باب حد زنا الرقيق خمسون جلدة
1 - عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال " أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمة سوداء زنت لأجلدها الحد قال فوجدتها في دمها فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته بذلك فقال لي إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند
2 - وعن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال " أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنا "
- رواه مالك في الموطأ
- حديث أمير المؤمنين علي قد تقدم الكلام عليه في باب تأخير الرجم عن الحبلى وسيأتي أيضا في الباب الذي بعد هذا . وأثر عمر مؤيد لحديث الباب لوقوع ذلك منه بمحضر جماعة من الصحابة وروى ابن وهب عن ابن جريج عن عمرو ابن دينار أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تجلد وليدتها إذا زنت خمسين . ويشهد لذلك عموم قوله تعالى { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } ولا قائل بالفرق بين الأمة والعبد كما حكى ذلك صاحب البحر وروي عن ابن عباس أنه قال لا حد على مملوك حتى يتزوج تمسكا بقوله تعالى { فإذا أحصن } فإنه تعالى علق حد الأماء بالإحصان وأجاب عنه في البحر بأن لفظ الإحصان محتمل لأنه بمعنى أسلمن وبلغن وتزوجن قال ولو سلم فخلاف ابن عباس منقوض والأولى الجواب بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الآتي في الباب الذي بعد هذا فإن فيه أنه سئل صلى الله عليه وآله وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال إن زنت فاجلدوها وهذا نص في محل النزاع
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي من حديث أبي عبد الرحمن السلمي أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه خطب فقال يا أيها الناس أقيموا الحدود على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن وقد وافق ابن عباس طاوس وعطاء وابن جريج وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك
قوله : " إذا تعالت من نفاسها " بالعين المهملة أي خرجت وفيه دليل على أنه يمهل من كان مريضا حتى يصح من مرضه وقد تقدم الكلام على ذلك في باب تأخير الرجم عن الحبلى
باب السيد يقيم الحد على رقيقه
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر "
- متفق عليه . ورواه أحمد في رواية وأبو داود وذكرا فيه في الرابعة الحد والبيع
قال الخطابي معنى لا يثرب لا تقتصرعلى التثريب
2 - وعن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني " قالا سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الأمة إذا زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير قال ابن شهاب لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة "
- متفق عليه
3 - وعن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه " أن خادما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدثت فأمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أقيم عليها الحد فوجدتها لم تجف من دمها فأتيته فأخبرته فقال إذا جفت من دمها فأقم عليها الحد أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم "
- رواه أحمد وأبو داود
- حديث علي أخرجه مسلم في صحيحه والبيهقي والحاكم ووهم فاستدركه قوله " فتبين زناها " الظاهر أن المراد تبينه بما يتبين في حق الحرة وذلك إما بشهادة أربعة أو بالإقرار على الخلاف المتقدم فيه وقيل أن المراد بالتبين أن يعلم السيد بذلك وإن لم يقع إقرار ولا قامت سهادة وإليه ذهب بعضهم وحكي في البحر الإجماع على أنه يعتبر شهادة أربعة في العبد كالحر والأمة حكمها حكمه وقد ذهب الأكثر إلى أن الشهادة تكون إلى الإمام أو الحاكم وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنها تكون عند السيد
قوله : " ولا يثرب عليها " بمثناة تحتية مضمومة ومثلثة مفتوحة ثم راء مشددة مكسورة وبعدها موحدة وهو التعنيف وقد ثبت في رواية عند النسائي بلفظ " ولا يعنفها " والمراد أن اللازم لها شرعا وهو الحد فقط فلا يضم غليه سيدها ما ليس بواجب شرعا وهو التثريب والمراد نهي السيد عن أن يقتصر على التثريب دون الحد وهو مخالف لما يفهمه السياق وفي ذلك كما قال ابن بطال دليل على أنه لا يعزر من أقيم عليه الحد بالتعنيف واللوم ولهذا لم يثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم سب أحدا ممن أقام عليه الحد بل نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك كما سيأتي من حديث أبي هريرة في كتاب حد شارب الخمر
قوله : " ثم إن زنت " فيه دليل أنه لا يقام على الأمة الحد إلا إذا ونت بعد إقامة الحد عليها لا إذا تكرر منها الزنا قيل إقامة الحد كما يدل على ذلك لفظ ثم بعد ذكر الجلد
قوله : " فليبعها " ظاهر هذا أنها لا تحد إذا زنت بعد أن جلدها في المرة الثانية ولكن الرواية التي ذكرها المصنف عن أبي هريرة وزيد بن خالد مصرحة بالجلد في الثالثة وكذلك الرواية التي ذكرها عن أحمد وأبي داود أنهما ذكرا في الرابعة الحد والبيع نص في محل النزاع وبها يرد على النووي حيث قال أنه لما لم يحصل المقصود من الزجر عدل إلى الإخراج عن الملك دون الجلد مستدلا على ذلك بقوله فليبعها وكذا وافقه على ذلك ابن دقيق العيد وهو مردود وأما الحافظ في الفتح فقال الرجح أنه يجلدها قبل البيع ثم يبيعها وصرح بأن السكوت عن الجلد للعلم به ولا يخفى أنه لم يسكت صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك كما سلف وظاهر الأمر بالبيع أنه واجب وذهب الجمهور إلى أنه مستحب فقط وزعم بعض الشافعية أم الأمر بالبيع منسوخ كما حكاه ابن الرفعة في المطلب ولا أعرف له ناسخا فإن كان هو النهي عن إضاعة المال كما زعم بعضهم فيجاب عنه أولا بأن الإضاعة إنما تكون إذا لم يكن الشيء في مقابل المبيع لا الإضاعة وذكر الحبل من الشعر للمبالغة ولو سلم عدم غرادة المبالغة كما كان في البيع بحبل من شعر إضاعة والألزم أن يكون بيع الشيء الكثير بالحقير غضاعة وهو ممنوع
وقد ذهب داود وسائر أهل الظاهر إلى أن البيع واجب لأن ترك مخالطة الفيقة ومفارقتهم واجبان وبيع الكثير بالحقير جائز إذا كان البائع عالما به بالإجماع
قال ابن بطال حمل الفقهاء الأمر بالبيع على الحض على مباعدة من تكرر منه الزنا لئلا يظن بالسيد الرضا بذلك ولما في ذلك من الوسيلة إلى تكثير أولاد الزنا قال وحمله بعضهم على الوجوب ولا سلف له في الأمة فلا يشتغل به انتهى . وظاهره أنه أجمع السلف على عدم وجوب البيع فإن صح ذلك كان هو القرينة الصارفة للأمر عن الوجوب وإلا كان الحط ما قاله أهل الظاهر ( وأحاديث الباب ) فيها دليل على أن السيد يقيم الحد على مملوكه وإلى ذلك ذهب جماعة من السلف والشافعي . وذهبت العترة إلى أن حد المماليك إلى الإمام إن كان ثم امام وإلا كان إلى سيده وذهب مالك إلى أن الأمة إن كانت مزوجة كان أمر حدها إلى الإمام إلا أن يكون زوجها عبدا لسيدها فأمر حدها إلى السيد واستثنى مالك الالقطع في السرقة وهو وجه للشافعية وفي وجه لهم آخر يستثني حد الشرب وروي عن الثوري والأوزاعي أنه أنه لا يقيم السيد إلا حد الزنا وذهبت الحنفية إلى أنه لا يقيم الحدود على المماليك إلا الإمام مطلقا وظاهر أحاديث الباب أنه يحد المملوك سيده من غير فرق بين أن يكون الإمام موجودا أو معدوما وبين أن يكون السيد صالحا لإقامة الحد أم لا
وقال ابن حزم يقيمه السيد إلا إذا كان كافرا
وقد أخرج البيهقي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال أدركت بقايا الأنصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم في مجالسهم إذا زنت ورواه الشافعي عن ابن مسعود وأبي بردة وأخرجه أيضا البيهقي عن خارجة بن زيد عن أبيه وأخرجه أيضا عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون لا ينبغي لأحد يقيم شيئا من الحدود دون السلطان إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمته وروى الشافعي عن ابن عمر أنه قطع يد عبده وجلد عبدا له زنى وأخرج مالك عن عائشة أنها قطعت يد عبد لها
وأخرج أيضا أن حفصة قتلت جارية لها سحرتها وأخرج عبد الرزاق والشافعي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدت جارية لها زنت وتقدم في الباب الذي قبل هذا أنها جلدت وليدة لها خمسين وقد احتج من قال أنه لا يقيم الحدود مطلقا إلا الإمام بما رواه الطحاوي عن مسلم بن يسار أنه قال كان رجل من الصحابة يقول الزكاة والحدود والفيء للسلطان
قال الطحاوي لا نعلم له مخالفا من الصحابة وتعقبه ابن حزم بأنه خالفه إثنا عشر صحابيا . وظاهر أحاديث الباب أن الأمة العبد يجلدان سواء كانا محصنين أم لا وقد تقدم الخلاف في ذلك في الباب الذي قبل هذا وقد اختلف أهل العلم في المملوك إذا كان محصنا هل يرجم أم لا فذهب الأكثر إلى الثاني وذهب الزهري وأبو ثور إلى الأول ( واحتج الأولون ) بأن الرجم لا يتنصف وأحتج الآخرون بعموم الأدلة وأما المكاتب فذهبت العترة إلى أنه لا رجم عليه ويجلد كالحر بقدر ما أدى وفي البقية كالعبد وذهبت الشافعية والنفية أنه يجلد كالعبد مطلقا لحديث " المكاتب عبد من بقي عليه درهم " وقد تقدم وتقدم الكلام على التقسيط في المكاتب في باب الكتابة
كتاب القطع في السرقة
باب ما جاء في كم يقطع السارق
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم "
- رواه الجماعة
وفي لفظ بعضهم " قيمته ثلاث دراهم "
2 - وعن عائشة قالت " كان رسول الله يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا "
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه
وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " . رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه
وفي رواية قال " تقطع يد السارق في ربع دينار " رواه البخاري والنسائي وأبو داود
وفي رواية " قال تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " رواه البخاري
وفي رواية قال " اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار إثني عشر درهما " رواه أحمد
وفي رواية " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن قيل لعائشة ما ثمن المجن قالت ربع دينار " رواه النسائي
3 - وعن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويرق الحبل فتقطع يده قال الأعمش كانوا كانوا يرونه بيض الحديد والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي دراهم "
- متفق عليه . وليس لمسلم فيه زيادة قول الأعمش
- قوله " في مجن " بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون وهو الترس ويقال له مجنة يكسر الميم أيضا وجنان وجنانة بضمهما : قول " فصاعدا " هو منصوب على الحالية أي فزائدا ويستعمل بالفاء وبثم لا بالواو
وفي رواية لمسلم " لن تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فما فوقه " قوله " في ربع دينار " هذه الرواية موافقة لرواية الثلاثة الدراهم التي هي ثمن المجن كما في رواية النسائي المذكورة في الباب أن ثمن المجن كان ربع دينار وكما في رواية أحمد أنه كان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم
قال الشافعي وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم وذك إن الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إثنا عشر درهما بدينار وكان كذلك بعده وقد تقدم أن عمر فرض الدية على أهل الورق إثني عشر ألف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار
وأخرج ابن المنذر أنه أتى عثمان بسارق سرق أترجة فقومت بثلاثة دراهم من حساب الدينار بإثني عشر فقطع
وأخرج أيضا والبيهقي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه قطع في ربع دينار وكانت قيمته درهمين ونصفا
وأخرج البيهقي أيضا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه القطع في ربع دينار فصاعدا وأخرج أيضا من طريقه أن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه قطع يد سارق في بيضة من حديد ثمنها ربع دينار ورجاله ثقات ولكنه منقطع
وقد ذهب إلى ما تقتضيه أحاديث الباب من ثبوت القطع في ثلاثة دراهم أو ربع دينار الجمهور من السلف ولخلف ومنهم الخلفاء الأربعة واختلفوا فيما يقوم به ما كان من غير الذهب والفضة فذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه يكون التقويم بالدراهم لا بربع الدينار إذا كان الصرف مختلفا وقال الشافعي الأصل في تقويم الأشياء هو الذهب لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها حتى قال أن الثلاثة الدراهم إذا لم تكن قيمتها ربع دينار لم توجب القطع انتهى
قال مالك وكل واحد من الذهب والفضة معتبر في نفسه لا يقوم بالآخر وذكر بعض البغداديين أنه ينظر في تقويم العروض بما كان غالبا في نقود أهل البلد . وذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه وسائر فقهاء العراق إلى أن النصاب الموجب للقطع هو عشرة دراهم ولا قطع في أقل من ذلك
واحتجوا بما بما أخرجه البيهقي والطحاوي من حديث محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم عشرة دراهم وأخرج نحو ذلك النسائي عنه وأخرج عنه أبو داود أن ثمنه كان دينارا أو عشرة دراهم
وأخرج البيهقي عن محمد بن إسحاق عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة دراهم
وأخرج النسائي عن عطاء مرسلا أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن قال وثمنه عشرة دراهم قالوا وهذه الروايات في تقدير ثمن المجن أرجح من الروايات الأولى وإن كانت أكثر واصح ولكن هذه أحوط والحدود تدفع بالشبهات فهذه الروايات كأنها شبهة في العمل بما دونها وروي نحو هذا عن ابن العربي قال وإليه ذهب سفيان مع جلالته ويجاب بأن الروايات المروية عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص في إسنادها جميعا محمد بن إسحاق وقد عنعن ولا يحتج بمثله إذا جاء بالحديث معنعنا فلا يصلح لمعارضة ما في الصحيحين عن ابن عمر وعائشة وقد تعسف الطحاوي فزعم أن حديث عائشة مضطرب ثم بين الاضطراب بما يفيد بطلان قوله وقد استوفى صاحب الفتح الرد عليه
وأيضا حديث ابن عمر حجة مستقلة ولو سلمنا صلاحية روايات ثمن المجن بعشرة دراهم لمعارضة الروايات الصحيحة لم يكن ذلك مفيدا للمطلوب أعني عدم ثبوت القطع فيما دون ذلك لما في الباب من إثبات القطع في ربع الدينار وهو دون عشرة دراهم فيرجع إلى هذه الروايات ويتعين طرح الروايات المتعارضة في ثمن النجن وبهذا يلوح لك عدم صحة الاستدلال بروايات العسر الدراهم عن بعض الصحابة على سقوط القطع فيها دونها وجعلها شبهة والحدود تدرأ بالشبهات لما سلف وقد أسلفنا عن جماعة من الصحابة أنهم قطعوا في ربع دينار وفي ثلاثة دراهم . المذهب الثالث نقله عياض عن النخعي أنه لا يجب القطع إلا في أربعة دنانير أو أربعين درهما وهذا قول لا دليل عليه فيما أعلم . المذهب الرابع حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه يقطع في درهمين وحكاه في البحر عن زياد بن أبي زياد ول دليل على ذلك من المرفوع وقد أخرج ابن أبي شيبة عن أنس بسند قوي أبا بكر قطع في شيء ما يساوي درهمين
وفي لفظ لا يساوي ثلاثة دراهم . المذهب الخامس أربعة دراهم نقله ابن المنذر عن أبي هريرة وأبي سعيد وكذلك حكاه عنهما في البحر ونقله عياض عن بعض الصحابة وهو مردود بما سلف . المذهب السادس ثلث دينار ورواه ابن المنذر عن الباقر . المذهب السابع خمسة دراهم حكاه في البحر عن الناصر والنخعي وروي عن ابن شبرمة وهو مروي عن أبي ليلى والحسن البصري واستدلوا بما أخرجه ابن المنذر عن عمر أنه قال لا نقطع الخمس إلا في خمس . المذهب الثامن دينار أو ما بلغ قيمته رواه ابن المنذر عن النخعي وحكاه ابن حزم عن طائفة . المذهب التاسع ربع دينار من الذهب ومن غيره في القليل والكثير وإليه ذهب ابن حزم ونقل نحوه ابن عبد البر واستدل ابن حزم بأن التحديد في الذهب منصوص ولم يوجد نص في غيره فيكون داخلاتحت عموم الآية ويجاب عن ذلك برواية النسائي المذكورة في الباب بلفظ " لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن " ويمكن أيضا الجواب عنه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما دون ذلك " كما في الباب لأنه يصدق على ما لم تبلغ قيمته ربع دينار أنه دونه وإن كان من غير الذهب فإنه يفضل الجنس على جنس آخر مغاير له باعتبار الزيادة في الثمن وكذلك العرض على العرض باعتبار اختلاف ثمنهما
المذهب العاشر أنه يثبت القطع في القليل والكثير حكاه في البحر عن الحسن البصري وداود والخوارج واستدلوا بإطلاق قوله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ويجاب بأن إطلاق الآية مقيد بالأحاديث المذكورة في الباب واستدلوا ثانيا بحديث أبي هريرة المذكور في الباب فإن فيه يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده وقد أجيب عن ذلك أن المراد تحقير شأن السارق وخسارة ما ربحه وأنه إذا جعل السرق عادة له جرأه ذلك على سرقة ما فوق البيضة والحبل حتى يبلغ إلى المقدار الذي تقطع به الأيدي هكذا قال الخطابي وابن قتيبة وفيه تعسف ويمكن أن يقال المراد المبالغة في التنفير عن السرقة وجعل مالا قطع فيه بمنزلة مافيه القطع كما حديث " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة " وحديث " تصدق ولو بظلف محرق " مع أن مفحص القطاة لا يكون مسجدا والظلف المحرق لا ثواب في التصدق به لعدم نفعه ولكن مقام الترغيب في بناء المساجد والصدقة اقتضى ذلك على أنه قد قيل إن المراد بالبيضة بيضة الحديد كما وقع في باب الأعمش ولا شك أن لها قيمة وكذلك الحبل فإن في الحبال ما تزيد قيمته على ثلاثة دراهم كحبال السفن ولكن مقام المبالغة لا يناسب ذلك وقد تقدم أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه قطع في بيضة حديد ثمنها ربع دينار . الحادي عشر أنه يثبت القطع في درهم فصاعدا لا دونه حكاه فيي البحر عن البتي وروي عن ربيعة هذه جملة المذاهب المذكورة في المسألة وقد جعلها في الفتح عشرين مذهبا ولكن البقية على ما ذكرنا لا يصلح جعلها مذاهب مستقلة لرجوعها إلى ما حكيناه
باب اعتبار الحرز والقطع فيما يسرع إليه الفساد
1 - عن رافع بن خديج قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر "
- رواه الخمسة
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الثمر المعلق فقال من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غيرمتخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع "
- رواه النسائي وأبو داود
وفي رواية قال " سمعت رجلا من مزينة يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحريسة التي توجد في مراتعها قال فيها ثمنها مرتين وضرب نكال وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ من ذلك ثمن المجن قال يا رسول الله فالثمار وما أخذ منها في أكمامها قال من أخذ بفمه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن "
- رواه أحمد النسائي . ولابن ماجه معناه وزاد النسائي في آخره " وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال
2 - وعن عمرة بنت عبد الرحمن " أن سارقا سرق أترجة في زمن عثمان بن عفان فأمر بها عثمان أن تقوم فقومت ثلاثة دراهم من صرف أثني عشر بدينار فقطع عثمان يده "
- رواه مالك في الموطأ
- حديث رافع بن خديج أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وصححه البيهقي وابن حبان واختلف في وصله وإرساله
وقال الطحاوي هذا الحديث تلقت العلماء متنه بالقبول . وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا الحاكم وصححه وحسنه الترمذي وأثر عثمان أخرجه أيضا البيهقي وابن المنذر ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند أحمد وابن ماجه بنحو حديث رافع وفي إسناده سعد بن سعيد المقبري وهو ضعيف وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة حبل وهو معضل قوله " ولأكثر " بفتح الكاف والناء المثلثة وهو الجمار
قال في القاموس والكثر ويحرك جمار النخل أو طلعها قال أيضا والجمار كرمان شحم النخلة
قوله : " خبنة " بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها نون قال في القاموس خبن الثوب وغيره يخبنه خبنا وخبانا بالكسر عطفه وخاصة ليقصر والطعام غيبه وخبأه للشدة والخبنة بالضم ماتحمله في حضنك انتهى
قوله : " الجرين " قال في النهاية هو موضع تجفيف التمر وهو له كالبدر للحنطة ويجمع على جرن بضمتين
قال في القاموس والجرن بالضم وكامير ومنبر البيدر وأجرن التمر جمعه فيه انتهى
قوله : " عن الحريسة " بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون التحتية بعدها سين مهملة قيل هي التي ترعى وعليها حرس فهي على هذا المحروسة نفسها وقيل هي السيارة يدركها الليل قبل أن تصل إلى مأواها
وفي القاموس حرس كضرب سرق كاحترس وكسمع عاش طويلا والحريسة المسروقة الجمع حراتس وجدار من حجارة يعمل للغم انتهى
قوله : فيها ثمنها مرتين فيه دليل على جواز التأديب بالمال وقد تقدم الكلام على ذلك في الزكاة . وقوله وضرب نكال يجوز أن يكون بالتنوين للأول وبالإضافة وفيه جواز الجمع بين عقوبة المال والبدن
قوله : " في أكمامها " جمع كم بكسر الكاف وهو وعاء الطلع وقد استدل بحديث رافع على أنه لا قطع على من سرق الثمر والكثر سواء كانا باقيين في منبتهما أو قد أخذا منه وجعلا في غيره وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة قال ولا قطع في الطعام ولا فيما أصله مباح كالصيد والحطب والحشيش واستدل على ذلك أيضا بأن هذه الأمور غير مرغوب فيها ولا يشح بها مالكها فلا حاجة إلى الزجر والحرز فيها ناقص وذهبت الهادوية إلى أنه لاقطع في الثمر والكثر والطبائخ والشواء والهرائس إذا لم تحرز وأما إذ أحرزت وجب فيها القطع وهو محكى عن الجمهور . وذهب الثوري إلى أن الشيء إن كان يبقى يوما فقط كالهرائس الشواء لم يقطع سارقه وإلا قطع وقال الشافعي أن حديث رافع خرج على ما كان عليه عادة أهل المدينة من عدم احراز حوائطها فذلك لعدم الحرز فإذا أحرزت الحوائط كانت كغيرها
وقد حكى صاحب البحر عن الأكثر أن شرط القطع الحرز وعن أحمد وإسحاق وزفر والخوارج وهو مروي عن الظاهرية وطائفة من أهل الحديث أنه لا يشترط . ويدل على ذلك ما سيأتي في قطع جاحد الوديعة وفي باب تفسير الحرز ومما يستدل به على عدم القطع في الثمر إذا كان غير محرز حديث عمرو بن شعيب المذكور في الباب فإن فيه " إن من أصاب من الثمر المعلق بفيه ولم يتخذ خبنة فلا قطع عليه ولا ضمان إن كان من ذوي الحاجة وإن خرج بشيء منه كان عليه غرامة مثليه ومن سرق منه بعد أن يخرز في الجرين قطع إذا بلغ ثمن المجن " فهذا يدل على أن الثمر إذا أحرز قطع سارقه ومما يدل على اعتبار الحرز أيضا رواية النسائي وأحمد المذكور في الباب في سارق الحريسة والثمار وأما أثر عثمان المذكور في الباب أنه قطع في أترجه فلا يعارض ما ورد في اعتبار الحرز لأن غاية ما فيه أنه لم يقع تقييد ذلك بالحرز فيمن حمله على أن تلك الأترجة كانت قد أحرزت وهكذا حديث رافع فإن ظاهره أنه لا قطع في ثمر ولا كثر مطلقا ولكنه مطلق مقيد بحديث عمرو بن شعيب المذكور بعده
باب تفسير الحرز وأن المرجع فيه إلى العرف
1 - عن صفوان بن أمية قال " كنت قائما قي المسجد على خميصة لي فسرقت فأخذنا السارق فرفعناه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بقطعه فقلت يا رسول الله أفي خميصة ثمن ثلاثين درهما أنا أهبها له أو أبيعها له قال فهلا كان قبل أن تأتيني به "
- رواه الخمسة إلا الترمذي
وفي رواية لأحمد والنسائي " فقطعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطع يد سارق سرق برنسا من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي
- حديث صفوان أخرجه مالك في الموطأ والشافعي والحاكم من طرق منها عن طاوس عن ابن عباس قال البيهقي وليس بصحيح ومنها عن طاوس عن صفوان قال ابن عبد البر سماع طاوس عن صفوان ممكن لأنه أدرك زمن عثمان وروي عنه أنه قال أدركت سبعين صحابيا ورواه مالك عن الزهري عن عبيد الله بن صفوان عن أبيه وقد صححه ابن الجارود والحاكم وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الحافظ وسنده ضعيف ورواه البزار والبيهقي عن طاوس مرسلا . ورواه أيضا البيهقي عن الشافعي عن مالك أن صفوان بن أمية الحديث وأخرجه أيضا البيهقي من حديث حميد ابن أخت صفوان . وحديث ابن عمر أخرجه أيضا مسلم بمعناه
قوله : " خميصة " بخاء معجمة مفتوحة وميم مكسورة وتحتية ساكنة ثم صاد قال في القاموس الخميصة كساء أسود مربع له علمان
قوله : " برنسا " بضم الموحدة وسكون الراء وضم النون بعده مهملة قال في القاموس هو قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه دراعة كان أوجبه
وفي جامع الأصول وسنن أبي داود وغيرهما بلفظ نرسا بالمثناة من فوق وسكون الراء يعدها مهملة وهو معروف قوله " صفة النساء " بضم . الصاد المهملة وتشديد الفاء أي الموضع المختص بهن من المسجد وصفة المسجد موضع مظلل منه . وحديث صفوان يدل على أن العفو بعد الرفع إلى الأمام لا يسقط به الحد وهو مجمع عليه كما قدمنا ذلك في باب الحث علىإقامة الحد إذا ثبت والنهي عن الشفاعة فيه وروى عن أبي حنيفة أنه يسقط القطع بالعفو مطلقا والحديث يرد عليه بقوله فهلا كان قبل أن تأتيني به الأخبار له عما ذكره من البيع أو الهبة أنهما إنما يصحان قبل الرفع إلى الأمام لا بعده وفيه دليل على أن القطع يسقط بالعفو قبل الرفع وهو مجمع عليه
وقد استدل بحديثي الباب من قال بعدم اشتراط الحرز وقد سبق ذكرهم في الباب الذي قبل هذا ويرد بأن المسجد حرز لما داخله من آلته وغيرها وكذلك الصفة المذكورة في حديث ابن عمر ولا سيما بعد أن جعل صفوان خميصته تحت رأسه كما ثبت في الروايات وأما جعل المسجد حرزا لآلته فقط فخلاف الظاهر ولو سلم ذلك كان غايته تخصيص الحرز يمثل المسجد ونحوه مما يستوي الناس فيه لما في ترك القطع في ذلك من المفسدة وأما التمسك بعموم آية السرقة فلا ينتهض للاستدلال به لأنه عموم مخصوص بالأحاديث القاضية باعتبار الحرز ومما يؤيد اعتباره قول صاحب القاموس السرقة والاستراق المجيء مستترا لأخذ مال غيره من حرز فهذا إمام من أئمة اللغة جعل الحرز جزأ من مفهوم السرقة وكذا قال ابن الخطيب في تيسير البيان
باب ما جاء في المختلس والمنتهب والخائن وجاحد العارية
1 - عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي
- الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان وصححه وفي رواية له عن ابن جريح عن عمرو بن دينار وأبي الزبير عن جابر وليس فيه ذكر الخائن ورواه ابن الجوزي في العلل من طريق مكي بن إبراهيم عن جريح وقال لم يذكر فيه الخائن غير مكي
قال الحافظ قد رواه ابن حبان من غير طريقه فأخرجه من حديث سفيان عن أبي الزبير عن جابر بلفظ " ليس على المختلس ولا على الخائن قطع " وقال ابن أبي حاتم في العلل لم يسمعه ابن جريح من أبي الزبير إنما سمعه من ياسين بن معاد الزيات وهو ضعيف وكذا قال أبو داود
قال الحافظ أيضا وقد رواه المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر وأسنده النسائي من حديث المغيرة ورواه سويد بن نصر عن ابن المبارك عن ابن جريح أخبرني أبو الزبير قال النسائي ورواه عيسى بن يونس والفضل بن موسى وابن وهب ومخلد ابن يزيد وجماعة فلم يقل واحد منهم عن ابن جريح حدثني أبو الزبير ولا أحسبه سمعه عنه وقد أعله ابن القطان بعنعنة أبي الزبير عن جابر وأجيب بأنه قد أخرجه عبد الرازق في مصنفه وصرح يسماع أبي الزبير من جابر ( وفي الباب ) عن عبد الرحمن بن عوف عند ابن ماجه بإسناد صحيح بنحو حديث الباب وعن أنس عند ابن ماجه أيضا والطبراني في الأوسط . وعن ابن عباس عند ابن الجوزي في العلل وضعفه وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا ولا سيما بعد تصحيح الترمذي وابن حبان لحديث الباب وياسين الزيات هو الكوفي وأصله يمامي قال المنذري لا يحتج بحديثه والمغيرة ابن مسلم هو السراج خراساني كنيته أبو سلمة قال ابن معين صالح الحديث صدوق وقال أبو داود الطبالسي أنه كان صدوقا وقد ذهب إلى أنه لا يقطع المختلس والمنتهب والخائن العترة والشافعية والحنفية وذهب أحمد وإسحاق وزفر والخوارج إلى أنه يقطع وذلك لعدم اعتبارهم الحرز كما سلف والمراد بالخائن هو من يأخذ المال خفية ويظهر النصح للمالك والمنتهب هو من ينتهب المال على جهة القهر والغلبة والمختلس الذي يسلب المال على طريقة الخلسة وقال في النهاية هو من يأخذه سلبا ومكابرة
2 - وعن ابن عمر قال " كانت المخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع يدها "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود وقال " فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقطعت يدها " قال أبو داود ورواه ابن أبي نجيح عن نافع عن صفية بنت عبيد قال فيه فشهد عليها
3 - وعن عائشة قالت كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أسامة لا أراك تشفع في حد من حدود الله عز و جل ثم قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا فقال إنما هلك من كان قبلكم بأنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها فقطع يد المخزومية "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
وفي رواية قال " استعارت مرأة يعني خليا على ألسنة ناس يعرفون ولا تعرف هي فباعته فأخذت فأتى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بقطع يدها وهي التي شفع فيها أسامة بن زبد وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال " . رواه أبو داود والنسائي
- حديث أبو عمر أخرجه أيضا أبو عوانة في صحيحه من طريق أيوب عن نافع عنه وأخرجه أيضا النسائي وأبو عوانة من وجه آخر عن عبد الله العمري عن نافع عنه أيضا بلفظ استعارت حليا
قوله : " كانت مخزومية " اسمها فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو هي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي
قوله : " تستعير المتاع وتجحده " في رواية لعبد الرزاق بسند صحيح إلى أبي بكر ابن عبد الرحمن أن امرأة جاءت فقالت إن امرأة تستعير حليا فأعارتها فمكثت لا تراها فجاءت إلى التي استعارت لها تسألها فقالت ما استعرتك شيئا فرجعت إلى الأخرى فانكرت فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعاها فسألها فقالت والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئا فقال اذهبوا إلى بيتها تجدوه تحت فراشها فأتوه وأخذوه فأمر بها فقطعت
قوله : " فأتي أهلها أسامة فكلموه " وفي رواية للبخاري " أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وجاء في رواية أن المخزومية المذكورة عاذت بأم سلمة وأخرج الحاكم موصولا وأبو داود مرسلا أنها عاذت بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستشكل ذلك بأن زينب ماتت في شهر جمادى من السنة السابعة من الهجرة وقصة المخزومية في غزوة الفتح سنة ثمان وقيل المراد زينب بنت أم سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتكون نسبتها إليه مجازا وجاء في رواية لعبد الرزاق أنها عاذت بعمرو بن أبي سلمة والجمع بين الروايات أنها عاذت بأم سلمة وابنتيها فشفعوا لها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يشفعهم فطلب الجماعة من قريش من أسامة الشفاعة ظنا منهم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبل شفاعته لمحبته له
قوله : " لا أراك تشفع في حد من حدود الله " فيه دليل على تحريم الشفاعة في الحدود وهو مقيد بما إذا كان قد وقع الرفع إلى الإمام لا قبل ذلك فإنه جائز وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث من مرسل حبيب ابن أبي ثابت أن النبي ؟ ؟ قال لأسامة لما تشفع لا تشفع في حد فإن الحدود إذا انتهت إلى فليست بمتروكة وقد قدمنا فيباب الحثعلى إقامة الحدود والنهي عن الشفاعة فيه ما فيه أكمل دلالة على الفرق بين الشفاعة في الحد قبل الرفع وبعده
قوله : " إنما هلك من كان قبلكم " في رواية " إنما هلك بنو اسرائيل " وظاهر الحصر العموم وأنه لم يقع الهلاك لمن قبل هذه الأمة أو لبني اسرائيل إلا بهذا السبب وقيل الراد من هلك بسبب تضييع الحدود فيكون المراد بالعموم هذا النوع الخاص وفي حديث عائشة عند أبي الشيخ أنهم عطلوا الحدود عن الأغنياء وأقاموها على الضعفاء ومثله ما في حديث الباب أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه الخ
وفي حديث ابن عباس أنهم كانوا يأخذون الدية من الشريف إذا قتل عمدا والقصاص من الضعيف قوله " فقطع يد المخزومية " فيه دليل على أنه يقطع جاحد العارية وإليه ذهب من لم يشترط في القطع أن يكون من الحرز وهو أحمد وإسحاق وزفر والخوارج كما سلف وبه قال أهل الظاهر وانتصر له ابن حزم . وذهب الجمهور إلى عدم وجوب القطع لمن جحد العارية واستدلوا على ذلك بأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق والجاحد للوديعة ليس بسارق ورد بأن الجحد داخل في اسم السرقة لأنه هو والسارق لا يمكن الاحتراز منهما بخلاف المختلس والمنتهب كذا قال ابن القيم ويجاب عن ذلك بأن الخائن لا يمكن الاحتراز عنه لأنه آخذ المال خفية مع إظهار النصح كما سلف وقد دل الدليل على أنه لا يقطع وأجاب الجمهور عن أحاديث الباب المذكورة في المخزومية بأن الجحد للعارية وإن كان مرويا فيها من طريق عائشة وجابر وابن عمر وغيرهم لكنه ورد التصريح في الصحيحين وغيرهما بذكر السرقة وفي رواية من حديث ابن مسعود أنها سررقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه وأبو الشيخ وعلقه أبو داود والترمذي ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليا قالوا والجمع ممكن بأن يكون الحلى في القطيفة فتقرر أن المذكورة قد وقع منها السرق فذكر جحد العارية لا يدل على أن القطع كان له فقط ويمكن أن يكون ذكر الحجد لقصد التعريف بحالها وأنها كانت مشتهرة بذلك الوصف والقطع كان للسرقة كذا قال الخطابي وتبعه البيهقي والنووي وغيرهما ويؤيد ما في هذا حديث الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هلك من كان قبلكم بانه إذا سرق فيهم الشريف الخ فإن ذكر هذا عقب ذكر المرأة المذكورة يدل على أنه قد وقع منها السرقة ويمكن أن يجاب عن هذا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل ذلك الجحد منزلة السرق فيكون دليلا لمن قال أنه يصدق اسم السرق على جحد الوديعة ولا يخفى أن الظاهر من أحاديث الباب أن القطع كان لأجل ذلك الجحد كما يشعر به قوله في حديث ابن عمر بعد وصف القصة فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع يدها
وكذلك بقية الألفاظ المذكورة ولا ينافي ذلك وصف المرأة في بعض الروايات بانها سرقت فإنه يصدق على جاحد الوديعة بأنه سارق كما سلف فالحق قطع جاحد الوديعة ويكون ذلك مخصصا للأدلة الدالة على اعتبار الحرز . ووجهه أن الحاجة الماسة بين الناس إلى العارية فلو علم المعيران المستعير إذا جحد لا شيء عليه لجر ذلك إلى سد باب العارية وهو خلاف المشروع
باب القطع بالإقرار وأنه لا يكتفى فيه بالمرأة
