوة راميه لا بحدة كذا في الفتح
قوله : " ولا تنكأ عدوا " قال عياض الرواية بفتح الكاف وبهمزة في آخره وهي لغة والأشهر بكسر الكاف بغير همزة وقال في شرح مسلم لا تنكأ بفتح الكاف مهموزا وروى لا تنكى بكسر الكاف وسكون التحتانية وهو أوجه لأن المهموز نكأت القرحة وليس هذا موضعه فوليس هذا موضعه فن من النكاية لكن قال في العين نكأه لغة في نكيت فعلى هذا تتوجه هذه الرواية قال ومعناه المبالغ في الأذى
وقال ابن سيده نكى العدو نكاية أصاب منه ثم قال نكأت العدو انكؤهم لغة في نكيتهم فظهر أن الرواية صحيحة ولا معنى لتخطئتها وأغرب ابن التين فلم يعرج على الرواية التي بالهمز أصلا بل شرحه على التي بكسر الكاف بغير همز ثم قال ونكأت القرحة بالهمز
قوله : " ولكنها تكسر السن " أي الرمية وأطلق السن ليشمل سن المرمى وغيره من آدمي وغيره
قوله : " وتفقأ العين " قد تقدم ضبطه وتفسيره وأطلق العين لما ذكرنا في السن
قوله : " بغير حقه " فيه دليل على تحريم قتل العصفور وما شاكله لمجرد العبث وعلى غير الهيئة المذكورة ولأن تعذيب الحيوان قد ورد النهي عنه في غير حديث
قوله : " فخزقت فكل " فيه أن الخزق شرط الحل وقد تقدم وكذلك تقدم الكلام عن المعراض
باب الذبح وما يجب له وما يستحب
1 - عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من آوى محدثا ولعنن الله من لعن والديه ولعن الله من غير تخوم الأرض "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
2 - وعن عائشة " أن قوما قالوا يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا فقال سموا عليه أنتم وكلوا وكانوا حديثي عهد بالكفر "
- رواه البخاري والنسائي وابن ماجه وهو دليل على أن التصرفات والأفعال تحمل على حال الصحة والسلامة إلى أن يقوم دليل الفساد
3 - وعن ابن كعب ابن مالك عن أبيه " أنه كانت لهم غنم ترعى بسلع فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتا فكسرت حجرا فذبحتها به فقال لهم لا تأكلوا حتى أسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أرسل إليه من يسأله عن ذلك وأنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك وأرسل إليه فأمره بأكلها "
- رواه أحمد والبخاري قال وقال عبيد الله يعجبني أنها أمة وأنها ذبحت بحجر
4 - وعن زيد بن ثابت " أن ذئبا نيب في شاة فذبحوها بمروة فرخص لهم رسول الله في أكلها "
- رواه أحمد والنسائي وابن ماجه
5 - وعن عدي بن حاتم قال " قلت يا رسول الله انا نصيد الصيد فلا نجد سكينا إلا الظرار وسقة العصا فقال صلى الله عليه وآله وسلم أمر الدم بما شئت واذكر اسم الله عليه "
- رواه الخمسة إلا الترمذي
- حديث زيد بن ثابت رجاله الصحيح إلا حاضر بن المهاجر فقيل هو مجهول وقيل مقبول
وقد أخرج معناه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط عن ابن عمر بإسناد صحيح . وحديث عدي بن حاتم أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان ومداره على سماك بن حرب عن مرى بن قطري عنه
قوله : " لعن الله من ذبح لغير الله " المراد به أن يذبح لغير الله تعالى كمن ذبح للصنم أو الصليب أو لموسى أو لعيسى عليهما السلام وللكعبة ونحو ذلك فكل هذا حرام ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلما أو كافرا . وإليه ذهب الشافعية وأصحابه فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفرا فإن كان الذابح مسلما قبل ذلك صار بالذبح مرتدا . وذكر الشيخ إبراهيم المروزي من أصحاب الشافعي أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقربا إليه أفتى أهل بخاري بتحريمه لأنه مما أهل به لغير الله
قال الرافعي هذا إنما يذبحونه استبشارا بقدومه فهو كذبح العقيقة لولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " محدثا " بكسر الدال هو من يأتي لما فيه فساد في الأرض من جناية على غيره أو غير ذلك والمؤوى له المانع له من القصاص ونحوه ولعن الوالدين من الكبائر وتخوم الأرض بالتاء المثناة من فوق والخاء المعجمة وهي الحدود والمعالم وظاهره العموم في جميع الأرض وقيل معالم الحرم خاصة وقيل في الأملاك وقيل أراد المعالم التي يهتدي بها في الطرقات
قوله : " إن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال في الفتح لم أقف على تعيينهم
قوله : " فقال سموا عليه أنتم " قال المهلب هذا الحديث أصل في أن التسمية ليست فرضا فلما نابت تسميتهم عن التسمية على الذبح دل على أنها سنة لأن السنة لا تنوب عن فرض هذا على أن الأمر في حديث عدي وابن ثعلبة محمول على التنزيه من أجل أنهما كانا يصيدان على مذهب الجاهلية فعلمهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الصيد والذبح فرضه ومنذوبه لئلا يوافقا شبهة في ذلك وليأخذا بأكمل الأمور وأما الذين سألوا عن هذه الذبائح فإنهم سألوا عن أمر قد وقع لغيرهم نعرفهم بأصل الحل فيه
وقال ابن التين يحتمل أن يراد التسمية هنا عند الأكل وبذلك جزم النووي قال ابن التين وأما التسمية على ذبح تولاه غيرهم فلا تكليف عليهم فيه وإنما يحمل على غير الصحة إذا تبين خلافها ويحتمل أن يريد أن تسميتكم الآن تستبيحون بها ل ما لم تعلموا أذكروا اسم الله عليه أم لا إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته إذا سمي ويستفاد منه أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين لأن الغلب أنهم عرفوا التسمية وبهذا الأخير جزم ابن عبد البر فقال إن ما ذبحه المسلم يؤكل ويحمل على أنه سمي لأن المسلم لا يظن به في كل شيء إلا الخير حتى يتبين خلاف ذلك وعكس هذا الخطابي فقال فيه دليل على أن التسمية غير شرط على الذبيحة لأنها لو كانت شرطا لم تستبيح الذبيحة بالأمر المشكوك فيه كما لو عرض الشك في نفس الذبيحة فلم يعلم هل وقعت الذكاة المعتبرة أم لا وهذا هو المتبادر من سياق الحديث حيث وقع الجواب فيه سموا أنتم كأنه قيل لهم لا تهتموا بذلك بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا وهذا من الأسلوب الحكيم كما نبه عليه الطيبي ومما يدل على عدم الاشتراط قوله تعالى { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } فاباح الأكل من ذبائحهم مع وجود الشك في أنهم سموا أم لا
قوله : " وكانوا حديثي عهد بالكفر " في رواية لمالك وذلك في أوائل الإسلام وقد تعلق بهذه الزيادة قوم فزعموا أن هذا الجواب كان قبل نزول قوله تعالى { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } قال ابن عبد البر وهو تعلق ضعيف
وفي الحديث نفسه ما يرده لأنه أمرهم فيه بالتسمية عند الأكل فدل على أن الآية كانت نزلت بالأمر بالتسمية وأيضا فقد اتفقوا على أن الأنعام مكية وأن هذه القصة جرت بالمدينة وأن الأعراب المشار إليهم في الحديث هم بادية أهل المدينة
قوله " جارية " في رواية أمة وفي رواية امرأة ولا تنافي بين الروايات لأن الرواية الأخيرة أعم فيؤخذ بقول من زاد في روايته صفة وهي كونها أمة
قوله : " فأمره بأكلها " فيه دليل على أنها تحل ذبيحة المرأة وإليه ذهب الجمهور
وقد نقل محمد بن عبد الحكم عن مالك كراهته وفي المدونة جوازه وفي وجه للشافعية يكره ذبح المرأة الأضحية وعند سعيد بن منصور بسند صحيح عن إبراهيم الخنعي أنه قال في ذبيحة المرأة والصبي لابأس إذا أطاق الذبيحة وحفظ التسمية وفيه جواز ما ذبح بغير إذن مالكه وإليه ذهب الجمهور وخالف في ذلك طاوس وعكرمة وإسحاق وأهل الظاهر وإليه جنح البخاري ويدل لما ذهبوا إليه ما أخرجه أحمد وأبو داود بسند قوي من طريق عاصم بن كليب عن أبيه في قصة الشاة التي ذبحتها المرأة بغير إذن صاحبها فامتنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أكلها لكنه قال أطعموها الأسارى ولو لم تكن مذكاة لما أمر بإطعام الأسارى لأنه لا يبيح لهم إلا ما يحل
قوله : " فذبحوها بمروة " أي بحجر أبيض وقيل هو الذي تقدح به النار
قوله : " إلا الظرار " بالمعجمة بعدها راآن مهملتان بينهما ألف جمع ظرر وهي الحجارة كذا في النهاية
قال في القاموس الظر بالكسر والظرر والظررة الحجر أو المدور المحدد منه الجمع ظرار وظرار قال والمظرة بالكسر الحجر تقدح به النار وبالفتح كسر الحجر ذي الحد
قوله : " وشقة العصا " بكسر الشين المعجمة أي ما يشق منها ويكون محددا
قوله : " أمر الدم " بفتح الهمزة وكسر الميم وبالراء مخففة من أمار الشيء ومار إذا جرى وبكسر الهمزة وسكون الميم من مرى الضرع إذا مسحه ليدر
قال الخطابي المحدثون يروونه بتشديد الراء وهو خطأ إنما هو بتخفيفها من مريت الناقة إذا حلبتها قال ابن الأثير ويروى أمرر براين مظهرين من غير إدغام ومكذا في التلخيص إنه براءين مهملتين الأولى مكسورة ثم نقل كلام الخطابي قال وأجيب بأن التثقيل لكونه أدغم أحد الراءين في الأخرى على الرواية الأولى
6 - وعن رافع بن خديج قال قلت " يا رسول الله إنا نلقى العدو غدا وليس معنا مدى فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا مالم يكن سنا أو ظفرا وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدي الحبشة "
- رواه الجماعة
7 - وعن شداد بن أوس " عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه
8 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم وقال إذا ذبح أحدكم فليجهز "
- رواه أحمد وابن ماجه
9 - وعن أبي هريرة قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج مني إلا أن الذكاة في الحلق واللبة ولا تجعلوا الأنفس أن تزهق وأيام مني أيام أكل وشرب وبعال "
- رواه الدارقطني
- حديث ابن عمر في إسناده عند ابن ماجه ابن اهيعة وفيه مقال معروف ويشهد له الحديث الذي قبله . وحديث أبي هريرة في إسناده سعيد بن سلام العطار قال أحمد كذاب وقد تقدم ما يشهد له في صلاة العيد
قوله : " أنا نلقى العدو غدا " لعله عرف ذلك بخبر أو قرينة
قوله : " وليس معنا مدى " بضم الميم مخفف مقصور جمع مدية بسكون الدال بعدها تحتانية وهي السكين سميت بذلك لأنها تقطع مدى الحيوان أي عمره والرابط بين قوله نلقى العدو وليس معنا مدى يحتمل أن يكون مراده أنهم يحتاجون ذبح ما يأكلونه ليتقووا به على العدو إذا لقوه
قوله : ما أنهر الدم أي أساله وصبه بكثرة شبهه بجري الماء في النهر قال عياض هذا هو المشهور في الروايات بالراء وذكره أبو ذر بالزاي وقال النهز بمعنى الدفع وهو غريب وما موصوله في موضع رفع بالابتداء وخبرها فكلوا والتقدير ما أنهر الدم فهو حلال فكلوا ويحتمل أن تكون شرطية . ووقع في رواية إسحاق عن الثوري كل ما أنهر الدم ذكاة وما في هذا موصوفة
قوله : " وذكر اسم الله عليه " فيه دليل على اشتراط التسمية لأنه علق الأذن بمجموع الأمرين وهما الأنهار والتسمية والمعلق على شيئين لا يكتفي فيه إلا باجتماعهما وينتفي بانتفاء أحدهما وقد تقدم الكلام على ذلك
قوله : " وسأحدثكم " اختلف في هذا هل هو من جملة المرفوع أو المدرج
قوله : " أما السن فعظم "
قال البيضاوي هو قياس حذفت منه المقدمة الثانية لشهرتها عندهم والتقدير أما السن فعظم وكل عظم لا يحل الذبح به وطوى النتيجة لدلالة الآستثناء عليها
وقال ابن الصلاح في مشكل الوسيط هذا يدل على أنه عليه السلام كان قد قرر كون الذكاة لا تحصل بالعظم فلذلك اقتصر على قوله " فعظم " قال ولم أر بعد البحث من نقل للمنع من الذبح بالعظم معنى يعقل وكذا وقع في كلام ابن عبد الاسلام
وقال النووي معنى الحديث لا تذبحوا بالعظام فإنها تنجس بالدم وقد نهيتم عن تنجيسها لأنها زاد إخوانكم من الجن
وقال ابن الجوزي في المشكل هذا يدل على أن الذبح بالعظم كان معهودا عندهم أنه لا يجزي وقررهم الشارع على ذلك
قوله : " وأما الظفر فمدي الحبشة " أي وهو كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم قال ابن الصلاح وتبعه النووي
وقيل نهي عنهما لأن الذبح بهما تعذيب للحيوان ولا يقع به غالبا إلا الخنق الذي هو على صورة الذبح . واعترض على الأول بأنه لو كان كذلك لامتنع الذبح بالسكين وسائر ما يذبح به الكفار وأجيب أن الذبح بالسكين هو الأصل
وأما ما يلتحق بها فهو الذي يعتبر فيه التشبه ومن ثم كانوا يسألون عن جواز الذبح بغير السكين وروي عن الشافعي أنه قال السن إنما يذكي بها إذا كانت منتزعة فأما وهي ثابتة فلو ذبح بها لكانت منخنقة يعني فدل على جواز التذكية بالسن المنتزعة بخلاف ما نقل عن الحنفية من جوازه بالسن المفصلة
قال وإما الظفر فلو كان المراد به ظفر الإنسان لقال فيه ما قال في السن لكن الظاهر أنه أراد به الظفر الذي هو طيب من بلاد الحبشة وهو لا يقوى فيكون في معنى الخنق
قوله : " فأحسنوا القتله " بكسر القاف وهي وهي الهيئة والحالة
قوله : " فأحسنوا الذبح " قال النووي في شرح مسلم وقع في كثير من النسخ أو أكثرها فأحسنوا الذبح بفتح الذال بغير هاء وفي بعضها الذبحة بكسر الذال وبالهاء كالقتلة وهي الهيئة والحالة
قوله : " وليحد " بضم الياء يقال أحد السكين وحددها واستحدها بمعنى وليرح ذبيحته بإحداد السكين وتعجيل إمرارها وغير ذلك
قوله : " وأن توارى عن البهائم " قال النووي ويستحب أن لا يحدد السكين بحضرة الذبيحة وأن لا يذبح واحدة بحضرة أخرى ولا يجرها إلى مذبحها
قوله : " فليجهز " بالجيم والزاي أي يسرع في الذبح قوله " واللبة " هي المنحر من البهائم وهي بفتح اللام وتشديد الموحدة
قوله : " ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق " بالزاي أي لا تسرعوا في شيء من الأعمال المتعلقة بالذبيحة قبل أن تموت
10 - وعن ابن عباس وأبي هريرة قالا " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شريطة الشيطان وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج "
- رواه أبو داود
11 - وعن أسماء ابنة أبي بكر قالت " نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرسا فأكلناه "
- متفق عليه
12 - وعن أبي العشراء عن أبيه قال " قلت يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة قال لو طعنت في فخذها لأجزأك "
- رواه الخمسة وهذا فيما لم يقدر عليه
13 - وعن رافع بن خديج قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فند بعير من إبل القوم ولم يكن معهم خيل فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما فعل منها هذا فافعلوا به كذلك "
- رواه الجماعة
- حديث ابن عباس وأبي هريرة قال المنذري في إسناده عمرو بن عبد الله الصنعاني وقد تكلم فيه غير واحد . وحديث أبي العشراء قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة ولا يعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث
قال الخطابي وضعفوا هذا الحديث لأن رواته مجهولون وأبو العشراء لا يدري من هو أبوه ولم يرو عنه غير حماد بن سلمة
قال في التلخيص وقد تفرد حماد بن سلمة بالرواية عنه يعني أبا العشراء على الصحيح وهو لا يعرف حاله
قوله : " عن شريطة الشيطان " أي ذبحته وهي المذكورة في الحديث والتفسير ليس من الحديث بل زيادة رواها الحسن بن عيسى أحد رواته كما صرح به أبو داود في السنن قال في النهاية شريطة الشيطان قيل هي الذبيحة التي لا يقطع أوداجها ولا يستقصى ذبحها وهو من شرط الحجام وكان أهل الجاهلية يقطعون بعض حلقها ويتركونها حتى تموت وإنما أضافها إلى الشيطان لأنه هو الذي حملهم على ذلك وحسن هذا الفعل لديهم وسوله لهم انتهى
قوله : " عن أبي العشراء " بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة قال أبو داود واسمه عطارد بن بكرة ويقال ابن قهطم ويقال اسمه عطارد بن مالك بن قهطم
قوله : " لو طعنت في فخذها " الخ قال أهل العلم بالحديث هذا عند الضرورة كالتردي في البئر وأشباهه وقال أبو داود بعد إخراجه هذا لا يصح إلا في المتردية والنافرة والمتوحشة
قوله : " تحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرسا " فيه أن النحر يجزئ في الخيل كما يجزئ في الإبل
قال ابن التين الأصل في الإبل النحر وفي الشاة ونحوها الذبح وأما البقر فجاء في القرآن ذكر ذبحها وفي السنة ذكر نحرها واختلف في ذبح ما ينحر ونحر ما يذبح فأجازه الجمهور ومنع منه ابن القاسم
قوله : " فند بعير " أي نفر وهو بفتح النون وتشديد الدال
قوله : " فحبسه " أي أصابه السهم فوقف قوله " أوابد " جمع آبدة بالمد وكسر الموحدة أي غريبة يقال جاء فلات بآبدة أي بكلمة أو فعلة منفردة يقال أبدت بفتح الموحدة تأبد بضمها ويجوز الكسر زيقال تأبدت أي توحشت والمراد أن لها توحشا ( وفي الحديث ) جواز أكل ما رمى بالسهم فجرى في أي موضع كان من جسده بشرط أن يكون وحشيا أو متوحشا وإليه ذهب الجمهور وروى عن مالك والليث وسعيد بن المسيب وربيعة أنه لا يحل الأكل لما توحش إلا بتذكية في حلقه أو لبته
باب ذكاة الجنين بذكاة أمه
1 - عن أبي سعيد " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في الجنين ذكاته ذكاة أمه "
- رواه أحمد والترمذي وابن ماجه
وفي رواية " قلنا يا رسول الله ننحر النافة وتذبح البقرة والشاة وفي بطنها الجنين أنلقيه أم نأكل قال كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه " رواه أحمد وأبو داود
- الحديث أخرجه أيضا الدار قطني وابن حبان وصححه وضعفه عبد الحق وقال لا يحتج بأسانيده كلها وذلك لأن في بعضها مجالدا ولكن أقل أحولا الحديث أن يكون حسنا لغير لكثرة طرقه ومجالد ليس إلا في الطريق التي أخرجها الترمذي وأبو داود منها
وقد أخرجه أحمد من طريق ليس فيها ضعيف والحاكم أخرجه من طريق فيها عطية عن ابن سعيد وعطية فيه لين وقد صححه مع ابن حبان ابن دقيق العيد وحسنه الترمذي وقال وفي الباب عن علي عليه السلام وابن مسعود وأبي أيوب والبراء وابن عمر وابن عباس وكعب بن مالك وزاد في التلخيص عن جابر وأبي أمامة وأبي الدرداء وأبي هريرة . أما حديث علي فأخرجه الدارقطني بإسناد فيه الحرث الأعور وموسى بن عمر الكوفي وهما ضعيفان
وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أيضا الدارقطني بسند رجاله ثقات إلا أحمد بن الحجاج ابن الصامت فإنه ضعيف جدا
وأما حديث أبي أيوب فأخرجه الحاكم وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف
وأما حديث البراء فأخرجه البيهقي
وأما حديث ابن عمر فأخرجه الحاكم والطبراني في الأوسط وابن حبان وفي بعض طرقه عنعنة محمد بن إسحاق وفي بعضها أحمد بن عصام وهو ضعيف وهو في الموطأ موقوف وهو أصح
وأما حديث ابن عباس فرواه الدارقطني وفي إسناده موسى بن عثمان العبدي وهو مجهول
وأما حديث كعب بن مالك فأخرجه الطبراني في الكبير وفي اسناده إسماعيل ابن مسلم وهو ضعيف
وأما حديث جابر فأخرجه الدارمي وأبو داود وفي إسناده عبد الله بن أبي الزناد القداح عن أبي الزبير والقداح ضعيف وله طرق أخر
وأما حديث أبي أمامة وأبي الدرداء فأخرجهما الطبراني من طريق راشد بن سعد وفيه ضعف وانقطاع
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني وفي إسناده عمر بن قيس وهو ضعيف
قوله : " ذكاة الجنين ذكاة أمه " مرفوعان بالابتداء والخبر والمراد الإخبار عن ذكاة الجنين بأنها ذكاة أمه فيحل بها كما تحل الأم بها ولا يحتاج إلى تذكية وإلب \ يه ذهب الثوري والشافعي والحسن بن زياد وصاحبا أبي حنيفة وإليه ذهب أيضا مالك واشترط أن يكون قد أشعر لما في بعض روايات الحديث عن أبي عمر بلفظ " إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه " وقد تفرد به أحمد بن عصام كما تقدم والصحيح أنه موقوف فلا حجة فيه . وأيضا قد روى من طريق ابن أبي ليلى مرفوعا " ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر " وفيه ضعف كما تقدمت الإشارة إليه . وأيضا قد روي من طرق ابن عمر نفسه مرفوعا وموقوفا كما رواه البيهقي أنه قال " أشعر أو لم يشعر " وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى تحريم الجنين إذا خرج ميتا وأنها لا تغني تذكية الأم عن تذكيته محتجين بعموم قوله تعالى { حرمت عليكم الميتة } وهو من ترجيح العام على الخاص وقد تقرر في الأصول بطلانه ولكنهم اعتذروا عن الحديث بما لا يغني شيئا فقالوا المراد ذكاة الجنين كذكاة أمه ورد أنه لو كان المعني على ذلك لكان منصوبا بنزع الخافض والرواية بالرفع ويؤيده أنه روى بلفظ ذكاة الجنين في ذكاة أمه أي كائنة أو حاصلة في ذكاة أمه وروى " ذكاة الجنين بذكاة أمه " والباء للسببية قال في التلخيص فائدة قال ابن المنذر أنه لم يرو عن أحد من الصحابة ولا من العلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه إلا ما روي عن أبي حنيفة اه وظاهر الحديث أنه يحل بذكاة الأم الجنين مطلقا سواء خرج حيا أو ميتا فالتفصيل ليس عليه دليل
باب ما أبين من حي فهو ميت
1 - عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما قطع من بهيمة وهي حية فما قطع منها فهو ميتة "
- رواه ابن ماجه
2 - وعن أبي واقد الليثي قال " قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وبها ناس يعمدون إلى إليات الغنم وأسنمة الإبل يجبونها فقال ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة "
- رواه أحمد والترمذي . ولأبي داود منه الكلام النبوي فقط
- حديث ابن عمر أخرجه أيضا البزار والطبراني في الأوسط من حديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عنه واختلف فيه علي زيد بن أسلم وقد روي عن زيد بن أسلم مرسلا الدارقطني المرسل أشبه بالصواب وله طرق أخرى عن ابن عمر أخرجها الطبراني في الأوسط وفيها عاصم بن عمرو وهو ضعيف . وحديث أبي واقد أخرجه أيضا الدارمي والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عنه وأخرجه أيضا الحاكم من حديث سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعا قال الدارقطني والمرسل أصح وأخرجه البزار من طريق المسور بن الصلت عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري وقال تفرد به ابن الصلت وخالفه سليمان بن بلال فقال عن زيد عن عطاء مرسلا وكذا قال الدارقطني وقد وصله الحاكم كما تقدم . وتابع المسور وغيره عليه خارجة بن مصعب أخرجه بن عدي في الكامل وأبو نعيم في الحلية وأخرجه ابن ماجه والطبراني وابن عدي من طريق تميم الداري وإسناده ضعيف كما قال الحافظ
قوله : " فما قطع منها " المجئ بهذه الجملة لزيادة الإيضاح وألا فقد أغنى عنها ما قبلها
قوله : " فهو ميتة " فيه دليل على أن البائن من الحي حكمه حكم الميتة في تحريم أكله ونجاسته وفي ذلك تفاصيل ومذاهب مستوفاة في كتب الفقه
قوله : " غلى أليات " جمع ألية والجب القطع والأسنمة جمع سنام
باب ما جاء في السمك والجراد وحيوان البحر
قد سبق قوله في البحر " هو الحل ميتته "
1 - عن ابن أبي أوفى قال " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد "
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه
2 - وعن جابر قال " غزونا جيش الحبط وأميرنا أبو عبيدة فجعلنا جوعا شديدا فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له العنبر فأكلنا منه نصف شهر فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته قال فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال كلوا رزقا أخرجه الله عز و جل لكم اطعمونا إن كان معكم فأتاه بعضهم بشيء فأكلة "
- متفق عليه
3 - وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحل لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال "
- رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني وهو للدارقطني أيضا من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه باسناده قال أحمد وابن المديني عبد الرحمن بن زيد ضعيفوأخوه عبد الله ثقة
4 - وعن أبي شريح من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله ذبح ما في البحر لبني آدم "
- رواه الدارقطني وذكره البخاري عن أبي شريح موقوفا . وعن أبي بكر الصديق قال الطافي حلال . وعن عمر في قوله تعالى " أحل لكم صيد البحر " قال صيده ما اصطيد وطعامه ما رمي به
وقال ابن عباس " طعامه ميتته إلا ما قذرت منها قال ابن عباس كل من صيد البحر صيد يهودي أو نصراني أو مجوسي وركب الحسن على سرج من جلود كلاب الماء ذكرهن البخاري في صحيحه
- الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله قد سبق هو أول حديث في كتابه هذا وقد مر الكلام عليه . وحديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي ورواه الدارقطني أيضا من رواية سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم موقوفا وقال هو أصح وكذا صحح الموقوف أبو زرعة وأبو حاتم وعبد الرحمن ابن زيد ضعيف كما نقله المصنف عن أحمد وابن المديني وفي رواية عن أحمد أنه قال حديثه هذا منكر وقال البيهقي رفع هذا الحديث أولاد زيد بن أسلم عبد الله وعبد الرحمن وأسامة وقد ضعفهم ابن معين وكان أحمد بن حنبل يوثق عبد الله وكذا روى عن ابن المديني قال الحافظ قلت رواه الدار قطني وابن عدي من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم قال ابن عدي الحديث يدور على هؤلاء الثلاثة قال الحافظ وقد تابعهم شخص هو أضعف منهم وهو أبو هاشم كثير بن عبد الله الإبلي أخرجه ابن مردويه في تفسير سورة الإنعام من طريقه عن زيد بن أسلم بلفظ " يحل من الميتة إثنان ومن الدم إثنان فأما الميتة فالسمك والجراد وأما الدم فالكبد والطحال " ورواه المسور بن الصلت أيضا عن زيد بن أسلم لكنه خالف في إسناده قال عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد مرفوعا أخرجه الخطيب وذكره الدارقطني في العلل والمسور كذاب نعم الرواية الموقوفة التي صححها أبو حاتم وغيره هي في حكم المرفوع لأن قول الصحابي أحل لنا كذا وحرم علينا كذا مثل قوله أمرنا بكذا ونهينا عن كذا فيحصل الاستدلال بهذه الرواية لأنها في معنى المرفوع كذا قال الحافظ
قوله : " سبع غزوات " في رواية البخاري أو ستا . ووقع في توضيح ابن مالك سبع غزوات أو ثماني وتكلم عليه فقال الأجود أن يقال ثمانيا بالتنوين لأن لفظ ثماني وإن كان كلفظ جواري أو ثالث حروفه ألف بعدها حرفان ثانيهما ياء فهو يخالفه في أن جواري جمع وثماني ليس بجمع وقال أطال الكلام على ذلك ثم وجه ترك التنوين بتوجيهات . منها أن يكون حذف المضاف إليه وأبقى المضاف على ما كان عليه قبل الحذف
قال الحافظ ولم أر لفظ ثماني في شيء من كتب الحديث قال وهذا الشك في عدد الغزوات من شعبة
قوله " نأكل معه الجراد " يحتمل أن يراد بالمعية مجرد الغزو دون ماتبعه من أكل الجراد ويحتمل أن يريد مع أكله ويدل على الثاني ما وقع في رواية أبي نعيم بلفظ " ويأكل معنا " وهذا يرد على الصيمري من الشافعية حيث زعم أنه صلى الله عليه وآله وسلم عافه كما عاف الضب
وقد أخرج أبو داود عنه صلى الله عليه وآله وسلم من حيث سلمان أنه قال " لا آكله ولا أحرمه " والصواب أنه مرسل . ولابن عدي في ترجمة ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر " أنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الضب فقال لا آكله ولا أحرمه وسئل عن الجراد فقال مثل ذلك قال الحافظ هذا ليس ثابتا لأن ثابتا قال فيه النسائي ليس بثقة . ونقل النووي الإجماع على حل أكل الجراد . وفصل ابن العربي في شرح الترمذي بين جراد الحجاز وجراد الأندلس فقال في جراد الأندلس لا يؤكل لأنه ضرر محض وهذ إن نثبت يضر أكله بأن تكون فيه سمية تخصه دون غيره من جراد البلاد تعين استثناؤه وذهب الجمهور إلى حل أكل الجراد حتى لو مات بغير سبب وعند المالكية اشتراط التذكية وهي هنا أن يكون موته بسبب آدمي إما أن يقطع رأسه أو بعضه أو يسلق أو يرمى في النار حيا فإن مات حتف أنفه أو في وعاء لم يحل
واحتج الجمهور بحديث ابن عمر المذكورفي الباب . ولفظ الجراد جنس يقع على الذكر والأنثى ويميز واحده بالتاء وسمي جرادا لأنه يجرد ما ينزل عليه أو لأنه أجرد أي أملس وهو من صيد البر وإن كان أصله بحريا عند الأكثر وقيل أنه بحري بدليل حديث أبي هريرة أنه قال " خرجنا مه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل رجل من جراد فجعلنا نضربهن بنعالنا وأسواطنا فقال صلى الله عليه وآله وسلم كلوه فإنه من صيد البحر " أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه بإسناد ضعيف
وأخرج نحوه أبو داود والترمذي من طريق أخرى عن أبي هريرة وفي إسناده أبو المهزم بضم الميم زكسر الزاي وفتح الهاء وهو ضعيف . وأحرج ابن ماجه من حديث أنس مرفوعا " أن الجراد نثرة حوت من البحر " أي عطسته
قوله " الخبط " بالتحريك وهو ما يسقط من الورق عند خبط الشجر
قوله : " فأكله " بهذا تتم الدلالة وإلا مجرد أكل الصحابة منه وهم في حال المجاعة قد يقال أنه للإضرار ولا سيما وقد ثبت عن أبي عبيدة في رواية عند مسلم بلفظ " وقدج اضطررتم فكلوه "
قال في الفتح وحاصل قول أبي عبيدة أنه بنى أولا على عموم تحريم الميتة ثم ذكر تخصيص المضطر بإباحة أكلها إذا كان غير باغ ولا عاد وهم بهذه الصفة لأنهم في سبيل الله وفي طاعة رسول الله وقد تبين من آخر الحديث أن حمله كونها حلالا ليس لسبب الاضطرار بل لكونها من صيد البحر لأكله صلى الله عليه وآله وسلم منها لأنه لم يكن مضطرا وقد ذهب الجمهور إلى إباحة ميتة البحر سواء ماتت بنفسها أو ماتت بالإصطياد . وعن الحنفية والهادي والقاسم والإمام يحيى والمؤيد بالله في أحد قوليه أنه لا يحل إلا ما مات بسبب آدمي أو بإلقاء الماء له أو جزره عنه وأما ما مات أو قتله حيوان غير آدمي فلا يحل واستدلوا بحديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا بلفظ " " ما ألقاه البحر أو جزره عنه فكلوه وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه " أخرجه أبو داود مرفوعا من رواية يحيى بن سليم الطائفي عن أبي الزبير عن جابر وقد أسنده من وجه آخر عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا وقال الترمذي سألت البخاري عنه فقال ليس بمحفوظ ويروى عن جابر خلافه انتهى . ويحيى بن سليم صدوق سيء الحفظ
وقال النسائي ليس بالقوي
وقال يعقوب إذا حدث من كتابه فحديثه حسن وإذا حدث حفظا ففي حديثه ما يعرف وينكر
وقال أبو حاتم لم يكن بالحافظ
وقال ابن حبان في الثقات كان يخطئ وقد توبع على رفعه أخرجه الدارقطني من رواية أبي أحمد الزبيري عن الثوري مرفوعا لكن قال خالفه وكيع وغيره فوقفوه على الثوري وهو الصواب وروى عن ابن أبي ذئب وإسماعيل بن أمية مرفوعا ولا يصح والصحيح موقوف
قال الحافظ وإذا لم يصح إلا موقوفا فقد عارضه قول أبي بكر وغير يعني المذكور في الباب
وقال أبو داود روى هذا الحديث سفيان الثوري وأيوب وحماد عن أبي الزبير أوقفوه على جابر قال المنذري وقد أسند هذا الحديث من وجه ضعيف وأخرجه ابن ماجه قال الحافظ أيضا والقياس يقتضي حله لأنه لو مات في البر لأكل بغير تذكية ولو نضب عنه الماء فمات لأكل فكذلك إذا مات وهو في البحر ولا خلاف بين العلماء في حل السمك على اختلاف أنواعه وإنما اختلفوا فيما كان على صورة حيوان البر كالآدمي والكلب والخنزير فعند الحنفية وهو قول الشافعية أنه يحرم والأصح عند الشافعية الحل مطلقا وهو قول المالكية إلا الخنزير في رواية
وحجتهم عموم قوله تعالى { أحل لكم صيد البحر } وحديث " هو الطهور ماؤه والحل ميتته " أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما وقد تقدم في أول الكتاب
وروي عن الشافعي أنه يحل ما يؤكل نظيره في البر وما لا فلا وإليه ذهبت الهادوية واستثنت الشافعية ما يعيش في البر والبحر وهو نوعان النوع الأول ما ورد في منع أكله شيء يخصه كالضفدع وكذا استثناه أحمد للنهي عن قتله كما ورد ذلك من حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم وله شاهد من حديث ابن عمر عند أبي عاصم وآخر عن عبد الله بن عمر وأخرجه الطبراني في الأوسط وزاد فإن نقيقها تسبيح . وذكر الأطباء أن الضفدع نوعان بري وبحري ومن المستثنى التمساح والقرش والثعبان والعقرب والسرطان والسلحفاة للاستخباث والضرر اللاحق من السم . النوع الثاني ما لم يرد فيه مانع فيحل لكن بشرط التذكية كالبط وطير الماء
قوله : " إن الله ذبح ما في البحر لبني آدم " لفظ البخاري " كل شيء في البحر مذبوح " وقد أخرجه الدارقطني وأبو نعيم في الصحابة مرفوعا قال الحافظ والموقوف أصح وأخرجه ابن أبي عاصم في الأطعمة من طريق عمرو بن دينار سمعت شيخا كبيرا يحلف بالله ما في البحر دابة إلا قد ذبحها الله لبني آدم
وأخرج الدارقطني من حديث عبد الله بن سرجس رفعه أن الله قد ذبح كل ما في البحر لبني آدم وفي سنده ضعيف . والطبراني من حديث ابن عمر ورفعه نحوه وسنده ضعيف
وأخرج عبد الرزاق بسندين جديدين عن عمر ثم عن علي بلفظ " الحوت ذكي كله " قال عطاء أما الطير فأرى أن تذبحه
قوله : " الطافي حلال " وصله أبو بكر ابن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني من رواية عبد الملك بن أبي يشير عن عكرمة عن ابن عباس والطافي بغير همز من طفا يطفو إذا علا على الماء ولم يرسب
قوله : " صيده ما اصطيد وطعامه ما رمي به " وصله البخاري في التاريخ وعبد بن حميد
قوله : " طعامه ميتة إلا ما قدرت " وصله الطبراني
قوله : " كل من صيد البحر صيد يهودي " الخ وصله البيهقي قال ابن التين مفهومه أن صيد البحر لا يؤكل إن صاده غير هؤلاء وهو كذلك عند قوم وإخراج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عطاء وسعيد بن جبير كراهية صيد المجوسي
وأخرج أيضا بسند آخر عن علي عليه السلام مثل ذلك
قوله : " وركب الحسن على سرج " قيل أنه الحسن بن علي وقيل البصري والمراد أن السرج متخذ من جلود الكلاب المعروفة بكلاب الماء التي في البحر كما صرح به في الرواية
باب الميتة للمضطر
1 - عن أبي واقد الليثي قال " قلت يا رسول الله أنا بأرض تصيبنا مخمصة فما يحل لنا من الميتة فقال إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تحتفؤا بها بقلا فشأنكم بها "
- رواه أحمد
2 - وعن جابر بن سمرة أن أهل بيت كانوا بالحرة محتاجين قال فماتت عندهم ناقة لهم أو لغيرهم فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أكلها قال فعصمتهم بقية شتائهم أو سنتهم "
- رواه أحمد
وفي لفظ " أن رجلا نزل الحرة ومعه أهله وولده فقال رجل إن ناقة لي ضلت فأن وجدتها فامسكها فوجدها فلم يجد صاحبها فمرضت فقالت إمرأته انحرها فأبى فنفقت فقالت اسلخها نقدر شحمها لحمها ونأكله فقال حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه فسأله فقال هل عندك غني يغنيك قال لا قال فكلوه فجاء صاحبها فأخبره الخبر فقال هلا كنت نحرتها قال استحييت منك "
- رواه أبو داود وهو دليل على إمساك الميتة للمضطر
- حديث أبي واقد في مجمع الزوائد أخرجه الطبراني ورجاله ثقات انتهى . وحديث جابر بن سمرة سكت عنه أبو داود والمنذري وليس في إسناده مطعن لأن أبا داود رواه من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة وفي الباب عن الفجيع العامري أنه " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما يحل لنا الميتة قال ما طعامكم قلنا نغتبق ونصطبح قال أبو نعيم وهو الفضل بن دكين فسره لي عقبة قدح غدوة وقدح عشية قال ذاك وأبى الجوع فأحل لهم الميتة على هذا الحال " قال أبو داود الغبوق من آخر النهار والصبوح من أول النهار وفي إسناده عقبة بن وهب العامري
قال يحيى بن معين صالح وقال علي بن المديني قلت لسفيان ابن عيينة عقبة بن وهب فقال ما كان ذاك فيدري ما هذا الأمر ولا كان شأنه الحديث انتهى
قوله : " إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا قال ابن رسلان في شرح السنن الإصطباح ههنا أكل الصبوح وهو الغداء والغبوق أكل العشاء انتهى
وقد تقدم شرح الصبوح والغبوق وهما بفتح أولهما الأول شرب اللبن أول النهار والثاني شرب اللبن آخر النهار ثم استعملا في الأكل للغداء والعساء وعليهما يحمل ما في حديث أبي واقد الليثي المذكور ولعل اغلمراد بهما في حديث الفجيع مجرد شرب اللبن لأنه لو كان المراد بهما أكل الطعام في الوقتين لم يصح ما في آخر الحديث وهو قوله ذاك وأبى الجوع إذ لا جوع حينئذ
قوله : " ولم تحتفؤا بها بقلا " بفتح المثناتين من فوق بينهما حاء مهملة وبعدها فاء مكسورة ثم همزة مضمومة من الحفاء وهو البردى بضم الموحدة نوع من جيد التمر وضعفه بعضهم بأن البردي ليس من البقول
قال أبو عبيد هو أصل البردي الأبيض الرطب وقد يؤكل
قال أبو عبيد معنى الحديث أنه ليس لكم أن تصطبحوا وتغتبقوا وتجمعوهما مع الميتة فإن الأزهري أنكر هذا على أبي عبيد وفسر أنه أراد إذا لم تجدوا البينة تصطبحونها أو شربا تغتبقونه ولم تجدوا بعد عدم الصبوح والغبوق بقلة تأكلونها حلت لكم الميتة قال وهذا هو الصحيح
قال الخطابي القدح من اللبن بالغداة والقدح بالعشي يمسك الرمق ويقيم النفس وإن كان لا يغدو البدن ولا يشبع الشبع التام وقد أباح لهم من ذلك الميتة فكان دلالته أن تتناول الميتة إلى أن تأخذ النفس جاجتها من القوت كما ذهب إليه مالك والشافعي في أحد قوليه والقول الراجح عند الشافعي هو الاقتصار على سد الرمق كما نقله المزني وصححه الرافعي والنووي وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك والهادوية . ويدل عليه قوله " هل عندك غني يغنيك " إذا كان يقال لمن وجد سد رمقه مستغنيا لغة وشرعا . واستدل به بعضهم على القول الأول قال لأنه سأله عن الغنى ولم يسأله عن خوفه على نفسه والآية الكريمة قد دلت على تحريم الميتة واستثنى ما وقع الإضرار إليه فإذا اندفعت الضرورة لم يحل الأكل كحالة الابتداء ولا شك أن سد الرمق يدفع الضرورة وقيل أنه يجوز أكل المعتاد للمضطر في أيام عدم الاضطرار
قال الحافظ وهو الراجح لإطلاق الآية واختلفوا في الحالة التي يحل بها الوصف بالاضطرار ويباح عندها الأكل . فذهب الجمهور إلى أنها الحالة التي يصل به الجوع فيها إلى حد الهلاك أو إلى مرض يفضي إليه . وعن بعض المالكية تحديد ذلك بثلاثة أيام
قال ابن أبي جمرة الحكمة في ذلك أن في الميتة سمية شديدة فلو أكلها ابتداء لأهلكته فشرع له أن يجوع ليصير في بدنه بالجوع سمية هي أشد من سمية الميتة
قوله : " كانوا بالحرة " بفتح الحاء والراء المشدة مهملتين أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود
قوله : " فنفقت " بفتح النون والفاء والقاف أي ماتت يقال نفقت الدابة نفوقا مثل قعدت المرأة قعودا إذا ماتت
قوله : " حتى نقدر " بفتح النون وسكون القاف وضم الدال بعده راء مهملة هكذا في النسخ الصحيحة قال قدر اللحم يقدره طبخه في القدر
وفي سنن أبي داود " نقدد اللحم " بدال مهملة مكان الراء وعلى ذلك شرح ابن رسلان فإنه قال أي نجعله قديدا قوله " غني يغنيك " أي تستغني به ويكفيك ويكفي أهلك وولدك عنها
قوله : " استحييت منك " بيائين مثناتين من تحت . ولغة تميم وبكر بن وائل استحيت بفتح الحاء وحذف غحدى الياءين
وقد دلت أحاديث الباب على أنه يجوز للمضطر أن يتناول من الميتة ما يكفيه على خلاف السابق في مقدارما يتناوله ولا أعلم خلافا في الجواز وهو نص القرآن الكريم وهل يجب على المضطر أن يتناول من الميتة حفظا لنفسه قال في البحر في ذلك وجهان . يجب لوجوب دفع الضرر ولا ( 1 ) [ قوله ولا إيثار للورع . أي لا يجب إيثار للورع . ] إيثار للورع واختلفوا في المراد بقوله تعالى { غير باغ } فقيل أي غير متلذذ ولا مجاوز لدفع الضرر وقيل أي غير عاص فمنعوا العاصي من أكل الميتة . وحكى الحافظ في الفتح عن الجمهور أنهم جعلوا من البغي العصيان قالوا وطريقه أن يتوب ثم يأكل وجوزه بعضهم مطلقا ولعله يعني بالبعض القائل بالتفسير الأول
باب النهي أن يؤكل طعام الإنسان بغير إذنه
1 - عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فينتثل طعامه وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه "
- متفق عليه
2 - وعن عمرو بن يثربي قال " شهدت خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمني وكان فيما خطب به أن قال ولا يحل لإمرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه قال فلما سمعت ذلك قلت يا رسول الله أرأيت لو لقيت في موضع غنم ابن عمي فأخذت منها شاة فاجتزرتها هل علي في ذلك شيء قال إن لقيتها نعجة تحمل شفرة وأزنادها فلا تمسها "
3 - وعن عمير مولى آبي اللحم قال " أقبلت مع سادتي نريد الهجرة حتى إذا دنونا من المدينة قال فدخلوا وخلفوني في ظهرهم فأصابتني مجاعة شديدة قال فمر بي بعض من يخرج من المدينة فقالوا لو دخلت المدينة فأصبت من تمر حوائطها قال فدخلت حائطا فقطعت منه قنوين فأتاني صاحب الحائط وأتى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره خبوي وعلى ثوبان فقال لي أيهما أفضل فأشرت إلى أحدهما فقال خذه وأعط صاحب الحائط الآخر فخلى سبيلي "
- رواهما أحمد
- حديث عمر بن اليثربي في إسناده حاتتم بن إسماعيل وفيه خلاف عن عبد الملك بن حسين الجاري فإن يكن هو الكوفي النخعي فضعيف بمرة وإلا فليس من رجال الأمهات . وحديث عمير مولى آبي اللحم في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن زيد وقد قال العجلي يكتب حديثه وليس بالقوي زكذا قال أبو حاتم ونحوه عن البخاري وقال النسائي وابن خزيمة ليس به بأس وقال في مجمع الزوائد إن حديث عمير هذا أخرجه أحمد بإسنادين في أحدهما ابن لهيعة وفي الآخر أبو بكر بن زيد بن المهاجر ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وبقية رجاله ثقات
قوله : " مشربته " قال في القاموس والمشربة وتضم الراء أرض لينة دائمة النبات والغرفة والعلية والصفة والمشرعة انتهى . والمراد هنا الغرفة التي يجمع بها الطعام شبه صلى الله عليه وآله وسلم ضروع المواشي في حفظها لما فيها من اللبن بالمشربة في حفظها لما فيها من الطعام فكما أن هذه يحفظ فيها الإنسان طعامه فتلك تحفظ له شرابه وهو لبن ماشيته وكما أن الإنسان يكره دخول غير إلى مشربته لأخذ طعامه كذلك يكره حلب غيره لماشيته فلا يحل الجميع إلا بإذن المالك
قوله : " فينتثل طعامه " النثل الاستخراج أي فيستخرج طعامه قال في القاموس نثل الركية ينثلها استخرج ترابها وهي الشيلة والنثالة والكنانة استخرج نبلها ونثرها ودرعه ألقاها عنه واللحم في القدر وضعه فيها مقطعا وامرأة نثول تفعل ذلك كثيرا وعليه درعه صبها انتهى
قوله : " فاجتزرتها " بزاي ثم راء
قوله : " إن رأيتها نعجة تحمل شفرة وأزنادا " هذا فيه مبالغة في المنع من أخذ ملك الغير بغير إذنه وإن كان على حاله مشعرة بأن تلك الماشية معدة للذبح حاملة لما تصلح به من آلة الذبح وهي الشفرة وألة الطبخ وهو الأزناد وهي جمع زند وهو العود الذي يقدح به النار قال في القاموس والجمع زناد وأزانيد وأزناد . ونعجة منصوبة على الحال أي لقيتها حال كونها نعجة حاملة لشفرة وأزناد
قوله : " مولى آبي اللحم " قد تقدم غير مرة أن آبي اللحم اسم فاعل من أبى يأبى فهو آب
قوله : " في ظهرهم " أي في دوابهم التي يسافرون بها ويحملون عليها أمتعتهم
قوله : " وأعط صاحب الحائط الآخر " فيه دليل على تغريم السارق قيمة ما أخذه مما لا يجب فيه الحد وعلى أن الحاجة لا تبيح الإقدام على مال الغير مع وجود ما يمكن الانتفاع به أو بقيمته ولو كان مما تدعو حاجة الإنسان إليه فإنه هنا أخذ أحد ثوبيه ودفعه إلى صاحب النخل
باب ما جاء من الرخصة في ذلك لابن السبيل إذا لم يكن حائط ولم يتخذ خبنة
1 - عن ابن عمر " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من دخل حائطا فليأكل ولا يتخذ خبنة "
- رواه الترمذي وابن ماجه
2 - وعن عبد الله بن عمر قال " سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل يدخل الحائط فقال يأكل غير متخذ خبنة "
- رواه أحمد
3 - وعن الحسن عن سمرة بن جندب " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا يحمل "
- رواه أبو داود والترمذي وصححه
وقال ابن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح
4 - وعن أبي نضرة عن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا أتى أحدكم بابل فأراد أن يشرب من ألبانها فليناد يا صاحب الإبل أو يا راعي الإبل فإن أجابه وإلا فليشرب "
- رواه أحمد وابن ماجه
- حديث ابن عمر الأول والثاني هما حديث واحد ولكن المصنف أوردهما هكذا اختلاف اللفظ
وقال الترمذي بعد إخراجه في البيوع غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وحديث سمرة قال الترمذي بعد إخراجه حديث سمرة حسن صحيح غريب والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق وقال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة وقالوا إنما يحدث عن صحيفة سمرة انتهى . وحديث أبي سعيد أخرجه أيضا أبو يعلى وابن حبان والحاكم والمقدسي
وفي الباب عن رافع عند الترمذي وأبي داود قال " كنت أرمي نخل الأنصار فأخذوني فذهبوا بي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رافع لم ترمي نخلهم قال قلت يا رسول الله الجوع قال لا ترم وكل ما وقع أشبعك وأرواك " وعند أبي داود والنسائي من حديث شرحبيل بن عباد في قصة مثل قصة رافع وفيها " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لصاحب الحائط ما علمت إذا كان جاهلا ولا أطعمت إذا كان جائعا " قوله . " في ترجمة الباب " إذا لم يكن حائط قال في النهاية الحائط البستان منه النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب مخالف لما قيد به المصنف الترجمة فلعله أراد بقوله إذا لم يكن حائط أي جدار يمنع الدخول إليه بحرزو طرقه لما في ذلك من الأشعار بعدم الرضا وكأنه حمل الأحاديث على ما ليس كذلك ولا ملجئ إلى هذا بل الظاهر الإطلاق وعدم التقييد
قوله : " ولا يتخذ خبنة " بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وبعدها نون وهي ما تحمله في حضنك كما في القاموس وهذا الإطلاق في حديث ابن عمر مقيد بما في حديث أبي سعيد المذكور من الأمر بالنداء ثلاثا . وحديث سمرة في الماشية ليس فيه إلا مجر بالاستئذان بدون تقييد بكونه ثلاثا وكذلك حديث أبي سعيد فإنه لم يذكر في الماشية إلا مجرد النداء ولم يقيده بكونه ثلاثا ( وظاهر أحاديث ) الباب جواز الأكل من حائط الغير والشرب من ماشيته بعد النداء المذكور من غير فرق بين أن يكون مضطرا إلى الأكل أم لا لأنه إنما قال إذا دخل وإذا أراد أن يأكل ولم يقيد الأكل بحد ولا خصه بوقت فالظاهر جواز تناول الكفاية والممنوع إنما هو الخروج بشيء من ذلك من غير فرق بين القليل والكثير
قال العلامة المقبلي في الأبحاث بعد ذكر حديث أبي سعيد ما لفظه وفي معناه عدة أحاديث تشهد لصحته ووجه موافقته للقانون الشرعي ظاهر فيمن له حق الضيافة كابن السبيل وفي ذي الحاجة مطلقا وسياقات الحديث تشعر بالاختصاص بمن هو كذلك فهو المتيقن وأما الغني الذي ايس له حق الضيافة فمشكوك فيه فيبقى على المنع الأصلي فإن صحت إرادته بدليل خاص كقضية فيها ذلك كان مقبولا وتكون مناسبته ما في اللبن والفاكهة من الندرة إذ لا يوجد في كل حال مع مسارع النفس إليها والعرف شاهد بذلك حتى أنه يذم من ضن بهما ويبخل وهو خاصة الوجوب فهو من حق المال غير الصدقة وهذا يرجح بقاء الحديث على عمومه إذ لا معنى للاقتصار مع ظهور العموم وفي المنتهى من فقه الحنابلة ومن مر بثمرة بستان لاحائط عليه ولا ناظر فله الأكل ولو بلا حاجة مجانا لا صعود شجرة أو رميه بشيء ولا يحمل ولا يأكل من جني مجموع إلا بضرورة وكذا زرع قائم وشرب لبن ماشية وألحق جماعة بذلك باقلا وحمصا أخضر من المنفتح وهو قوي انتهى ( وأحاديث الباب ) مخصصة للحديث المذكور في الباب الأول ومخصصة أيضا لحديث ليس في المال حق سوى الزكاة وهو من حديث فاطمة بنت قيس مع أنه قد ثبت في الترمذي من حديثها بلفظ " في المال حق سوى الزكاة " بدون لفظ ليس . ومن جملة المخصصات لحديث " ليس في المال حق سوى الزكاة " ما ورد في الضيافة وفي سد رمق المسلم ومنها وآتوا حقه يوم حصاده
باب ما جاء في الضيافة
1 - عن عقبة بن عامر قال " قلت يا رسول الله إنك تبعثني فننزل بقوم لا يقرونا فما ترى فقال إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم "
2 - وعن أبي شريح الخزاعي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالوا وما جائزته يا رسول الله قال يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى بحرجه "
- متفق عليهما
3 - وعن المقدام أبي كريمة أنه سمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول " ليلة الضيف واجبة على كل مسلم فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا له عليه إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه " وفي لفظ " من نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه "
- رواهما أحمد وأبو داود
4 - وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه "
- رواه أحمد
- حديث المقدام سكت عنه أبو داود هو والمنذري قال الحافظ في التلخيص وإسناده على شرط الصحيح وله أيضا من حديثه " أيما رجل أضاف قوما فاصبح الضيف محروما فإن نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلة من زرعه وماله " قال الحافظ وإسناده صحيح . وعن أبي هريرة عند أبي داود والحاكم بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال الضياف ثلاثة أيام فما سوى ذلك فهو صدقة " وعن شقيق بن سلمة عند الطبراني في الأوسط قال " دخلنا على سلمان فدعا بماء كان في البيت وقال لولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن التكلف للضيف لتكلفت لكم . وحديث أبي هريرة المذكور في الباب قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات ( وفي الباب ) عن عائشة أشار إليه الترمذي
قوله : " لا يقرونا " بفتح أوله من القرى أي لا يضيفونا
قوله : " بما ينبغي للضيف " أي من الإكرام بما لا بد منه من طعام وشراب وما يلتحق بهما
قوله : " فخذوا منهم حق الضيف " الخ قال الخطابي إنما كان يلزم ذلك في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم حيث لم يكن بيت مال وأما اليوم فأرزاقهم في بيت المال لا حق لهم في أموال المسلمينز وقال ابن بطال قال أكثرهم أنه كان هذا في أول الإسلام حيث كانت المواساة واجبة وهو منسوخ بقوله جائزته كما في حديث الباب الواو الجائزة تفضل لا واجب قال ابن رسلان قال بعضهم المراد أن لكم أن تأخذوه من أعراض من لم يضيفكم بألسنتكم وتذكروا للناس لؤمهم والعيب عليهم وهذا من المواضع التي يباح فيها الغيبة كما أن القادر المماطل بالدين مباح عرضه وعقوبته وحمله بعضهم على أن هذا كان في أول الإسلام وكانت المواساة واجبة فلما اتسع الإسلام نسخ ذلك
قال النووي وهذا تأميل ضعيف أو باطل لأن هذا الذي إدعاه قائله لا يعرف انتهى
وقد تقدم ذكر قائله قريبا فتعليل لضعف أو البطلان بعدم معرفة القائل ضعيف أو باطل بل الذي ينبغي عليه التعويل في ضعف هذا التأويل هو أن تخصيص ما شرعه صلى الله عليه وآله وسلم لأمته بزمن من الأزمان أو حال من الأحوال لا يقبل إلا بدليل ولم يقم ههنا دليل على تخصيص هذا الحكم بزمن النبوة وليس فيه مخالفة للقواعد الشرعية لأن مؤنة الضيافة بعد شرعتها قد صارت لازمة للمضيف لكل نازل عليه فللنازل مطالبة بهذا الحق الثابت شرعا كالمطالبة بسائر الحقوق فإذا أساء إليه واعتدى عليه بإهمال حقه كان له مكافأته بما أباحه له الشارع في هذا الحديث وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم
قوله : " ما كان يؤمن بالله " الخ قيل المراد من كان يؤمن الإيمان الكامل المنجي من عذاب الله الموصل إلى رضوانه ويؤمن بيوم القيامة الآخر استعد له واجتهد في فعل ما يدفع به أهواله ومكارهه فيأمر بما أمر به وينتهي عما نهى عنه . ومن جملة ما أمر به إكرام الضيف وهو القادم من السفر النازل عند المقيم وهو يطلق على الواحد والجمع والذكر والأنثى
قال ابن رسلان والضيافة من مكارم الأخلاق ومحاسن الدين وليست واجبة عند عامة العلماء خلافا لليث بن سعد فإنه أوجبها ليلة واحدة وحجة الجمهور لفظ جائزته المذكورة فإن الجائزة هي العطية والصلة التي أصلها على الندب وقلما يستعمل هذا اللفظ في الواجب قال العلماء معنى الحديث الاهتمام بالضبف في اليوم والليلة وإتحافه بما يمكن من برو الطاف انتهى
والحق وجوب الضيافة لأمور
الأول إباحة العقوبة بأخذ المال لمن ترك ذلك وهذا لا يكون في غير واجب
والثاني التأكد البالغ يجعل ذلك فرع الإيمان بالله واليوم الآخر ويفيد أن فعل خلافه فعل من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ومعلوم أن فروع الإيمان مأمور بها ثم تعليق ذلك بالإكرام وهو أخص من الضيافة فهو دال على لزومها بالأولي
والثالث قوله فما كان وراء ذلك فهو صدقة فإنه صريح إن ما قبل ذلك غير صدقة بل واجب شرعا
قال الخطابي يريد أن يتكلف له في اليوم الأول ما اتسع له من بر وألطاف ويقدم له في اليوم الثاني ما كان بحضرته ولا يزيد على عادته فما جاوز الثلاث فهو معروف وصدقة إن شاء فعل وإن شاء ترك
وقال ابن الأثير الجائزة العطية أي يقري ضيفه ثلاثة أيام ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة
والرابع قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ليلة الضيف حق واجب " فهذا تصريح بالوجوب لم يأت ما يدل على تأويله
والخامس قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث المقدام الذي ذكرناه " فإن نصره حق على كل مسلم " فإن ظاهر هذا وجوب النصرة وذلك فرع وجوب الضيافة إذا تقرر هذا تقرر ضعف ما ذهب إليه الجمهور وكانت أحاديث الضيافة مخصصة لأحاديث حرمة الأموال إلا بطيبة الأنفس . ولحديث " ليس في المال حق سوى الزكاة "
ومن التعسفات حمل أحاديث الضيافة على سد الرمق فإن هذا مما لم يقم عليه دليل ولا دعت إليه حاجة وكذلك تخصيص الوجوب بأهل الوبر دون أهل المدن استدلالا بما يروى أن الضيافة على أهل الوبر
قال النووي وغيره من الحفاظ أنه حديث موضوع لا أصل له
قوله : " أن يثوي " بفتح أوله وسكون المثلثة أي يقيم
قوله : " حتى يحرجه " بضم أوله وسكون الحاء المهملة أي يوقعه في الحرج وهو الإثم لأنه قد يكدره فيقول هذا الضيف ثقيل أو ثقل علينا بطول إقامته أو يتعرض له بما يؤذيه أو يظن به ما لا يجوز قال النووي وهذا كله محمول على ماذا أقام بعد الثلاث بغير استدعائه وأما إذا استدعاه وططلب منه إقامته أو علم أو ظن منه محبة الزيادة على الثلاث أو عدم كراهته فلا بأس بالزيادة لأن النهي إنما جاء لأجل كونه يؤثمه فلو شك في حال المضيف هل تكره الزيادة ويلحقه بها حرج أم لا لم يحل له الزيادة على الثلاث لظاهر الحديث
قوله : " ليلة الضيف " أي ويومه بدليل الحديث الذي قبله
قوله : " بفنائه " بكسر الفاء وتخفيف النون ممدودا وهو المتسع أمام الدار وقيل ما امتد من جوانب الدار جمعه أفنية
قوله : " فله أن يعقبهم " الخ قال الإملم أحمد في تفسير ذلك أي للضيف أن يأخذ من أرضهم وزرعهم بقدر ما يكفيه بغير إذنهم وعنه رواية أخرى . أن الضيافة على أهل القرى دون الأمصار . وإليه ذهبت الهادوية وقد تقدم تحقيق ما هو حق
باب الأدهان تصيبها النجاسة
1 - عن ميمونة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن فماتت فقال ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي
وفي رواية سئل عن الفأرة تقع في السمن " فقال إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه " . رواه أبو داود والنسائي
2 - وعن أبي هريرة قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن فأرة وقعت في سمن فماتت فقال إن كان جامدا فخذوها وما حولها ثم كلوا ما بقي وإن كان مائعا فلا تقربوه "
- رواه أحمد وأبو داود
- حديث أبي هريرة قال الترمذي هو حديث غير محفوظ سمعت محمد بن إسماعيل يعني البخاري يقول هذا خطأ قال والصحيح حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة يعني الحديث الذي قبله
قال في الفتح وجزم الذهلي بأن الطريقين صحيحان وقد قال أبو داود في روايته عن الحسن بن علي قال الحسن وربما حدث به معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة وأخرجه النسائي عن خشيش بن أصرم عن عبد الرزاق . وذكر الإسماعيلي أن الليث رواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال بلغنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن فارة وذكر الحديث
وأما الزيادة في حديث ميمونة التي زادها أبو داود والنسائي فصححها ابن حبان وغيره
قال " فماتت " استدل بهذا الحديث لإحدى الروايتين عن أحمد أن المائع إذا حلت فيه النجاسة لا ينجس إلا بالتغير وهو اختيار البخاري ووجه الاستدلال ما قاله ابن العربي متمسكا بقوله وما حولها على أنه كان جامدا قال لأنه لو كان مائعا لم يكن له حول لأنه لو نقل من جانب خلفه غيره في الحال فيصير مما حوله فيحتاج إلى إلقائه كله فما بقي إلا اعتبار ضابط كلي في المائع وهو لتغير ولكنه يدفع هذا ما في الرواية الأخيرة من حديث ميمونة وما في حديث أبي هريرة المذكور من التفرقة بين الجامد والمائع وتبيين حكم كل واحد منهما وضابط المائع عند الجمهور أن يتراد بسرعة إذا أخذ منه شيء واستدل بقوله فماتت على أن تأثيرها إنما يكون بموتها فيه وإذا وقعت فيه وخرجت بلا موت لم يضر وما عدا الفارة ملحق بها وكذلك ما يشابه السمن ملحق فلا عمل بمفهومهما . وجمد ابن حزم على عادته قال فلو وقع غير جنس الفارة من الدواب في مائع لم ينجس إلا بالتغير ولم يرد في طريق صحيحة تقدير ما يلقى
وقد أخرج ابن أبي شيبة من مرسل عطاء بن يسار أنه يكون قدر الكف وسنده جيد لولا إرساله
وأما ما أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعا من التقييد في المأخوذ منه بثلاث غرفات بالكفين فسنده ضعيف ولو ثبت لكان ظاهرا في المائع . واستدل بقوله في لمائع فلا تقربوه على أنه لا يجوز الانتفاع به في غير الأكل كالشافعية أو أجاز بيعه كالحنفية إلى الجواب عن الحديث فإنهم احتجوا به في التفرقة بين الجامد والمائع
وأما الاحتجاج بما عند البيهقي من حديث ابن عمر بلفظ " إن كان السمن مائعا انتفعوا به ولا تأكلوه " وعنده من رواية ابن جريح مثله فالصحيح أنه موقوف وعند البيهقي أيضا عن ابن عمر في فارة وقعت في زيت فقال استصبحوا به وادهنوا به أدمكم وهذا السند على شرط الشيخين لأنه من طريق الثوري عن أيوب عن نافع عنه إلا أنه موقوف . واستدل بالحديث على أن الفارة طاهرة العين وأغرب ابن العربي فحكى عن الشافعي وأبي حنيفة أنها نجسة
باب آداب الأكل
1 - عن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أكل أحدكم طعاما فليقل بسم الله على أوله وآخره "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه
- الحديث أخرجه أيضا النسائي وهو من حديث عبد الله بن عبيد عن امرأة منهم يقال لها أم كلثوم عن عائشة ولم يقل الترمذي عن امرأة منهم إنما قال عن أم كلثوم ووقع في بعض رواياته أم كلثوم الليثية وهو الأشبه لأن عبيد بن عمير ليثي
وقد أخرج أبو بكر بن أبي شيبة هذا الحديث في مسنده عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة ولم يذكر فيه أم كلثوم
وفي الباب عن جابر عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول " إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لآمبيت لكم ولا عشاء إذا وإذا دخل ولم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت فإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء " وعن حذيفة بن اليمان عند مسلم وأبي داود والنسائي قال " كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم طعاما لم يضع أجدنا يده في الطعام حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنا حضرنا معه طعاما فجاء أعرابي كأنما يدفع فذهب ليضع يده في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده ثم جاء جارية كأنما تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدها وقال إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه وإنه جاء بهذا الأعرابي ليستحل بيده فأخذت بيده وجاء بهذه الجارية ليستحل بيدها فأخذت بيدها والذي نفسي بيده إن يده لفي يدي مع أيديهما " وأخرج الترمذي عن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل طعاما في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكل بلقمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إما أنه لو سمى لكفى لكم " وقال حديث حسن وأخرج ابن السني عن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نسي أن يذكر الله في أول طعامه فليقل حين يذكر بسم الله أوله وآخره فإنه يستقبل طعاما جديدا ويمنع الخبيث مما كان يصيب منه
وفي الباب أيضا عن عمر بن أبي سلمة وسيأتي
وفي هذه الأحاديث دليل على مشروعية التسمية للأكل وإن نسي بقول في أثنائه بسم الله على أوله وآخره وكذا التارك لتسمية عمدا يشرع له التدارك في أثنائه
قال في الهدي والصحيح وجوب التسمية عند الأكل وهو أحد الوجهين لأصحاب أحمد وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة لامعارض لها ولا إجماع يسوغ مخالفتها ويخرجها عن ظاهرها وتاركها يشركه الشيطان في طعامه وشرابه اه . والذي عليه الجمهور من السلف والخلف من المحدثين وغيرهم أن أكل الشيطان محمول على ظاهره وأن للشيطان يدين ورجلين وفيهم ذكر وأنثى وأنه يأكل حقيقة بيده إذا لم يدفع وقيل إن أكلهم على المجاز والاستعارة وقيل أن أكلهم شم واسترواح ولا ملجئ إلى شيء من ذلك
وقد ثبت في الصحيح كما سيأتي أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وروى عن وهب بن منبه أنه قال الشياطين أجناس فخالص الجن لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون وهم ريح ومنهم جنس يفعلون ذلك كله ويتوالدون وهم السعالى والغيلان ونحوهم
2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه
3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البركة تنزل في وشط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه
4 - وعن عمر أن أبي سلمة قال كنت غلاما في حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكانت يدي تطيش في الصفحة فقال لي " يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك "
- متفق عليه
5 - وعن أبي جحيفة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما أنا فلا آكل متكئا "
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي
- قوله " لا يأكل أحد بشماله " فيه النهي عن الأكل والشرب بالشمال والنهي حقيقة في التحريم كما قرر في الأصول ولا يكون لمجرد الكراهة إلا مجازا مع قيام صارف
قال النووي وهذا إذا لم يكن عذر فإن كان عذر بمنع الأكل أو الشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الشمال
قوله : " فإن الشيطان يأكل " الخ إشارة إلى أنه ينبغي اجتناب الأفعال التي تشبه أفعال الشيطان وقد تقدم الخلاف هل ذلك على الحقيقة أم على المجاز
قوله : " البركة تنزل في وسط الطعام " لفظ أبي داود " إذا أكل أحدكم طعاما فلا يأكل من أعلى الصفحة ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة تنزل من أعلاها " وفيه مشروعية الأكل من جوانب الطعام قبل وسطه قال الرافعي وغيره يكره أن يأكل من أعلى الثريد ووسط القصعة ويأكل مما يلي أكيله ولا بأس بذلك في الفواكه . وتعقبه الأسنوي بأن الشافعي نص على التحريم فإن لفظه في الأم فإن أكل مما يليه أو من رأس الطعام أثم بالفعل الذي فعله إذا كان عالما واستدل بالنهي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأشار إلى هذا الحديث قال الغزالي وكذا لا يأكل من وسط الرغيف بل من استدارته إلا إذا قل الخبز فليكسر الخبز والعلة في ذلك ما في الحديث من كون البركة تنزل في وسط الطعام
قوله : " تطيش " بكسر الطاء وبعدها مثناة تحتية ساكنة أي تتحرك وتمتد إلى نواحي الصفحة ولا تقتصر على موضع واحد
قال النووي والصفحة دون القصعة وهي ما تسع ما يشبع خمسة والقصعة ما تشبع عشرة كذا قال الكسائي فيما حكاه الجوهري وغيره عنه
وقيل الصفحة كالقصعة وجمعها صحاف
قال النووي أيضا وفي هذا الجديث ثلاث سنن من سنن الأكل . وهي التسمية . والأكل باليمين وقد سبق بيانهما . والثالثة الأكل مما يليه لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مروءة قد يتقذر صاحبه ولا سيما في الأمراق وشبهها وهذا في الثريد والأمراق وشبههما فإن كان تمرا وأجناسا فقد نفلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق ونحوه والذي ينبغي تعميم النهي حاملا للنهي على عمومه حتى يثبت دليل مخصص والله أعلم
قوله : " أما أنا فلا آكل متكئا " سبب هذا الحديث قصة الأعرابي المذكور في حديث عبد الله بن يسر عند ابن ماجه والطبراني بإسناد حسن قال " أهديت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم شاة فجثى على ركبتيه يأكل فقال له الأعرابي ما هذه الجلسة فقال إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا " قال ابن بطال إنما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك تواضعا لله . ثم ذكر من طريق أيوب عن الزهري قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملك لم يأته قبلها فقال إن ربك يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا قال فنظر إلى جبريل كالمستشير له فأموأ إليه أن تواضع فقال بل عبدا نبيا قال فما أكل متكئا " اه وقال الحافظ وهذا مرسل أو معضل وقد وصله النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن عباس قال كان ابن عباس يحدث فذكر نحوه
وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال ما رؤي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأكل متكئا قط
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال ما أكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم متكئا إلا مرة ثم نزع فقال " اللهم إني عبدك ورسولك " وهذا مرسل ويمكن الجمع بأن تلك المرة التي في أثر مجاهد ما اطلع عليها عبد الله بن عمرو
وقد أخرج ابن شاهين في ناسخه من مرسل عطاء بن يسار أن جبريل رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأكل متكئا فنهاه
ومن حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما نهاه جبريل عن الأكل متكئا لم يأكل متكئا بعد ذلك واختلف في صفة الإتكاء فقيل أن يتمكن في الجلوس للأكل على أي صفة كان وقيل أن يميل على أحد شقيه وقيل أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض
قال الخطابي يحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطأ عند الأكل لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال إني أذم من يستكثر من الطعام فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزا
وفي حديث أنس " أنه صلى الله عليه وآله وسلم أكل تمرا وهو مقع " والمراد الجلوس على وركيه غير متمكن
وأخرج ابن عدي بسند ضعيف " زجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل " قال مالك هو نوع من الإتكاء
قال الحافظ وفي هذا إشارة من مالك إلى كراهة ما يعد الآكل فيه متكئا ولا يختص بصفة بعينها . وجزم ابن الجوزي في تفسير الإتكاء بأنه الميل على أحد الشقين ولم يلتفت لإنكار الخطابي ذلك وحكى ابن الأثير أن من فسر الإتكاء بالميل على أحد الشقين تأويله على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا ولا يسيغه هنيئا . واختلف السلف في حكم الأكل متكئا فزعم ابن القاص أن ذلك من الخصائص النبوية وتعقبه البيهقي فقال يكره لغيره ايضا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم قال فإن كان بالمرء مانع لا يتمكن معه الآكل إلا متكئا لم يكن في ذلك كراهة ثم ساق عن جماعة من السلف أنهم أكلوا كذلك وأشار إلى حمل ذلك عنهم على الضرورة وفي الحمل نظر
وقد أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقا وإذا ثبت كونه مكروها أو خلاف الأولي فالمستحب في صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى واستثنى الغزالي من كراهة الأكل مضطجعا أكل البقل واختلف في علة الكراهة وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قالوا كانوا يكرهون أن يأكلوا تكأة مخافة أن تعظم بطونهم وإلى ذلك تشير بقية ما ورد من الأخبار . ووجه الكراهة فيه ظاهر وكذلك ما أشار إليه ابن الأثير من وحه الطب
6 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا طعم طعاما لعق أصابعه الثلاث وقال إذا وقعت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذي وليأكلها ولا يدعها للشيطان وأمرنا أن نسلت القصعة وقال إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه
7 - وعن المغيرة بن شعبة قال " ضفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوى قال فأخذ الشفرة فجعل يحتز لي بها منه "
- رواه أحمد
8 - وعن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بعض حجر نسائه فدخل ثم أذن لي فدخلت فقال فقال هل من غداء فقالوا نعم فأتى بثلاثة أقرصة فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرصا فوضعه بين يديه وأخذ قرصا آخر فوضعه بين يدي ثم أخذ الثالث فكسره باثنتين فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يدي ثم قال هل من أدم قالوا لا إلا شيء من خل قال هاتوه فنعم الأدم هو "
- رواه أحمد ومسلم
- حديث المغيرة بن شعية أخرجه أيضا أبو داود والترمذي وابن ماجه ولفظ أبي داود في باب ترك الوضوء مما مست النار عن المغيرة بن شعبة قال " ضفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم ليلة فأمر بجنب فشوى فأخذ الشفرة فجعل يحز لي بها منه قال فجاء بلال فآذنه بالصلاة قال فالقى السكين وقال ماله تربت يداه وقام يصلي " زاد الأنباري " وكان بشاربي وفاء فقصه على سواك أو قال أقصه لك على سواك "
قوله : " لعق أصابعه " فيه استحباب لعق الأصابع محافظة على بركة الطعام وتنظيفا وسيأتي تمام الكلام على ذلك
وفيه استحباب الأكل بثلاث أصابع ولا يضم إليا الرابعة والخامسة إلا اعذر بأن يكون مرقا أو غيره مما لا يمكن بثلاث وغير ذلك من الأعذار
قوله : " فليمط عنها الأذى " فيه مشروعية أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذى يصيبها هذا إذا لم تقع على موضع نجس ولا بد من غسلها إن أمكن فإن تعذر قال النووي أطعمها حيوانا ولا يتركها للشيطان
قوله : " أن نسلت القصعة " قال الخطابي سلت القصعة تتبع ما يبقى فيها من الطعام وفيه أن لعق القصعة مشروع والعلة في ذلك ما ذكرناه عقبه أنهم لا يدرون في أي طعامهم البركة أي أن الطعام الذي يحضر الإنسان فيه بركة ولا يدري هل البركة فيما أكل أو فيما بقي على أصابعه أو فيما بقي في أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به
قوله : " ضفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم " بكسر الضاد المعجمة من ضاف يضيف مثل باع يبيع وقال في النهاية ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافته
وقال في الضياء إذا تعرض به ليضيفه قال في النهاية وأضفته إذا أنزلته وتضيفه إذا نزلت به
قوله : " فأخذ الشفرة فجعل يحتز لي بها " فيه دليل على جواز قطع اللحم بالسكين
وقد أخرج أبو داود عن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنع الأعاجم وانهشوه فهو أهنأ وأمرأ " ويؤيد حديث الباب ما رواه البخاري وغيره من حديث عمرو بن أمية الضمري أنه " رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحتز من كتف شاة فدعي إلى الصلاة فألقى السكين فصلى ولم يتوضأ " على أن حديث عائشة المذكور في إسناده أبو معشر السندي المدني واسمه نجيح كان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه ويستضعفه جدا ويضحك إذا ذكره غيره
قال المنذري وتكلم فيه غير واحد من الأئمة وقال النسائي أبو معشر له أحاديث مناكير منها هذا . ومنها عن أبي هريرة ما بين المشرق والمغرب قبلة وأما أحمد بن حنبل فقال صدوق وعلى كل حال فحديث عائشة لا يعادل ما عارضه من حديث عمرو بن أمية وحديث الباب ويروي عن الإمام أحمد أنه سئل عن حديث عائشة فقال ليس بمعروف
قوله : " فأخذ قرصا " الخ فيه استحباب التسوية بين الحاضرين على الطعام وإن كان بعضهم أفضل من بعض
قوله : " هل من أدم " قال أهل اللغة الإدام بكسر الهمزة ما يؤتدم به قال أدم الخبز يأدمه بكسر الدال وجمع الأدام أدم بضم الهمزة كأهاب وأهب وكتاب وكتب والأدام بإسكان الدال مفرد كالأدام كذا قال النووي قال الخطابي والقاضيي عياض معنى الحديث مدح الاقتصار في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة تقديره ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده ولا تتأنقوا في الشهوات فإنها مفسدة للدين مقسمة للبدن
قال النووي والصواب الذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه
وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد أخر
قال وأما قول جابر فما زلت أحب الخل مذ سمعتها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو كقول أنس ما زلت أحب الدباء وهذا يؤيد ما قلناه في معنى الحديث أنه مدح للخل نفسه وقد كررنا مرات أن تأويل الراوي إذا لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء والأصوليين وهذا كذلك بل تأويل الراوي هنا هو ظاهر اللفظ فيتعين اعتماده اه وقيل وهو الصواب أنه ليس فيه تفضيل على اللحم واللبن والعسل والمرق وإنما هو مدح له في تلك الحال التي حضر فيها ولو حضر لحم أو لبن لكان أولى بالمدح منه
9 - وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو " أن رجلا من قومه يقال له أبو شعيب صنع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم طعاما فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أئتنى أنت وخمسة معك قال فبعث إليه أن إئذن لي في سادس "
- متفق عليه
10 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها "
- متفق عليه ورواه أبو داود وقال فيه بالمنديل
11 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال إنكم لا تدرون في إي طعامكم بركة "
- رواه أحمد ومسلم
12 - وعن نبيشة الخير " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي
13 - وعن جابر أنه سئل عن الوضوء مما مسته النار فقال لا " لقد كنا في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نجد مثل ذلك من الطعام إلا قليلا فإذا نحن وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا ثم نصلي ولا نتوضأ "
- رواه البخاري وابن ماجه
14 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بات وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه "
- رواه الخمسة إلا النسائي
- حديث نبيشة الخير رواه الترمذي من طريق نصر بن علي الجهضمي قال أخبرنا أبو اليمان المعلى بن راشد قال حدثتني جدتي أم عاصم وكانت أم ولد لسنان ابن سلمة قالت دخل علينا نبيشة الخير ونحن نأكل في قصعة فحدثنا " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة " قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث المعلى بن راشد وقد روى يزيدج بن هرون وغير واحد من الأئمة عن المعلى بن راشد هدا الحديث اه وحديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود ورجال إسناده رجال الصحيح وأخرجه الترمذي معلقا وأخرجه الضياء من حديث سعيد المقبري عن ابن هريرة وقال غريب
وأخرجه أيضا من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وقال حسن غريب لا نعرفه من حديث الأعمش إلا من هذا الوجه
قوله : " فبعث إلي أن أتأذن لي في السادس " فيه أن المدعو إذا تبعه رجل من غير استدعاء ينبغي له أن لا يأذن له ولا ينهاه وإذا بلغ باب دار صاحب الطعام أعلمه به ليأذن له أو يمنعه وإن صاحب الطعام يستحب له أن يأذن له إن لم يترتب على حضوره مفسدة بأن يؤذي الحاضرين أو يشيع عنهم ما يكرهونه أو يكون جلوسه معهم مزريا بهم لشهرته بالفسوق ونحو ذلك فإن خيف من حضوره شيء من هذا لم يأذن له ويجب أن يتلطف في رده ولو بإعطائه شيئا من الطعام إن كان يليق به ليكون ردا جميلا كذا قال النووي
قوله : " فلا يمسح يده " يحتمل أن يكون أطلق اليد على الأصابع الثلاث لما تقدم من حديث أنس بلفظ " لعق أصابعه الثلاث " وفي مسلم من حديث كعب بن مالك بلفظ " يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها " ويحتمل أن يطلق على جميع أصابع اليد لأن الغالب إتصال شيء من آثار الطعام بجميعها ويحتمل أن يكون المراد باليد الكف كلها
قال الحافظ وهو الأولي فيشمل الحكم من أكل بكفه كلها أو بأصابعه فقط أو ببعضها وقال ابن العربي في شرح الترمذي يدل على الأكل بالكف كلها أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتعرق العظم وينهش اللحم ولا يمكن ذلك عادة إلا بالكف كلها قيل وفيه نظر لأنه يمكن بالثلاث سلمنا لكن هو ممسك بكفه كلها لا آكل بها سلمنا لكن محل الضرورة لا يدل على عموم الأحوال ويؤخذ من حديث كعب بن مالك أن السنة الأكل بثلاث أصابع وإن كان الأكل بأكثر منها جائزا
وقد أخرج سعيد بن منصور عن سفيان عن عبيد الله بن يزيد أنه رأى ابن عباس إذا أكل لعق أصابعه الثلاث
قال عياض والأكل بأكثر منها من الشره وسوء الأدب وتكبير اللقم ولأنه غير مضطر إلى ذلك لجمعه اللقمة وإمساكها من جهاتها الثلاث فإن اضطر إلى ذلك لخفة الطعلم وعدم تلفيفه بالثلاث فيدعمه بالرابعة أو الخامسة
قوله : " حتى يلعقها أو يلعقها " الأول بفتح حرف المضارعة والثاني بضمها أي يلعقها زوجته أو جاريته أو خادمه أو ولده وكذا من كان في معناهم كتلميذ يعتقد البركة بلعقها وكذا لو ألعقها شاة ونحوها
وقال البيهقي أن قوله أو يلعقها شك من الراوي ثم قال فإن كانا جميعا محفوظين فإنما أراد أن يلعقها صغيرا أو من يعلم أنه لا يتقذر بها ويحتمل أن يكون أراد أن يلعق إصبعه فمه فيكون بمعنى يلعقها فتكون للشك
قال ابن دقيق العيد جاءت علة هذا مبينة في بعض الروايات أنه لا يدري في أي طعامه البركة وقدد يعلل أن مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق لكن إذا صح الحديث بالتعليل لم يعدل عنه وقد عرفت أنه في صحيح مسلم كما في الباب
قوله : " وقال فيه بالمنديل " هو أيضا في صحيح مسلم بلفظ " فلا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه " وفي حديث جابر أنهم لم يكن لهم مناديل ومفهومه يدل على أنها لو كانت لهم مناديل لمسحوا بها
قوله : " استغفرت له القصعة " فيه أن ذلك من القرب التي ينبغي المحافظة عليها لأن استغفار القصعة دليل على كون الفعل مما يثاب عليه الفاعل
قوله : " إلا أكفنا وسواعدنا " فيه الأخبار بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من التقلل من الدنيا والزهد فيها والانتفاع بالأكف والسواعد كما ينتفع غيرهم بالمناديل وقد تقدم الكلام على الوضوء مما مست النار
قوله : " غمر " بفتح الغين المعجمة والميم معا هو ريح دسم اللحم وزهومته كالوضر من السمن ذكر معنى ذلك في النهاية
قوله : " ولم يغسله " إطلاقا يقتضي حصول السنة بمجرد الغسل بالماء قال ابن رسلان والأولى غسل اليد منه بالأشنان والصابون وما في معناهما
قوله : " وأصابه شيء " في رواية للطبراني من بات وفي يده ريح غمر فأصابه برص قوله " فلا يلومن إلا نفسه " أي لأنه الذي فرط بترك الغسل فأتي الشيطان فلحس يده فوقع بها البرص وأخرج الترمذي عن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الشيطان حساس لحاس فاحذروه على أنفسكم من بات وفي يده غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه " وقد جاء في الحديث تخصيص غسل اليد بأكل اللحم فأخرج أبو يعلى بإسناد ضعيف من حديث ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أكل من هذه اللحوم شيئا فليغسل يده من ريح وضره "
15 - وعن أبي أمامة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رفع مائدته قال الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه وفي لفظ " كان إذا فرغ من طعامه قال الحمد لله الذي كفانا وأروانا غير مكفي ولا مكفور " رواه البخاري
16 - وعن أبي سعيد قال " كان إذا أكل أو شرب قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه
17 - وعن معاذ بن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أكل طعاما فقال الحمد الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر الله له ما تقدم من ذنبه "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن غريب
18 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس شيء يجزي مكان الشراب والطعام غير اللبن "
- رواه الخمسة إلا النسائي
- حديث أبي سعيد أخرجه أيضا النسائي وذكره البخاري في تاريخه الكبير وساق اختلاف الرواة فيه وقد سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده إسماعيل بن رباح السلمي وهو مجهول . وحديث معاذ بن أنس أخرجه الترمذي من طريق محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن يزيد المقبري حدثنا سعيد بن أيوب حدثني أبو مرحوم وهو عبد الرحمن بن ميمون عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه وساق الحديث ثم قال هذا حديث حسن غريب . وحديث ابن عباس وغيره ولكن لفظ أبي داود " إذا أكل أحدكم طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه وإذا سقي لينا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن " ولفظ الترمذي " من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خير منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس شيء يجزي مكان الطعام والشراب غير اللبن " وقد حسن هذا الحديث الترمذي ولكن في إسناده علي بن يزيد بن جدعان عن عمر بن حرملة وقد ضعف علي بن زيد جماعة من الحفاظ . وعمر بن حرملة سئل عنه أبو زرعة الرازي فقال بصري لا أعرفه إلا في هذا الحديث
قوله : " إذا رفع مائدته " قد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يأكل على خوان قط كما في حديث أنس والمائدة هي خوان عليه طعام فأجاب بعضهم بأن إنسا ما رأى ذلك ورآه غيره والمثبت يقدم على النافي
قال في الفتح وقد تطلق المائدة ويراد بها نفس الطعام
وقد نقل عن البخاري أنه قال إذا أكل الطعام على شيء ثم رفع قيل رفعت المائدة
قوله : " غير مكفي " بفتح الميم وسكون الكاف وكسر الفاء وتشديد التحتانية قال ابن بطال يحتمل أن يكون من كفأت الإناء فالمعنى غير مردود عليه إنعامه ويحتمل أن يكون من الكفاية أي أن الله غير مكفي رزق عباده لأنه لا يكفيهم أحد غيره
وقال ابن التين أي غير محتاج إلى أحد لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم هذا قول الخطابي
وقال القزاز معناه أنا غير مكتف بنفسي عن كفايته وقال الداودي معناه لم أكتف من فضل الله ونعمته قال ابن التين وقول الخطابي أولى لأن مفعولا بمعنى مفتعل فيه بعد وخروج عن الظاهر
قال في الفتح وهذا كله على أن الضمير لله ويحتمل أن يكون الضمير للحمد وقال إبراهيم الحربي الضمير للطعام ومكفي بمعنى مقلوب من الإكفاء وهو القلب . وذكر ابن الجوزي عن أبي منصور الجواليقي أن الصواب غير مكافأ بالهمز أي أن نعمة الله لا تكافأ اه
وقد ثبت هكذا في حديث أبي هريرة ويؤيد هذا لفظ : كفانا الواقع . في الرواية الأخرى لأن الضمير فيه يعود إلى الله تعالى بلا ريب إذ هو تعالى هو الكافي لا المكفي وكفانا هو من الكفاية وهو أعم من الشبع والري وغيرهما فأروانا على هذا من الخاص بعد العام ووقع في رواية ابن السكن وآوانا بالمد من الإيواء قوله " زلا مودع " بفتح الدال الثقيلة أي غير متروك ويحتمل أنه حال من القائل أي غير تارك
قوله : " ولا مستغنى عنه " بفتح النون وبالتنوين
قوله : " ربنا " بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو ربنا أو على أنه مبتدأ وخبره متقدم عليه ويجوز النصب على المدح أو الاختصاص أو إضمار أعني
قال ابن التين ويجوز الجر على أنه بدل من الضمير في عنه وقال غيره على البدل من الاسم في قوله الحمد لله
وقال ابن الجوزي ربنا بالنصب على النداء مع حذف أداة النداء
قوله : " ولا مكفور " أي مجحود فضله ونعمته وهذا أيضا مما يقوي أن الضمير لله تعالى
قوله : " إذا أكل أو شرب " لفظ أبي داود " كان إذا فرغ من طعامه " زالمذكور في الباب لفظ الترمذي
وفي حديث أبي هريرة عند النسائي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم مرفوعا " الحمد لله الذي أطعم من الطعام وسقى من الشراب وكسا من العري وهدى من الضلال وبصر من العمى وفضل على كثير ممن خلق تفضيلا " قوله " وزدنا منه " هذا يدل على الروايات التي ذكرناها أنه ليس في الأطعمة والأشربة خير من اللبن وظاهره أنه خير من العسل الذي هو شفاء لكن قد يقال أن اللبن باعتبار التغذي والري خير من العسل ومرجح عليه والعسل باعتباره التداوي من كل داء وباعتبار الحلاوة مرجح على اللبن ففي كل منهما خصوصية يترجح بها ويحتمل أن المراد وزدنا لبنا من جنسه وهو لبن الجنة كما في قوله تعالى { هذا الذي رزقنا من قبل } قوله " فإنه ليس يجزي " بضم أوله من الطعام أي بدل الطعام كقوله تعالى أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة أي بدلها
كتاب الأشربة
باب تحريم الخمر ونسخ إباحتها المتقدمة
1 - عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة "
- رواه الجماعة إلا الترمذي
2 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدمن الخمر كعابد وثن "
- رواه ابن ماجه
3 - وعن أبي سعيد قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يا أيها الناس إن الله يبغض الخمر ولعل الله سينزل فيها أمر فمن كان عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به قال فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم إن الله حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبيع قال فاستقبل الناس بما عندهم منها طرق المدينة فسفكوها "
- رواه مسلم
4 - وعن ابن عباس قال " كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صديق من ثقيف ودوس فلقيه يوم الفتح براحلة أو راوية من الخمر يهديها إليه فقال يا فلان أما علمت أن الله حرمها فأقبل الرجل على غلامه فقال اذهب فبعها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الذي حرم شربها حرم بيعها فأمر بها فأفرغت في البطحاء "
- رواه أحمد مسلم والنسائي
وفي رواية لأحمد " أن رجل خرج والخمر حلال فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راوية خمر فذكر نحوه وهو دليل على أن الخمور المحرمة وغيرها تراق ولا تستصلح بتخليل ولا غيره
5 - وعن أبي هريرة " أن رجلا كان يهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم راوية خمر فأهداها إليه عاما وقد حرمت فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنها قد حرمت فقال الرجل أفلا أبيعها فقال إن الذي حرم شربها حرم بيعها قال أفلا أكارم بها اليهود قال إن الذي حرمها حرم أن يكارم بها اليهود قال فكيف أصنع بها قال شنها على البطحاء "
- رواه الحميدي في مسنده
6 - وعن ابن عمر قال " نزل في الخمر ثلاث آيات فأول شيء نزلت يسألونك عن الخمر والميسر الآية فقيل حرمت الخمر فقيل يا رسول الله ننتفع بها كما قال الله عز و جل فسكت عنهك ثم نزلت هذه الآية { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } فقيل حرمت الخمر بعينها فقالوا يا رسول الله إنا لا نشربها قرب الصلاة فسكت عنهم ثم نزلت { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } الآية فقالت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمت الخمر "
- رواه أبو داود والطيالسي في مسنده
7 - وعن علي عليه السلام قال " صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وقد حضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون قال فأنزل الله عز و جل { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } "
- رواه الترمذي وصححه
- حديث أبي هريرة الأول إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ومحمد بن الصباح قالا حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني عن سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة فذكره ورجال إسناده ثقات إلا محمد بن سليمان فصدوق لكنه يخطيء وقد ضعفه النسائي وقال أبو حاتم لا بأس به وليس بحجة . وحديث علي عليه السلام سيأتي الكلام عليه آخر البحث
قوله : " من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها " بضم المهملة وكسر الراء الخفيفة من الحرمان والمراد بقوله لم يتب منها أي من شربها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه
قال الخطابي والبغوي في شرح السنة معنى الحديث لا يدخل الجنة لأن الخمر شراب أهل الجنة فإذا حرم شربها دل على أنه لا يدخل الجنة
وقال ابن عبد البر هذا وعيد شديد يدل على حرمان دخول الجنة لأن الله تعالى أخبر أن في الجنة أنهارا من خمر لذة للشاربين وأنهم لا يصدعون عنها ولا ينزفون فلو دخلها وقد علم أن فيها خمرا أو أنه حرمها عقوبة له لزم وقوع الهم والحزن والجنة لا هم فيها ولا حزن وإن لم يعلم بوجودها في الجنة ولا أنه حرمها عقوبة له لم يكن عليه في فقدها ألم فلهذا قال بعض من تقدم أنه لا يدخل الجنة أصلا قال وهو مذهب غير مرضي قال ويحمل الحديث عند أهل السنة على أنه لا يدخلها ولا يشرب الخمر فيها إلا إن عفا الله عنه كما في بقية الكبائر وهو في المشيئة فعلى هذا معنى الحديث جزاؤه في الآخرة أن يحرمها لحرمانه دخول الجنة إلا أن عفا الله عنه قال وجائز أن يدخل الجنة بالعفو ثم لا يشرب فيها خمرا ولا تشتهيها نفسه وإن علم بوجودها فيها ويؤيده حديث أي سعيد مرفوعا من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه وقد أخرجه الطبراني وصححه ابن حبان وقريب منه حديث عبد الله بن عمرو رفعه " من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة " أخرجه أحمد بسند حسن وقد زاد عياض على ما ذكره ابن عبد البر احتمالا وهو أن المراد بحرمانه شربها أنه يحبس عن الجنة مدة إذا أراد الله عقوبته ومثله الحديث الآخر لم يرح رائحة الجنة قال ومن قال لا يشربها في الجنة بأن ينساها أو لا يشتهيها يقول ليس عليه في ذلك حسرة ولا يكون ترك شهوته إياها عقوبة في حقه بل هو نقص نعم بالنسبة إلى من هو أتم نعيما منه كما تختلف درجاتهم ولا يلحق من هو أنقص درجة بمن هو أعلى درجة منه استغناء بما أعطى واغتباطا به
وقال ابن المغربي ظاهر الحديثين أنه لا يشرب الخمر في الجنة ولا يلبس الحرير فيها وذلا لأنه استعجل ما أمر بتأخيره ووعد به فحرمه عند ميقاته وفصل بعض التأخرين بين من شربها مستحلا فهو الذي لا يشربها أصلا لأنه لا يدخل الجنة أصلا وعدم الدخول يستلزم حرمانها ومن شربها عالما بتحريمها فهو محل الخلاف وهو الذي يحرم شربها مدة ولو في حال تعذيبه ان عذب أو المعنى أن ذاك جزاؤه أن جوزي وفي الحديث أن التوبة تكفر المعاصي الكبائر وذلك في التوبة من الكفر قطعي وفي غيره من الذنوب خلاف بين أهل السنة هل هو قطعي أو ظني قال النووي الأقوى أنه ظني وقال القرطبي من استقرأ الشريعة علم أن الله يقبل توبة الصادقين قطعا وللتوبة والصادقة شروط مدونة في مواطن ذلك ظاهر الوعيد أنه يتناول من شرب الخمر أن لم يحصل له السكر لأنه رتب الوعيد في الحديث على مجرد الشرب من غير تقييد
قال في الفتح وهو مجمع عليه في الخمر المتخذ من عصير العنب وكذا فيما يسكر من غيرها وأما ما لا يسكر من غيرها فالأمر فيه كذلك عند الجمهور
قوله : " مدمن الخمر كعابد وثن " هذا وعيد شديد وتهديد ما عليه مزيد لأن عابد الوثن أشد الكافرين كفرا فالتشبيه لفاعل هذه المعصية بفاعل العبادة للوثن من أعظم المبالغة والزجر لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد
قوله " إن الله حرم الخمر " اختلف في بيان الوقت الذي حرمت فيه الخمر فقال الدمياطي في سيرته بأنه كان عام الحديبية والحديبية كانت سنة ست وذكر ابن إسحاق أنه كان في وقعة بني النضير وهي بعد أحد وذلك سنة أربع على الراجح
قوله : " فمن أدركته هذه الآية " لعله يعني قوله تعالى { إنما الخمر والميسر }
قوله : " أفلا أكارم بها اليهود " قال في القاموس كارمه فكرمه كنصره غلبه فيه اه ولعل المراد هنا المهاداة قال في النهاية المكارمة قال في النهاية المكارمة أن تهدي لإنسان شيئا ليكافئك عليه وهي مفاعلة من الكرم اه
قوله : " ثم نزلت إنما الخمر والميسر " أخرج أبو داود عن ابن عباس أن قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } وقوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس } نسختهما التي في المائدة إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال . ووجه النسخ أن الآية الآخرة فيها الأمر بمطلق الأجتناب وهو يستلزم أن لا ينتفع بشيء معه من الخمر في حال من حالاته في غير وقت الصلاة وفي حال السكر وحال عدم السكر وجميع المنافع في العين والثمن
قوله : " وعن علي رضي الله عنه قال صنع لنا عبد الرحمن " الخ هذا الحديث صححه الترمذي كما رواه المصنف رحمه الله وأخرجه أيضا النسائي وأبو داود وفي أسناده عطاء بن السائب لا يعرف إلا من حديثه وقد قال يحيى بن معين لا يحتج بحديثه وفرق مرة ين حديثه القديم وحديثه الحديث ووافقه على التفرقة الإمام أحمد
وقال أبو بكر البذار وهذا الحديث لا نعلمه يرمي عن علي رضي الله عنه متصل الإسناد إلا من حديث عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن يعني السلمي وإنما قبل ذلك قبل أن تحرم الخمر فحرمت من أجل ذلك قال المنذرى وقد أختلف في اسناده ومتنه فأما الاختلاف في إسناده فرواه سفيان الثوري وأبو جعفر الرازي عن عطاء ابن السائب فأرسلوه وأما الاختلاف في متنه ففي كتاب أبو داود والترمذي أن الذي صلى بهم علي عليه السلام وفي كتاب النسائي وأبو جعفر النحاس أن المصلي بهم عبد الرحمن بن عوف وفي كتاب أبي بكر البذار أمروا رجلا فصلى بهم ولم يسمه
وفي حديث غيره فتقدم بعض القوم اه
وأخرج الحاكم في تفسير سورة النساء عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر فحضرت صلاة المغرب فتقدم رجل فقرأ يا أيها الكافرون فالبس عليه فنزلت لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ثم قال صحيح قال وفيهذا الحديث فائدة كبيرة وهي أن الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب دون غيره وقد برأه الله فإنه راوي الحديث
باب ما يتخذ منه الخمر وإن كل مسكر حرام
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الخمر من هاتين الشجرتين النخل والعنب "
- رواه الجماعة إلا البخاري
2 - وعن أنس قال " إن الخمر حرمت والخمر يومئذ الالبسر والتمر "
- متفق عليه وفي لفظ قال " حرمت علينا حين حرمت ولا نجد خمر الأعناب إلا قليلا وعامة خمرنا البسر والتمر " رواه البخاري وفي لفظ " لقد أنزل الله هذه الآية التي حرم فيها الخمر وما في المدينة شراب إلا من تمر " رواه مسلم
3 - عن أنس قال " كنت أسقي أبا عبيدة وأبي ابن كعب من فضيخ زهو وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر حرمت فقال أبو طلحت قم يا أنس فأهرقها فأهرقتها "
- متفق عليه
4 - وعن ابن عمر قال " نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ خمسة أشربة ما فيها شراب العنب "
- رواه البخاري
5 - وعن ابن عمر " أن عمر قال عن منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل "
- متفق عليه
6 - وعن النعمان بن بشير قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن من الحنطة خمرا ومن الشعير خمرا ومن الزبيب خمرا ومن التمر خمرا ومن العسل خمرا "
- رواه الخمسة إلا النسائي . زاد أحمد وأبو داود وأنا أنهي عن كل مسكر
7 - وعن أبي عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال مسكر خمر وبكل مسكر حرام "
- رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه
وفي رواية " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام " رواه مسلم والدارقطني
8 - وعن عائشة قالت " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن البتع وهو نبيذ العسل وكان أهل اليمن يشربونه فقال صلى الله عليه وآله وسلم كل شراب أسكر فهو حرام "