1 - عن أبي أميمة المخزومي " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بلص فاعترف اعترافا ولم يوجد معه المتاع فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أخالك سرقت قال بلى مرتين أو ثلاثا قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقطعوه ثم جيئوا به قال فقطعوه ثم جاؤا به فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قل أستغفر الله وأتوب إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم تب عليه "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي ولم يقل فيه مرتين أو ثلاثا وابن ماجه وذكر مرة ثانية فيه قال " ما أخالك سرقت قال بلى "
2 - وعن القاسم بن عبد الرحمن عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه " قال لا يقطع السارق حتى يشهد على نفسه مرتين "
- حكاه أحمد في رواية مهنا واحتج به
- حديث أبي أمية قال الحافظ في بلوغ المرام رجاله ثقات وقال الخطابي أن في إسناده مقالا قال والحديث إذا ورواه رجل مجهول لم يكن حجة ولم يجب الحكم به قال المنذري وكأنه يشير إلى أن أبا المنذر مولى أبي ذر لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة من رواية حماد بن سلمة عنه ويشهد له ما سيأتي في الباب الذي بعد هذا وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة . منها عن أبي الدرداء أنه أتى بجارية سرقت فقال لها أسرقت قولي لا فقالت لا فخلى سبيلها . وعن عطاء عند عبد الرزاق أنه قال كان من مضى يؤتى إليهم بالسارق فيقول أسرقت ؟ قل لا وسمى أبو بكر وعمر وأخرج أيضا عن عمر بن الخطاب أتي برجل فسأله أسرقت قل لا فقال لا فتركه . وعن أبي هريرة عند ابن أبي شيبة أن أبا هريرة أتى بسارق فقال أسرقت قل لا مرتين أو ثلاثا . وعن أبي مسعود الأنصاري في جامع سفيان أن امرأة سرقت جملا فقال أسرقت قولي لا
قوله : " ما أخالك سرقت " بفتح الهمزة وكسرها أي ما أظنك سرقت وفي ذلك دليل على أنه يستحب تلقين ما يسقط الحد
قوله : " مرتين أو ثلاثا " استدل به من قال ان الإقرار بالسرقة مرة واحدة لا يكفي بل لا بد من الإقرار مرتين أو ثلاثا وأقل ما يلزم به القطع مرتان وإلى ذلك ذهبت العترة وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأحمد بن حنبل وإسحاق وروي عن أبي يوسف . وذهب مالك والشافعية والحنفية وهو مروى عن أبي يوسف إلى أنه يكفي الإقرار مرة ويجاب عن الاستدلال بحديث أبي أمية المذكور أنه لا يدل على اشتراط الإقرار مرتين وإنما يدل على أنه يندب له تلقين المسقط للحد عنه والمبالغة في الاستثبات ومما يدل على أن هذا هو المراد أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لا أخالك سرقت ثلاث مرات وفي رواية ولا قائل بأنه يشترط ثلاث مرات ولو كان مجرد الفعل يدل على الشرطية لكان وقوع التكرار منه صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرات يقتضي اشتراطها وقد تقدم في حديث المجن ورداء صفوان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع ولم ينقل في ذلك تكرير الإقرار وأما الاحتجاج بما روى عن علي عليه السلام كما ذكره المصنف فهو وإن كانت الصيغة مشعرة باشتراط الإقرار مرتين لكنه لا تقوم به حجة إلا عند من يرى حجية قوله كما ذهب إليه بعض الزيدية
قوله : " قل استغفر الله " فيه دليل على مسروعية أمر المحدود بالاستغفار والدعاء له بالتوبة بعد استغفاره
باب حسم يد السارق إذا قطعت واستحباب تعليقها في عنقه
1 - عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بسارق قد سرق شملة فقالوا يا رسول الله إن هذا قد سرق فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أخاله سرق فقال السارق بلى يا رسول الله فقال اذهبوا به فاقطعوه ثم احسمواه ثم أئتوني به فقطع فأتي به فقال تب إلى الله قال قد تبت إلى الله فقال تاب الله عليك "
- رواه الدارقطني
2 - وعن عبد الرحمن بن محيريز قال " سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق اليد في عنق السارق أمن السنة قال أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه "
- رواه الخمسة إلا أحمد وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف
- حديث أبي هريرة أخرجه موصولا أيضا الحاكم والبيهقي وصححه ابن القطان وأخرجه أبو داود في المراسل من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان بدون ذكر أبي هريرة ورجح المرسل ابن خزيمة وابن المديني وغير واحد . وحديث عبد الرحمن بن محيريز قال الترمذي حسن غريب لا تعرفه إلا من حديث عمر ابن علي المقدمي عن الحجاج بن أرطأة وعبد الرحمن بن محيريز هو أخو عبد الله ابن محيريز شامي انتهى
وقال النسائي الحجاج بن أرطأة ضعيف لا يحتج بحديثه قال المنذري وهذا الذي قاله النسائي قاله غير واحد من الأئمة
قوله : " ثم احسموه ظاهره أن الحسم واجب والمراد به الكي بالنار أي يكوى محل القطع لينقطع الدم لأن منافذ الدم تنسد به لأنه ربما أسترسل الدم فيؤذي إلى التلف وذكر في البحر أنه إذا كره السارق الحسم لم يحسم له وجعله مندوبا فقط مع رضاه وفي كل من الطرفين نظر أما الأول فلأن ترك الحسم إذا كان مؤديا إلى التلف وجب علينا عدم الإجابة له إلى ما يؤدي إلى تلفه وأما الثاني فلأن ظاهر الحديث الوجوب لكونه أمر أولا صارف له من معناه الحقيقي ولاسيما مع كونه يؤدي الترك إلى التلف فإنه يصير واجبا من جهة أخرى قال في البحر وثمن الدهن وأجرة القطع من بيت المال ثم من مال السارق فإن اختار أن يقطع نفسه فوجهان قال الأمام يحيى لا يمكن كالقصاص وسائر الحدود وقيل يمكن لحصول الزجر انتهى
قوله : " فعلقت في عنقه " فيه دليل على مشروعية تعليق يد السارق في عنقه لأن في ذلك من الزجر ما لا مزيد عليه فإن السارق ينظر إليها مقطوعة معلقة فيتذكر السبب لذلك وما جرى إليه ذلك الأمر من الخسارة بمفارقة ذلك العضو النفيس وكذلك الغير يحصل له بمشاهدة اليد على تلك الصورة من الإنزجار ما تنقطع به وساوسه الرديئة
وأخرج البيهقي أن عليا رضي الله عنه قطع سارقا فمرو به ويده معلقة في عنقه
باب ما جاء في السارق يوهب السرقة بعد وجوب القطع والشفع فيه
1 - عن عبد الله بن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب "
- رواه النسائي وأبو داود
2 - وعن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود "
- رواه أحمد وأبو داود
3 - وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن " أن الزبير بن العوام لقي رجلا قد أخذ سارقا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفعى له الزبير ليرسله فقال لا حتى أبلغ به السلطان فقال الزبير إذا بلغت به السلطان فلعن الله الشافع والمشفع "
- رواه مالك في الموطأ
4 - وعن عائشة " أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت قالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب فقال يا أيها الناس إن ما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها "
- متفق عليه
- حديث عبد الله بن عمرو أخرجه أيضا الحاكم وصححه وسكت عنه أبو داود وهو من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال في الفتح وسنده إلى عمرو بن شعيب صحيح والواقع فيما وقفنا عليه من نسخ هذا الكتاب عبد الله بن عمر بدون واو ولعله غلط من الناسخ . وحديث عائشة الأول أخرجه أيضا النسائي وابن عدي والعقيلي وقال له طرق وليس فيها شيء يثبت وذكره ابن طاهر في تخريج أحاديث الشهاب من رواية عبد الله بن هرون بن موسى الفروي عن القعني عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أنس وقال الإسناد باطل والحمل فيه على الفروي ورواه الشافعي وابن حبان في صحيحه وابن عدي أيضا والبيهقي من حديث عائشة بلفظ " أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم " ولم يذكر ما بعده قال الشافعي وسمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث ويقول يتجاوز للرجل من ذوي الهيئات عثرته مالم يكن حدا وقال عبد الحق ذكره ابن عدي في باب واصل بن عبد الرحمن الرقاشي ولم يذكر له علة قال الحافظ وواصل هو أبو حرة ضعيف وفي إسنادابن حبان أبو بكر بن نافع وقد نص أبو زرعة على ضعفه في هذا الحديث ( وفي الباب ) عن ابن عمر رواه الشيخ في كتاب الحدود بإسناد ضعيف وعن ابن مسعود رفعه " تجاوزوا عن ذنب السخي فإن الله يأخذ بيده عند عثراته " ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف . وأثر الزبير المذكور أخرجه أيضا الطبراني قال في الفتح وإسناده منقطع مع وقفه وهو عند ابن أبي شيبة بسند حسن عن الزبير
وفي حديث عبد الله بن عمر دليل على مشروعية المعافاة في الحدود قبل الرفع إلى الإمام لا بعده وقد تقدم الكلام على ذلك . وحديث عائشة فيه دليل على أنه يشرع إقالة أرباب الهيئات إن وقعت منهم الزلة نادرا والهيئة صورة الشيء وشكله وحالته ومراده أهل الهيئات الحسنة والعثرات جمع عثرة والمراد بها الزلة كما وقع في الرواية المذكورة قال الشافعي وروي الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة
وقال الماوردي في تفسير العثرات المذكورة وجهان . أحدهما الصغائر . والثاني أول المعصية زل فيها مطيع والمراد بقوله إلا الحدود أي فإنها لا تقال بل تقام على ذي الهيئة وغيره بعدد الرفع إلى الأمام وأما قبله فيستحب الستر مطلقا لما في حديث أبي هريرة عند الترمذي من حديث " ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة " وأخرجه أيضا الحاكم ورواه الترمذي من حديث ابن عمر ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث مسلمة بن مخلد مرفوعا " من ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة " وروى ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعا " من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتى يفضحه في بيته "
قوله : " فلعن الله الشافع والمشفع " فيه التشديد في الشفاعة في الحدود بعد الرفع وقد تقدم الكلام على حديث المخزومية الذي ذكره المصنف
باب في حد القطع وغيره هل يستوفي في دار الحرب أم لا
1 - عن بسر بن أرطأة " أنه وجد رجلا يسرق في الغزو فجلده ولم يقطع يده وقال نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن القطع في الغزو "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي منه مرفوع
2 - وعن عبادة بن الصامت " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال جاهدوا الناس في الله القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم واقيموا حدود الله في الحضر والسفر "
- رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه
- حديث بسر بن أرطأة سكت عنه أبو داود وقال الترمذي غريب ورجال إسناده عند أبي داود ثقات إلى بسر وفي إسناد الترمذي ابن لهيعة وفي إسناد النسائي بقية بن الوليد واختلف في صحبة بسر المذكور وهو بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبعدها راء قرشي عامري كنيته أبو عبد الرحمن فقيل له صحبة وقيل لا صحبة له وإن مولده بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وله أخبار مشهورة وكان يحيى بن معين لا يحسن الثناء عليه
قال المنذري وهذا يدل أنه عنده لا صحبة له ونقل في الخلاصة عن ابن معين أنه قال لا صحبة له وأنه رجل سوء ولى اليمن وله بها آثار قبيحة انتهى . ونقل عبد الغني أن حديثه في الدعاء فيه التصريح بسماعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد غمزه الدارقطني ولا يرتاب منصف أن الرجل ليس بأهل للرواية وقد فعل في الإسلام أفاعيل لا تصدرعمن في قلبه مثقال حبة من إيمان كما تضمنت ذلك كتب التاريخ المعتبرة فثبوت صحبته لا يرفع القدح عنه على ما هو المذهب الراجح بل هو إجماع لا يختلف فيه أهل العلم العلم كما حققنا ذلك في غير هذا الموضع وحققه العلامة محمد بن إبراهيم الوزير في تنقيحه ولكن إذا كان المناط في قبول الرواية هو تحري الصدق وعدم الكذب فلا ملازمة بين القدح في العدالة وعدم قبول الرواية وهذا يتمشى على قول من قال أن الكفر والفسق مظنة تهمة لا من قال أنهما سلب أهلية على ما تقرر في الأصول . وحديث عبادة بن الصامت أخرج أوله الطبراني في الأوسط والكبير قال في مجمع الزوائد وأسانيد أحمد وغيره ثقات يشهد لصحته عمومات الكتاب والسنة وإطلاقتهما لعدم الفرق فيها بين القريب والبعيد والمقيم والمسافر ولا معارضة بين الحديثين لأن حديث بسر أخص مطلقا من حديث عبادة فيبني العام على الخاص وبيانه أن السفر المذكور في حديث عبادة أعم مطلقا من الغزو المذكور في حديث بسر لأنه المسافر قد يكون غازيا وقد لا يكون وأيضا حديث بسر في حد السرقة وحديث عبادة في عموم الحد : وقوله " فجلده " فيه إجمال لعدم ذكر عدد الجلد والظاهر أن أمر ذلك إلى الإمام كسائر التعزيرات
كتاب حد شارب الخمر
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين قال وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه
2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين "
- متفق عليه
3 - وعن عقبة بن الحرث " قال جيء بالنعمان أو ابن النعمان شاربا فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان في البيت أن يضربوه فكنت فيمن ضربه فضربناه بالنعال والجريد "
4 - وعن السائب بن يزيد قال " كنا نؤتي بالشارب في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي امرأة أبي بكر وصدرا من امرأة عمر فنقوم إليه نضربه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان صدرا من امرأة عمر فجلد فيها أربعين حتى إذا عتوا فيها وفسقوا جلد ثمانين "
- رواهما أحمد والبخاري
5 - وعن أبي هريرة قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل قد شرب فقال إضربوه فقال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله قال لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود
6 - وعن حضين بن المنذر قال " شهدت عثمان بن عفان أتى بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد آخر أنه رآه يتقيؤها فقال عثمان أنه يتقيأها حتى شربها فقال يا علي قم فاجلده فقال علي قي يا حسن فاجلده فقال الحسن ول حارها من تولى قارها فكأنه وجد عليه فقال يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أمسك ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي "
- رواه مسلم وفيه من الفقه أن للوكيل أن يوكل وأن الشهادتين على شيئين إذا آل معناهما إلى شيء واحد جمعتا جائزة كالشهادة على البيع والإقرار به أو على القتل والإقرار به
- قوله " قد شرب الخمر " أعلم أن الخمر يطلق على عصير العنب المشتد إطلاقا حقيقا اجماعا واختلفوا هل يطلق على غيره حقيقة أو مجازا وعلى الثاني هل مجاز لغة كما جزم به صاحب المحكم
قال صاحب الهداية من الحنفية الخمر عندنا ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم انتهى . أو من باب القياس على الخمر الحقيقية عند من يثبت التسمية بالقياس وقد صرح في الراغب أن الخمر عند البعض اسم لكل مسكر وعند بعض للمتخذ من العنب والتمر وعند بعضهم لغير المطبوخ رجح أن كل شيء بستر العقل يسمى خمرا لأنها سميت بذلك لمخامرتها للعقل وسترها له وكذا قال جماعة من أهل اللغة منهم الجوهري وأبو نصر القشيري والدينوري وصاحب القاموس ويؤيد ذلك أنها حرمت بالمدينة وما كان شرابهم يؤمئذ إلا نبيذ البسر والتمر ويؤيده أيضا أن الخمر في الأصل الستر ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها والتغطية و منه خمروا آنيتكم أي غطوها والمخالطة ومنه خامره داء أي خالطه والإدراك ومنه اختمر العجين أي بلغ وقت ادراكه قال ابن عبد البر الأوجه كلها موجودة في الخمر لأنها تركت حتى أدركت وسكنت فإذا شربت خالطت العقل حتى تغلب عليه وتغطيه ونقل عن الأعرابي أنه قال سميت الخمر خمرا لأنها تركت حتى اختمرت واختمارها تغير رائحتها قال الخطابي زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب فيقال لهم إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرا عزب فصحاء فلو لم يكن هذا الاسم صحيحا لما أطلقوه انتهى . ويجاب بإمكان أن يكون ذلك الإطلاق الواقع منهم شرعيا لا لغويا وأما الاستدلال على اختصاص الخمر بعصير العنب بقوله تعالى { إني أراني أعصر خمرا } ففاسد لأن الصيغة لا دليل فيها على الحصر المدعي وذكر شيء بحكم لا ينفي ما عداه وقد روى ابن عبد البر عن أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث كلهم أن كل مسكر خمر
وقال القرطبي الأحاديث الواردة عن أنس وعيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر وهو قول مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر بالاجتناب تحريم كل ما يسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين اما يتخذ من غيره بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه ولم يتوفقوا ولم يستفصلوا ولم يشكل عليهم شيء من ذلك بل بادرو إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن فلو كان عندهم تردد لتوقفوا عن الأراقة حتى يستفصلوا ويتحقق التحريم وقد أخرج أحمد في مسنده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من الحنطة خمر ومن الشعير خمر ومن التمر خمر ومن الزبيب خمر ومن العسل خمر
وروي ايضا أنه خطب عمر عبى المنبر وقال إلا أن الخمر قد حرمت وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل . وهو في الصحيحين وغيرهما وهو من أهل اللغة وتعقب بأن ذلك يمكن أن يكون إطلاقا للأسم
الشرعي لا اللغوي فيكون حقيقة شرعية قال ابن المنذر القائل بأن الخمر من العنب وغيره عمر وعلي وسعد وابن عمر وأبو موسى وأبو هريرة وابن عباس وائشة ومن غيرهم ابن المسيب والشافعي وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث وحكاه في البحر عن الجماعة المذكورين من الصحابة إلا أبا موسى وعائشة وعن المذكورين من غيرهم إلا ابن المسيب وزاد العترة ومالكا والأوزاعي وقال أنه يكفر مستحل خمر الشجرتين ويفسق مستحل ما عداهما ولا يكفر لهذا الخلاف ثم قال فرع وتحريم سائر المسكرات بالسنة والقياس فقط إذ لا يسمى خمرا إلا مجازا وقيل بهما وبالقرآن لتسميتها خمرا في حديث " أن من التمر خمرا " الخبر وقول أبي موسى وابن عمر الخمر ما خامر العقل قلنا مجاز انتهى
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أحاديث منها ما هو بلفظ كل مسكر خمر كل مسكر حرام ومنها ما هو بلفظ " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " ومنها ما هو بلفظ " كل شراب أسكر فهو حرام " وهذا لا يفيد المطلوب وهو كونها حقيقة في غير عصير العنب أو مجازا لأن هذه الأحاديث غاية ما يثبت بها أن المسكر على عمومه يقال له خمر ويحكم بتحريمه وهذه حقيقة شرعية لا لغوية وقد صرح الخطابي بمثل هذا وقال إن مسمى الخمر كان مجهولا عند المخاطبين حتى بينه الشارع بأنه ما أسكر فصار ذلك كلفظ الصلاة والزكاة وغيرهما من الحقائق الشرعية وقد عرفت ما سلف عن أهل اللغة من الخلاف
قوله : " فجلد بجريدتين نحو أربعين " الجريد سعف النخل وفي ذلك لدليل على مشروعية أن يكون الجلد بالجريد وإليه ذهب بعض الشافعية وقد صرح القاضي أبو الطيب ومن تبعه بأنه لا يجوز بالسوط وصرح القاضي حسين بتعين السوط واحتج بأنه إجماع الصحابة وخالفه النووي في شرح مسلم فقال أجمعوا على على الاكتفاء بالجريد والنعال واطراف الثياب ثم قال والأصح جوازه بالسوط وحكى الحافظ عن بعض المتأخرين أنه يتعين السوط للمتمردين وأطراف الثياب والنعال للضعفاء وم ؟ ؟ عداهم بحسب ما يليق بهم وهذه الرواية مصرحة بأن الأربعين كانت بجريدتين وفي رواية للنسائي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضربه بالنعال نحوا من أربعين
وفي رواية لأحمد والبيهقي فأمر نحوا من عشرين رجلا فجلده كل واحد جلدتين بالجريد والنعال فيجمع بأن جملة الضربات كانت نحو أربعين إلا أن كل جلدة بجريدتين وهذا الجمع باعتبار مجرد الضرب بالجريد وهو مبين لما أجمل في الرواية المذكورة في حديث أنس بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال " وكذلك ما في سائر الروايات المجملة ولكن الجمع بين الضرب بالجريد والنعال في روايات الباب يدل على أن الضرب بهما غير مقدر بحد لأنها إذا كانت الضربات بالجريد مقدرة بذلك المقدار فلم يأت ما يدل على تقدير الضربات بالنعال إلا رواية النسائي المتقدمة فإنها مصرحة أن الضرب كان بالنعال فقط نحوا من أربعين وورد أيضا الضرب بالأردية كما في رواية السائب بن يزيد المذكورة وفي حديث علي المذكور في جلد الوليد تصريح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد أربعين وهو يخالف ما سيأتي من حديثه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يسن في ذلك سنة ويمكن الجمع بأن المراد بالسنة المذكورة في الحديث الآتي هي الطريقة المستمرة وفعل الأربعين في مرة واحدة لا يستلزم أن يكون ذلك سنة مع عدم الاستمرار كما في سائر الروايات وقيل تحمل رواية الأربعين على التقريب دون التحديد ويمكن الجمع أيضا بما سيأتي أن جلد الوليد بسوط له طرفان فكان الضرب باعتبار المجموع أربعين وبالنظر إلى الحاصل من كل واحد من الطرفين ثمانين وقد ضعف الطحاوي هذه الرواية التي فيها التصريح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد أربعين لعبد الله بن فيروز أو يجاب بأنه قوى الحديث البخاري كما روى ذلك الترمذي عنه . ووثق عبد الله المذكور أبو زرعة والنسائي وإخراج مسلم له دليل على أنه من المقبولين وقال ابن عبد البر أن هذا الحديث أثبت شيء في هذا الباب واستدل الطحاوي على ضعف الحديث بقوله فيه وكل سنة الخ قال لأن عليا لا يرجح فعل عمر على فعل النبي بناء منه على أن قول علي وهذا أحب إلى أشارة إلى الثمانين التي فعلها عمر وليس الأمر كذلك بل المشار إليه هو الجلد الواقع بين يديه في تلك الحال وهو أربعون كما يشعر بذلك الظاهر ولكنه يشكل من وجه آخر وهو أن الكل من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعمر لا يكون سنة بل السنة فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط وقد قيل إن المرأد أن ذلك جائز قد وقع لا محذور فيه
ويمكن أن يقال إن إطلاق السنة على فعل الخلفاء لا بأئ به لما في حديث العرباض بن سارية عند أهل السنن بلفظ " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين الهادين عضوا عليها بالنواجذ " الحديث يمكن أن يقال المراد بالسنة الطريقة المألوفة وقد ألف الناس ذلك في زمن عمر كما ألفوا الأربعين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزمن أبي بكر
قوله : " أخف الحدود ثمانين " هكذا ثبت بالياء قال ابن دقبق العيد حذف عامل النصب والتقدير اجعله ثمانين وقيل التقدير أجده ثمانين
وقيل التقدير أرى أن نجعله ثمانين
قوله : " النعمان أو ابن النعمان " هكذا في نسخ هذا الكتاب مكبرا وفي صحيح البخاري النعمان أو ابن النعمان بالتصغير
قوله : " وعن حضين " بفتح الحاء المهملة وفتح الضاد المجملة
قوله : " لا تعينوا عليه الشيطان " في ذلك دليل على أنه لا يجوز على من أقيم عليه الحد لما في ذلك من إعانة الشيطان عليه وقد تقدم في حديث جلد الامة النهي للسيد عن التثريب عليها وتقدم أيضا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر السارق بالتوبة فلما تاب قال تاب الله عليك وهكذا ينبغي أن يكون الأمر في سائر المحدودين
قوله : " إنه لم ينقبأها حتى شربها " فيه دليل على أنه يكفي في ثبوت حد الشرب شاهد أن أحدهم يشهد على الشرب والآخر على القيء ووجه الاستدلال بذلك أنه وقع بمجمع من الصحابة ولم ينكر وإليه ذهب مالك والناصر والقاسمية . وذهبت الشافعية والحنفية إلى أنه لا يكفي ذلك للاحتمال لا مكان أن يكون المتقيء لها مكرها على شربها أو نحو ذلك
قوله : " ول حارها " بحاء مهملة وبعد الألف راء مشددة قال في القاموس والحار من العمل شاقه وشديده اه وقارها بالقاف وبعد الألف راء مشددة أي ما لا مشقة فيه من الأعمال والمراد ول الأعمال الشاقة من تولي الأعمال التي لا مشقة فيها أستعار للمشقة الحر ولما لا مشقة فيه البرد
قوله : " جمعتا " بضم الجيم وفتح الميم والعين لفظ تأكيد للشهادتين كما يقال جمع لتأكيد ما فوق الأثنتين وفي بعض النسخ جميعا وهو الصواب ( والأحاديث ) المذكورة في الباب فيها دليل على مشروعية حد الشرب وقد أدعى القاضي عياض الإجماع على ذلك
وقال في البحر مسألة ولا ينقص حده عن الأربعين إجماعا وذكر أن الخلاف إنما هو في الزيادة على الأربعين وحكى ابن المنذر والطبري وغيرهما عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها وإنما فيها التعزير واستدلوا بالأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وآله وسلم وعن الصحابة من الضرب بالجريد والنعال والأردية وبما أخرجه عبد الرزاق عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفرض في الخمر حدا وإنما كان يأمر من حضره أن يضربوه بأيديهم ونعالهم حتى يقول لهم أرفعوا
وأخرج أبو داود والنسائي بسند قوي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوقت في الخمر حدا وبما سيأتي في باب من وجد منه سكر أو ريح وأجيب بأنه قد أنعقد الإجماع الصحابة على جلد الشارب واختلافهم في العدد إنما هو بعد الاتفاق على ثبوت مطلق الجيد وسيأتي في الباب المشار إليه الجواب عن بعض ما تمسكوا به وقد ذهبت العترة ومالك والليث وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في قول له إلى أن حد السكر أن ثمانون جلدة . وذهب أحمد وداود وأبو ثور الشافعي في المشهور عنه إلى أنه أربعون لأنها هي التي كانت في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم وزمن أبي بكر وفعلها علي في زمن عثمان كما سلف واستدل الأولون بأن عمر جلد ثمانين بعد ما استشار الصحابة كما سلف وبما سيأتي عن علي أنه أفتى بأنه يجلد ثمانين وبما في حديث أنس المذكور أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر نحو أربعين بجريدتين ( والحاصل ) أن دعوى إجماع الصحابة غير مسلمة فإن اختلافهم في ذلك قبل إمارة عمر وبعدها وردت به الروايات الصحيحة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاقتصار على مقدار معين بل جلد تارة بالجريد وتارة بالنعال وتارة بهما فقط وتارة بهما مع الثياب وتارة بالأيدي والنعال والمنقول من المقادير في ذلك إنما هو بطريق التخمين ولهذا قال أنس نحو أربعين والجزم المذكور في رواية علي بالأربعين يعارضه ما سيأتي من أنه ليس في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة فالأولى الاقتصار على ماورد في الشارع من الأفعال وتكون جميعها جائزة أفأيها وقع فقد حصل به الجلد المشروع الذي أرشدنا إليه صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل والقول كما في حديث من شرب الخمر فاجلدوه وسيأتي فالجلد المأمور به هو الجلد الذي وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم ومن الصحابة بين يدية ولا دليل يقتضي تحتم مقدار معين لا يجوز غيره ( لا يقال ) الزيادة مقبولة فيتعين المصير إليها وهي رواية الثمانين لأنا نقول هي زيادة شاذة لم يذكرها إلا ابن دحية فإنه قال في كتاب وهج الخمر في تحريم الخمر صح عن عمر أنه قال لقد هممت أن أكتب في المصحف أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر ثمانين وقد قال الحافظ في التلخيص أنه لم يسبق ابن دحية إلى تصحيحه . وحكى ابن الطلاع أن في مصنف عبد الرزاق أنه صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر وورد من طريق لا تصح أنه جلد ثمانين انتهى . وهكذا ما رواه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن أزهر أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بجلد الشارب أربعين فإنه قال ابن أبي حاتم في العلل سأل أبي عنه فقال لم يسمعه الزهري عن عبد الرحمن بل عن عقيل بن خالد عنه ولو صح لكان من جملة الأنواع التي يجوز فعلها لا أنه هو المتعين لمعارضة غيره له على أنه قد رواه الشافعي عن عبد الرحمن المذكور بلفظ " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشارب فقال أضربوه فضربوه بالأيدي والنعال " ومن ذلك حديث أبي سعيد عند الترمذي وقال حسن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين وسيأتي ومما يؤيد ثبوت مقدار معين عنه صلى الله عليه وآله وسلم طلب عمر للمشورة من الصحابة فأشاروا عليه بآرائهم ولو كان قد ثبت تقديره عنه صلى الله عليه وآله وسلم لما جهله جميع أكابر الصحابة
1 - وعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال " ما كنت لاقيم حدا على أحد فيموت واجد في نفسي منه شيئا إلا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يسنه "
- متفق عليه وهو لأبي داود وابن ماجه وقالا فيه لم يسن فيه شيئا إنما قلناه نحن قلت ومعني لم يسنه يعني لم يقدره ويوقته بلفظه ونطقه
2 - وعن أبي سعيد " قال جلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخمر بنعلين أربعين فلما كان زمن عمر جعل بدل كل نعل سوطا "
- رواه أحمد
3 - وعن عبيد الله عدي بن الخيار أنه قال لعثمان " قد أكثر الناس في الوليد فقال سنأخذ منه بالحق إن شاء الله تعالى ثم دعا أمير المؤمنين عليا فأمره أن يجلده فجلده ثمانين "
- مختصرا من البخاري وفي رواية له أربعين ويتوجه الجمع بينهما بما رواه أبو جعفر محمد بن علي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام جلد الوليد بسوط له طرفان رواه الشافعي في مسنده
4 - وعن أبي سعيد قال " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجل نشوان فقال أني لم أشرب خمرا إنما شربت زبيبا وتمرا في دباءة قال فأمر به فنهز بالأيدي وخفق بالنعال ونهى عن الدباء ونهى عن الزبيب والتمر يعني أن يخلطا "
- رواه أحمد
5 - وعن السائب بن يزيد " أن عمر خرج عليهم فقال أني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وأني سائل عما شرب فإن كان مسكرا جلدته فجلده عمر الحد تاما "
- رواه النسائي والدارقطني
6 - وعن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في شرب الخمر قال " أنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة "
- رواه الدارقطني ومالك بمعناه
7 - وعن ابن شهاب أنه سئل عن حد العبد في الخمر فقال " بلغني أن عليه نصف حد الحر وإن عمر وعثمان وعبد الله ابن عمر جلدوا عبيدهم نصف الحد في الخمر "
- رواه مالك في الموطأ
- حديث أبي سعيد الأول أخرجه الترمذي وحسنه قال وفي الباب عن علي وعبد الرحمن بن ازهر وأبي هريرة والسائب وابن عباس وعقبة بن الحرث انتهى . وأثر أبي جعفر محمد بن علي فيه انقطاع . وحديث أبي سعيد الثاني أصله في صحيح مسلم وأخرج الشيخان عن جابر " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا وأن ينبذ الرطب والبسر جميعا " وأخرج نحوه مسلم عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس واتفقا عليه من حديث أبي قتادة بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجمع بين التمر والزهو والتمر والزبيب ولينبذ كل منهما على حدة والنهي عن الانتباه في الدباء " أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لوفد عبد القيس أنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير " المقير " وأخرج نحوه الشيخان من حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس ولهما أيضا عن أنس نهى عن الدباء والمزفت . وللبخاري عن ابن أبي أوفى نهى عن المزفت والحنتم والنقير . ولهما عن علي في النهى عن الدباء والمزفت . لعائشة عند مسلم نهى وفد عبد القيس أن ينتبذوا في الدباء والنقير والمزفب والحنتم انتهى والدباء هو القرع والحنتم الجرار الخضر والنقير هو أصل الجذع ينقر ويتخذ منه الأناء والمزفت هو المطلى بالزفت والمقير هو المطلى بالقار . وأثر عمر رواه النسائي من طريق الحرث ابن مسكين وهو ثقة عن ابن القاسم يعني عبد الرحمن صاحب مالك وهو ثقة أيضا عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد عن عمر والسائب له صحبة . وأثر على الآخر أخرجه أيضا الشافعي وهومن طريق ثور بن زبد الديلى ولكنه منقطع لأن ثورا لم يلحق عمر بلا خلاف ووصله النسائي والحاكم فروياه عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة ولم يذكر ابن عباس وقد أعل هذا بما تقدم في أول الباب ان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر قال في التلخيص ولا يقال يحتمل أن يكون علي وعبد الرحمن أشارا بذلك جميعا لما ثبت في صحيح مسلم عن علي في جلد الوليد بن عقبة أنه جلده أربعين وقال جلد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلى فلو كان هو المشير بالثمانين ما أضافها إلى عمر ولم يعمل لكن يمكن أن يقال أنه قال لعمر باجتهاد ثم تغير اجتهاده ولهذا الأثر طرق منها ما تقدم ومنها ما أخرجه الطبري والطحاوي والبيهقي وفيه أن رجلا من بني كلب يقال له ابن وبرة أخبره أن خالد بن الوليد بعثه إلى عمر وقال له إن الناس قد انهمكوا في الخمر واستخفوا العقوبة فقال عمر " لمن حوله ما ترون فقال على فذكر مثل تقدم " وأخرج نحوه عبد الرزاق عن عكرمة وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال شرب نفرمن أهل الشام الخمر وتأولوا الآية الكريمة فاستتشار فيهم فقلت أرى أن تستتيبهم فإن تابوا ضربتهم ثمانين وإلا ضربت أعناقهم لأنهم استحلوا ما حرم فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين ثمانين . وأثر ابن شهاب فيه انقطاع النانية من حديث الباب بلفظ " قضى أن عقل أهل الكتابين " الخ مقيدة باليهود والنصارى والرواية الأولى منه مطلقة فيحمل المطلق على المقيد ويكون المراد بالحديث دية اليهود والنصارى دون المجوس لانا نقول لا نسلم صلاحية الرواية الثاينة للتقييد ولا للتخصيص لأن ذلك من التنصيص على بعض أفراد المطلق أو العام وما كان كذلك فلا يكون مقيدا لغيره ولا مخصصا له ويوضح ذلك أن غاية ما في قوله عقل أهل الكتابين أن يكون من عداهم بخلافهم لمفهوم اللقب وهو غير معمول به عند الجمهور وهو الحق فلا يصلح لتخصيص قوله صلى الله عليه وآله وسلم " عقل الكافر نصف دية المسلم " ولا لتقييده على فرض الإطلاق ولا سيما مخرج اللفظين واحد والرواي واحد فإن ذلك يفيد أن أحدهما من تصرف الراوي واللازم الأخذ بما هو مشتمل على زيادة فيكون المجوسي داخلا تحت ذلك العموم وكذلك كل من له ذمة من الكفار ولا يخرج عنه إلا من لا ذمة له ولا أمان ولا عهد من المسلمين لأنه مباح الدم ولو فرض عدم دخول المجوسي تحت ذلك اللفظ كان حكمه حكم اليهود والنصارى والجامع الذمة من المسلمين للجميع . ويؤيد ذلك حديث " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "
واحتج القائلون بأن دية الذمي كدية المسلم بعموم قوله تعالى { وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله } قالوا وإطلاق الدية يفيد أنها الدية المعهودة وهي دية المسلم ويجاب عنه أولا بمنع كون المعهود ههنا هو دية المسلم لم لا يجوز أن يكون المراد بالدية الدية المتعارفة بين المسلمين لأهل الذمة والمعاهدين وثانيا بأن هذا الإطلاق مقيد بحديث الباب . واستدلوا ثانيا بما أخرجه الترمذي عن ابن عباس وقال غريب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودى العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري وكان لهما عهد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشعر به عمرو بدية المسلمين . وبما أخرجه البيهقي عن الزهري أنها كانت دية اليهودي والنصراني في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل دية المسلم وفي زمن أبي بكر وعمر وعثمان فلما كان معاوية أعطى أهل المقتول النصف وألقى النصف في بيت المال قال ثم قضى عمر بن عبد العزيز بالنصف وألغى ما كان جعل معاوية . وبما أخرجه أيضا عن عكرمة عن ابن عباس قال " جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية فيه دليل على أنه لا يجوز الجمع بين الزبيب والتمر وجعلهما نبيذا وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى قوله فزعم أنه شرب الطلاء هي الخمرة اللذيذة على ما في القاموس
قوله : " إذا شرب سكر " الخ أعلم أن معنى هذا الأثر لا يتم إلا بعد تسليم إن كل شارب خمر يهذي بما هو افتراء وأن كل مفتر يجلد ثمانين جلدة والكل ممنوع فإن الهذيان إذا كان ملازما للسكر فلا يلازمه الافتراء لأنه نوع خاص من أنواع ما يهذو به الإنسان والجلد إنما يلزم من افترى افتراء خاصا وهو القذف لا كل مفتر وهذا مم لا خلاف فيه فكيف صح مثل هذا القياس فإن قال قائل أنه من باب الإخراج للكلام على الغالب فذلك أيضا ممنوع فإن أنواع الهذيان بالنسبة إلى الافتراء وأنواع الافتراء بالنسبة إلى القذف هي الغالبة بلا ريب وقد تقرر في علم المعاني أن أصل إذا الجزم بوقوع الشرط ومثل هذا الأمر النادر مما يبعد الجزم بوقوعه باعتبار كثرة الأفراد المشاركة له في ذلك الاسم وغلبتها وللقياس شروط مدونة في الأصول لا تنطبق على مثل هذا الكلام ولكن مثل أمير المؤمنين رضي الله عنه ومن بحضرته من الصحابة الأكابر هم أصل الخبرة بالأحكام الشرعية ومداركها
قوله : " بلغني أن عليه نصف حد الحر " قد ذهب إلى التنصيف للعبد في حد الزنا والقذف والشرب الأكثر من أهل العلم وذهب ابن مسعود والليث والزهري وعمر بن عبد العزيز إلى أه يستوي الحر والعبد في ذلك لعموم الأدلة ويجاب بأن القرآن مصرح في حد الزنا بالتنصيف قال الله تعالى { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } ويلحق بالأماء العبيد ويلحق بحد الزنا سائر الحدود وهذا قياس صحيح لا يختلف في صحته من أثبت العمل بالقياس
باب ما ورد في قتل الشارب في الرابعة وبيان نسخه
1 - عن عبد الله بن عمرو قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه قال عبد الله ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم علي أن أقتله "
- رواه أحمد
2 - وعن معاوية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثم إذا شربوا فاجلدوهم ثم إذا شربوا الرابعة فاقتلوهم "
- رواه الخمسة إلا النسائي قال الترمذي إنما كان هذا في أول الأمر ثم نسخ بعد هكذا روى محمد بن إسحاق عن محمد ين المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إن شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد الرابعة فاقتلوه قال ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله "
3 - وعن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه فاتى برجل قد شرب فجلده ثم أتى به فجلده ثم أتى به فجلده ثم أتى به فجلده ورفع القتل وكانت رخصة "
- رواه أبو داود وذكره الترمذي بمعناه
4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن سكر فاجلدوه ثم أن سكر فاجلدوه فأن عاد في الرابعة فاضربوه عنقه "
- رواه الخمسة إلا الترمذي وزاد أحمد قال الزهري " فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسكران في الرابعة فخلى سبيله "
- حديث ابن عمرو أخرجه أيضا الحرث بن أبي أسامة في مسنده من طريق الحسن البصري ورواه من طريقه ابن حزم والحسن لم يسمع من عبد الله بن عمرو فهو منقطع وقد جزم بعدم سماعه منه ابن المديني وغيره ووقع في نسخة من هذا الكتاب عبد الله بن عمر بدون واو والصواب إثباتها . وحديث معاوية قال البخاري هو أصح ما في هذا الباب وأخرجه أيضا الشافعي ولادارمي وابن المنذر وابن حبان وصححه من حديث أبي هريرة وأخرج ابن أبي شيبة من رواية أبي سعيد والمحفوظ أنه عن معاوية وأخرجه أبو داود من رواية ابان العطار وفيه فإن شربوا يعني بعد الرابعة فاقتلوهم . ورواه أيضا أبو داود من حديث ابن عمر قالوا واحسبه قال في الخامسة ثم إن شربها فاقتلوه قال وكذا في حديث غطيف في الخامسة . وحديث جابر أخرجه أيضا النسائي . وحديث قبيصة بن ذؤيب أخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق وعلقه الترمذي
وأخرجه أيضا الخطيب عن ابن إسحاق عن الزهري بن المعتمر ومخول بن راشد فقال لهما كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث وقبيصة بن ذؤيب من أولاد الصحابة ولد عام الفتح وقيل انه ولد أول سنة من الهجرة ولم يذكر له سماع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعده الأئمة من التابعين وذكروا أنه سمع الصحابة قال المنذري وإذا ثبت أن مولده أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد قيل أنه أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو غلام يدعو له وذكر عن الزهري أنه كان إذا ذكر قبيصة بن ذؤيب قال كان من علماء هذه الأمة وأما أبوه ذؤيب بن حلحلة فله صحبة انتهى ورجال الحديث مع إرساله ثقات وأعله الطحاوي بما أخرجه من طريق الوزاعي أن الزهري رواية قال بلغني عن قبيصة ولم يذكر أنه سمع منه وعورض بأنه رواه ابن وهب عن يونس قال أخبرني الزهري أن قبيصة حدثه أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويونس أحفظ لحديث الزهري من الأوزاعي وأخرج عبد الرزاق عن ابن المنكدر مثله
وأما حديث أبي هريرة فقد قدمنا من أخرجه ومن صححه وفي الباب عن الشريد بن أوس الثقفي عند أحمد والأربعة والدارمي والطبري وصححه الحاكم وعن شرحبيل الكندي عند أحمد والطبراني وابن منده ورجاله ثقات وعن أبي الرمداء براء مهملة مفتوحة وميم ساكنة ودال مهملة وبالمد عند الطبراني وابن منده وفي إسناده ابن لهيعة وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بضرب عنقه وأنه ضرب عنقه فأن ثبت هذا كان فيه رد على من يقول إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعمل به ( وقد أختلف العلماء ) هل يقتل الشارب بعد الرابعة أو لا فذهب بعض اهل الظاهر إلى أنه يقتل ونصره ابن حزم واحتج له ودفع دعوى الإجماع على عدم القتل وهذا هو طاهر ما في الباب عن ابن عمرو وذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل الشارب وأن القتل منسوخ قال الشافعي والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره يعني حديث قبيصة ابن ذؤيب ثم ذكر أنه لا خلاف في ذلك بين أهل العلم
وقال الخطابي قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به الفعل وإنما يقصد به الردع والتحذير وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبا ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل انتهى . وحكى المنذري عن بعض أهل العلم أنه قال أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر وأجمعوا على أنه لا يقتل إذا تكرر منه إلا طائفة شاذة قالت يقتل بعد حده أربع مرات للحديث وهو عند الكافة منسوخ انتهى
وقال الترمذي أنه لا يعلم في ذلك اختلافا بين أهل العلم في القديم والحديث وذكر أيضا في آخر كتابه الجامع في العلل أن جميع ما فيه معمول به عند البعض من أهل العلم إلا حديث إذا سكر فاجلدوه المذكور في البابز وحديث الجمع بين الصلاتين وقد احتج من أثبت القتل بأن حديث معاوية المذكور متأخر عن الأحاديث القاضية تعدم القتل لأن مسلام معاوية متأخر وأجيب عن ذلك بأن تأخر اسلام الرواي لا يستلزم تأخر المروى لجواز أن يروى ذلك عن غيره من الصحابة المتقدم اسلامهم على اسلامه وأيضا قد أخرج الخطيب في المتهمات عن ابن إسحاق عن الزهري عن قبيصة أنه قال في حديثه السابق فأتى برجل من الأنصار يقال له نعيمان فضربه أربع مرات فرأى المسلمون أن القتل عد أخر وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن سهل وفيه قال فحدثت به ابن المنكدر فقال قد ترك ذلك وقد أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بابن النعيمان فجلده ثلاثا ثم أني به الرابعة فجلده ولم يزده وقصة النعيمان أو ابن النعيمان كانت بعد الفتح لأن عقبة بن الحرث حضرها فهي إما بالمدينة ومعاوية أسلم قبل الفتح أو في الفتح على الخلاف وحضور عقبة كان بعد الفتح
باب من وجد منه سكر أو ريح خمر ولم يعترف
1 - عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقت في الخمر حدا وقال ابن عباس شرب رجل فسكر فلقي يميل في الفج فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما حاذى بدار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فضحك وقال أفعلها ولم يأمر فيه شيء "
- رواه أحمد وأبو داود وقال هذا مما تفرد به أهل المدينة
2 - وعن علقمة قال " كنت بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال لجل ما هكذا أنزلت فقال عبد الله والله لقرأتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحسنت فبينما هو يكلمه إذ وجد منه ريح الخمر فقال أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب فضربه الحد "
- متفق عليه
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وقوي الحافظ اسناده
قوله : " لم يقت " من التوقيت أي لم يقدره بقدر ولا حده بحد وقد استدل بهذا الحديث من قال إن حد السكر غير واجب وأنه غير مقدر وإنما هو تعزير فقط كما تقدم وأجيب عن هذا بأنه قد وقع الإجماع من الصحابة على وجوبه . وحديث ابن عباس المذكور قد قيل أنه كان قبل أن يشرع الجلد ثم شرع الجلد والأولى أن يقال إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما لم يقم على ذلك الرجل الحد لكونه لم يقر لديه ولا قامت عليه بذلك الشهادة عنده وعلى هذا بوب المصنف فيكون في ذلك دليل على أنه لا يجب على الإمام أن يقيم الحد على شخص بمجرد اخبار الناس له أنه فعل ما يوجبه ولا يلزمه البحث بعد ذلك لما قدمنا من مشروعية الستر وأولوية ما يدرأ الحد على ما يوجبه وأثر ابن مسعود المذكور فيه متمسك لمن يجوز للإمام والحاكم ومن صلح أن يقيم الحدود إذا علم بذلك وإن لم يقع من فاعل ما يوجبها إقرار ولا قامت عليه البينة به وقد خالف في أصل حكم بما علم مطلقا شريح والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي ومالك وأحمد وإسحاق والشافعي في قول يه فقالوا لا يجوز له أن يقضي بما علم مطلقا
وقال الناصر والمؤيد في قول له والشافعي في قول له أيضا أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في كل شيء من غير فرق بين الحد وغيره وذهبت العترة إلى أنه يحكم بعلمه في الأموال دون الحدود إلا في حد القذف فإنه يحكم فيه بعلمه ويدل على ذلك ما أخرجه البخاري تعليقا أن عمر قال لعبد الرحمن لو رأيت رجلا على حد فقال أرى شهاتك شهادة رجل من المسلمين قال أصبت وصله البيهقي ويؤيده حديث " لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها " في قصة الملاعنة وقد تقدم فإن ذلك يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم زناها
باب ما جاء في قدر التعزير والحبس في التهم
1 - عن أبي بردة بن نيار " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى "
- رواه الجماعة إلا النسائي
2 - وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبس رجلا في تهمة ثم خلى عنه "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه
- حديث أبي بردة مع كونه متفقا عليه قد تكلم في اسناده ابن المنذر والأصيلى من جهة الاختلاف فيه وقال البيهقي قد أقام عمرو بن الحرث اسناده فلا يضره تقصير من قصر فيه وقال الغزالي صححه بعض الأئمة وتعقبه الرافعي في التذنيب فقال أراد بقوله بعض الأئمة صاحب التقريب ولكن الحديث أظهر من أن تضاف صحته إلي فرد من الأئمة فقد صححه البخاري ومسلم . وحديث بهز ابن حكيم حسنه الترمذي وقال الحاكم صحيح الاسناد ثم أخرج له شاهدا من حديث أبي هريرة وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبس في تهمة يوما وليلة وقد تقدم الاختلاف في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده
قوله : " لا يجلد " روي بفتح الياء في أوله وكسر اللام وروي أيضا بضم الياء وفتح اللام وروي بصيغة النهى مجزوما وبصيغة النفي مرفوعا
قوله : " فوق عشرة أسواط " في رواية فوق عشرة ضربات
قوله : " إلا في حد " المراد به ما ورد عن الشارع مقدرا بعدد مخصوص كحد الزنا والقذف ونحوهما وقيل المراد بالحد هنا عقوبة المعصية مطلقا لا الأشياء المخصوصة . فإن ذلك التخصيص إنما هو من اصطلاح الفقهاء وعرف الشرع إطلاق الحد على كل عقوبة لمعصية من المعاصي كبيرة أو صغيرة ونسب ابن دقيق العيد هذه المقالة إلى بعض المعاصرين له وإليها ذهب ابن القيم وقال المراد بالنهي المذكور في التأديب للمصالح كتأديب الأب ابنه الصغير واعترض على ذلك بأنه قد ظهر أن الشارع يطلق الحدود على العقوبات المخصوصة ويؤيد ذلك قول عبد الرحمن بن عوف أن أخف الحدود ثمانون كما تقدم في كتاب حد شارب الخمر وقد ذهب إلى العمل بحديث الباب جماعة من أهل العلم منهم الليث وأحمد في المشهور عنه وإسحاق وبعض الشافعية وذهب أبو حنيفة والشافعي وزيد بن علي والمؤيد بالله والإمام يحيى إلى جواز الزيادة على عشرة أسواط ولكن لا يبلغ إلى أدنى الحدود . وذهب الهادي والقاسم والناصر وأبو طالب إلى أنه يكون في كل موجب للتعزير دون حد جنسه وإلى مثل ذلك ذهب الأوزاعي وهو مروي عن محمد بن الحسن الشيباني وقال أبو يوسف إنه ما يراه الحاكم بالغا ما بلغ وقال مالك وابن أبي ليلى أكثره خمسة وسبعون هكذا حكى صاحب البحر والذي حكاه النووي عن مالك وأصحابه وأبي ثور وأبي يوسف ومحمد أنه إلى رأى الإمام بالغا ما بلغ
وقال الرافعي الاظهر أنها تجوز الزيادة على العشرة وإنما المراعى النقصان عن الحد قال وأما الحديث المذكور فمنسوخ على ما ذكره بعضهم واحتج بعمل الصحابة بخلافه من غير انكار انتهى
وقال البيهقي عن الصحابة آثار مختلفة في مقدار التعزير وأحسن ما يصار إليه في هذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ذكر حديث أبي بردة المذكور في الباب
قال الحافظ فتبين بما نقله البيهقي عن الصحابة أن لا اتفاق على عمل في ذلك فكيف يدعى نسخ الحديث الثابت ويصار إلى ما يخالفه من غير برهان وسبق إلى دعوى عمل الصحابة بخلافه الأصيلي وجماعة وعمدتهم كون عمر جلد في الخمر ثمانين وأن الحد الأصلي أربعون والباقية ضربها تعزيرا لكن حديث علي السابق يدل على أن عمر إنما ضرب ثمانين معتقدا أنه الحد وأما النسخ فلا يثبت إلا بدليل وذكر بعض المتأخرين أن الحديث محمول على التأديب الصادر من غير الولاة كالسيد يضرب عبده والزوج يضرب زوجته والأب ولده والحق العمل بما دل عليه الحديث الصحيح المذكور في الباب وليس لمن خالفه متمسك يصلح المعارضة وقد نقل القرطبي عن الجمهور أنهم قالو بما دل عليه وخالفه النووي فنقل عن الجمهور عدم القول به ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل فلا ينبغي لمنصف التعويل على قول أحد عند قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
دعوا كل قول عند قول محمد ... فما آمن في دينه كمخاطر
قوله " في تهمة " بضم التاء وسكون الهاء وقد تفتح في لغة وهي فعلة من الوهم والتاء بدل من الواو واتهمته إذا ظننت فيه ما نسب إليه وفيه دليل على أن الحبس كما يكون حبس ععقوبة يكون حبس استظهار في غير حق بل لينكشف به بعض ما وراءه وقد بوب أبو داودعلى هذا الحديث فقال باب في الحبس في الدين وغيره وذكر معه حديث عمرو بن الشريد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لي الواجد يحل عرضه وعقوبة " وقد تقدم وذكر أيضا حديث الهرماس ابن حبيب عن أبيه عن جده قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغريم لي فقال لي الزمه ثم قال يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك " وأخرجه أيضا ابن ماجه قال في البحر مسألة وندب اتخاذ سجن للتأديب واستيفاء الحقوق لفعل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وعمر وعثمان ولم ينكر وكذلك الدرة والسوط لفعل عمر وعثمان ( فرع ) ويجب حبس من عليه الحق للإيفاء اجماعا أن طلب لحبسه صلى الله عليه وآله وسلم من أعتق شقصا في عبد حتى غرم لشريك قيمته وكذلك التقييد انتهى . الحديث الذي ذكره أخرجه البيهقي وهو منقطع
باب المحاربين وقطاع الطريق
1 - عن قتادة عن أنس " أن ناسا من عكل وعرينة قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتكلموا بالإسلام فاستوخموا المدينة فأمر لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذود وراع وأمرهم أن يخرجوا فليشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستاقوا الذود فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبعث الطلب في آثارهم فأمربهم فسمروا اعينهم وقطعوا أيديهم وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم "
- رواه الجماعة . وزاد البخاري قال قتادة " بلغنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهي عن المثلة " وفي رواية لأحمد والبخاري وأبي داود قال قتادة فحدثني ابن سيرين " إن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود " وللبخاري وأبو داود في هذا الحديث " فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم ثم ألقوا في الحرة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا " وفي رواية النسائي " فقطق أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبهم "
2 - وعن سليمان التيمي عن أنس قال " إنما سمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة "
- رواه مسلم والنسائي والترمذي
3 - وعن أبي الزناد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله في ذلك فأنزل إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا " . الآية '
- رواه أبو داود والنسائي
4 - وعن ابن عباس في قطاع الطريق " إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض "
- رواه الشافعي في مسنده
- حديث أبي الزناد مرسل وقد سكت عنه أبو داود ولم يذكر المنذري له علة غير إرساله ورجال هذا المرسل رجال الصحيح وقد وصله أبو الزناد من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عمر عن عمر كما في سنن أبي داود في الحدود ويؤيده ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس " إن ناسا أغاروا على إبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا فبعث في آثارهم فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم قال فنزلت فيهم آية المحاربة " وعند البخاري وأبي داود عن أبي قلابة أنه قال في العرنيين فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله وهو يشير إلى أنهم سبب الآية
وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عمر أن الآية نزلت في العرنيين وأثر ابن عباس في اسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وهو ضعيف عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس واخرجه البيهقي من طريق محمد بن سعيد العوفي عن آبائه إلى ابن عباس في قوله إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال إذا حارب فقتل فعليه القتل إذا ظهر عليه قبل توبته فإذا حارب وأخذ المال وقتل فعليه الصلب وإن لم يقتل فعليه قطع اليد والرجل من خلاف وإذا حارب وأخاف السبيل فإنما فعليه النفي " ورواه أحمد بن حنبل في تفسيره عن أبي معاوية عن عطية به نحوه
وأخرج أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن ابن عباس أنه قال إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفقوا من الأرض إلى غفور رحيم نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدروا عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال
قوله : " من عكل وعرينة " في رواية للبخاري من عكل أو عرينة بالشك ورواية الكتاب هي الصواب كما قال الحافظ ويؤيدها مارواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس " قال كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل " وزعم الداودي وابن التين أن عرين هم عكل وهو غلط بل هما قبيلتان متغايرتان فعكل من عدنان وعرينة من قحطان . وعكل بضم العين المهملة واسكان الكاف قبيلة من تيم الرباب وعرينة بالعين والراء المهملتين والنون مصغرا حي من قضاعة وحي من بجيلة والمراد هنا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي وكذا رواه الطبري من وجه آخر عن أنس ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط أنهم من بني فزارة وهو غلط لأن بني فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل ولا مع عرينة أصلا وذكر ابن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الآخرة سنة ست وذكر الواقدي أنها كانت في شوال منها وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما
قوله : " فاستوخموا المدينة " في رواية " اجتووا المدينة " قال ابن فارس اجتويت المدينة إذا كرهت المقام فيها وإن كنت في نعمة وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة
وقال القزاز اجتووا أي لم يوافقهم طعامها
وقال ابن العربي الجوى داء يأخذ من الوباء ورواية استوخموا بمعنى هذه الرواية وللبخاري في الطب من رواية ثابت عن أنس " أن ناسا كان بهم سقم قالوا يا رسول الله آونا واطعنمنا فلما صحوا قالوا إن المدينة وخمة " والظاهر أنهم قدموا سقاما فلما صحوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع كما رواه أبو عوانة عن أنس أنه كان بهم هزال شديد وعنده من رواية أبي سعيد مصفرة ألوانهم وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حمي المدينة كما رواه أحمد عن أنس وذكر البخاري في الطب عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا الله أن ينقلها إلى الجحفة "
قوله : " فأمر له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذود وراع " قد تقدم تفسير الذود في الزكاة
وفي رواية للبخاري وغيره فأمرهم بلقاح أي أمره أن يلحقوا بها وفي أخرى له فأمر لهم بلقاح واللقاح بكسر اللام وبعدها قاف وآخره مهملة النوق ذوات الألبان واحدتها لقحة بكسر اللام وإسكان القاف :
قوله " فليشربوا من أبوالها " استدل به من قال بطهارة أبوال الأبل وقاس سائر المأكولا ت عليها وقد تقدم الكلام على ذلك في أوائل الكتاب
قوله : " بناحية الحرة " هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة
قوله : " وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم " اسمه يسار بياء تحتانية ثم مهملة خفيفة كما ذكره الطباني وابن إسحاق في السيرة
وفي لفظ لمسلم أنهم قتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع فقال قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالأبل
قال الحافظ ولم أقف على اسم الراعي الآتي بالخبر والظاهر أنه راعي إبل الصدقة ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبعث الطلب في آثارهم ذكر ابن إسحاق عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث خيلا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري وكرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي وفي رواية للنسائي " فبعث في طلبهم قافة " أي جمع قايف ولمسلم أنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلا وبعث معهم قائفا يقتص آثارهم
وفي مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد وذكر غيره أنه سعد بن زيد الأشهلي والأول أنصاري ويمكن الجمع بأن كل واحد منهما أمير قومه وكرز أمير الجميع
وفي رواية للطبراني وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثه في آثارهم واسناده ضعيف والمعروف أن جريرا تأخر اسلامه عن هذا الوقت بمدة
قوله : " فأمربهم " فيه حذف تقديره فأدركوا فأخذوا فجيء بهم فأمر بهم
وفي رواية للبخاري فلما ارتفع النهار جيء بهم
قوله : " فسمروا أعينهم " بالسين المهملة وتشديد الميم
وفي رواية للبخاري وسمرت أعينهم
وفي رواية لمسلم وسمل أعينهم بتخفيف الميم واللام قال الخطابي السمر لغة في السمل ومخرجها متقارب قال وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا باميال قد أحميت قال والسمل فقء العين بأي شيء كان قال أبو ذؤيب الهذلي
والعين بعدهم كأن حداقها ... سملت بشوك فهي عورا تدمع
وقد وقع التصريح بمعنى السمر في الرواية المذكورة في الباب بلفظ فأمر بمسامير الخ
قوله : " وما حسمهم " أي لم يكوما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركه ينزف
قوله : " يستسقون فما سقوا " في رواية للبخاري " ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا " وفي أخرى له " يعضون الحجارة " وفي أخرى له في الطب قال أنس فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت
وفي رواية لأبي عوانة من هذا الوجه يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة
قوله : " وصلبهم " حكي في الفتح عن الواقدي أنهم صلبوا قال والروايات الصحيحة ترده لكن عند أبي عوانة عن أنس فصلب اثنين وقطع اثنين وسمل اثنين وهذا يدل على أنهم ستة فقط وقد تقدم ما يدل على أنهم سبعة : وفي البخاري في الجهاد عن أنس " أن رهطا من عكل ثمانية " قوله " لأنهم سملوا أعين الرعاة " فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما فعل ذلك بهم اقتصاصا لما فعله بالرعاة وإلى ذلك مال جماعة منهم ابن الجوزي وتعقبه ابن دقيق العيد بأن المثلة وقعت في حقهم من جهات وليس في الحديث إلا السمل فيحتاج إلى ثبوت البقية وقد نقل أهل المغازي أنهم مثلوا بالراعي وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ
قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهى عن المثلة هذا الحديث ينسخ كل مثلة وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ ويجاب عن هذا التعقب بحديث أبي الزناد المذكور فإن معاتبة الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم تدل على أن ذلك الفعل غير جائز ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد في حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الاذن فيه . وقصة العرنيين قبل اسلام أبي هريرة وقد حضر الاذن ثم النهي عنه ويؤيده أيضا ما في الباب عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود وأصرح من الجميع ما في الباب عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك نهى عن المثلة وإلى هذا مال البخاري وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء للإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا وقع منه نهي عن سقيهم انتهى . وتعقب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على ذلك وسكت والسكوت كاف في ثبوت الحكم وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره وبدل عليه أن من معه ماء لطهارته فقط لا يسقي المرتد ويتيمم بل يستعمله ولو مات المرتد عطشا
وقال الخطابي إنما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهم ذلك لأنه أراد بهم الموت بذلك وقيل أن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي البان الأبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم
قوله : وعن ابن عباس في قطاع الطريق أي الحكم فيهم هو المذكور وقد حكى في البحر عن ابن عباس والمؤيد بالله وأبي طالب والحنفية والشافعية أن الآية أعني قوله تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } نزلت في قطاع الطريق المحاربين وعن ابن عمر والهادي أنها نزلت في العرنين ويدل على ذلك حديث أبي الزناد المذكور في الباب وحكى المؤيد بالله وأبو طالب عن قوم إنها نزلت في المشركين ورد ذلك بالإجماع على أنه لا يفعل بالمشركين كذلك ويدفع هذا الرد بما أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن عباس إنها نزلت في المشركين وقد دعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلم التأويل
وقد ذهب أكثر العترة والفقهاء إلى أن المحارب هو من أخاف السبيل في غير المصر لأخذ المال وسواء أخاف المسلمين أو الذميين قال الهادي وأبو حنيفة إن قاطع الطريق في المصر أو القرية ليس محاربا للحوق الغوث بل مختلسا أو منتهبا وفي رواية عن مالك إذا كانوا على ثلاثة أميال من المصر أو القرية فمحاربون لا دون ذلك إذ يلحقه الغوث وفي رواية أخرى عن مالك لا فرق بين المصر وغيره لأن الآية لم تفصل وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد والشافعي والناصر والإمام يحيى وإذا لم يكن قد أحدث المحارب غير الإخافة عزره الإمام فقط قال أبو طالب وأصحاب الشافعي ولا نفي مع التعزير وأثبته المؤيد بالله فإن وقع منه القتل فقط فذهبت العترة والشافعي إلى أنه يقتل فقط . وعن أبي حنيفة ليس بمحارب أن قتل بمثقل فإن قتل وأخذ المال فذهب الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والهادي والمؤيد بالله وأبو طالب إلى أنه يقتل ويصلب ولا قطع لدخوله في القتل
وقال الناصر وأبو العباس بل يخير الإمام بين أن يصلب ويقتل أو يقتل ثم يصلب أو يقطع ثم يقتل أو يقطع ويقتل ويصلب لأن أو للتخيير وقال مالك إذا شهروا السلاح وأخافوا لزمهم ما في الآية
وقال الحسن البصري وابن المسيب ومجاهد إذا أخافوا خير الإمام بين أن يقتل فقط أو يقتل ويصلب أو يقطع الرجل واليد فقط أو يحبس فقط لأجل التخيير
وقال أبو الطيب بن سلمة من الشافعية وحصله صاحب الوافي للهادي أنهم إذا أخذوا المال وقتلوا قطعوا للمال ثم قتلوا للقتل ثم صلبوا للجمع بين الأخذ والقتل قال أبو حنيفة والهادوية فإن قتل وجرج قتل فقط لدخول الجرح في القتل وقال الشافعي بل يجرح ثم يقتل إذ هما جنايتان والنفي المذكور في الآية هو طرد سنة عند الهادي والشافعي وأحمد والمؤيد بالله وأبي طالب وقال الناصر وأبو حنيفة وأصحابه بل الحبس فقط إذا القصد دفع أذاء وإذا كان المحاربون جماعة واختلفت جناياتهم فذهبت العترة والشافعي إلى أنه يحد كل واحد منهم بقدر جنايته
وقال أبو حنيفة بل يستوون إذ المعين كالقاتل واختلفوا هل يقدم الصلب على القتل أو العكس فذهب الشافعي والناصر والإمام يحيى إلى أنه يقدم الصلب على القتل إذ المعنى يقتلون بالسيف أو بالصلب
وقال الهادي وأبو حنيفة وهو مروي عن الشافعي رحمه الله أنه لا صلب قبل القتل لأنه مثلة وجعل الهادي أو بمعنى الواو ولذلك قال بتقدم القتل على الصلب وقال بعض أصحاب الشافعي يصلب قبل القتل ثلاثا ثم ينزل فيقتل
وقال بعض أصحاب الشافعي أيضا يصلب حتى يموت جوعا وعطشا وقال أبو يوسف والكرخي يصلب قبل القتل ويطعن في لبته وتحت ثديه الأيسر ويخضخض حتى يموت وروى الرازي عن أبي بكر الكرخي أنه لا معنى للصلب بعد القتل واختلفوا في مقدار الصلب فقال الهادي حتى تنتثر عظامه وقال ابن أبي هريرة حتى يسيل صديده
وقال بعض أصحاب الشافعي ثلاثا في البلاد الباردة وفي الحارة ينزل قبل الثلاث وقال الناصر والشافعي ينزل بعد الثلاث ثم يقتل إن لم يمت ويغسل ويصلى عليه إن تاب وقد رجح صاحب البحر أن الآية للتخيير وتكون العقوبة بحسب الجنايات وأن التقدير أن يقتلوا إذا قتلوا ويصلبوا بعد القتل إذا قتلوا وأخذوا المال وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إذا أخذوا فقط أو ينفوا من الأرض إذا أخافوا فقط إذ محاربة الله ورسوله بالفساد في الأرض متنوعة كذلك وهو مثل تفسير ابن عباس المذكور في الباب وقال صاحب المنار أن الآية تحتمل التخيير احتمالا مرجوحا قال والظاهر أن المراد حصر أنواع عقوبة المحاربة مثل ( إنما الصدقات للفقراء ) الآية
قال وهو مثل ما قاله صاحب البحر يعني في كلامه الذي ذكرناه قبل هذا ورجح صاحب ضوء النهار اختصاص أحكام المحارب بالكافر لتتم فوائد وتندفع مفاسد ثم ذكر ذلك وهو كلام رصين لولا أنه قصر للعام على السبب المختلف في كونه هو السبب وللعلماء في تفصيل أحكام المحاربين أقوال منتشرة مبسوطة في كتب الخلاف وقد أوردنا منها في هذا الشرح طرفا مفيدا
_________ -
[ خطأ في الكتاب ( صفحات محذوفة ) ؟ ؟ من الصفحة 338 حتى الصفحة 351 ضمنا ]
_________ -
نحو ما قالوه فيمن سجد للصنم ونحوه ممن لا تصريح فيه بالجحود بعد أن فسروا الكفر بالجحود فإن احتجوا بقيام الإجماع على تكفير فاعل ذلك قلنا وهذه الأخبار الواردة في حق هؤلاء تقتضي كفرهم ولو لم يعتقدوا تزكية من من كفروه علما قطعيا ولا ينجيهم اعتقاد الإسلام اجمالا والعمل بالواجبات عن الحكم بكفرهم كما لا ينجي الساجد للصنم ذلك
قال الحافظ وممن جنح إلى بعض هذا المحب الطبري في تهذيبه فقال بعد إن سرد أحاديث الباب فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالما فإنه مبطل لقوله في الحديث يقولون الحق ويقرؤن القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا لخطأ منهم فيما تأولوه من آى القرآن على غير المراد منه ويؤيد القول بالكفر ما تقدم من الأمر بقتالهم وقتلهم مع ما ثبت من حديث ابن مسعود أنه لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث وفيه التارك لدينه المفارق للجماعة كما تقدم
وقال القرطبي في المفهم يؤيد القول بتكفيرهم ما في الأحاديث من أنهم خرجوا من الإسلام ولم يتعلقوا منه بشيء كما خرج السهم من الرمية لسرعته وقوة رامية بحيث لم يتعلق من الرمية بشءي وقد أشار إلى ذلك بقوله سبق الفرث والدم . وحكي في الفتح عن صاحب الشفاء أنه قال فيه وكذا انقطع بكفر من قال قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة وحكاه صاحب الروضة في كتاب الردة عنه وأقره وذهب أكثر أهل الأصول من أهل الأصول من أهل السنة إلى أن الخوارج فساق وإن حكم الإسلام يجري عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام وإنما فسقوا بتكفير المسلمين مستندين إلى تأويل فاسد وجرهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم والشهادة عليهم بالكفر والشك وقال الخطابي أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالته فرقة من فرق المسلمين وأجازوا مناكحاتهم وأكل ذبائحهم وأنهم لا يكفرون ما داموا متمسكين بأصل الإسلام
وقال عياض كادت هذه المسألة أن تكون أشد اشكالا عند المتكلمين من غيرها حتى سأل الفقيه عبد الحق الإمام أبا المعالي عنها فأعتذر بأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين قال وقد توقف القاضي أبو بكر البلاقاتي قال ولم يصرح القوم بالكفر وإنما قالوا أقوالا تؤدي إلى الكفر وقال الغزالي في كتاب التفرقة من الإيمان والزندقة الذي ينبغي الأحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا فإن استباحة دماء المسلمين المقرين بالتوحيد خطأ والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم واحد قال ابن بطال ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين من جملة المسلمين قال وقد سئل علي عن أهل النهر وإن هل كفروا فقال من الكفر فروا