9 - وعن أبي موسى قال " قلت يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع وهو من العسل ينبذ حتى يشتد والمزر وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أعطى جوامع الكلام بخواتمه فقال كل مسكر حرام "
- متفق عليهما
10 - وعن جابر " أن رجلا من جيشان وجيشان من اليمن سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شراب يشربونه في أرضهم من الذرة يقال له المزر فقال أمسكر هو قال نعم فقال كل مسكر حرام إن على الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا يا رسول الله وما طينة الخبال قال عرق أهل النار أو عصارة أهل النار "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
11 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " كل مخمر خمر وكل مسكر حرام "
- رواه أبو داود
12 - وعن أبي هريرة وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " كل مسكر حرام "
- رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه الترمذي ولابن ماجه مثله في حديث ابن مسعود وحديث معاوية
- حديث النعمان ابن بشير في إسناده إبراهيم بن المهاجر البجلي الكوفي قال المنذري قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة وقال الترمذي بعد إخراجه غريب اه قال ابن المديني لإبراهيم بن المهاجر نحو أربعين حديثا وقال أحمد لا بأس به وقال النسائي والقطان ليس بالقوي . وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وهو من طريق محمد بن رافع النيسابوري شيخ الجماعة سوى ابن ماحه قال حدثنا إبراهيم ابن عمر الصنعاني وهو أيضا ثقة يقول طاوس عن ابن عباس لحديث وتمامه عند أبي داود " ومن شرب مسكر بخست صلاته أربعين صباحا قال فإن تاب الله عليه فإن عاد الرابعة كان حق على الله أن يسقيه من طينة الخبال قيل ما طينة الخبال قيل و ما طينة الخبال يا رسول الله قال صديد أهل النار ومن سقاه صغيرا لا يعرف حلاله من حرامه كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال " وحديث جابر المذكور في الباب أخرجه أيضا أبو داود بلفظ " ما أسكر كثيره فقليله حرام " وقد حسنه الترمذي قال المنذري في إسناد داود بن بكر بن أبي فرات الأشجعي مولاهم المدني سئل عنه ابن المعين فقال ثقة وقال أبو حاتم الرازي لا بأس به ليس بالمتين
قال المنذري أيضا وقد روى عنه هذا الحديث من رواية الأمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وعائشة وخوات بن جبير . وحديث سعد بن أبي وقاص أجودها إسنادا فإن النسائي رواه في السنن عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وهو أحد الثقات عن الوليد بن كثير
وقد احتج به البخاري ومسلم في الصحيحين عن الضحاك بن عثمان وقد احتج به مسلم في صحيحه عن بكير بن عبد الله الأشج عن عامر بن سعد بن أبي وقاص وقد احتج البخاري ومسلم بهما في الصحيحين قال أبو بكر البزار وهذا الحديث لا يعلم روي عن سعد إلا من هذا الوجه ورواه عن أبي الضحاك وأسنده جماعة عنه منهم الدراوردي والوليد بن كثير ومحمد بن جعفر بن أبي كثير المدني انتهى
قال المنذري أيضا وتابع محمد بن عبد الله بن عمار أبو سعيد عبد الله بن الأشج وهو ممن اتفق عليه البخاري ومسلم واحتجا به
وحديث أبي هريرة لم يذكر الترمذي لفظه إنما ذكر حديث عائشة المذكور في الباب ثم حديث ابن عمر بلفظ " كل مسكر حرام " ثم قال وفي الباب عن علي وعمر وابن مسعود وأنس وأبي سعيد وأبي موسى والأشج وديلم وميمونة وابن عباس وقيس بن سعد والنعمان بن بشير ومعاوية ووائل بن حجر وقرة المزني وعبد الله بن مغفل وأم سلمة وبريدة وأبي هريرة وعائشة قال هذا حديث حسن وقد روي عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه وكلاهما صحيح . ورواه غير واحد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعن أبي سلمة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث ابن مسعود ومعاوية اللذين أشار إليهما المصنف هما في سنن ابن ماجه كما قال أما حديث ابن مسعود فلم يكن في إسناده إلا أيوب ابن هانئ وهو صدوق وربما يخطئ وهو بلفظ " كل مسكر حرام " وأما حديث معاوية ففي إسناده سليمان بن عبد الله بن الزبرقان وهو لين الحديث ولفظه كل مسكر حرام على كل مؤمن
قوله : " النخلة والعنبة " لفظ أبي داود يعني النخلة والعنبة وهو دليل على أن تفسير الشجرتين ليس من الحديث فيحتمل رواية من عدا أبا داود على الإدراج وليس في هذا نفي الخمرية عن نبيذ الحنطة والشعير والذرة وغير ذلك فقد ثبتفيه أحاديث صحيحة في البخاري وغيره قد ذكر بعضها المصنف كما ترى وإنما خص بالذكر هاتين الشجرتين لأن أكثر الخمر منهما وأعلى الخمر وأنفسه عند أهله منهما وهذا نحو قولهم المال الإبل أي أكثره وأعمه والحج عرفات ونحو ذلك فغاية ما هنالك أن مفهوم الخمر المدلول عليه باللام معارض بالمنطوقات وهي أرجح بلا خلاف
قوله " وعامة خمرنا البسر والتمر " أي الشراب الذي يصنع منهما
وأخرج النسائي والحاكم وصححه من رواية محارب بن دثار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الزبيب والتمر هو الخمر وسنده صحيح وظاهره الحصر
قال أن مراد أنس الرد على من خص اسم الخمر بما يتخذ من العنب وقيل مراده أن التحريم لا يختص بالخمر المتخذة من العنب بل يشركها في التحريم كل شراب مسكر
قال الحافظ وهذا أظهر قال والمجمع على تحريمة عصير العنب إذا اشتد فإنه يحرم تناوله بالاتفاق . وحكى ابن قتيبة عن قوم من مجان أهل الكلام أن النهي عنها للكراهة وهو قول مجهول لا يلتفت إلى قائله وحكى أبو جعفر النحاس عن قوم أن الحرام ما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه فليس بحرام قال وهذا عظيم من القول يلزم منه القول بحل كل شيء اختلف في تحريمه ولو كان الخلاف واهيا ونقل الطحاوي في اختلاف العلماء عن أبي حنيفة أن الخمر حرام قليلها وكثيرها والسكر من غيرها حرام وليس كتحريم الخمر والنبيذ المطبوخ لا بأس به من أي شيء كان وعن أبي يوسف لابأس بالنقيع من كل شيء وإن غلا إلا الزبيب والتمر قال كذا حكاه محمد عن أبي حنيفة وعن محمد ما أسكر كثيره فأحب إلي أن لا أشربه ولا أحرمه قال الثوري أكره نقيع التمر وتقيع الزبيب إذا غلا قال ونقيع العسل لا باس به انتهى . والبسر بضم الموحدة من تمر النخل معروف
قوله : " من فضيخ " بالفاء ثم معجمتين وزن عظيم اسم للبسر إذا شدخ ونبذ
وأما الزهو بفتح الزاي وسكون الهاء بعدها واو وهو البس الذي يحمر أو يصفر قبل أن يترطب وقد يطلق الالفضيخ على خليط البسر والتمر ويطلق على البسر وحده وعلى التمر وحده
قوله : " فأهرقها " الهاء بدل من الهمزة والأصل اراقها وقد تستعمل هذه الكلمة بالهمزة والهاءء معا كما وقع هنا وهو نادر
قوله " وهي من خمسة من العنب " قال في الفتح هذا الحديث أورده أصحاب المسانيد والأبواب في الأحاديث المرفوعة لأن لهم عندهم حكم الرفع لأنه خبر صحابي شهد التنزيل وأخبر عن سبب وقد خطب به عمر على المنبر بحضرة كبار الصحابة وغيرهم فلم ينقل عن أحد منهم إنكاره وأراد عمر بنزول تحريم الخمر نزول قوله تعالى إنما الخمر والميسر الآية فأراد عمر التنبيه على أن المراد بالخمر في هذه الآية ليس خاصا بالمتخذ من العنب بل يتناول المتخذ من غيرها انتهى . ويؤيده حديث النعمان بن بشير المذكور في الباب وفي لفظ منه عند أصحاب السنن وصححه ابن حبان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة ولأحمد من حديث أنس بسند صحيح قال الخمر من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والذرة بضم المعجمة وتخفيف الراء من الحبوب معروفة
قوله " والخمر ما خامر العقل " أي غطاه أو خالطه فلم يتركه على حاله وهو مجاز والعقل هو آلة التمييز فلذلك حرم ما غطاه أو غيره لأن بذلك يزول الإدراك الذي طلبه الله من عباده ليقوموا بحقوقه
قال الكرماني هذا تعريف بحسب اللغة وأما بحسب العرف فهو ما يخامر العقل من عصير العنب خاصة قال الحافظ وفيه نظر لأن عمر ليس في مقام تعريف اللغة بل هو في مقام تعريف الحكم الشرعي فكأنه قال الخمر الذي وقع في تحريمه في لسان الشرع هو ما خامر العقل على أن عند أهل اللغة اختلافا في ذلك كما قدمته ولو سلم أن الخمر في اللغة يختص بالمتخذ من العنب فالاعتبار بالحقيقة الشرعية وقد تواترت الأحاديث على أن المسكر من المتخذ من غير العنب يسمى خمرا والحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة " وقد تقدم
وقد جعل الطحاوي هذا الحديث معارضا لحديث عمر المذكور
وقال البيهقي ليس المراد الحصر في الأمرين المذكورين في حديث أبي هريرة لأنه يتخذ الخمر من غيرها وقد تقدم الكلام على ذلك قال الحافظ أنه يحمل حديث أبي هريرة على إرادة الغالب لأن أكثر ما يتخذ الخمر من العنب والتمر ويحمل حديث عمرو من وافقه على إرادة استيعاب ذكر ما عهد حينئذ أنه يتخذ منه الخمر
قال الراغب في مفردات القرآن سمي الخمر لكونه خامرا للعقل إي ساترا له وهو عند بعض الناس اسم لكل مسكر وعند بعضهم للمتخذ من العنب خاصة وعند بعضهم للمتخذ من العنب والتمر وعند بعضهم لغير المطبوخ ورجحه أنه لكل شيء ستر العقل وكذا قال غير واحد من أهل اللغة منهم الدينوري والجوهري ونقل عن ابن الأعرابي قال سميت الخمر لأنها تركت حتى اختمرت واختمارها تغير رائحتها ويقال سميت بذلك لمخامرتها العقل نعم جزم ابن سيده في المحكم أن الخمر حقيقة إنما هي للعنب وغيرها من المسكرات يسمى خمرا مجازا
وقال صاحب الفائق من حديث إياكم والغبيراء فإنها خمر العالم هي نبيذ الحبشة تتخذ من الذرة سميت الغبيراء لما فيها من الغبرة وقال خمر العالم أي هي مثل خمر العالم لا فرق بينها وبينها
وقيل أراد أنها معظم خمر العالم
وقال صاحب الهداية من الحنفية الخمر ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم
قال وقيل هو اسم لكل مسكر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " كل مسكر خمر " ولأنه من مخامرة العقل وذلك موجود في كل مسكر قال أطباق أهل اللغةعلى تخصيص الخمر بالعنب ولهذا اشتهر استعمالها فيه ولأن تحريم الخمر قطعي وتحريم ما عدا المتخذ من العنب ظني قال وإنما يسمى الخمر خمرا لتخميرلا لمخامرة العقل قال ولا ينافي ذلك كون الاسم خاصا فيه كما في النجم فإنه مشتق من الظهور ثم هو خاص بالثريا انتهى
قال في الفتح والجواب عن الحجة الأولى ثبوت النقل عن بعض أهل اللغة بأن غير المتخذ من العنب يسمى خمرا وقال الخطابي زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب فيقال لهم إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرا عرب فصحاء فلو لم يكن هذا الاسم صحيحا لما أطلقوه
وقال ابن عبد البر قال الكوفيون الخمر من العنب لقوله تعالى { أعصر خمرا } قال فدل على أن الخمر هو ما يعصر لا ما ينبذ قال ولا دليل فيه على الحصر قال أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث كلهم كل مسكر خمر وحكمه حكم مما اتخذ من العنب ومن الحجة لهم أن القرآن لما نزل بتحريم الخمر فهم الصحابة وهو أهل اللسان أن كل شيء يسمى خمرا يدخل في النهي ولم يخصوا ذلك بالمتخذ من العنب . وعلى تقدير التسليم فإذا ثبت تسمية كل مسكر خمرا من الشرع كان حقيقة شرعية وهي مقدمة على الحقيقة اللغوية والجواب عن الحجة الثانية أن اختلاف مشركين في الحكم لا يلزم منه افتراقهما في التسمية كالزاني مثلا فإنه يصدق على من وطئ أجنبية وعلى من وطئ امرأة جاره والثاني أغلظ من الأول وعلى من وطئ محرما له وهو أغلظ من غيره أن لا يكون حراما بل يحكم بتحريمه وكذا تسميته خمرا وعن الثالثة ثبوت النقل عن أعلم الناس بلسان العرب كما في قول عمر الخمر ما خامر العقل وكان مستنده ما إدعاه من اتفاق أهل اللغة فيحمل قول عمر على المجاز لكن اختلف قول أهل اللغة في سبب تسمية الخمر خمرا فقال ابن الأنباري لأنها تخامر العقل أي تخالطه وقيل لأنها تخمر العقل أي تستره ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها وهذا أخص من التفسير الأول لأنه لا يلزم من المخالطة التغطية وقيل سميت خمرا لأنها تخمر أي تترك كما يقال خمرت العجين أي تركته ولا مانع من صحة هذه الأقوال كلها لثبوتها عن أهل اللغة وأهل المعرفة باللسان قال ابن عبد البر الأوجه كلها موجودة في الخمر
وقال القرطبي الأحديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما كانت من غيره فلا تسمى خمرا ولا يتناولها اسم الخمر وهو قول مخالف للغة العرب والسنة الصحيحة وللصحابة لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهو من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره بل سووا بينهما وحرموا كل نوع منهما ولم يتوقفوا ولا استفصلوا ولم يشكل عليهم شيئا من ذلك بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن فلو كان عندهم فيه تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا ويستفصلوا ويتحققوا التحريم لما كان قد تقرر عندهم من النهي عن أضاعة المال فلما لم يفعلوا ذلك بل بادروا إلى إتلاف الجميع علمنا أنهم فهموا التحريم ثم إنضاف إلى ذ لك خطبة عمر بما يوافق ذلك ولم ينكر عليه أحد من الصحابة وقد ذهب إلى التعميم علي عليه السلام وعمر وسعد وابن عمر أبو موسى وأبو هريرة وابن العباس وعائشة ومن التابعين ابن المسيب وعروة والحسن وسعيد بن جبير وآخرون وهو قول مالك والأوزاعي والثورى وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث
قال في الفتح ويمكن الجمع بأن من أطلق ذلك على غير المتخذ من العنب حقيقة يكون أراد الحقيقة الشرعية ومن نفى أراد الحقيقة اللغوي وقد أجاب بهذا ابن عبد البر وقال أن الحكم إنما يتعلق بالاسم الشرعي دون اللغوي وقد تقرر أن نزول تحريم الخمر وهي من البسر إذ ذاك فيلزم من قال أن الخمر حقيقة . في ماء العنب مجاز في غيره أن يجوز إطلاق اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه لأن الصحابة لما بلغهم تحريم الخمر أراقوا كل ما يطلق عليه لفظ الخمر حقيقة ومجازا وهو لا يجوز ذلك فصح أن الكل خمر حقيقة ولا نفكاك عن ذلك وعلى تقدير إرخاء العنان والتسليم بإن الخمر حقيقة في ماء العنب خاصة فإنما ذلك من حيث الحقيقة للغوية فأما من حيث الحقيقة اللغوية فإما من حيث الحقيقة الشرعية فالكل خمر حقيقة لحديث كل مسكر خمر فكل ما اشتد كان خمرا وكل خمر يحرم قليلة وكثيره وهذا يخالف قولهم وبالله التوفيق
قال الخطابي إنما عد عمر الخمسية المذكورة لاشتهار أسمائها في زمانه ولم تكن كلها توجد بالمدينة الوجود العام فإن الحنطة كانت بها غزيرة وكذا العسل بل كان أعز فعد عمر ما عرف منها وجعل ما في معناه مما يتخذ من الأرز وغيره خمرا إن كان مما يخامر العقل وفي ذلك دليل على جواز إحداث الاسم بالقياس وأخذه من طريق الاشتقاق وذكر ابن حزم أن بعض الكوفيين احتج بما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عمر بسند جيد قال أما الخمر فحرام لا سبيل إليها وأما ما عداها من الأشربة فكل مسكر حرام قال وجوابه إن ثبت عن ابن عمر وأنه قال كذا مسكر خمر فلا يلزم من تسمية المتخذ من العنب خمرا انحصار اسم الخمر يه وكذا احتجوا بحديث ابن عمر وأيضا حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء مراده المتخذ من العنب ولم يرد أن غيرها لا يسمى خمرا
قوله : " من العنب والتمر " هذان مما وقع الإجماع على تحريمهما حيث لم يطبخ حتى يذهب ثلثاه
قوله " والعسل " هو الذي يسمى البتع وهو خمر أهل اليمن
قوله : " والشعير " بفتح الشين المعجمة وكسرها لغة وهو المسمى بالمزر زاد أبو داود والذرة وهي بضم الذال المعجمة وتخفيف الراء المهملة كما سبق ولامها محذوفة والأصل ذرو أو ذري فحذفت لام الكلمة وعوض عنها الهاء
قوله : " عن البتع " بكسر الموحدة وسكون المثناة فوق وهو ما ذكره في الحديث قوله " كل شراب أسكر فهو حرام " هذا حجة للقائلين بالتعميم من غير فرق بين خمر العنب وغيره لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لما سأله السائل عن البتع قال كل شراب أسكر فهو حرام فعلمنا أن المسألة إنما وقعت على ذلك الجنس من الشراب وهو البتع ودخل فيه كل ما كان في معناه مما يسمى شرابا مسكرا من أي نوع كان فإن قال أهل الكوفة إن قوله صلى الله عليه وآله وسلم كل شراب أسكر يعني به الجزء الذي يحدث عقبه السكرفهو حرام فالجواب أن الشراب اسم جنس فيقتضي أن يرجع التحريم إلى الجنس كله كما يقال هذا الطعام مشبع والماء مرو يريد به الجنس وكل جزء منه يفعل ذلك الفعل فاللقمة تشبع العصفور وما هو أكبر منها يشبع ما هو أكبر من العصفور زكذلك جنس الماء يروي الحيوان على هذا الحد فكذلك النبيذ
قال الطبري يقال لهم أخبرونا عن الشربة التي يعقبها السكر أهي التي أسكرت صاحبها دون ما تقدمها من الشراب أم أسكرت باجتماعها مع ما تقدم وأخذت كل شربة بحظها من الإسكار فإن قالوا إنما حدث له السكر من الشربة الآخرة التي وجد خبل العقل عقبها قيل لهم وهل هذه التي أحدثت له ذلك إلا كبعض ما تقدم من الشربات قبلها في أنها لو انفردت دون ما قبلها كانت غير مسكرة وحدها وإنها إنما أسكرت باجتماعها واجتماع عملها فحدث عن الجميع السكر
قوله " والمزر " بكسر الميم بعدها زاي ثم راءز قوله " من جيشان " بفتح الجيم وسكون الياء تحتها نقطتان وبالشين المعجمة وبالنون وهو جيشان بن عيدان بن حجر بن ذي رعين قاله في الجامع
قوله : " من طينة الخبال " بفتح الخاء المعجمة والموحدة المخففة يعني يوم القيامة . والخبال في الأصل الفساد وه يكون في الأفعال والأبدان والعقول . والخبل بالتسكين الفساد
13 - وعن عائشة قالت " قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي
وقال حديث حسن
14 - وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ما أسكر كثيره فقليله حرام "
- رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني وصححه . ولأبي داود وابن ماجه والترمذي مثله سواء من حديث جابر وكذا الأحمد والنسائي وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وكذا الدار قطني من حديث الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه
15 - وعن سعد بن أبي وقاص " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قليل ما أسكر كثيره "
- رواه النسائي والدار قطني
16 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاه قوم فقالوا يا رسول الله أنا ننبذ النبيذ فنشربه على غذائنا وعشائنا فقال اشربوا فكل مسكر حرام فقالوا يا رسول الله إنا نكسره بالماء فقال حرام قليل ما أسكر كثيره "
- رواه الدارقطني
17 - وعن ميمونة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تنبذوا في الدباء ولا في المزفت ولا في النقير ولا في الجرار وقال كل مسكر حرام "
- رواه أحمد
18 - وعن أبي مالك الأشعري " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ليشربن أناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها "
- رواه أحمد وأبو داود وقد سبق
19 - وعن عبادة بن الصامت قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه "
- رواه أحمد وابن ماجه وقال تشرب مكان تستحل
20 - وعن أبي أمامة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تذهب اليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها "
- رواه ابن ماجه
21 - وعن ابن محيرز عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " يشرب ناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها "
- رواه النسائي
- حديث عائشة رواته كلهم محتج بهم في الصحيح سوى أبي عثمان عمرو ويقال عمر بن سالم الأنصاري مولاهم المدني ثم الخراساني وهو مشهور ولي القضاء بمرو ورأى عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وسمع من القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق
وروى عنه غير واحد
قال المنذري لم أر أحد قال فيه كلاما وقال الحاكم هو معروف بكنيته
وأخرجه أيضا ابن حبان وأعله الدارقطني بالوقف . وحديث جابر الذي أشار إليه المصنف حسنه الترمذي وقال الحافظ رجاله ثقات انتهة
وفي إسناده داود بن بكر بن أبي فرات الأشجعي مولاهم المدني سئل عنه ابن معين فقال ثقة
وقال أبو حاتم الرازي لا بأس به ليس بالمتين . وحديث عمرو بن شعيب وما بعده أشار إلى البعض منها الترمذي قال بعد إخراج حديث جابر ( في الباب ) عن سعد وعائشة وعبد الله بن عمرو وابن عمر وخوات بن جبير وقال المنذري بعد الكلام على حديث جابر ما نصه
وقد روى هذا الحديث من رواية الإمام علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو . وحديث سعد بن أبي وقاص أجودها إسنادا قال النسائي رواه في سننه عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وهو أحد الثقات عن الوليد بن كثير وقد احتج به البخاري ومسلم في الصحيحين عن الضحاك بن عثمان
وقد احتج به مسلم في صحيحه عن بكير بن عبد الله الأشج عن عامر بن سعد بن أبي وقاص
وقد احتج البخاري ومسلم بهما في الصحيحين وقال أبو بكر البزار وهذا الحديث لا نعلمه روي عن سعد إلا من هذا الوجه ورواه عن الضحاك وأسنده جماعة منهم الدراوردي والوليد بن كثير ومحمد بن جعفر بن أبي كثير المدني انتهى . وتابع محمد بن عبد الله ابن عمار أبو سعبد عبد الله بن سعيد الأشج وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج به وأخرجه أيضا البزار وابن حبان
قال الحافظ في التلخيص حديث علي في الدارقطني وحديث خوات في المستدرك وحديث سعد في النسائي وحديث ابن عمرو في ابن ماجه والنسائي . وحديث ابن عمر في الطبراني . وحديث ميمونة في إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف
قال في مجمع الزوائد وبقية رجاله رجال الصحيح وستأتي الأحاديث الواردة في معناه في باب الأوعية المنهى عن الانتباذ فيها وإنما ذكره المصنف ههنا لقوله في آخره " كل مسكر حرام " . وحديث أبي مالك الأشعري تقدم في باب ما جاء في آلة اللهو وقد صححه ابن حبان قال في الفتح وله شواهد كثيرة ثم ساق من ذلك عدة أحاديث منها حديث أبي أمامة المذكور في الباب وسكت عنه ومنها حديث ابن محيريز المذكور أيضا وقد أخرجه أيضا أحمد وابن ماجه من وخه آخر بسند صحيح . وحديث عبادة في إسناده عند ابن ماجه الحسين بن أبي السري العسقلاني وهو مجهول . وحديث أبي أمامة رواه ابن ماجه من طريق العباس بن الوليد الدمشقي وهو صدوق وقد ضعف عن عبد السلام بن عبد القدوس وهو ضعيف وبقية رجال إسناده ثقات . وحديث ابن محيريز إسناده عند النسائي صحيح قال أخبرنا محمد بن عبد الأعلى عن خالد وهو ابن الحرث عن شعبة قال سمعت أبا بكر بن حفص يقول سمعت ابن محيريز يذكره ولعل الرجل المبهم من الصحابة هو عبادة بن الصامت فإن ابن ماجه روى حديث عبادة المتقدم من طريق ابن محيريز والأحاديث الواردة في هذا المعنى يقوي بعضها بعضا
قوله : " الفرق " بفتح الراء وسكونها والفتح أشهر وهو مكيال يسع ستة عشر رطلا وقيل هو بفتح الراء كذلك فإذا سكنت فهو مائة وعشرون رطلا
قوله : " فملء الكف منه حرام " في رواية الإمام أحمد في الأشربة بلفظ " فالأوقية منه حرام " وذكر ملء الكف أو الأوقية في الحديث على سبيل التمثيل وإنما العبرة بأن التمثيل شامل للقطرة ونحوها
قوله : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " قال ابن رسلان في شرح السنن أجمع المسلمون على وجوب الحد على شاربها سواء شرب قليلا أو كثيرا ولو قطرة واحدة قال وأجمعوا على أنه لا يقتل شاربها وإن تكرر قوله " لا تنبذوا في الدباء " إلى آخر الحديث سيأتي تفسير هذه الألفاظ في باب الأوعية المنهى عن الانتباذ فبها
قوله : " ليشربن " الداذي بدال مهملة وبعد الألف ذال معجمة قال الأزهري هو حب يطرح في النبيذ فيشتد حتى يسكر أو يسمونها بالطلاء
وقد تقدم الكلام على هذا في باب ما جاء في آله اللهو
باب الأوعية المنهي عن الانتباذ فيها ونسخ تحريم ذلك
1 - عن عائشة " أن وفد عبد القيس قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه عن النبيذ فنهاهم أن ينبذوا في الدباء والنقير والمزفت والحنتم "
2 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لوفد عبد القيس أنهاكم عما ينبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت "
3 - وعن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تنبذوا في الدباء ولا في المزفت "
4 - وعن ابن أبي أوفى قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن نبيذ الجر الأخضر "
5 - وعن الإمام علي رضي الله عنهقال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تنبذوا في الدباء والمزفت "
- متفق على خمستهن
6 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تنبذوا في الدباء ولا في المزفت " وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المزفت والحنتم والنقير " قيل لأبي هريرة ما الحنتم قال الجرار الخضر
7 - وعن أبي سعيد " أن وفد عبد القيس قالوا يا رسول الله ماذا يصلح لنا من الأشربة قال لا تشربوا في النقير فقالوا جعلنا الله فداك أو تدري ما النقير قال نعم الجذع ينقر في وسطه ولا في الدباء ولا في الحنتم وعليكم بالموكى "
- رواهن أحمد ومسلم
8 - وعن ابن عمر وابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الدباء والحنتم والمزفت "
9 - وعن أبي هريرة قال " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لوفد عبد القيس أنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير والمزادة المجبوبة ولكن اشرب في سقائك وأوكه "
- رواهما مسلم والنسائي وأبو داود
10 - عن ابن عمر وابن عباس قالا " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبيذ الجر "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود
11 - وعن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الختمة وهي الجرة ونهى عن الدباء وهي القرعة ونهى عن النقير وهي أصل النخل ينقر نقرا وينسخ نسخا ونهى عن المزفت وهو المقير وأمر أن ينبذ في الأسقية "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه
12 - وعن بريدة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
وفي رواية " نهيتكم عن الظروف وإن ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه وكل مسكر حرام " رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود
13 - وعن عبد الله بن عمر قال لما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الأوعية فيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس كل الناس يجد سقاء فرخص لهم في الجر غير المزفت "
- متفق عليه
14 - وعن أنس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن النبيذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت ثم قال بعد ذلك ألا نهيتم عن النبيذ في الأوعية فاشربوا فيما شئتم ولا تشربوا مسكرا من شاء أوكى سقاءه على أثم "
15 - وعن عبد الله بن مغفل قال " أنا شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين نهي عن نبيذ الجر وأنا شهدته حين رخص فيه وقال واجتنبوا كل مسكر "
- رواهما أحمد
- حديث أنس أخرجه أيضا أبو يعلى والبزار وفي إسناده يحيى بن عبد الله الجابري ضعفه الجمهور وقال أحمد لا بأس به وبقية رجاله ثقات . وحديث عبد الله بن مغفل رجال إسناده ثقات
وفي أبي جعفر الرازي كلام لا يضر وقد أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط في الباب عن الجماعة من الصحابة غير من ذكره المصنف قوله " في الدباء " بضم الدال المهملة وتشديد الباء وهو القرع وهو من الآنية التي يسرع الشراب في الشدة إذا وضع فيها
قوله : " النقير " هو فعيل بمعنى مفعول من نقر ينقر وكانوا يأخذون أصل النخلة فينقرونه في جوفه ويجعلونه إناء ينتبذون فيه لأن له تأثيرا في شدة الشراب
قوله : " والمزفت " اسم مفعول وهو الإناء المطلي بالزفت وهو نوع من القار
قوله : " والحنتم " بفتح الحاء المهملة جرار خضر مدهونة كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة ثم اتسع فيها فقيل للخزف كله حنتم واحدها حنتمة وهي أيضا مما تسرع فيه الشدة
قوله : " عن نبيذ الجر " بفتح الجيم وتشديد الراء جمع جرة كتمر جمع تمرة وهو بمعنى الجرار الواحدة جرة ويدخل فيه جميع أنواع الجرار من الحنتم وغيره
وروى أبو داود عن سعيد بن جبير أنه قال لابن عباس ما الجر فقال كل شيء يصنع من المدر فهذا تصريح إن الجر يدخل فيه جميع أنواع الجرار المتخذة من المدر الذي هو التراب والطين يقال ندرت الحوض أمدره إذا أصلحته بالمدر وهو الطين من التراب
قوله : " والمقير " بضم الميم وفتح القاف والياء المشددة وهو المزفت أي المطلى بالزفت وهو نوع من القار كما تقدم
وروى عن ابن عباس أنه قال المزفت هو المقير حكى ذلك ابن رسلان في شرح السنن وقال أنه صح ذلك عنه
قوله : " والمزادة " هي السقاء الكبير سميت بذلك لأنه يزاد فيها على الجلد الواحد كذا قال النسائي . والمجبوبة بالجيم بعدها موحدتين بينهما واو قال عياض ضبطناه في جميع هذه الكتب بالجيم والباء الموحدة المكررة ورواه بعضهم المخنوثة بخاء معجمة ثم نون وبعدها ثاء مثلثة كأنه أخذ من اختناث الأسقية المذكورة في حديث آخر ثم قال وهذه الرواية ليست بشيء والصواب الأول إنها بالجيم وهي التي قطع رأسها فصارت كالدن مشتقة من الجب وهو القطع لكون رأسها يقطع حتى لا يبقي لها رقبة توكي
وقيل هي التي قطعت رقبتها وليس لها عزلاء أي فم من أسفلها يتنفس الشراب منها فيصير شرابها مسكرا ولا يدري به
قوله : " وأوكه " بفتح الهمزة أي وإذا فرغت من صب الماء واللبن الذي من الجلد فأوكه أي سد رأسه بالوكاء يعني بالخيط لئلا يدخله حيوان أو يسقط فيه شيء
قوله : " ينسح نسحا " بالحاء المهملة عند أكثر الشيوخ وفي كثير من نسخ مسلم عن ابن ماهان بالجيم وكذا في الترمذي وهو تصحيف ومعناه القشر ثم الحفر
قوله : " إلا في ظروف الأدم " بفتح الهمزة والدال جمع أديم ويقال أدم بضمهما وهو القياس ككثيب وكثب وبريد وبرد والأديم الجلد المدبوغ
قوله : " فاشربوا في كل وعاء " فيه دليل على نسخ النهي عن الانتباذ في الأوعية المذكورة
قال الخطابي ذهب الجمهور إلى أن النهي إنما كان أولا ثم نسخ وذهب جماعة إلى أن النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية باق منهم ابن عمر وابن عباس وبه قال مالك وأحمد وإسحاق كذا أطلق قال والأول أصح والمعنى في النهي أن العهد بإباحة الخمر كان قريبا فلما لاشتهر التحريم أبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط ترك شرب المسكر وكأن من ذهب إلى استمرار النهي لم يبلغه الناسخ وقال الحازمي لمن نصر قول مالك أن يقول ورد النهي عن الظروف كلها ثم نسخ منها ظروف الأدم والجرار غير المزفتة واستمر ما عداها على المنع ثم تعقب ذلك بما ورد من التصريح في حديث بريدة عند مسلم كما في حديثث الباب قال وطريق الجمع أن يقال لما وقع النهي عاما شكوا إليه الحاجة فرخص لهم في ظروف الأدم ثم شكوا إليه أن كلهم لا يجد ذلك فرخص لهم في الظروف كلها وقال ابن بطال النهي عن الأوعية إنما كان قطعا للذريعة فلما قالوا لا نجد بدا من الانتباذ في الأوعية قال انتبذوا وكل مسكر حرام وهكذا الحكم في كل شيء نهى عنه بمعنى النظر إلى غيره فإنه يسقط للضرورة كالنهي عن الجلوس في الكرقات فلما قالوا لا بد لنا منها قال " وأعطوا الطريق حقها "
باب ما جاء في الخليطين
1 - عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أنه نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعا "
- رواه الجماعة إلا الترمذي فإن له منه فصل الرطب والبسر
2 - وعن أبي قتادة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تنبذوا الزهو والرطب جميعا ولا تنبذوا الزبيب والرطب جميعا ولكن انبذوا كل واحد منهما على حدته "
- متفق عليه لكن للبخاري ذكر التمر بدل الرطب وفي لفظ " أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن خليط التمر والبسر وعن خليط الزبيب والتمر وعن خليط الزهو والرطب وقال انتبذوا كل واحد على حدته " . رواه مسلم وأبو داود
3 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن التمر والزبيب أن يخلط بينهما وعن التمر والبسر أن يخلط بينهما يعني في الانتباذ "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي
وفي لفظ " نهانا أن نخلط بسرا بتمر أو زبيبا بتمر أو زبيبا ببسر وقال من شربه منكم فليشربه زبيبا فردا وتمرا فردا أو بسرا فردا " رواه مسلم والنسائي
4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تنبذوا التمر والزبيب جميعا ولا تنبذوا التمر والبسر جميعا وانبذوا كل واحد منهن وحده "
- رواه أحمد ومسلم
5 - وعن ابن عباس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخلط التمر والزبيب جميعا وأن يخلط البسر والتمر جميعا "
6 - وعنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخلط البلح بالزهو "
- رواهما مسلم والنسائي
7 - وعن المختار بن فلفل عن أنس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نجمع بين شيئين فينبذا يبغى أحدهما على صاحبه قال وسألته عن الفضيح فنهانى عنه قال كان يكره المذنب من البسر مخافة أن يكون شيئين فكنا نقطعه "
- رواه النسائي
8 - وعن عائشة قالت " كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سقاء فنأخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فنطرحهما ثم نصب عليه الماء فننبذه غدوة فيشربه عشية وننبذه عشية فيشربه غدوة "
- رواه ابن ماجة
- حديث أنس رواه النسائي من طريق سويد بن نصر وهو ثقة عن عبد الله ابن المبارك الإمام الكبير عن ورقاء وهو صدوق عن المختار بن فلفل وهو ثقة عن أنس
وقد أخرجه أيضا أحمد بن حنبل من طريق المختار بن فلفل عنه . وحديث عائشة رجاله عند ابن ماجه رجال الصحيح إلا تبالة بنت يزيد الراوية له عن عائشة فإنها مجهولة وقد أخرجه أيضا ابن داود عن صفية بنت عطية قالت دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة فسألناها عن التمر والزبيب فقالت كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فالقيه في إناء فأمرسه ثم أسقيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي إسناده أبو بحر عبد الرحمن بن عثمان البكراوي البصري قال المنذري ولا يحتج بحديثه
قال أبو حاتم وليس هو بالقوي
وأخرج أبو داود أيضا عن مرأة من بني أسد عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينتبذ له زبيب فيلقى فيه تمرا وتمر فيلقي فيه الزبيب " وفيه هذه المرأة المجهولة
قوله : " باب ما جاء في الخليطين " أصل الخلط تداخل أشياء الأشياء بعضها في بعض
قوله : " والبسر " بضم الموحدة نوع من ثمر النخل معروف
قوله : " الزهو " بفتح الزاي وضمها لغتان مشهورتان قال الجوهري أهل الحجاز يضمون يعني وغيرهم بفتح والزهو هو البسر الملون الذي بدا فيه حمرة أو صفرة وطاب وزهت تزهى زهوا وأزهت تزهى وأنكر الأصمعي أزهت بالألف وأنكر غيره زهت بلا ألف ورجحت الجمهور زهت وقال ابن الأعرابي زهت ظهرت وأزهت أحمرت أو أصفرت والأكثرون على خلافه
قوله : " على حدته " بكسر الحاء وفتح الذال أي وحدته فحذفت الواو من أوله والمراد أن كل واحد منهما ينبذ منفردا عن الآخر قوله " البلح " بفتح الموحدة وسكون اللام ثم حاء مهملة وفي القاموس وشمس العلوم بفتحها هو أول ما يرطب من البسر واحده بلحة
قوله : " وسألته عن الفضيخ قد تقدم ضبطه وتفسيره
قوله : " كان يكره المذنب " بذال معجمة فنون مشددة مكسورة ما بدا فيه الطيب من ذنبه أي طرفه ويقال له أيضا التذويب
قوله : " نقطعه " أي نفصل بين البسر وما بدا فيه واختلف في سبب النهي عن الخليطين فقال النووي ذهب أصحابنا وغيرهم من العلماء إلى أن سبب النهي عن الخليط أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يشتد فيظن الشارب أنه لم يبلغ حد الإسكار وقد بلغه قال ومذهب الجمهور أن النهي في ذلك للتنزيه وإنما يحرم إذا صار مسكرا ولا تخفى علامته
وقال بعض المالكية هو للتحريم واختلف في خلط نبيذ البسر الذي لم يشتد مع نبيذ التمر الذي لم يشتد عند الشرب هل يمتنع أو يختص النهي عن الخلط بالانتباذ فقال الجمهور لا فرق
وقال الليث لا باس بذلك عند الشرب ونقل ابن التين عن الداودي أن المنهى عنه خلط النبيذ بالنبيذ لا إذا نبذا معا ( واختلف ) في الخليطين من الأشربة غير النبيذ فحكى ابن التين عن بعض الفقهاء أنه كره أن يخلط للمريض الأشربة
قال ابن العربي لنا أربع صور أن يكون الخليطان منصوصين فهو حرام أو منصوص ومسكوت عنه فإن كان كل منهما لو انفرد اسكر فهو حرام قياسا على المنصوص أو مسكوت عنهما وكل منهما لو انفرد لم يسكر جاز إلى آخر كلامه
وقال الخطابي ذهب إلى تحريم الخليطين وإن لم يكن الشراب منهما مسكرا جماعة عملا بظاهر الحديث وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وظاهر مذهب الشافعي وقالوا من شرب الخليطين أثم من جهة واحدة فإن كان بعد الشدة أثم من جهتين وخص الليث النهي بما إذا انتبذا معا وخص ابن حزم النهي بخمسة أشياء التمر والرطب والزهو والبسر والذبيب قال سواء خلط أحدها في الآخر منها أو في غيرها فأما لو خلط واحد من غيرها في واحد من غيرها فلا مانع كالتين والعسل مثلا . وحديث أنس المذكور في الباب يرد عليه
وقال القرطبي النهي عن الخليطين ظاهر في التحريم وهو قول جمهور فقهاء الأمصار وعن مالك يكره فقط وشذ من قال لا بأس به لأن كلا منهما يحل منفردا فلا يكره مجتمعا قال وهذه مخالفة للنص بقياس مع وجود الفارق فهو فاسد ثم هو منتقض بجواز كل واحدة من الأختين منفردة وتحريمهما مجتمعتين
باب النهي عن تخليل الخمر
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الخمر يتخذ خلا فقال لا "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه
2 - وعن أنس " أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أيتام ورثوا خمرا قال أهرقها قال أفلا نجعلها خلا قال لا "
- رواه أحمد وأبو داود
3 - وعن أبي سعيد " قال قلنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما حرمت الخمر إن عندنا خمرا ليتيم لنا فأمرنا فأهرقناها "
- رواه أحمد
4 - وعن أنس أن يتيما كان في حجر أبي طلحة فاشترى له خمرا فلما حرمت سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتتخذ خلا قال لا "
- رواه أحمد والدارقطني
- حديث أنس الأول قال الترمذي بعد إخراجه حديث حسن صحيح . وحديثه الثاني عزاه المنذري في مختصر السنن إلى مسلم وهو كما قال في صحيح مسلم ورجال إسناده في سنن أبي داود ثقات
وأخرجه الترمذي من طريقين وقال الثانية أصح . وحديث أبي سعيد أشار إليه الترمذي قال وفي الباب عن جابر وعائشة وأبي سعيد وابن مسعود وابن عمر
وفي لفظ للترمذي عن أنس عن أبي طلحة أنه قال يا نبي الله
وفي لفظ آخر كما في الكتاب
قوله : " قال لا " فيه دليل للجمهور على أنه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر بالتخليل هذا إذا خللها بوضع شيء فيها أما إذا كان التخليل بالنقل من الشمس إلى الظل أو نحو ذلك فأصح وجه عن الشافعية أنها تحل وتطهر وقال الأوزاعي وأبو حنيفة تطهر إذا خللت بإلقاء شيء فيها وعن مالك ثلاث روايات أصحها أن التخليل حرام فلو خللها عصي وطهرت
قال القرطبي كيف يصح لأبي حنيفة القول بالتخليل مع هذا الحديث ومع سببه الذي خرج عليه إذ لو كان جائزا لكان قد ضيع على الأيتام مالهم ولوجب الضمان على من أراقها عليهم وهو أبو طلحة
قوله : " أهرقها " بسكون القاف وكسر الراء فيه دليل على أن الخمر لا تملك بل يجب إراقتها في الحال ولا يجوز لأحد الانتفاع بها إلا بالإراقة
قال القرطبي وقال بعض أصحابنا تملك وليس بصحيح . ولفظ أحمد في رواية له " أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عندي خمور لأيتام فقال أرقها قال ألا أخللها قال لا "
باب شرب العصير ما لم يغل أو يأت عليه ثلاث وما طبخ قبل غليانه فذهب ثلثاه
1 - عن عائشة قالت " كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سقاء يوكي أعلاه وله عزلاء ننبذه غدوة فيشربه عشيا وننبذه عشيا فيشربه غدوة "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي
2 - وعن ابن عباس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينبذ له أول الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجيء والغد والليلة الأخرى والغد إلى العصر فإذا بقي شيء سقاه الخدام أو أمر به فصب "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية " كان ينقع له الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ثم يأمر به فيسقي الخادم أو يهراق " رواه أحمد ومسلم وأبو داود
وقال معنى يسقي الخادم يبادر به الفساد
وفي رواية " كان ينبذ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشربه يومه ذلك والغد واليوم الثالث فإن بقي شيء منه أهرلقه أو أمر به فأهريق " رواه النسائي وابن ماجه
3 - وعن أبي هريرة قال " علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء ثم أتيته ه فإذا هو ينش فقال اضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر "
- رواه أبو داود والنسائي
وقال ابن عمر في العصير أشربه ما لم يأخذه شيطانه قيل وفي كم يأخذه شيطانه قال في ثلاث حكاه أحمد وغيره
4 - وعن أبي موسى " أنه كان يشرب من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه "
- رواه النسائي وله مثله عن عمر وأبي الدرداء وقال البخاري رأى عمر وأبو عبيدة ومعاذ شرب الطلاء على الثلث وشرب البراء وأبو جحيفة على النصف
وقال أبو داود سألت أحمد عن شرب الطلاء إذا ذهب ثلثاه وبقس ثلثه فقال لا بأس به فقلت إنهم يقولون يسكر قال لا يسكر لو كان يسكر ما أحله عمر رضي الله عنه
- حديث عائشة تقدم في باب ما جاء في الخليطين
وأخرج أبو داود أيضا عن عائشة أنها كانت تنبذ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غدوة فإذا كان من العشاء فتعشى شرب على عشائه وإن فضل شيء صبته أو فرغته ثم تنبذ له بالليل فإذا اصبح تغدى فشرب على غدائه قالت نغسل السقاء غدوة وعشية فقال لها أي مرتين في يوم قالت نعم . وحديث أبي هريرة أخرجه ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وقد اختلف في هشام بن عمار ولكنه قد أخرج له البخاري
وأما قوله وله مثله عن عمر فهو ما أخرجه النسائي من طريق عبد الله بن يزيد الخطمي قال كتب عمر اطبخوا شرابكم حتى يذهب نصيب الشيطان اثنين ولكم واحد وصحح هذا الحافظ في الفتح وأخرج مالك في الموطأ من طريق محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكى إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا العسل قالوا ما يصلحنا العسل فقال رجل من أهل الأرض هل لك أن تجعل من هذا الشراب شيئا لا يسكر فقال نعم فطبخوا حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط فقال هذا الطلاء مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه وقال اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم
وأخرج سعيد بن منصور من طريق أبي مجلز عن عامر بن عبد الله قال كتب عمر إلى عمار أما بعد فإنه جاءني عير تحمل شرابا أسودا كأنه طلاء الإبل فذكروا أنهم يطبخونهم حتى يذهب ثلثاه الاخبثان ثلث بريحه وثلث ببغيه فمر من قبلك أن يشربوه . ومن طريق سعيد بن المسيب أن عمر أحل من الشراب ما يطبخ فذهب ثلثاه وبقي ثلثه . وأثر أبي عبيدة ومعاذ أخرجه أبو مسلم الكجي وسعيد بن منصور بلفظ يشربون من الطلاء ما يطبخ على الثلث وذهب ثلثاه قال في الفتح وقد وافق عمر ومن ذكر معه على الحكم المذكور أبو موسى وأبو الدرداء أخرجه النسائي عنهما وعلى وأبو أمامة وخالد من الوليد وغيرهم أخرجها ابن أبي شيبة وغيره ومن التابعين ابن المسيب والحسن وعكرمة ومن الفقهاء الثوري والليث ومالك وأحمد والجمهور وشرط تناوله عندهم ما لم يسكر وكرهه طائفة تورعا . وأثر البراء أخرجه ابن أبي شيبة من رواية عدي بن ثابت عنه أنه كان يشرب الطلاء على النصف أي إذا طبخ فصار على النصف . وأثر أبي جحيفة أخرجه أيضا ابن أبي شيبة ووافق البراء وأبا حنيفة جرير ومن التابعين ابن حنيفة وشريح واطلق الجميع على أنه إن كان حرم قال أبو عبيدة بلغني أن النصف يسكر فإن كان كذلك فهو حرام والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف أعناب البلاد فقد قال ابن حزم أنه شاهد العصير ما إذا طبخ إلى الثلث ينعقد ولا يصير مسكرا أصلا ومنه ما إذا طبخ إلى النصف كذلك ومنه ما إذا طبخ إلى الربع كذلك بل قال أنه شاهد منه مالو طبخ لا يبقى غير ربعه لا ينفك عنه السكر قال وجب أن يحمل ما ورد عن الصحابة من أمر الطلاء على مالا يسكر بعد الطبخ وأخرج النسائي من طريق عطاء عن ابن عباس بسند صحيح أنه قال أن النار لا تحل شيء ولا تحرمه
وأخرج النسائي أيضا من طريق أبي ثابت الثعلبي قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل يسأله عن العصير فقال إشربه ما كان طريا قال إني طبخت شرابا وفي نفسي قال كنت شاربه قبل أن تطبخه قال لا قال فإن النار لا تحل شيئا قد حرم
قال الحافظ وهذا يقيد ما أطلق في الآثار الماضية وهو أن الذي يطبخ إنما هو اعصير الطري قبل أن يتخمر أما لو صار خمرا فطبخ فإن الطبخ لا يحله ولا يطهره إلا على رأي من يجيز تخليل الخمر والجمهور على خلافه
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي من طريق سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي اشربوا العصير ما لم يغل . وعن الحسن البصري ما لم يتغير وهذا قول كثير من السلف أنه إذا بدا فيه التغيريمتنع وعلامة ذلك أن يأخذ في الغليان وبهذا قال أبو يوسف
وقيل إذا انتهى غليانه وابتدأ في الهدو بعد الغليان
وقيل إذا سكن غليانه
وقال أبو حنيفة لا يحرم عصير العنب إلى أن يغلي ويقذف بالزبد فإذا إلى وقذف بالبد حرم
وأما المطبوخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فلا يمتنع مطلقا ولو إلى وقذف بالزبد بعد الطبخ
وقال مالك والشافعي والجمهور يمتنع إذا صار مسكرا شرب قليله وكثيره سواء غلا أم لا لأنه يجوز أن يبلغ حد الإسكار بأن يغلي ثم يسكن غليانه بعد ذلك وهو مراد من قال حد منع شربه أن يتغير
وأخرج مالك بإسناد صحيح أن عمر قال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وإني سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما
وفي السياق حذف والتقدير سأل عنه فوجده يسكر فجلده
وأخرج سعيد بن منصور عنه نحوه
وفي هذا رد على من احتج بعمر في جواز المطبوخ إذا ذهب منه الثلثان ولو أسكر بأن عمر أذن بشربه ولم يفصل وتعقب بأن الجمع بين الأثرين ممكن بأن يقال سأل ابنه فاعترف بأنه شرب كذا فسأل غيره عنه فأخبره أنه يسكر أو سأل ابنه فاعترف أنه يسكر
وقال أبو ليث السمرقندي شارب المطبوخ إذا كان يسكر أعظم ذنبا من شارب الخمر لأن شارب الخمر يشربها وهو عالم أنه عاص بشربها وشارب المطبوخ يشرب المسكر ويراه حلالا وقد قام الإجماع على أن قليل الخمر وكثيره . حرام وثبت قوله صلى الله عليه وآله وسلم " كل مسكر حرام " ومن استحل ما هو حرام بالإجماع كفر قوله " يوكي " أي يشد بالوكاء وهو غير مهموز
قوله : " وله عزلاء " بفتح العين المهملة وإسكان الزاي وبالمد وهو الثقب الذي يكون في أسفل المزادة والقربة
قوله " فيشربه عشاء " قال النووي وهو بكسر العين وفتح الشين وضبطه بعضهم بفتح العين وكسر الشين وزيادة ياء مشددة
قال القرطبي هذا يدل على أن أقصى زمان الشرب ذلك المقدار فإنه لا تخرج حلاوة التمر أو الزبيب في أقل من ليلة أو يوم ( والحاصل ) أنه يجوز شرب النبيذ ما دام حلوا غير أنه إذا اشتد الحر أسرع إليه التغير في زمان الحر دون زمان البرد
قوله : " غلى مساء الثالثة قال النووي مساء الثالثة يقال بضم الميم وكسرها لغتان مشهورتان والضم أرجح . فوله " فيسقي الخادم " هذا محمول على أنه لم يكن قد بلغ إلى حد السكر لأن الخادم لا يجوز أن يسقى المسكر كما لا يجوز له شربه بل تتوجه إراقته