قال الحافظ وهذا أن ثبت عن على حمل على أنه لم يكن اطلع على معتقدهم الذي أوجب تكفيرهم عند من كفرهم قال القرطبي في المفهم والقول بتكفيرهم أظهر في الحديث قال فعلى القول بتكفيرهم يقاتلون ويقتلون وتغنم أموالهم وهو قول طائفة من أهل الحديث في أموال الخوارج وعلى القول بعدم تكفيرهم يسلك بهم مسلك أهل البغي إذا شقوا العصا ونصبوا الحرب قال وباب التكفير باب خطر ولا نعدل بالسلامة شيئا
6 - وعن مروان بن الحكم قال " صرخ صارخ لعلي يوم الجمل لا يقتلن مدبر ولا يذفف على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن "
- رواه سعيد بن منصور
7 - وعن الزهري قال " هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون فأجمعوا أن لا يقاد أحد ولا يؤخذ مال على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه "
- ذكره أحمد في رواية الأثرم واحتج به
- أثر مروان اخرج نحوه أيضا ابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي من طريق عبد خير عن علي بلفظ " نادى منادي علي يوم الجمل إلا لا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم " وأخرج الحاكم والبيهقي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لابن مسعود يا ابن أم عبد ما حكم من بغى من أمتى قال الله ورسوله أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يقتل أسيرهم وفي لفظ ولا يذفف على جريحهم وزاد ولا يغنم فيئهم سكت عنه الحاكم وقال ابن عدي هذا الحديث غير محفوظ وقال البيهقي ضعيف
قال الحافظ في بلوغ المرام وصححه الحاكم فوهم لان في إسناده كوثر بن حكيم وهو متروك قال وصح عن علي من طرق نحوه موقوفا أخرجه ابن أبي شيبة والحاكم اه وكوثر المذكور قد صرح بتركه البخاري وأخرج البيهقي عن أبي أمامة قال شهدت صفين فكانوا لا يجيزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا وأخرج أيضا عن أبي فاختة أ عليا أتى بأسير يوم صفين فقال لا تقتلني صبرا فقال علي رضي الله عنه لا أقتلك صبرا أني أخاف الله رب العالمين ثم خلى سبيله ثم قال أفيك خير تبايع وأخرج أيضا أن عليا لم يقاتل أهل الجمل حتى دعا الناس ثلاثا حتى إذا كان يوم الثالث دخل عليه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر فقالوا قد أكثروا فينا الجراح فقال ما جهلت من أمرهم شيئا ثم توضأ وصلى ركعتين حتى إذا فرغ رفع يديه ودعا ربه وقال لهم أن ظفرتم على القوم فلا تطلبوا مدبرا ولا تجيزوا على جريح وانظروا إلى ما حضروا به الحرب من آلة فاقبضوه وما سوى ذلك فهو لورثتهم قال البيهقي هذا منقطع والصحيح أنه لم يأخذ شيئا ولم يسلب قتيلا وأخرج أيضا عن علي أنه كان لا يأخذ سلبا وأخرج أيضا عن عرقجة عن أبيه قال لما قتل علي أهل النهر وإن جال في عسكرهم فمن كان يعرف شيئا أخذه حتى بقيت قدر رأيتها أخذت بعد . وأثر الزهري أخرجه أيضا البيهقي بلفظ هاجت الفتنة الأولى فادركت يعني الفتنة رجالا ذوي عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممن شهد معه بدرا وبلغنا أنهم يرون أن هذا أمر الفتنة لا يقام فيها على رجل قاتل في تأويل القرآن قصاص فيمن قتل ولا حد في سباء امرأة سبيت ولا يرى عليها حد ولا بينها وبين زوجها ملاعنة ولا يرى أن يقذفها أحد الاجلد الحد ويرى أن ترد إلى زوجها الأول بعد أن تعتد عدتها من زوجها الآخر ويرى أن يرثها زوجها الأول
قوله : " ولا يذفف " بالذال المعجمة المفتوحة بعده فاء مشددة ثم فاء مخففة على صيغة البناء للمجهول وهو في معنى يجهز قال في القاموس ذف على الجريح ذفا وذفافا ككتاب وذففا محركة أجهز والاسم الذفاف كسحاب قال أيضا في مادة جهاز وجهز على الجريح كمنع وأجهز اثبت قتله وأسرعه وتمم عليه وموت مجهز وجهيز سريع انتهى . في الآثر المذكور دليل على أنه لا يجوز قتل من كان مدبرا من البغاة وكذلك يدل على ذلك الحديث المرفوع الذي ذكرناه وعلى أنه لا يجهز على جريحهم بل يترك على ما هو عليه إلا إذا كان المدبر أو الجريح ممن له فئة جاز قتله عند الهادوية وأبي حنيفة والمروزي من الشافعية
وقال الشافعي لا يجوز إذ القصد دفعهم في تلك الحال وقد وقع وهو الظتاهر من إطلاق النهي في الحديث ولكنه يدل على جواز القتل إذا كان للبغي المذكور فئة قوله تعالى { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله } والهارب والجريح لم يحصل منهما ذلك واجيب بأن المراد بالفيئة إلى الله ترك الصولة والاستطالة وقد حصل ذلك من الهارب الجريح الذي لا يقدر على القتال وأما ما روى عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي أنه قال لا تتبعوا موليا ليس بنحاز إلى فئة فقد أجيب عن الاستدلال بمفهومه على جواز قتل من له فئة واتباعه بأ إمامة علي قطعية وإمامة غيره ظنية فلا يكون الحكم متحدا بل المتوجه الوقوف على ظاهر النهي المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو وإن كان فيه المقال السابق ولكنه يؤيده أن الأصل في دم المسلم تحريم سفكه والآية المذكورة فيها الأذن بالمقاتلة إلى حصول تلك الغاية وربما كان ذلك الهرب من مقدماتها إن لم يكن منها :
قوله " ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن " استدل به علي عدم جواز مقاتلة البغاة إذا كانوا في بيوتهم أو طلبوا منا الأمان لأنهم إذا أغلقوا على أنفسهم فليسوا ببغاة في ذلك الوقت واتصافهم بذلك الوصف شرط جواز مقاتلتهم كما في الآية وإذا طلبوا الأمان فقد فاؤا إلى أمر الله تعالى وهي الغاية التي أذن الله بالقتال إلى حصولها وقد حصلت
قوله : " فاجمعوا على أن لا يقاد أحد " ظاهره وقوع الإجماع منهم على عدم جواز الأقتصاص ممن وقع منه القتل لغيره في الفتنة سواء كان باغيا أو مبغيا عليه وقد ذهبت الشافعية والحنفية والإمام يحيى إلى أنهم لا يضمنون ما أتلفوا أي البغاى وحكى أبو جعفر عن الهادوية أنهم يضمنون
قوله : " لا يؤخذ مال على بأويل القرآن إلا ما وجد بعينه " فيه دليل على أنه لا يجوز أخذ أموال البغاة إلا ما كان منها موجودا عند القتال قال في البحر ولا يجوز سبيهم ولا اغتنام مالم يجلبوا به إجماعا لبقائهم على الملة . وحكي عن أكثر العترة أنه يجوز اغتنام ما اجلبوا به من مال وآلة حرب وحكي عن النفس الزكية والحنفية والشافعية أنه لا يغنم منهم شيء ويدل على ذلك ما تقدم في الحديث المرفوع بلفظ " ولا يغنم منهم " . واعلم أن قتال البغاة جائز إجماعا كما حكي ذلك في البحر ولا يبعد أن يكون واجبا لقوله تعالى { فقاتلوا التي تبغي } وقد حكي في البحر أيضا عن العترة جميعا أن جهادهم أفضل من جهاد الكفار إلى ديارهم إذ فعلهم في دار الإسلام كفعل الفاحشة في المسجد قال في البحر أيضا والبغي فسق إجماعا
باب الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والكف عن إقامة السيف
1 - عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية "
وفي لفظ " من كره من أميره شيئا فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية "
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الأول فالأول ثم أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم "
- متفق عليهن
- قوله " فليصبر " في رواية للبخاري " فليصبر عليه " قوله " من فارق الجماعة شبرا " بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة كناية عن معصية السلطان ومحاربته قال ابن أبي جمرة المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء فكنى عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤل إلى سفك الدماء بغير حق
قوله : " فميتته جاهلية " في رواية للبخاري مات ميتة جاهلية
وفي رواية له أخرى فمات الامات ميتة جاهلية
وفي رواية لمسلم فميتته جاهلية وفي أخرى له من حديث ابن عمر " من خلع يدا من طاعة لقي الله ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " وفي الرواية الأخرى من حديث ابن عباس المذكور " فمات عليه الامات جاهلية " قال الكرماني الأستفهام هنا بمعنى الأستفهام الأنكاري أي مافارق الجماعة أحد إلا جرى له كذا أو حذف ما فهي مقدرة أو إلا زائدة أو عاطفة على رأي الكوفيين والمراد بالميتة الجاهلية وهي بكسر الميم أن يكون حاله في الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك وليس المراد أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وإن لم يكن جاهليا أو إن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير فظاهره غير مراد ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه ما أخرجه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وصححه من حديث الحرث بن الحرث الأشعري من حديث طويل وفيه " من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع رقبة الإسلام من عنقه " وأخرجه البزار والطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس وفي سنده جليدين دعلج وفيه مقال وقال من رأسه يدل من عنقه
قوله : " فواببيعة الأول فالأول " فيه دليل على أنه يجب على الرعية الوفاء ببيعة الإمام الأول ثم الأول ولا يجوز لهم المبايعة للأمام الآخر قبل موت الأول
قوله : " ثم أعطوهم حقهم " أي ادفعوا إلى الأمراء حقهم الذي لهم المطالبة به وقبضه سواء كان يختص بهم أو يعم وذلك من الحقوق الواجبة في المال كالزكاة وفي الأنفس كالخروج إلى الجهاد وظاهر الحديث العموم في المخاطبين ونقل ابن التين عن الداودي أنه خاص بالأنصار وكأنه أخذه من كون المخاطب بذلك الأنصار كما في حديث عبد الله بن زيد ولا يلزم من مخاطبتهم بذلك أن يختص بهم فإنه يختص بهم بالنسبة إلى المهاجرين ويختص ببعض المهاجرين دون بعض فالمستأثر من يلي الأمر ومن عداه هو الذي يستأثر عليه ولما كان الأمر يختص بقريش ولاحظ للأنصار فيه خوطب الأنصار في بعض الأوقات وهو خطاب للجميع بالنسبة إلى من لا يلي الأمر وقد ورد ما يدل على التعميم ففي حديث يزيد بن سلمة الجعفي عند الطبراني أنه قال يا رسول الله إن كان علينا أمراء يأخذونا بالحق ويمنعونا الحق الذي لنا أنقاتلهم قال لا عليهم ماحملوا وعليكم ما حملتم
وأخرج مسلم من حديث أم سلمة مرفوعا " سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وبايع قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا " ونحوه حديث عوف بن مالك الآتي وفي مسند الإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه قال " أتاني جبريل فقال إن أمتك مفتتنة من بعدك فقلت من أين قال من قبل أمرائهم وقرائهم يمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون ويتبع القراء الأمراء فيفتنون قلت فكيف يسلم من سلم منهم قال بالكف والصبر أن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه "
3 - وعن عوف بن مالك الأشجعي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قال قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة إلا من ولى عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة "
4 - وعن حذيفة بن اليمان " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يكون بعدى أئمة لا يهتدون ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس قال قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع "
5 - وعن عرفجة الأشجعي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه "
- رواهن أحمد ومسلم
6 - وعن عبادة بن الصامت قال " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا تنازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان "
- متفق عليه
7 - وعن أبي ذر " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يا أبا ذر كيف بك عند ولاة يستأثرون عليك بهذا الفيء قال والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي وأضرب حتى ألحقك قال أولا أدلك على ما هو خير لك من ذلك تصبر حتى تلحقني "
- رواه أحمد
- حديث أبي ذر في اسناده خالد بن وهبان قال في التقريب مجهول من الثالثة وقال في التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات
وقال أبو حاتم مجهول وفي الباب أحاديث غير هذه بعضها بقدم في باب براءة رب المال بالدفع إلى السلطان الجائر في كتاب الزكاة وبعضها مذكور في غير هذا الكتاب من ذلك حديث ابن عمر عند الحاكم بلفظ " من خرج من الجماعة فقد خلع ربقة الأسلام من عنقه حتى يراجعه ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن ميتته ميتة جاهلية " وقد قدمنا نحوه قريبا عن الحرث بن الحرث الأشعري ورواه الحاكم من حديث معاوية أيضا والبزار من حديث ابن عباس وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية " وأخرج أيضا مسلم نحوه عن ابن عمر وفيه قصة وأخرج الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري لفظ " من حمل علينا السلاح فليس منا " وأخرجاه أيضا من حديث ابن عمر وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وسلمة بن الأكوع وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم من حديث أبي ذر " من فارق الجماعة قدر شبرفقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " وأخرج البخاري من حديث أنس " اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عبد حبشي رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله تعالى " وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني " وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمر " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فأن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " وأخرج الترمذي من حديث ابن عمر " ألا أخبركم بخير أمرائكم وشرراهم خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم وشرار أمراؤكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم " وأخرج الترمذي من حديث أبي بكرة " من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله تعالى " والأحاديث في هذا الباب كثيرة وهذا طرف منها
قوله : " خيار أئمتكم " الخ فيه دليل على مشروعية محبة الأئمة والدعاء لهم وإن من كان من الأئمة محبا للرعية ومحبوبا لديهم وداعيا لهم ومدعوا له منهم فهو من خيار الأئمة ومن كان باغضا لرعيته مبغوضا عندهم يسبهم ويسبونه فهو من شرارهم وذلك لأنه إذا عدل فيهم وأحسن القول لهم أطاعوه وانقادوا له وأثنوا عليه فلما كان هو الذي يتسبب بالعدل وحسن القول إلى المحبة والطاعة والثناء منهم كان من خيار الأئمة ولما كان هو الذي يتسبب أيضا بالجور والشتم للرعية إلى معصيتهم له وسوء القالة منهم فيه كان من شرار الأئمة
قوله " لا ما أقاموا فيكم الصلاة " فيه دليل على أنه لا يجوز منابذة الأئمة بالسيف مهما كانوا مقيمين للصلاة ويدل ذلك بمفهومه على جواز المنابذة تركهم للصلاة . وحديث عبادة بن الصامت المذكور فيه دليل على أنها لا تجوز المنابذة إلا عند ظهور الكفر البواح وهو بموحدة فمهملة
قال الخطابي معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا ادعاه وأظهره قال ويجوز بوحا بسكون الواو ويجوز بضم أوله ثم همزة ممدودة قال ومن رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى . وأصل البراح الأرض القفر التي لا أنيس فيها ولا بناء وقيل البراح البيان يقال برح الخفاء إذا ظهر
قال النووي هي في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء
قال الحافظ ووقع عند الطبراني كفرا صراحا بصاد مهملة مضمومة ثم راء ووقع في رواية إلا أن تكون معصية لله بواحا
وفي رواية لأحمد ما لم يأمرك بائم بواحا وفي رواية له وللطبراني عن عبادة " سيلى أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله " وعند ابن أبي شيبة من حديث عبادة " سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لاؤلئك عليكم طاعة "
قوله : " فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة " فيه دليل على أن من كره بقلبه ما يفعله السلطان من المعاصي كفاه ذلك ولا يجب عليه زيادة عليه
وفي الصحيح " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه " ويمكن حمل حديث لباب وما ورد في معناه على عدم القدرة على التغيير باليد واللسان ويمكن أن يجعل مختصا بالأمراء إذا فعلوا منكرا لما في الأحاديث الصحيحة من تحريم معصيتهم ومنابذتهم فكفى في الإنكار الكراهة بالقلب لأن في إنكار المنكر عليهم باليد واللسان تظهرا بالعصيان وربما كان ذلك وسيلة إلى المنابذة بالسيف قوله " في جثمان أنس " بضم الجيم وسكون المثلثة أي لهم قلوب كقلوب الشياطين وأجسام كأجسام الأنس
قوله : " وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع " فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء وإن بلغوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم فيكون هذا مخصصا لعموم قوله تعالى { من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم } وقوله { وجزاء سيئة سيئة مثلها }
قوله : " وعن عرفجة " بفتح العين المهملة وسكون الراء وفتح الفاء بعدها جيم هو ابن شريح بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها حاء وقيل ابن ضريح بضم الضاد المعجمة وقيل ذريح بفتح الذال المعجمة وكسر الراء وقيل صريح بضم الصاد المهملة وقيل شراحيل وقيل سريج بضم السين المهملة وآخره جيم ويقال له الأشجعي ويقال الكندي ويقال الأسلمي
قوله : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " بفتح العين ورسول فاعله
قوله : " في منشطنا " بفتح الميم والمعجمة وسكون النون التي بينهما أي في حال نشاطنا وحال كراهتنا وعجزنا عن العمل بما نؤمر به ونقل ابن التين عن الداودي أن المراد الأشياء التي يكرهونها
قال ابن التين والظاهر أنه أراد في وقت الكسل والمشقة في الخروج ليطابق معنى منشطنا ويؤيده ما عند أحمد في حديث عبادة بلفظ في النشاط والكسل
قوله " وأثرة علينا " بفتح الهمزة والمثلثة والمراد أن طاعتهم لمن يتولى عليهم لا تتوقف على إيصالهم حقوقهم بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم
قوله : " وأن لا ننازع الأمر أهله " أي الملك والإمارة زاد أحمد في رواية وأن رأيت أن لك في الأمر حقا فلا تعمل بذلك الظن بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليكم بغير خروج عن الطاعة
قوله : " إلا أن تروا كفرا بواحا " قد تقدم ضبطه وتفسيره
قوله : " عندكم فيه من الله برهان " أي نص آية أو خبر صريح لا يحتمل التأويل ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل
قال النووي المراد بالكفر هنا المعصية ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولا يتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم اه قال في الفتح
وقال غيره إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف ومحل ذلك إذا كان قادرا ونقل ابن التين عن الداودي قال الذي عليه العلماء في امراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب وإلا فالواجب الصبر وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء فأن أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه قال ابن بطال إن حديث ابن عباس المذكور في أول الباب حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار قال في الفتح وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وإن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء تسكين الدهماء ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في الحديث اه
وقد استدل القائلون بوجوب الخروج على الظلمة ومنابنتهم السيف ومكافحتهم بالقتال بعمومات من الكتاب والسنة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا شك ولا ريب أن الأحاديث التي ذكرها المصنف في هذا الباب وذكرناها أخص من تلك العمومات مطلقا وهي متواترة المعنى كما يعرف ذلك من له انسة بعلم السنة ولكنه لا ينبغي لمسلم أن يحط على من خرج من السيف الصالح من العترة وغيرهم على أئمة الجور فإنهم فعلوا ذلك باجتهاد منهم وهم أتقى لله وأطوع لسنة رسول الله من جماعة ممن جاء بعدهم من أهل العلم ولقد أفرط بعض أهل العلم كالكرامية ومن وافقهم في الجمود على أحاديث الباب حتى حكموا بأن الحسين السبط رضى الله عنه وأرضاه باغ على الخمير السكير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله فيالله العجب من مقالات تقشعر منها الجلود ويتصدع من سماعها كل جلمود
باب ما جاء في حد الساحر وذم السحر والكهانة
1 - عن جندب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حد الساحر ضربه بالسيف "
- رواه الترمذي الدارقطني وضعف الترمذي إسناده وقال الصحيح عن جندب موقوف
2 - وعن بجالة بن عبدة قال " كنت كاتبا لجزء ابن معاوية عم الأحنف بن قيس فأتى كتاب عمر قبل موته بشهر أن أقتلوا كل ساحر وساحرة وفرقوا بين كل ذي رحم محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة فقتلنا ثلاث سواحر وجعلنا نفرق بين الرجل وحريمه في كتاب الله تعالى "
- رواه أحمد وأبو داود . وللبخاري منه التفريق بين ذوي المحارم
3 - وعن محمد بن عبد الرحمن ابن سعد بن زرارة " أنه بلغه أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتلت جارية لها سحرتها وكانت قد دبرتها فأمرت بها فقتلت "
- رواه مالك في الموطأ عنه
4 - وعن ابن شهاب " أنه سئل علي من سحر من أهل العهد قتل قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه وكان من أهل الكتاب "
- أخرجه البخاري
- حديث جندب في اسناده إسماعيل بن مسلم المكي
قال الترمذي بعد ذكره هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث من قبل حفظه وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال وكيع هو ثقة ويروى عن الحسن أيضا والصحيح عن جندب موقوف قال والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم وهو قول مالك ابن أنس وقال الشافعي إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ الكفر فإذا عمل عملا دون الكفر فلم نر عليه قتلا اه وأخرج هذا الحديث الحاكم والبيهقي . وأثر عمر أخرجه أيضا البيهقي وعبد الرزاق . وأثر حفصة أخرجه أيضا عبد الرزاق وقد استدل بحديث جندب من قال إنه يقتل الساحر قال النووي في شرح مسلم عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع قال وقد يكون كفرا وقد لا يكون كفرا بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر وإلا فلا وأما تعلمه وتعليمه فحرام قال ولا يقتل عندنا يعني الساحر فإن تاب قبلت توبته
وقال مالك الساحر كافر بالسحر ولا يستتاب ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله والمسألة مبنية على الخلاف في قبول توبة الزنديق لأن الساحر عند كافر كما ذكرنا وعندنا ليس بكافر وعتدنا تقبل توبة المنافق والزنديق
قال القاضي عياض وبقول مالك قال أحمد بن حنبل وهو مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين قال أصحابنا إذا قتل الساحر بسحره إنسانا أو أعترف أنه مات بسحره وأنه يقتل غالبا لزمه القصاص وإن مات به ولكنه قد يقتل وقد لا يقتل فلا قصاص وتجب الدية والكفارة وتكون الدية في ماله لا عاقلته لأن العاقلة لا تحمل ما ثبت باعتراف الجاني قال أصحابنا ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة وإنما يتصور باعتراف الساحر والله أعلم اه كلام النووي . وحكي في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه أن السحر كفر وحكي أيضا عن العترة وأكثر الفقهاء أنه لاحقيقة له ولا تأثير لقوله تعالى { وما هم بضارين به من أحد إلا بأذن الله } وعن أبي جعفر الاستر باذى والمغربي من الشافعية أن له حقيقة وتأثيرا إذ قد يقتل السموم وقد يغير العقل وقد يكون بالقول فيفرق بين المرء وزوجه لقوله تعالى { ومن شر النفاثات في العقد } أراد الساحرات فلولا تأثيره لما استعاذ منه وقد يحصل به ابدال الحقائق من الحيوانات قلنا سماه الله خيالا ولاخيال لا حقيقة له فقال يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى قالوا روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سحر حتى كان لا يدري ما يقول قلنا رواية ضعيفة اه كلام البحر . ويجاب عنه بأن الحديث صحيح كما سيأتي ويأتي أيضا أن مذهب جمهور العلماء أن للسحر تأثيرا وهو الحق كما يأتي بيانه انتهى
قوله : " عن الزمزمة " بزايين معجمتين مفتوحتين بينهما ميم ساكنة قال في القاموس الزمزمة الصوت البعيد له دوي وتتابع الرعد وهو أحسنه صوتا واثبته مطرا وتراطن العلوج على أكلهم وهو صموت لا يستعملون لسانا ولا شفة لكنه صوت تديره في خياشيمها وحلوقها فيفهم بعضها عن بعض اه
قوله : " فلم يقتل من صنعه " الخ استدل به من قال إنه لا يقتل الساحر ويجاب عنه بما سيأتي قريبا وأيضا ليس في ذلك دليل لأن غايته جواز الترك لا عدم جواز الفعل فيمكن الجمع على فرض عدم علم التاريخ بأن القتل للساحر جائز لا واجب
5 - وعن عائشة قالت " سحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعا ثم قال أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته قلت وما ذاك يا رسول الله قال جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ثم قال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال مطبوب قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق قال فيماذا قال في مشط ومشاط وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذروان فذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين قلت يا رسول الله أفاخرجته قال لا أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخشيت أن أثور على الناس منه شرا فأمر بها فدفنت "
- متفق عليه
وفي رواية لمسلم " قالت فقلت يا رسول الله أفلا أخرجته قال لا "
- قوله " حتى أنه ليخيل إليه " الخ قال الإمام المازري مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة إثبات السحر وإن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء خلافا لمن أنكر ذلك وأنكر حقيقة وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها وقد ذكره الله تعالى في كتابه وذكر أنه مما يتعلم وذكر ما فيه إشارة إلى أنه يكفر به وأن يفرق بين المرء وزوجه وهذا كله لا يمكن فيما لا حقيقة له وهذا الحديث أيضا مصرح بإثباته وأنه أشياء دفنت وأخرجت وهذا كله يبطل ما قالوه فاحالة كونه من الحقائق محال ولا يستنكر في العقل أن الله سبحانه يخرق العادة عند النطق بكلام أو تركيب أجسام أو المزج بين قوي على ترتيب لا يعرفه إلا الساحر وإذا شاهد الإنسان بعض الأجسام منها قاتلة كالسموم ومنها مسقمة كالأدوية الحادة ومنها مضرة كالأدوية المضادة للمرض لم يستبعد عقله أن ينفرد الساحر بعلم قوي قتالة أو كلام مهلك أو مؤد إلى التفرقة قال وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب آخر فزعم أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع قال وهذا الذي ادعاه هؤلاء المبتدعة باطل لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ والمعجزة شاهدة بذلك وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ولا كان مفضلا من أجلها وهو مما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطيء وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام فلا يبعد تخيله ولا حقيقة له وقيل أنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما تخيله فتكون اعتقاداته على السداد
قال القاضي عياض وقد جاءت روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده ويكون معنى قوله حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهم ويروى أنه يخيل إليه أي يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنا منهم أخذه السحر فلم يأتهن ولم يتمكن من ذلك وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه أنه فعل شيئا ولم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لا بخلل تطرق إلى العقل وليس في ذلك ما يدخل لبسا على الرسالة ولا طعنا لأهل الضلالة انتهى
قال المازري واختلف الناس في القدر الذي يقع به السحر وهم فيه اضطراب فقال بعضهم لا يزيد تأثيره على قدر التفرقة بين المرء وزوجه لأن الله تبارك وتعالى إنما ذكر ذلك تعظيما لما يكون عنده وتهويلا له فلو وقع به أعظم منه لذكره لأن المثل لا يضرب عند المبالغة إلا بأعلى أحوال المذكور قال ومذهب الأشعرية أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك قال وهذا هو الصحيح عقلا لأنه لا فاعل إلا الله تبارك وتعالى وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى ولا تفترق الأفعال في ذلك وليس بعضها بأولى من بعض ولو ورد الشرع بقصره على مرتبة لوجب المصير إليه ولكن لا يوجد شرع قاطع يوجب الاقتصار على ما قاله القائل الأول وذكر التفرقة بين الزوجين في الآية ليس بنص في منع الزيادة وإنما النظر في أنه ظاهر أم لا قال فإن قيل إذا جوزت الأشعرية خرق العادة على يد الساحر فيماذا يتميز عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالجواب إن العادة تنخرق على يد النبي والولي والساحر ولكن النبي يتحدى بها الخلق ويستعجزهم عن مثلها ويخبر عن الله تعالى بخرق العادة له لتصديقه فلو كان كاذبا لم تنخرق العادة على يديه والولي والساحر لا يتحديان الخلق ولا يستدلان على نبوة ولو ادعيا شيئا من ذلك لم تنخرق العادة لهما
وأما الفرق بين الولي والساحر فمن وجهين أحدهما وهو المشهور إجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر إلا على فاسق والكرامة لا تظهر على فاسق فإنما تظهر على ولي وبهذا جزم إمام الحرمين وأبو سعيد المتولي وغيرهما والثاني أن السحر قد يكون ناشئا بفعلها وبمزجها ومعاناة وعلاج والكرامة لا تفتقر إلى ذلك وفي كثير من الأوقات يقع مثل ذلك من غير أن يستدعيه أو يشعر به والله أعلم هكذا في شرح مسلم للنووي
قوله : " دعا الله ودعا " في رواية مسلم " دعا الله ثم دعا ثم دعا " وفي ذلك على استحباب الدعاء عند حصول الأمر المكروه وتكريره وحسن الالتجاء إلى الله سبحانه
قوله : " ما وجع الرجل قال مطبوب " بالطاء المهملة وبموحدتين اسم مفعول
قال ابن الأنباري الطب من الأضداد يقال لعلاج الداء طب وللسحر طب وهو من أعظم الأدواء ورجل طبيب أي حاذق سمي طبيبا لحذقه وفطنته
قال النووي كنوا بالطب عن السحر كما كنوا بالسليم عن اللديغ
قوله : " من بني زريق " بتقديم الزاي
قوله : " في مشط ومشاطة المشط بضم الميم والشين وبضم الميم واسكان الشن وبكسر الميم واسكان الشين وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها الشعر والمشاطة بضم الميم وهي الشعر الذي يسقط من الرأس أو اللحية عند تسريحه بالمشط ووقع في رواية للبخاري ومشاقة بالقاف وهي المشاطة وقيل مشاقة الكتان
قوله : " وجف طلعة " بالجيم والفاء وهو وعاء طلع النخل أي الغشاء الذي يكون عليه ويطلق على الذكر والأنثى فلهذا قيده في الحديث
وفي رواية لمسلم وجب طلعة بضم الجيم وبالباء الموحدة
قال النووي هو في أكثر نسخ بلادنا كذلك والطلعة النخلة وهو بإضافة طلعة إلى ذكر
قوله : " في بئر ذروان " وهكذا في معظم نسخ البخاري
وفي جميع روايات مسلم في بئر ذي أروان قال النووي وكلاهما صحيح مشهور قال والذي في مسلم أجود وأصح وأدعى ابن قتيبة أنه الصواب وهو قول الأصمعي وهي بئر بالمدينة في بستان بني زريق
قوله : " نقاعة الحناء " بضم النون من نقاعة وهو الماء الذي تنقع فيه الحناء والحناء ممدود
قوله : " أفأخرجته " في الرواية الثانية " أفلا أخرجته " وفي رواية " أفلا أحرقته " قال النووي كلاهما صحيح وذلك بأن يقال طلبت منه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرجه ثم يحرقه وأخبر أن الله قد عفاه وإنه يخاف من إحراقه وأخرجه واشاعة هذا ضررا وشرا على المسلمين كتذكر السحر أو فعله والحديث فيه أو ايذاء فاعله فيحمله ذلك أو يحمل بعض أهله ومحبيه من المنافقين وغيرهم على سحر الناس وآذاهم وانتصابهم لمنابذة المسلمين بذلك وهذا من باب ترك مصلحة لخوف مفسدة أعظم منها وذلك من أهم قواعد الإسلام وبمثل هذا يجاب عن استدلال من استدل عل عدم جواز قتل الساحر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقتل من سحره فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا ترك اخراج ما سحر فيه من البئر لمخافة الفتنة فبالأولى تركه القتل الساحر فإن الفتنة في ذلك أعظم وأشد
6 - وعن أبي موسى " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن الخمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر "
7 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواهما أحمد ومسلم
8 - وعن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة "
- رواه أحمد ومسلم
- قوله " لا يدخلون الجنة " فيه دليل على أن بعض أهل التوحيدلا يدخلون الجنة وهم من أقدم عل معصي صرح الشارع بأن فاعلها لا يدخل الجنة كهؤلاء الثلاثة ومن قتل نفسه ومن قتل معاهدا وغيرههم من العصاة الفاعلين لمعصية ورد النص بأنها مانعة من دخول الجنة فيكون حديث أبي موسى المذكور وما ورد في معناه مخصصا لعموم الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة
قوله : " من أتى كاهنا " قال القاضي عياض كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب أحدها يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء وهذا القسم بطل من حين بعث الله تعالى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم والثاني أن يخبره بما طرأ أو يكون في أقطار الأرض وما خفي عبه ما قرب أو بعد وهذا لا يبعد وجوده ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما ولا استحالة في ذلك ولا بعد في وجوده لكنهم يصدقون ويكذبون ولانهي عن تصديقهم والسماع منهم عام . الثالث المنجمون وهذا الضرب يخلق الله فيه لبعض الناس قوة ما لكن الكذب فيه أغلب ومن هذا الفن العرافة وصاحبها عراف وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها بها وقد يعتضد بعض هذا الفن ببعض في ذلك كالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة وقد أكذبهم كلهم الشرع ونهى عن تصديقهم واتيانهم
قال الخطابي العراف هو الذي يتعاطى معرفة مكان الضالة ونحوهما قال في النهاية الكاهن يشمل العراف والمنجم
قوله : " فصدقه بما يقول " زاد الطبراني من رواية أنس " ومن أتاه غير مصدق له لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة " وظاهر هذا التصديق شرط في ثبوت كفر من أتى الكاهن والعراف
قوله : " فقد كفر " ظاهره أنه الكفر الحقيقي وقيل هو الكفر المجازي وقيل من اعتقد أن الكاهن والعراف يعرفان الغيب ويطلعان على الأسرار الألهية كان كافرا كفرا حقيقيا كمن اعتقد تأثير الكواكب وإلا فلا
قوله : " لم يقبل الله منه صلاة أربعين ليلة " قال النووي معناه أنه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه ولا يحتاج معها إلى إعادة ونظير هذه الصلاة في الأرض المغصوبة فإنها مجزئة مسقطة للقضاء ولكن لا ثواب فيها كذا جمهور أصحابنا قالوا فصلاة الفرض غيرها من الواجبات إذا أتى بها على وجهها الكامل ترتب عليها عليها شيئان سقوط الفرض عنه وحصول الثواب فإذا أداها في أرض مغصوبة حصل الأول دون الثاني ولا بد من هذا التأويل في هذا الحديث فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى العراف إعادة صلاة أربعين ليلة فوجب تأويله والله أعلم اه
9 - وعن عائشة " قالت سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناس عن الكهانة فقالوا ليسوا بشيء فقالوا يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه يخلطون معها مائة كذبة "
- متفق عليه
10 - وعن عائشة قالت " كان لأبي بكر غلام يأكل من خراجه فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام تدري مما هذا قال وما هو قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه "
- أخرجه البخاري
11 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال اسناده ثقات
قوله : " ليسوا بشيء " معناه بطلان قولهم وأنه لا حقيقة له قال النووي وفيه جواز إطلاق هذا اللفظ على ما كان باطلا انتهى وذلك لأنه لعدم نفقه كالمعدوم الذي لا وجود له
قوله : " تلك الكلمة من الحق يخطفها " بفتح الطاء المهملة على المشهور وبه جاء القرآن وفي لغة قليلة كسرها ومعناه استرقه وأخذه بسرعة
قوله : " فيقرها " بفتح الباء التحتية وصم القاف وتشديد الراء قال أهل اللغة والغريب القر ترديدك الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه تقول قررته فيه أقره قرا
قال الخطابي وغيره معناه أن الجني يقذف الكلمة إلى وليه الكاهن فتسمعها الشياطين
وفي رواية للبخاري يقرها في أذنه كما تقر القارورة
وفي رواية لمسلم فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة بفتح القاف من قر والدجاجة بالدال هي الحيوان المعروف أي صوتها عند مجاوبتها لصواحبها
قال الخطابي وفيه وجه آخر وهو أن تكون الرواية قر الزجاجة بالزاي يدل عليه رواية البخاري المتقدمة بلفظ كما تقر القارورة فإن ذكر القارورة يدل على أن الرواية الزجاجة بالزاي
قال القاضي عياض أما مسلم فلم تختلف الرواية عنه أنها الدجاجة بالدال لكن رواية القارورة تصحح الزجاجة قال القابسي معناه يكون لما يلقيه إلى وليه حس كحس القارورة عند تحريكها على اليد أو على صفا
قوله : " يخلطون " في رواية لمسلم " يقرفون " بالراء قال النووي هذه اللفظة ضبطوها على وجهين أحدهما بالراء والثاني بالذال ووقع في رواية الأوزاعي وابن معقل بالراء باتفاق النسخ ومعناه يخلطون فيه الكذب وهو بمعنى يقذفون وفي رواية يونس يرقون قال القاضي عياض عن شيوخنا بضم الياء وفتح الراء وتشديد القاف قال ورواه بعضهم بفتح الياء واسكان الراء قال في المشارق
قال بعضهم صوابه بفتح الياء واسكان الراء وفتح القاف وكذا ذكره الخطابي قال ومعناه يزيدون يقال وفي فلان إلى الباطل بكسر القاف أي رفعه وأصله من الصعود أي يدعون فيها ما سمعوا قال القاضي عياض وقد تصح الرواية الأولى على تضعيف هذا الفعل وتكثيره
قوله : " فقاء كل شيء في بطنه " فيه متمسك لتحريم ما أخذه الكهان ممن يتكهنون له وإن دفع ذلك بطيبة من نفسه
قوله : " من اقتبس " أي تعلم يقال قبست العلم واعتبسته إذا تعلمته والقبس الشعلة من النار واقتباسها الأخذ منها
قوله : " اقتبس شعبة من السحر " أي قطعة فكما ان تعلم السحر والعمل به حرام فكذا تعلم علم النجوم والكلام فيه حرام . ( 1 ) قال رسلان في شرح السنن
_________ -
( 1 ) اتفق أهل النجوم في أن الخير والشر والإعطاء والمنع وما أشبه ذلك يكون في العالم بالكواكب وبحسب السعود منها والنحوس وعلى حسب كونها من الروح الموافقة والمنافرة لها وعلى حسب نظر بعضها إلى بعض من التسديس والتربيع والتثليث والمقابلة وعلى حسب محاسدة بعضها بعض وعلى حسب كونها في شرفها وهبوطها ووبالها ثم اختلفوا على أي وجه يكون ذلك فزعم قوم منهم أن فعلها بطبائعها وزعم آخرون أن ذلك ليس فعلالها لكنها تدل عليه بطبائعها وزعم آخرون أنها تفعل بالأختيار لا بالطبع إلا أن السعد منها لا يختار إلا الخير والنحس منها لا يختار إلا الشر . ولا شك أن هذا بعينه ليس للاختيار فإن حقيقة القادر المختاد القدرة على فعل أي الضدين شاء وترك أيها شاء . وللإمام أبي القاسم عيسى بن علي رسالة
والمنهى عنه ما يدعيه أهل التنجيم من علم الحوادث والكوائن التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان ويزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها وهذا تعاط لعلم استأثر الله بعلمه قال وأما علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقى فغير داخل فيما نهى عنه ومن المنهى عنه التحدث بمجيء المطر ووقوع الثلج وهبوب الرياح وتغير الأسعار
قوله : " زاد مازاد " أي زاد من علم النجوم كمثل مازاد من السحر والمراد أنه إذا ازداد من علم النجوم فكأنه ازداد من علم السحر
وقد علم أن أصل علم السحر حرام والأزدياد منه أشد تحريما فكذا الأزدياد من علم التنجيم
12 - وعن معاوية بن الحكم السلمي قال " قلت يا رسول الله أنى حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام فإن منا رجالا يأتون الكهان قال فلا تأتيهم قال ومنا رجال يطيرون قال ذلك بشيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم قال قلت ومنا رجال يخطون قال كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك "
- رواه أحمد ومسلم
- هذا الحديث هو طويل حذف المصنف رمنه الله ما لا تعلق له بالمقام وقد تقدم في الصلاة طرف منه وفي العتق طرف آخر
قوله : " فلا تأتيهم " فيه النهي عن إتيان الكهان وقد تقدم الكلام على ذلك
قوله : " يطيرون "
_________
بليغة في الرد عليهم وأبداء تناقضهم كتبها لما بصره الله رشده وأراه ما عليه هؤلاء الضلال الجهال الفها نصيحة لبعض إخوانه
وقد ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه المسمى مفتاح دار السعادة وعلق عليها فراجعها تهتدي والله أعلم
بفتح التحتية في أوله وتشديد الطاء المهملة وأصله يتطيرون أدغمت التاء الفوقية في الطاء والتطير التشؤم وأصله الشيء المكروه من قول أو فعل أو مرئي وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح فينفرون الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم فنفي الشرف ذلك وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير ينفع ولا يضر وقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه ابن ماجه من حديث ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قال الطيرة شرك ثلاث مرات وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل " قال الخطابي قال محمد بن إسماعيل يعني البخاري كان سليمان بن حرب ينكر هذا ويقول هذا الحرف ليس قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكأنه قول ابن مسعود . وحكى الترمذي عن البخاري عن سليمان بن حرب نحو هذا وأن الذي أنكره هو وما منا قال المنذري الصواب ما قاله البخاري وغيره أن قوله وما منا الخ من كلام ابن مسعود
قال الحافظ أبو القاسم الأصبهاني والمنذري وغيرهما في الحديث اضمار أي وما منا إلا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك يعني قلوب أمته وقيل معناه ما منا إلا من يعتريه التطير وتسبق إلى قلبه الكراهية فحذف اختصارا واعتمادا على فهم السامع وهذا هو المعنى ما وقع في حديث الباب قال ذلك بشيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم
قال النووي في شرح معناه أن كراهة ذلك تقع في نفوسكم في العادة ولكن لا تلتفتوا إليه ولا ترجعوا عما كنتم عزمتم عليه قبل هذا انتهى . وإنما جعل الطيرة من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعا أو يدفع عنهم ضررا إذا عملوا بموجبه فكأنهم أشركوا مع الله تعالى ومعنى إذهابه بالتوكل أن ابن آدم إذا تطير وعرض له خاطر من التطير أذهبه الله بالتوكل والتفويض إليه وعدم العمل بما خطر من ذلك فمن توكل سلم ولم يؤاخذه الله بما عرض له من التطير
وأخرج الشيخان وأبو داود من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا عدوى ولاطيرة ولا صفر ولا هامة فقال اعرابي ما بال الأبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها قال فمن أعدى الأول قال معمر قال الزهري فحدثني رجل عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يوردن ممرض على مصح قال فراجعه الرجل فقال أليس قد حدثتنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا عدوى ولا صفر ولا هامة قال لم أحدثكموه " قال الزهري قال أبو سلمة قد حدث به وما سمعت أبا هريرة بشيء حدثنا قط غيره هذا لفظ أبي داود وقد أخرج حديث " لا عدوى " الخ مسلم وأبو داود من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وأخرجه أيضا أبو داود من طريق أبي صالح عن أبي هريرة وأخرج مسلم من طريق جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعدوى ولا طيرة ولاغول " وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح " والفأل الصالح الكلمة الحسنة
وأخرج أبو داود عن رجل عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع كلمة فأعجبته فقال أخذنا فالك من فيك " وأخرج أبو داود عن عروة بن عامر القرشي قال " ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحسنها الفال ولا ترد مسلما فإن رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيآت إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك " قال أبو القاسم الدمشقي ولا صحبة لعروة القرشي تصح . وذكر البخاري وغيره أنه سمع من ابن عباس فعلى هذا يكون حديثه مرسلا وقال النووي في شرح مسلم وقد صح عن عروة بن عامر الصحابي رضي الله عنه ثم ذكر الحديث وقال في آخره رواه أبو داود بإسناد صحيح
وأخرج أبو داود والنسائي عن بريدة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث غلاما سأل عن أسمه فإذا أعجبه اسمه فرح به وروى بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمه رؤى كراهة ذلك في وجهه فإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإن أعجبه اسمها فرح به ورؤى بشر ذلك في وجهه وأن كره اسمها رؤى كراهة ذلك في وجهه " وأخرج أبو داود عن سعد بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول لاهامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار " وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشؤم في الدار والمرأة والفرس " وفي رواية لمسلم " إنما الشؤم في ثلاث المرأة والفرس والدار " وفي رواية له " إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس والمسكن والمرأة " وفي رواية له أيضا " إن كان الشؤم في شيء ففي الربع والخادم والفرس " وأخرج أبو داود وصححه الحكم عن أنس " قال قال رجل يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها عددنا كثير فيها أموالنا فتحولنا إلى دار أخرى فقل فيها عددنا وقلت فيها أموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذروها ذميمة " وأخرج مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد " جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال فقال دعوها فإنها ذميمة " وله شاهد من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد أحد كبار التابعين أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح
قال النووي اختلف العلماء في حديث الشؤم في ثلاث فقال مالك رحمه الله هو على ظاهره وأن الدار قد يجعل الله تبارك وتعالى سكناها سببا للضرر أو الهلاك وكذا اتخاذ المرأة المعينة أو الفرس أو الخادم قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى وقال الخطابي قال كثيرون هو في معنى الأستثناء من الطيرة أي الطيرة منهى عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة
وقال آخرون شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها وقيل حرانها وغلاء ثمنها . وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه وقيل المراد بالشؤم هنا عدم الموافقة
قال القاضي عياض قال بعض العلماء لهذه الفصول السابقة في الأحاديث ثلاثة أقسام . أحدها ما لم يقع الضرر به ولا اطردت به عادة خاصة ولا عامة فهذا لا يلتفت إليه وأنكر الشرع الألتفات إليه وهو الطيرة والثاني ما يقع عنده الضرر عموما لا يخصه ونادرا لا يتكرر كالوباء فلا يقدم عليه ولا يخرج منه والثالث يخص ولا يعم كالدار والفرس والمرأة فهذا يباح الفرار منه اه والراجح ما قاله مالك وهو الذي يدل عليه حديث أنس الذي ذكرنا فيكون حديث الشؤم مخصصا لعموم حديث لا طيرة فهو في قوة لا طيرة إلا في هذه الثلاث وقد تقرر في الأصول أنه يبنى العام على الخاص مع جهل التاريخ وادعى بعضهم أنه إجماع والتاريخ في أحاديث الطيرة والشؤم مجهول وما حكاه القاضي عياض في كلامه السابق أن الوباء لا يخرج منه ولا يقدم عليه فلعله يتمسك بحديث النهي عن الخوارج من الأرض التي ظهر فيها الطاعون والنهي عن دخولها كما في حديث أسامة بن زيد عند البخاري ومسلم ومالك في الموطأ والترمذي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها "
وقد أخرج أبو داود عن يحيى بن عبد الله بن بحير قال " أخبرني من سمع فروة بن مسيك رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أرض عندنا يقال لها أرض ابين هي أرض ريفنا وميرتنا وأنها وبئة أو قال وباؤها شديد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعها عنك فإن من القرف التلف " اه والقرف بفتح القاف والراء بعده فاء وهوملابسة الداء ومقاربة الوباء ومداناة المرضي وكل شيء قاربته فقد قارفته والتلف الهلاك يعني من قارب متلفا يتلف إذا لم يكن هواه تلك الأرض موافقا له فيتركها
قال ابن رسلان وليس هذا من باب العدوى بل هو من باب الطب فأن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان وفساد الهواء من أسرع الأشياء إلى الأسقام قال واعلم أن في المتع من الدخول إلى الأرض الوبئة حكما أحدهما تجنب الأسباب المؤذية والبعد منها . الثاني الأخذ بالعافية التي هي مادة مصالح المعاش والمعاد . الثالث أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد فيكون سببا للتلف . الرابع أن لا يجاور الذين قد مرضوا بذلك فيحصل له بمجاورتهم من جنس أمراضهم والحديث يدل على هذا اه
قال المنذري في مختصر السنن بعد أن ذكر حديث فروة المذكور ما لفظه في إسناده رجل مجهول قال ورواه عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر بن راشد عن يحيى بن عبد الله بن بحير عن فروة وأسقط المجهول وعبد الله بن معاذ وثقه يحيى بن معين وغيره وكان عبد الرزاق يكذبه اه ورجال اساد هذا الحديث ثقات لانه رواه أبو داود عن مخلد بن خالد شيخ مسلم وعباس العنبري شيخ البخاري تعليقا ومسلم قالا حدثنا عبد الرزاق عن معمر وهما من رجال الصحيحين عن يحيى بن عبد الله ابن بحير ذكره ابن حبان في الثقات ومما ينبغي أن يجعل مخصصا لعموم حديث " لا عدوى ولا طيرة " ما أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجه في سننهما من حديث الشريد بن سويد الثقفي قال كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنا قد بايعناك فرجع
وأخرج البخاري في صحيحه تعليقا من حديث سعيد بن مسناء قال " سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعدوى ولا طيرة ولا هام ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد " ومن ذلك حديث " لا يورد ممرض على مصح " الذي قدمناه قال القاضي عياض قد اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة المجذوم فثبت عنه الحديثان المذكوران أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكل مع مجذوم وقال له كل ثقة بالله تبارك وتعالى وتوكلا عليه . وعن عائشة قالت كان لنا مولى مجذوم يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي
قال وقد ذهب عمر وغيره من السلف إلى الأكل معه ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ والصحيح الذي قاله الأكثرون ويتعين المصير إليه أنه لا نسخ بل يجب الجمع بين الحديثين وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الأستحباب والأحتياط وأما الأكل معه ففعله لبيان الجواز والله أعلم كذا في شرح مسلم للنووي . والحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم أكل مع المجذوم أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث يوسف بن محمد عن المفضل بن فضالة وهذا شيخ بصري والمفضل بن فضالة شيخ مصري أوثق من هذا وأشهر
وروى شعبة هذا الحديث عن حبيب بن الشهيد عن أبي بريدة أن عمر أخذ بيد مجذوم وحديث شعبة أشبه عندي وأصح قال الدارقطني تفرد به مفضل بن فضالة البصري أخو مبارك عن حبيب بن الشهيد عنه يعني عن ابن المنكدر
وقال ابن عدي الجرجاني لا أعلم يرويه عن حبيب بن الشهيد غير مفضل بن فضالة وقالوا تفرد بالرواية عنه يونس بن محمد اه . والمفضل بن فضالة البصري كنيته أبو مالك قال يحيى بن معين ليس بذاك
وقال النسائي ليس بالقوى
وقال أبو حاتم يكتب حديثه وذكره ابن حبان في الثقات
قال القاضي عياض قال بعض العلماء في هذا الحديث وما في معناه يعني حديث الفرار من المجذوم دليل على أنه يثبت للمرأة الخيار في فسخ النكاح إذا وجدت زوجها مجذوما أو حدث به جذام
قال النووي واختلف أصحابنا وأصحاب مالك في أن أمته هل لها منع نفسها من استمتاعه إذا أرادها قال القاضي قالوا ويمنع من المسجد والأختلاط بالناس قال وكذلك اختلفوا في أنهم إذا كثروا هل يؤمرون أن يتخذوا لأنفسهم موضعا منفردا خارجا عن الناس ولا يمنعون من التصرف في منافعهم وعليه أكثر الناس أم لا يلزمهم التنحي قال ولم يختلفوا في القليل منهم يعني في أنهم لا يمنعون قال ولا يمنعون من صلاة الجمعة مع الناس ويمنعون من غيرها قال ولو استضر أهل قرية فيهم جذمي بمخالطتهم في الماء فإن قدروا على استنباط ماء بلا ضرر أمروا به وإلا استنبطه لهم الآخرون أو أقاموا من يستقي لهم وإلا فلا يمنعون
قال النووي في شرح مسلم في حديث لا يورد ممرض على مصح قال العلماء الممرض صاحب الأبل المراض والمصح صاحب الأبل الصحاح فمعنى الحديث لا يورد صاحب الأبل المراض ابله على إبل صاحب الأبل الصحاح لأنه ربما أصابها المرض بفعل الله تعالى وقدره الذي أجرى به العادة لا بطبعها فيحصل لصاحبها ضرر بمرضها وربما حصل له ضرر أعظم من ذلك باعتقاد العدوى بطبعها فيكفر والله أعلم انتهى . وأشار إلى نحو هذا الكلام ابن بطال . قيل النهي ليس للعدوى بل للتأذي بالرائحة الكريهة ونحوها حكاه ابن رسلان في شرح السنن وقال ابن الصلاح ووجه الجمع أن هذه الأمراض لا تعدى بطبعها لكن الله سبحانه جعل مخالطة المريض للصحيح سببا لاعدائه مرضه تم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب
قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة والأولى في الجمع أن يقال أن نفيه صلى الله عليه وآله وسلم للعدوى باق على عمومه وقد صح قوله لا يعدى شيء شيئا
قوله : صلى الله عليه وآله وسلم لمن عارضه بأن البعير الأجرب يكون بين الأبل الصحيحة فيخالطها فتجرب حيث رد عليه بقوله فمن أعدى الأول يعني أن الله سبحانه ابتدأ ذلك في الثاني كما ابتدأه في الأول قال وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سد الذرائع لئلا يتفق للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوى المنفية فيظن أن ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحة العدوى فيقع في الحرج فأمر بتجنبه حسما للمادة انتهى . والمناسب للعمل الأصولي في هذه الأحاديث المذكورة في الباب في ثلاث . وحديث فر من المجذوم . وحديث لا يورد ممرض مصح وما في معناها وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في جواب سؤال سميناه اتحاف المهرة بالكلام على حديث لا عدوى ولا طيرة ( 1 )
قوله : " ومنا رجال يخطون " قال ابن عباس في تفسير هذا الخط
_________ -
( 1 ) قال العلامة ابن القيم في حديث فرمن المجذوم وحديث لاعدوى ولاطيرة فالحديثان صحيحان ولا نسخ ولا تعارض بينهما بحمد الله بل كل منهما له وجه
وقد طعن أعداء السنة في أهل الحديث وقالوا يروون الأحاديث التي ينقض بعضها بعضا ثم يصححونها والأحاديث التي تخالف العقل فانتدب أنصار السنة للرد عليهم ونفي التعارض عن الأحاديث الصحيحة
هو الخط الذي يخطه الحازي . والحازي بالحاء المهملة والزاي هو الحزاء وهو الذي ينظر في المغيبات بظنه فيأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلوانا فيقول له أقعد حتى أخط لك وبين يدي الحازي غلام له معه مثل ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط فيها خطوطا كثيرة في أربعة أسطر عجلا ثم يمحو منها على مهل خطين خطين فإن بقي خطان فهو علامة النجح وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة هكذا في شرح السنن لابن رسلان
قال وهذا علم معروف فيه للناس تصانيف كثيرة وهو معمول به إلى الآن ويستخرجون به الضمير
وقال الحربي الخط في الحديث هو أن يخط ثلاثة خطوط ثم يضرب عليهن ويقول يكون كذا وكذا وهو ضرب من الكهانة
قوله : " كان نبي من الأنبياء يخط " قيل هو ادريس عليه السلام حكى في تفسيره أن هذا النبي كان يخط بأصبعه السبابة والوسطى في الرمل ثم يزجر
قوله : " فمن وافق خطه فذاك " بنصب الطاء على المفعولية والفاعل ضمير يعود إلى لفظ من
قال الخطابي هذا يحتمل الزجر عنه إذا كان علما لنبوته وقد انقطعت فنهينا عن التعاطي لذلك قال القاضي عياض الأظهر من اللفظ خلاف هذا
_________ -
وبيان موافقتها للعقل
قال الأمام أبو محمد بن قتيبة في كتابه بأويل مختلف الحديث
قالوا حديثان متناقضان قالوا رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لا عدوى ولاطيرة وأنه قيل له النقبة تضع بمشفر البعير فتجرب لذلك فقال فمن أعدى الأول هذا أو معناه ثم رويتم في خلاف ذلك لا يورد ذو عاهة على مصح . وفر من المجذوم فرارك من الأسد . وأتاه رجل مجذوم ليبايعه بيعة الإسلام فأرسل إليه البيعة وأمره بالإنصراف ولم يأذن له وقال الشؤم في المرأة الدار والدابة وقالوا هذا كله مختلف لا يشبه بعضه بعضا
قال أبو محمد ونحن نقول أنه ليس في هذا اختلاف ولكل واحد معنى في وقت وموضع فإذا وضع موضعه زال الأختلاف والله أعلم
وتصويب خط من يوافق خطه لكن من أين تعلم الموافقة والشرع منع من
ادعاء الغيب جملة وإنما معناه من وافق خطه فذاك الذي تجدون اصابته لا أنه لا يريد إباحة ذلك لفاعله على ما تأوله بعضهم اه . ولو قيل إن قوله فذاك يدل على الجواز لكان جوازه مشروطا بالموافقة ولا طريق إليها مصتلة بذلك النبي فلا يجوز التعاطي
باب قتل من صرح بسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون من عرض
1 - عن الشعبي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه " أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذمتها "
- رواه أبو داود
2 - وعن ابن عباس " إن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتشتمه فأخذ المعول فجعله في بطنها واتكأ عليه فقتلها فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فجمع الناس فقال أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق الأقام فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتدلدل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر ولي منها إبنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المعول فوضعته في بطنها واتكأت عليه حتى قتلتها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألا أشهدوا أن دمها هدر "
- رواه أبو داود والنسائي واحتج به أحمد في رواية أبيه عبد الله
3 - وعن أنس قال " مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال السام عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتدرون ما يقول قال السام عليك قالوا يا رسول الله ألا تقتله قال لا إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم "
- رواه أحمد والبخاري
وقد سبق أن ذا الخويصرة قال يا رسول الله اعدل وأنه منع من قتله
- حديث الشعبي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه سكت عنه أبو داود وقال المنذري ذكر أن الشعبي سمع من أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وقال غيره أنه رآه ورجال إسناد الحديث رجال الصحيح . وحديث ابن عباس سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري
وقال الحافظ في بلوغ المرام أن رواته ثقات . والحديث الذي أشار إليه المصنف أعني قوله قال رسول الله أعدل قد تقدم في باب قتال الخوارج ( وفي الباب ) عن أبي برزة عند أبي داود والنسائي " قال كنت عند أبي بكر فتغيظ علي رجل فاشتد غضبه فقلت اتأذن لي يا خليفة رسول الله أضرب عنقه فأذهبت كلمتي غضبه فقام فدخل فأرسل إلي فقال ما الذي قلت آنفا قلت أئذن لي أضرب عنقه قال أكنت فاعلا لو أمرتك قلت نعم قال لا والله ما كان لبشر بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم " وفي حديث ابن عباس وحديث الشعبي دليل على أنه يقتل من شتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد نقل ابن المنذر الأتفاق على أن من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم صريحا وجب قتله ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء فلو تاب لم يسقط عنه القتل لأن حد قذفه القتل وحد القذف لا يسقط بالتوبة وخالفه القفال فقال كفر بالسب فسقط القتل بالإسلام وقال الصيدلاني يزول القتل ويجب حد القذف
قال الخطابي لا أعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلما وقال ابن بطال اختلف العلماء فيمن سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك يقتل من سبه صلى الله عليه وآله وسلم منهم إلا أن يسلم وأما المسلم فيقتل بغير استتابة ونقل ابن المنذر عن الليث والشافعي واحمد وإسحاق مثله في حق اليهودي ونحوه
وروي عن الأوزاعي ومالك في المسلم أنها ردة بستتاب منها وعن الكوفيين إن كان ذميا عزر وإن كان مسلما فهي ردة وحكى عياض خلافا هل كان ترك من وقع منه ذلك لعدم التصريح أو لمصلحة التأليف ونقل عن بعض المالكية أنه لم يقتل اليهود الذين كانوا يقولون له السام عليك لأنهم لم تقم عليهم البينة بذلك ولا أقروا به فلم يقض فيهم بعلمه أنهم لما لم يظهروه ولووه بألسنتهم ترك قتلهم وقيل أنه لم يحمل ذلك منهم على السب بل على الدعاء بالموت الذي لابد منه ولذلك قال في الرد عليهم أي الموت نازل علينا وعليكم فلا معنى للدعاء به أشار إلى ذلك القاضي عياض وطذا من قال السأم بالهمز بمعنى السآمة هو دعاء بأن يملوا الدين وليس بصريح في السب وعلى القول بوجوب قتل من وقع منه ذلك من ذمي أو معاهد فترك لمصلحة التأليف هل ينتقض بذلك عهده محل تأمل واحتج الطحاوي لأصحابه بحديث أنس المذكور في الباب وأيده بأن هذا الكلام لو صدر من مسلم لكانت ردة وأما صدوره من اليهود فالذي هم عليه من الكفر أشد فلذلك لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعقب بأن دماءهم لم تحقن إلا بالعهد وليس في العهد أنهم يسبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمن سبه منهم تعدى العهد فينتقض فيصير كافرا بلا عهد فيهدر دمه إلا ان يسلم ويؤيده أنه لو كان كل ما يعتقدونه لا يؤاخذون به لكانوا لو قتلوا مسلما لم يقتلوا لأن من معتقدهم حل دماء المسلمين ومع ذلك لو قتل منهم أحد مسلما قتل فإن قيل إنما يقتل بالمسلم قصاصا بدليل أنه يقتل به ولو أسلم ولو سب ثم أسلم لم يقتل قلنا الفرق بينهما أن قتل المسلم يتعلق بحق آدمي فلا يهدر وأما السب فإن وجوب القتل به يرجع إلى حق الدين فيهدمه الإسلام والذي يظهر أن ترك قتل اليهود إنما كان لمصلحة التأليف أو لكونهم لم يعلنوا به أو لهما جميعا وهو أولى كما قال الحافظ
[ الردة ]
أبواب أحكام الردة والإسلام ( 1 )
باب قتل المرتد
بسم الله الرحمن الرحيم
- 1 - عن عكرمة " قال أتى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلهم لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بدل دينه فأقتلوه "
- رواه الجماعة إلا مسلما وليس لابن ماجه فيه سوي " من بدل دينه فأقتلوه " وفي حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له
أذهب إلى اليمن ثم اتبعه معاذ بن جبل فلما قدم عليه ألقى له وسادة وقال أنزل وإذا رجل عنده موثق قال ما هذا قال كان يهوديا فأسلم ثم تهود قال لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله "
_________
( 1 ) أي في بيان الأحاديث التي تستنبط منها أحكام الردة . والردة والارتداد كما قال الراغب الرجوع في الطريق الذي جاء منه لكن الردة تختص بالكفر والارتداد يستعمل فيه وفي عيره اه وقد أورد لكل منهما شاهدا من القرآن فقال قال أن الذي أرتدوا على أدبارهم
وقال يا أيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه وهو الرجوع من الإسلام إلى الكفر وكذلك ومن يرتد منكم عن دينه فيموت وهو كافر
وقال عز و جل فأرتد على آثارهما قصصا . إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى
وقال تعالى ويرد على أعقابنا وقوله تعالى ولا ترتدوا على أدباركم أي إذا تحققتم أمرا وعرفتم خيرا فلا ترجعوا عنه . وقوله عز و جل فلما أن جاء البشير القاه على وجهه فأرتد بصيرا أي عاد إليه البصير والله أعلم
_________
- متفق عليه
وفي رواية لأحمد " قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فأقتلوه " ولأبي داود في هذه القصة " فأتى أبو موسى برجل قد أرتد عن الإسلام فدعاه عشرين ليلة أو قريبا منها فجاء معاذ فدعاه فأبى فضرب عنقه "
2 - وعن محمد بن عبد الله بن عبد القاري قال " قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى فسأله عن الناس فأخبره ثم قال هل من مغربة خبر قال نعم كفر رجل بعد إسلامه قال فما فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه فقال عمر هلا حبستموه ثلاثا وأطعمتوه لك يوم رغيفا و استتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله اللهم لم أحضر ولم أرض إذ بلغني "
- رواه الشافعي
- أثر عمر أخرجه أيضا مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن عبد القاري عن أبيه قال الشافعي من لا يتأنى بالمرتد زعموا أن هذا الأثر عن عمر ليس بمتصل ورواه البيهقي من حديث أنس قال لما نزلنا على تستر فذكر الحديث وفيه فقدمت على عمر رضي الله عنه فقال يا أنس ما فعل الستة الرهط من بكر ابن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام فلحقوا بالمشركين قال يا أمير المؤمنين قتلوا بالمعركة فاسترجع عمر قلت وهل كان سبيلهم إلا القتل قال نعم قال كنت أعرض عليهم الإسلام فإن أبوا أودعتهم السجن ( وفي الباب ) عن جابر " أن امرأة أم رومان " وفي التلخيص أن الصواب أم مروان ارتدت فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت . أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريقين وزاد في أحدهما فأبت أن تسلم فقتلت قال الحافظ وإسنادهما ضعيفان وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن عائشة أن امراة أرتدت يوم أحد فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت . أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريقين وزاد في أحدهما فأبت أن تسلم فقتلت قال الحافظ وإسناده هما ضعيفان وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن عائشة أن امرأة ارتدت يوم أحد فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت
وأخرج أبو الشيخ في كتال الحدود عن جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم استتاب رجلا أربع مرات
وفي إسناده العلاء بن هلال وهو متروك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر . ورواه البيهقي من وجه آخر من حديث عبد الله بن وهب عن الثوري عن رجل عن عبد الله بن عبيد بن عمير مرسلا وسمى الرجل نبهان
وأخرج الدارقطني والبيهقي أن أبا بكر استتاب امرأة يقال لها أم قرفة كفرت بعد اسلامها فلم تتب فقتلها الحافظ وفي السير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتل أم قرفة يوم فريظة وهي غير تلك
وفي الدلائل عن أبي نعيم أن زيد بن ثابت قتل أم قرفة في سريته إلى بني فزازة
قوله : " بزنادقة " بزاي ونون قاف جمع زنديق بكسر أوله وسكون ثانية
قال أبو حاتم السجستاني وغيره الزنديق فارسي معرب أصله زنده كرد أي يقول بدوام الدهر لأن زنده الحياة وكرد العمل ويطلق على من يكون دقيق النظر في الأمور وقال ثعلب ليس في كلام العرب زنديق وإنما يقال زندقي لمن يكون شديد التحيل وإذا أراد وأما العامة قالوا ملحد ودهري بفتح الدال أي يقول بدوام الدهر وإذا قالوها بالضم أرادوا كبر السن وقال الجوهري الزنديق من الثنوية وفسره بعض الشراح بأنه الذي يدعى مع الله إلها آخر وتعقب بأنه يلزم منه أن يطلق على كل مشرك قال الحافظ والتحقيق ما ذكره من صنف في الملل والنحل أن أصل الزندقة اتباع ديصان ثم مانى ثم مزدك الأول بفتح الدال المهملة وسكون التحتية بعدها صاد مهملة والثاني بتشديد النون وقد تخفف والياء خفيفة والثالث بزاي ساكنة ودال مهملة مفتوحة ثم كاف ( وحاصل ) مقالتهم أن النور والظلمة قديمان وأنهما امتزجا فحدث العالم كله منهما فمن كان من أهل الشر فهو من الظلمة ومن كان من أهل الخير فهو من النور وأنه يجب أن يسعى في تخليص النور من الظلمة فيلزم ازهاق كل نفس وكان بهرام جد كسرى تحيل على ماني حتى حضر عنده وأظهر له أنه قبل مقالته ثم قتله وقتل أصحابه وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور وقام الإسلام والزنديق يطلق على من يعتقد ذلك وأظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل فهذا أصل الزندقة
وأطلق جماعة من الشافعية الزندقة على من يظهر الإسلام ويخفي الكفر مطلقا وقال النووي في الروضة الزنديق الذي لا ينتحل دينا
وقد أختلف الناس في الذين وقع لهم مع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ما وقع وسيأتي
قوله : " لنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تعذبوا بعذاب الله " أي لنهيه عن القتل بالنار بقوله لا تعذبوا بعذاب الله وهذا يحتمل أن يكون مما سمعه ابن عباس من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحتمل أن يكون سمعه من بعض الصحابة
وقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة حديثا وفيه " وإن النار لا يعذب بها إلا الله " ذكره البخاري في الجهاد
وأخرج أبو داود من حديث ابن مسعود في قصة بلفظ " وإنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار " قوله " من بدل دينه فأقتلوه " هذا ظاهره العموم في كل من وقع منه التبديل ولكنه عام يخص منهه من بدله في الباطن ولم يثبت عليه ذلك في الظاهر فإنه تجري عليه أحكام الظاهر ويستثنى منه من بدل دينه في الظاهر ولكن مع الإكراه هكذا في الفتح قال فيه واستدل به على قتل المرتد كالمرتد وخصه الحنفية بالذكر وتمسكوا بحديث النهي عن قتل النساء وحمل الجمهور النهي على الكافرة الأصلية إذا لم تباشر القتال لقوله في بعض طرق حديث النهي عن قتل النساء لما رأى امرأة مقتولة ما كانت هذه لتقاتل ثم نهى عن قتل النساء واحتجوا بأن من الشرطية لا تعم المؤنث وتعقب بأن ابن عباس راوي الخبر وقد قال بقتل المرتدة وقتل أبو بكر الصديق في خلافته امرأة أرتدت كما تقدم والصحابة متوافرون فلم ينكر عليه أحد ذلك واستدلوا أيضا بما وقع في حديث معاذ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أرسله إلى اليمن قال له أيما رجل أرتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه وأيما امرأة أرتدت عن الأسلام فادعها فإن عادت وإلا فاضرب عنقها "