قوله : " أو يهراق " بضم أوله لأنه إذا صار مسكرا حرم شربه وكان نجسا فيراق قوله " فتحينت فطره " أي طلبت حين فطره
قوله : " صنعته في دباء " أي قرع
قوله : " ينش " بفتح الياء التحتية وكسر النون أي إذا إلى يقال نشت الخمر تنش نشيشا إذا غلت
قوله : " اضرب بهذا الحائط " أي أصببه وأرقه في البستان وهو الحائط قوله " في ثلاث " فيه دليل على أن النبيذ بعد الثلاث قد صار مظنة لكونه مسكرا فيتوجه اجتنابه قوله " من الطلاء " بكسر المهملة والمد شبه بطلاء لإبل وهو في تلك الحال غالبا لا يسكر
باب آداب الشرب
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا "
- متفق عليه
وفي لفظ " كان يتنفس في الشراب ثلاثا ويقول إنه أروى وأبرأو أمرأ " رواه أحمد ومسلم
2 - وعن أبي قتادة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء "
- متفق عليه
3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي
4 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن النفخ في الشراب فقال رجل القذاة أراها في الإناء فقال أرقها فقال لإني لا اروى من نفس واحد قال فأبن القدح إذا عن فيك "
- رواه أحمد والترمذي وصححه
- قوله " كان يتنفس في الإناء ثلاثا " حمل بعضهم هذه الرواية على ظاهرها وأنه يقع التنفس في الإناء ثلاثا وقال فعل ذلك ليبين به جواز ذلك . ومنهم من علل جواز ذلك في حقه عليه السلام بأنه لم يكن يتقذر فيه شيء بل الذي يتقذر من غيره يستطاب منه فإنهم كانوا إذا بزق أو تنخع يدلكون بذلك وإذا توضأ اقتتلوا على فضلة وضوئه إلى غير ذلك مما في هذا المعنى
قال القرطبي وحمل هذا الحديث على المعنى ليس بصحيح بدليل بقيته فإنه قال إنه أروى وأمرأ
وفي لفظ لأبي داود وأبرأ . وهذه الثلاثة أمور إنما تحصل بأن يشرب ثلاثة أنفاس خارج القدح فأما إذا تنفس في الماء وهو يشرب فلا يأمن الشرق وقد لا يروى وعلى هذا المعنى حمل الحديث الجمهور نظرا إلى المعنى ولبقية الحديث وللنهي عن التنفس في الإناء في حديث أبي قتادة . وحديث ابن عباس ولقوله في حديث أبي سعيد فأبن القدح إذا ولا شك هذا من مكارم الأخلاق ومن باب النظافة وما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بشيء ثم لا يفعله وإن كان لا يستقذر منه وأهنأ وأمرأ من قوله تعالى { فكلوه هنيئا مريئا } ومعنى الحديث كان إذا شرب تنفس في الشراب من الإناء ثلاثا . ومعنى أروى أكثر ريا وأبرأ مهموز أي أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد وأمرأ أي أكمل انسياغا وقيل إذا نزل من المرئ الذي في رأس المعدة إليها فيمرئ في الجسد منها وفي رواية لأبي داود بزيادة أهنأ وكل ما لم يأت بمشقة ولا عناء فهو هنئ ويقال هنأني الطعام فهو هني أي لا إثم فيه ويحتمل أن يكون أهنأ في هذه الرواية بمعنى أروى
قال ابن رسلان في شرح السنن وفي هذا الحديث إشارة إلى ما يدعى للشارب به عقب الشراب فيقال له عقب الشراب هنيئا مريئا وأما قولهم في الدعاء للشارب صحة بكسر الصاد فلم أجد لها أصلا في السنة مسطورا بل نقل لي بعض طلبة الدمشقيين عن بعض مشايخه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال للتي شربت دمه أو بوله صحة فإن ثبت هذا فلا كلام انتهى
قوله : " فلا يتنفس في الإناء " النهي عن التنفس في الذي يشرب منه لئلا يخرج من الفم بزاق يستقذره من شرب بعده منه أو تحصل فيه رائحة كريهة تتعلق بالماء أو الإناء وعلى هذا فإذا لم يتنفس في الإناء فليشرب في نفس واحد قال عمر بن عبد العزيز وأجازه جماعة منهم ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومالك بن أنس وكره ذلك جماعة منهم ابن عباس ورواية عكرمة وطاوس وقالوا هو شرب الشيطان . والقول الأول أظهر لقوله في حديث الباب للذي قال له أنه لا يروى من نفس واحدة أبن القدح عن فيك وظاهره أنه أباح له الشرب في نفس واحد إذا كان يروى منه وكما لا يتنفس في الإناء لا يتجشأ فيه بل ينحيه عن فيه مع الحمد لله ويرده إلى فيه مع التسمية فيتنفس ثلاثا يحمد الله في آخر كل نفس ويسمي الله في أوله
قوله : " أو ينفخ فيه " أي في الإناء الذي يشرب منه والإناء يشمل إناء الطعام والشراب فلا ينفخ في الإناء ليذهب ما في الإناء لتبريد الكعام الحار بل يصبر إلى أن يبرد كما تقدم ولا يأكله حارا فإن البركة تذهب منه وهو شراب أهل النار
5 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشرب قائما "
- رواه أحمد ومسلم
6 - وعن قتادة عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زجر عن الشرب قائما قال قتادة فقلنا فالأكل قال ذاك شر وأخبث "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي
7 - وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يشربن أحد منكم قائما فمن نسي فليستقيء "
- رواه مسلم
8 - وعن ابن عباس قال " شرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائما من زمزم "
- متفق عليه
9 - وعن الإمام علي رضي الله عنه " أنه في رحبة الكوفة شرب وهو قائم قال إن ناسا يكرهون الشرب قائما وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صنع مثل ما صنعت "
- رواه أحمد والبخاري
10 - وعن ابن عمر قال " كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه
- ظاهر النهي في حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن الشرب من قيام حرام ولا سيما بعد قوله " فمن نسي فليستقئ " فإنه يدل على التشديد في المنع والمبالغة في التحريم ولكن حديث ابن عباس وحديث علي يدلان على جواز ذلك ( وفي الباب ) أحاديث غير ما ذكره المصنف منها ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان عن أبي هريرة بلفظ " لو يعلم الذي يشرب وهو قائم لستقاء " . ولأحمد من وجه آخر عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وآله وسلم " رأي رجلا يشرب قائما فقال قه قال لمه قال أيسرك أن يشرب معك الهر قال لا قال قد شرب معك من هو شر منه الشيطان " وهو من رواية شعبة عن أبي زياد الطحان مولى الحسن بن علي عنه رضي الله عنهما وأبو زياد لا يعرف اسمه وقد وثقه يحيى بن معين ومنها عند مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زجر عن الشرب قائما
قال المازري اختلف الناس في هذا فذهب الجمهور إلى الجواز وكرهه قوم فقال بعض شيوخنا لعل النهي منصرف لمن أتى أصحابه بماء فبادر بشربه قائما قبلهم استبدادا به وخروجا معن كون ساقي القوم آخرهم شربا قال وأيضا فإن الحديث تضمن المنع من الأكل قائما ولا خلاف في جواز الأكل قائما قال والذي يظهر لي أن أحاديث شربه قائما يدل على الجواز وأحاديث النهي تحمل على الاستحباب والحث على ما هو أولى وأكمل قال ويحمل الأمر بالقئ على أن الشرب قائما يحرك خلطا يكون القيء دواءه ويؤيده قول النخعي إنما نهى عن ذلك لداء البطن
وقد تكلم عياض على أحاديث النهي وقال أن مسلما أخرج حديث أبي سعيد وحديث أنس من طريق قتادة وكان شعبة يتقي من حديث قتادة ما لا يصرح فيه بالتحدث قال واضطراب قتادة فيه مما يعله مع مخالفة الأحاديث الأخرى والأئمة له
وأما حديث أبي هريرة ففي سنده عمر بن حمزة ولا يتحمل منه مثل هذا المخالفة غيره له والصحيح أنه موقوف انتهى . ملخصا قال النووي ما ملخصه هذه الأحاديث اشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالا باطلة وزاد حتى نجاسر ورام أن يضعف بعضها ولا وجه لإشاعة الغلطات بل يذكر الصواب ويشار إلى التحذير عن الغلط وليس في الأحاديث إشكال ولا فيها ضعف بل الصواب أن النهي فيها محمول على التنزيه وشربه قائما لبيان الجواز وأما من زعم نسخا أو غيره فقد غلط فإن النسخ لا يصار إليه مع إمكان الجمع لو ثبت التاريخ وفعله صلى الله عليه وآله وسلم لبيان الجواز لا يكون في حقه مكروها أصلا فإنه كان يفعل الشيء للبيان مرة أو مرات ويواظب على الأفضل والأمر بالاستقاء محمول على الاستحباب فيستحب لمن يشرب قائما أن يستقئ لهذا الحديث الصحيح فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب يحمل على الاستحباب وأما قول عياض لا خلاف بين أهل العلم أن من شرب قائما ليس عليه أن يتقيأ وأشار به إلى تضعيف الحديث فلا يلتفت إلى إشارته وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاء لا يمنع من الاستحباب فمن ادعى منع الاستحباب بالإجماع فهو مجازف وكيف تترك السنة الصحيحة بالتوهمات والدعاوي والترهات
قال الحافظ ليس في كلام عياض التعرض للاستحباب . أصلا بل ونقل الاتفاق المذكور إنما هو في كلام المازري كما مضى وأما تضعيف عياض للأحاديث فلم يتشاغل النووي بالجواب عنه قال فأما إشارته إلى تضعيف حديث أنس بكون قتادة مدلسا فيجاب عنه بأنه صرح في نفس هذا الحديث بما يقتضي السماع فإنه قال قلنا لأنس فالأكل الخ وأما تضعيف حديث أبي سعد بأن أبا عباس غير مشهور فهو قول سبق إليه ابن المديني لأنه لم يرو عنه إلا قتادة لكن وثقه الطبري وابن حبان ودعواه اضطرابه مردودة فقد تابعه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة كما رواه أحمد وابن حبان فالحديث بمجموع طرقه صحيح قال النووي والعراقي في شرح الترمذي أن قوله فمن نسي لا مفهوم له بل يستحب ذلك للعامد أيضا بطريق الأولى وإنما خص الناسي بالذكر لكون المؤمن لا يقع ذلك منه بعد النهي غالبا إلا نسيانا قال القرطبي في المفهم لم يصر أحد إلى أن النهي فيه للتحريم وإن كان القول به جاريا في أصول الظاهرية وتعقب بأن ابن حزم منهم جزم بالتحريم وتمسك من لم يكن بالأحاديث المذكورة في الباب ( وفي الباب ) عن سعد بن أبي وقاص أخرجه الترمذي . وعن عبد الله بن أنيس أخرجه الطبراني . وعن أنس أخرجه البزار والأثرم . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه الترمذي وحسنه وعن عائشة أخرجه البزار وأبو علي الطوسي في الأحكام . وعن أم سليم أخرجه ابن شاهين . وعن عبد الله بن السائب أخرجه ابن أبي حاتم وثبت الشرب قائما عن عمر أخرجه الطبري
وفي الموطأ أن عمر وعثمان وعلي كانوا يشربون قياما وكان سعد وعائشة لا يريان بذلك بأسا وثبتت الرخصة عن جماعة من التابعين وسلك العلماء في ذلك مسالك . أحدها الترجيح وأن أحاديث الجواز أثبت من أحادبث النفي وعن طريقه أبي بكر الأثرم فقال حديث أنس يعني في النهي جيد الإسناد ولكن قد جاء عنه خلافه يعني في الجواز قال ولا يلزم من كون الطريق إليه في النهي أثبت من الطريق إليه في الجواز أن لا يكون الذي يقابله أقوى لأن الثبت قد يروي من هو دونه الشيء فيرجح عليه فقد رجح نافع على سالم في بعض الأحاديث عن ابن سالم مقدم على نافع في التثبيت وقدم شريك على الثوري في الحديثين وسفيان مقدم عليه في جملة أحاديث . ويروى عن أبي هريرة أنه قال لا بأس بالشرب قائما قال فدل على أن الرواية عنه في النهي ليست بثابتة وإلا لما قال لا بأس به بالشرب قائما قال ويدل على وهانة أحاديث النهي أيضا اتفاق العلماء على أنه ليس على أحد شرب أن يستقئ . المسلك الثاني دعوى النسخ وإليها جنح الأثرم وابن شاهين فقررا أن أحاديث النهي على تقدير ثبوتها منسوخة بأحاديث الجواز بقرينة عمل الخلفاء الراشدين ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز وقد عكس ابن حزم فادعى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي متمسكا بأن الجواز على وفق الأصل . وأحاديث النهي مقررة لحكم الشرع فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان فإن النسخ لا يثبت بالاحتمال وأجاب بعضهم بأن أحاديث الجواز متأخرة لما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع كما تقدم ذكره في حديث الباب عن ابن عباس وإذا كان ذلك الآخر من فعله صلى الله عليه وآله وسلم دل على الجواز ويتأيد بفعل الخلفاء الراشدين
المسلك الثالث الجمع بين الأخبار بضرب من التأويل قال أبو فرج الثقفي المراد بالقيام هنا المشي يقال قمت في الأمر إذا مشيت فيه وقمت في حاجتي إذا سعيت فيها وقضيتها ومنه قوله تعالى { إلا ما دمت عليه قائما } أي مواظبا بالمشي عليه وجنح الطحاوي إلى تأويل آخر وهو حمل النهي على من لم يسم عند شربه وهذا إن سلم له في بعض ألفاظ الأحاديث لم يسلم له في بقيتها وسلك آخرون في الجمع بحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه وهي طريقة الخطابي وابن بطال في آخرين قال الحافظ وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض وقد أشار الأثرم إلى ذلك آخر فقال أن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم وبذلك جزم الطبري وأيده بأنه لو كان جائزا ثم حرمه أو كان حراما ثم جوزه لبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بيانا واضحا فلما تعارضت الأخبار في ذلك جمعنا بينها بهذا
وقيل أن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطب مخافة وقوع ضرر به فإن الشرب قاعدا أمكن منه من شرب قائما
قوله : " شرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائما من زمزم " وفي رواية لبن ماجه من وجه آخر عن عاصم فذكرت ذلك لعكرمة فحلف أنه ما كان حينئذ إلا راكبا
وعند أبي داود من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف على بعيره ثم أناخه بعد طوافه فصلى ركعتين فلعله حينئذ شرب من زمزم قبل أن يعود إلى بعيره ويخرج إلى الصفا بل هذا هو الذي يتعين المصير إليه لأن عمدة عكرمة في إنكاره كونه شرب قائما إنما هو ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف على بعيره وخرج إلى الصفا على بعيره وسعى كذلك لكن لا بد من تخلل ركعتي الطواف بين ذلك وقد ثبت أنه صلاهما على الأرض فما المانع من كونه شرب حينئذ من سقاية زمزم قائما كما حفظه الشعبي عن ابن عباس
قوله : " في رحبة الكوفة " الرحبة بفتح الراء المهملة وفتح الموحدة المكان المتسع والرحب بسكون المهملة المتسع أيضا
قال الجوهري ومنه أرض رحبة أي متسعة ورحبة المسجد بالتحريك وهي ساحته
قال ابن التين فعلى هذا يقرأ الحديث بالسكون ويحتمل أنها صارت رحبة الكوفة بمنزلة رحبة المسجد فيقرأ بالتحريك وهذا هو الصحيح
قوله : " صنع كما صنعت " أي من الشرب قائما وصرح به الإسماعيلي في روايته فقال شرب فضلة وضوئه قائما كما شربت
11 - وعن ابن سعيد " قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اختناث الأسقية أن يشرب من أفواهها "
- متفق عليه
وفي رواية . واختناثها أن يقلب رأسها ثم يشرب منه أخرجاه
12 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يشرب من في السقاء "
- رواه البخاري وأحمد . وزاد قال أيوب فأنبئت أن رجلا شرب من في السقاء فخرجت حية
13 - وعن ابن عباس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شرب من في السقاء "
- رواه الجماعة إلا مسلما
14 - وعن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن جدته كبشة قالت " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشرب من في قربة معلقة قائما فقمت إلى فيها فقطعته "
- رواه ابن ماجه والترمذي وصححه
15 - وعن أم سليم " قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي البيت قربة معلقة فشرب منها وهو قائم فقطعت فاها فإنه لعندي "
- رواه أحمد
- حديث أم سلمة أخرجه أيضا ابن شاهين والترمذي في الشمائل والطبراني والطحاوي في معاني الآثار ( وفي الباب ) عند عبد الله بن أنيس عند أبي داود والترمذي قوله " عن اختناث الأسقية " بالخاء المعجمة ثم المثناة من فوق بعدها نون وبعد الألف مثلثة أفتعال من الخنث بالخاء المعجمة النون والمثلثة وهو في الأصل الإنطواء والتكسر والإنثناء . والأسقية جمع يقاء والمراد به المتخذ من الأدم صغيرا كان أو كبيرا وقيل القربة قد تكون صغيرة وقد تكون كبيرة والسقاء لا يكون إلا صغيرا
قوله : " واختناثها " الخ وهو مدرج وقد جزم الخطابي أن تفسير الاختناث من كلام الزهري
قوله : " وزاد " فقال أيوب الخ هذه الزيادة زادها أيضا ابن أبي شيبة ولفظ " شرب رجل من سقاء فانساب في بطنه حيتان فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " وكذا أخرجه الإسماعيلي
قوله : " من في السقاء " قال النووي اتفقوا على أن النهي هنا للتنزيه لا للتحريم كذا قال وفي الاتفاق نظر فقد نقل ابن التين وغيره عن مالك أنه أجاز الشرب من أفواه القرب وقال لم يبلغني فيه نهي
قال الحافظ لم أر في الحاديث المرفوعة ما يدل على الجواز إلا من فعله صلى الله عليه وآله وسلم وأحاديث النهي كلها من قوله فهي أرجح وإذا نظرنا إلى علة النهي عن ذلك فإن جميع ما ذكره العلماء في ذلك يقتضي أنه مأمون منه صلى الله عليه وآله وسلم أما أولا فلعصمته وطيب نكهته وأما دخول شيء في فم الشارب فهو يقتضي أنه لو ملأ السقاء وهو يشاهد الماء الذي يدخله فيه ثم ربطه ربطا محكما ثم شرب منه لم يتناوله النهي
وقد أخرج الحاكم من حديث عائشة بسند قوي بلفظ " نهى أن يشرب من في السقاء لأن ذلك ينتنه " وهذا يقتضي أن يكون النهي خاصا بمن يشرب فيتنفس داخل السقاء أو باشر بفمه باطن السقاء أما من صب من الفم إلى داخل فمه من غير مماسة فلا . ومن جملة ما علل به النهي أن الذي يشرب من فم السقاء قد يغلبه الماء فينصب منه أكثر من حاجته فلا يأمن أن يشرق به أو يبل ثيابه
قال ابن العربي واحدة من هذه العلل تكفي في ثبوت الكراهة وبمجموعها تقوي الكراهة جدا
قال ابن أبي جمرة الذي يقتضيه الفقه أنه لا يبعد أن يكون النهي لمجموع هذه الأمور وفيها ما يقتضي الكراهة وفيها ما يقتضي التحريم والعادة من مثل ذلك ترجيح ما يقتضي التحريم
وقد جزم ابن حزم بالتحريم لثبوت النهي وحمل أحاديث الالرخصة على أصل الإباحة . وأطلق أبو بكر الأثرم صاحب أحمد أن أحاديث النهي ناسخة للإباحة لأنهم كانوا أولا يفعلون ذلك حتى وقع دخول الحية في بطن الذي شرب من فم السقاء فنسخ الجواز
قال العراقي لو فرق بين ما يكون لعذر كأن تكون القربة معلقة ولم يجد المحتاج إلى الشرب إناء ولم يتمكن من التناول بكفه فلا كراهة حينئذ وعلى هذا تحمل الأحاديث المذكورة وبين ما يكون لغير عذر فتحمل عليه أحاديث النهي
قال الحافظ ويؤيده أن أحاديث الجواز كلها فيها أن الفربة كانت معلقة والشرب من القربة المعلقة أخص من الشرب من مطلق القربة ولا دلالة في إخبار الجواز على الرخصة مطلقا بل على تلك الصورة وحدها وحملها على حال الضرورة جمعا بين الخبرين أولى من حملها على النسخ والله أعلم
قال وقد سبق ابن العربي أن ما أشار إليه العراقي فقال ويحتمل أن يكون شربه صلى الله عليه وآله وسلم في حال ضرورة أما عند الحرب وإما عند عدم الإناء أو مع وجوده لكن لا يمكن تفريغ السقاء في الإناء ثم قال ويحتمل أن يكون شرب من أداوة والنهي محمول على ما إذا كانت القربة كبيرة لأنها مظنة وجود الهوام
قال الحافظ والقربة الصغيرة لا يمتنع وجود شيء من الهوام فيها والضرر يحصل به ولو كان حقيرا اه
وقد عرفت أن كبشة وأم سليم صرحتا بأن ذلك كان في البيت وهو مظنة وجود الآنية وعلى فرض عدمها فأخذ القربة من مكانها وإنزالها والصب منها إلى الكفين أو أحدهما ممكن فدعوى أن تلك الحالة ضرورية لم يدل عليها دليل ولا شك أن الشرب من القربة المعلقة أخص من الشرب مطلقا ولكن لا فرق في تجويز العذر وعدمه بين المعلقة وغيرها وليست المعلقة مما يصاحبها العذر دون غيرها حتى يستدل بالشرب منها على اختصاصة بحال الضرورة وعلى كل حال فالدليل أخص من الدعوى فالأولى الجمع بين الأحاديث بحمل الكراهة على التنزيه ويكون شربه صلى الله عليه وآله وسلم بيانا للجواز
16 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شرب لبنا فتمضمض وقال إن له رسما "
- رواه أحمد والبخاري
17 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتي بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن "
- رواه الجماعة إلا النسائي
18 - وعن سهل بن سعد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام والله يا رسول الله لا آثرت بنصيبي منك أحدا فتله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يده "
- متفق عليه
19 - وعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ساقي القمو آخرهم شربا "
- رواه ابن ماجه والترمذي وصححه
- حديث أبي قتادة أخرجه أيضا أبو داود قال المنذري ورجال إسناده ثقات وقد أخرج مسلم في حديث أبي قتادة الأنصاري الطويل قلت لا أشرب حتى يشرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن الساقي آخرهم . قزله " فمضمض " فيه مشروعية المضمضة بعد شراب اللبن
وقد روى أبو جعفر الطبري من طريق غقيل عن ابن شهاب بلفظ " تمضمضوا من شرب اللبن والعلة الدسومة الكائنة في اللبن " والتعليل بذلك يشعر بأن ما كان له دسومة من مأكول أو مشروب فإنه تشرع له المضمضة قوله " قد شيب بالماء " أي مزج بالماء وإنما كانوا يمزجونه بالماء لذلك
قوله : " ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن " يجوز أن يكون قوله الأيمن مبتدأ خبره محذوف أي الأيمن مقدم أو أحق ويجوز أن يكون منصوبا على تقدير قدموا الأيمن أو أعطوا
وفيه دليل على أنه يقدم من على يمين الشارب في الشرب وهلم جرا وهو مستحب عند الجمهور
وقال ابن حزم يجب ولا فرق بين شراب اللبن وغيره كما في حديث سهيل بن سعد وغيره ونقل عن مالك أنه خصه بالماء قال ابن عبد البر لا يصح عن مالك وقال عياض يشبه أن يكون مراده أن السنة ثبتت نصا في الماء خاصة وتقدم الأيمن في غير شرب الماء يكون بالقياس قال ابن العربي كان اختصاص الماء بذلك لكونه قد قيل أنه يملك بخلاف سائر المشروبات ومن ثم اختلف هل يجري الربا فيهوهل يقطع في سرقته اه . ولا يخفى أن حديث أنس نص في اللبن . وحديث سهيل بن سعد يعم الماء وغيره فتأويل قول مالك بأن السنة ثبتت في الماء لا يصح
قوله : " أتأذن لي أن أعطي هؤلاء " ظاهر في أنه لو أذن له لأعطاهم ويؤخذ منه جواز الإيثار بمثل ذلك وهو مشكل على ما اشتهر من أنه لا إيثار بالقرب . وعبارة أمام الحرمين في هذا لا يجوز التبرع في العبادات ويجوز في غيرها وقد يقال أن القرب أعم من العبادة
وقد أورد على هذه القاعدة تجويز جذب واحد من الصف الأول ليصلي معه فإن خروج المجذوب من الصف الأول لقصد تحصيل فضيلة للجذب وهي الخروج من الخلاف في يطلان صلاته ويمكن الجواب بأنه لا إيثار إذ حقيقة الإيثار إعطاء ما استحقه لغيره وهذا لم يعط الجاذب شيئا وإنما رجح مصلحته لأن مساعدة الجاذب على تحصيل مقصودة ليس فيها إعطاؤه ما كان يحصل للمجذوب لو لم يوافقه
قوله : " فتله " بفتح المثناة من فوق وتشديد اللام أي وضعه
وقال الخطابي وضعه بعنف . وأصله من الرمي على التل وهو المكان العالي المرتفع ثم استعمل في كل شيء رمي به وفي كل إلقاء
وقيل هو من التلتل بلام ساكنة بين المثناتين المفتوحتين وآخره لام وهو العنق . ومنه وتله للجبن أي صرعه فالقي عنقه وجعل جبينه إلى الأرض والتفسير الأول اليق بمعنى حديث الباب وقد أنكر بعضهم تقييد الخطابي الوضع بالعنف . وظاهر هذا أن تقديم الذي على اليمين ليس لمعنى فيه بل لمعنى من جهة اليمين وه فضلها على جهة اليسار فيؤخذ منه إن ذلك ليس لمعنى فيه بل لمعنى من جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار فيؤخذ منه إن ذلك ليس ترجيحا لمن هو على اليمين بل هو ترجيح لجهة اليمين وقد يعارض حديث أنس وسهل المذكورين حديث سهل بن أبي حثمة الذي تقدم في القسامة بلفظ " كبر كبر " وكذلك حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو يعلى بسند قوي قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سقي قال إبدؤا بالأكبر " ويجمع بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساوين أما بين يدي الكبير أو عن يساره كلهم أو خلفه
قال ابن المنير يؤخذ من هذا الحديث أنها إذا تعارضت فضيلة الفاضل وفضيلة الوظيفة أعتبرت فظيلة الوظيفة
قوله : " ساقي القوم آخرهم شربا " فيه دليل على أنه يشرع لمن تولى سقاية قوم أن يتأخر في الشرب حتى يفرغوا عن آخرهم وفيه إشارة إلى أن كل من ولي من أمور المسلمين شيئا يجب عليه تقديم إصلاحهم على ما يخص نفسه وأن يكون غرضه إصلاح حالهم وجر المنفعة إليهم ودفع المضار عنهم والنضر لهم في دق أمورهم وجلها وتقديم مصلحتهم على مصلحته . وكذا من يفرق على القوم فاكهة فيبدأ بسقي كبير القوم أو بمن عن يمينه إلى آخرهم وما بقي شربه ولا معارضة بين هذا الحديث وحديث أبدأ بنفسك لأن ذاك عام وهذا خاص فيبني العام على الخاص
أبواب الطب
باب إباحة التداوي وتركه
1 - عن أسامة بن شريك قال " جاء أعرابي فقال يا رسول الله أنتداوى قال نعم فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاءعلمه من علمه وجهله من جهله "
- رواه أحمد
وفي لفظ " قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى قال نعم عباد الله تداووا إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحد قالوا يا رسول الله وما هو قال الهرم " رواه ابنماجه وأبو داود والترمذي وصححه
2 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله تعالى "
- رواه أحمد ومسلم
3 - وعن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من يعلمه وجهله من جهله "
- رواه أحمد
4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء "
- رواه أحمد والبخاري وابن ماجه
5 - وعن أبي خزامة قال " قلت يا رسول الله أرأيت رقي نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا قال هي من قدر الله "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن ولا يعرف لأبي خزامة غير هذا الحديث
6 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون "
7 - وعن ابن عباس " أن امرأة سوداء أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت إني أصرع وأني اتكشف فادع الله لي قال إن شئت صبرت ولك الجنة وأن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت أصبر وقالت إني أتكشف غادع الله أن لا أتكشف فدعا لها "
- متفق عليهما
- حديث أسامة أخرجه أيضا النسائي والبخاري في الأدب المفرد وصححه أيضا ابن خزيمة والحاكم . وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا النسائي وصححه ابن حبان والحاكم . وحديث أبو خزامة وهو بمعجمة مكسورة وزاي خفيفة أخرجه ايضا الترمذي من طريقين . أحدهما عن ابن أبي عمر عن سفيان عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه والثانية عن سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان عن الزهري عن ابن أبي خزامة عن أبيه
وقال قد روي عن ابن عيينة كلتا الروايتين وقال بعضهم عن أبي خزامة عن أبيه وقال بعضهم عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال وقد روى هذا الحديث غير ابن عيينة عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه وهذا أصح ولا يعرف لأبي خزامة عن أبيه غير هذا الحديث اه كلامه وقد صرح بأنه حديث حسن وهو كما قال
قوله : " فإن الله لم ينزل داء " المراد بالإنزال إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مثلا أو المراد به التقدير
قوله : " عباد الله تداووا " لفظ الترمذي قال نعم يا عباد الله تداووا والداء والدواء كلاهما بفتح الدال المهملة بالمد وحكى كسر دال الدواء
قوله : " والهرم " استثناه لكونه شبيها بالموت والجامع بينهما تقضى الصحة أو لقربه من الموت أو إفضائه إليه ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعا والتقدير لكن الهرم لا دواء له وفي لفظ السام بمهملة مخففا وهو الموت ولعل التقدير الأداء السام أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت
قوله : " علمه من علمه " فيه إشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمه كل واحد ( وفي أحاديث الباب ) كلها إثبات الأسباب وإن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره وأنها لا تنجع بذواتها بل بما قدره الله فيها وإن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك وإليه الإشارة في حديث جابر حيث قال بإذن الله فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافي دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بالعافية ودفع المضار وغير ذلك
قوله : " وجهله من جهله " فيه دليل على أن لا بأس بالتداوي لمن كان به داء قد اعترف الأطباء بأنه لا دواء له وأقرووا بالعجز عنه
قوله : " رقي نسترقيها " الخ سيأتي الكلام على الرقية
قوله : " وتقاة نتقيها " أي ما نتقي به ما يريد علينا من الأمور التي لانريد وقوعها بنا
قوله : " قال هيمن قدر الله " أي لا مخافة بينهما لأن الله هو الذي خلق تلك الأسباب وجعل لها خاصية في الشفاء
قوله : " لا يسترقون " الخ سيأتي الكلام على الرقية والكي . والما التطهير فهو من الطيرة بكسر الطاء المهملة وفتح المثناة التحتية وقد تسمن وهي التشاؤم بالشي وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وابطله ونهى عنه ( والأحاديث ) في الطيرة متعارضة وقد وضعت فيها رسالة مستقلة
وقد استدلبهذا الحديث والذي بعده على أنه يكره التداوي وأجيب عن ذلك بأجوبة قال النووي لامخالفة بل المدح في ترك الرقي المراد بها الرقي التي هي من كلام الكفار والرقي المجهولة والتي بغير العربية ومالا يعرف معناه فهذه مذمومة لاحتمال أن معناه كفر أو قريب منه أو مكروه وأما الرقي بآيات القرآن وبالإذكار المعروفة فلا نهي فيه بل هو سنة ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين أن الوارد في ترك الرقي للأفضلية وبيان التوكل وفي فعل الرقي لبيان الجواز مع أن تركها أفضل وبهدا قال ابن عبد البر وحكاه عمن حكاه والمختار الأول وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقي بالآيات وإذكار الله تبارك وتعالى
قال المازري جميع الرقي جائزة إذا كانت بكتاب الله أو بذكره ومنهي عنها إذا كانت باللغة الأعجمية أو بما لا يدري معناه لجواز أن يكون فيه كفر وقال الطبري والمازري وطائفة أنه محمول على من يعتقد أن الأدوية تنفع بطبعها كما كان أهل الجاهلية يعتقدون
قال عياض الحديث يدل على أن للسبعين ألفا مزرية على غيرهم وفضيلة انفردوا بها عنمن يشاركهم في أصل الفضل والديانة ومن كان يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها أو يستعمل رقي أهل الجاهلية ونحوها فليس مسلما فلم يسلم هذا الجواب وأجاب الداودي وطائفة أن المراد بالحديث الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة خشية وقوع الداء وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء فلا . وأجاب الحلمي بأنه يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاق وليس لهم ملجأ فيما يعتر بهم إلا الدعاء والاعتصام بالله والرضا بقضائه فهم غافلون عن الطب الأطباء ورقي الرقاة ولا يخشون من ذلك شيئا وأجاب الخطابي ومن تبعه بأن المراد بترك الرقي والكي الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره لا القدح في جواز ذلك وثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة . وعن السلف الصالح لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب
قال ابن الأثير هذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها ومرافقها وهؤلا هم خواص الأولياء ولا يرد عليه وقوع مثل ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلا وأمرا لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز ومع ذلك فلا ينقص من توكله لأنه كان كامل التوكل يقينا فلا يؤثر فيه تعاطي الأسبابب شيئا بخلاف غيره ولو كان كثيرا التوكل فكان من ترك الأسباب وفوض وأخلص أرفع مقاما قال الطبري قيل لا يستحق اسم التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف من شيء البتة حتى السبع الضاري والعدو العادي ولا يسعى في طلب رزقه ولا في مداواة ألم . والحق من وثق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب إتباعا لسنته وسنة رسوله فقد ظاهر صلى الله عليه وآله وسلم بين درعين ولبس على رأسه المغفر وأقعد الرماة على فم الشعب وخندق حول المدينة وأذن في الهجرة إلى الحبشة وغلى المدينة وهاجر هو وتعاطى أسباب الأكل والشرب وإدحر لأهله قوتهم ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك وقال للذي سأله ايعقل ناقته أو يتوكل أعقلها وتوكل فأشار أن الاحتراز لا يدفع التوكل
قوله " فقالت إني أصرع " الصرع نعوذ بالله منه علة تمنع الأعضاء الرئيسة عن استعمالها منعا غير تام وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج في الأعضاء ويقذف المصروع بالزبد لغلظ الرطوبة وقد يكون الصرع من الجن ويقع من النفوس الخبيثة منهم إما لاستحسان بعض الصور الإنسية وإما لإيقاع الأذية به والأول هو الذي يثبته جميع الأطباء ويذكرون علاجه والثاني يجحده كثير منهم وبعضهم يثبته ولا يعرف له علاج إلا بجذب الأرواح الخيرة العلوية لدفع آثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطيل أفعالها وممن نص على ذلك بقراط فقال بعد ذكر علاج المصروع إنما ينتفع في الذي سببه أخلاط وأما الذي يكون من الأرواح فلا
قوله : " وإني أتكشف " بمثناة من فوق وتشديد الشين المعجمة من التكشف وبالنون الساكنة المخففة من الإنكشاف والمراد أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر
وفيه أن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن الالتزام الشدة وفيه دليل على جواز ترك التداوي وإن التداوي بالدعاء مع الالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير ولكن إنما ينجع بامرين أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد والآخر من جهة المداوي وهو توجه قلبه إلى الله وقوته بالتقوى والتوكل على الله نعالى
باب ما جاء بالتداوي بالمحرمات
1 - عن وائل بن حجر " أن طارق بن سويد الجعفي سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الخمر فنهاه عنها فقال إنما أصنعها للدواء قال إنه ليس بدواء ولكنه داء "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه
2 - عن أبي الدرداء قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام "
- رواه أبو داود وقال ابن مسعود في المسكر " أن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " ذكره بخاري
3 - وعن أبي هريرة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدواء الخبيث يعني السم "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي
وقال الزهري في أبوال الإبل " قد كان المسلمون يتداوون بها فلا يرون بها بأسا " رواه بخاري
- حديث أبي الدرداء في إسناده إسماعيل بن عياش قال المنذري وفيه مقال انتهى
وقد عرفت غير مرة أنه إذا حدث عن أهل الشام فهو ثقة وإنما يضعف في الحجازيين وهو ها هنا حدث عن ثعلبة بن مسلم الخثعمي وهو شامي ذكره ابن حبان في الثقات عن أبي عمران الأنصاري مولى أن الدرداء وقائدها وهو أيضا شامي
قوله : " ليس بدواء ولكنه دواء " فيه التصريح بأن الخمر ليست بدواء فيحرم التداوي بها كما يحرم شربها وكذلك سائر الأمور النجسة أو المحرمة وإليه ذهب الجمهور
قوله : " ولا تداووا بحرام " . أي لا يجوز التداوي بها حرمه الله من النجاسات وغيرها مما حرمه الله ولو لم يكن نجسا
قال ابن رسلان في شرح السنن والصحيح من مذهبنا يعني الشافعية جواز التداوي بجميع النجاسات سوى المسكر لحديث العرنيين في الصحيحين حيث أمرهم صلى الله عليه وآله وسلم بالشراب من أبوال الإبل للتداوي قال ( وحديث الباب ) محموله على عدم الحاجة بأن يكون هناك دواء غيره يغني عنه ويقوم مقامه من الطاهرات . ويقول البيهقي هذان الحديثان إن صحا محمولان على النهي عن التداوي بالمسكر والتدوي بالحرام من غير ضرورة ليجمع بينها وبين حديث العرنيين . ولا يخفى ما بين هذا الجمع من التعسف فإن أبوال الإبل الخصم يمنع إنصافها بكونها حراما أو نجسا وعلى فرض التسليم فالواجب الجمع بين العام وهو تحريم التداوي بالحرام وبين الخاص وهو الإذن بالتداوي بأبوال الإبل بأن يقال يحرم التداوي بكل حرام إلا أبوال الإبل هذا هو القانون الأصولي
قوله : " عن الدواء الخبيث " ظاهره تحريم التداوي بكل خبيث والتفسير بالسم مدرج لا حاجة فيه ولا ريب أن الحرام والنجس خبيثان قال الماوردي وغيره السموم على أربع أضراب منها ما يقتل كثيره وقليله فآكله حرام للتداوي ولغيره قوله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ومنها ما يقتل كثيره دون قليله فآكل كثيره الذي يقتل حرام للتداوي وغيره والقليل منه إن كان مما ينفع في التداوي جاز أكله تداويلا ومنها ما يقتل في الأغلب وقد يجوز أن لا يقتل فحكمه كما قبله ومنه ما لا يقتل في الأغلب وقد يجوز أن يقتل فذكر الشافعي في موضع إباحة أكله وفي موضع تحريم أكله فجعل بعض أصحابه على حالين فحيث أباح أكله فهو إذا كان للتداوي وحيث حرم أكله فهو إذا كان غير منتفع بع في التداوي
باب ما جاء في الكي
1 - عن جابر قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه خرقا ثم كواه "
- رواه أحمد ومسلم
2 - عن جابر أيضا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين "
- رواه ابن ماجه ومسلم بمعناه
3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب
4 - وعن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال من اكتوى أو أسترقى فقد برئ من التوكل "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه
5 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الشفاء في ثلاثة في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وأنهي أمتي عن الكي "
- رواه أحمد والبخاري وابن ماجه
6 - وعن عمران بن حصين " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الكي فاكتوينا فما أفلحن ولا نجعن "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي وقال فما أفلحنا ولا أنجعنا
- حديث أنس أخرجه الترمذي عن طريق حميد بن مسعدة حدثنا بريدة بن زريع أخبرنا معمر عن الزهري عن أنس وإسناده حسن كما قال . وحديث المغيرة صححه أيضا ابن حيان والحاكم
قوله : " فقطع منه عرقا " استدل بذلك على أن الطبيب يداوي بما ترجح عنده ابن رسلان وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالأخف لا ينتقل إلى ما فوقه فمتى أمكن التداوي بالغذاء لا ينتقل إلى الدواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب ومتى أمكن بالدواء لا يعدل إلى الحجامة ومتى أمكن بالحجامة لا يعدل إلى قطع العرق
وقد روى ابن عدي في الكامل من حديث عبد الله بن جواد قطع العروق مسقمة كما في الترمذي وابن ماجة ترك العشاء مهرمة وإنما كواه بعد القطع لينقطع الدم الخارج من العرق المقطوع
قوله : " كوى سعد بن معاذ " الكي هو أن يحمى حديد ويوضع على عضو معلول ليحرق ويحبس دمه ولا يخرج أو لينقطع العرق الذي خرج منه الدم
وقد جاء النهي عن الكي وجاءت الرخصة فيه والرخصة لسعد لبيان جوازه حيث لا يقدر الرجل أن يداوي العلة بدواء آخر وإنما ورد النهي حيث يقدر الرجل على أن يداوي العلة بدواء آخر لأن الكي فيه تعذيب بالنار ولا يجوز أن يعذب بالنار إلا رب النار وهو الله تعالى ولأن الكي يبقى منه أثر فاحش وهذان نوعان من أنواع الكي الأربعة وهما النهي عن الفعل وجوازه والثالث الثناء على من تركه كحديث السبعين الفا الذين يدخلون الجنة وقد تقدم والرابع عدم محبته كحديث الصحيحين " وما أحب أن أكتوي " فعدم محبته يدل على أن الأولى عدم فعله والثناء على تركه يدل على أن تركه أولى فتبين أنه لا تعارض بين الأربعة
قال الشيخ أبو محمد بن حمزة علم من مجموع كلامه في الكي أن فيه نفعا وأن فيه مضرة فلما نهى عنه علم أن جانب المضرة فيه أغلب وقريب منه أخبار الله تعالى أن في الخمر منافع ثم حرمها لأن المضار التي فيها أعظم من المنافع انتهى ملخصا
قوله : " من الشوكة " هي داء معروف كما في القاموس
قال في النهاية هي حمرة تعلو الوجه والجسد يقال منه شيك فهو مشوك وكذلك إذا دخل في جسمه شوكة ومنه الحتديث إذا شيك فلا انتقش أي إذا شاكته فلا يقدر على انتقاشها وهو أخراجها بالنقاش
قوله : " فقد برئ من التوكل " قال في الهدى أحاديث الكي التي في هذا الباب قد تضمنت أربعة أشياء أحدها فعله
ثانيها عدم محبته ثالثها الثناء على من تركه . رابعها النهي عنه ولا تعارض فيها بحمد الله فإن فعله يدل على جوازه وعدم محبته لا يدل على المنع منه والثناء على تاركيه يدل على أن تركه أفضل والنهي عنه إما على سبيل الأختيار من دون علة أو عن النوع الذي يحتاج معه إلى الكي انتهى
وقيل الجمع بين هذه الأحاديث أن المنهى عنه هو الأكتواء ابتداء قبل حدوث العلة كما يفعله الأعاجم والمباح هو الأكتواء بعد حدوث العلة
قوله : " في شرطة محجم " بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم
قوله : " أو شربة عسل " قال في الفتح العسل يذكر ويؤنث واسماؤه تزيد على المائة وفيه من المنافع ما لخصه الموفق البغدادي وغيره فقالوا يجلي الأوساخ التي في العروق والأمعاء ويدفع الفضلات ويغسل المعدة ويسخنها تسخينا معتدلا ويفتح أفواه العروق ويشد المعدة والكبد والكلي والمثانة وفيه تحليل للرطوبات أكلا وطلاء وتغذية وفيه حفظ للمعجونات وأذهاب لكيفية الأدوية المستكرهة وتنقية للكبد والصدر وادرار البول والطمس وينفع للسعال الكائن من البلغم والأمزجة الباردة وإذا أضيف إليه الخل نفع أصحاب الصفراء ثم هو غذاء من الأغذية ودواء من الأدوية وشراب من الأشربة وحلوا من الحلاوات وطلاء من الأطلية . ومفرح من المفرحات . ومن منافعه أنه إذا شرب حارا بدهن الورد نفع من نهش الحيوان وإذا شرب وحده بماء نفع من عضة الكلب الكلب وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر وكذا الخيار والقرع والباذنجان والليمون ونحو ذلك وإذا لطخ به البدن للقمل قتل القمل والصئبان وطول الشعر وحسنه ونعمه وإن أكتحل به جلا ظلمة البصر وإن استن به صقل الأسنان وحفظ صحتها وهو عجيب في حفظ جثة الموتى فلا يسرع إليها البلا وهو مع ذلك مأمون الغائلة قليل المضرة ولم يكن يعول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه ولا ذكر للسكر في أكثر كتبهم أصلا
وقد أخرج أبو نعيم في الطب النبوي بسند ضعيف من حديث أبي هريرة رفعه وابن ماجه بسند ضعيف من حديث جابر رفعه " من لعق العسل ثلاث غدوات من كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء "
قوله " وأنهى أمتي عن الكي " قال النووي هذا الحديث من بديع الطب عند أهله لأن الأمراض الامتلائية دموية أو صفراوية أو سوداوية أو بلغمية فإن كانت دموية فشفاؤها أخراد الدم وإن كانت من الثلاثة الباقية فشفاؤها بالأسهال بالمسهل اللائق بكل خلط منها فكأنه نبه صلى الله عليه وآله وسلم بالعسل على المسهلات وبالحجامة على أخراج الدم بها وبالفصد ووضع العلق وما في معناها وذكر الكي لأنه يستعمل عند عدم نفع الأدوية المشروبة ونحوها فآخر الطب الكي والنهي عنه اشارة إلى تأخير العلاج بالكي حتى يضطر إليه لما في استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي
قوله : " نهى عن الكي فاكتويتا " قال ابن رسلان هذه الرواية فيها اشارة إلى أنه يباح عند الضرورة بالأبتلاء بالأمراض المزمنة التي لا ينجع فيها إلا الكي ويخاف الهلاك عند تركه الاتراه كوى سعدا لما لم ينقطع الدم من جرحه وخاف عليه الهلاك من كثرة خروجه كما يكوى من تقطع يده أو رجله ونهى عمران بن حصين عن الكي لأنه كان به باسور وكان موضعه خطرا فنهاه عن كيه فتعين أن يكون خاصا بمن به مرض مخوف ولأن العرب كانوا يرون أن الشافي لما لا شفاء له بالدواء هو الكي ويعتقدون أن من لم يكتو هلك فنهاهم عنه لأجل هذه النية فإن الله تعالى هو الشافي
قال ابن قتيبة الكي جنسان كي الصحيح لئلا يعتل فهذا الذي قيل فيه لم يتوكل من اكتوى لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه والثاني كي الجرح إذا لم ينقطع دمه باحراق ولا غيره والعضو إذا قطع ففي هذا الشفاء بتقدير الله وأما إذا كان الكي للتداوي الذي يجوز أن ينجح ويجوز أن لا ينجح فإنه إلى الكراهة أقرب
وقد تضمنت ( أحاديث الكي ) أربعة أنواع كما تقدم
قوله " فما أفلحن ولا أنجحن " هكذا الرواية الصحيحة بنون الأناث فيها يعني تلك الكيات التي اكتويناهن وخالفنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فعلهن وكيف يفلح أو ينجح شيء خولف فيه صاحب الشريعة وعلى هذا فالتقدير فاكتوينا كيات لأوجاع فما أفلحن ولا أنجحن وهو أولى من أن يكون المحذوف الفاعل على تقدير فما أفلحن الكيات ولا أنجحن لأن حذف المفعول الذي هو فضلة أقوى من حذف الفاعل الذي هو عمدة ورواية الترمذي كما ذكره المصنف رحمه الله فيكون الفلاح والنجاح مسندا فيها إلى المتكلم ومن معه
وفي رواية لابن ماجه " فما أفلحت ولا أنجحت " بسكون تاء التأنيث بعد الحاء المفتوحة
باب ما جاء في الحجامة وأوقاتها
1 - عن جابر قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة نار توافق الداء وما أحي أن أكتوى "
- متفق عليه
2 - وعن قتادة عن أنس قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب
3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء "
- رواه أبو داود
4 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن خير ما تحتجمون به يوم سبع عشرة ووتسع عشرة وإحدى وعشرين "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب
5 - وعن أبي بكرة " أنه كان ينهي أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ "
- رواه أبو داود
6 - وروى عن معقل بن يسار قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجحامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر دواء لداء السنة "
- رواه حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب أحمد وليس إسناده بذاك
7 - وروى الزهري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من احتجم يوم السبت أو يوم الأربعاء فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه "
- ذكره أحمد وأحتج به قال أبو داود وقد أسند ولا يصح وكره إسحاق بن راهويه الحجامة يوم الجمعة والأربعاء والثلاثاء إلا إذا كان يوم الثلاثاء سبع عشرة من الشهر أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين
- حديث أنس أخرجه أيضا ابن ماجه من وجه آخر وسنده ضعيف . والطريق التي رواها الترمذي منها هي ما في سننه قال حدثنا عبد القدوس بن محمد حدثنا عمرو ابن عاصم حدثنا همام وجرير بن حازم قالا حدثنا قتادة عن أنس فذكره وقال النووي عند الكلام على هذا الحديث رواه أبوا داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم وصححه الحاكم أيضا ولكن ليس في حديث أبي داود المذكور الزيادة وهي قوله وكان يحتجم لسبع عشرة الخ . وحديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود والمنذري وهو من رواية سعيد بن عبد الرحمن بن عوف الجمحي عن سهيل بن أبي صالح وسعيد وثقه الأكثر . لينه بعضهم من قبل حفظه وله شاهد مذكور في الباب بعده . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا أحمد قال الحافظ ورجاله ثقات لكنه معلول انتهى . وإسناده في سنن الترمذي هكذا حدثنا عبد بن حميد أخبره النضر بن شميل حدثنا عباد بن منصور قال سمعت عكرمة فذكره . وحديث أبي بكرة في إسناده أبو بكرة بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة قال يحيى بن معين ضعيف ليس حديثه بشيء وقال ابن عدي أرجوانه لا بأس به وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم وحديث معقل بن يسار أشار إليه الترمذي وقد ضعف المصنف إسناده ولكن شهد له ما قبله وقد أخرجه أيضا رزين ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند ابن ماجه رفعه في أثناء حديث وفيه " فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء وأجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد " أخرجه من طريقين ضعيفتين وله طريق ثالثة ضعيفة أيضا عند الدارقطني في الأفراد وأخرجه بسند جيد عن ابن عمر موقوفا . ونقل الخلال عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة وإن كان الحديث لم يثبت . وحكى أن رجلا احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لكونه تهاون بالحديث قال في الفتح ولكون هذه الأحاديث لم يصح منها شيء قال حنبل بن أسحق كان أحمد يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت
( ومن أحاديث الباب ) في الحجامة حديث أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال كان في شيء مما تداويتم به خير فالحجامة " أخرجه أبو داود وابن ماجه . وعن سلمى خادمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت " ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله وجعا في رأسه إلا قال احتجم ولا وجعا في رجليه إلا قال اخضبها " أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث غريب إنما يعرف من حديث قائد . وقائد هذا هو مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع وثقه يحيى بن معين وقال أحمد وأبو حاتم الرازي لا بأس به وفي إسناده أيضا عبيد الله بن علي بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ابن معين لا بأس به وقال أبو حاتز الرازي لا يحتج بحديثه وقد أخرجه الترمذي من حديث علي بن عبيد الله عن جدته وقال وعبيد الله بن علي أصح وقال غيره علي ابن عبيد الله بن أبي رافع لا يعف بحال ولم يذكره أحد من الأئمة في كتاب وذكر بعده حديث عبيد الله بن علي بن أبي رافع هذا الذي ذكرناه وقال فأنظر في اختلاف إسناده وتغير لفظه هل يجوز لمن يدعي السنة أو ينسب إلى العلم أن يحتج بهذا الحديث على هذا الحال ويتخده سنة وحجة في خضاب اليد والرجل . وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم على وركيه من وثء كان به " أخرجه أبو داود والنسائي والوثء والمثلثة الوجع قوله " أو لذعة بنار " بذال معجمة ساكنة وعين مهملة . اللذع هو الخفيف من حرف النار
وأما اللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة فهو ضرب أو عض ذات السم
وقد تقدم الكلام على حديث جابر هذا قريبا
قوله : " في الأخدعين " قال أهل اللغة الأخدعان عرقان في جانبي العنق بحجم منه والكاهل ما بي الكتفين وهو مقدم الظهر
قال ابن القيم في الهدى الحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس وأجزائه كالوجه والأسنان والأذنين والعينين والأنف إذا كان حدوث ذلك من كثرة الدم أو فساده أو منهما جميعا قال والحجامة لأهل الحجاز والبلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة وهي أميل إلى ظاهر أبدانهم لجذب الحرارة الخارجة إلى سطح الجسد واجتماعها في نواحي الجلد ولأن مسام أبدانهم واسعة ففي الفصد لهم خطر
قوله : " كان شفاء من كل داء " هذا من العام المراد به الخصوص والمراد كان شفاء من كل داء سببه غلبة الدم
وهذا الحديث موافق لما أجمعت عليه الأطباء أن الحجامة في النصف الثاني من الشهر أنفع مما قبله وفي الربع الرابع أنفع مما قبله " قال صاحب القانون أوقاتها في النهار الساعة الثانية أو الثالثة وتكره عندهم الحجامة على الشبع فربما أورثت سددا وأمراضا رديئة لا سيما كان الغذاء رديئا غليظا والحجامة على الريق دواء وعلى الشبع داء واختيار هذه الأوقات للحجامة فيما إذا كانت على سبيل الأحتراز من الأذى وحفظا للصحة وأما في مداوة الأمراض فحيثما وجد الأحتياج إليها وجب استعمالها
قوله : " أن يوم الثلاثاء يوم الدم " أي يوم يكثر فيه الدم في الجسم
قوله " وفيه ساعة لا يرقأ " بهمز أي لا ينقطع فيها دم من احتجم أو أفتصد أو لا يسكن وربما يهلك الأنسان فيها بسبب عدم انقطاع الدم وأخفيت هذه الساعة لتترك الحجامة في هذه اليوم خوفا من مصادفة تلك الساعة كما اخفيت ليلة القدر في أوتارها العشر الأواخر ليجتهد المتعبد في جميع أوتاره ليصادف ليلة القدر وكما أخفيت ساعة الإجابة في يوم الجمعة
وفي رواية رواها رزين " لا تفتحوا الدم في سلطانه ولا تستعملوا الحديد في يوم سلطانه " وزاد أيضا " إذا صادف يوم سبع عشرة يوم الثلاثاء كان دواء السنة لمن احتجم " فيه وفي الحجامة منافع
قال في الفتح والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق وتنوب عن قصد الباسليق والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس والوجه كالأذنين والعينين والأسنان والأنف والحلق وتنوب عن فصد القيفال والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه الحلقوم وتنقي الرأس والحجامة على القدم تنوب عن فصد الصافن وهو عرق تحت الكعب وتنفع من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الطمث والحكة العارضة في الأنثيين والحجامة في أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ وجربه وبثوره ومن النقرس والبواسير وداء الفيل وحكة الظهر ومحل ذلك كله إذا كان عن دم هائج وصادف وقت الأحتياج إليه والحجامة على المعدة تنفع الأمعاء وفساد الحيض انتهى
قال أهل العلم بالفصد الباسليق ينفع حرارة الكبد والطحال والرئة ومن الشوصة وذات الجنب وسائر الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك وفصد الأكحل ينفع الأمتلاء العارض في جميع البدن إذا كان دمويا ولا سيما إن كان قد فسد وفصد القيفال ينفع من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم أو فسد وفصد الودجين لوجع الطحال والربو
قال أهل المعرفة إن المخاطب بأحاديث الحجامة غير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم
وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن سيرين قال إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم قال الطبري وذلك لأنه يصير من حينئذ في انتقاص من عمره وانحلال من قوة جسده فلا ينبغي أن يزيده وهنا بأخراج الدم انتهى . وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه وعلى من لم يعتده وقد قال ابن سينا في أرجوزته
ومن يكن تعود الفصادة فلا يكن يقطع تلك العاده
ثم أشار إلى أنه يقلل ذلك بالتدريج إلى أن ينقطع جملة في عشر الثمانين
وقال ابن سينا في أبيات أخرى
ووفر على الجسم الدماء فإنها لصحة جسم من أجل الدعائم
قال الموفق البغدادي بعد أن ذكر أن الحجامة في نصف الشهر الآخر ثم في ربعه الرابع أنفع من أوله وأخره وذلك أن الأخلاط في أول الشهر وفي أخره تسكن فأولى ما يكون الأستفراغ في أثنائه . ( والحاصل ) أن أحاديث التوقيب وإن لم يكن شيء منها على شرط الصحيح إلا أن المحكوم عليه بعدم الصحة إنما هو في ظاهر الأمر لا في الواقع فيمكن أن يكون الصحيح ضعيف والضعيف صحيحا لأن الكذوب قد يصدق والصدوق قد يكذب فأجتناب ما أرشد الحديث الضعيف إلى اجتنابه واتباع ما أرشد إلى اتباعه من مثل هذه الأمور ينبغي لكل عارف وإنما الممنوع إثباب الأحكام التكليفية أو الوضعية أو نفيها بما هو كذلك
باب ما جاء في الرقي والتمائم
1 - عن ابن مسعود قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن الرقي والتمائم والتولة شرك "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . والتولة ضرب من السحر قال أصمعي هو تحبيب المرأة إلى زوجها
2 - وعن عقبة من عامر " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له "
- رواه أحمد
3 - وعن عبد الله عمرو قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما أبالي ما ركبت أو ما أتيت إذا أنا شربت ترياقا أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي "
- رواه أحمد وأبو داود وقال هذا كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة وقد رخص فيه قوم يعني الترياق
4 - وعن أنس " رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الرقية من العين والحمة والنملة "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه . والنملة قروح تخرج في الجنب
5 - وعن الشفا بنت عبد الله قالت " دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عند حفصة فقال لي ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتها الكتابة "
- رواه أحمد وأبو داود . وهو دليل على جواز تعليم النساء الكتابة
6 - وعن عوف بن مالك قال " كنا نرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك فقال أعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك "
- رواه مسلم وأبو داود
7 - وعن جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرقي فجاء آل عمر بن حزم فقالوا يا رسول الله إنها كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب وإنك نهيت عن الرقي قال فعرضوها عليه فقال ما أرى بأس فمن استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل "
- رواه مسلم
6 - وعن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها أعظم بركة من يدي "
- متفق عليه
- حديث ابن مسعود أخرجه أيضا الحاكم وصححه وصححه أيضا ابن حبان وهو من رواية ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود عنها عن ابن مسعود
قال المنذري والراوي عن زينب مجهول وحديث عقبة بن عامر قال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله ثقات . وحديث عبد الله بن عمرو في إسناد عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي افريقيا قال البخاري في حديثه مناكير . وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه نحو هذا . وحديث الشفا سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلا إبراهيم بن مهدي البغدادي المصيصي وهو ثقة
وقد أخرج النسائي عن إبراهيم ابن يعقوب عن علي بن المدني عن محمد بن بشر ثم بإسناد أبي داود
قوله : " أن الرقي " بضم الراء وتخفيف القاف مع القصر جمع رقية كدمى جمع دمية
قوله : " والتمائم " جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يمنعون بها العين في زعمهم فأبطله الإسلام
قوله : " والتولة " بكسر التاء المثناة فوق وبفتح الواو المخففة
قال الخليل التولة بكسر التاء وضمها شبيه بالسحر وقد جاء تفسير التولة عن ابن مسعود كما أخرجه الحاكم وابن حبان وصححاه أنه دخل على امرأته و في عنقها شيء معقود فجذبه فقطعه ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن الرقي والتمائم والتولة شرك قالوا يا أبا عبد الله هذه التمائم والرقي عرفناها فما التولة قال شيء يصنعه النساء يتحببن إلى أزواجهن يعني من السحر . قيل هي خيط يقرأ فيه السحر أو قرطاس يكتب فيه شيء منه يتحبب به النساء إلى قلوب الرجال أول الرجال إلى قلوب النساء فأما ما تحبب به المرأة إلى زوجها من كلام مباح كما يسمى الغنج وكما تلبسه للزينة أو تطعمه من عقار مباح أكله أو أجزاء حيوان مأكول مما يعتقد أنه سبب إلى محبة زوجها لما أودع الله تعالى فيه من الخصيصة بتقدير الله لا أنه يفعل ذلك بذاته
قال ابن رسلان فالظاهر أن هذا جائز لا أعرف الأن ما يمنعه في الشرع قوله " شرك " جعل هذه الثلاثة من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر بنفسه
قوله : " فلا أتم الله له " فيه الدعاء على من أعتقد في التمائم وعلقها على نفسه بضد قصده وهو عدم التمام لما قصده من التعليق . وكذلك قوله " فلا ودع الله له " فإنه دعاء على من فعل ذلك وودع ماضي يدع مثل وذر ماضي يذر
قوله " أو ما أتيت بفتح الهمزة والتاء الأولى أي لا أكترث بشيء من أمر ديني ولا أهتم بما فعلته إن أنا فعلت هذه الثلاثة أو شيئا منها وهذه المبالغة عظيمة وتهديد شديد في فعل شيء من هذه الثلاثة أي من فعل شيئا منها فهو غير مكترث بما يفعله ولا يبالي هل هو حرام أو حلال وهذا إن اضافه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى نفسه فالمراد به أعلام غيره بالحكم وقد سئل عن تعليق فقال ذلك شرك قوله " ترياقا " بالتاء أو الدال أو الطاء في أوله مكسورات أو مضمومات فهذه ست لغات أرجحهن بمثناة مكسورة رومي معرب . والمراد به هنا ما كان مختلطا بلحوم الأفاعي يطرح منها رأسها وأذنابها ويستعمل أوساطها في الترياق وهو محرم لأنه نجس وإن أتخذ الترياق من أشياء طاهرة فهو طاهر لا بأس بأكله وشربه ورخص مالك فيما فيه شيء من لحوم الأفاعي لأنه يرى إباحة لحوم الحيات وأما إذا كان الترياق نباتا أو حجرا فلا مانع منه
قوله : " أو قلت الشعر من قبل نفسي " أي من جهة نفسي فخرج به ما قاله لاعن نفسه بل حاكيا له من غيره كما في الصحيح " خير كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد " ويخرج منه أيضا ما قاله لا على قصد الشعر فجاء موزونا
قوله : " كان للنبي خاصة " يعني وأما في حق الأمة فالتماءم وإنشاء الشعر غير حرام
قوله " في الرقية من العين " أي من إصابة العين . قوله " والحمة " بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة واصلها حمو أو حمى بوزن صرد والهاء فيه عوض من الواو المحذوفة أو الياء مثل سمة من الوسم وهذا على تخفيف الميم أما من شدد فالأصل عنده حممة ثم أدغم كما في الحديث " العالم مثل الحمة " وهي عين ماء حلر ببلاد الشام يستشفي بها المرضى وأنكر الأزهري تشديد الميم والمراد بالحمة السم من ذوات السموم وقد تسمى إبرة العقرب والزنبور ونحوهما حمة لأن السم يخرج منها فهو من المجاز والعلاقة المجاورة
قوله : " ألا تعلمين " بضم أوله وتشديد اللام المكسورة هذه يعني حفصة رقية النملة بفتح النون وكسر الميم وهي قروح تخرج من الجنب أو الجنبين ورقية النملة كلام كانت نساء العرب تستعمله يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضر ولا ينفع . ورقية النملة التي كانت تعرف بينهن أن يقال للعروس تحتفل ةتختضب وتكتحل وكل شيء يفتعل غير أن لا تعصى الرجل فأراد صلى الله عليه وآله وسلم بهذا المقال تأنيب حفصة والتأديب لها تعريضا لأنه ألقى إليها سرا فأفشته على ما شهد به التنزيل في قوله تعالى { وإذا أسر النبي إلى بعض } الآية
قوله : " كما علمتها الكتابة " فيه دليل على جواز تعلم النساء الكتابة وأما حديث " لا تعلموهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف وعلموهن سورة النور " فالنهي عن تعليم الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمها الفساد
قوله : لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شيء من الشرك المحرم وفيه دليل على جواز الرقي والتطيب بمالا ضرر فيه ولا منع من جهة الشرع وإن كان بغير أسماء الله وكلامه لكن إذا كان مفهوما لأن ما لم يفهم لا يؤمن أن يكون فيه شيء من الشرك
قوله " من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل " قد تمسك قوم بهذا العموم فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها لكن دل حديث عوف أنه يمنع ما كان من الرقي يؤدي إلى الشرك وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك فيمنع احتياطا وقال قوم لا تجوز الرقية إلا من العين والحمة كما في حديث عمران بن حصين لا رقية إلا من عين أو حمة وأجيب بأن معنى الحصر فيه أنهما أصل كل محتاج إلى الرقية فيلحق بالعين جواز رقية من به مس أو نحوه لاشتراك ذلك من كونه كل واحد ينشأ عن أحوال شيطانية من أنسي أو جني ويلتحق بالسم كل ما عرض للبدن من قرح ونحوه من المواد السمية وقد وقع عند أبي داود في حديث أنس مثل حديث عمران وزاد أو دم وكذلك حديث أنس المذكور في الباب زاد فيه النملة وقال قوم المنهي عنه من الرقي ما يكون قبل وقوع البلاء والمأذون فيه ما كان بعد وقوعه ذكره ابن عبد البر والبيهقي وغيرهما وفيه نظر وكأنه مأخوذ من الخبر الذي قرنت فيه التمائم بالرقي كما في حديث ابن مسعود المذكور في الباب
قوله : " نفث " النفث نفخ لطيف بلا ريق وفيه استحباب الفث في الرقية
قال النووي وقد أجمعوا على جوازه واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
قال القاضي وأنكر جماعة النفث في الررقي وأجازوا فيها النفخ بلا ريق قال وهذا هو المذهب قال وقد اختلف في النفث والتفل فقيل هما بمعنى ولا يكون إلا بريق وقال أبو عبيد يشترط في التفل ريق يسير ولا يكون في النفث وقيل عكسه قال وسئلت عائشة عن نفث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الرقية فقالت كما ينفث آكل الزبيب لا ريق معه ولا اعتبار بما يخرج عليه من بلة ولا يقصد ذلك وقد جاء في حديث الذي رقي بفاتحة الكتاب فجعل يجمع بزاقه ويتفل
قوله : " بالمعوذات " قال ابن التين الرقي بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب الروحاني إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني وتلك الرقية المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له يأتي بأمور مشبهة مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بمردتهم ويقال إن الحية لعداوتها للإنسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بني ىدم فإذا عزم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت فلذلك كره من الرقي مالم يكن بذكر الله وأسمائه خاصة وباللسان العربي الذي يعرف معناه ليكون بريئا من شوب الشرك وعلى كراهة الرقي بغير كتاب الله علماء الأمة
وقال القرطبي الرقي ثلاثة أقسام أحدها ما كان يرقي به الجاهلية ولا يعقل معناه فيجب اجتنابه لئلا يكون فيه شرك أو يؤدي إلى الشرك . الثاني ما كان بكلام الله أو بأسمائه فيجوز فإن كان مأثور فيستحب . الثالث ما كان بأسناء غير الله من ملك أو صالح أو معطم من المخلوقات كالعرش قال فهذا ليس من الواجب اجتنابه ولا من المشروع الذي يتضمن الالتجاء إلى الله والتبرك بأسمائه فيكون تركه أولى إلا أن يتضمن تعظيم المرقي به فينبغي أن يجتنب كالحلف بغير الله قال الربيع سألت الشافعي عن الرقية فقال لا بأس أن ترقى بكتاب الله وبما تعرف من ذكر الله قلت أيرقي أهل الكتاب المسلمين قال نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله وبذكر الله
قوله : " وأمسحه بيد نفسه " في رواية وأمسح بيده نفسه
باب الرقية من العين والاستغسال منها
1 - عن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمرني أن أسترقيمن العين "
- متفق عليه
2 - وعن أسماء بنت عميس " أنها قالت يا رسول الله إن بني جعفر نصيبهم العين أفنسترقي لهم قال نعم فلو كان شيء سبق القدر لسبقته العين "
- رواه أحمد والترمذي وصححه
3 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه
4 - وعن عائشة قالت " كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغسل منه المعين "
- رواه أبو داود
5 - وعن سهل بن حنيف " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج وسار معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد فنطر إليه عامر بن ربيعة أحد بني عدي بن كعب وهو يغتسل فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلبط سهل فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقيل يا رسول الله هل لك في سهل والله ما يرفع رأسه قال هل تتهمون فيه من أحد قالوا نظر إليه عامر بن ربيعة فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عامرا فتغيط عليه وقال على م يقتل أحدكم أخاه هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت ثم قال له اغتسل له فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة أزاره في قدح ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه ثم يكفأ القدح وراءه ففعل به ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس "
- رواه أحمد
- حديث أسماء بنت عميس أخرجه أيضا النسائي ويشهد له حديث جابر المتقدم في الباب الأول وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات لأنه عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عنها . وحديث سهل أخرجه أيضا في الموطأ والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه ووقع في رواية ابن ماجه من طريق ابن عيينة عن الزهري عن أبي أمامة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فذكر الحديث
قوله : " يأمرني أن استرقي من العين " أي من الأصابة بالعين قال المازري أخذ الجمهور بظاهر الحديث وأنكره طوائف من المبتدعة لغير معنى لأن كل شيء ليس محلا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا فساد دليل فهو من مجوزات العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبريه في الآخرة من الأمور
قوله : " فلو كان شيء سبق القدر لسبقته العين " فيه رد على من زعم من المتصوفة إن قوله العين حق يريد به القدر أي العين التي تجري منها الأحكام فإن عين الشيء حقيقته والمعنى أن الذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر إنما هو بقدر الله السابق لا شيء يحدثه الناظر في المنظور ووجه الرد أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب أما بما جعل الله تعالى فيها من ذلك وأودعه إياها وأما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين لا أنه يمكن أن يرد القدر إذ القدر عبارة عن سابق علم الله وهو لا راد لأمره أشار إلى ذلك القرطبي وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين لكنها لا تسبق فكيف غيرها وقد أخرج البزار من حديث جابر بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس " قال الراوي يعني بالعين
قوله : " العين حق " أي شيء ثابت موجود من جملة ما تحقق كونه
قوله : " وإذا استغسلتم فاغسلوا " أي إذا طلبتم للاغتسال فأغسلوا أطرافكم عند طلب المعيون ذل من العائن وهذا كان أمرا معلوما عندهم فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم وأدنى ما في ذلك رفع الوهم وظاهر الأمر الوجوب وحكى المازري فيه خلاف وصحح الوجوب وقال متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء فيه فإنه يتعين وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر وهذا أولى ولم يبين في حديث ابن عباس صفة الأغتسال
قوله " بشعب الخرار " بمعجمة ثم مهملتين قال في القاموس هو موضع قرب الجحفة
قوله : " فلبط " بضم اللام وكسر الموحدة لبط الرجل فهو ملبوط أي صرع وسقط إلى الأرض
قوله : " وداخلة أزاره " يحتمل أن يريد بذلك الفرج ويحتمل أن يريد طرف الأزار الذي يلي جسده من الجانب الأيمن وقد اختلف في ذلك على قولين ذكرهما في الهدى وقد بين في الحديث صفة الغسل
قوله : " ثم يكفأ القدح وراءه " زاد في رواية على الأرض
قال المازري هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا يعقل معناه
وقال ابن العربي ان توقف فيه متشرع قلنا يهل الله ورسوله أعلم وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة
قال ابن القيم هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعليها مجربا غير معتقد وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها بل هي عندهم خارجة عن القياس وإنما يفعل بالخاصة فما الذي ينكر جهلتهم من الخواص الشرعية هذا مع أن في المعالجة بالأغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها وهذا علاج النفس توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن فكأن أثر تلك العين شعلة نار وقعت على جسد المعيون ففي الأغتسال اطفاء لتلك العلة ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها ولا شيء أرق من العين فكان في غسلها ابطال لعملها ولا سيما للأرواح الشيطانية في تلك المواضع
وفيه أيضا وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها نفاذا فتنطفئ تلك النار التي أثارتها العين بهذا الغسل المأمور به ينفع بعد استحكام النظرة فأما عند الأصابة وقبل الأستحكام فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة " إلا بركت عليه " وفي رواية ابن ماجه فليدع بالبركة ومثله عند ابن السنى من حديث عامر ابن ربيعة
وأخرج البزار وابن السنى من حديث أنس رفعه من رأى شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره وقد اختلف في القصاص بذلك فقال القرطبي لو أتلف العائن شيئا ضمنه ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة وهو في ذلك كالساحر
قال الحافظ ولم تتعرض الشافعية للقصاص في ذلك بل منعوه وقالوا أنه لا يقتل غالبا ولا يعد مهلكا
وقال النووي في الروضة ولا دية فيه ولا كفارة لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال ممالا انضباط له كيف ولم يقع منه فعل أصلا وإنما غايته حسد وثمن لزوال نعمة وأيضا فالذي ينشأ عن الأصابة يحصل له مكروه لذلك الشخص ولا يتعين المكروه في زوال الحياة فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين . ونقل ابن بطال عن بعض أهل العلم أنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس وإن يلزم بيته فإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر بمنعه من مخالطة الناس وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة
قال النووي هذا القول صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه
أبواب الأيمان وكفارتها
باب الرجوع في الأيمان وغيرها من الكلام إلى النية
1 - عن سويد بن حنظلة قال " خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعنا وائل ابن حجر فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا وحلفت أنه أخي فخلى عنه فأتينا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال أنت كنت أبرهم وأصدقهم صدقت المسلم أخو المسلم " . د
- رواه أحمد وابن ماجه
وفي حديث الأسراء المتفق عليه " مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح "
2 - وعن أنس قال " أقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر وأبو بكر شيخ يعرف ونبي الله شاب لا يعرف قال فيلقي الرجل أبا بكر فيقول يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك فيقول هذا الرجل يهديني السبيل فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق وإنما يعني سبيل الخير "
- رواه أحمد والبخاري
3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمينك على ما يصدقك به صاحبك "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي
وفي لفظ " اليمين على ينة المستحلف " رواه مسلم وابن ماجه وهو محمول على المستحلف المظلوم
- حديث سويد بن حنظلة أخرجه أيضا أبو داود وسكت عنه ورجاله ثقات وله طريق وهو من رواية إبراهيم بن عبد الأعلى عن جدته عن سويد بن حنظلة وعزاه المنذري إلى مسلم فينظر في صحة ذلك
قال المنذري أيضا وسويد بن حنظلة لم ينسب ولا يعرف له غير هذا الحديث انتهى . وآخره الذي هو محل الحجة وهو قوله " المسلم أخو المسلم " هو متفق عليه بلفظ " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " وكذلك حديث " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما " فإنه متفق عليه وليس المراد بهذه الأخوة إلا أخوة الإسلام فإن كل اتفاق بين شيئين يطلق بينهما اسم الأخوة ويشترك في ذلك الحر والعبد ويبر الحالف إذا حلف أن هذا المسلم أخوه ولا سيما إذا كان في ذلك قربة كما في حديث الباب . ولهذا استحسن ذلك صلى الله عليه وآله وسلم من الحالف وقال أنت كنت أبرهم وأصدقهم ولهذا قيل أن في المعاريض لمندوحة
وقد أخرج ذلك البخاري في الأدب المفرد من طريق قتادة عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين
وأخرجه الطبري في التهذيب والطبراني في الكبير قال الحافظت ورجاله ثقات
وأخرجه ابن عدي من وجه آخر عن قتادة مرفوعا ووهاه أبو بكر بن كامل في فوائده
وأخرجه البيهقي في الشعب من طريقه كذلك
وأخرجه ابن عدي أيضا من حديث علي
قال الحافظ وسنده واه أيضا
وأخرج البخاري في الأدب من طريق أبي عثمان النهدي عن عمر قال أما في المعاريض ما يكفي المسلم من الكذب قال الجوهري المعاريض هي خلاف التصريح وهي التورية بالشيء عن الشيء وقال الراغب التعريض له وجهان في صدق وكذب أو باطن وظاهر . والمندوحة السعة وقد جعل البخاري في صحيحه هذه المقالة ترجمة باب فقال باب المعاريض مندوحة قال ابن بطال ذهب مالك والجمهور إلى أن من أكره على يمين إن لم يحلفها قتل أخوه المسلم أنه لا حنث عليه
وقال الكوفيون يحنث
قوله : " مرحبا بالأخ الصالح " فيه دليل على صحة إطلاق الأخوة على بعض الأنبياء من بعض منهم والجهة الجامعة هي النبوة
قوله : " ونبي الله شاب " فيه جواز إطلاق اسم الشاب على من كان في نحو الخمسين السنة فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند مهاجره قد كان مناهزا للخمسين إن لم يكن قد جاوزها وفي إثبات الشيخوخة لأبي بكر والشباب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إشكال لأن أبا بكر أصغر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه عاش بعده ومات في السن التي مات فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويمكن أن يقال أن أبا بكر ظهرت عليه هيئة الشيخوخة من الشيب والنحول في ذلك الوقت والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يظهر عليه ذلك ولهذا وقع الخلاف بين الرواة في وجود الشيب فيه عند موته صلى الله عليه وآله وسلم وفي هذا التعريض الواقع من أبي بكر غاية اللطافة
قوله : " على ما يصدقك به صاحبك " فيه دليل على أن الأعتبار بقصد المحلف من غير فرق أن يكون المحلف هو الحاكم أو الغريم وبين أن يكون المحلف ظالما أو مظلوما صادقا أو كاذبا
وقيل هو مقيد بصدق المحلف فيما أدعاه أما لو كان كاذبا كان الأعتبار بنية الحالف وقد ذهبت الشافعية إلى أن تخصيص الحديث بكون المحلف هو الحاكم ولفظ صاحبك في الحديث يرد عليهم وكذلك ما ثبت في رواية لمسلم بلفظ " اليمين على نية المستحلف " قال النووي أما إذا حلف بغير استحلاف وورى فتنفعه التورية ولا يحنث سواء حلف ابتداء من غير تحليف أو حلفه غير القاضي أو غير نائبه في ذلك ولا اعتبار بنية المستحلف بكسر اللام غير القاضي وحاصله أن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه
قال والتورية وإن كان لا يحنث بها فلا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق المستحلف وهذا مجمع عليه انتهى
وقد حكى القاضي عياض الإجماع على أن الحالف من غير استحلاف ومن غير تعلق حق بيمينه له نيته ويقبل قوله وأما إذا كان لغيره حق عليه فلا خلاف أنه يحكم بظاهر يمينه سواء حلف متبرعا أو باستحلاف انتهى ملخصا . وإذا صح الإجماع على خلاف ما يقضي به ظاهر الحديث كان الاعتماد عليه ويمكن التمسك لذلك بحديث سويد بن حنظلة المذكور في الباب فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم له بالبر في يمينه مع أنه لا يكون بارا إلا باعتبار نية نفسه لأنه قصد الأخوة المجازية والمستحلف له قصد الأخوة الحقيقية ولعل هذا هو مستند الإجماع
باب من حلف فقال إن شاء الله
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث "
- رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وقال فله ثنياه والنسائي وقال فقد استثنى
2 - وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه "
- رواه الخمسة إلا أبا داود
3 - وعن عكرمة عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأغزون قريشا ثم قال إن شاء الله ثم قال والله لأغزون قريشا ثم قال إن شاء الله ثم قال والله لأغزون قريشا ثم سكت ثم قال إن شاء الله ثم لم يغزهم "
- أخرجه أبو داود
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا ابن حبان وهو من حديث عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة
قال البخاري فيما حكاه الترمذي أخطأ فيه عبد الرزاق واختصره عن معمر من حديث أن سليمان بن داود عليه السلام قال لأطوفي الليلة على سبعين امرأة الحديث وفيه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو قال إن شاء الله لم يحنث . وهو في الصحيح وله طرق أخرى رواه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر كما ذكره المصنف في الباب
قال الترمذي لا نعلم أحدا رفعه غير أيوب السختياني
وقال ابن علية كان أيوب تارة يرفعه وتارة لا يرفعه قال ورواه مالك وعبيد الله بن عمر وغير واحد موقوفا
قال الحافظ هو في الموطأ كما قال البيهقي
وقال لا يصح رفعه إلا عن أيوب مع أنه شك فيه وتابعه على لفظه العمري عبد الله وموسى بن عقبة وكثير بن فرقد وأيوب بن موسى وقد صححه ابن حبان . وحديث ابن عمر رجاله رجال الصحيح وله طرق كما ذكره صاحب الأطراف وهو أيضا في سنن أبي داود في الأيمان والنذور لا كما قال المصنف . وحديث عكرمة قال أبو داود أنه قد أسنده غير واحد عن عكرمة عن ابن عباس وقد رواه البيهقي موصولا ومرسلا
قال ابن أبي حاتم في الغلل الأشبه إرساله
وقال ابن حبان في الضعفاء رواه مسعر وشريك أرسله مرة ووصله أخرى
قوله : " لم يحنث " فيه دليل على أن التقييد بمشيئة الله مانع من انعقاد اليمين أو يحل انعقادها وقد ذهب إلى ذلك الجمهور وأدعى عليه ابن العربي الإجماع قال أجمع المسلمون على أن قوله إن شاء الله يمنع انعقاد اليمين بشرط كونه متصلا
قال ولو جاز منفصلا كما روى بعض السلف لم يحنث أحد قط في يمين ولم يحتج إلى كفارة
قال واختلفوا في الإتصال فقال مالك والأوزاعي والشافعي والجمهور هو أن يكون قوله إن شاء الله متصلا باليمين من غير سكوت بينهما ولا يضر سكتة النفس . وعن طاوس والحسن وجماعة من التابعين أن له الاستثناء أبدا ولا فرق بين الحلف بالله أو بالطلاق أو العتاق أن التقييد بالمشيئة يمنع الإنعقاد وغلى ذلك ذهب الجمهور وبعضهم فصل . واستثنى أحمد العتاق قال لحديث " إذا قال أنت طالق إن شاء الله لم تطلق وإن قال لعبده أنت حر إن شاء الله فإنه حر " وقد تفرد به حميد بن مالك وهو مجهول كما قال البيهقي . وذهبت الهادوية إلى أن التقييد بالمشيئة يعتبر فيه مشيئة الله في تلك الحال باعتبار ما يطهر من الشريعة فإن كان ذلك الأمر الذي حلف على تركه وقيد الحلف بالمشيئة محبوبا لله فعله لم يحنث بالفعل وإن كان محبوبا لله تركه لم يحنث بالترك فإذا قال والله ليتصدقن إن شاء الله حنث بترك الصدقة لأن الله يشاء التصدق في الحال وإن حلف ليقطعن رحمه إن شاء الله لم يحنث بترك القطع لأن الله يشاء ذلك الترك
وقال المؤيد بالله معنى التقييد بالمشيئة بقاء الحالف في الحياة وقتا يمكنه الفعل فإذا بقيذلك القدر حنث الحالف على الفعل بالترك وحنث الفاعل على الترك بالفعل . والظاهر من أحاديث الباب أن التقييد إنما يفيد إذا وقع بالقول كما ذهب إليه الجمهور لا بمجرد النية إلا ما زعمه بعض المالكية عن مالك أن قياس قوله صحة الاستثناء بالنية وعند الهادوية في ذلك تفصيل معروف وقد بوب البخاري على ذلك فقال باب النية في الأيماة
قوله : " ثم سكت ثم قال إن شاء الله " لم يقيد هذا السكوت بالعذر بل ظاهره السكوت اختيارا لا اضطرارا فيدل على جواز ذلك
باب من حلف لا يهدي هدية فتصدق
1 - عن أبي هريرة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتى بطعام سأل عنه أهدية أم صدقة فإن قيل صدقة قال لأصحابه كلوا ولم يأكل وإن قيل هدية ضرب بيده وأكل معهم "
2 - وعن أنس قال " أهدت بريرة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحما تصدق به عليها فقال هو لها صدقة ولنا هدية "
- متفق عليهما
- قد تقدم الكلام على معنى الحديثين في كتاب الزكاة والمقصود من إيرادهما ههنا بأن الحالف بأنه لا يهدي لا يحنث إذا تصدق لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يسال عن الطعام الذي يقرب إليه هل هو صدقة أو هدية وكذلك قال في لحم بريرة هو لها صدقة ولنا هدية كما في حديث الباب فدل ذلك على تغاير مفهومي الهدية والصدقة فإذا حلف من إحداهما لم يحنث بالأخرى كسائر المفهومات المتغايرة
قال ابن بطال إنما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يأكل الصدقة لأنها أوساخ الناس ولأن أخذ الصدقة منزلة ضهة والأنبياء منزهون عن ذلك لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان كما وصفه الله { ووجدك عاءلا فأغنى } والصدقة لا تحل للأغنياء وهذا بخلاف الهدية فإن العادة جارية بالإثابة عليها وكذلك كان شأنه
وفي حديث أنس دليل على أن الصدقة إذا قبضها من يحل له أخذها ثم تصرف فيها زال عنها حكم الصدقة وجاز لمن حرمت عليه الصدقة أن يتناول منها إذا أهديت له أو بيعت
باب من حلف لا يأكل إداما بماذا يحنث
1 - عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " نعم الأدم الخل "
- رواه الجماعة إلا البخاري . ولأحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي من حديث عائشة مثله
2 - وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ائتدموا بالزيت وأدهنوا به فإنه من شجرة مباركة "
3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد أدامكم الملح "
- رواهما ابن ماجه
4 - وعن يوسف بن عبد الله بن سلام قال " رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال هذه إدام هذه "
- رواه أبو داود والبخاري
5 - وعن بريدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " سيد أدام أهل الدنيا والآخرة اللحم "
- رواه ابن قتيبة في غريبه فقال حدثنا القومسي حدثنا الأصمعي عن أبي هلال الراسبي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه فذكره
6 - وعن أبي سعيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفؤ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة فأتى رجل من اليهود فقال بارك الرحمن عليك يا أبا قاسم ألا أخبرك بنزل أهل الجنة قال بلى قال تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواخذه ثم قال ألا أخبرك بأدامهم قال بلى أدامهم بالام ونون قال ما هذا قال ثور ونون يأكل من زائدة كبد هما سبعون ألفا "
- متفق عليه والنون الحوت
حديث ابن عمر رجال إسناده في سنن ابن ماجه ثقات إلا الحسين بن مهدي شيخ ابن ماجه فقال في التقريب أنه صدوق وعزاه السيوطي في الجامع الصغير أيضا إلى الحاكم في المستدرك والبيهقي في الشعب
وأخرج أيضا الطبراني في الكبير عن ابن عمر مرفوعا " ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة " وحديث أنس في إسناده عند ابن ماجه رجل مجهول فإنه قال عن رجل أراه موسى عن أنس وقد أخرجه أيضا الحكيم الترمذي . وحديث بريدة أخرجه بهذا اللفظ أبو نعيم في الطب من حديث علي بإسناد ضعيف
قوله : " نعم الإدم " قال النووي الإدام بكسر الهمزة ما يؤتدم به يقال أدم الخبز يأدمه بكسر الدال وجمع الأدام بضم الهمزة كأهاب واهب وكتاب وكتب والأدم بإسكان الدال مفرد كالأدام قال الخطابي والقاضي عياض معنى الحديث مدح الاقتصار في المآكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة تقديره ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده ولا تتأنقوا بالشهوات فإنها مفسدة للدين مقسمة للبدن
قال النووي والصواب الذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد أخر
وأما قول جابر فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو كقول أنس ما زلت أحب الدباء وهذا مما يؤيد ما قلناه في معنى الحديث أن المدح للخل نفسه وتأويل الراوي إذا لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء والأصوليين وهذا كذلك بل تأويل الراوي هنا هو ظاهر اللفظ فيتعين اعتماده
قوله : " ائتدموا بالزيت " فيه ترغيب بالإتدام بالزيت معللا ذلك بكونه من شجرة مباركة
قوله : " سيد أدامكم الملح " قد تقدم أن الأدام اسم لما يؤتدم به أي يؤكل به الخبز مما يطيب سواء كان مما يصطبغ به كالأمراق والمائعات أو مما لا يصطبغ به كالجامدات من الجبن والبيض والزيتون وغير ذلك قال ابن رسلان هذا معنى الأدام عند الجمهور من السلف والخلف انتهى . ولعل تسمية الملح بسيد الأدام لكونه مما يحتاج إليه في كل طعام ولا يمكن أن يساغ بدونه فمع كونه لا يزال مخالطا لكل طعام محتاج إليه لا يغني عنه من أنواع الأدام شيء وهو يغني عنها بل ربما لا يصلح بعض الدم إلا بالملح فلما كان بهذا المحل أطلق عليه اسم السيد وإن لم يكن سيدا بالنسبة إلى ذاته لكونه خاليه عن الحلاوة والدسومة ونحوهما
قوله : " فوضع عليها تمرة " فيه أن وضع التمرة على الكسرة جائز ليس بمكروه وإن كان البزار روى حديث " أكرموا الخبز " مع ما في الحديث من المقال فمثل هذا لا ينافي الكرامة
قوله : " هذه أدم هذه " فيه دليل على أن الجوامد تكون إداما كالجبن والزيتون والبيض والتمر وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة ما لا يصطبغ به فليس بأدام لأن كل واحد منهما يرفع إلى الفم منفردا
قوله : " سيد أدام أهل الدنيا " الخ فيه تصريح بأن اللحم حقيق بأن يطلق عليه اسم السيادة المطلقة في الدنيا والآخرة ولا جرم فهو بمنزلة لا يبلغها شيء من الأدم كائنا ما كان فإطلاق السيادة عليه لذاته لا لمجرد الاحتياج إليه كما تقدم في الملح
قوله : " خبزة واحدة " بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها زاي هي في أصل اللغة الطلمة والمراد بها هنا المصنوع من الطعام
قال النووي معنى الحديث إن شاء الله يجعل الأرض كالظلمة والرغيف العظيم ويكون ذلك طعاما نزلا لأهل الجنة والله تبارك وتعالى على كل شيء قدير
قوله : " بالام والنون " الحرف الأول باء موحدة وبعدها لام مخففة بعده ميم مرفوعة غير منونة كذا قال النووي
قال وفي معناها أقوال مضطربة الصحيح منها الذي اختاره القاضي وغيره من المحققين أنها لفظة عبرانية معناها بالعبرانية ثور ولهذا فسر ذلك به ووقع السؤال لليهود عن تفسيرها ولو كانت عربية لعرفتها الصحابة ولم يحتاجوا إلى سؤاله عنها فهذا هو المختار في بيان هذه اللفظة
قال وأما النون فهو الحوت باتفاق العلماء . والمراد بقوله يتكفؤها أي يميلها من يد إلى يد حتى تجتمع وتستوي لأنها ليست منبسطة كالرقاقة ونحوها . والنزل بضم النون والزاي ويجوز إمكان الزاي وهو ما يعد للضعيف عند نزوله
قال الخطابي لعل اليهودي أراد التعمية عليهم فقطع الهجاء وقدم أحد الحرفين على الآخر وهي لام ألف وياء بريد لأي وزن لعا وهو الثور الوحشي فصحف الراوي الياء المثناة فجعلها موحدة
قال الخطابي هذا أقرب ما يقع لي فيه والمراد بزائدة الكبد قطعة منفردة متعلقة بالكبد وهي أطيبها . قوله " يأكل منها سبعون ألفا " قال القاضي يحتمل أنهم السبعون ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فخصوا بأطيب النزل . ويحتمل أنه عبر بالسبعين ألفا عن عدد الكثير ولم يرد الحصر في ذلك القدر وهذا معروف من كلام العرب
باب أن من حلف أنه لا مال له يتناوله الزكاتي وغيره
1 - عن أبي الأحوص عن أبيه قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى شملة أو شملتان فقال هل لك من مال فقلت نعم قد آتاني الله من كل ماله من خيله وإبله وغنمه ورقيقه فقال فإذا آتاك الله مالا فلير عليك نعمه فرحت إليه في حلة "
2 - وعن سويد بن هبيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " خير مال امرء له مهرة مأمورة أو سكة مأبورة "
- رواهما أحمد . المأمورة الكثيرة النسل والسكة الطريق من النخل المصطفة . والمأبورة هي المفلحة
وقد سبق أن عمر قال " يا رسول الله أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه " وقال أبو طلحة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم " أحب أموالي إلى بيرحاء لحائط له مستقبلة المسجد "
- متفق عليه
- حديث أبي الأحوص أخرجه أيضا أبو داود والنسائي والترمذي والحاكم في المستدرك ورجال إسناده رجال الصحيح . وحديث سويد بن هبيرة أخرجه أيضا أخرجه أيضا أبو سعيد والبغوي وابن قانع والطبراني في الكبير والبيهقي في السنن والضياء المقدسي في المختارة وصححه وأخرجه أيضا عنه من طريق أخرى العسكري . وحديث عمر قد سبق في أول كتاب الوقف
قوله : " فإذا آتاك الله مالا " ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتيان المال مع أمره بأظهار النعمة عليه يدل على أنه علة لأنه لو لم يمكن التعليل لما كان لإعادة ذكره فائدة وكان ذكره عبثا وكلام الشارع منزه عنه
قوله : " فلير " بسكون لام الأمر والياء المثناة التحتية مضموية ويجوز بالمثناة من فوق باعتبار النعم المذكورة ويجوز أيضا بالمثناة من تحت المفتوحة
وفيه أنه يستحب للغني أن يلبس من الثياب ما يليق به ليكون ذلك إظهارا لنعمة الله عليه إذ الملبوس هو أعظم ما يظهر فيه الفرق بين الأغنياء والفقراء فمن ليس من الأغنياء ثياب الفقراء صار مماثلا لهم في ايهام الناظر له أنه منهم وذلك ربما كان كفران نعمة الله عليه وليس الزهد والتزاضع في لزوم ثياب الفقر والمسكنة لأن الله سبحانه أحل لعباده الطيبات ولم يخلق لهم جيد الثياب إلا لتلبس ما لم يرد نص على تحريمه ومن فوائد إظهار أثر الغني أن يعرفه ذوو الحاجات فيقصدونه لقضاء حوائجهم وقد أخرج الترمذي حديث " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته بالخير على عبده " وقال حسن فدل هذا على أن إظهار النعمة من محبوبات المنعم ويدل على ذلك قوله تعالى { وأما بنعمة ربك فحدث } فإن الأمر منه جل جلاله إذا لم يكن للوجوب كان للندب وكلا القسمين مما يحبه الله فمن أنعم الله عليه بنعمة من نعمه الظاهرة أو الباطنة فليبالغ في إظهارها بكل ممكن ما لم يصحب ذلك الإظهار وياء أو عجب أو مكاثرة للغير وليس من الزهد والتواضع أن يكون الرجل وسخ الثياب شعث الشعر . فقد أخرج أبو داود والنسائي عن جابر بن عبد الله قال " أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى رجلا شعثا قد تفرق شعره فقال أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره ورأى رجلا آخر عليه ثياب وسخة فقال أما كان هذا يجد ما يغسل له ثوبه ( والحاصل ) إن الله جميل يحب الجمال فمن زعم أن رضاه في لبس الخلقان والمرقعات وما أفرط في الغلظ من الثياب فقد خالف ما أرشد إليه الكتاب والسنة
قوله : " مهرة مأمورة " قال في القاموس وأمر كفرح أمرا وأمرة كثرو تم فهو أمر والأمر اشتد والرجل كثرت ماشيته وأمره الله وأمره كنصره لغية كثر نسله وماشيته
قوله : " سكة " قال في القاموس السك والسكة بالكسر حديدة منقوشة يضرب عليها الدراهم والسطر من الشجر وحديدة الفدان والطريق المستوي وضربوا بيتهم سكاكا بالكسر صفا واحدا
قوله : " مأبورة " قال في القاموس وأبر كفرح صلح وذكر أن تأبير النخل اصلاحه
وقد تقدم الكلام على ماقاله عمر وما قاله أبو طلحة في الوقف
باب من حلف عند رأس الهلال لا يفعل شيئا شهرا فكان ناقصا
1 - عن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حلف لا يدخل على بعض أهله شهرا " وفي لفظ " آلي من نسائه شهرا فلما مضى تسعة وعشرون يوما غدا عليهم أو راح فقيل له يا رسول الله حلفت أن لا تدخل عليهم شهرا فقال إن الشهر يكون تسعا وعشرين "
- متفق عليه
2 - وعن ابن عباس قال " هجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساءه شهرا فلما مضى تسعة وعشرون أتى جبريل عليه السلام فقال قد برت يمينك وقد تم الشهر "
- رواه أحمد
- قوله " فقيل له يا رسول الله حلفت " الخ فيه تذكير الحالف بيمينه إذا وقع منه ما ظاهره نسيانها لا سيما ممن له تعلق بذلك والقائل له بذلك عائشة كما تدل عليه الروايات الآخرة فإنها لما خشيت أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم نسي مقدار ما حلف عليه وهو شهر والشهر ثلاثون يوما أو تسعة وعشرون يوما فلما نزل في تسعة وعشرين ظنت أنه ذهل عن القدر أن الشهر لم يهل فأعلمها أن الشهر استهل وإن الذي كان الحلف وقع فيه تسع وعشرون وفيه تقوية لقول من قال أن يمينه صلى الله عليه وآله وسلم اتفق أنها كانت في أول الشهر ولهذا اقتصر على تسعة وعشرين وإلا فلو اتفق ذلك في أثناء الشهر فالجمهور على أنه لا يقع البر إلا بثلاثين . وذهبت طائفة إلى الأكتفاء بتسعة وعشرين أخذا بأقل ما ينطلق عليه الاسم
قال ابن بطال يؤخذب منه أن من حلف على شيء بر يفعل أقل ما ينطلق عليه الاسم والقصة محمولة عند الشافعي ومالك على أنه دخل أول الهلا وخرج به فلو دخل في أثناء الشهر لم يبر إلا بثلاثين وافية