قال الحافظ وسنده حسن وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها الزنى والسرقة وشرب الخمر والقذف ومن صور الزنا رجم المحصن حتى يموت فإن ذلك مستثنى من النهي عن قتل النساء فيستثنى قتل المرتدة مثله ( واستدل ) بالحديث بعض الشافعية على أنه يقتل من أنتقل من ملة من ملل الكفر إلى ملة أخرى وأجيب بأن الحديث متروك الظاهر فيمن كان كافرا ثم أسلم اتفاقا مع دخوله في عموم الخبر فيكون المراد من بدل دينه الذي هو دين الإسلام لأن الدين في الحقيقة هو دين الإسلام قال الله تعالى { إن الدين عند الله الإسلام } ويؤيده أن الكفر ملة واحدة فإذا انتقل الكافر من ملة كفرية إلى أخرى مثلها لم يخرج عن دين الكفر ويؤيده أيضا قوله تعالى { ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه }
وقد ورد في بعض طرق الحديث ما يدل على ذلك فأخرج الطبراني من وجه أخر عن ابن عباس رفعه " من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه " واستدل بالحديث المذكور في الباب على أنه يقتل الزنديق من غير استتابة وتعقب بأنه وقع في بعض طرق الحديث أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه كما في الفتح من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال قيل لعلي أن هنا قوما على باب المسجد يزعمون أنك ربهم فدعاهم فقال لهم ويلكم ما تقولون قالوا أنت ربنا وخالقنا ورازقنا قال ويلكم إنما أنا عبد مثلكم أكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون إن أطعت الله أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت أن يعذبني فأتقوا الله وارجعوا فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام فقال أدخلهم فقالوا كذلك فلما كان الثالث قال لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة فأبوا إلا ذلك فأمر علي أن يخدلهم أخدود بين باب المسجد والقصر وأمر بالحطب أن يطرح في الأخدود ويضرم بالنار ثم قال لهم إني طارحكم فيها أو ترجعوا فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم حتى إذا احترقوا قال
أني إذا رأيت أمرا منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا
قال الحافظ إن اسناد هذا صحيح وزعم أبو مظفر الأسفرايني في الملل والنحل إن الذين أحقهم علي رضي الله عنه طائفة من الروافض ادعوا فيه الألهية وهم السبئية وكان كبيرهم عبد الله بن سبا يهوديا ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة وأما ما رواه ابن أبي شيبة أنهم أناس كانوا يعبدون الأصنام في السر فسنده منقطع فإن ثبت حمل على قصة أخرى وقد ذهب الشافعي إلى أنه يستتاب الزنديق كما يستتاب غيره . وعن أحمد وأبي حنيفة روايتان إحداهما لا يستتاب والأخرى أن تكرر منه لم تقبل توبته وهو قول الليث واسحاق . وحكي عن أبي اسحاق المروزي من أئمة الشافعية قال الحافظ ولا يثبت عنه بل قيل أنه تحريف من اسحاق بن راهوية والأول هو المشهور عن المالكية . وحكى عن مالك أنه جاء تائبا قبل وإلا فلا وبه قال أبو يوسف واختاره أبو اسحاق الأسفرايني وأبو منصور البغدادي وعن جماعة من الشافعية أن كان داعية لم يقبل وإلا قبل وحكي في البحر عن العترة وأبي حنيفة والشافعي ومحمد أنها تقبل توبة الزنديق لعموم أن ينتهوا . وعن مالك وأبي يوسف والجصاص لا تقبل إذ يعرف منهم التظهر تقية بخلاف ما ينطقون به قال المهدي فيرتفع الخلاف حينئذ فيرجع إلى القرائن لكن الأقرب العمل بالظاهر وإن التبس الباطن لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لمن يستأذنه في قتل منافق " أليس يشهد أن لا إله إلا الله " الخبر ونحوه اه
قال في الفتح واستدل من منع من قبول توبة الزنديق بقوله تعالى { إلا الذين تابوا واصلحوا " فقال الزنديق لا يطلع على إصلاحه لأن الفساد إنما أتى مما أسره فإذا أطلع عليه وأظهر الإقلاع عنه لم يرد على ما كان عليه ولقوله تعالى { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم } وأجيب بأن المراد من مات منهم على ذلك ما فسره ابن عباس أخرجه عنه ابن أي حاتم وغيره . واستدل لمن قال بالقبول بقوله تعالى { اتخذوا إيمانهم جنة } فدل على أن إظهار الإيمان يحصن من القتل قال الحافظ وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم لا سامة " هلا شققت عن قلبه " وقال للذي ساره في قتل رجل " أليس يصلي قال نعم قال أولئك الذين نهيت عن قتلهم " وقال صلى الله عليه وآله وسلم لخالد لما استأذنه في قتل الذي أنكر القسمة " إني لم أومر بأن أنقب عن قلوب الناس " وهذه الأحاديث في الصحيح والأحاديث في هذا الباب كثيرة
قوله : " ثم أتبعه " بهمزة ثم مثناة ساكنة
قوله : " معاذ بن جبل " بالنصب أي بعثه بعده ظاهره أنه ألحقه به بعد أن توجه ووقع في بعض النسخ وأتبعه بهمزة وصل وتشديد المثناة ومعاذ بالرفع
قوله : " فلما قد عليه " في البخاري في كتاب المغازي أن كلا منهما كان على عمل مستقل وأن كلا منهما كان إذا سار في أرضه بالقرب من صاحبه أحدث به عهدا وفي أخرى له فجعلا يتزاوران
قوله : " وسادة " هي ما تجعل تحت رأس النائم كذا قال النووي قال وكان من عادتهم أن من أرادوا إكرامه وضعوا الوسادة تحته مبالغة في إكرامه
قوله : " وإذا رجل عنده " الخ هي جملة حالية بين الأمر والجواب قال الحافظ ولم أقف على أسمه
قوله : " قضاء الله " خبر مبتدأ محذوف ويجوز النصب
قوله " فضرب عنقه " في رواية للطبراني فأبى بحطب فألهب فيه النار فكتفه وطرحه فيها ويمكن الجمع بأنه ضرب عنقه ثم ألقاه في النار قوله " هل من مغربة خبر " بضم الميم وسكون الغين المعجمة وكسر الراء وفتحها مع الإضافة فيهما معناه هل من خبر جديد من بلاد بعيدة شيوخ الموطأ فتحوا الغين وكسروا الراء وشددوها
قوله : " هلا حبستموه " الخ وكذلك قوله في الحديث الأول فدعاه عشرين ليلة الخ استدل بذلك من أوجب الاستتابة للمرتد قبل قتله وقد قدمنا في أول الباب ما في ذلك من الأدلة قال ابن بطال أختلفوا في استتابة المرتد فقيل يستتاب فإن تاب إلا قتل وهو قول الجمهور وقيل يجب قتله في الحال وإليه ذهب الحسن وطاوس وبه قال أهل الظاهر ونقله ابن المنذر عن معاذ وعبيد بن عمير وعليه يدل تصرف البخاري فإنه استظهر بالآيات التي لا ذكر فيها للاستتابة التي فيها أن التوبة لا تنفع وبعموم قوله " من بدل دينه فأقتلوه وبقصة معاذ المذكور ولم يذكر غير ذلك
قال الطحاوي ذهب هؤلاء إلى أن حكم من أرتد عن الإسلام حكم الحربي الذي بلغته الدعوى فإنه يقاتل من قبل أن يدعى وإنما تشرع الاستتابة لمن خرج عن الإسلام لا عن بصيرة فأما من خرج عن بصيرة فلا ثم نقل عن أبي يوسف موافقتهم لكن إن جاء مبادرا بالتوبة خلي سبيله ووكل أمره إلى الله . وعن ابن عباس إن كان أصله مسلما لم يستتب وإلا استتيب واستدل ابن القصار لقول الجمهور بالإجماع يعني السكوتي لأن عمر كتب في أمر المرتد هلا حبستموه ثلاثة أيام ثم ذكر الأثر المذكور في الباب ثم قال ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة كأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم من بدل دينه فأقتلوه أي إن لم يرجع وقد قال تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } . واختلف القائلون بالاستتابة هل يكتفي بالمرة أم لابد من ثلاث وهل الثلاث في مجلس أو في يوم أو في ثلاثة أيام ونقل ابن بطال عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه يستتاب شهرا وعن النخعي يستتاب أبدا
باب ما يصير به الكافر مسلما
[ ؟ ؟ نقص في الطباعة ؟ ؟ ] الجنة فدخل الكنيسة فإذا يهود وإذا يهودي يقرأ عليهم التوراة فلما أتوا على صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمسكوا وفي ناحيتها رجل مريض فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لكم أمسكتم فقال المريض أنهم أتوا على صفة نبي فامسكوا ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة فقرأ حتى أتى على صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمته فقال هذه صفتك وصفة أمتك أشهد أن لا اله إلا الله وإنك رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه لوا أخاكم "
- رواه أحمد
2 - وعن أبي صخر العقيلي قال " حدثني رجل من الأعراب قال جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فرغت من بيعتي قلت لالقين هذا الرجل لاسمعن منه قال فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه على ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجملهم وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي فقال برأسه هكذا أي لا فقال ابنه أي والله الذي أنزل التوراة انا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال أقيموا اليهودي عن أخيكم ثم ولى دفنه وجننه والصلاة عليه "
- رواه أحمد
3 - وعن أنس " أن يهوديا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشهد أنك رسول الله ثم مات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلوا على صاحبكم "
- رواه أحمد في رواية مهنا محتجا به
4 - وعن ابن عمر قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا أصبح أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين "
- رواه أحمد والبخاري وهو دليل على أن الكناية مع النية كصريح لفظ الإسلام
- حديث ابن مسعود أخرجه أيضا الطبراني قال في مجمع الزوائد في إسناده عطاء بن السائب وقد اختلط . وحديث أبي صخر العقيلي قال في مجمع الزوائد أبو صخر لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح
وقال ابن حجر في المنفعة قلت اسمه عبد الله بن قدامة وهو مختلف في صحبته وجزم البخاري ومسلم وابن حبان وغيرهم بأن له صحبة ثم ذكر ابن حجر في المنفعة الاضطراب في إسناده . وحديث أنس قال في مجمع الزوائد أخرجه أبو يعلى بإسناد رجاله رجال الصحيح والأحاديث المذكورة في الباب بعضها يشهد لبعض وقد ورد في معناها أحاديث . منها ما أخرجه في الموطأ عن رجل من الأنصار " أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجارية له فقال يا رسول الله على رقبة مؤمنة أفأعتق هذه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتشهدين أن لا إله إلا الله قالت نعم قال أتشهدين أن محمدا رسول الله قالت نعم قال أتؤمنين بالبعث بعد الموت قالت نعم قال أعتقها " وأخرج أبو داود والنسائي من حديث الشريد بن سويد الثقفي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لجارية من ربك قالت الله قال فمن أنا قالت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة " وأخرج مسلم ومالك في الموطأ وأبو داود والنسائي من حديث معاوية بن الحكم السلمي " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لجارية أراد معاوية بن الحكم أن يعتقها عن كفارة أين الله فقالت في السماء فقال من أنا قالت أنت رسول الله فقال أعتقها " وأخرج نحوه أبو داود من حديث أبي هريرة ومثل ذلك أحاديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " كما في الأمهات عن جماعة من الصحابة
قوله : " ابتعث الله نبيه " أي بعثه الله من بيته ليحصل بذلك إدخال رجل الجنة وهو الرجل المريض في الكنيسة فإن دخوله صلى الله عليه وآله وسلم إليها كان سبب إسلامه الذي صار سببا في دخوله الجنة
قوله : " لوا أخاكم فيه " الأمر لمن كان من السلمين في حضرته صلى الله عليه وآله وسلم بأن يلوا أمر ذلك الرجل المريض لأنه قد صار بسبب تكلمه بالشهادتين أخا لهم
قوله : " وجنته " الجنن بالجيم ونونين القبر ذكره في النهاية
قوله : " صبأنا صبأنا " أي دخلنا في دين الصابئة وكان أهل الجاهلية يسمون من أسلم صابئا وكأنهم قالوا أسلمنا أسلمنا والصابئ في الأصل الخارج من دين إلى دين قال في القاموس صبأ كمنع وكرم صبأ وصبوأ خرج من دين إلى دين اه
قوله : " مما صنع خالد " بترأ صلى الله عليه وآله وسلم من صنع خالد ولم يتبرأ منه وهكذا ينبغي أن يقال لمن فعل ما يخالف الشرع ولا سيما إذا كان خطأ وقد استدل المصنف بأحاديث الباب على أنه يصير الكافر مسلما بالتكلم بالشهادتين ولو كان ذلك على طريق الكناية بدون تصريح كما وقع في الحديث الآخر
وقد وردت أحاديث صحيحة قاضية بأن الإسلام مجموع خصال . أحدها التلفظ بالشهادتين منها حديث ابن عمر عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي قال حدثني عمر بن الخطاب قال " بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم إذ طلع عليه رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر " وفيه فقال " يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " ومنها ما أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة وفيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان " ومنها ما أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " ومنها ما أخرجه الشيخان ومالك في الموطأ وأبو داود والنسائي من حديث طلحة ابن عبد الله أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " خمس صلوات في اليوم والليلة وصيام رمضان " وذكر له الزكاة
وأخر النسائي عن بهز بن حكيم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن آيات الإسلام فقال أن تقول أسلمت وجهي وتخليت وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة " وأخرج النسائي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم " وأخرج الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " وأخرج مسلم من حديث جابر والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي موسى نحو ذلك
وأخرج الشيخان من حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى " وأخرج البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها " ولفظ البخاري " من شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم " فهذه الأاديث ونحوها تدل على أن الرجل لا يكون مسلما إلا إذا فعل جميع الأمور المذكورة فيها . والأحاديث الأولة تدل على أن الإنسان يصيرمسلما بمجرد النطق بالشهادتين
قال الحافظ في الفتح عند الإسلام عند الكلام على حديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " في باب قتل من أبى من قبول الفرائض من كتاب استتابة المرتدين والمعاندين ما لفظه وفيه منع قتل من قال لا إله إلا الله ولو لم يزد عليها وهو كذلك لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما الراجح لا بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله لا يحق الأسلام
قال البغوي الكافر إذا كان وثنيا ثنويا لا يقر بالواحدانية فإذا قال لا إله إلا الله حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع الأحكام ويبرأ من كل دين خالف الإسلام وأما من كان مقرا بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول محمد رسول الله فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة فلا بد أن يقول إلى جميع الخلق فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج إلى أن يرجع عن اعتقاده
قال الحافظ ومقتضى قوله يجبر أنه إذا لم يلتزم يجري عليه حكم المرتد وبه صرح القفال واستدل بحديث الباب وادعى أنه لم يرد في خبر من الأخبار أمرت أن أقاتل حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهي غفلة عظيمة فإن ثابت في الصحيحين في كتاب الإيمان منهما كما قدمنا الإشارة إلى ذلك انتهى
باب صحة الإسلام مع الشرط الفاسد
1 - عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم " أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم على أن يصلي صلاتين فقبل منه "
- رواه أحمد
وفي لفظ آخر له " على أن لا يصلي إلا صلاة فقبل منه "
2 - وعن وهب قال " سألت جابرا عن شأن ثقيف إذا بايعت فقال أشترطت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد وأنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك يقول سيتصدقون ويجاهدون "
- رواه أبو داود
3 - وعن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل أسلم قال أجدني كارها قال أسلم وإن كنت كارها "
- رواه أحمد
- هذه الأحاديث فيها دليل على أنه يجوز مبايعة الكافر وقبول الإسلام منه وإن شرط شرطا باطلا وأنه يصح إسلام من كان كارها
وقد سكت أبو داود والمنذري عن حديث وهب المذكور وهو وهب بن منبه وإسناده لا بأس به وأخرج أبو داود أيضا من حديث الحسن البصري عن عثمان بن أبي العاص أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم فأشترطوا عليه أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكم أن لا تحشروا ولا تعشروا ولا خير في دين ليس فيه ركوع
قال المنذري قد قيل أن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص والمراد بالحشر جمعهم إلى الجهاد والنفير إليه وبقوله يعشروا أخذ العشور من أموالهم صدقة وبقوله و لا يجب بفتح الجيم وضم الباء الموحدة المشددة وأصل التجبية أن يقوم الإنسان مقام الراكع وأردوا أنهم لا يصلون
قال الخطابي ويشبه أن يكون إنما سمح لهم بالجهاد والصدقة لأنهما لم يكونا بعد واجبتين في العاجل لأن الصدقة إنما تجب بإنقطاع الحول والجهاد إنما يجب بحضوره وأما الصلاة فهي راتبة فلم يجري أن يشترطوا تركها انتهى . ويعكر على ذلك حديث نصر بن عاصم المذكور في الباب فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل من الرجل أن يصلي صلاتين فقط أو صلاة واحدة على أختلاف الرايتين ويبقى الإشكال في قوله في الحديث الذي ذكرناه " لا خير في دين ليس فيه ركوع " فإن ظاهره يدل على أنه لاخير في إسلام من أسلم بشرط أن لا يصلي ويمكن أن يقال أن نفي الخيرية لا يستلزم عدم جواز قبول من أسلم بشرط أن لا يصلي وعدم قبوله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك الشرط من ثقيف لا يستلزم عدم جواز القبول مطلقا
باب تبع الطفل لأبويه في الكفر ولمن أسلم منهما في الإسلام وصحة إسلام المميز
1 - عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة فطرة الله التي فطر الله عليها "
- الآية متفق عليه
وفي رواية متفق عليها أيضا قالوا " يا رسول الله أفرأيت من يموت منهم وهو صغير قال الله أعلم مما كانوا عاملين "
2 - وعن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد قتل عقبة بن أبي معيض قال من للصبية قال النار "
- رواه أبو داود والدارقطني في الأفراد وقال فيه " النار لهم ولأبيهم "
3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا حنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم "
- رواه البخاري وأحمد وقال فيه " ما من رجل مسلم " وهو عام فيما إذا كانوا من مسلمة أو كافرة قال البخاري فكان ابن عباس مع أنه من المستضعفين ولم يكن مع أبيه على دين قومه
- حديث ابن مسعود سكت عنه أبو داود المنذري ورجال إسناده ثقات إلا علي بن الحسين الرقي وهو صدوق كما قال في التقريب وأخرج نحوه البيهقي من طريق محمد بن يحيى بن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أقبل بالأسارى فكان بعرق الظبية أمر عاصم بن ثابت فضرب عنق عقبة بن أبي معيد صبرا فقال من للصبية يا محمد قال النار لهم ولا يهم
قوله : " على الفطرة " للفطرة معان منها الخلقة ومنها الدين قال في القاموس وفي الفطرة صدقة الفطر والخلقة التي خلق عليها المولود في رحم أمه والدين انتهى . والمناسب ههنا هو المعنى الآخر أعني الدين أي كل مولود يولد على الدين الحق فإذا لزم غيره فذلك لأجل ما يعرض له بعد الولادة من التغييرات من جهة أبويه أو سائر من يربيه
قوله : " جمعاء " بفتح الجيم وسكون الميم بعدها عين مهملة قال في القاموس والجمعاء الناقة المهزولة ومن البهائم التي لم يذهب من بدنها شيء . والمراد هنا المعنى اللآخر لقوله هل تحسون فيها من جدعاء والجدع قطع الأنف أو الأذن أو اليد أو الشفة كما في القاموس قال والجدعة محركة ما بقي بعد القطع انتهى
والمعنى أن البهائم كما أنها تولد سليمة من الجدع كاملة الخلقة وإنما يحدث لها نقصان الخلقة بعد الولادة بالجدع ونحوه كذلك أولاد الكفار يولدون على الدين الحق الكامل وما يعرض لهم من التلبس بالأديان الخالفة له فإنما هو حادث له بعد الولادة بسبب الأبوين ومن يقوم مقامهما . وحديث أبي هريرة فيه دليل على أن أولاد الكفار يحكم لهم عند الولادة بالإسلام وإنه إذا وجد الصبي في دار الإسلام دون أبويه كان مسلما لأنه إنما صار يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا بسبب أبويه فإذا عدما فهو باق على ما ولد عليه وهو الإسلام
قوله : " الله أعلم بما كانوا عاملين " فيه دليل على أن أحكام أولاد الكفار عند الله إذا ماتوا صغارا غير متعينة بل منوطة بعمله الذي كان يعمله لو عاش
وفي حديث ابن مسعود المذكور دليل على أنهم من أهل النار لقوله فيه النار لهم ولأبيهم ويشكل ذلك على مذهب العدلية لعدم موجب التعذيب منهم ( والحاصل ) أن مسألة أطفال الكفار بأعتبار أمر الآخرة من المعارك الشديدة لأختلاف الأحاديث فيها ولها ذيول مطولة لا يتسع لها المقام وفي الوقف عن الجزم بأحد الأمرين سلامة من الوقوع في مضيق لم تدع إليه حاجة ولا ألجأت إليه ضرورة وأما بأعتبار أحكام الدنيا فقد ثبت في صحيح البخاري في باب أهل الدار من كتاب الجهاد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن أولاد المشركين هو يقتلون مع أبائهم فقال هم منهم
قال في الفتح أي في الحكم في تلك الحالة وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الأباء إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم انتهى
وأخرج أبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان ويحمل هذا على أنه لا يجوز قتلهم بطريق القصد
وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة أني بامرأة مقتولة فقال ما كانت هذه تقاتل ونهى عن قتل النساء والصبيان
وأخرج نحوه أبو داود في المراسيل من حديث عكرمة وقد ذهب مالك والأوزاعي إلى أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان لم يجزي رميهم ولا تحريقهم . وذهب الشافعي والكوفيون وغيرهم إلى الجمع بما تقدم وقالوا إذا قاتلت المرأة جاز قتلها ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي وأبو حبان من حديث رباح بن الربيع التميمي قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين فرأى امرأة مقتولة فقال ما كانت هذه لتقاتل فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت وقد ابن بطال وغيره الاتفاق على منع القصد إلى قتل النساء والولدان وأما حديث أنس المذكور في الباب فمحله كتاب الجنائز وإنما ذكره المصنف ههنا للاستدلال به على أن الولد يكون مسلما بإسلام أحد أبويه لما في قوله " ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد " فإنه يقتضي أن من كان له ذلك المقدار من الأولاد دخل الجنة وإن كانوا من امرأة غير مسلمة ونفعهم لأبيهم في ذلك الأمر إنما يصح بعد الحكم بإسلامهم لأجل إسلام أبيهم
4 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإذا أعرب عنه لسانه فإما شاكرا وأما كفورا "
- رواه أحمد
5 - وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه عرض الإسلام على ابن صياد صغير فروى ابن عمر " أن عمر بن الخطاب أنطلق مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رهط من أصحابه قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظهره بيده ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابن صياد أتشهد أني رسول الله فنظر إليه ابن صياد فقال أشهد أنك رسول الأميين فقال ابن صياد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتشهد أني رسول الله رفصه رسول الله وقال آمنت بالله وبرسله "
- وذكر الحديث متفق عليه
6 - وعن عروة قال " أسلم علي وهو ابن ثمان "
- أخرجه البخاري في تاريخه
وأخرج أيضا عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قتل علي رضي الله عنه وهو ابن ثمان وخمسين سنة قلت وهذا يبين اسلامه لأنه أسلم في أوائل المبعث "
7 - وروي عن ابن عباس قال وكان علي رضي الله عنه أول من أسلم من الناس بعد خديجة "
- رواه أحمد
وفي لفظ " أول من صلى علي رضي الله عنه " رواه الترمذي
8 - عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن رجل من الأنصار قال " سمعت زيد بن أرقم يقول أول من أسلم علي رضي الله عنه قال عمر بن مرة فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي قال أول من أسلم أبو بكر الصديق "
- رواه أحمد الترمذي وصححه
وقد صح أن من مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى وفاته نحو ثلاث وعشرين سنة وأن عليا رضي الله عنه عاش بعده نحو ثلاثين سنة فيكون قد عمر بعد إسلامه فوق الخمسين وقد مات ولم يبلغ الستين فعلم أنه أسلم صغيرا
- حديث جابر أصله في الصحيحين وحديث ابن عمر الذي ذكره المصنف في شأن ابن صياد لم يذكر من أخرجه ولم تجري له عادة بذلك وهو في الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والموطأ وفي بعض النسخ قال متفق عليه " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماذا ترى قال يأتيني صادق وكاذب فقال صلى الله عليه وآله وسلم خلط عليك الأمر ثم قال له صلى الله عليه وآله وسلم إني قد خبأت لك خبيئا فقال ابن صياد هو الدخ فقال صلى الله عليه وآله وسلم أخسأ فلن تعدو قدرك فقال عمر ذرني يا رسول الله اضرب عنقه فقال صلى الله عليه وآله وسلم إن يكن هو فلن تسلط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله " . زاد الترمذي بعد قوله " خبأت لك خبيئا وخبأ له يوم تأتي السماء بدخان مبين " وحديث عروة مرسل وكذلك حديث جعفر بن محمد عن أبيه . وحديث ابن عباس قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه من حديث شعبة عن أبي بلج إلا من حديث محمد بن حميد وأبو بلج اسمه يحيى بن أبي سليم
وقال بعض أهل العلم أول من أسلم من الرجال أبو بكر وأسلم علي وهو غلام ابن ثمان سنين وأول من أسلم من النساء خديجة انتهى : وحديث زيد بن أرقم قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث حسن صحيح انتهى
وفي إسناده ذلك الرجل المجهول ولم يقع التصريح بأنه من الصحابة حتى تغتفر جهالته كما قررنا ذلك غير مرة بل روايته بواسطة تدل على أنه ليس من الصحابة فلا يكون حديثة حينئذ صحيحا ولا حسنا
وأما قول إبراهيم النخعي فهو مرسل فلا يصلح لمعارضة زيد بن أرقم وابن عباس
وقد أخرج الترمذي أيضا عن أنس بن مالك قال بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين وصلى علي رضي الله عنه يوم الثلاثاء قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسلم الأعور ومسلم الأعور ليس عندهم بذاك القوي وقد روي هذا عن مسلم عن حية عن علي نحو هذا اه والأولى الجمع بينما ورد مما يقتضي أن عليا أول الناس إسلاما وإن أبا بكر أولهم إسلاما بأن يقال علي كان أول من أسلم من الصبيان وأبو بكر أول من أسلم من الرجال وخديجة أول من أسلم من النساء
قوله : " حتى يعرب عن لسانه " فيه دليل على أنه لا يحكم للصبي مادام غير مميز إلا بدين الإسلام فإذا أعرب عنه لسانه بعد تمييزه حكم عليه بالملة التي يختارها
قوله : " قبل ابن صياد " بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهته . وابن صياد اسمه صاف وأصله من اليهود وقد اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافا شديدا وأشكل أمره حتى قيل فيه كل قول . وظاهر الحديث المذكور أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مترددا في كونه هو الدجال أم لا ومما يدل على أنه هو الدجال ما أخرجه الشيخان وأبو داود عن محمد بن المنكدر قال كان جابر بن عبد الله يحلف لله أن ابن صياد الدجال فقلت أتحلف بالله فقال إني سمعت عمر بن الخطاب يحلف على ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينكره وقد أجيب عن التردد منه صلى الله عليه وآله وسلم بجوابين الأول أنه تردد صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يعلمه الله بأنه هو الدجال فلما أعلمه لم ينكر على عمر حلفه والثاني أن العرب قد تخرج الكلام مخرج الشك وإن لم يكن في الخبر شك ومما يدل على أنه هو الدجال ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر قال " لقيت ابن صياد يوما ومعه رجل من اليهود فإذا عينه قد طفت وهي خارجة مثل عين الحمار فلما رأيتها قلت أنشدك الله يا ابن صياد متى طفت عينك قال لا أدري والرحمن قلت كذبت وهي في رأسك قال فمسحها ونخر ثلاثا فزعم اليهودي أني ضربت بيدي صدره وقلت إخسأ فلم تعدو قدرك فذكرت ذلك لحفصة فقال حفصة اجتنب هذا الرجل فإنا نتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها " وأخرج مسلم هذا الحديث بمعناه من وجه آخر عن ابن عمرو لفظه " لقيته مرتين فذكر الأولى ثم قال ثم لقيته لقية أخرى وقد نفرت عينه فقلت متى فعلت عينك ما أرى فقال لا أدري فقلت لا تدري وهي في رأسك قال إن شاء الله في عصاك هذه ونخر كأشد نخير حمار سمعت فزعم أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت وأنا والله ما شعرت قال وجاء حتى دخل على حفصة فحدثها فقالت ما تريد إليه ألم تسمع أنه قد قال صلى الله عليه وآله وسلم أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه " ثم قال ابن بطال فإن قيل هذا أيضا يدل على التردد في أمره فالجواب أنه قد وقع الشك في أنه الدجال الذي يقتله عيسى بن مريم ولم يقع الشك في أنه أحد الدجالين الكذابين الذين أنذر بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله " إن بين يدي الساعة دجالين كذابين " وهو في الصحيحين وتعقبه الحافظ بأن الظاهر أن حفصة وابن عمر أرادا الدجال الأكبر واللام في القصة الواردة عنهما للعهد لا للجنس وكذلك حلف عمر وجابر السابق على أن ابن الصياد هو الدجال
وقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن ابن عمر كان يقول والله لا أشك أن المسيج الدجال هو ابن صياد
وأخرج مسلم عن أبي سعيد قال صحبني ابن صياد إلى مكة فقال ماذا لقيت من الناس يزعمون أني الدجال ألست سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يولد له قلت بلى قال فإنه قد ولد لي قال أولست سمعته يقول لا يدخل المدينة ولا مكة قلت بلى قال فقد ولدت في المدينة وأنا أريد مكة وأخرج مسلم أيضا عن أبي سعيد أنه قال له ابن صياد هذا عذرت الناس مالي وأنتم يا أصحاب رسول الله ألم يقل نبي الله أن الدجال يهودي وقد أسلمت فذكر نحو الأول
وفي مسلم أيضا عن أبي سعيد أنه قال له ابن صياد لقد هممت أن آخذ حبلا فأعلقه بشجرة ثم أختنق به مما يقول الناس يا أبا سعيد من خفي عليه حديث رسول الله ما خفي عليكم يا معشر الأنصار ثم ذكر نحو ما تقدم وزاد قال أبو سعيد حتى كدت أعذره
وفي آخر كل من الطرق أنه قال أني لا أعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن قال أبو سعيد فقلت له تبا لك سائر اليوم وأجاب البيهقي بأن سكوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حلف عمر يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان متوقفا في أمره ثم جاءه التثبت من الله تعالى بأنه غيره على ما تقتضيه قصة تميم الداري وبه تمسك من جزم بأن الدجال غير ابن صياد وطريقه أصح وتكون الصفة التي في ابن صياد فقط ما في الدجال وقد أخرج قصة تميم مسلم من حديث فاطمة بنت قيس قال البيهقي وفيها أن الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد وكان ابن صياد أحد الدجالين الكذابين الذين أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخروجهم وقد وخرج أكثرهم وكان الذين يجزمون بأن ابن صياد هو الدجال لم يسمع قصة تميم وقد خطب بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أن تميما أخبره أنه لقي هو وجماعة معه في دير في جزيرة لعب بهم الموج شهرا حتى وصلوا إليها رجلا كأعظم إنسان رأوه قط خلقا وأشده وثاقا مجموعة يداه إلى عنقه بالحديد فقالوا له ويلك ما أنت فذكر الحديث وفيه أنه سأله عن نبي الأميين هل بعث وأنه قال إن تطيعوه فهو خير لكم وفيه أنه قال إني مخبكم عني أنا المسيح الدجال وإني أوشك أن يؤذن لي بالخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة
وفي بعض طرقه أنه شيخ قال الحافظ وسندها صحيح
وهذا الحديث ينافي ما استدل به على أن ابن صياد هو الدجال ولا يكن الجمع أصلا إذ لا يلتئم أن يكون من كان في الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسأله أن يكون شيخا في آخرها مسجونا في جزيرة من جزائر البحر موثوقا بالحديد يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل خرج أم لا فينبغي أن يحمل حلف عمر وجابر على أنه وقع قبل علمهما بقصة تميم قال ابن دقيق العيد في أوائل شرح الالمام ما ملخصه إذا أخبر شخص بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر ليس فيه حكم شرعي فهل يكون سكوته صلى الله عليه وآله وسلم دليلا على مطابقته ما في الواقع كما وقع لعمر في حلفه على ابن صياد أنه الدجال كما فهمه جابر حتى صار يحلف عليه ويستند إلى خلف عمر أو لا يدل فيه نظر قال والأقرب عندي أنه لا يدل لأن مأخذ المسألة ومناطها هو العصمة من التقرير على باطل وذلك يتوقف على تحقق البطلان ولا يكفي فيه عدم تحقق الصحة قال الخطابي اختلف السلف في أمر ابن صياد بعد كبره فروى أن تاب من ذلك القول ومات بالمدينة وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا وجهه حتى يراه الناس وقيل لهم اشهدوا
وقال النووي قال العلماء قصة ابن صياد مشكلة وأمره مشتبه ولكن لا شك أنه الدجال من الدجاجلة والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوح إليه في أمره بشيء وإنما أوحى إليه بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة فلدلك كان صلى الله عليه وآله وسلم لا يقطع في أمره بشيء انتهى
وقد أخرج أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ اصبهان ما يؤيد كون ابن صياد هو الدجال عن حسان بن عبد الرحمن عن أبيه قال لما افتتحنا اصبهان كان بين عسكرنا وبين اليهود فرسخ فكنا نأتيها فنمتار منها فأتينا يوما فإذا اليهود يزفنون فسألت صديقا لي منهم فقال هذا ملكنا الذي استفتح به العرب فدخلت فبت على سطح فصليت الغداة فلما طلعت الشمس إذ الوهج من قبل العسكر فنظرت فإذا هو ابن صياد فدخل المدينة فلم يعد حتى الساعة
قال الحافظ في الفتح بعد أن ساق هذه القصة وعبد الرحمن بن حسان ما عرفته والباقون ثقات وقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن جابر قال فقدنا ابن صياد يوم الحرة وفتح اصبهان كان في خلافة عمر كما أخرجه أو نعيم في تاريخها وقد أخرج الطبراني في الأوسط من حديث فاطمة بنت قيس مرفوعا أن الدجال يخرج من أصبهان وأخرجه أيضا من حديث عمران بن حصين وأخرجه أيضا بسند صحيح كما قال الحافظ من حديث أنس لكن عنده من يهودية أصبهان قال أبو نعيم وإنما سميت يهودية اصبهان لأنها كانت تختص بسكنى اليهود قال الحافظ في الفتح وأقرب ما يجمع بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقا وأن ابن صياد هو سلطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى اصبهان فاستتر مع قرينه إلى أن تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها . وقصة تميم السابقة قد توهم بعضهم من عدم إخراج البخاري لها أنها غريبة وهو وهم فاسد وهي ثابتة عند أبي داود من حديث أبي هريرة وعند ابن ماجه عن فاطمة بنت قيس