قوله : " إن الشهر يكون تسعا وعشرين " هذه الرواية تدل على المراد من الرواية الأخرى بلفظ " الشهر تسع وعشرون " كما في لفظ ابن عمر فإن ظاهر ذلك الحصر وهذا الظاهر غير مرادون وهم وقد أنكرت عائشة على ابن عمر روايته المطلقة إن الشهر تسع وعشرون قال فذكروا ذلك لعائشة فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن إنما قال الشهر قد يكون تسعا وعشرين وقد أخرج مسلم من وجه آخر عن عمر بهذا اللفظ الأخير الذي جزمت به عائشة ويدل أيضا على ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخرج من يمينه بمجرد مضى ذلك العدد بل للخير الواقع من جبريل كم في حديث ابن عباس المذكور
باب الحلف بأسماء الله وصفاته والنهي عن الحلف بغير الله تعالى
1 - عن ابن عمر قال " كان أكثر ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحلف لا ومقلب القلوب "
- رواه الجماعة إلا مسلما
2 - وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لما خلق الله الجنة أرسل جبريل فقال أنظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها فنظر إليها فرجع فقال لا وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها "
3 - وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " يبقى رجل بين الجنة النار فيقول يا رب أصرف وجهي عن النار لا وعزتك لا أسألك غيرها "
- متفق عليهما
4 - وفي حديث اغتسال أيوب " بلى وعزتك ولكن لا غنى بي عن بركتك "
5 - وعن قتيلة بن صيفي " أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أنكم تنددون وأنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت وتقولون والكعبة فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة ويقول أحدهم ما شاء الله ثم شئت "
- رواه أحمد والنسائي
6 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع عمر وهو يحلف بأبيه فقال إن الله ينهاكم أن تحلفوا بأبائكم فمن كان حالفا فيلحف بالله أو ليصمت "
- متفق عليه
وفي لفظ قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله فكانت قريش تحلف بآبائها فقال لا تحلفوا بآبائكم " . رواه أحمد ومسلم والنسائي
7 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون "
- رواه النسائي
- حديث قتيلة أخرجه أيضا ابن ماجه وصححه النسائي . وحديث أبي هريرة الأخر أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن حبان والبيهقي
وفي الصحيحين عن ابن عمر رفعه " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " ( وفي الباب ) عن ابن عمر رفعه " من حلف بغير الله فقد كفر " أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه . ويروى أنه قال فقد أشرك وهو عند أحمد من هذا الوجه وكذا عند الحاكم ورواه الترمذي وابن حبان من هذا الوجه أيضا بلفظ " فقد كفر وأشرك " قال البيهقي لم يسمعه سعد بن عبيدة من ابن عمر قال الحافظ قد رواه شعبة عن المنصور عنه قال كنت عند ابن عمر ورواه الأعمش عن سعيد عن عبد الرحمن السلمي عن ابن عمر
قوله : " لا ومقلب القلوب " لا تقي للكلام السابق ومقلب القلوب هو المقسم به والمراد بتقليب القلوب تقليب أحوالها لا ذواتها وفيه جواز تسمية الله بما ثبت من صفاته على وجه يليق به
قال القاضي أبو بكر بن العربي في الحديث جواز الحلف بأفعال الله تعالى إذا وصف بها ولم يذكر اسم الله تعالى . وفرق الحنفية بين القدرة والعلم فقالوا إن حلف بقدرة الله انعقدت يمينه وإن حلف بعلم الله لم تنعقد لأن العلم يعبر به عن المعلوم كقوله تعالى { قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا } والجواب أنه هنا مجاز إن سلم أن المراد به المعلوم والكلام أنما هو في الحقيقة
قال الراغب تقليب الله القلوب والأبصار صرفها عن رآي إلى رآي قال وعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة
قوله : " فقال وعزتك " هذا طرف من الحديث الذي فيه " إن الجنة حفت بالمكاره والنار بالشهوات " وذكره المصنف رحمه الله هنا للاستدلال به على الحلف بعزة الله
قال ابن بطال يحتمل أن تكون صفة ذات بمعنى القدرة والعظمة وأن تكون صفة فعل بمعنى القهر لمخلوقاته والغلبة لهم ولذلك صحت الأضافة قال ويظهر الفرق بين الحالف بعزة الله أي التي هو صفة لذاته والحالف بعزة الله التي هو صفة لفعلة بأنه يحنث في الأول دون الثاني
قال الحافظ وإذا أطلق الحالف انصرف إلى صفة الذات وأنعقدت اليمين قوله " لا وعزتك لا أسألك غير هذا " هذا طرف من الحديث الطويل في صفة الحشر ومحل الحجة منه هذا اللفظ المذكور فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر ذلك مقررا له فكان دليلا على جواز الحلف بذلك
قوله " بلى وعزتك " هو طرف من حديث طويل وأوله " أن أيوب كان يغتسل فخر عيله جراد من ذهب " ووجه الدلالة منه أن أيوب عليه السلام لا يحلف إلا بالله وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك عنه وأقره
قوله : " ولكن لا غنى لي عن بركتك " بكسر الغين المعجمة والقصر كذا للأكثر . ووقع لأبي ذر عن غير الكشميهني بفتح أوله والمد والأول أولى فإن معنى الغناء بالفتح والمد الكفاية يقال ما عند فلان غناء أي ما يغتني به
قوله : " تنددون " أي تجعلون لله أندادا وتشركون أي تجعلون لله شركاء وفيه النهي عن الحلف بالكعبة وعن قول الرجل ما شاء الله وشئت ثم أمرهم أن يأتوا بما لا تنديد فيه ولا شرك فيقولون ورب الكعبة ويقولون ما شاء الله ثم شئت . وحكى ابن التين عن ابن جعفر الداودي أن قال ليس في الحديث نهي عن القول المذكور وقد قال الله تعالى { وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله } وقال تعالى { وإذا تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه } وغير ذلك وتعقبه بأن الذي قاله أبو جعفر ليس بظاهر لأن قوله " ماشاء الله وشئت " تشريك في مشيئته تعالى وأما الآية فإنما أخبر الله أنهم أغناهم وأن رسوله أغناهم وهو من الله حقيقة لأنه الذي قدر ذلك ومن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حقيقة باعتبار تعاطي الفعل . وكذا الأنعام أنعم الله على زيد بن حارثة بالإسلام وأنعم عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعتق وهذا بخلاف المشاركة في المشيئة فإنها منفردة لله سبحانه وتعالى بالحقيقة وإذا نسبت لغيره فبطريق المجاز
قوله : " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بأبائكم " في رواية للترمذي من حديث ابن عمر " أنه سمع رجلا يقول لا والكعبة فقال لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من حلف بغير الله فقد كفر وأشرك " قال الترمذي حسن وصححه الحاكم التعبير بقوله كفر أو شرك للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك وقد تمسك به من قال بالتحريم
قوله " فليحلف بالله أو ليصمت " قال العلماء السر في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده فلا يحلف إلا بالله وذاته وصفاته وعلى ذلك اتفق الفقهاء . واختلف هل الحلف بغير الله حرام أو مكروه للمالكية والحنابلة قولان ويحمل ما حكاه ابن عبد البر من الإجماع على عدم جواز الحلف بغير الله على أن مراده بنفي الجواز الكراهة أعم من التحريم والتنزيه وقد صرح بذلك في موضع آخر . وجمهور الشافعية على أنه مكروه تنزيها وجزم ابن حزم بالتحريم
قال إمام الحرمين المذهب القطع بالكراهة وجزم غيره بالتفصيل فإن اعتقد في المحلوف به ما يعتقد في الله تعالى كان بذلك الاعتقاد كافر أو مذهب الهادوية أنه لا أثم في الحلف بغير الله ما لم يسو بينه وبين الله في التعظيم أو كان الحلف متضمنا كفرا أو فسقا وسيأتي الكلام على من يكفر بحلفه
قال في الفتح وأما ما ورد في القرآن من القسم بغير الله ففيه جوابان أحدهما أن فيه حذفا والتقدير ورب الشمس ونحوه والثاني أن ذلك يختص بالله فإذا أراد تعظيم شيء من مخلوقاته أقسم به وليس لغيره ذلك وأما ما وقع مما يخالف ذلك كقوله صلى الله عليه وآله وسلم للأعرابي أفلح وأبيه أن صدق فقد أجيب عنه بأجوبة الأول الطعن في صحة هذه اللفظة كما قال ابن عبد البر إنها غير محفوظة وزعم أن أصل الرواية أفلح والله فصحفها بعضهم . والثاني أن ذلك كان يقع من العرب ويجري على ألسنتهم من دون قصد للقسم والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف قاله البيهقي وقال النووي أنه الجواب المرضي . والثالث أنه كان يقع في كلامهم على وجهين للتعطيم والتأكيد والنهي إنما وقع عن الأول . والرابع أن ذلك كان جائزا ثم نسخ قاله الماوردي
وقال السهيلي أكثر الشراح عليه
قال ابن العربي وروى " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحلف بأبيه حتى نهى عن ذلك " قال السهيلي ولا يصح لأنه لا يظن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه كان يحلف بغير الله ويجاب بأنه قبل النهي عنه غير ممتنع عليه ولا سيما الأقسام القرآنية على ذلك النمط
وقال المنذري دعوى النسخ ضعيفة لا مكان الجمع ولعدم تحقق التاريخ . والخامس أنه كان في ذلك حذف والتقدير أفلح ورب أبيه قاله البيهقي . والسادس أنه للتعجيب قاله السهيلي . والسابع أنه خاص به صلى الله عليه وآله وسلم وتعقب بأت الخصائص لا تثبت بالاحتمال ( وأحاديث الباب ) تدل على أن الحلف بغير الله لا ينعقد لأن النهي يدل على فساد المنهى عنه وإليه ذهب الجمهور وقال بعض الخنابلة إن الحلف بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم ينعقد وتجب الكفارة
باب ما جاء في وأيم الله ولعمر الله وأقسم بالله وغير ذلك
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلها تأتي بفارس يقاتل في سبيل الله فقال له صاحبه قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله فطاف عليهن جميعا فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة فجاءت بشق رجل وايم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون " وه حجة في أن الحاق الأستثناء ما لم يطل الفصل ينفع وإن لم ينوه وقت الكلام الأول
2 - وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في زيد بن حارثة " وايم الله إن كان لخليقا للإمارة "
- متفق عليهما
وفي حديث متفق عليه لما وضع عمر على سريره جاء أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فترحم عليه وقال وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الل مع صاحبيك وقد سبق في حديث المخزومية وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها . وقول عمر لغيلان بن سلمة وايم الله لتراجعن نساءك
وفي حديث الأفك فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي فقام أسيد بن حضير فقال لسعد بن عبادة لعمر الله لنقتلنه وهو متفق عليه
3 - وعن عبد الرحمن بن صفوان وكان صديقا للعباس " أنه ما كان يوم الفتح جاء بأبيه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله بايعه على الهجرة فأبى وقال أنها لا هجرة فأنطلق إلى العباس فقام العباس معه فقال يا رسول الله قد عرفت ما بيني وبين فلان وأتاك بأبيه لتبايعه على الهجرة فأبيت فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا هجرة فقال العباس أقسمت عليك لتبايعنه قال فبسط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده فقال هات أبرره عمى ولا هجرة "
- رواه أحمد وابن ماجه
4 - وعن أبي الزاهرية عن عائشة " أن امرأة أهدت إليها تمرا في طبق فأكلت بعضه وبقي بعضه فقالت أقسمت عليك ألا أكلت بقيته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبريها فإن الأثم على المحنث "
- رواه أحمد
5 - وعن بريدة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس منا من حلف بالأمانة "
- رواه أبو داود
- حديث المخزومية تقدم في باب ما جاء في السارق يوهب السرقة بعد وجوب القطع أو يشفع فيه وقول عمر لغيلان تقدم في باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع . وحديث عبد الرحمن بن صفوان قال ابن ماجه في إسناده حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل وحدثنا محمد بن يحيى حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا ابن ادريس جميعا عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الرحمن بن صفوان فذكره ثم قال حدثنا محمد بن يحيى الحسن بن الربيع عن عبد الله ابن ادريس عن يزيد بن أبي زياد بإسناده نحوه
وقال يزيد بن أبي زياد يعني لا هجرة من دار من قد أسلم أهلها اه . وحديث أبي الزاهرية قال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح ويشهد لصحته الأحاديث الآتية في أبرار القسم وحديث بريدة سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع رجلا يحلف بالأمانة فقال ألست الذي يحلف بالأمانة " . قوله " لا طوفن " اللام جواب القسم كأنه قال والله لاطوفن ويرشد إلى ذلك ذكر الحنث في قوله لم يحنث كما في رواية
قوله : " على تسعين " بتقديم التاء الفوقية على السين
قوله : " وايم الله " بكسر الهمزة وفتحها والميم مضمومة . وحكى الأخفش كسرها مع كسر الهمزة وهو اسم عند الجمهور وحرف عند الزجاج وهمزته همزة وصل عند الأكثر وهمزة قطع عند الكوفيين ومن وافقهم لأنه عندهم جمع يمين وعند سيبويه ومن وافقه أنه اسم مفرد واحتجوا بجواز كسر همزته وفتح ميمه
قال ابن مالك فلو كان جمعا لم تكسر همزته وقد ذكر في فتح الباري فيها لغات عديدة وقال غيره أصله يمين الله ويجمع على أيمن فيقال وأيمن الله حكاه أبو عبيدة وأنشد لزهي ابن أبي سلمى
فيجمع أيمن منا ومنكم لمقسمة نمور بها الدماء
فقالوا عند القسم وأيمن الله ثم كثر فحذفوا النون كما حذفوها من لم يكن فقالوا لم يك ثم حذفوا الياء فقالوا أم الله ثم حذفوا الألف فأقتصروا على الميم مفتوحة ومضمومة ومكسورة وقالوا أيضا م الله بكسر الميم وضمها وأجازوا في أيمن فتح المي وضمها وكذا في أيم الله ومنهم من وصل الألف وجعل الهمزة زائدة ومسهلة وعلى هذا تبلغ لغاتها عشرين
قال الجوهري قالوا أيم الله وربما حذفوا الياء فقالوا أم الله أبقوا الميم وحدها مضمومة فقالوا م الله وربما كسروها لأنها صارت حرفا واحدا فشبهوها بالباء قال وألفها ألف وصل عند أكثر النحويين ولم يجيء ألف وصل مفتوحة غيرها وقد يدخل اللام للتأكيد فيقال ليمن الله قال الشاعر
فقال فريق القوم لما شهدتهم نعم وفريق ليمن الله ما ندري
وذهب ابن كيسان وابن درستويه إلى أن ألفها ألف قطع وإنما خففت همزتها وطرحت في الوصل لكثرة الأستعمال . وحكى ابن التين عن الداوودي أنه قال أيم الله معناه اسم الله بأبدال السين ياء وهو غلط فاحش لأن السين لا تبدل ياء . وذهب المبرد إلى أنها عوض من واو القسم وإن معنى قوله وأيم الله والله لأفعلن . ونقل عن ابن عباس أن يمين الله من أسماء الله ومنه قوله امرئ القيس
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
ومن ثم قالت المالكية والحنفية أنه يمين وعند الشافعية أن نوى اليمين انعقدت وإن نوى غير اليمين لم تنعقد يمينا وإن أطلق فوجهان أصحهما لا تنعقد إلا أن نوى . وعن أحمد روايتان أصحهما الأنعقاد . وحكى الغزالي في معناه وجهين أحدهما أنه كقوله بالله والثاني أنه كقوله أحلف بالله وهو الراجح ومنهم من سوى بينه وبين لعمر الله . وفرق الماوردي بأن لعمر الله شاع في استعمالهم عرفا بخلاف أيم الله واحتج بعض من قال منهم بالإنعقاد مطلقا بأن معناه يمين الله ويمين الله من صفاته وصفاته قديمة . وجزم النووي في التهذيب أن قوله وأيم الله كقوله وحق الله وقال أنه ينعقد به اليمين عند الأطلاق وقد استغربوه
قوله : " لعمر الله " بفتح العين المهملة وسكون الميم هو العمر بضم العين قال في النهاية ولا يقال في القسم إلا بالفتح
وقال الراغب العمر بالضم وبالفتح واحد ولكن خص الحلف بالثاني
قال الشاعر " عمرك الله كيف يلتقيان " أي سألت الله أن يطيل عمرك وقال أبو القاسم الزجاجي العمر الحياة فمن قال لعمر الله فكأنه قال أحلف ببقاء الله واللام للتوكيد والخبر محذوف أي ما أقسم به . ومن ثم قالت المالكية والحنفية تنعقد بها اليمين لأن بقاء الله تعالى من صفة ذاته وعن الإمام مالك لا يعجبني الحالف بذلك وقد أخرج إسحاق بن راهوية في مصنفه عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال كانت يمين عثمان بن أبي العاص لعمري
وقال الأمام الشافعي وإسحاق لا يكون يمينا إلا بالنية لأنه يطلق على العلم وعلى الحق وقد يراد بالعلم المعلوم وبالحق ما أوحبه الله تعالى وعن أحمد كالمذهبين والراجح عنه كالشافعي وأجابوا عن الآية التي فيها بالعمر بأن الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه وليس ذلك لغيره لثبوت النهي عن الحلف بغير الله وقد عد الأئمة ذلك في فضائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن الله تعالى أقسم به حيث قال { لعمرك أنهم لفي سكرتهم يعمهون } وأيضا فإن اللام ليست من أدوات القسم لأنها محصورة في الواو والباء والتاء وقد ثبت عند البخاري في كتاب الرقاق من حديث لقيط بن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمر الأهل وكررها " وهو عند عبد الله بن أحمد وعند غيره
قوله : " أقسمت عليك " قال ابن المنذر اختلف فيمن قال أقسمت بالله أو أقسمت مجردا فقال قوم هي يمين وإن لم يقصد وممن روى عنه ذلك ابن عمر وابن عباس وبه قال النخعي والثوري والكوفيون
وقال الأكثرون لا يكون يمينا إلا ان نوى وقال الإمام مالك أقسمت بالله يمين وأقسمت مجردة لا تكون يمينا إلا أن نوى وقال الشافعي المجردة لا تكون يمينا أصلا ولو نوى وأقسمت بالله إن نوى يكون يمينا وكذا لو قال أقسم بالله وقال سحنون لا يكون يمينا أصلا وعن الأمام أحمد كالأول وعنه كالثاني وعنه إن قال قسما بالله فيمين جزما لأن التقدير أقسمت بالله قسما وكذا لو قال آليت بالله
قال ابن المنير لو قال أقسم بالله عليك لتفعلن فقال نعم هل يلزمه اليمين بقوله نعم وتجب الكفارة إن لم يفعل قال وفي ذلك نظر
قوله : " ليس منا من حلف بالأمانة " قال في النهاية يشبه أن تكون الكراهة فيه لأجل أنه أمر أن يحلف بأسماء الله وصفاته والأمانة أمر من أموره فنهوا عنها من أجل التسوية بينها وبين أسماء الله كما نهوا أن يحلفوا بآبائهم قال وإذا قال الحالف وأمانة الله كانت يمينا عند أبي حنيفة والشافعي لا يعدها يمينا قال والأمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والنقد والأمان قد جاء في كل منها حديث
باب الأمر بابرار القسم والرخصة في تركه للعذر
1 - عن البراء بن عازب قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس وإبرار القسم أم المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام "
2 - وعن ابن عباس في حديث رؤيا قصها أبو بكر " أن أبا بكر قال أخبرني يا رسول الله بأبي أنت وأمي أصبت أم أخطأت فقال أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال فوالله لتحدثني بالذي أخطأت قال لا تقسم "
- متفق عليهما
- قوله " وإبرار القسم " أي بفعل ما أراد الحالف ليصير بذلك بارا
قوله : " والمقسم اختلف في ضبط السين فالمشهور إنها بالكسر وضم الميم على أنه اسم فاعل وقيل بفتح السين أي الأقسام والمصدر قد يأتي للمفعول مثل أدخلته مدخلا بمعنى الأدخال وكذا أخرجته
قوله : " في حديث رؤيا قصها " هذا من كلام المصنف
قوله : " لا تقسم " أي لا تحلف وهذا طرف من حديث طويل قد ساقه البخاري مستوفي في كتاب التعبير
قوله : " وإبرار القسم " ظاهر الأمر الوجوب واقترانه ببعض ما هو متفق على عدم وجوبه كأفشاء السلام قرينة صارفة عن الوجوب وعدم إبراره صلى الله عليه وآله وسلم لقسم أبي بكر وإن كان خلاف الأحسن لكنه صلى الله عليه وآله وسلم فعله لبيان عدم الوجوب ويمكن أن يقال أن الفعل منه صلى الله عليه وآله وسلم لا يعارض الأمر الخاص بالأمة كما تقرر في الأصول وما نحن وبقية ما اشتمل عليه الحديث موضعه غير هذا
باب ما يذكر فيمن قالو هو يهودي أو نصراني أن فعل كذا
1 - عن ثابت بن الضحاك " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال "
- رواه الجماعة إلا أبا داود
2 - وعن بريدة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قال أني بريء من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال وإن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام سالما "
- رواه أحمد والنسائي وابن ماجه
- حديث بريدة هو من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وقد صححه النسائي
قوله : " بملة غير الإسلام " الملة بكسر الميم وتشديد اللام الدين والشريعة وهي نكرة في سياق الشرط فتعم جميع الملل من أهل الكتاب كاليهودية والنصرانية ونحوهم من المجوسية والصابئة وأهل الأوثان والدهوير والمعطلة وعبدة الشياطين والملائكة وغيرهم
قال ابن المنذر اختلف فيمن قال أكفر بالله ونحوه إن فعلت ثم فعل فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار لاكفارة عليه ولا يكون كافرا إلا إن اضمر ذلك بقلبه وقال الأوزاعي والثوري والحنفية وأحمد إسحاق هو يمين وعليه كفارة
قال ابن المنذر والأول أصح لقوله صلى الله عليه وآله وسلم من حلف باللات والعزى فليقل لا إلا الله ولم يذكر كفارة زاد غيره وكذا قال من حلف بملة سوى الإسلام فهو كما قال فأراد التغليظ في ذلك حتى لا تجرئ أحد عليه . ونقل ابن القصار من المالكية عن الحنفية أنهم احتجوا الإيجاب الكفارة بأن في اليمين الامتناع من الفعل وتضمن كلامه بما ذكر تعظيما للإسلام وتعقب ذلك بأنهم قالوا فيمن قال وحق الإسلام إذا حنث لا يجب عليه كفارة فأسقطوا الكفارة إذا صرح بتعظيم الإسلام وأثبتوها إذا لم يصرح
قال ابن دقيق العيد الحلف بالشيء حقيقة هو القسم وأدخال بعض حروف القسم عليه كقوله والله وقد يطلق على التعليق بالشيء يمين كقولهم من حلف بالطلاق فالمراد تعليق الطلاق وأطلق عليه الحلف لمشابهته لليمين في اقتضاء الحنث أو المنع وإذا تقرر ذلك فيحتمل أن يكون المراد المعنى الثاني لقوله كاذبا والكذب يدخل القضية الأخبارية التي يقع مقتضاها تارة ولا يقع أخرى وهذا بخلاف قولنا والله ما أشبهه فليس الأخبار بها عن أمر خارجي بل هي لإنشاء القسم فتكون صورة الحلف هنا على وجهين . أحدهما أن تتعلق بالمستقبل كقوله إن فعل كذا فهو يهودي والثاني تتعلق بالماضي كقوله إن كان كاذبا فهو يهودي وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه الكفارة لكونه لم يذكر فيه كفارة بل جعل المرتب على كذبه
قوله : " فهو كما قال " قال ولا يكفر في صورة الماضي إلا أن قصد التعظيم وفيه خلاف عند الحنفية لكونه تنجيز معنى فصار كما لو قال هو يهودي ومنهم من قال إذا كان لا يعلم إنه يمين لم يكفر وإن كان يعلم إنه يكفر بالحنث كفر لكونه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل
وقال بعض الشافعية ظاهر الحديث أنه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبا والتحيقيق التفصيل فإن أعتقد تعظيم ما ذكر كفر وإن قصد حقيقة التعليق فينظر فإن كان أراد أن يكون متصفا بذلك كفر لأن إرادة الكفر كفر وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيها الثاني هو المشهور
قوله : " كاذبا " زاد في البخاري ومسلم متعمدا
قال عياض تفرد بهذه الزيادة سفيان الثوري وهي زيادة حسنة يستفاد منها إن الحالف متعمدا كان مطمئن القلب بالإيمان وهو كاذب في تعظيم مالا يعتقد تعظيمه لم يكفر وإن قاله معتقدا لليمين بتلك الملة لكونها حقا كفر وإن قالها لمجرد التعظيم لها أحتمل
قال الحافظ وينقدح بأن يقال أن أراد تعظيمها باعتبار ما كانت قبل النسخ لم يكفر أيضا قال ودعواه إن سفيان تفرد بها إن أراد بالنسبة إلى رواية مسلم فعسى فإنه أخرجها من طريق شعبة عن أيوب وسفيان عن خالد الحذاء جميعا عن أبي قلابة
قوله : " في الحديث الآخر " فهو كما قال قال في الفتح يحتمل أن يكون المراد بهذا الكلام التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم كأن يقال فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال ونظيره من ترك الصلاة فقد كفر أي استوجب عقوبة من كفر
وقال ابن المنذر ليس على إطلاقه في نسبته إلى الكفر بل المراد إنه كاذب كذب المعظم لتلك الجهة
باب ما جاء في اليمين الغموس ولغو اليمين
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس ليس لهن كفارة الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت مؤمن والفرار يوم الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق "
2 - وعن ابن عمر " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل فعلت كذا قال لا والذي لا إله إلا هو مافعلت قال فقال له جبريل عليه السلام قد فعل ولكن الله عز و جل غفر له بقوله لا والذي لا إله إلا هو "
3 - وعن ابن عباس قال " اختصم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلان فوقعت اليمين على أحدهما فلحلف بالله الذي لا إله إلا هو ماله عند شيء قال فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إنه كذب إن له عند حقه فأمره أن يعطيه حقه وكفارة يمينه معرفته إن لا إله إلا الله أو شهادته "
- رواهن أحمد ولأبي داود الثالث بنحوه
4 - وعن عائشة قالت " أنزلت هذه الآية { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } في قوله الرجل لا والله وبلى والله "
- أخرج البخاري
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا أبو الشيخ ويشهد له ما أخرجه البخاري من حديث ابن عمرو قال جاء اعرابي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر فذكر الحديث وفيه اليمين الغموس وفيه قلت وما اليمين الغموس قال الذي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب وحديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وفي إسناده عطاء بن السائب وقد تكلم فيه غير واحد
وأخرج له البخاري حديثا مقرونا بابن بشر
قوله : " ليس لهن كفارة " أي لا يمحو الأثم الحاصل بسببهن شيء من الطاعات أما الشرك بالله فلقوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وأما قتل النفس فعلى الخلاف في قبول توبة التائب عنه وقد تقدم الكلام فيه . والمراد ببهت المؤمن إن يغتأ به بما ليس فيه واليمين الصابرة أي التي ألزم بها وصبر عليها وكانت لا زمة لصاحبها من جهة الحكم والظاهر أن هذه الأمور لا كفارة لها إلا التوبة منها ولا توبة في مثل القتل إلا بتسليم النفس للقود
قوله : " وكفارة يمينه " الخ هذا يعارض حديث أبي هريرة لأنه قد نفى الكفارة عن الخمس التي من جملتها اليمين الفاجة في اقتطاع حق وهذا أثبت له كفارة وهي التكلم بكلمة الشهادة ومعرفته لها ويجمع بينهما بأن النفي عام والأثبات خاص
قوله : " باللغو " الآية قال الراغب هو في الأصل مالا يعتد به من الكلام والمراد في الإيمان ما يورد عن غير روية فيجري مجرى اللغا وهو صوت العصافير
قوله : " لا والله " أخرجه أبو داود عنها مرفوعا بلفظ " قالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال هو كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله " وأخرجه أيضا البيهقي وابن حبان وصحح الدار قطني الوقف ورواه البخاري والشافعي ومالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة موقوفا . ورواه الشافعي من حديث عطاء أيضا موقوفا
قال أبو داود ورواه غير واحد عن عطاء عن عائشة موقوفا وأخرج الطبري من طريق الحسن البصري مرفوعا في قصة الرماة وكان أحدهم إذا رمى حلف إنه أصاب فيظهر إنه أخطأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيمان الرماة لغو لا كفارة لها ولا عقوبة
قال الحافظ وهذا لا يثبت لأنهم كانوا لا يعتمدون مراسيل الحسن لأنه كان يأخذ عن كل أحد وقد تمسك بتفسير عائشة المذكور في الباب الشافعي وقال إنها جزمت بأن الآية نزلت في قول الرجل لا والله وبلى والله وهي قد شهدت التنزيل وذهبت الحنفية والهادوية إلى أن لغو اليمين أن يحلف على الشيء يظنه ثم يظهر خلافه وبه قال ربيعة ومالك ومكحول والأوزاعي واليث . وعن أحمد روايتان قال في الفتح ونقل ابن المنذر وغيره عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما من الصحابة وعن القاسم وعطاء والشعبي وطاوس والحسن نحو ما دل عليه حديث عائشة عن أبي قلابة لا والله وبلى والله من لغات العرب لا يراد بها اليمين وهي من صلة الكلام ونقل إسماعيل القاضي عن طاوس أن لغو اليمين أن يحلف وهو غضبان ونقل أقوالا أخر عن بعض التابعين ( وجملة ) ما يتحصل من ذلك ثمانية أقوال من جملتها قوله إبراهيم النخعي إن اللغو هو أن يحلف على الشيء لا يفعله ثم ينسى فيفعله أخرجه الطبري
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن مثله وعنه هو كقول الرجل والله لكذا وهو يظن أنه صادق ولا يكون كذلك
وأخرج الطبري من طريق طاوس عن ابن عباس أن يحلف وهو غضبان ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أن يرحم ما أحل الله له
وقيل هو أن يدعو على نفسه إن فعل كذا ثم يفعله وهذا هو يمين المعصية
قال ابن العربي القول بأن لغو اليمين هو المعصية باطل لأن الحالف على ترك المعصية ينعقد يمينه ويقال له لا تفعل وكفر عن يمينك فإن خالف وأقدم على الفعل أثم وبر في يمينه
قال ومن قال إنها يمين الغضب يرده ما ثبت في الأحاديث يعني المذكورة في الباب ومن قال دعاء الإنسان على نفسه إن فعل أو لم يفعل فاللغو إنما هو في طريق الكفارة وهي تنعقد وقد يؤاخذ بها لثبوت النهي عن دعاء الإنسان على نفسه . ومن قال إنها اليمين التي تكفر فلا متعلق له فإن الله تعالى رفع المؤاخذة عن اللغو مطلقا فلا أثم فيه ولا كفارة فكيف يفسر اللغو بما فيه الكفارة وثبوت الكفارة يقتضي وجود المؤاخذة
وقد أخرج ابن أبي عاصم من طريق الزبيدي وابن وهب في جامعه عن يونس وعبد الرزاق في مصنفه عن معمر كلهم عن الزهري عن عروة عن عائشة " لغو اليمين ما كان في المراء والهزل أو المراجعة في الحديث الذي لا يعقد عليه القلب " وهذا موقوف . ورواية يونس تقارب الزبيدي ولفظ معمر أنه القوم يتدارؤن يقول أحدهم لا والله وبلى والله وكلا والله ولا يقصد الحلف وليس مخالفا للأول
وأخرج ابن وهب عن الثقة عن الزهري بهذا السند هو الذي يحلف على الشيء لا يريد به إلا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه وهذا يوافق القول الثاني لكنه ضعيف من أجل هذا المبهم شاذ لمخالفته من هو أوثق منه وأكثر عددا ( والحاصل ) في المسألة إن القرآن الكريم قد دل على عدم المؤاخذة في يمين اللغو وذلك يعم الأثم والكفارة فلا يجب أيهما والمتوجه الرجوع في معرفة معنى اللغو إلى اللغة العربية وأهل عصره صلى الله عليه وآله وسلم أعرف الناس بمعاني كتاب الله تعالى لأنهم مع كونهم من أهل اللغة قد كانوا من أهل الشرع ومن المشاهدين للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والحاضرين في أيام النزول فإذا صح عن أحدهم تفسير لم يعارضه ما يرجح عليه أو يساويه وجب الرجوع إليه وإن لم يوافق ما نقله أئمة اللغة في معنى ذلك اللغظ لأنه يمكن أن يكون المعنى الذي نقله إليه شرعيا لا لغويا والشرعي مقدم على اللغوي كما تقرر في الأصول فكان الحق فيما نحن بصدده هو أن اللغو ما قالته عائشة رضي الله عنها وفي ( حديث الباب ) تعرض لذكر بعض الكبائر والكلام في شأنها طويل الذيول لا يتسع لبسطه إلا مؤلف حافل وقد ألف ابن حجر في ذلك مجلدا ضخما سماه الزواجر في الكبائر فمن رام الأستقصاء رجع إليه وأما حصرها في عدد معين فليس ذلك إلا باعتبار الأستقراء لا باعتبار الواقع فمن جعل عددها أوسع فلكثرة ما استقراه منها
باب اليمين على المستقبل وتكفيرها قبل الحنث وبعده
1 - عن عبد الرحمن بن سمرة قال " قال صلى الله عليه وآله وسلم إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك " وفي لفظ " فكفر عن يمينك وآت الذي هو خير "
- رواه النسائي وأبو داود وهو صريح في تقديم الكفارة
2 - وعن عدي بن حاتم " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا حلف أحدكم على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير "
- رواه مسلم
وفي لفظ " من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه
3 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من حلف على يمين فراى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه
وفي لفظ " فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " رواه مسلم
4 - وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا أحلف على يمين فارى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها " وفي لفظ " ألا كفرت عن يميني وفعلت الذي هو خير " وفي لفظ " ألا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني "
- متفق عليهن
5 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا نذر ولا يمين فيما تملك ولا في معصية ولا في قطيعة رحم "
- رواه النسائي وأبو داود وهو محمول على نفي الوفاء بها
6 - وعن ابن عباس قال " كان الرجل يقوت أهله قوتا في شدة فنزلت من أوسط ما تطعمون أهليكم "
- رواه ابن ماجه
7 - وعن أبي بن كعب وابن مسعود " أنهما قرآ فصيام ثلاثة أيام متتابعات "
- حكاه أحمد ورواه الأثرم بإسناده
- حديث عمرو بن شعيب ذكر البيهقي أنه لم يثبت وتمامه ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها " قال أبو داود الأحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليكفر عن يمينه إلا ما لا يعبأ به قال الحافظ في الفتح ورواته لابأس بهم لكن اختلف في سنده على عمرو وفي بعض طرقه عند أبي داوود ولا في معصية . وأثر ابن عباس رجال إسناده في سنن ابن ماجه رجال الصحيح إلا سليمان بن أبي المغيرة العبسي ولكنه قد وثقه ابن معين وقال في التقريب صدوق وأثر أبي بن كعب أخرجه الدارقطني وصححه قوله " فات الذي هو خير " فيه دليل أن الحنث في اليمين أفضل من التمادي إذا كان في الحنث مصلحة ويختلف بأختلاف حكم المحلوف عليه فإن حلف على فعل واجب أو ترك حرام فيمينه طاعة والتمادي مستحب والحنث معصية وعكسه بالعكس وإن حلف على فعل نفل فيمينه طاعة والتمادي مستحب والحنث مكروه وإن حلف على ترك مندوب فبعكس الذي قبله وإن حلف على مباح فإن كان يتجاذبه رجحان الفعل أو الترك كما لو حلف لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما ففيه عند الشافعية خلاف وقال ابن الصباغ وصوبه المتأخرون أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال وإن كان مستوي الطرفين فالأصح أن التمادي أولى لأنه قال فليأت الذي هو خير قوله " فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير " هذه الرواية صححها الحافظ في بلوغ المرام وأخرج نحوها أبو عوانة في صحيحه وأخرج الحاكم عن عائشة نحوها وأخرج أيضا الطبراني من حديث أم سلمة بلفظ " فليكفر عن يمينه ثم ليفعل الذي هو خير "
وفيه دليل على أن الكفارة يجب تقديمها على الحنث ولا يعارض ذلك الرواية المذكورة في الباب قبلها بلفظ " فات الذي هو خير وكفر " لأن الواو لا تدل على ترتيب إنما هي لمطلق الجمع على أن الواو لو كانت تفيد ذلك لكانت الرواية التي بعدها بلفظ " فكفر عن يمينك وأئت الذي هو خير " تخالفها وكذلك بقية الروايات المذكورة في الباب
قال ابن المنذر رأي ربيعة والأوزاعي ومالك والليث وسائر فقهاء الأمصار غير أهل الرأي أن الكفارة تجزي قبل الحنث إلا أن الشافعي أستثني الصيام فقال لا يجزي إلا بعد الحنث وقال أصحاب الراي لا تجزي الكفارة قبل الحنث وعن مالك روايتان ووافق الحنفية أشهب من مالك وداود الظاهري وخالفه ابن حزم واحتج له الطحاوي بقوله تعالى { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } فإن المراد إذا حلفتم فحنثتم ورده مخالفوه فقالوا بل التقدير فأردتم الحنث
قال الحافظ وأولى من ذلك أن يقال التقدير أعم من ذلك فليس أحد التقديرين بأولى من الآخر
واحتجوا أيضا بأن ظاهر الآية أن الكفارة وجبت بنفس اليمين ورده من أجازها بأنها لو كانت بنفس اليمين لم تسقط عمن لم يحنث اتفاقا
واحتجوا أيضا بأن الكفارة بعد الحنث فرض وإخراجها بعد تطوع فلا يقوم التطوع مقام المفروض . وانفصل عنه من أجاز بأنه يشترط إرادة الحنث وإلا تجزئ كما في تقديم الزكاة
وقال عياض اتفقوا على أن الكفارة لا تجب إلا بالحنث وأنه يجوز تأخيرها بعد الحنث واستحب الإمام مالك والشافعي والأوزاعي والثوري تأخيرها بعد الحنث قال عياض ومنع بعض المالكية تقديم كفارة حنث المعصية لأن فيه إعانة على المعصية ورده الجمهور
قال ابن المنذر واحتج للجمهور بأن اختلاف ألفاظ الأحديث لا يدل على تعيين أحد الأمرين والذي يدل عليه أنه أمر الحالف بأمرين فإذا أتى بهما جميعا فقد فعل ما أمر به وإذا دل الخبر على المنع فلم يبق إلا طريق النظر فاحتج للجمهور بأن عقد اليمين لما كان يحله الاستثناء وهو كلام فلأن تحله الكفارة وهي فعل مالي أو بدني أولى ويرجح قولهم أيضا بالكثرة . وذكر عياض وجماعة أن عدة من قال بجواز تقديم الكفارة أربعة عشر صحابيا وتبعهم فقهاء الأمصار إلا أبا حنيفة
وقد عرفت مما سلف أن المتوجه العمل برواية الترتيب المدلول عليه بلفظ ثم ولولا الإجماع المحكى سابقا على جواز تأخير الكفارة عن الحنث لكان ظاهر الدليل أن تقديم الكفارة واجب كما سلف
قال المازري للكفارة ثلاثة حالات : أحدها قبل الحلف فلا تجزي اتفاقا . ثانيها بعد الحلف والحنث فتجزى اتفاقا ثالثهابعد الحلف وقبل الحنث ففيها خلاف ( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على وجوب الكفارة مع إتيان الذي هو خير
وفي حديث عمرو بن شعيب المذكور بعضه في الباب ما يدل على أن ترك اليمين وإتيان الذي هو خير هو الكفارة وقد ذكرنا ذلك وذكرنا ذكرنا أن أبا داود قال أنه ما ورد من ذلك إلا ما لا يعبأ به قال الحافظ كأنه يشير إلى حديث يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير فهو كفارته ويحيى ضعيف جدا وقد وقع في حديث عدي بن حاتم عند مسلم ما يوهم ذلك فإنه أخرجه عنه بلفظ " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليترك يمينه " هكذا أخرجه من وجهين ولم يذكر الكفارة ولكن أخرجه من وجه آخر بلفظ " فرأى غيرها خيرامنها فليكفرها وليأت هو خير " ومداره في الطرق كلها على عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي والذي زاد ذلك حافظ فهو المعتمد قوله " كان الرجل يقوت أهله " الخ فيه أن الأوسط المنصوص عليه في الآية الكريمة هو المتوسط ما بين قوت الشدة والسعة
قوله : " أنهما قرآ فصيام ثلاثة أيام متتابعات قراءة الآحاد منزلة أخبار الآحاد صالحة لتقييد المطلق وتخصيص العام كما تقرر في الأصول وخالف في وجوب التتابع عطاء ومالك والشافعي والمحاملي
كتاب النذر
باب نذر الطاعة مطلقا ومعلقا بشرط
1 - عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه "
- رواه الجماعة إلا مسلما
2 - وعن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن النذر وقال إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل "
- رواه الجماعة إلا الترمذي . وللجماعة إلا أبا داود مثل معناه من رواية أبي هريرة
- لفظ حديث أبي هريرة " لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم أكن قدرته ولكن يلقيه النذر إلى القدر فيستخرج الله فيؤتني عليه ما لم يكن يؤتني عليه من قبل " أي يعطيني
قوله : " فليعطه " الطاعة أعم من أن تكون واجبة أو غير واجبة ويتصور النذر في الواجب بأن يؤقته كمن ينذر أن يصلي الصلاة في أول وقتها فيجب عليه ذلك بقدر ما أقته وأما المستحبمن جميع العبادات المالية والبدنية فينقلب بالنذر واجبا ويتقيد بما قيد به الناذر والخبر صريح في الأمر بالوفاء بالنذر إذا كان في طاعة وفي النهي عن الوفاء به إذا كان في معصية وهل تجب في الثاني كفارة يمين أولا فيه خلاف يأتي إن شاء الله
قوله : " أنه لا يرد شيئا " فيه إشارة إلى تعليل النهي عن النذر وقد اختلف العلماء في هذا النهي فمنهم من حمله على ظاهره ومنهم من تأوله قال ابن الأثير في النهاية تكرر النهي عن النذر في الحديث وهو تأكيد لأمره وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك غبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به إذا يصير بالنهي معصية فلا يلزم وإنما وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك الأمر لا يجر إليهم في العاجل نفعا ولا يصرف عنهم ضررا ولا يغير قضاء فقال لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدر الله لكم أو تصرفون به عنكم ما قدره عليكم فإذا نذرتم فأخرجوا بالوفاء فإن الذي نذرتموه لازم لكم انتهى
وقال أبو عبيد النهي عن النذر والتشديد فيه ليس هو أن يكون مأثما ولو كان كذلك ما أمر الله تعالى أن يوفى به ولأحمد فاعله ولكن وجهه عندي تعظيم شأن النذر وتغليظ أمره لئلا يستهان بشأنه فيفرط في الوفاء به ويترك القيام به . ثم استدل على الحث على الوفاء به من الكتاب والسنة وغلى ذلك أشار المازري بقوله ذهب بعض علمائنا إلى أن الغرض بهذا الحديث التحفظ في النذر قال وهذا عندي بعيد من ظاهر الحديث ويحتمل عندي أن يكون وجه الحديث أن الناذر يأتي بالقربة مستثقلا لها لما صارت عليه ضربة لازب وكل ملزوم فإنه لا ينشط للفعل نشاط مطلق الاختيار ويحتمل أن يكون سببه أن الناذر لما لم يبذل القربة إلا بشرط أن يفعل له ما يريد صار كالمعاوضة التي تقدح في نية المتقرب قال ويشير إلى هذا التأويل قوله " أنه لا يأتي بخير " وقوله " أنه لا يقرب من ابن آدمشيئا لم يكن الله قدره له " وهذا كالنص على هذا التعليل انتهى . والاحتمال الأول يعم أنواع النذر والثاني يخص نوع المجازاة وزاد القاضي عياض فقال أن الأخبار بذلك وقع على سبيل الأعلام من أنه لا يغالب القدر ولا يأتي الخير بسببه والنهي عن اعتقاد خلاف ذلك خشية أن يقع ذلك في ظن بعض الجهلة قال ومحصل مذهب الإمام مالك أنه مباح إلا إذا كان مؤيدا لتكرره عليه في أوقات فقد يثقل عليه فعله فيفعله بالتكلف من غير طيبة نفس وخالص نية
قوله " أنه لا يرد شيئا " يعني مما يكرهه الناذر وأوقع النذر استدفاعا له وأعم من هذه الرواية ما في البخاري وغيره بلفظ " أنه لا يأتي بخير " فإنه قد ينظر استجلابا لنفع أو استدفاعا لضرور النذر لا يأتي بذلك المطلوب وهو الخير الكائن في النفع أو الخير الكائن في إندفاع الضرر قال الخطابي في الأعلام هذا باب من العلم غريب وهو أن ينهى عن فعل شيء حتى إذا فعل كان واجبا وقد ذهب أكثر الشافعية ونقل عن نص الشافعي أن النذر مكروه وكذا عن المالكية وجزم الحنابلة بالكراهة
وقال النووي أنه مستحب صرح بذلك في شرح المهذب وروى ذلك عن القاضي حسين والمتولي والغزالي وجزم القرطبي في المفهم بحمل ما ورد في الأحاديث في الأحاديث من النهي على نذر المجازاة فقال هذا النهي محله أن يقول مثلا إن شفى الله مريضي فعلي صدقة . ووجه الكراهة أنه لما وقف فعل القربة المذكورة حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى بما صدر منه بل سلك فيها مسلك المعاوضة ويوضحه أنه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما علقه على شفائه وهذه حالة البخيل فإنه لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرجه غالبا وهذا المعنى هو المشار إليه بقوله " وإنما يستخرج به من البخيل " قال وقد ينضم إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر وإليهما الإشارة في الحديث بقوله " فإنه لا يريد شيئا " والحالة الأولى تقارب الكفر والثانية خطأ صريح
قال الحافظ بل تقرب من الكفر ثم نقل القرطبي عن العلماء حمل النهي الوارد في الخبر على الكراهة قال والذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على ذلك محرما والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك
قال الحافظ وهو تفصيل حسن ويؤيده قصة ابن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر فإنها في نذر المجازاة
وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى { يوفون بالنذر } قال كانوا ينذرون طاعة الله تعالى من الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة وما افترض عليهم فسماهم الله تعالى أبرارا وهذا صريح في أن الثناء وقع في غير نذر المجازاة وقد يشعر التعبير بالبخيل أن المنهي عنه من النذر ما فيه مال فيكون أخص من المجازاة لكن قد يوصف بالبخل أن المنهي عنه من النذر ما فيه مال فيكون أخص من المجازاة لكن قد يوصف بالبخل من تكاسل عن الطاعة كما في الحديث المشهور " البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي " أخرجه النسائي وصححه ابن حبان أشار إلى ذلك العراقي في شرح الترمذي وقد نقل القرطبي الاتفاق على وجوب الوفاء بنذر المجازاة لقوله " من نذر أن يطع الله فليطعه " ولم يفرق بين المعلق وغيره
قال الحافظ والاتفاق الذي ذكره مسلم لكن في الاستدلال بالحديث المذكور لوجوب الوفاء بالنذر المعلق نظر قلت لا نظر إذا لم يصحبه اعتقاد فاسد لأن إخراج المال في القرب طاعة والبخيل يحرص على المال فلا يخرجه إلا في نحو نذر المجازاة ولا تتيسر طاعته المالية إلا بمثل ذلك أو ما لا بد له منه كالزكاة والفطرة فلو لم يلزمه الوفاء لاستمر على بخله ولم يتم الاستخراج المذكور
باب ما جاء في نذر المباح والمعصية وما أخرج مخرج اليمين
1 - عن ابن عباس قال " بينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب غذ هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم وإن يصوم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه "
- رواه البخاري وابن ماجه وأبو داود
2 - وعن ثابت بن الضحاك " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ليس على الرجل نذر فيما لا يملك "
- متفق عليه
3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا نذر إلا فيما ابتغى به وجه الله تعالى "
- رواه أحمد وأبو داود
وفي رواية " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى أعرابي قائما في الشمس وهو يخطب ( 1 ) [ قوله وهو يخطب جملة حالية من فاعل نظر وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ] فقال ما شأنك قال نذرت يا رسول الله أن لا أزال في الشمس حتى تفرغ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس هذا نذرا إنما النذر ما ابتغى به وجه الله "
- رواه أحمد
4 - وعن سعيد بن المسيب " أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال إن عدت تسالني القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة فقال له عمران الكعبة غنية عن مالك كفر عن يمينك وكلم أخاك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة الرحم ولا فيما لا تملك "
- رواه أبو داود
5 - وعن ثابن بن الضحاك " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة فقال أكان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد قالوا لا قال فهل كان فيها عيد من أعيادهم قالوا لا قال أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم "
- رواه أبو داود
6 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين "
- رواه الخمسة واحتج به أحمد وإسحاق
7 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من نذر نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين "
- رواه أبو داود
8 - وعن عقبة بن عامر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفارة النذر كفارة يمين "
- رواه أحمد ومسلم
- حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا البيهقي وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه
وقد أخرجه بلفظ أحمد الطبراني قال في مجمع الزوائد فيه عبد الله بن نافع المدني وهو ضعيف ولم يكن في إسناده أبي داود لأنه أخرجه عن أحمد بن عبدة الضبي عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . وحديث سعيد بن المسيب حديث صالح سكت عنه أبو داود والحافظ وهو من طريق عمرو بن شعيب ولكن سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر بن الخطاب فهو منقطع