وأخرجها أبو يعلى عن أبي هريرة من وجه آخر
وأخرجها أبو داود بسند حسن من حديث جابر وغير ذلك وفي هذا المقدار كفاية وإنما تكلمنا عن قصة ابن صياد مع كون المقام ليس مقام الكلام عليها لأنها من المشكلات المعضلات التي لا يزال أهل العلم يسألون عنها فأردنا أن نذكر ههنا ما فيه تحليل ذلك الإشكال وحسم مادة ذلك الإعضال
قوله : " عند أطم " بضم الهمزة الطاء المهملة وهو البناء المرتفع قوله " أتشهد أني رسول الله " استدل به المصنف رحمه الله تعالى على صحة إسلام المميز كما ذكر ذلك في ترجمة الباب وكذلك يدل على ذلك بقية الأحاديث المذكورة في الباب في إسلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقد أختلف في مقدار سنه عند الموت على أقوال مذكورة في كتب التاريخ
باب حكم أموال المرتدين وجناياتهم
1 - عن طارق بن شهاب قال " جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية فقالوا هذه المجلية قد عرفناها فما المخزية قال تنزع منكم الحلقة والكراع ونغنم ما أصبنا منكم وتردون علينا ما أصبتم منا وتدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار وتتركون أقواما يتبعون أذناب الأبل حتى يرى الله خليفة رسوله والمهاجرين والأنصار أمرا يعذرونكم له فعرض أبو بكر ما قال على القوم فقام عمر بن الخطاب فقال قد رأيت رأيا وسنشير عليك أما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فنعم ما ذكرت وأما ما ذكرت إن نغنم ما أصبنا منكم وتردون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت وأما ما ذكرت تدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار فإن قتلانا قاتلت فقتلت على أمر الله أجورها على الله ليس لها ديات فتبايع القوم على ما قال عمر "
- رواه البرقاني على شرط البخاري
- هذا الأثر أخرج بعضه البخاري في صحيحه وأخرج بقيته البرقاني في مستخرجه بطوله كما ذكره المصنف وأخرجه أيضا البيهقي من حديث ابن إسحاق عن عاصم بن حمزة قوله " بزاخة " بضم الباء الموحدة ثم زاي وبعد الألف خاء معجمة هو موضع قيل بالبحرين وقيل ماء لبني أسد كذا في التليخص
وفي القاموس وبزاخة بالضم موضع به وقعة أبو بكر رضي الله عنه انتهى
قوله : " المجلية " يحتمل أن يكون بالخاء المعجمة أي المهلكة قال في القاموس خلا مكانه مات وقال أيضا خلا المكان خلوا وخلاء وأخلا وأستخلى فرغ وكان خلاء ما فيه أحد وأخلاه جعله أو وجده خاليا وخلا وقع في موضع خال لا تزاحم فيه انتهى . ويحتمل أن يكون بالجيم قال في القاموس جلا القوم عن الموضع ومنه جلوا وأجلوا تفرقوا أو جلا من الخوف وأجلى من الجدب انتهى . والمراد الحرب المفرقة لأهلها لشدة وقعها وتأثيرها
وقال في الفتح المجلية بضم الميم وسكون الجيم بعدها لام مقصورة ثم تحتانية من الجلاء بفتح الجيم وتخفيف اللام مع المد ومعناه الخروج عن جميع المال
قوله : " والسلم المخزية " بالخاء المعجمة الزاي أي المذلة قال في القاموس خزي كرضي خزيا بالكسر وخزي وقع في شهرة فذل بذلك كأخزوزي وأخزاه الله فضحه ومن كلامهم لمن أتى بمستهجن ماله أخزاه الله
قال وخزي بالكسر خزء وخزاية بالقصر أستحيا انتهى
قوله : " الحلقة " بفتح الحاء المهملة وسكون اللام بعدها قاف قال في القاموس الحلقة الدرع والخيل انتهى وقال في النهاية والحلقة بسكون اللام السلاح عاما وقيل الدروع خاصة والمراد بالكراع الخيل
قال في القاموس هو اسم لجميع الخيل فعلى هذا يكون المراد بالحلقة الدروع أو هي وسائر السلاح الذي يحارب به
قوله : " يتبعون أذناب الأبل " أي يمتهنون بخدمة الأبل ورعيها والعمل بها لما في ذلك من الذلة والصغار
وقد استدل بالأثر المذكور على أنه يجوز مصالحة الكفار المرتدين على أخذ أسلحتهم وخيلهم ورد ما أصابوه من المسلمين وقد اختلف هل يملك الكفار ما أخذوه على المسلمين فذهب الهادي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إلى أنهم يملكون علينا ما استولوا عليه قهرا وإذا استولينا عليه فصاحبه أحق بعينه ما لم يقسم فإن قسم لم يستحقه إلا بدفع القيمة لمن صار في يده وذهب أبو بكر الصديق وعمر وعبادة بن الصامت وعكرمة الشافعي والمؤيد بالله إلى أنهم لا يملكون علينا ولو أدخلوه قهرا فصاحبه أحق به قبل القسمة وبعدها بلا شيء وأما ما أخذوه من أموال أهل الإسلام في دارهم قهرا كالعبد الآبق فذهب الهادي والنفس الزكية وأبو حنيفة إلى أنهم لا يملكونه علينا إذ دار الحرب دار إباحة فالملك فيها غير حقيقي وذهب مالك والأوزاعي والزهري وعمر وبن دينار وأبو يوسف ومحمد إلى أنهم يملكونه علينا وهو مروي عن أبي طالب ولعله يأتي تحقيق هذا البحث إن شاء الله تعالى
كتاب الجهاد والسير
باب الحث على الجهاد وفضل الشهادة والرباط والحرس
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها "
- متفق عليه
2 - وعن أبي عبس الحارثي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي والترمذي
3 - وعن أبي أيوب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غدوة أو روحة في سبيل الله خير مما طلعت عليه الشمس وغربت "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي . وللبخاري من حديث أبي هريرة مثله
4 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة "
- رواه أحمد والترمذي
5 - وعن أبي موسى قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي
6 - وعن ابن أبي أوفى " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الجنة تحت ظلال السيوف "
- رواه أحمد والبخاري
7 - وعن سهل بن سعد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها "
- متفق عليه
- حديث أبي هريرة الآخر قال الترمذي هو حديث حسن ولفظه عن أبي هريرة قال " مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته لطيبها فقال لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة "
قوله : " كتاب الجهاد " قال في الفتح بكسر الجيم أصله لغة المشقة يقال جاهدت جهادا أي بلغت المشقة وشرعا بذل الجهد في قتال الكفار ويطلق أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق فأما مجاهدة النفس فلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها ثم على تعليمها وأما مجاهدة الشيطان فعلى ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات
وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب وأما الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب ثم قال واختلف في جهاد الكفار هل كان أولا فرض عين أو فرض كفاية ثم قال في باب الوجوب النفير فيه قولان مشهوران للعلماء وهما في مذهب الشافعي
وقال الماوردي كان عينا على المهاجرين دون غيرهم ويؤيده وجوب الهجرة قبل الفتح في حق كل من أسلم إلى المدينة لنصر الإسلام وقال السهيلي كان عينا على الأنصار دون غيرهم ويؤيده مبايعتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة على أن يؤوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وينصروه فيخرج من قومهما أنه كان على الطائفتين كفاية في حق غيره ومع ذلك فليس في حق الطائفتين على التعميم بل في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق وفي حق المهاجرين إذا أريد قتال أحد من الكفار أبتداء
وقيل كان عينا في الغزوة التي يخرج فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون غيرها والتحقيق أنه كان عينا على من عينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حقه وإن لم يخرج وأما بعده صلى الله عليه وآله وسلم فهو فرض كفاية على المشهور إلا أن تدعو الحاجة كأن يدهم العدو ويتعين على من عينه الإمام ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنة مرة عند الجمهور ومن حججهم أن الجزية تجب بدلا عنه ولا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقا فليكن بدلها كذلك وقيل يجب كل ما أمر وهو قوي قال والتحقيق أن جنس جهاد الكفار متعين على كل مسلم إما بيده وإما بلسانه وإما بماله وإما بقلبه انتهى . وأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقا
قوله : " لغدوة أو روحة " الغدوة بالفتح والللام للابتداء وهي المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه . والروحة المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها
قوله : " في سبيل الله " أي الجهاد
قوله : " خير من الدنيا وما فيها " قال ابن دقيق العيد يحتمل وجهين أحدهما أن يكون من باب تنزيل الغائب منزلة المحسوس تحقيقا له في النفس لكون الدنيا محسوسة في النفسس مستعظمة في الطباع ولذلك وقعت المفاضلة بها وإلا فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة والثاني أن المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لأنفقها في طاعة الله تعالى ويؤيد هذا الثاني ما رواه ابن المبارك في كتاب الجهاد من مرسل الحسن قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشا فيهم عبد الله بن رواحة فتأخر ليشهد الصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم " ( والحاصل ) أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أعظم من جميع ما في الدنيا فكيف لمن حصل منها أعلى الدرجات . والنكتة ي ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا
قوله : " من أغبرت قدماه " زاد أحمد من حديث أبي هريرة ساعة من نهار وفيه دليل على عظم قدر الجهاد في سبيل الله فإن مجرد مس الغبار إذا كان من موجبات السلامة من النار فكيف بمن سعى وبذل جهده واستفرغ وسعه قوله " خير مما طلعت عليه الشمس وغربت " هذا هو المراد بقوله في الحديث الأول " خير من الدنيا وما فيها "
قوله : " فواق ناقة " وقدر ما بين الحلبتين من الاستراحة
قوله : " تحت ظلال السيوف " الظلال جمع ظل وإذا تدانى الخصمان صار كل واحد منهم تحت ظل سيف صاحبه لحرصه على رفعه عليه ولا يكون ذلك إلا عند التحام القتال قال القرطبي وهو من الكلام النفيس الجامع الموجز المشتمل على ضروب من البلاغة مع الوجازة وعذوبة اللفظ فإنه أفاد الحض على الجهاد والإخبار بالثواب عليه والحض على مقاربة العدو واستعمال السيوف والإجماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المقاتلين
وقال ابن الجوزي المراد أن الجنة تحصل بالجهاد . وله " وموضع سوط أحدكم " في رواية للبخاري وقاب قوس أحدكم أي قدره
8 - وعن معاذ بن جبل " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر كما كانت لونها الزعفران وريحها المسك "
- رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه
9 - وعن عثمان بن عفان قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه في المنازل "
- رواه احمد والترمذي والنسائي . ولابن ماجه معناه
10 - وعن سلمان الفارسي قال " سمعت رسول الله يقول رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
11 - وعن عثمان بن عفان قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة بقيام ليلها وصيام نهارها "
- رواه أحمد
12 - وعن ابن عباس " قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشيت الله وعين باتت تحرس في سبيل الله "
- رواه الترمذي
وقال حديث حسن بن غريب
13 - وعن أبي أيوب قال " إنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأظهر الإسلام قلنا هل نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله تعالى وانفقوا في سبيل الله ولا ترموا بأيديكم في التهلكة فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد "
- رواه أبو داود
14 - وعن أنس قال " قال رسزل الله صلى الله عليه وآله وسلم جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي
- حديث معاذ أخرجه أيضا ابن ماجه وإسناد الترمذي وابن ماجه صحيح وأما إسناد أبو داود ففيه بقية بن الوليد وهو متكلم فيه ولفظه عند أبي داود " من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة ومن سئل الله القتل من نفسه صادقا ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك ومن خرج به خراج في سبيل الله عز و جل فإن عليه طابع الشهداء " وذكر المصنف رحمه الله أن الترمذي صحح حديث معاذ المذكور ولم نجد ذلك في جامعه وإنما صحح حديث أبي هريرة بمعناه ولكنه قد وافق المصنف على حكاية تصحيح الترمذي لحديث معاذ جماعة منهم المنذري في مختصر السنن والحافظ في الفتح وصححه أيضا ابن حبان والحاكم وحديث عثمان قال الترمذي بعد إخراجه أنه حديث حسن صحيح غريب . وحديث سلمان الفارسي أخرجه أيضا الترمذي . وحديث عثمان الثاني أشار إليه الترمذي . وحديث ابن عباس قال الترمذي بعد إخراجه حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن زريق . وحديث أبي أيوب أخرجه أيضا النسائي والترمذي وقال حسن صحيح وصححه أيضا ابن حبان والحاكم ولفظ الحديث عند أبي داود عن أسلم بن عمران قال " غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة فحمل رجل على العدو فقال الناس مه مه لا إله إلا الله يلقي بيده إلى التهلكة فقال أبو أيوب إنما أنزلت هذه الآية فذكره
وفي الترمذي فضالة بن عبيد بدل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد . وحديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح وصححه النسائي ( والأحاديث ) في فضل الجهاد كثيرة جدا لا يتسع لبسطها إلا مؤلف مستقل
قوله : " من جرح جرحا " ظاهر هذا أنه لا يختص بالشهيد الذي يموت من تلك الجراح بل هو حاصل لكل من جرح ويحتمل أن يكون المراد بهذا الجرح هو ما يموت صاحبه بسببه قبل إندماله لا ما يندمل في الدنيا فإن أثر الجراحة وسيلان الدم يزول ولا ينف ذلك كونه له فضل في الجملة قال في الفتح قال العلماء الحكمة في بعثه كذلك أن يكون معه شاهد فضيلته ببذل نفسه في طاعة الله
قوله " أو نكب نكبة " بضم النون من نكب وكسر الكاف قال في القاموس نكب عنه كنصر وفرح نكبا ونكبا ونكوبا عدل كنكب وتنكب ونكبهتنكبا نحاه لازم متعد وطريق منكوب على غير قصد ونكبه الطريق ونكب به عنه عدل والنكب الطرح انتهى
وقال في الفتح النكبة أن يصيب العضو شيء فيدميه انتهى
قوله : " لونها الزعفران " في حديث أبي هريرة عند الترمذي وغيره اللون لون الدم والريح ريح المسك
قوله : " رباط يوم في سبيل الله " بكسر الراء وبعدها موحدة ثم طاء مهملة قال في القاموس المرابطة أن يربط كل من الفريقين خيولهم في ثغرة وكل معد لصاحبه فسمي المقام في الثغر رباطا ومنه قوله تعالى { وصابروا ورابطوا } انتهى
قوله : " أمن الفتان " بفتح الفاء وتشديد التاء الفوقية وبعد الألف نون قال في القاموس الفتان اللص والشيطان كالفاتن والصانع والفتانان الدرهم والدينار ومنكر ونكير قال في النهاية وبالفتح هو الشيطان لأنه يفتن الناس عن الدين انتهى . والمراد ههنا الشيطان أو منكر ونكير
قوله : " حرس " هو مصدر حرس والمراد هنا حراسة الجيش يتولاها واحد منهم فيكون له الأجر لما في ذلك من العناية بشأن المجاهدين والتعب في مصالح الدين ولذلك قال في الحديث الآخر " عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله " قوله " فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة للنهي لكل أحد عن كل ما يصدق عليه أنه من باب الألقاء بالنفس إلى التهلكة والأعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإذا كانت تلك الصورة التي قال الناس إنها من باب الألقاء لما رأو الرجل الذي حمل على العدو كما سلف من صور الإلقاء لغة أو شرعا فلا شك أنها داخلة تحت عموم الآية ولا يمنع من الدخول اعتراض أبي أيوب بالسبب الخاص وقد تقرر في الأصول رجحان قول من قال أن الأعتبار بعموم اللفظ ولا حرج في اندراج التهلكة باعتبار الدين وباعتبار الدنيا تحت قوله ( ولا تلقوا بأيديكم بالتهلكة ) ويكون ذلك من باب استعمال المشترك في جميع معانيه وهو أرجح الأقوال الستة المعروفة في الأصول في استعمال المشترك
وفي البخاري في التفسير إن التهلكة هي ترك النفقة في سبيل الله وذكر صاحب الفتح هنالك أقوالا أخر فليراجع
وقد أخرج الحاكم من حديث أنس " أن رجلا قال يا رسول الله أرأيت إن انغمست في المشركين فقاتلتهم حتى قتلت أإلى الجنة قال نعم فأنغمس الرجل في صف المشركين فقاتل حتى قتل "
وفي الصحيحين عن جابر قال " قال رجل أين أنا يا رسول الله إن قتلت قال في الجنة فألقى تمرات كن بيده ثم قاتل حتى قتل " وروى ابن إسحاق في المغازي عن عاصم بن عمر بن قتادة قال لما " التقى الناس يوم بدر قال عوف بن الحرث يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده قال أن يراه غمس يده في القتال يقاتل حاسرا فنزع درعه ثم تقدم فقاتل حتى قتل " قوله " جاهدوا المشركين " الخ فيه دليل على وجوب المجاهدة للكفار بلأموال والأيدي والألسن
وقد ثبت الأمر القرآني بالجهاد بالأنفس والأموال في مواضع . وظاهر الأمر الوجوب وقد تقدم الكلام على ذلك وسيأتي أيضا
باب أن الجهاد فرض كفاية وأنه شرع مع كل برو فاجر
1 - عن عكرمة عن ابن عباس " قال ألا تنفروا يعذبكم عذبا أليما وما كان لأهل المدينة إلى قوله يعملون نسختها الآية التي تليها وما كان المؤمن "
- رواه أبو داود
2 - وعن عروة بن الجعد البارقي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال الخيل معقود في نواصيها الأجر والمغنى إلى يوم القيامة "
- متفق عليه . ولأحمد ومسلم والنسائي من حديث جرير البجلي مثله وفيه مستدل بعموم على الإسهام لجميع أنواع الخيل وبمفهومه على عدم الإسهام لبقية الدواب
3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله لانكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل وجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل أخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والإيمان بالأقدار "
- رواه أبو داود وحكاه أحمد في رواية ابنه عبد الله
- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده ثقات إلا علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال وهو صدوق وبوب عليه أبو داود باب في نسخ نفير العامة بالخاصة وحسنه الحافظ في الفتح
وأخرج أبو داود عن ابن عباس أنه سأله نجدة بن نفيع عن هذه الآية ألا تنفروا يعذبكم عذابا أليما قال فامسك عنهم المطر وكان عذابهم . ونجدة بن نفيع الحنفي مجهول كما قاله صاحب الخلاصة . وحديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده يزيد بن أبي نشبة وهو مجهول
وأخرج أيضا سعيد بن المنصور وفيه ضعف وله شواهد
قوله : " نسختها الآية التي تليها وما كان المؤمنون لينفروا كافة " قال الطبري يجوز أن يكون ألا تنفروا يعذبكم عذابا أليما خاصة والمراد به من استنفره النبي صلى الله عليه وآله وسلم فامتنع
قال الحافظ والذي يظهر أنها مخصوصة وليست بمنسوخة وقد وافق ابن عباس على دعوى النسخ عكرمة والحسن البصري كما روى ذلك الطبري عنهما وزعم بعضهم أن قوله { انفروا ثبات } ناسخة لقوله تعالى { انفروا خفافا وثقالا } وثبات جمع ثبة ومعناه جماعات متفرقة ويؤيده قوله تعالى بعده أو انفروا جميعا
قال الحافظ والتحقيق أنه لا نسخ بل المرجع في الآيتين يعني هذه وقوله تعالى { ألا تنفروا } مع قوله { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } إلى تعيين الامام وإلى الحاجة قوله " الخيل معقود " الخ المراد بها المتخذة للغزو بأن يقاتل عليها أو ترتبط لأجل ذلك وقد روى أحمد من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا " الخيل في نواصيها الخير معقود أبدا إلى يوم القيامة فين ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليها احتسابا كان شبعها وجوعها وريها وظمأها وأروائها وأبوالها فلاحا في موازينه يوم القيامة " قوله " الأجر والمغنم " بدلا من قوله الخير أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هو الأجر والمغنم ووقع عند مسلم من رواية جرير " فقالوا لما ذاك يا رسول الله قال الأجر والمغنم "
قال الطيبي يحتمل أن يكون الخير الذي فسر بالأجر والمغنم استعارة لظهوره وملازمته وخص الناصية لرفعة قدرها فكأنه شبهه لظهوره بشيء محسوس معقود على ما كان مرتفعا فنسب الخير إلى لازم المشبه به وذكر الناصية تجريد للاستعارة والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة قال الخطابي وغيره قالوا ويحتمل أن يكون كني بالناصية عن جميع ذات الفرس كما يقال فلان مبارك الناصية ويبعده ما رواه مسلم من حديث جرير قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلوي ناصية فرسه بإصبعه ويقول " فذكر الحديث فيحتمل أن تكون خصت بذلك لكونها المقدم منها إشارة إلى أن الفضل في الإقدام بها على العدودون المؤخر لما فيه من الإشارة إلى الإدبار
قوله : " والجهاد ماض " الخ فيه دليل على أن الجهاد لا يزال ما دام الإسلام والمسلمون إلى ظهور الدجال وأخرج أبو داود وأبو يعلى مرفوعا وموقوفا من حديث أبي هريرة " الجهاد ماض مع البر والفاجر " ولا بأس بإسناده إلا أنه من رواية مكحول عن أبي هريرة ولم يسمع منه
وأخرج أبو داود من حديث عمران بن حصين قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناواهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال " قوله " لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل " في دليل على أنه لا فرق في حصول فضيلة الجهاد بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل أو الجائر
وقد استدل المصنف بما ذكره في الباب على أن الجهاد فرض كفاية وقد تقدم الكلام على ذلك في أول الكتاب
وقد حكى في البحر عن العترة والشافيعة والحنفية أنه فرض كفاية وعن ابن المسيب أنه فرض عين وعن قوم فرض عين في زمن الصحابة
باب ما جاء في إخلاص النية في الجهاد وأخذ الأجرة عليه والإعانة
1 - عن أبي موسى قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله فقال من قاتل لتكون كلمة الله العليا فهو في سبيل الله "
- رواه الجماعة
2 - وعن عبد الله بن عمرو قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من غازية تغزوا في سبيل الله فيصيبون غنيمة ألا تجعلوا ثلثي أجرهم في الآخرة ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم "
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي
3 - وعن أبي أمامة قال " جاء زجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاشيء له فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا شيء له ثم قال إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه "
- رواه أحمد والنسائي
- حديث أبي أمامة جود الحافظ إسناده في فتح الباري وقد أخرج أبو موسى في الصحابة عن لاحق بن ضميرة الباهلي قال وفدت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأته عن الرجل يلتمس الأجر والذكر فقال لا شيء له في إسناده ضعيف
وأخرج أبو داود من حديث أبو هريرة " أن رجل قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا من عرض الدنيا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أجر له فأعاد ذلك مرة أخرى ثم ثالثة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا أجر له "
قوله : " يقاتل شجاعة " في رواية للبخاري في الجهاد والرجل يقاتل للذكر أي ليذكر بين الناس ويشتهر بالشجاعة
قوله : " ويقاتل رياء " في رواية للبخاري والرجل يقاتل ليري مكانه ومرجعه إلى الرياء والمراد بالمقاتلة لأجل الحمية أن يقاتل لأجل من يقاتل لأجله من أهل أو عشيرة أو صاحب ويحتمل أن تفسر الحمية بالقتال لدفع المضرة والقتال غضبا لجلب المنفعة
وفي رواية للبخاري والرجل يقاتل للمغنم وفي أخرى له والرجل يقاتل غضبا والحاصل من الروايات أن القاتل يقع بسبب خمسة أشياء طلب المغنم وإظهار الشجاعة والرياء والحمية والغضب وكل منها يتناوله المدح والذم ولهذا لم يحصل الجواب بالإثبات ولا بالنفي
قوله : " من قاتل لتكوم كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " المراد بكلمة الله دعوة الله إلى الإسلام ويحتمل أن يكن المراد به أن لا يكون في سبيل الله إلا من كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة الله فقط . بمعنى أنه لو أضاف إلى ذلك سبب من السباب المذكورة أخل به . وصرح الطبري أنه لا يخل إذا حصل ضمنا لا أصلا ومقصودا به قال الجمهور كما حكاه صاحب الفتح لكنه يعكر على هذا ما في حديث أبي أمامة المذكور من أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا ويمكن أن يحمل على قصد الأمرين معا على حد واحد فلا يخالف ما قاله الجمهور ( فالحاصل ) أنه إما أن يقصد الشيئين معا أو يقصد أحدهما فقط أو يقصد أحدهما ويحصل الآخر ضمنا والمحذزر أن يقصد غير الإعلاء سواء حصل الإعلاء ضمنا أو لم يحصل ودونه أن يقصدهما معا فإنه محذور على ما دل عليه حديث أبي أمامة والمطلوب أن يقصد الإعلاء فقط سواء حصل غير الإعلاء ضمنا أو لم يحصل
قال ابن أبي جمرة ذهب المحققون إلى أنه لو إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما ينضاف إليه وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة الذي ذكرناه وأما حديث عبد الله بن عمرو المذكور فليس فيه ما يدل على جواز قصد غير الغزو في سبيل الله لأن الغنيمة إنما حصلت بعد أن كان الغزو في سبيل الله ولم يكن مقصود في الابتداء ولهذا قال في أول الحديث مامن غازية تغزوا في سبيل الله الخ
قال في الفتح والحاصل مما ذكر أن القتال منشؤه القوة العقلية والقوة الغضبية والقوة الشهوانية ولا يكون في سبيل الله إلا الأول
وقال ابن بطال إنما عدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن لفظ جواب السائل لأن الغضب والحمية قد يكونان لله فعدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك إلى لفظ جامع فأفاد رفع الالتباس وزيادة الإفهام وفيه بيان أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة وإن الفضل الذي ورد في المجاهدين يختص بمن ذكر
4 - وعن أبي هريرة " قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكن قاتلت أن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى يلقى في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال فقال ما عملت فيها تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلهفأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه فألقي في النار "
- رواه أحمد ومسلم
5 - وعن أبي أيوب " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ستفتح عليكم الأمصار وستكونون جنودا مجندة يقطع عليكم بعوث فيكره الرجل منكم البعث فيها فيتخلص من قومه ثم يتصفح القبائل يعرض نفسه عليهم يقول من أكفيه بعث كذا من أكفيه بعث كذا ألا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه "
- رواه أحمد وأبو داود
6 - وعن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للغازي أجره وللجاعل أجره وأجر الغازي "
- رواه أبو داود
7 - وعن زيد بن خالد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا "
- متفق عليه
- حديث أبي أيوب سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده أبو سورة ابن أخي أبي أيوب وفيه ضعف وكذلك حديث عبد الله بن عمرو سكتا عنه ورجال إسناده ثقات
قوله : " إن أول الناس " الخ لفظ الترمذي أول ما يدعى به يوم القيامة رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله تعالى للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي فيقول بلى يا رب قال فما عملت فيما علمت فيقول كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله تعالى كذبت وتقول الملائكة كذبت إنما أردت أن يقال فلان قارئ وقد قيل ذلك . وذكر نحو ذلك في الذي قتل في سبيل الله والذي له مال كثير
قوله : " نعمه " بكسر النون وفتح العين المهملة جمع نعمة بسكون العين وهذا الحديث فيه دليل على أن فعل الطاعات العظيمة مع سوء النية من أعظم الوبال على فاعله فإن الذي أوجب سحبه في النار على وجهه هو فعل تلك الطاعة المصحوبة بتلك النية الفاسدة وكفى بهذا رادعا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد اللهم إنا نسألك صلاح النية وخلوص الطوية
وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " وأخرج الترمذي عن كعب بن مالك قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من طلب العلم ليجاري به العلماء ويماري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار " وأخرج الترمذي أيضا عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعوذوا بالله من جب الحزن قالوا يا رسول الله وما جب الحزن قال واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم مائة مرة قيل يا رسول الله ومن يدخله قال القراء المراؤن بأعمالهم " وأخرج الترمذي أيضا عن أبي هريرة وابن عمر " قالا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكون في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين يلبسون الناس جلود الضأن ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله تعالى أبي تغترون أم علي تجترؤن فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدر الحليم فيهم حيران " وأخرج الشيخان عن أبي وائل قال " سمعت أسامة يقول قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فتجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهي عن المنكر وآتيه " وأخرج الحاكم من حديث معاذ يرفعه قال " إن يسير الرياء شرك " قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولا يحفظ له علة
وأخرج ابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه من حديث عائشة مرفوعا " الشرك في هذه الأمة أخفي من دبيب النمل " وفي الباب عن أبي سعيد رواه أحمد . وعن أبي موسى وأبي بكر وحذيفة ومعقل بن يسار رواها الهيثمي
وأخرج أحمد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا " من سمع بعلمه الله به سامع خلقه وصغره وحقره "
قوله : " بعوث " جمع بعث وهو طائفة من الجيش يبعثون في الغزو كالسرية وفيه دليل على أنه يحرم على الرجل أن يمتنع من الخروج إلى الغزو مع قومه ثم يذهب يعرض يفسه على غير قومه ممن طلبوا إلى الغزو ليكون عوض عن أحدهم بالأجرة فإن من فعل ذلك كان خروجه للدنيا لا للدين ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم فهو الأجير إلى أخر قطرة من دمه أي لا يكون في سبيل الله من دمه شيء بل في سبيل ما أخذه من الأجرة
قوله : " وللجاعل أجره وأجر الغازي " فيه دليل على أنه لا يستحق أجر الغزو من خرج بالأجرة بل يكون أجره لليستأجر وهو الذي أعطاه الجعالة أي ما جعله له من الأجرة ويكون ذلك أي أجر المجعول له منضما إلى أجر الجاعل إذا كان غازيا وإن لم يكن غازيا فله أجر الذي دفعه من الأجر وأجر المجعول له
قوله : " من جهز غازيا " أي هيأ له أسباب سفره وما يحتاج إليه مما لا بد منه
قوله " فقد غزا " قال ابن حبان معناه أنه مثله في الأجر وإن لم يغز حقيقة ثم أخرج الحديث من وجه آخر بلفظ " كتب له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجره شيء " وأخرج ابن ماجه وابن حبان أيضا من حديث ابن عمر بلفظ " من جهز غازيا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع " وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث بعثا وقال ليخرج من كل رجلين رجل والأجر بينهما وفي رواية له ثم قال للقاعد " أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج " ففيه اشارة إلى الغازي إذا جهز نفسه وقام بكفاية من يخلفه بعده كان له الأجر مرتين
وقال القرطبي لفظة نصف يحتمل أن تكون مقحمة من بعض الرواة وقد احتج بها من ذهب إلى أن المراد بالأحاديث التي وردت بمثل ثواب الفعل حصول أصل الأجر له بغير تضعيف وإن التضعيف يختص بمن باشر العمل قال ولا حجة له في هذا الحديث لوجهين . أحدهما أنه لا يتناول محل النزاع لأن المطلوب إنما هو أن الدال على الخير مثلا هل له مثل أجر فاعله مع التضعيف أو بغير تضعيف والحديث المذكور إنما يقتضي المشاركة والمشاطرة فافترقا . ثانيهما ما تقدم من احتمال كون لفظة نصف زائدة : قال الحافظ لا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح والذي يظهر في توجيهها أنها أطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والمخالف له فإن الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما لللآخر فلا تعارض بين الحديثين وأما من وعد بمثل ثواب العمل وإن لم يعمله إذا كان له فيه دلالة أو مشاركة أو نية صالحة فليس على إطلاقه في عدم التضعيف لكل أحد وصرف والخبر عن ظاهره يحتاج على مستند وكأن مستند القائل إن العامل يباشر المشقة بنفسه بخلاف الدال ونحوه لكن من يجهز الغازي بماله مثلا وكذا من يخلفه فيمن ترك بعده يباشر شيئا من المشقة أيضا فإن الغازي لا يتأتى منه الغزو وإلا بعد أن يكفي ذلك العمل فصار كأنه يباشر معه الغزو بخلاف من اقتصر على النية مثلا انتهى
قوله : " ومن خلفه في أهله بخير " بفتح الخاء المعجمة واللام الخفيفة أي قام بحال من يتركه
باب استئذان الأبوين في الجهاد
1 - عن ابن مسعود قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة على وقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله حدثني بهن ولو استزدته لزادني "
- متفق عليه
2 - وعن عبد الله بن عمرو قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد "
- رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه
3 - وفي رواية " أتى رجل فقال يا رسول الله أنى جئت أريد الجهاد معك ولقد أتيت وأن والدي يبكيان قال فارجع إليهما فأضحكمها كما أبكيتهما "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
4 - وعن أبي سعيد " إن رجلا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليمن فقال هل لك أحد باليمن فقال أبواي فقال أذنا لك فقال لا فقال أرجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك أحد فجاهد وإلا فبرهما "
- رواه أبو داود
5 - وعن معاوية بن جاهمة السلمي " إن جاهمة أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك فقال هل لك من أم قال نعم فقال الزمها فإن الجنة عند رجليها "
- رواه أحمد والنسائي . وهذا كله إن لم يتعين عليه الجهاد فإذا تعين فتركه معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الله عز و جل
- الرواية الثانية من حديث عبد الله بن عمرو أخرجها أيضا النسائي وابن حبان وأخرجها أيضا مسلم وسعيد بن منصور من وجه آخر في نحو هذه القصة قال ارجع إلى والدتك فأحسن صحبتها . وحديث أبي سعيد صححه ابن حبان وحديث معاوية بن جاهمة أخرجه أيضا البيهقي من طريق ابن جريج عن محمد بن طلحة ابن ركانة عن معاوية وقد اختلف في اسناده على محمد بن طلحة اختلافا كثيرا ورجال اسناد النسائي ثقات إلا محمد بن طلحة وهو صدوق يخطئ