وروي نحوه عن عائشة أنها سئلت عن رجل جعل ماله في رتاج الكعبة إن كلم ذا قرابة فقالت يكفر عن اليمين أخرجه مالك والبيهقي بسند صحيح وصححه ابن السكن . وحديث ثابت بن الضحاك أخرجه أيضا الطبراني وصحح الحافظ إسناده وأخرج نحوه أبو داود من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده مرفوعا ورواه ابن ماجه من من حديث ابن عباس ورواه أحمد في مسنده من حديث عمرو بن شعيب عن ابنه كردم عن أبيها بنحوه
وفي لفظ لابن ماجه عن ميمونة بنت كردم . وحديث عائشة قال الترمذي بعد إخراجه لا يصح لأن الزهري لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة وكذلك قال غيره قالوا وإنما سمعه من سليمان بن أرقم وسليمان متروك
وقال أحمد ليس بشيء ولا يساوي فلسا
وقال البخاري تركوه وتكلم فيه جماعة أيضا فيهم عمرو بن علي وأبو داود وأبو زرعة والنسائي وابن حبان والدارقطني
وقال الخطابي ولو صح هذا الحديث لكان القول به واجبا والمصير إليه لازما إلا أ أهل المعرفة بالحديث زعموا أنه حديث مقلوب وهم فيه سليمان بن الأرقم ورواه النسائي والحاكم والبيهقي من حديث عمران بن حصين ومداره على محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عنه ومحمد ليس بالقوي وقد اختلف عليه فيه . ورواه ابن المبارك عن عبد الوارث عن أبيه أن رجلا حدثه أنه سال عمران بن الحصين فذكره وفيه رجل مجهول . ورواه أحمد وأصحاب السنن والبيهقي من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال الحافظ وإسناده صحيح إلا أنه معلول بأنه منقطع وذلك لأن الزهري لم يروه عن أبي سلمة . ورواه ابن ماجه من حديث سليمان بن بلال عن حرشي بن عتبة ومحمد بن عتيق عن الزهري عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران فرجع إلى الرواية الأولى ورواه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن رجل من بني حنيفة وأبي سلمة كلاهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مع كونه مرسلا فالحنفي هو محمد بن الزبير المتقدم قاله الحاكم
وقال أن قوله من بني حنيفة تصحيف وإنما هو من بني حنظلة وله طريق أخرى عن عائشة عند الدارقطني من رواية غالب بن عبد الله الجزري عن عطاء عن عائشة مرفوعا بلفظ " من جعل عليه نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين " وغالب متروك وله طريق أخرى عن أبي داود من حديث كريب عن ابن عباس وإسنادها حسن بن طلحة بن يحيى وهو مختلف فيه
وقال أبو داود موقوفا يعني وهو أصح
وقال النووي في الروضة حديث " لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين " ضعيف باتفاق المحدثين
قال الحافظ قلت قد صححه الطحاوي وأبو علي بن السكن فأين الاتفاق . وحديث ابن عباس قد تقدمت الإشارة إليه أنه من طريق كريب عنه ولفظه في سنن أبي داود عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا أطاقه فليف به " وسيأتي وثد تقدم أنه موقوف على ابن عباس وأن الموقوف أصح
وأخرجه ابن ماجه وفي إسناد ابن ماجه من لا يعتمد عليه وليس فيه من نذر نذرا في معصية
قوله : " أبو إسرائيل " قال الخطيب هو رجل من قريش ولا يشاركه أحد من الصحابة في كنيته . واختلف في إسمه فقيل قشير بقاف وشين معجمة مصغرا
وقيل بسير بمهملة مصغرا وقيل قيصر باسم ملك الروم
وقيل بالسين المهملة بدل الصاد
وقد جزم ابن الأثير وغيره بأنه من الصحابة وفيه دليل على أن كل شيء يتأذى به الإنسان مما لم يرد بمشروعية كتاب ولا سنة كالمشي حافيا والجلوس في الشمس ليس من طاعة الله تعالى فلا ينعقد النذر به فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر أبا إسرائيل في هذا الحديث بإتمام الصوم دون غيره وهو محمول على أنه علم أنه لا يشق عليه
قال القرطبي في قصة أبي إسرائيل هذا أعظم حجة للجمهور في عدم وجوب الكفارة على من نذر معصية أو ما لا طاعة فيه
قال مالك لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره بكفارة
قوله : " ليس على الرجل نذر فيما لا يملك " فيه دليل على أن من نذر بما لا يملك لا ينفذ نذره وكذلك من نذر بمعصية كما في بقية أحاديث الباب واختلف في النذر بمعصية هل تجب فيه الكفارة أم لا فقال الجمهور لا وعن أحمد والثوري وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية نعم ونقل الترمذي اختلاف الصحابة في ذلك واتفقوا على تحريم النذر في المعصية واختلافهم إنما هو في وجوب الكفارة واحتج من أوجبها بحديث عائشة المذكور في الباب وما ورد في معناه وأجيب بأن ذلك لا ينتهض للاحتجاج لما سبق في المقال
واحتج أيضا بما أخرجه مسلم من حديث عقبة بن عامر بلفظ " كفارة النذر كفارة اليمين " لأن عمومه يشمل نذر المعصية وأجيب بأن فيه زيادة تمنع العموم وهي أن الترمذي وابن ماجه أخرجا حديث عقبة بلفظ " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين " هذا لفظ الترمذي ولفظ ابن ماجه " من نذر نذرا لم يسمه " وحديث ابن عباس المذكور في الباب أيضا قد سبق ما فيه من المقال ( واستدل بأحاديث الباب ) على أنه يصح النذر في المباح لأنه لما نفي النذر في المعصية بقي ما عداه ثابتا . ويدل على أن النذر لا ينعقد في المباح الحديث المذكور في أول الباب عن ابن عباس والحديث الذي فيه " إنما النذر ما يبتغى به وجه الله " ومن جملة ما استدل به على أنه يلزم الوفاء بالنذر المباح قصة التي نذرت الضرب بالدف وأجاب البيهقي بأنه يمكن أن يقال إن من قسم المباح ما قد يصير بالقصد مندوبا كالنوم في القائلة للتقوي على قيام الليل وأكلة السحر للتقوي على صيام النهار فيمكن أن يقال إن إظهار الفرح بعود النبي صلى الله عليه وآله وسلم سالما معنى مقصود ويحصل به الثواب
قوله : " في رتاج الكعبة " بمهملة فمثناة فوقية فجيم بعد ألف هو في اللغة الباب وكني به هنا عن الكعبة نفسها قوله " ببوانة " بضم الموحدة وبعد الألف نون قال في التلخيص موضع بين الشام وديار بكر قاله أبو عبيد وقال البغوي أسفل مكة دون يلملم
وقال المنذري هضبة من وراء نبع ومثله في النهاية وسيأتي الكلام على حديث ثابت بن الضحاك
باب من نذر نذرا لم يسمه ولا يطيقه
1 - عن عقبة بن عامر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفارة النذر إن لم يسم كفارة اليمين "
- رواه ابن ماجه والترمذي وصححه
2 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من نذر نذرا ولم يسمه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لم يطقه فكفارته كفارة يمين "
- رواه أبو داود وابن ماجه وزاد " ومن نذر نذرا أطاقه فليف به "
3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى شيخا يهادي بين ابنيه فقال ما هذا قالوا نذر أن يمشي قال إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني وأمره أن يركب "
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه . وللنسائي في رواية " نذر أن يمشي إلى بيت الله "
4 - وعن عقبة بن عامر قال " نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستفتيته فقال لتمش ولتركب "
- متفق عليه . ولمسلم فيه حافية غير مختمرة
وفي رواية " نذرت أختي أن تمشي إلى الكعبة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله لغني عن مشيها لتركب ولتهد بدنة " رواه أحمد
وفي رواية " أن أخته نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا مرها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام " رواه الخمسة
5 - وعن كريب عن ابن عباس قال " جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله إن أختي نذرت أن تخج ماشية فقال إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا لنخرج راكبة ولتكفر عن يمينها "
- رواه أحمد وأبو داود
6 - وعن عكرمة عن ابن عباس " إن عقبة بن عامر سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن أخته نذرت أن تمشي إلى البيت وشكا إليه ضعفها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم غني عن نذر أختك فلتركب ولتهد بدنة "
- رواه أحمد
وفي لفظ " إن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى البيت وإنها لا تطيق ذلك فأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تركب وتهدي هديا "
- رواه أبو داود
- حديث عقبة الأول هو في صحيح مسلم بدون زيادة إذا لم يسم وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي . وحديث ابن عباس الأول قال الحافظ في بلوغ المرام إسناده صحيح إلا أن الحفاظ رجحوا وقفه وقد تقدم الكلام عليه والرواية الأخرى من حديث عقبة التي فيها ولتصم ثلاثة أيام حسنها الترمذي ولكن في إسنادها عبد الله بن زحر وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة . وحديث كريب عن ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح . وحديث عكرمة عن ابن عباس سكت أيضا عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح
قال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح والرواية الأخرى أوردها أبو داود وسكت عنها هو والمنذري
قوله : " لم يسم " فيه دليل على أن كفارة اليمين إنما تجب فيما كان من النذور غير مسمى
قال النووي اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج فهو مخير بين الوفاء بالنذر أو الكفارة وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون على النذر المطلق كقوله على نذر وحمله جماعة من فقهاء الحديث على جميع أنواع النذر وقالوا هو مخير في جميع أنواع المنذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة اليمين انتهى . والظاهر اختصاص الحديث بالنذر الذي لم يسم لأن حمل المطلق على المقيد واجب
وأما النذور المسماة إن كانت طاعة فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها سواء كانت متعلقة بالبدن أو بالمال وإن كانت معصية لم يجز الوفاء بها ولا ينعقد ولا يلزم فيها الكفارة وإن كانت مباحة مقدورة فالظاهر الإنعقاد ولزوم الكفارة لوقوع الأمر بها في أحاديث الباب في قصة الناذرة بالمشي وإن كانت غير مقدورة ففيها الكفارة لعموم ومن نذر نذرا لم يطقه هذا خلاصة ما يستفاد من الأحاديث الصحيحة
وقال ابن رشد في نهاية المجتهد ما حاصله إنه وقع الأتفاق على لزوم النذر بالمال إذا كان في سبيل البر وكان على جهة الخبر وإن كان على جهة الشرط فقال مالك يلزم كالخبر ولا كفارة يمين في ذلك إلا أنه إذا نذر يجميع ماله لزمه ثلث ماله إذا كان مطلقا وإن كان معينا لزمه وإن كان جميع ماله أو أكثر من الثلث وسيأتي الخلاف فيمن نذر بجميع ماله
قال وإذا كان النذر مطلقا أي غير مسمى ففيه الكفارة عند كثير من العلماء
وقال قوم فيه كفارة الظهار وقال قوم فيه أقل ما ينطلق عليه الاسم من القرب صيام يوم أو صلاة ركعتين
قوله : " ومن نذر نذرا لم يطقه فكفارته كفارة يمين " ظاهره سواء كان المنذور به طاعة أو معصية أو مباحا إذا كان غير مقدور ففيه الكفارة إلا أنه يخص من هذا العموم ما كان معصية بما تقدم ويبقى ما كان طاعة أو مباحا وسواء كان غير مقدور شرعا أو عقلا أو عادة
قوله : " ومن نذر نذرا أطاقه " الخ ظاهره العموم ولكنه يخص منه نذر المعصية بما سلف وكذلك نذر المباح بلزوم الكفارة وأما النذر الذي لم يسم فغير داخل في عموم الطاقة وعدمها لأن أتصاف النذر بأحد الوصفين فرع معرفته وما لم يسم لم يعرف
قوله : " لتمش ولتركب " فيه أن النذر بالمشي ولو إلى مكان المشي إليه طاعة فإنه لا يجب الوفاء به بل يجوز الركوب لأن المشي نفسه غير طاعة إنما الطاعة الوصول إلى ذلك المكان كالبيت العتيق من غير فرق بين المشي والركوب ولهذا سوغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الركوب للناذرة بالمشي فكان ذلك دالا على عدم لزوم النذر بالمشي وإن دخل تحت الطاقة : قال في الفتح وإنما أمر الناذرة في حديث أنس أن تركب جزم وأمر أخت عقبة أن تمشي وأن تركب لأن الناذر في حديث أنس كان شيخا ظاهر العجز وأخت عقبة لم توصف بالعجز فكأنه أمرها أن تمشي إن قدرت وتركب إن عجزت وبهذا ترجم البيهقي للحديث وأورد في بعض طرقه من رواية عكرمة عن ابن عباس ما ذكره المصنف رحمه الله
وأخرج الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ " جاء رجل فقال يا رسول الله إن أختي حلفت أن تمشي إلى البيت وإنه يشق عليها المشي فقال مرها فتركب إذا لم تستطع أن تمشي فما أغنى الله يشق على أختك " وأحاديث الباب مصرحة بوجوب الكفارة . ونقل الترمذي عن البخاري أنه لا يصح فيه الهدى
وقد أخرج الطبراني من طريق أبي تميم الجيشاني عن عقبة بن عامر في هذه القصة نذرت أن تمشي على الكعبة حافية حاسرة وفيه لتركب ولتلبس ولتصم . وللطحاوي من طريق أبي عبد الرحمن الحبلى عن عقبة نحوه وأخرج البيهقي بسند صحيح عن أبي هريرة " بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسير في جوف الليل إذ بصر بخيال ففرت منه الأبل فإذا امرأة عريانة ناقضة شعرها فقالت نذرت أن أحج عريانة ناقضة شعري فقال مرها فلتلبس ثيابها ولتهرق دما " وأورد من طريق الحسن عن عمران رفعه " إذا نذر أحدكم أن يحج ماشيا فليهد هديا وليركب " وفي سنده إنقطاع
وقد استدل بهذه الأحاديث على صحة النذر بإتيان البيت الحرام لغير حج ولا عمرة . وعن أبي حنيفة إذا لم ينو حجا ولا عمرة لم ينعقد ثم أن نذره راكبا لزمه فلو مشى لزمه دم لتوفر مؤنة الركوب وإن نذر ماشيا لزمه من حيث أحرم إلى أن ينتهي الحج أو العمرة ووافقه صاحباه فإن ركب لعذر أجزأه ولزم دم
وفي أحد القولين عن الشافعي مثله واختلف هل يلزمه بدنة أو شاة وإن ركب بلا عذر لزمه الدم . وعن المالكية في العاجز يرجع من قابل فيمشي ما ركب إلا أن يعجز مطلقا فيلزمه الهدى . وعن عبد الله بن الزبير لا يلزمه شيء مطلقا
قال القرطبي زيادة الأمر بالهدى رواتها ثقات . وعن الهادوية أنه لا يجوز الركوب مع القدرة على المشي فإذا عجز جاز الركوب ولزمه دم قالوا لأن الرواية وإن جاءت مطلقة فقد قيدت برواية العجز ولا يخفى ما في أكثر هذه التفاصيل من المخالفة لصريح الدليل ويرد قول من قال بأنه لا كفار مع المعجز وتلزم مع عدمه ما وقع في حديث عكرمة عن ابن عباس وفي الرواية التي بعده فإنهما مصرحان بوجوب الهدى مع ذكر ما يدل على العجز من الضعف وعدم الطاقة والرجل المذكور في حديث أنه يهادي بين ابنيه قيل هو أبو اسرائيل المذكور في الباب الأول روى ذلك عن الخطيب حكى ذلك عنه مغلطاي
قال الحافظ وهو تركيب منه وإنما ذكر الخطيب ذلك في رجل آخر مذكور في حديث لابن عباس
باب من نذر وهو مشرك ثم أسلم أو نذر ذبحا في موضع معين
1 - عن عمر قال " نذرت نذرا في الجاهلية فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما أسلمت فأمرت أن أوفي بنذري "
- رواه ابن ماجه
2 - وعن كردم بن سفيان " أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نذر نذره في الجاهلية فقال له ألوئن أو لنصب قال لا ولكن لله فقال أوف لله ما جعلت له أنحر على بوانة وأوف بنذرك "
- رواه أحمد
3 - وعن ميمونة بنت كردم قالت " كنت ردف أبي فسمعته يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أني نذرت أن أنحر ببوانة قال " أيها وثن أو طاغية قال لا قال أوف بنذرك "
- رواه أحمد وابن ماجه
وفي لفظ لأحمد " أني نذرت أن أنحر عددا من الغنم وذكر معناه وفيه دلالة على جواز نحو ما يذبح "
4 - نعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن يذبح فيه أهل الجاهلية قال لصنم قالت لا قال لوثن قالت لا قال أوفي بنذرك "
- رواه أبو داود
- حديث عمر رجال إسناده في سنن ابن ماجه رجال الصحيح وهذا اللفظ لعله أحد روايات حديثه الصحيح المتفق عليه بلفظ أنه قال " قلت يا رسول الله أني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال أوف بنذرك " وزاد البخاري في رواية " فاعتكف " وحديث ميمونة بنت كردم رجال إسناده في سنن ابن ماجه رجال الصحيح وعبد الله بن عبد الرحمن الطائفي قد أخرج له مسلم وقال فيه يحيى بن معين صالح وقال أبو حاتم ليس بالقوي وقال في التقريب صدوق يخطئ وقد أخرجه ابن ماجه من طريق أخرى من حديث ابن عباس وبقية أحاديث الباب قد تقدم تخريج بعضها في باب ما جاء في نذر المباح عند ذكر المصنف رحمه الله لحديث ثابت بن الضحاك الذي بمعناها هنالك
وفي حديث عمر دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب الشافعي . وعند الجمهور لا ينعقد النذر من الكافر وحديث عمر حجة عليهم وقد أجابوا عنه بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا عرف أن عمر قد تبرع بفعل ذلك أذن له به لأن الأعتكاف طاعة ولا يخفى ما في هذا الجواب من مخالفى الصواب . وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أمره بالوفاء استحبابا لا وجوبا ويرد بأن هذا الجواب لا يصلح لمن أدعى عدم الأنعقاد
وقد تقدم الكلام على حديث عمر في باب الأعتكاف
قوله : " كردم " بفتح الكاف والدال وفيه دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر في المكان المعين إذا لم يكن في التعيين معصية ولا مفسدة من اعتقاد تعظيم جاهلية أو نحوه وبوانة قد تقدم ضبطه وتفسيره
قوله : " قال لصنم قالت لا قال لوثن " قال في النهاية الفرق بين الوثن والصنم أن الوثن كل ماله جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة كصورة الآدمي تعمل وتنصب فتعبد والصنم الصورة بلا جثة ومنهم من لم يفرق بينهما وأطلقهما على المعنيين وقد يطلق الوثن على غير الصورة ومنه حديث عدي بن حاتم " قدمت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال ألق هذا الوثن عنك " انتهى
باب ما يذكر فيمن نذر الصدقة بماله كله
1 - عن كعب بن مالك أنه قال " يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قال قلت إني أمسك سهمي الذي بخيبر "
- متفق عليه
2 - وفي لفظ قال " قلت يا رسول الله إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله إلى الله ورسوله صدقة قال لا قلت فنصفه قل لا قلت فثلثه قال نعم قلت فإني سأمسك سهمي من خيبر "
- رواه أبو داود
3 - وعن الحسين بن السائب ابن أبي لبابة " أن أبا لبابة بن عبد المنذر لما تاب الله عليه قال يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي وأساكنك وأن أنخلع من مالي صدقة لله عز و جل ولرسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجزي عنك الثلث "
- رواه أحمد
- رواية أبي داود في إسنادها محمد بن إسحاق وفيها مقال . معروف . وحديث أبي لبابة أورده الحافظ في الفتح وعزاه إلى أحمد وأبي داود من طريق أبي عيينة عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر الحديث وفيه وأن أنخلع من مالي كله صدقة قال يجزي عنك الثلث
قوله : " أن أنخلع " بنون وخاء معجمة أي أعرى من مالي كما يعرى الإنسان إذا خلع ثوبه وقد اختلف السلف فيمن نذر أن يتصدق بجميع ماله على عشرة مذاهب : الأول أن يلزمه الثلث فقط لهذا الحديث قاله مالك ونوزع في أن كعب بن مالك لم يصرح بلفظ النذر ولا بمعناه بل يحتمل أنه نجز النذر ويحتمل أن يكون أراد أن يؤكد أمر توبته بالتصدق بجميع ما يملك شكرا لله تعالى على ما أنعم به عليه قال ابن المنير لم يبتت كعب الإنخلاع بل استشار هل يفعل أم لا
قال الحافظ ويحتمل أن يكون استفهم وحذفت أداة الاستفهام . ومن ثم كان الراجح عند الكثير من العلماء وجوب الوفاء ممن التزم أن يتصدق بجميع ماله إذا كان على سبيل القربة وقيل إن كان مليا لزمه وإن كان فقيرا فعليه كفارة يمين وهذا قول الليث ووافقه ابن وهب وزاد وإن كان متوسطا يخرج قدر زكاة ماله . والأخير عن أبي حنيفة بغير تفصيل وهو قول ربيعة . وعن الشعبي وابن أبي ليلى لا يلزمه شيء أصلا . وعن قتادة يلزم الغني العشر والمتوسط السبع والمملق الخمس
وقيل يلزم الكل إلا في نذر اللجاج فكفارة اليمين . وعن سحنون يلزمه أن يخرج مالا يضر به . وعن الثوري والأوزاعي وجماعة يلزمه كفارة يمين بدون تفصيل . وعن النخعي يلزمه الكل بغير تفصيل وإذا تقرر ذلك فقد دل حديث كعب أنه يشرع لمن أراد التصدق بجميع ماله أن يمسك بعضه ولا يلزم من ذلك أنه لو نجزه لم ينفذ وقيل أن التصدق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال فمن كان قويا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يمنع وعليه يتنزل فعل أبي بكر الصديق وإيثار الأنصار على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن لم يكن كذلك فلا وعليه يتنزل لاصدقة إلا عن ظهر غنى وفي لفظ أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى
باب ما يجزي من عليه عتق رقبة مؤمنة بنذر أو غيره
1 - عن عبيد الله بن عبد الله عن رجل من الأنصار " أنه جاء بأمة سوداء فقال يا رسول الله إن علي عتق رقبة مؤمنة فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتشهدين أن لا إله إلا الله قالت نعم قال أتشهدين أني رسول الله قالت نعم قال أتؤمنين بالبعث بعد الموت قالت نعم قال فأعتقها "
2 - وعن أبي هريرة " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجارية سوداء أعجمية فقال يا رسول الله إن علي عتق رقبة مؤمنة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أين الله فأشارت إلى السماء بإصبعها فقال لها من أنا فأشارت بإصبعها إلى رسول الله وغلى السماء أي أنت رسول الله فقال أعتقها "
- رواهما أحمد
- حديث عبيد الله بن عبد الله رواه أحمد بن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن رجل من الأنصار وهذا إسناد رجاله أئمة وجهالة الصحابى مغتفرة كما تقرر في الأصول . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا أبو داود من حديث عون بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجارية سوداء " الحديث
وأخرجه الحاكم في المستدرك من حديث عون بن عبد الله بن عتبة حدثني أبي عن جدي فذكره وفي اللفظ مخالفة كثيرة وسياق أبي داود أقرب إلى السياق الذي في الباب
وروى نحوه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان من حديث الشريد بن سويد وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق ابن أبي ليلى عن المنهال والحكم عن سعيد بن عباس بنحو حديث أبي هريرة المذكور في الباب . ومن ذلك حديث معاوية بن الحكم السلمي المشهور
قوله : " إن كنت ترى هذه مؤمنة فأعتقها " إلى آخر ما في الحديثين استدل بالحديثين على أنه لا يجزي في كفارة اليمين إلا رقبة مؤمنة وإن كانت الآية الواردة في كفارة اليمين لم تدل على ذلك لأنه قال تعالى { أو تحرير رقبة } بخلاف آية كفارة القتل فإنها قيدت بالإيمان
قال ابن بطال حمل الجمهور ومنهم الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق المطلق على المقيد كما حملوا المطلق في قوله تعالى { وأشهدوا إن تبايعتم } على المقيد في قوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وخالف الكوفيون فقالوا يجوز إعتاق الكافر ووافقهم أبو ثور وابن المنذر واحتج له في كتابه الكبير بأن كفارة القتل مغلظة بخلاف كفارة اليمين ومما يؤيد القول الأول أن المعتق للرقبة المؤمنة بالأحوط بخلاف المكفر بغير المؤمنة فإنه في شك من براءة الذمة
باب أن من نذر الصلاة في المسجد الأقصى أجزاه أن يصلي مسجد مكة والمدينة
1 - عن جابر " أن رجلا قال يوم الفتح يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس فقال صل ههنا فسأله فقال شأنك إذن "
- رواه أحمد وأبو داود ولهما عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الخبر وزاد فقال " النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي بعث محمدا بالحق لو صليت ههنا لقضي عنك ذلك كل صلاة في بيت المقدس "
2 - وعن ابن عباس " أن امرأة شكت شكوى فقالت إن شفاني الله فلأخرجن فلأصلين في بيت لمقدس فبرأت ثم تجهزت تريد الخروج فجاءت ميمونة تسلم عليها فأخبرتها بذلك فقالت إجلسي فكلي ما صنعت وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة "
- رواه أحمد ومسلم
3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة في مسجدي خير من الف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام "
- رواه الجماعة إلا أبا داود . ولإحمد وأبي داود من حديث جابر مثله وزاد " صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه " وكذلك لأحمد من حديث من حديث عبد الله بن الزبير مثل حديث أبي هريرة وزاد " وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا "
4 - وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى "
- متفق عليه . ولمسلم في رواية " إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد "
- حديث جابر أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه . وصححه أيضا ابن دقيق العيد في الاقتراح . وحديث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم سكت عنه أبو داود والمنذري وله طرق رجال بعضها ثقات وقد تقرر أن جهالة الصحابي لا تضر
وقيل أنه روى الحديث عن عبد الرحمن بن عوف وعن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث جابر الآخر رواه أحمد من حديث أحمد بن عبد الملك حدثنا عبد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن عطاء عن جابر رفعه " صلاة في مسجدي هذا أفضل من الف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه " قال الحافظ وإسناده صحيح إلا أنه اختلف فيه على عطاء . وحديث عبد الله بن الزبير أخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي ولفظه " صلاة في مسجدي هذا أفضل من الف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي " وفي الباب عن جابر أيضا عند ابن عدي بلفظ " الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة " وإسناده ضعيف لأنه من حديث يحيى بن أبي حية عن عثمان بن الأسود عن مجاهد عن جابر وفي الباب أيضا من حديث أبي الدرداء مرفوعا عند الطبراني في الكبير " الصلاة في المسجد الحرام بمائة الف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة " وعن أبي ذر عند الدار قطني في العلل والحاكم في المستدرك " صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات في بيت المقدس " وعند ابن ماجه من حديث ميمونة ينت سعد بأن الصلاة في بيت المقدس كألف صلاة في غيره
وروى ابن ماجه من حديث أنس فصلاة في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة وإسناده ضعيف وروى ابن عبد البر في التمهيد من حديث الأرقم صلاة هذا خير خير من الف صلاة ثمة يعني بيت المقدس
قال ابن عبد البر هذا حديث ثابت وحديث أبي هريرة الآخر أيضا هو متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري وغير قوله " صل ههنا " فيه دليل على أن من نذر بصلاة أو صدقة أو نحوهما في مكان ليس بأفضل من مكان الناذر فإنه لا يجب عيه الوفاء بإيقاع المنذور به في ذلك المكان بل يكون الوفاؤ بالفعل في مكان الناذر وقد تقدم أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر الناذر أن ينحر ببوانة يفي بنذره بعد أن سأله هل كانت كذا هل كانت كذا فدل ذلك على أن يتعين مكان النذر إذا كان مساويا للمكان الذي فيه الناذر أو أفضل منه لا إذا كان المكان الذي فيه الناذر فوقه في الفضيلة ويشعر بهذا ما في حديث ميمونة من تعليل ما افتت به ببيان أفضلية المكان الذي فيه الناذرة في الشيء المنذور به وهو الصلاة
قوله : " إلا المسجد الحرام هذا " فيه دليل على أفضلية الصلاة في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم على غيره من المساجد إلا المسجد الحرام فإنه استثناه فاقتضى ذلك أنه ليس بمفضول بالنسبة إلى مسجده صلى الله عليه وآله وسلم ويمكن أن يكون مساويا أو أفضل وسائر الأحاديث دلت على أنه أفضل باعتبار الصلاة فيه بذلك المقدار
قوله : " لا تشد الرحال " الخ دليل على أنه يتعين مكان النذر إذا كان أحد الثلاثة المذكورة وقد ذهب إلى ذلك مالك والشافعي
وقال أبو حنيفة لا يلزم وله أن يصلي في أي محل شاء وإنما يجب عنده المشي إلى المسجد الحرام إذا كان بحج أو عمرة وما عدا إلا مكنة الثلاثة فلا يتعين مكان للنذر ولا يجب الوفاء عند الجمهور
وقد تمسك بهذا الحديث من منع السفر وشد الرحل إلى غيرها من غير فرق بين جميع البقاع
وقد وقع لحفيد المصنف في ذلك وقائع بينه وبين أهل عصره لا يتسع المقام لبسطها
باب قضاء كل المنذورات عن الميت
1 - عن ابن عباس " أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقضه عنها "
- رواه أبو داود والنسائي وهو على شرط الصحيح قال البخاري وأمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء يعني ثم ماتت فقال صلى عنها قال وقال ابن عباس نحوه
- حديث ابن عباس قي قصة سعد بن عبادة أصله في الصحيحين . وقول ابن عباس الذي أشار البخاري بأنه نحو ما قاله ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح " أن امرأة جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها " وجاء عن ابن عمر وابن عباس خلاف ذلك فقال مالك في الموطأ أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد
وأخرج النسائي من طريق أيوب بن موسى عن ابن أبي رباح عن ابن عباس قال لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد أورده ابن عبد البر من طريقه موقوفا ثم قال والنقل في هذا عن ابن عباس مضطرب قال الحافظ ويمكن الجمع بحمل الإثبات في حق من مات والنفي في حق الحي قال ثم وجدت عن ابن عباس ما يدل على تخصيصه في حق الميت بما إذا مات وعليه شيء واجب فعند ابن أبي شيبة بسند صحيح سئل ابن عباس عن رجل مات وعليه نذر فقال يصام عنه النذر
وقال ابن المنبر يحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله صلي عنها العمل بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث " فعد منها الولد لأن الولد من كسبه فأعماله الصالحة مكتوبة للوالد من غير أن ينقص من أجره فمعنى أن صل عنها أن صلاتك مكتتبة لها ولو كنت إنما تنوي عن نفسك كذا قال ولا يخفى تكلفه . وحاصل كلامه تخصيص الجواز بالولد وإلى ذلك ذهب ابن وهب وأبو مصعب من أصحاب الإمام مالك وفيه تعقب عن ابن بطال حديث نقل الإجماع أنه لا يصل أحد عن أحد فرضا ولا سنة لا عن حي ولا عن ميت . ونقل عن المهلب أن ذلك لو جاز لجاز في جميع العبادات البدنية ولكان الشارع أحق بذلك أن يفعله عن أبويه . ولما نهى عن الاستغفار لعمه ولبطل معنى قوله " ولا تكسب كل نفس إلا ما عليها " قال الحافظ وجميع ما قاله لا يخفي وجه تعقبه خصوصا ما ذكره في حق الشارع صلى الله عليه وآله وسلم
وأما الآية فعمومها مخصوص اتفاقا وقد ذهب ابن حزم ومن وافقه إلى أن الوارث يلزمه قضاء النذر عن مورثه في جميع الحالات واختلف في تعيين نذر أم سعد فقيل كان صوما لما رواه مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاء رجل فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها قال نعم الحديث وأجيب بأنه لم يكن فيه أن الرجل سعد
وقال ابن عبد البر كان عتقا واستدل بما أخرجه من طريق القاسم بن محمد أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها قال نعم وقيل كان صدقة لما رواه في الموطأ وغيره أن سعدا خرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقيل لأمه أوصي قالت المال مال سعد فتوفيت قبل أن يقدم فقال يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وليس في هذا والذي قبله نذرت
قال عياض والذي يظهر أنه كان نذرها في مال أو مبهما . وظاهر حديث الباب أنه كان معينا عند سعد ( وفي الحديث ) قضاء الحقوق الواجبة عن الميت وقد ذهب الجمهور إلى أن من مات وعليه نذر مالي فإنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص إلا أن وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث وشرط المالكية والحنفية أن يوصي بذلك مطلقا
كتاب الأقضية والأحكام
باب وجوب نصبه ولاية القضاء والإمارة وغيرهما
1 - عن عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم "
- رواه أحمد
2 - وعن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم "
- رواه أبو داود . وله م حديث أبي هريرة مثله
- حديث عبد الله بن عمرو وحديث أبي سعيد قد أخرج نحوهما البزار بإسناد صحيح من حديث عمر بن الخطاب بلفظ إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم ذاك أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأخرج البزار أيضا بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ " إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم " وأخرجه بهذا اللفظ الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح وهذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض وقد سكت أبو داود والمنذري عن حديث أبي سعيد وأبي هريرة وكلاهما رجالهما رجال الصحيح الأعلى بن بحر وهو ثقة . ولفظ حديث أبي هريرة " إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم " وفيها دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدا أن يؤمروا عليهم أحدهم لأن في ذلك السلامة من الخلاف الذي يؤدي إلى التلاف فمع عدد التأمير يستبد كل واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه فيهلكون ومع التأمير يقل الاختلاف وتجتمع الكلمة وإذا شرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض أو يسافرون فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والمصار ويحتاجون لدفع التظالم وفصل التخاصم أولى وأحرى وفي ذلك دليل لقول من قال أنه يجب على المسلمين نصب الأئمة والولاة والحكام وقد ذهب الأكثر إلى أن الإمامة واجبة لكنهم اختلفوا هل الوجوب عقلا أو شرعا فعند العترة وأكثرر المعتزلة والأشعرية تجب شرعا . وعند الإمامية تجب عقلا فقط وعند الجاحظ والبلخي والحسن البصري تجب عقلا وشرعا . وعند ضرار والأصم وهشام الفوطي والنجدات لا تجب
باب كراهية الحرص على الولاية وطلبها
1 - عن أبي موسى قال " دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال أحدهما يا رسول الله أمرنا علي بعض ما ولاك الله عز و جل وقال الآخر مثل ذلك فقال أنا والله لان ولي هذا العمل أحدا يسأله أو أحدا حرص عليه "
2 - وعن عبد الرحمن بن سمرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها "
- متفق عليهما
3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سأل القضاء وكل إلى نفسه ومن جبر عليه ينزل عليه ملك يسدده "
- رواه الخمسة إلا النسائي
4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي
5 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة ومن غلب جوره عدله فله النار "
- رواه أبو داود وقد حمل على ما إذا لم يوجد غيره
- حديث أنس أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط من رواية عبد الأعلى التغلبي عن بلال بن أبي بردة الأشعري عن أنس مرفوعا بلفظ " من طلب وأستعان عليه وكل إلى نفسه ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده " قال لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد تفرد به عبد الأعلى وأخرجه البزار من طريق عبد الأعلى عن بلال بن مرداس عن خيثمة عن أنس قال ولا يعلم عن أنس إلا من هذا الوجه
وأخرجه الترمذي من طريقتين جميعا وقال حسن غريب وقال في الرواية الثانية أصح وأخرجه الحاكم من طريق اسرائيل عن عبد الأعلى عن بلال عن خيثمة وصححه وتعقب أن خيثمة لينه يحيى بن معين وعبد الأعلى ضعفه الجمهور
وأخرج الحديث ابن المنذر بلفظ " من طلب القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكل إلى نفسه ومن أكره عليه أنزل الله ملكا يسدده " وحديث أبي هريرة الثاين سكت عنه أبو داود والمنذري وسنده لا مطعن فيه فإن أبا داود قال حدثنا عباس العنبري يعني ابن عبد العظيم أبا الفضل شيخ الشيخين حدثنا عمر بن يونس يعني اليمامي حدثنا ملازم بن عمرو يعني ابن عبد الله بن بدر اليمامي وثقه أحمد وابن معين والنسائي حدثني محمد بن نجدة يعني اليمامي عن جده يزيد بن عبد الرحمن يعني الذي يقال له أبو كثير السحيمي عن أبي هريرة فذكره
قوله : " أو أحدا حرص عليه " بفتح المهملة والراء
قال العلماء والحكمة في أنه لا يولى من يسأله الولاية أنه يوكل إليها ولا يكون معه اعانة كما في الحديث الذي بعده وإذا لم يكن معه اعانة لا يكون كفؤا ولا يولى غير الكفء لأن فيه تهمة
قوله : " لا تسأل الإمارة " هكذا في أكثر طرق الحديث ووقع في رواية بلفظ " لا تتمنين الإمارة " بصيغة النهي عن التمني مؤكدا بالنون الثقيلة
قال ابن حجر النهي عن التمني أبلغ من النهي عن الطلب
قوله : " عن غير مسألة " أي سؤال
قوله : " وكلت إليها " بضم الواو وكسر الكاف مخففا ومشددا وسكون اللام ومعنى المخفف أي صرفت إليها وكل الأمر إلى فلان صرفه إليه ووكله بالتشديد استحفظه . ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت اعانته عليه من أجل حرصه ويستفاد من هذا أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه فيدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك وإن من حرص على ذلك لا يعان ويعارض ذلك في الظاهر حديث أبي هريرة المذكور في آخر الباب
قال الحافظ ويجمع بينهما أنه لا يلزم من كونه لا يعان بسبب طلبه أن لا يحصل منه العدل إذا ولى أو يحمل الطلب هنا على القصد وهناك على التولية وبالجملة فإذا كان الطالب مسلوب الإعانة تورط فيما دخل فيه وخسر الدنيا والآخرة فلا تحل تولية من كان كذلك ربما كان الطالب للإمارة مريدا بها الظهور على الأعداء والتنكيل بهم فيكون في توليته مفسدة عظيمة
قال ابن التين محمول على الغالب والافقد قال يوسف عليه السلام " اجعلني على خزائن الأرض " وقال سليمان " وهب لي ملكا " قال ويحتمل أن يكون في غير الأنبياء عليهم السلام انتهى . قلت ذلك لوثوق الأنبياء بأنفسهم بسبب العصمة من الذنوب وأيضا لا يعارض الثابت في شرعنا ما كان في شرع غيرنا فيمكن أن يكون الطالب في شرع يوسف عليه السلام سائغا وأما سؤال سليمان فخارج عن محل النزاع إذ محله سؤال المخلوقين لا سؤال الخالق وسليمان عليه السلام إنما سأل الخالق
قوله : " إنكم ستحرصون " بكسر الراء ويجوز فتحها ويدخل في لفظ الإمارة الإمارة العظمى وهي الخلافة والصغرى وهي الولاية على بعض البلاد وهذا إخبار منه صلى الله عليه وآله وسلم بالشيء قبل وقوعه كما أخبر
قوله : " وستكون ندامة يوم القيامة " أي لمن يعمل فيها بما ينبغي ويوضح ذلك ما أخرجه البزار والطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك بلفظ " أو لها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل " وفي الأوسط للطبراني من رواية شريك عن عبد الله بن عيسى عن أبي صالح عن أبي هريرة قال شريك لا أدري رفعه أم لا قال الإمارة أو لها ندامة وأوسطها غرامة وآخرها عذاب يوم القيامة . وله شاهد من حديث شداد بن أوس رفعه بلفظ " أو لها ملامة وثانهيا ندامة " أخرجه الطبراني
وعند الطبراني من حديث زيد بن ثابت رفعه نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقها وحلها وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقها وتكون عليه حسرة يوم القيامة
قال الحافظ وهذا يقيد ما أطلق في الذي قبله ويقيد أيضا ما أخرجه مسلم عن أبي ذر قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال إنك ضعيف وإنها أمانة وأنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها قال النووي هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولا سيما لمن كان فيه ضعف وهو من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزى بالخذي يوم القيامة وأما من كان أهلا وعدل فيها فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار ولكن الدخول فيها خطر عظيم ولذلك امتنع الأكابر منها انتهى . وسيأتي حديث أبي ذر هذا
قوله : " فنعم المرضعة وبئست الفاطمة "
قال الداودي نعمت المرضع أي الدنيا وبئست الفاطمة أي بعد الموب لأنه يصير إلى المحاسبة على ذلك فهو كالذي يفطم قبل أن يستغني فيكون في ذلك هلاكه
وقال غيره نعمت المرضعة لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمة وتحصيل اللذات الحسية والوهمية حال حصولها وبئست الفاطمة عند الأنفصال عنها بموت أو غيره وما يترتب عليها من التبعات في الآخرة
قوله : " ثم غلب عدله جوره " أي كان عدله في حكمة أكثرمن ظلمة كما يقال غلب على فلان الكرم أي هو أكثر خصاله وظاهره أنه ليس من شرط الأجر الذي هو الجنة أن لا يحصل من القاضي جور أصلا بل المراد أن يكون جوره مغلوبا بعده فلا يضر صدور الجور المغلوب بالعدل إنما الذي يضر ويودب النار أن يكون الجور غالبا للعدل قيل هذا الحديث محمول على ما إذا لم يوجد غيره هذا القاضي الذي طلب القضاء جمعا بينه وبين أحاديث الباب
وقد تقدم طرف من الجمع وبقي الكلام في استحقاق الأمير للإعانة هل يكون بمجرد إعطئه لها من غير مسألة كما يدل عليه حديث عبد الرحمن بن سمرة المذكور في الباب أم لا يستحقها إلا بالأكراه والأجبار كما يدل عليه حديث أنس المذكور أيضا فقال ابن رسلان أن المطلق مقيد بما إذا أكره على الولاية وأجبر على قبولها فلا ينزل الله إليه الملك يسدده إلا إذا أكره على ذلك جبرا ولا يحصل هذا لمن عرضت عليه الولاية فقبلها من دون أكراه كما في لفظ الترمذي من رواية بلال بن مرداس ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده
وقال حسن غريب ولا يخفى ما في حديث أنس من المقال الذي قدمناه مع اضطراب ألفاظه التي أشرنا إلى بعضها وأكثر ألفاظه بدون ذكر الأجبار والأكراه في سنن أبي داود وغيرها على أنه على فرض صحته وصلاحيته لا معارضة بينه وبين حديث عبد الرحمن بن سمرة لأن حديث عبد الرحمن فيه أن من أعطي الإمارة من غير مسألة أعين عليها وليس فيها نزول الملك للتسديد . وحديث أنس فيه أن من أجبر نزل عليه ملك يسدده فغايته أن الإعانة تحصل بمجرد إعطاء الإمارة من غير مسألة بخلاف نزول الملك فلا يحصل إلا بالأجبار فلا معارضة ولا إطلاق ولا تقييد إلا في حديث أنس نفسه فيمكن أن يحمل المطلق من ألفاظه عن الأجبار والأكراه بالمقيد بهما إذا انتهض لذلك لا يقال أن إنزال الملك للتسديد نوع من الإعانة فثبت المعارضة لأنا نقول بعض أنواع الإعانة لا يعارض البعض الآخر
باب التشديد في الولايات وما يخشى على من لم يقم بحقها دون القائم به
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين "
- رواه الخمسة إلا النسائي
2 - وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ما من حكم يحكم بين الناس إلا حبس يوم القيامة وملك آخذ بقفاه حتى يقفه على جهنم ثم يرفع رأسه إلى الله عز و جل فإن قال ألقه ألقاه في مهوى فهوى أربعين خريفا "
- رواه أحمد وابن ماجه بمعناه
3 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت متعلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض ولم يكونوا عملوا على شيء "
4 - وعن عائشة قالت " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لتأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط "
5 - وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله عز و جل يوم القيامة يده إلى عنقه فكه بره أواو بقه أثمه أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها خزي يوم القيامة "
6 - وعن عبادة بن الصامت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من أمير عشرة إلا جيء به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه حتى يطلقه الحق أو يوبقه ومن تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجزم "
- رواهن أحمد
7 - وعن عبد الله بن أبي أوفى قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله القاضي ما لم يجر فإذا جار وكله الله إلى نفسه "
- رواه ابن ماجه
وفي لفظ " الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان "
- رواه الترمذي
8 - وعن عبد الله بن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدولون في حكمهم وأهليهم وما ولوا "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
- حديث أبي هريرة الأول أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي والدارقطني وحسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان وله طرق وقد أعله ابن الجوزي فقال هذا حديث لا يصح
قال الحافظ ابن حجر وليس كما قال وكفاه قوة تخريج النسائي له
وقد ذكر الدارقطني الخلاف فيه على سعيد المقبري قال والمحفوظ عن سيد المقبري عن أبي هريرة قال المنذري وفي إسناده عثمان بن محمد الأخنسي
قال النسائي ليس بذاك القوي قال وإنما ذكرناه لئلا يخرج من الوسط ويجعل عن ابن أبي ذئب عن سعيد انتهى . فلا تتم التقوية بإخراج النسائي للحديث كما زعم الحافظ . وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا البيهقي في شعب الإيمان والبزار وفي إسناده مجالد بن سعيد وثقه النسائي وضعفه جماعة وحديث أبي هريرة الثاني حسنه السيوطي . وحديث عائشة أيضا أخرجه العقيلي وابن حبان والبيهقي
قال البيهقي عمران بن الحطان الراوي عن عائشة لا يتابع عليه ولا يتبين سماعه منها . ووقع في رواية الإمام أحمد من طريقه قال دخلت على عائشة فذاكرتها حتى ذكرنا القاضي فذكره فقال في مجمع الزوائد وإسناده حسن . وحديث أبي أمامة حسنه السيوطي وفي معناه أحاديث منها حديث عبادة المذكو بعده . ومنها حديث أبي هريرة عند البيهقي في السنن بلفظ " ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجوز " ومنها حديث ابن عباس " ما من أمير يؤمر على عشرة إلا سئل عنهم يوم القيامة " أخرجه الطبراني في الكبير وأخرج البيهقي حديث آخر عن أبي هريرة بمعنى حديثه هذا . وحديث عبادة أخرجه أيضا الطبراني في الكبير والبيهقي في السعب من حديث سعد بن عبادة . وحديث عبد الله بن أبي أو في أخرجه أيضا الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن وابن حبان وحسنه الترمذي
قوله : " قد ذبح بغير سكين " بضم الذال المعجمة مبني للمجهول قال ابن الصلاح المراد ذبح من حيث المعنى لأنه بين عذاب الدنيا إن رشد وبين عذاب الآخرة إن فسد
وقال الخطابي ومن تبعه إنما عدل عن الذبح بالسكين ليعلم أن المراد ما يخاف من هلاك دينه دون بدنه وهذا أحد الوجهين والثاني أن الذبح بالسكين فيه راحة للمذبوح وبغير السكين كالخنق أو غيره يكون الألم فيه أكثر فذكر ليكون أبلغ في التحذير
قال الحافظ في التلخيص ومن الناس من فتن بحب القضاء فأخرجه عما يتبادر إليه الفهم من سياقه فقال إنما قال ذبح بغير سكين إشارة إلى الرفق به ولو ذبح بالسكين لكان أشق عليه ولا يخفى فساده انتهى . وحكى ابن رسلان في شرح السنن عن أبي العباس أحمد بن القاص أنه قال ليس في هذا الحديث عندي كراهية القضاء وذمه إذ الذبح بغير سكين مجاهدة النفس وترك الهوى والله تعالى يقول { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } . ويدل على ذلك حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يا أبا هريرة عليك بطريق قوم إذا فزع الناس أمنوا قلت من هم يا رسول الله قال هم قوم تركوا الدنيا فلم يكن في قلوبهم ما يشغلهم عن الله قد أجهدوا أبدانهم وذبحوا أنفسهم في طلب رضا الله فناهيك به فضيلة وزلفى لمن قضى بالحق في عباده إذ جعله ذبيح الحق امتحانا لتعظظ له الثوبة امتنانا وقد ذكر الله قصة إبراهيم خليله عليه السلامز وقوله " يا بني أني أرى في المنام أني أذبحك " فإذا جعل الله إبراهيم في تسليمه لذبح ولده مصدقا فقد جعل ابنه لاستسلامه للذبح ذبيحا ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم " أنا ابن الذبيحين " يعني إسماعيل وعبد الله فكذلك القاضي عندنا لما استسلم لحكم الله واصطبر على مخالفة الأباعد والقارب في خصوماتهم لم تأخذه في الله لومة لائم حتى قاده إلى مر الحق جعله ذبيحا للحق وبلغ به حال الشهداء الذين لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله وقد ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا ومعاذا ومعقل بن يسار فنعم الذابح ونعم المذبوح
وفي كتاب الله الدليل على الترغيب فيه بقول { يحكم بها النبيون الذين أسلموا } إلى آخر الآيات انتهى . وحديث أبي هريرة الذي ذكره لا أدري من أخرجه فيبحث عنه وعلى كل حال فحديث الباب وارد في ترهيب القضاة لا في ترغيبهم وهذا هو الذي فهمه السلف والخلف من جعله من الترغيب فقد ابعد وقد استروح كثير من القضاة إلى ما ذكره أبو العباس وأنا وإن كنت حال تحرير هذه الأحرف منهم ولكن الله يحب الإنصاف وقد ورد في الترغيب في القضاة ما يغني عن مثل ذلك التكلف فأخرج الشيخان من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة " إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران " ورواه الحاكم والدار قطني من حديث عقبة بن عامر وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بلفظ " إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله عشرة أجور " وفي إسناده فرج بن فضاله وهو ضعيف وتابعه ابن لهيعة بغير لفظه ورواه أحمد من طريق عمرو بن العاص بلفظ " إن أصبت القضاء فلك عشرة أجور وإن اجتهدت فأخطأت فلك حسنة " وإسناده ضعيف أيضا
وأخرج أحمد في مسنده وابو نعيم في الحلية عن عائشة " أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال السابقون إلى ظل الله يوم القيامة الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوا بذلوه وغذا حكموا بين الناس حكموا كحكمهم لأنفسهم " وهو من رواية ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد عنها قال أبو نعيم تفرد به ابن لهيعة عن خالد
قال الحافظ وتابعه يحيى ابن أيوب عن عبد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم وهو ابن عبد الرحمن عن عائشة ورواه أبو العباس ابن القاص في كتاب آداب القضاء له . ومن الأحاديث الواردة في الترغيب حديث عبد الله بن عمر المذكور في الباب . ومنها حديث ابن عباس " إذا جلس الحاكم في مكانه هبط عليه ملكان يسدد أنه ويوفقانه ويرشدانه ما لم يجر فإذا جار عرجا وتركاه " أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن زيد الأشعري عن ابن جريح عن عطاء عنه وإسناده ضعيف قال صالح جزرة هذا الحديث ليس له أصل وروى الطبراني معناه من حديث وائلة بن الأسقع
وفي البزار من رواية إبراهيم بن خيثم بن عراك عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا " من ولي من أمور المسلمين شيئا وكل الله به ملكا عن يمينه وأحسبه قال وملكا عن شماله يوفقانه ويسدد أنه إذا أريد به خير ومن ولى من أمور المسلمين شيئا فأريد به غير ذلك وكل إلى نفسه " قال ولا نعلمه يروي بهن اللفظ إلا من حديث عراك وإبراهيم ليس بالقوب . ومن أحاديث الترغيب حديث عبد الله بن أبي أو في المذكور في الباب . ولكن هذه الترغيبات إنما هي في حق القاضي العادل الذي لم يسال القضاء ولا استعان به على بالشفعاء وكان لديه من العلم لكتاب الله وسنة رسوله ما يعرف به الحق من الباطل بعد إحراز مقدار من آلاتهما يقدر به على الاجتهاد في إبراده وإصداره
وأما من كان بعكس هذه الأوصاف أو بعضها فقد أوقع نفسه في مضيق وباع آخرته بدنياه لأن كل عاقل يعلم أن من تسلق للقشاء وهو جاهل بالشريعة المطهرة جهلا بسيطا أو جهلا مركبا أو من كان قاصرا عن رتبة الاجتهاد فلا حامل له على ذلك إلا حب المال والشرف أو أحدهما إذ لا يصح أن يكون الحامل من قبيل الدين لأن الله لم يوجب على من لم يتمكمن من الحكم بما أنزل من الحق أن يتحمل هذا العبء الثقيل قبل تحصيل شرطه الذي يحرم قبوله قبل حصوله فعلم من هذا أن الحامل للمقصرين على التهافت على القضاء والتوثب على أحكام الله بدون ما شرطه ليس إلا الدنيا لا الدين فإياك والاغترار بأقوال قوم يقولون بالسنتهم ما ليس في قلوبهم فإذا
لبسوا لك أثواب الرياء والتصنع وأطهروا شعار التغرير والتدليس والتلبيس وقالوا مالهم بغير الحق حاجة ولا أرادوا إلا تحصيل الثواب الأخروي فقيل لهم دعوا الكذب على أنفسكم يا قضاة النار بنص المختار فلو كنتم تخشون الله وتتقونه حق تقاته لما أقدمتم على المخاطرة بادئ بدء بدون إيجاب من الله ولا إكراه من سلطان ولا حاجة من المسلمين وقد كثر التتابع من الجهلة في هذا المنصب الشريف واشتروه بالأموال ممن هو أجهل منهم حتى عمت البلوى جميع الأقطار اليمنية
قوله " فهوى أربعين خريفا " قال في النهاية هو الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف والشتاء ويريد به أربعين سنة لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة فإذا انقضى أربعون خريفا انقضت أريعون سنة
قوله : " ويل للعرفاء " بضم العين المهملة وفتح الراء والفاء جمع عريف
قال في النهاية وهو القيم بأمور القبيلة والجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم فعيل بمعنى فاعل والعرافة عمله . وسبب الوعيد لهذه الطوائف الثلاث وهم الأمراء والعرفاء والأمناء أنهم يقبلون ويطاعون فيما يأتون به فإذا جاروا الرعايا جاروا وهم قادرون فيكون ذلك سببا لتشديد العقوبة عليهم لأن حق شكر النعمة التي امتازوا بها على غيرهم أن يعدلوا ويستعملوا الشفقة والرأفة
قوله : " أو أوبقه أئمة " بالباء الموحدة والقاف قال في النهاية يقال وبق يبق ووبق يوبقإذا هلك وأوبقه غير فهو موبق
قوله : " كلتا يديه يمين " قال في النهاية أي أن يديه تبارك وتعالى بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما لأن الشمال تنقص عن يمين . وكل ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد والأيدي واليمين وغير ذلك من أسماء الجواره إلى الله فإنما هو على سبيل المجاز والاستعارة والله منزه عن التشبيه والتجسيم
باب المنع من ولاية المرأة والصبي ومن لا يحسن القضاء أو يضعف عن القيام بحقه
1 - عن أبي بكرة قال " لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسري قال لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة "
- رواه أحمد والبخارى والنسائي والترمذي وصححه
2 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعوذوا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان "
- رواه أحمد
3 - وعن بريدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " القضاء ثلاثة واحدة في الجنة وإثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضي به ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار ورجل قضي للناس على جهل فهو في النار "
- رواه ابن ماجه وأبو داود وهو دليل على اشتراط كون القاضي رجلا
4 - وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " من أفتى بفتيا بغير ثبت فإنما إثمه على الذي أفتاه "
- رواه أحمد وابن ماجه وفي لفظ " من أفتى بفتيا بغير علم كان أثم ذلك على الذي أفتاه " . رواه أحمد وابو داود
5 - وعن أبي ذر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب إليك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم "
6 - وعن أبي ذر قال " قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها "
- رواهما أحمد ومسلم
7 - وعن أم الحصين الأحمسية " أنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي ما أقام فيكم كتاب الله عز و جل "
- رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود
8 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة "
- رواه أحمد والبخاري . وهذا عند أهل العلم محمول على غير ولاية الحكم أو على من كان عبدا
- حديث أبي هريرة الأول قد أخرج ما شهد له أحمد من حديث قيس الغفاري مرفوعا وفيه التحذير من إمارة السفهاء ورجاله رجال الصحيح ومثله أخرجه الطبراني عن عوف بن مالك مرفوعا وفي إسناده النهاس بن قهم وهو ضعيف . وحديث بريدة أخرجه أيضا الترمذي والنسائي والحاكم وصححه
قال الحاكم في علوم الحديث تفر به الخراسانيون ورواته مراوزة قال الحافظ له طرق غير هذه جمعتها في جزء مفرد . وحديث أبي هريرة الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده أئمة أكثرهم من رجال الصحيح وزاد أبو داود ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خان وحديث أنس لفظ البخاري " أطيعوا السلطان وإن عبدا حبشيا كالزبيبة "
قوله " لن يفلح قوم " الخ فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات ولا يحل لقوم توليتها لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب
قال في الفتح ةقد اتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي إلا عن الحنفية واستثنوا الحدود . وأطلق ابن جرير ويؤيد ما قاله الجمهور إن القضاء يحتاج إلى كمال الرأي ورأي المرأة ناقص ولا سيما في محافل الرجال . واستدل المصنف أيضا على ذلك بحديث بريدة المذكور في الباب لقوله فيه رجل ورجل فدل بمفهومه على خروج المرأة
قوله : " وإمارة الصبيان " فيه دليل على أنه لا يصح أن يكون الصبي قاضيا
قال في البحر جماعا وأمره صلى الله عليه وآله وسلم بالتعوذ من رأس السبعين لعله لما ظهر فيها من الفتن العظيمة منها قتل الحسين رضي الله عنه ووقعة الحرة وغير ذلك مما وقع في عشر السبعين
قوله : " القضاة ثلاثة " الخ في هذا الحديث أعظم وازع للجهلة عن الدخول في هذا المنصب الذي ينتهي بالجاهل والجائر إلى النار وبالجملة فما صنع أحد بنفسه ما صنعه من ضاقت عليه المعايش فزج بنفسه في القضاء لينال من الحطام وأموال الأرامل والأيتام ما يحول بينه وبين دار الإسلام مع جهله بالأحكام أو جوره على من قعد بين يديه للخصام من أهل الإسلام قوله من أفتى بضم الهمزة وكسر المثناة مبني لما لم يسم فاعله فيكون المعنى من أفتاه مفت عن غير ثبت من الكتاب والسنة والاستدلال كان أثمة على من أفتاه بغير الصواب لا على المستفتي المقلد
وقد روى بفتح الهمزة والمثناة فيكون المعنى من أفتى الناس بغير علم كان أثمة على الذي سوغ له ذلك وأفتاه بجواز الفتيا من مثله مع جهله وأذن له في الفتوى ورخص له فيها
قوله : " أراك ضعيفا " فيه دليل على أن من كان ضعيفا لا يصلح لتولى القضاء بين المسلمين قال أبو علي الكرابيسي صاحب الشافعي في كتاب أدب القضاء له لا أعلم بين العلماء ممن سلف خلافا أن أحق الناس أن يقضي بين المسلمين من بان فضله وصدقه وعلمه وورعه وأن يكون عارف بكتاب الله عالما بأكثر أحكامه عالما بسنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حافظا لأكثرها وكذا أقوال الصحابة عالما بالوفاق والخلاف وأقوال فقهاء التابعين يعرف الصحيح من السقيم يتتبع النوازل من الكتاب فإن لم يجد ففي السنة فإن لم يجد عمل بما اتفق عليه الصحابة الصحابة فإن اختلفوا فما وجده أشبه بالقرآن ثم بالسنة ثم بفتوى أكابر الصحابة عمل به ويكون كثير المذاكرة مع أهل العلم والمشاورة لهم مع فضل وورع ويكون حاقظا للسانه ونطقه وفرجه فهما لكلام الخصوم ثم لا بد أن يكون عاقلا مائلا عن الهوى ثم قال وهذا وإن كنا نعلم أنه ليس على وجه الأرض أحد يجمع هذه الصفات ولكن يجب أن يطلب من أهل كل زمان أكملهم وأفضلهم
وقال المهلب لا يكفي في استحباب القضاء أن يرى نفسه أهلا لذلك بل أن يراه الناس أهلا له
وقال ابن حبيب عن مالك لا بد أن يكون القاضي عالما عاقلا قال ابن حبيب فإن لم يكن علم فعقل وورع لأنه بالورع يقف وبالعقل يسأل وهو إذا طلب العلم وجده فإذا طلب العقل لم يجده انتهى . قلت يصنع الجاهل العاقل عند ورود مشكلات المسائل وغاية ما يفيده العقل التوقف عند كل خصومة ترد عليه وملازمة سؤال أهل العلم عنها والأخذ بأقوالهم مع عدم المعرفة لحقها من باطلها وما بهذا أمر الله عباده فإنه أمر الحاكم أن يحكم بالحق وبالعدل وبالقسط وبما أنزل ومن أين لمثل هذا العاقل العاطي عن حيلة الدلائل أن يعرف حقية هذه الأمور بل من أين له أن يتعقل الحجة إذا جاءته من كتاب أو سنة حتى يحكم بمدلولها ثم قد عرف اختلاف طبقات أهل العلم في الكمال والقصور والإنصاف والاعتساف والتثبت والاستعجال والطيش والوقار والتعويل على الدليل والقنوع بالتقليد فمن أين لهذا الجاهل العاقل معرفة العالي من السافل حتى يأخذ عنه أحكامه وينيط به حله وأبرامه فهذا شيء لا يعرف بالعقل بأتفاق العقلاء فما حال هذا القاضي الاكحال من قال فيه من قال :
كبهيمة عمياء قاد زمامها أعمى على عوج الطريق الحائر
قوله " لا تأمرن على اثنين " الخ في هذا النهي بعد إمحاض النصح بقوله صلى الله عليه وآله وسلم إني أحب لك ما أحب لنفسي أرشاد للعباد إلى ترك تحمل أعباء الإمارة مع الضعف عن القيام بحقها من أي جهة من الجهات التي يصدق على صاحبها أنه ضعيف فيها وقد قدمنا كلام النووي على هذا الحديث في باب كراهية الحرص الإمارة
قوله : " وإن أمر عليكم عبد حبشي " بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة منسوب إلى الحبشة
قوله : " كأن رأسه زبيبة " هي واحدة الزبيب المأكول المعروف الكائن من العنب إذا جف وإنما شبه رأس العبد بالزبيبة لتجمعها ولكون شعره أسود وهو التمثيل في الحقارة وبشاعة الصورة وعدم الاعتذار بها
وقد حكى الحافظ في الفتح عن ابن بطال عن المهلب أنها لا تجب الطاعة للعبد إلا إذا كان المستعمل له إماما قرشيا لأن الإمامة لا تكون إلا في قريش قال وأجمعت الأمة على أنها لا تكون في العبيد . وحكى في البحر عن العترة أنه يصح أن يكون العبد قاضيا وعن الشافعية والحنفية أن لا يصح أن يكون العبد قاضيا
باب تعليق الولاية بالشرط
1 - عن ابن عمر قال " أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة موتة زيد بن حارثة وقال إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة "
- رواه البخاري . ولأحمد من حديث أبي قتادة وعبد الله بن جعفر نحوه
- حديث ابن عمر هو طرف من حديث طويل في ذكر غزوة موتة وكذلك حديث أبي قتادة وعبد الله بن جعفر هما في وصف الغزوة المذكورة وقد اشتمل على جميع ذلك كتب الحديث والسير فلا نطول بذكره
وقد استدل المصنف رحمه الله بالحديث على جواز تعليق الولايات بالشرط المستقبل كما في ولاية جعفر فإنها مشروطة بقتل زيد وكذلك ولاية عبد الله ين رواحة فإنها مشروطة بقتل جعفر ولا أعرف الآن دليلا يدل على المنع من تعليق الولاية بالشرط فلعل خلاف من خالف في ذلك مستند إلى قاعدة فقهية كما يقع ذلك في كثير من المسائل
باب نهي الحاكم عن الرشوة واتخاذ حاجب لبابه في مجلس حكمه
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعنة الله على الراشي والمرتشي في الحكم "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي
2 - وعن عبد الله بن عمرو قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعنة الله على الراشي والمرتشي "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي
3 - وعن ثوبان قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الراشي والمرتشي والرائش " يعني الذي يمشي بينهما
- رواه أحمد
4 - وعن عمرو بن مرة قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من إمام أو وال يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا غلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته "
- رواه أحمد والترمذي
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا ابن حبان وصححه وحسنه الترمذي قد عزاه الحافظ في بلوغ المرام إلى أحمد والأربعة وهو وهم فإنه ليس في سنن أبي داود غير حديث ابن عمرو المذكور ووهم أيضا بعض الشراح فقال إن أبا داود زاد في روايته لحديث ابن عمرو لفظ في الحكم وليست تلك الزيادة عند أبي داود بل لفظه لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الراشي والمرتشي
قال ابن رسلان في شرح السنن وزاد الترمذي والطبراني بإسناد جيد بالحكم . وحديث ابن عمرو أخرجه أيضا ابن حبان والطبراني والدار قطني قال الترمذي وقواه الدارمي اه . وإسناده لا مطعن فيه فإن أبا داود قال حدثنا أحمد بن يونس يعني اليربوعي حدثنا ابن أبي ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن يعني الققرشي العامري خال ابن أبي ذئب ذكره ابن حبان في الثقات عن أبي سلمة يعني ابن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص . وحديث ثوبان أخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده ليث بن أبي سليم قال البزار أنه تفرد به
وقال في مجمع الزوائد أنه أخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير وفي إسناده أبو الخطاب وهو مجهول اه وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف عند الحاكم وعن عائشة وأم سلمة أشار إليهما الترمذي قال في التلخيص ينظر من خرجهما . وحديث عمرو بن مرة أخرجه أيضا الحاكم والبزار وفي الباب عن أبي مريم الأزدي مرفوعا أخرجه أبو داود والترمذي بلفظ " من تولى شيئا من أمر المسلمين فاحتجب عن حاجتهم وفقيرهم احتجب الله دون حاجته " قال الحافظ في الفتح أن سنده جيد . وعن ابن عباس عند الطبراني في الكبير بلفظ " أيما أمير أجتجب عن الناس فأهمهم احتجب الله عنه يوم القيامة " قال ابن أبي حاتم هو حديث منكر
قوله : " على الراشي " هو دافع الرشوة والمرتشي القابض لها والرائش هو ما ذكره في الرواية التي في الباب قال ابن رسلان ويدخل في إطلاق الرشوة والرشوة للحاكم والعامل على أخذ الصدقات وهي حرام بالإجماع اه
قال الإمام المهدي في البحر في كتاب الإجارات منه مسألة وتحرم رشوة الحاكم إجماعا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لعن الله الراشي والمرتشي " قال الإمام يحيى ويفسق للوعيد . والراشي أن طلب باطلا عنه الخبر قال المنصور بالله وأبو جعفر وبعض أصحاب الشافعي وإن طلب بذلك حقا مجمعا عليه جاز
قيل وظاهر المذهب المنع لعموم الخبر وإن كان مختلفا فيه فكالباطل إذ لا تأثير لحكمه اه قلت والتخصيص لطالب الحق بجواز تسليم الرشوة منه للحاكم لا أدري بأي مخصص فالحق التحريم مطلقا أخذا بعموم الحديث ومن زعم الجواز في صورة من لصور فإن جاء بدليل مقبول وإلا كان تخصيصه ردا عليه فإن الأصل في مال المسلم التحريم ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه وقد انضم إلى هذا الأصل كون الدافع إنما دفعه لأحد أمرين إما لينال به حكم الله إن كان محقا وذلك لا يحل لأن المدفوع في مقابلة أمر واجب أوجب الله عز و جل على الحاكم الصدع به فكيف لا يفعل حتى يأخذ عليه شيئا من الحطام وإن كان الدفع للمال من صاحبه لينال به خلاف ما شرعه الله إن كان مبطلا فذلك أقبح لأنه مدفوع في مقابلة أمر محظور فهو أشد تحريما من المال المدفوع للبغي في مقابلة الزنا بها لأن الرشوة يتوصل بها إلى أكل مال الغير الموجب لإحراج صدره والإضرار به بخلاف المدفوع إلى البغي فالتوصل به إلى شيء محرم وهو الزنا لكنه مستلذ للفاعل والمفعول به وهو أيضا ذنب بين العبد وربه وهو أسمح الغرماء ليس بين العاصي وبين المغفرة إلا التوبة ما بينه وبين الله وبين الأمرين بون بعيد . ومن الأدلة الدالة على تحريم الرشوة ما حكاه ابن رسلان في شرح السنن عن الحسن وسعيد بن جبير أنهما فسرا قوله تعالى { أكالون للسحت } بالرشوة
وحكي عن مسروق عن ابن مسعود أنه لما سئل عن السحت أهو الرشوة فقال لا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون ولكن السحت أن يستعينك الرجل على مظلمته فيهدي لك فإن أهدى لك فلا تقبل
وقال أبو وائل شقيق بن مسلمة أحد أئمة التابعين القاضي إذا أخذ الهدية بلغت به الكفر . ورواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح اه . ما حكاه ابن رسلان . ويدل على المنع من القبول هدية من استعان بها على دفع مظلمته ما أخرجه أبو داود عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من شفع لأخيه شفاعة فأهدي له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا " وفي إسناده القاسم بن عبد لرحمن أبو عبد الرحمن الأموي مولاهم الشامي وفيه مقال . ويدل على تحريم قبول مطلق الهدية على الحاكم وغيره من الأمرء حديث هدايا الأمراء غلول أخرجه البيهقي وابن عدي من حديث أبي حميد
قال الحافظ وإسناده ضعيف ولعل وجه الضعف أنه من رواية إسماعيل ابن عياش عن أهل الحجاز وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة قال الحافظ وإسناده أشد ضعفا
وأخرجه سنيد بن داود في تفسيره عن عبيدة بن سلمان عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جابر وإسماعيل ضعيف وأخرجه الخطيب في تلخيص التشابه من حديث أنس بلفظ هدايا العمال سحت وقد تقدم في كتاب الزكاة في باب العاملين عليها حديث بريدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذه بعد ذلك فهو غلول أخرجه أبو داود وقد بوب البخاري في أبواب القضاء باب هدايا العمال وذكر حديث ابن اللتبية المشهور والظاهر أن الهدايا التي تهدى للقضاة ونحوهم هي نوع من الرشوة لأن المهدي إذا لم يكن معتادا للإهداء إلى القاضي قبل ولايته لا يهدي إليه إلا لغرض وهو إما التقوى به على باطله أو التوصل لهديته له إلى حق والكل حرام كما تقدم وأقل الأحوال أن يكون طالبا لقربه من الحاكم وتعظيمه ونفوذ كلامه ولا غرض له بذلك إلا الاستطالة على خصومه أو الأمن من مطالبتهم له فيحتشمه من له حق عليه ويخافه ما لا يخافه قبل ذلك وهذه الأغراض كلها تؤل إلى ما آلت إليه الرشوة فليحذر الحاكم المتحفظ لدينه المستعد للوقوف بين يدي ربه من قبول هدايا من أهدى إليه بعد توليه للقضاء فإن للإحسان تأثير في طبع الإنسان والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها فربما مالت نفسه إلى المهدي إليه ميلا يؤثر الميل عن الحق عند عروض المخاصمة بين المهدي وبين غيره والقاضي لا يشعر بذلك ويظن أنه لم يخرج عن الصواب بسبب ما قد زرعه الإحسان في قلبه والرشوة لا تفعل زيادة على هذا ومن هذه ومن هذه الحيثية امتنعت عن قبول الهدايا بعد دخولي في القضاء ممن كان يهدي إلي قبل الدخول فيه بل من الأقارب فضلا عن سائر الناس فكان في ذلك من المنافع ما لا يتسع المقام لبسطه أسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه
وقد ذكر المغربي في شرح بلوغ المرام في شرح حديث الرشوة كلاما في غاية السقوط فقال ما معناه أنه يجوزأن يرشى من كان يتوصل بالرشوة إلى نيل حق أو دفع باطل وكذلك يجوز للمرتشي أن يرشي إذا كان ذلك في حق لا يلزمه فعله وهذا أعم مما قاله المنصور بالله ومن معه كما تقدمت الحكاية لذلك عنهم لأنهم خصوا الجواز بالراشي وهذا عممه في الراشي والمرتشي وهو تخصيص مخصص ومعارضة لعموم الحديث بمحض الرأي الذي ليس عليه أثارة من علم ولا يغتر بمثل هذا إلا من لا يعرف كيفية الاستدلال والقائل رحمه الله كان قاضيا
قوله : " والخلة " في النهاية الخلة بالفتح الحاجة والفقر فيكون العطف على ما قبله من عطف العام على الخاص ( وفي الحديث ) دليل على أنه لا يحل احتجاب أولى الأمر عن أهل الحاجات قال الشافعي وجماعة أنه ينبغي للحاكم أن لا يتخذ حاجبا قال في الفتح وذهب آخرون إلى جوازه وحمل الأول على زمن سكون [ ؟ ؟ ] الناس واجتماعهم على الخير وطواعيتهم للحاكم وقال آخرون بل يستحب الأحتجاب حينئذ لترتيب الخصوم ومنع المستطيل ودفع الشر . ونقل ابن التين عن الداودي قال الذي أحدثه القضاة من شدة الأحتجاب وادخال بطائق من الخصوم لم يكن من فعل السلف اه قلت صدق لم يكن من فعل السلف ولكن من لنا بمثل رجال السلف في آخر الزمان فإن الناس اشتغلوا بالخصومة لبعضهم بعضا فلو لم يحتجب الحاكم لدخل الخصوم وقت طعامه وشرابه وخلوه بأهله وصلاته الواجبة وجميع أوقات ليله ونهاره وهذا مما لم يتعبد الله به أحدا من خلقه ولا جعله في وسع عبد من عباده وقد كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم سحتجب في بعض أوقاته وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى أنه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما جلس على قف البئر في القصة المشهورة وإذا جعل لنفسه بوابا في ذلك المكان وهو منفرد عن أهله خارج عن بيته فبالأولى اتخاذه في مثل البيت وبين الأهل
وقد ثبت أيضا في الصحيح في قصة حلفه صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يدخل على نسائه شهرا أن عمر استأذن له الأسود لما قال له يا رباح استأذن لي فذلك دليل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتخذ لنفسه بوابا ولولا ذلك لاستأذن عمر لنفسه ولم يحتج إلى قوله استأذن لي وقد ورد ما يخالف هذا في الظاهر وهو ما ثبت في الصحيح في قصة المرأة التي وجدها تبكي قند قبر فجاءت إلى بابه فلم تجد عليه بوابا والجمع ممكن أما أولا فلأن النساء لا يحتجبن عن الدخول في الغالب لأن الأمر الأهم من اتخاذ الحاجب هو منع دخول من يخشى الإنسان من اطلاعه على مالا يحل الأطلاع عليه وأما ثانيا فلأن النفي للحاجب في بعض الأوقات لا يستلزم النفي مطلقا وغاية ذلك أنه لم يكن له صلى الله عليه وآله وسلم حاجب راتب
قال ابن بطال الجمع بينهما أنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا لم يكن في شغل من أهله ولا انفراد بشيء من أمره رفع حجابه بينه وبين الناس ويبرز لطالب الحاجة وبمثله قال الكرماني
وقد ثبت في قصة عمر في منازعة أمير المؤمنين علي والعباس في فدك أنه كان له حاجب يقال له يرفا
قال ابن التين متعقبا لما نقله عن الداودي في كلامه المتقدم أن كان مراده البطائق التي فيها للسبق ليبدأ بالنظر في خصومة من سبق فهو من العدل في الحكم اه قلت ومن العدل والتثبت في الحكم أن لا يدخل الحاكم جميع من كان ببابه من المتخاصمين إلى مجلس حكمه دفعة واحدة إذا كانوا جمعا كثيرا ولا سيما إذا كانوا مثل أهل هذه الديار اليمنية فإنهم إذا وصلوا إلى مجلس القاضي صرخوا جميعا فيتشوش فهمه ويتغير ذهنه فيقل تدبره وتثبته بل يجعل ببابه من يرقم الواصلين من الخصوم الأول فالأول ثم يدعوهم إلى مجلس حكمه كل خصمين على حدة فالتخصيص لعموم المنع بمثل ما ذكرناه معلوم من كليات الشريعة وجزئياتها مثل حديث نهي الحاكم عن القضاء حال الغضب والتأذي بأمر من الأمور كما سيأتي وكذلك أمره بالتثتب والاستماع لحجة كل واحد من الخصمين وكذلك أمره باجتهاد الرأي في الخصومة التي تعرض
قال بعض أهل العلم وظيفة البواب أو الحاجب أن يطالع الحاكم بحال من حضر ولا سيما الأعيان لاحتمال أن يجيء مخاصما والحاكم يظن أنه جاء زائرا فيعطيه حقه من الأكرام الذي لا يجوز لمن يجيء مخاصما انتهى . ولا شك في أنه يكره دوام الأحتجاب إن لم يكن محرما لما في حديث الباب
قال في الفتح واتفق العلماء على أنه يستحب تقديم الأسبق فالأسبق والمسافر على المقيم ولا سيما إن خشي فوات الرفقة وأن من اتخذ بوابا أو حاجبا أن يتخذه أمينا ثقة عفيفا عارفا حسن الأخلاق وعارفا بمقادير الناس انتهى
باب ما يلزم اعتماده في أمانة الوكلاء والأعوان
1 - عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال من خاصم باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع "
وفي لفظ " من أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله "
- رواهما أبو داود
2 - وعن أنس قال " إن قيس بن سعد كان يكون بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير "
- رواه البخاري
- حديث ابن عمر أخرجه أبو داود بإسنادين الأول لا مطعن فيه لأنه قال حدثنا أحمد يونس يعني اليربوعي حدثنا زهير حدثنا عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد يعني الدمشقي الطويل وهو ثقة قال جلسنا لعبد الله بن عمر فذكره والإسناد الثاني قال حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم يعني العامري وثقة النسائي حدثنا عمر بن يونس يعني اليمامي وهو ثقة حدثنا عاصم بن محمد بن زيد العمري يعني ابن عبد الله بن عمر حدثنا المثني بن يزيد قال المنذري هو مجهول انتهى
وقد أخرج النسائي في عمل اليوم والليلة عن مطر يعني بن طمهان الخراساني الوراق قال المنذري ضعفه غير واحد انتهى
وقد أخرج له مسلم في مواضع عن نافع عن ابن عمر فذكره بمعناه
قوله : " من خاصم " قال الغزالي الخصومة لجاج في الكلام ليستوفي بها مال أو حق مقصود وتارة تكون ابتداء وتارة تكون اعتراضا والمراء لا يكون إلا اعتراضا على كلام سابق قال بعضهم إياك والخصومة فإنها تمحق الدين ويقال ما خاصم قط ورع
قوله : " لم يزل في سخط الله " هذا ذم شديد له شرطان أحدهما أن تكون المخاصمة في باطل والثاني أن يعلم أنه باطل فإن أختل أحد الشرطين فلا وعيد وإن كان الأولى ترك المخاصمة ما وجد إليه سبيلا
قوله : " من أعان على خصومة بظلم " في معنى ذلك ما أخرجه الطبراني في الكبير من حديث أوس ين شرحبيل " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام " وأما ما ورد في الحديث الصحيح بلفظ " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما " فقد ورد تفسيره في آخر الحديث " أن نصر الظالم كفه عن الظلم " : قوله " فقد باء بغضب من الله " أي انقلب ورجع بغضب لا زم له ومعنى الغضب في صفات الله أرادة العقوبة . ( وفي الحديث ) دليل على أنه ينبغي للحاكم إذا رأى مخاصما أو معينا على خصومة بتلك الصفة أن يزجره ويردعه لينتهي عن غيه
قوله : " إن قبس بن سعد " يعني ابن عبادة الأنصاري الخزرجي
قوله : " كان يكون " قال الكرماني فائدة تكرار لفظ الكو أرادة بيان الدوام والاستمرار
وقد وقع في رواية الترمذي وابن حبان والإسماعيلي وأبي نعيم وغيرهم بلفظ " كان قيس بن سعد " الخ
قوله : " بمنزلة صاحب الشرط " زاد الترمذي " لما يلي من أموره " وقد ترجم ابن حبان لهذا الحديث فقال " احتراز المصطفى من المشركين في مجلسه إذا دخلوا " وقد روى الإسماعيلي " أن سعداسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قيس أن يصرفه عن الموضع الذي وضعه فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذلك " والشرط بضم المعجمة والراء والنسبة إليها شرطي بضمتين وقد يفتح الراء فيهما أعوان الأمير . والمراد بصاحب الشرط كبيرهم فقيل سموا بذلك لأنهم رذالة الجند . ومنه من حديث الزكاة المتقدم " ولا الشرط اللئيمة " أي رديء المال وقيل لأنهم الأشداء الأقوياء من الجند . ومنه في حديث الملاحم " ويتشرط شرطة للموت " أي يتعاقدون على أن لا يفروا ولو ماتوا
قال الأزهري شرطة كل شيء خياره ومنه الشرط لأنهم نجبة الجند وقيل هم أول طائفة تتقدم الجيش
وقيل سموا شرطا لأن لهم علامات يعرفون بها في اللباس والهيئة وهو اختيار الأصمعي
وقيل لأنهم أعدوا أنفسهم لذلك يقال أشرط فلان نفسه لأمر كذا إذا أعدها قاله أبو عبيد
وقيل مأخوذ من الشريطة وهو الحبل المبروم لما فيهم من الشدة
وفي الحديث جواز إتخاذ الأعوان لدفع ما يرد على الإمام والحاكم
باب النهي عن الحكم في حال الغضب إلا أن يكون يسيرا لا يشغل
1 - عن أبي بكرة قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان "
- رواه الجماعة
2 - وعن عبد الله بن الزبير عن أبيه " أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الأنصاري سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للزبير أسق يا زبير ثم ارسل إلى جارك فغضب الأنصاري ثم قال يا رسول الله إن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال للزبير اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فقال الزبير والله إني لا أحسب أن هذه الآية نزلت إلا في ذلك { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمون فيما شجر بينهم } الآية "
- رواه الجماعة لكنه للخمسة إلا النسائي من رواية عبد الله بن الزبير لم يذكر فيه عن أبيه . وللبخاري في رواية قال " خاضم الزبير رجلا وذكر نحوه وزاد فيه فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينئذ للزبير حقه وكان قبل ذلك قد أشار على الزبير برأي فيه سعة له وللإنصاري فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استوعى للزبير حقه في صريح الحكم " قال عروة قال الزبير " فوالله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك { فلا وربك } الآية " رواه أحمد كذلك لكن قال عن عروة بن الزبير " أن الزبير كان يحدث أنه خاصم رجلا وذكره " جعله من مسنده . وزاد البخاري في رواية " قال ابن شهاب فقدرت الأنصار والناس قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر " فكان ذلك إلى الكعبين
وفي الخبر من الفقه جواز الشفاعة للخصم والعفو عن التعزير
- قوله " لا يقضين " الخ قال المهلب سبب هذا النهي أن الحكم حالة الغضب قد يتجاوز بالحكم إلى غير الحق فمنع وبذلك قال فقهاء الأمصار
وقال ابن دقيق العيد النهي عن الحكم حالة الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يحتل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه قال وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقا يشغله عن استيفاء النظر وهو قياس مظنة وكأن الحكمة في الاقتصار على ذكر الغضب لاستيلائه على النفس وصعوبة مقاومته بخلاف غيره وقد أخرج البيهقي بسند ضعيف عن أبي سعيد رفعه " لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان " انتهى . وسبب ضعفه أن في إسناده القاسم العمري وهو متهم بالوضع . وظاهر النهي التحريم ولا موجب لصرفه عن معناه الحقيقي إلى الكراهة فلو خالف الحاكم فحكم في حال الغضب فذهب الجمهور إلى أنه يصح أن صادف الحق لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى للزبير بعد أن أغبضه كما في حديث الباب فكأنهم جعلوا ذلك قرينة صارفة للنهي إلى الكراهة ولا يخفى أنه لا يصح إلحاق غيره صلى الله عليه وآله وسلم به في مثل ذلك لأنه معصوم عن الحكم بالباطل في رضائه وغضبه بخلاف غيره فلا عصمة تمنعه عن الخطأ ولهذا ذهب بعض الحنابلة إلى أنه لا ينفذ الحكم في حالة الغضب لثبوت النهي عنه والنهي يقتضي الفساد وفصل بعضهم بين أن يكون الغضب طرأ عليه بعد أن استبان له الحكم فلا يؤثر وإلا فهو محل الخلاف
قال الحافظ ابن حجر وهو تفصيل معتبر وقيد إمام الحرمين والبغوي الكراهة بما إذا كان الغضب لغير الله وأستغرب الروياني هذا وأستعبده غيره لمخالفته لظاهر الحديث وللمعنى الذي لأجله نهي عن الحكم حال الغضب وذكر ابن المنير أن الجمع بين حديثي الباب بأن يجعل الجواز خاصا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لوجود العصمة في حقه وإلا من التعدي أو إن غضبه إنما كان للحق فمن كان في مثل حاله جاز وإلا منع وقد تعقب القول بالتحريم وعدم إنعقاد الحكم لأن النهي الذي يفيد فساد المنهي عنه وهو ما كان لذات المنهي عنه أو لجزئه أو لوصفه الملازم له لا المفارق كما هنا وكما في النهي عن البيع حال النداء للجمعة وهذه قاعدة مقررة في الأصول مع اضطراب فيها وطول نزاع وعدم اطراد
قوله : " إن رجلا من الأنصار اسمه ثعلبة بن حاطب وقيل حميد وقيل حاطب ابن أبي بلتعة ولا يصح لأنه ليس بأنصاري وقيل أنه ثابت بن قيس بن شماس وإنما ترك صلى الله عليه وآله وسلم قتله بعد أن جاء في مقاله بما يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم جار في الحكم لأجل القرابة لأن ذلك كان في أوائل الإسلام وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يتألف الناس إذ ذاك كم ترك قتل عبد الله بن أبي بعد أن جاء بما يسوغ به قتله وقال القرطبي يحتمل أنه لم يكن منافقا بل صدر منه ذلك عن غير قصد كم أتفق لحاطب بن أبي بلتعة مسطح وحمنة وغيرهم ممن بدره لسانة بدرة شيطانية
قوله : " في شراج " بكسر الشين المعجمة وراء مهملة بعد الألف جسم وهي مسايل النخل والشجر واحدتها شرجة واضافتها إلى الحرة لكونها فيها والحرة بفتح الحاء المهملة هي أرض ذات حجارة سود
قوله : " سرح الماء " بفتح السين المهملة وتشديد الراء المكسورة ثم حاء مهملة أي أرسله
قوله : " ثم أرسل إلى جارك " كان ذلك على سبيل الصلح
قوله : " إن كان ابن عمتك " بفتح الهمزة لأنه استفهام للأستكثار أي حكمت بهذا لكونه ابن عمتك
قوله : " حتى يرجع الماء إلى الجدر " بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وهو الجدار والمراد به أصل الحائط وقيل أصول الشجر والصحيح الأول وفي الفتح أن المراد به هنا المسناة وهي ما وضع بين شريات النخل كالجدار ويروي الجدر بضم الجيم والدال جمع جدار . وحكى الخطابي الجذر بسكون الذال المعجمة وهو جذر الحساب والمعنى حتى يبلغ تمام الشرب
وفي بعض طرق الحديث " حتى يبلغ الماء الكعبين " رواه أبو داود
قوله : " فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحاء المهملة أي أثار حفيظته
قال في الفتح احفظه بالمهملة والظاء المشالة أي أغضبه
قوله : " فاستوعى " أي أستوفى وهو من الوعاء كأنه جمعه له في وعائه
قوله : " فقدرت الأنصار والناس " وهو من عطف العام على الخاص
قوله : " فكان ذلك إلى الكعبين " يعني أنهم لما رأوا أن الجدر يختلف بالطول والقصر قاسموا ما وقعت فيه القصة فوجدوه يبلغ الكعبين فجعلوا ذلك معيار الاستحقاق الأول فالأول والمراد بالأول هنا من يكون مبدأ الماء من ناحيته وقد تقدم الكلام على ذلك في باب الناس شركاء في ثلاث من كتاب إحياء الموات
باب جلوس الخصمين بين يدي الحاكم والتسوية بينهما
1 - عن عبد الله بن الزبير قال " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم "
- رواه أحمد وأبو داود
2 - وعن علي عليه السلام " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضي بينهما حتى تسمع من الأخر كما سمعت من الأول فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي
- حديث عبد الله بن الزبير أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وفي إسناده مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وهو ضعيف كما قال ابن معين وابن حبان وبين الذهبي ذلك الضعف فقال فيه لين لغلطه
وقال أبو حاتم صدوق كثير الغلط وقال النسائي ليس بالقوي وقال المنذري لا يحتج بحديثه وقد صحح الحديث الحاكم كما حكاه الحافظ في بلوغ المرام . وحديث أمير المؤمنين علي عليه السلام أخرجه أيضا ابن حبان وصححه وحسنه الترمذي وله طرق منها عند البزار وفيها عمرو بن أبي المقدام وفيها أيضا اختلاف على عمرو بن مرة ففي رواية أبي يعلى أنه رواه عنه شعبة عن أبي البختري قال حدثني من سمع أمير المؤمنين عليا ومنهم من أخرجه عن أبي البختري عن أمير المؤمنين علي عليه السلام . ومنهم من رواه عن حارثة بن مضرب عن أمير المؤمنين علي . ومنهم من رواه عن سماك بن حرب عن حنش بن المعتمر عن أمير المؤمنين علي ومنهم من رواه من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن أمير المؤمنين علي عليه السلام . ورواه أبو يعلى والدارقطني والطبراني في الكبير من حديث أم سلمة بلفظ " من ابتلى بالقضاء بين المسلمين فاليعدل بينهم في لحظه وأشارته ومقعده ومجلسه ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفع على الأخر " وفي إسناده عبادة بن كثير وهو ضعيف وفي الباب عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه جلس بجنب شريح في خصومة له مع يهودي فقال لو كان خصمي مسلما جلست معه بين يديك ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا تساووهم في المجالس . أخرجه أبو أحمد الحاكم في الكني في ترجمة أبي سمية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي قال عرف على درعا مع يهودي فذكره مطولا وقال منكر . وأورده ابن الجوزي في العلل من هذا الوجه وقال لا يصح تفرد به سمية ورواه البيهقي من وجه آخر من طريق جابر عن الشعبي قال خرج أمير المؤمنين على السوق فإذا هو بنصراني يبيع درعا فعرف أمير المؤمنين علي عليه السلام الدرع وذكر الحديث وفي إسناده عمرو بن سمرة عن جابر الجعفي وهما ضعيفان قال ابن الصلاح في كلامه على الوسيط لم أجد له إسنادا يثبت
قوله : " إن الخصمين يقعدان " الخ هذا فيه دليل لمشروعية قعود الخصمين بين يدي الحاكم ولعل هذه الهيئة مشروعة لذاتها لا لمجرد التسوية بين الخصمين فإنها ممكنة بدون القعود بين يدي الحاكم بأن يقعد أحدهما عن يمينه و الآخر على شماله أو أحدهما في جانب المجلس والآخر في جانب يقابله ويساويه أو نحو ذلك والوجه في مشروعية هذه الهيئة إن ذلك هو مقعد الاهانة والاصغار وموقف من لا يعتد بشأنه من الخدم ونحوهم لقصد الأعزاز للشريعة المطهرة والرفع من منارها وتواضع المتكبرين لها وكثيرا ما ترى من كان متمسكا بأذيال الكبر يعظم عليه قعوده في ذلك المقعد فلعل هذه هي الحكمة والله أعلم ( ويؤخذ ) من الحديث أيضا مشروعية التسوية بين الخصمين لأنهما لما أمرا بالقعود جميعا على تلك الصفة كان الأستواء في الموقف لازما لها وأوضح من ذلك حديث أم سلمة وقصة أمير المؤمنين علي عليه السلام مع خصمه عند شريح كما تقدم وفيها تخصيص المسلم إذا كان خصمه كافرا فلا يساويه في الموقف بل يرفع موقف المؤمن على موقف الكافر لأن الإسلام يعلو ويستفاد من الحديث أن الخصمين لا يتنازعان قائمين أن مضطجعين أو أحدهما
قوله : " حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فيه دليل على أنه يحرم على الحاكم أن يحكم قبل سماع حجة كل واحد من الخصمين واستفصال ما لديه والأحاطة بجميعه والنهي يدل على قبح المنهى عنه والقبح يستلزم الفساد فإذا قضى قبل السماع من أحد الخصمين كان حكمه باطلا فلا يلزم قبوله بل يتوجه عليه نقضه ويعيده على وجه الصحة أو يعيده حاكم آخر فإن امتنع أحد الخصمين من الإجابة لخصمه جاز القضاء عليه لتمرده ولكن بعد التثبت المسوغ للحكم كما في الغائب على خلاف فيه معروف
باب ملازمة الغريم إذا ثبت عليه الحق وإإعداء الذمي على المسلم
1 - عن هرماس بن حبيب رجل من أهل البادية عن أبيه قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغريم ليفقال لي الزمه ثم قال لي يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك "
- رواه أبو داود وابن ماجه وقال فيه " ثم مر بي آخر النهار فقال ما فعل أسيرك يا أخا بني تميم " وقال في مسنده عن أبيه عن جده وعن ابن أبي حدرد الأسلمي " أنه كان ليهودي عليه أربعة دراهم فاستعدى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا محمد إن لي على هذا أربع دراهم وقد غلبني عليها فقال أعطه حقه قال والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها قال أعطه حقه قال والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها قد أخبرته إنك تبعثنا إلى خيبر فأرجو أن تغنمنا شيئأ فأرجع فأقضيه قال أعطه حقه قال وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قال ثلاثا لم يراجع فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق وعلى رأسه عصابة وهو متزر ببردة فنزع العمامة عن رأسه فاتزر بها ونزع البردة ثم قال اشتر مني هذه البردة فباعها منه بأربعة دراهم فمرت عجوز فقالت مالك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرها فقالت نا ؟ ؟ دونك هذا البرد عليها طرحته عليه "
- رواه أحمد
وفي أن الحاكم يكرر على الناكل وغيره ثلاثا
2 - ومثله ما روى أنس " قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سلم سلم ثلاثا وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه
- حديث هرماس أخرجه البخاري في تاريخه الكبير عن أبيه عن جده وقال ابن أبي حاتم هرماس ابن حبيب العنبري روى عن أبيه عن جده ولجده صحبة وذكر أنه سأل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين عن الهرماس بن حبيب العنبري فقالا لا نعرفه
وقال سألت أبي عن هرماس بن حبيب فقال هوشيخ اعرابي لم يرو عنه غير النضر بن شميل ولا يعرف أبوه ولا جده . وحديث ابن أبي حدرد قال في مجمع الزوائد رواه أحمد والطبراني في الصغير والأوسط ورجاله ثقات إلا أن محمد بن أبي يحيى لم أجد له رواية عن الصحابة فيكون مرسلا صحيحا انتهى
قوله : " الزمه " بفتح الزاي فيه دليل على جواز ملازمة من له الدين لمن هو عليه بعد تقرره بحكم الشرع وقد حكاه في البحر عن أبي حنيفة وأحد وجهي أصحاب الشافعي فقالوا أنه يسير حيث سار ويجلس حيث جلس غسر مانع له من الأكتساب ويدخل معه داره وذهب أحمد إلى أن الغريم إذا طلب ملازمة غريمه حتى يحضر ببينته القريبة أجيب إلى ذلك لأنه لو لم يمكن من ملازمته ذهب من مجلس الحاكم وهذا بخلاف البينة البعيدة وذهب الجمهور إلى أن الملازمة غير معمول بها إذا قال لي بينة غائبة قال الحاكم لك يمينه أو آخره حتى تحضر بينتك وحمل الحديث على أن المراد ألزم غريمك بمراقبتك له بالنظر من بعد ولعل الاعتذار عن الحديث بما فيه من المقال أولى من هذا التأويل المتعسف وأما حديث أبي حدرد فليس فيه دليل على الملازمة بل فيه التشديد على المديون بإيجاب القضاء وعدم قبول دعواه الإعسار لمجردها من دون بينة وعدم الاعتداد بيمينه من غير فرق بين أن يكون صاحب المال مسسلما أو كافرا
قوله : " ما تريد أن تفعل بأسيرك " سماه أسيرا باعتبار ما يحصل له من المذلة بالملازمة له وكثرة تدلله عند المطالبة وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم يعرض بالشفاعة وقد زاد رزين بعد قوله ما تريد أن تفعل بأسيرك فأطلقه
قوله : " وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا " لعل هذا في الأمور التي يريد صلى الله عليه وآله وسلم أن تحفظ عنه وتنقلها الناس إلى بعضهم بعضا بخلاف الكلام في المحاورات التي تجري من دون قصد إلى حفظها لكونها ليست من الأمور الشرعية فلعل التكرار فيها لم يقع منه صلى الله عليه وآله وسلم لعدم الفائدة في ذلك مثلا لو أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يخبر رجلا بأنه خرج إلى المسجد وصلى ورجع إلى بيته فكرر كل كلمة من هذا الخبر ثلاث مرات لم يكن ذلك بمكان من الحسن والقبول
وأما تكرير التسليم فلعله التسليم المراد به الاستئذان وقد ثبتت مشروعية تكريره لإيقاظ رب المنزل الذي وقع الاستئذان عليه لا أنه كان يكرر السلام الواقع لمحض التحية مثلا لا يلقي رجلا في طريق فيقوم بين يديه ويسلم عليه ثلاث مرات
باب الحاكم يشفع للخصم ويستوضع له
1 - عن كعب بن مالك " أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته فنادى يا كعب فقال لبيك يا رسول الله قال ضع من دينك هذا وأومأ إليه أي الشطر قال قد فعلت يا رسول الله قال قم فاقضه "
- رواه الجماعة إلا الترمذي
وفيه من الفقه جواز الحكم في المسجد وأن من قيل له بع أو هب أو أبر فقال قد فعلت صح ذلك منه وأن الإيماء المفهوم يقوم مقام النطق
- قوله " سجف حجرته " بكسر السين المهملة وفتحها وسكون الجيم وهو الستر وقيل الرقيق منه يكون في مقدم البيت ولا يسمى سجفا إلا أن يكون مشقوق الوسط كالمصراعين والحجرة ما يجعل عليه الرجل حاجرا في بيته
قوله : " ضع من دينك هذا وأومأ إليه " فيه دليل على أن الأشارة المفهمة بمنزلة الكلام لأنها تدل كما تدل عليه الحروف والأصوات فيصح بيع الأخرس وشراؤه واجارته وسائر عقوده إذا فهم ذلك عنه
قوله : " أي الشطر " هو النصف على المشهور ووقع في حديث الأسراء ما يدل على أن الشطر يطلق على الجزء والمراد بهذا الأمر الواقع منه صلى الله عليه وآله وسلم الأرشاد على الصلح والشفاعة في ترك بعض الدين وفيه فضيلة الصلح وحسن التوسط بين المتخاصمين
قوله : " قد فعلت الخ " يحتمل أن يكون نزاعهما في مقدار الدين كأن يدعى صاحب الدين مقدارا زائدا على ما يقر به المديون فأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يضع الشطر من المقدار الذي ادعاه فيكون الصلح حينئذ عن أنكار ويدل الحديث على جوازه . ويحتمل أن يكون النزاع بينهما في التقاضي باعتبار حلول الأجل وعدمه مع الأتفاق على مقدار أصل الدين فلا يكون في الحديث دليل على جواز الصلح عن انكار وقد ذهب إلى بطلان الصلح عن انكار الشافعي ومالك وأبوحنيفة والهادوية
قوله : " قم فاقضه " قيل هذا الأمر على جهة الوجوب لأن رب الدين لما طاوع بوضع الشطر تعين على المديون أن يعجل إليه دينه لئلا يجمع على رب المال بين الوضعية والمطل

تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء

تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء   بسم الله الرحمن الرحيم   ذكر ما اختلقوه في قصة داوود عليه السلام شرح قصة سليمان عليه ا...