قوله : " أي العمل أحب إلى الله " في رواية للبخاري وغيره أي العمل أفضل وظاهره إن الصلاة أحب الأعمال وأفضلها
قال في الفتح وحاصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث ونحوه مما اختلف فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال إن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بمالهم فيه رغبة أو بما هو لائق بهم أو كان الأختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أقضل منه في غيره فقد كان الجهاد في أول الإسلام أفضل الأعمال لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن من ادائها وقد تظافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة ومع ذلك ففي وقت مواساة الفقراء المضطرين تكون الصدقة أفضل أو أن أفضل ليست على بابها بل المراد بها الفضل المطلق أو المراد من أفضل الأعمال فحذفت من وهي مرادة
وقال ابن دقيق العيد الأعمال في هذا الحديث محمولة على البدنية وأريد بذلك الأحتراز عن الإيمان لأنه من أعمال القلوب فلا تعارض بينه وبين حديث أبي هريرة أفضل الأعمال إيمان بالله الحديث : وقال غيره المراد بالجهاد هنا ما ليس بفرض عين لأنه يتوقف على إذن الوالدين فيكون برهما مقدما عليه قوله " الصلاة على وقتها " قال ابن بطال فيه أن البدار إلى الصلاة في أول الوقت أفضل من التراخي فيها لأنه إنما شرط فيها أن تكون أحب الأعمال إذا أقيمت لوقتها المستحب
قال الحافظ وفي أخذ ذلك من اللفظ المذكور نظر
قال ابن دقيق العبد ليس في هذا اللفظ ما يقتضي أولا ولا آخرا وكان المقصود به الأحتراز عما إذا وقعت قضاء وتعقب بأن إخراجها عن وقتها محرم ولفظ أحب يقتضي المشاركة في الأستحباب فيكون المراد الأحتراز عن ايقاعها آخر الوقت وأجيب أن المشاركة إنما هي بالنسبة إلى الصلاة وغيرها من الأعمال فإن وقعت الصلاة في وقتها كانت أحب إلى الله من غيرها من الأعمال فوقع الأحتراز عما إذا وقعت خارجة عن وقتها من معذور كالنائم والناسي فإن إخراجهما لها عن وقتها لا يوصف بالتحريم ولا يوصف بكونه أفضل الأعمال مع كونه محبوبا لكن ايقاعها في الوقت أحب
وقد روى الحديث الدارقطني والحاكم والبيهقي بلفظ الصلاة في أول وقتها وهذا اللفظ مما تفرد به علي بن حفص وهو شيخ صدوق من رجال مسلم
قال الدارقطني ما أحسبه حفظه لأنه كبر وتغير حفظه قال الحافظ ورواه الحسين المعمري في اليوم والليلة عن أبي موسى محمد بن المثني عن غندر عن شعبة كذلك قال الدارقطني تفرد به المعمري فقد رواه أصحاب أبي موسى عنه بلفظ " على وقتها " ثم أخرجه الدارقطني عن المحاملي عن أبي موسى كرواية الجماعة وكذا رواه أصحاب غندر عنه والظاهر أن المعمري وهم فيه لأنه كان يحدث من حفظه وقد أطلق النووي في شرح المهذب أن رواية في أول وقتها ضعيفة وتعقبه الحافظ بأن لها طريقا أخرى أخرجها ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وغيرهما من طريق عثمان بن عمر عن مالك بن مغول عن الوليد وتفرد عثمان بذلك والمعروف عن مالك بن مغول كرواية الجماعة وكان من رواها كذلك ظن أن المعنى واحد ويمكن أن يكون أخذه من لفظه على لأنها تقتضي الأستعلاء على جميع الوقت فتعين أوله والظاهر أن على بمعنى اللام أي لوقتها
قال القرطبي وغيره أن اللام في لوقتها للاستقبال مثل ( فطلقوهن لعدتهن ) أي مستقبلات عدتهن وقيل للابتداء كقوله ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) وقيل بمعنى في أي وقتها وقيل إنها لإرادة الاستعلاء على الوقت وفائدته تحقق دخول الوقت ليقع الأداء فيه قوله " ثم أي " قيل الصواب أنه غير منون لانه موقوف عليه في الكلام والسائل ينتظر الجواب والتنوين لا يوقف عليه فتنوينه ووصله بما بعده خطأ فيوقف عليه ثم يؤتى بما بعده
قال الفاكهاني وحكى ابن الجوزي وابن الخشاب الجزم بتنوينه لأنه معرب غير مضاف وتعقب بأنه مضاف تقديرا والمضاف إليه محذوف لفظا والتقدير ثم أي العمل أحب فوقف عليه بلا تنوين
قوله " بر الوالدين " كذا للأكثر وللمستملى ثم بر الوالدين بزيادة ثم وفي الحديث فضل تعظيم الوالدين وإن أعمال البدن يفضل بعضها على بعض وفيه فوائد غير ذلك
قوله : " ففيهما فجاهد " أي خصصهما بجهاد النفس في رضائهما
قال في الفتح ويستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضده إذا فهم المعنى لأن صيغة الأمر في قوله فجاهد ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما بهما وليس ذلك مرادا قطعا وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد وهوتعب البدن وبذل المال ويؤخذ منه أن كل شيء يتعب النفس يسمى جهادا اه ولا يخفى أن كون المفهوم من تلك الصيغة إيصال الضرر بالأبوين إنما يصح قبل دخول لفظ في عليها وأما بعد دخولها كما هو الواقع في الحديث فليس ذلك المعنى هو المفهوم منها فإنه لا يقال جاهد في الكفار بمعنى جاهدهم كما يقال جاهد في الله فالجهاد الذي يراد منه إيصال الضرر لمن وقعت المجاهدة له هو جاهده لا جاهد فيه وله
وفي الحديث دليل على أن بر الوالدين قد يكون أفضل من الجهاد
قوله : " فإن أذنا لك فجاهد " فيه دليل على أنه يجب استئذان الأبوين في الجهاد وبذلك قال الجمهور وجزموا بتحريم الجهاد إذا منع منه الأبوان أو أحدهما لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد فلا أذن ويشهد له ما أخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو قال " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن أفضل الأعمال قال الصلاة قال ثم مه قال الجهاد قال فإن لي والدين فقال آمرك بوالديك خيرا فقال والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما قال فأنت أعلم " وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الحديثين وهذ بشرط أن يكون الأبوان مسلمين وهل يلحق بهما الجد والجدة الأصح عند الشافعية ذلك وظاهره عدم الفرق بين الأحرار والعبيد
قال في الفتح واستدل بالحديث على تحريم السفر بغير إذنهما لأن الجهاد إذا منع منه مع فضيلته فالسفر المباح أولى نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعين السفر طريقا إليه فلا منع وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف
باب لا يجاهد من عليه دين إلا برضا غريمه
1 - عن أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال فقام رجل فقال يا رسول الله أرأيت أن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف قلت قال أرأيت أن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه . ولأحمد والنسائي من حديث أبي هريرة مثله
2 - وعن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك "
- رواه أحمد ومسلم
3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القتل في سبيل الله يكفر كل خطيئة فقال جبريل إلا الدين فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا الدين "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب
- حديث أبي هريرة رجال اسناده في سنن النائي ثقات وقد أشار إليه الترمذي فقال بعد إخراجه لحديث أبي قتادة وفي الباب عن أنس ومحمد بن جحش وأبي هريرة اه قوله " افضل الأعمال " فيه دليل على أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل من غيرهما من أعمال الخير وهو يعارض في الظاهر ما تقدم في الباب الأول ويتوجه الجمع بما سلف
قوله : " نعم " فيه دليل على أن الجهاد بشرط أن يكون في سبيل الله مع الأحتساب وعدم الأنهزام من مكفرات جميع الذنوب والخطايا فيكون الشهيد بالشهادة مستحقا للمغفرة العامة إلا ما كان من الديون اللازمة للآدميين فإنها لا تغفر للشهيد ولا تسقط عنه بمجرد الشهادة وذلك لكونه حق الآدمي وسقوطه إنما يكون بضاء واختياره ولهذا امتنع صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة على من عليه دين كما تقدم في الضمانة ويلحق بالدين ما كان جقا لآدمي من دم أو عرض بجامع أن كل واحد حق لآدمي يتوقف سقوطه على اسقاطه
قوله : " فإن جبريل قال لي ذلك " لعل الجواب منه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله نعم من غير استثناء كان بالأجتهاد ثم لما أخبره جبريل بما أخبر استعاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السائل سؤاله ثم أخبره بأن استثناء الدين ليس هو من جهته وإنما هو بأمر الله له بذلك
وقد استدل بأحاديث الباب على أنه لا يجوز لمن عليه دين أن يخرج إلى الجهاد إلا بأذن من له الدين لأنه حق لآدمي والجهاد حق لله تعالى وينبغي أن يلحق بذلك سائر حقوق الآدميين كما تقدم لعدم الفرق بين حق وحق . ووجه الاستدلال بأحاديث الباب على عدم جواز خروج المديون إلى الجهاد بغير أذن غريمه أن الدين يمنع من فائدة الشهادة وهي المغفرة العامة وذلك يبطل ثمرة الجهاد وقد أشار صاحب البحر إلى مثل ذلك فقال ومن عليه دين حال لم يخرج إلا بأذن الغريم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " نعم إلا الدين " الخبر فإذا منع الشهادة بطلت ثمرة الجهاد اه ولا يخفى أن بقاء الدين في ذمة الشهيد لا يمنع منالشهادة بل هو شهيد مغفور له ذنب إلا الدين وغفران ذنب واحد يصح جعله ثمرة للجهاد فكيف بمغفرة جميع الذنوب إلا واحدا منها فالقول بأن ثمرة الشهادة مغفرة جميع الذنوب ممنوع كما أن القول بأن عدم غفران ذنب واحد يمنع من الشهادة ويبطل ثمرة الجهاد ممنوع أيضا وغاية ما اشتملت عليه أحاديث الباب هو أن الشهيد يغفر له جميع ذنوبه إلا ذنب الدين وذلك لا يستلزم عدم جواز الخروج إلى الجهاد إلا بأذن من له الدين بل إن أحب المجاهد أن يكون جهاده سببا لمغفرة كل ذنب استأذن صاحب الدين في الخروج وإن رضي بأن يبعى عليه ذنب واحد منها جاز له الخروج بدون استئذان وهذا إذا كان الدين حالا وأما إذا كال مؤجلا ففي ذلك وجهان
قال الإمام يحيى أصحهما يعتبر الأذن أيضا إذ الدين مانع للشهادة وقيل لا كالخروج للتجارة قال في البحر ويصح الرجوع عن الأذن قبل التحام القتال إذ الحق له لا بعده لما فيه من الوهن
باب ما جاء في الأستعانة بالمشركين
1 - عن عائشة قالت " خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان تذكر منه جرأة ونجدة ففرح به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رأوه فلما أدركه قال جئت لأتبعك فأصيب معك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تؤمن بالله ورسوله قال لا قال فأرجع فلن استعين بمشرك قالت ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قال أول مرة فقال لا قال فأرجع فلن استعين بمشرك قال فرجع فأدركه البيداء فقال له كما قال أول مرة تؤمن بالله ورسوله قال نعم فقال له فأنطلق "
- رواه أحمد ومسلم
2 - وعن خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يريد غزوا أنا ورجل من قومي ولم نسلم فقلنا أنا نستحي ان يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم فقال أسلمتما فقلنا لا فقال إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين فأسلمنا وشهدنا معه "
- رواه أحمد
3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 000000 لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا "
- رواه أحمد والنسائي
4 - وعن ذي مخبر قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ستصالحون الروم صلحا وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم "
- رواه أحمد وأبو داود
5 - وعن الزهري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعان بناس من اليهود في خيبر في حربه فأسهم لهم "
- رواه أبو داود في مراسيله
- حديث خبيب بن عبد الرحمن أخرجه الشافعي والبيهقي وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وقال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات . وحديث أنس في إسناده عند النسائي أزهر بن راشد وهو ضعيف وبقية رجال إسناده ثقات . وحديث ذي مخبر أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناد أبي داود رجال الصحيح . وحديث الترمذي أخرجه أيضا الترمذي مرسلا والزهري مراسيله ضعيفة . ورواه الشافعي فقال أخبرنا يوسف حدثنا حسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال استعان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر مثله وقال ولم يسهم لهم
قال البيهقي لم أجده إلا من طريق الحسن بن عمارة وهو ضعيف والصحيح ما أخبرنا الحافظ أبو عبد الله فساق بسنده إلى أبي حميد الساعدي قال " خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا خلف ثنية الوداع إذا كتيبة قال من هؤلاء قالوا بنو قينقاع رهط عبد الله بن سلام قال أو تسلموا قالوا فأمرهم أن يرجعوا وقال إنا لا نستعين بالمشركين فأسلموا . وحديث عائشة فيه دليل على أنها لا تجوز الاستعانة بالكافر وكذلك حديث خبيب بن عبد الرحمن ويعارضهما في الظاهر حديث ذي مخبر وحديث الزهري المذكور أن وقد جمع بأوجه منها ما ذكره البيهقي عن نص الشافعي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفرس الرغبة في الذين ردهم فردهم رجاء أن يسلموا فصدق الله ظنه
وفيه نظر لأن قوله لا أستعين بمشرك نكرة في سياق النفي تفيد العموم . ومنها أن الأمر في ذلك إلى رأي الإمام وفيه النظر المذكور بعينه . ومنها أن الاستعانة كانت ممنوعة ثم رخص فيها قال الحافظ في التلخيص وهذا أقربها وعليه نص الشافعي وإلى عدم جواز الاستعانة بالمشركين ذهب جماعة من العلماء وهو مروي عن الشافعي وحكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه أنها تجوز الاستعانة بالكفار والفساق حيث يستقيمون على أوامره ونواهيه واستدلوا باستعانته صلى الله عليه وآله وسلم بناس من اليهود كما تقدم وباستعانة صلى الله عليه وآله وسلم بصفوان بن أمية يوم حنين وبإخباره صلى الله عليه وآله وسلم بأنها ستقع من المسلمين مصالحة الروم ويغزون جميعا عدوا من وراء المسلمين
قال في البحر وتجوز الاستعانة بالمنافق اجماعا لاستعانته صلى الله عليه وآله وسلم بابن أبي وأصحابه وتجوز الاستعانة بالفساق على الكفار لإجماعا وعلى البغاة عندنا لاستعانة علي عليه السلام بالأشعث انتهى
وقد روي عن الشافعي المنع من الأستعانة بالكفار على المسلمين لأن في ذلك جعل سبيل الكافر على المسلم وقد قال تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وأجيب بأن السبيل هو اليد وهي للإمام الذي استعان بالكافر وشرط بعض العلم ومنهم الهادوية أنها لا بجوز الأستعانة بالكفار والفساق إلا حيث مع الإمام جماعة من المسلمين يستقل بهم في امضاء الأحكام الشرعية على الذين استعان بهم ليكونوا مغلوبين لا غالبين كما كان عبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين يخرجون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقتال وهم كذلك ومما يدل على جواز الأستعانة بالمشركين أن قزمان خرج مع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بني عبد الدار حملة لواء المشركين حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم وآله وسلم أن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر كما ثبت ذلك عند أهل السير وخرجت خزاعة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قريش عام الفتح ( والحاصل ) أن الظاهر من الأدلة عدم جواز الأستعانة بمن كان مشركا مطلقا لما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنا لا نستعين بالمشركين من العموم
وكذلك قوله أنا لا أستعين بمشرك ولا يصلح مرسل الزهري لمعارضة ذلك لما تقدم من أن مراسيل الزهري ضعيفة والمسند فيه الحسن بن عمارة وهو ضعيف ويؤيد هذا قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وقد أخرج الشيخان عن البراء قال " جاء رجل مقنع بالحديد فقال يا رسول الله أقاتل أو أسلم قال أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل فقتل فقال صلى الله عليه وآله وسلم عمل قليلا وأجر كثيرا " وأما استعانته صلى الله عليه وآله وسلم بابن أبي فليس إلا لإظهار الإسلام وأما مقاتلة قزمان مع المسلمين فلم يثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم أذن له بذلك في ابتداء الأمر وغاية ما فيه أنه يجوز للإمام السكوت عن كافر قاتل مع المسلمين
قوله : " بحرة الوبرة " الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء والوبرة بفتح الواو والباء الموحدة بعدها راء بسكون الموحدة أيضا موضع على أربعة أميال من المدينة
قوله : " بالشجرة " اسم موضع وكذلك البيداء
قوله : " ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا " بفتح العين المهملة والراء وبعدها موحدة
قال في القاموس في مادة عرب ولا تنقشوا على خاتيمكم عربيا أي لا تنقشوا محمد رسول الله كأنه قال نبيا عربيا يعني نفسه صلى الله عليه وآله وسلم انتهى نهي صلى الله عليه وآله وسلم ان ينقشوا على خواتيمهم مثل ما كان ينقش على حاتمه وهو محمد رسول الله لأنه كان علامة له في ذلك الوقت يختم به كتبه
باب ما جاء في مشاورة الإمام الجيش ونصحه لهم ورفقه وأخذهم بما عليهم
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شاور حين بلغه اقبال أبي سفيان فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ثم تكلم عمر فأعرض عنه فقام سعد بن عبادة فقال ايانا تريد يا رسول الله والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لاخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا قال فندب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس فأنطلقوا "
- رواه أحمد ومسلم
2 - وعن أبي هريرة " قال ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد والشافعي
- قوله " حين بلغه اقبال أبي سفيان " هذا الأمر كان في غزوة بدر وقد اقتصر المصنف ههنا على أول الحديث لكونه محل الحاجة وتمامه فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فقول لهم ما لي علم بأبي سفيان ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس فإذا قال ذلك ضربوه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي فلما رأى ذلك انصرف فقال والذي نفسي بيده أنكم لتضربونه إذا صدقكم وتتركونه إذا كذبكم ثم قال هذا مصرع فلان ويضع يده على الأرض ههنا ههنا قال فوالله ما ماط أحد منهم عن موضعه
قوله : " أن نخيضها " أي الخيل هو بالخاء المعجمة بعدها مثناة تحتية ثم ضاد معجمة قال في القاموس خاض الماء يخوضه خوضا وخياضا دخله كخوضه واختاضه وبالفرس أو رده كاخاضه انتهى
قوله : " برك " كسر الباء الموحدة وفتحها مع سكون الراء . والغماد بغين معجمة مثلثة كما في القاموس وهو موضع في ساحل البحر بينه وبين جدة عشرة أميال وهو البندر القديم . وحكى صاحب القاموس عن ابن عليم في الباهر أنه أقصى معمور الأرض
قوله : " ما رأيت أحدا قط " الخ فيه دليل على أنه يشرع للإمام أن يستكثر من استشارة أصحابه الموثوق بهم دينا وعقلا وقد ذهبت الهادوية إلى وجوب استشارة الإمام بأهل الفضل واستدلوا بظاهر قوله تعالى { وشاورهم في الأمر } وقيل أن الأمر في الآية للندب أيناسا لهم وتطييبا لخواطرهم وأجيب بأن ذلك نوع من التعظيم وهو واجب والاستدلال بالآية على الوجوب إنما يتم بعد تسليم أنها غير خاصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو بعد تسليم أن الخطاب الخاص به يعم الأمة أو الأئمة وذلك مخلف فيه عند أهل الأصول
3 - وعن معقل بن يسار قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة "
- متفق عليه
وفي لفظ " ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجتهد لهم ولا ينصح لهم إلا لم يدخل الجنة " . رواه مسلم
4 - وعن عائشة قالت " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به "
- رواه أحمد ومسلم
5 - وعن جابر قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخلف في المسير فيزجي الضعيف فيردف ويدعو لهم "
- رواه أبو داود
6 - وعن سهل بن معاذ عن أبيه قال " غزونا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزوة كذا وكذا فضيق الناس الطريق فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناديا فنادى من ضيق منزلا أو قطع طريقا فلا جهاد له "
- رواه أحمد وأبو داود
- حديث جابر سكت عن أبو داود والمنذري ورجال اسناده رجال الصحيح إلا الحسن بن شوكر وقد قيل أن البخاري روى له كما ذكره صاحب التقريب وحديث سهل بن معاذ في اسناده إسماعيل بن عياش وفي مقال قد تقدم وسهل بن معاذ ضعيف كما قال المنذري
قوله : " إلا حرم الله عليه الجنة " وفي رواية للبخاري لم يجد رائحة الجنة زاد الطبراني وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عام وأصل هذا الحديث أن عبيد الله بن زياد لما أفرط في سفك الدماء وكان معقل بن يسار حينئذ مريضا مرضه الذي مات فيه فأتى عبيد الله يعوده فقال له معقل إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكره
وفي مسلم أنه لما حدثه بذلك قال ألا كنت حدثتني قبل هذا اليوم قال لم أكن لأحدثك قبل سبب ذلك والمراد بهذا السبب هو ما كان يقع منه من سفك الدماء ووقع في رواية الإسماعيلي من الوجه الذي أخرجه مسلم لولا أني ميت ما حدثتك فكأنه كان يخشى بطشه فلما نزل به الموت أراد أن يكف بعض شره عن المسلمين وأخرج الطبراني في الكبير عن الحسن قال قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرا أمره علينا معاوية غلاما سفيها يسفك الدماء سفكا شديدا وفينا عبد الله بن معقل المزني فدخل عليه ذات يوم فقال له انته عما أراك تصنع فقال له وما أنت وذاك قال ثم خرج إلى المسجد فقلنا له ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رؤوس الناس فقال أنه كان عندي علم فأحببت أن لا أموت حتى أقول به على رؤوس الناس ثم قام فما لبث أن مرض مرضه الذي توفى فيه فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده فذكر نحو حديث الباب فيحتمل أن تكون القصة وقعت للصحابيين قوله " ما من أمير " في رواية للبخاري ما من وال يلي رعية من المسلمين
قوله : " ثم لا يجتهد " في رواية أبي المليح ثم لا يجد له بجيم ودال مشددة من الجد بالكسر ضد الهزل
قوله : " يلي " قال ابن التين يلي جاء على غير القياس لأن ماضيه ولي بالكسر فمستقبله يولي بالفتح وهو مثل ورث يرث قال ابن بطال هذا وعيد شديد على أئمة الجور فمن ضيع من استرعاه الله أو خانهم أو ظلمهم فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة ومعنى حرم الله عليه الجنة أي أنفذ عليه الوعيد ولم يرض عنه المظلومين ونقل ابن التين عن الداودي نحوه قال ويحتمل أن يكون هذا في حق الكافر لأن المؤمن لا بد له من نصحه
قال الحافظ وهو احتمال بعيد جدا والتعليل مردود والكافر أيضا قد يكون ناصحا فيما تولاه ولا يمنعه ذلك الكفر انتهى . ويمكن أن يجاب على هذا بأن النصح من الكافر لا حكم له لعدم كونه مثابا عليه والأولى في الجواب أن يقال إن الواقع في الحديث نكرة في سياق النفي وهي تعم الكافر والمسلم فلا يقبل التخصيص إلا بدليل وقال بعضهم يحمل على المستحل قال الحافظ والأولى أنه محمول على غير المستحل وإنما أريد به الزجر والتغليظ قال وقد وقع في رواية لمسلم بلفظ " لم يدخل معهم الجنة " وهو يؤيد أن المراد أنه لا يدخل الجنة في وقت اتنهى . ويجاب بأن الحمل على الزجر والتغليظ خلاف الظاهر فلا يصار إليه لدليل ورواية مسلم لا تدل على أن الدخول في بعض الأوقات لأن النفي فيها مطلق وغاية ما فيه أنه غير مؤكد كما في النفي بلن
قال الطيبي أن قوله وهو غاش قيد للفعل مقصود بالذكر يريد أن الله تعالى إنما ولاه على عباده ليديم لهم النصيحة لا ليغشهم حتى يموت على ذلك فمن قلب القضية استحق أن يعاقب قوله " فيزجي الضعيف " بضم التحتية وسكون الزاي بعدها جيم قال في القاموس زجاه ساقه ودفعه كزجاه وازجاه
قوله : " ويردف " قال في القاموس الردف بالكسر الراكب خلف الراكب انتهى والمراد أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يردف خلفه من ليس له راحلة إذا كان يضعف عن المشي وهذا من حسن خلقه الذي وصفه الله تعالى به وذكر عظمه فقال ( إنك لعلى خلق عظيم بالمؤمنين رؤف رحيم )
قوله : " فلا جهاد له " فيه أنه لا يجوز لأحد تضييق الطريق التي يمر بها الناس ونفي جهاد من فعل ذلك على طريق المبالغة في الزجر والتنفير وكذلك لا يجوز تضييق المنازل التي ينزل فيها المجاهدون لما في ذلك الإضرار بهم
باب لزوم طاعة الجيش لأميرهم ما لم يأمر بمعصية
1 - عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " الغزو غزوان فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد فإن نومه ونبهه أجر كله وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصي الإمام وأفسد في الأرض فإنه لن يرجع بالكفاف "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي
2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص المير فقد عصاني "
- متفق عليه
3 - وعن ابن عباس " في قوله تعالى { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } قال نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سرية "
- رواه أحمد والنسائي
4 - وعن علي رضي الله عنه قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فعصوه قي شيء فقال اجمعوا لي حطبا فجمعوا ثم قال أوقدوا نارا فأوقدوا ثم قال ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تسمعوا وتطيعوا قالوا بلى قال فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النار فكانوا كذلك حتى سكن غضبه وطفئت النار فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لو دخلوها لم يخرجوا منها أبدا وقال لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف "
- متفق عليه
- حديث معاذ في إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال قال في التقريب صدوق كثير التدليس عن الضعفاء وقد صرح بالتحديث في سند هذا الحديث عن يجير وحديث ابن عباس أخرجه أبو داود قال المنذري في مختصر السنن وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
قوله : " وأنفق الكريمة " هي الفرس التي يغزى عليها قال في القاموس والكريمان الحج والجهاد ومنه خير الناس مؤمن بين كريمين أو معناه بين فرسين يغزوا عليهما أو بعيرين يستقي عليهما اه ويحتمل أن يكون المراد إنفاق الخصلة الكريمة عند المنفق المحبوبة إليه من غير تعيين
قوله : " وياسر الشريك " أي سامحه وعامله باليسر ولم يعاسره
قوله : " ونبهه " بفتح النون وسكون الموحدة أي انتباهه في سبيل الله
قوله : " لن يرجع بالكفاف " أي لم يرجع لا عليه ولا له من ثواب تلك الغزوة وعقابها بل يرجع وقد لزمه الإثم لأن الطاعات إذا لم تقع بصلاح سريرة انقلبت معاصي والعاصي آثم
قوله : " من أطاعني فقد أطاع الله " الخ هذا الحديث فيه دليل على أن طاعة من كان أميرا طاعة له صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته طاعة لله وعصيانه عصيان له وعصيانه عصيان لله وقد قدمنا من الأدلة الدالة على وجوب طاعة الأئمة والأمراء في باب الصبر على جور الأئمة من آخر كتاب الحدود ما فيه كفاية فليرجع إليه
وقد نص القرآن على ذلك فقال أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وهي نازلة في طاعة الأمراء كما في رواية ابن عباس المذكورة في الباب
وقد قيل أن أولي الأمر هم العلماء كما وقع في الكشاف وغيره من كتب التفسير
قوله : " رجلا من الأنصار " روى أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث أبي سعيد أن الرجل المذكور هو علقمة بن مجزز وكذا ذكر ابن إسحاق
وقيل أنه عبد الله بن حذافة السهمي وكان من أصحاب بدر وكان فيه دعابة ويجمع بينهما بأن كل واحد منهما كان أميرا على بعض من تلك السرية ويدل على ذلك حديث أبي سعيد الذي أشرنا إليه ولفظه " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علقمة بن مجزز على بعث أنا فيهم حتى إذا انتهينا إلى رأس غزاتنا إذ كنا ببعض الطريق إذا بطائفة من الجيش وأمر عليهم عبد الله بن حذافة السهمي وكان من أصحاب بدر وكان فيه دعابة " الحديث
وقد بوب البخاري على هذا الحديث فقال باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي
قوله : " أوقد نارا " الخ قيل أنه لم يقصد دخولهم النار حقيقة وإنما أشار بذلك إلى أن طاعة الأمير واجبة ومن ترك الواجب دخل النار فإذا شق عليكم دخول هذه النار فكيف بالنار الكبرى وكان قصده أنه لو رأى منهم الجد في ولوجها لمنعهم
قوله : " لو دخلوها لم يخرجوا منها " قال الداودي يريد تلك النار لأنهم يموتون بتحريقها فلا يخرجون منها أحياء قال وليس المراد بالنار نار جهنم ولا أنهم يخلدون فيها لأنه قد ثبت في حديث الشفاعة أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من أيمان قال وهذا من المعاريض التي فيها مندوحة يريد أنه سيق مساق الزجر والتخويف ليفهم السامع أن من فعل ذلك خلد في النار وليس ذلك مرادا وإنما أريد به الزجر والتخويف وقد ذكر له صاحب الفتح توجيهات في كتاب المغازي
قوله : " لا طاعة في معصية الله " أي لا تجب بل تحريم على من كان قادرا على الامتناع
وفي حديث معاذ عند أحمد لا طاعة لمن لم يطع الله . وعند البزار في حديث عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري لا طاعة في معصية الله وسنده قوي
وفي حديث عبادة بن الصامت عند أحمد والطبراني لا طاعة لمن عصي الله ولفظ البخاري في حديث الباب " فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " وهذا تقييد لما أطلق في الأحاديث المطلقة القاضية بطاعة أولى الأمر على العموم والقاضية بالصبر على ما يقع من الأمير مما يكره والوعيد على مفارقة الجماعة والمراد بقوله لا طاعة في معصية الله نفى الحقيقة الشرعية لا الوجودية وقوله " إنما الطاعة في المعروف " فيه بيان ما يطاع فيه من كان من أولي الأمر وهو الأمر المعروف لا ما كان منكرا والمراد بالمعروف ما كان من الأمور المعروفة في الشرع لا المعروف في العقل أو العادة لأن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها على ما تقرر في الأصول
باب الدعوة قبل القتال
1 - عن ابن عباس قال " ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوما قط إلا دعاهم "
- رواه أحمد
2 - وعن سيمان بن بريدة عن أبيه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فايتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا ان يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم ما يجري على المسلمين ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذمتكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله وإذا حاصرت أهل حصن وأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي وصححه . وهو حجة في أن قبول الجزية لا يختص بأهل الكتاب وأن ليس كل مجتهد مصيبا بل الحق عند الله واحد وفيه المنع من قتل الولدان ومن التمثيل
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا الحاكم من طريق عبد الله بن أبي نجيح عن أبيه عنه
قال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله رجال الصحيح . وظاهر قوله إلا دعاهم يخلف حديث نافع عن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون " قوله " أو سرية " هي القطعة من الجيش تنفصل عنه ثم تعود إليه وقيل هي قطعة من الخيل زهاء أربعمائة كذا قال إبراهيم الحربي . وسميت سرية لأنها تسري ليلا على خفية
قوله : " ولا تغلوا " بضم الغين أي لا تخونوا إذا غنمتم شيئا
قوله : " ولا تغدروا " بكسر الدال وضمها وهو ضد الوفاء
قوله : " وليدا " هو الصبي
قوله : " فادعهم " وقع في نسخ مسلم ثم ادعهم
قال عياض الصواب اسقاط ثم وقد اسقطها أبو عبيد في كتابه وأبو داود في سننه وغيرهما لأنه تفسير للخصال الثلاث
وقال المازري أن ثم دخلت لاستفتاح الكلام وفي هذا دليل على أنه يشرع للإمام إذا أرسل للأمام إذا أرسل قومه إلى قتال الكفار ونحوهم أن يوصيهم بتقوى الله وينهاهم عن المعاصي المتعلقة بالقتال كالغلول والغدر والمثلة وقتل الصبيان وفيه دليل على وجوب تقديم دعاء الكفار إلى الإسلام قل المقاتلة وفي المسألة ثلاثة مذاهب . الأول أنه يجب تقديم الدعاء للكفار إلى الإسلام من غير فرق بين من بلغته الدعوة منهم ومن لم تبلغه وبه قال مالك والهادوية وغيرهم وظاهر الحديث معهم . والمذهب الثاني أنه لا يجب مطلقا وسيأتي في هذا الباب دليل من قال به . المذهب الثالث أنه يجب لمن لم تبلغهم الدعوة ولا يجب أن بلغتهم لكن يستحب قال ابن المنذر وهو قول جمهور أهل العلم وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه وبه يجمع بين ما ظاهره الأختلاف من الأحاديث وقد زعم الإمام المهدي أن وجوب تقديم دعوة من لم تبلغه الدعوة مجمع عليه ويرد ذلك ما ذكرنا من المذاهب الثلاثة وقد حكاها المازري وأبو بكر بن العربي
قوله : " ثم ادعهم إلى التحول " فيه ترغيب الكفار بعد اجابتهم وإسلامهم إلى الهجرة إلى ديار المسلمين لأن الوقوف بالبادية ربما كان سببا لعدم معرفة الشريعة لقلة من فيها من أهل العلم قوله " ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة شيء " الخ ظاهر هذا أنه لا يستحق من كان بالبادية ولم يهاجر نصيبا في الفيء والغنيمة إذا لم يجاهد وبه قال الشافعي وفرق بين مال الفىء والغنيمة وبين مال الزكاة وقال إن للإعراب حقا في الثاني دون الأول . وذهب مالك وأبو حنيفة والهادوية إلى عدم الفرق بينهما وأنه يجوز صرف كل واحد منهما في مصف الآخر . وزعم أبو عبيد أن هذا الحكم منسوخ وإنما كان في أوائل الإسلام وأجيب بمنع دعوى النسخ
قوله : " فسلهم الجزية " ظاهره عدم الفرق بين الكافر العجمي والعربي والكتابي وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي وجماعة من أهل العلم وخالفهم الشافعي فقال لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس عربا كانوا أو عجما واستدل بقوله تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } بعد ذكر أهل الكتاب وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " وأما سائر المشركين فهم داخلون تحت عموم " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى أن الجزية لا تقبل من العربي غير الكتابي وتقبل من الكتابي ومن العجمي ولعله يأتي لهذا البحث مزيد بسط
قوله : " ذمة الله " الذمة عقد الصلح والمهادنة وإنما نهى عن ذلك لئلا ينقض الذمة من لا يعرف حقها وينتهك حرمتها بعض من لا تمييز له من الجيش فيكون ذلك أشد لأن نقض ذمة الله ورسوله أشد من نقض ذمة أمير الجيش أو ذمة جميع الجيش وإن كان نقض الكل محرما
قوله : " إن تخفروا " بضم التاء الفوقية وبعدها خاء معجمة ثم فاء مكسورة وراء يقال أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته بمعنى أمنته وحميته
قوله : " فلا تنزلهم على حكم الله " الخ هذا النهي محمول على التنزيه والاحتياط وكذلك الذي قبله والوجه ما سلف ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا
وفيه دليل لمن قال إن الحق مع واحد وأن ليس كل مجتهد مصيب من الصواب لا من الإصابة
وقد قيل إن هذا الحديث لا ينتهض للاستدلال به على أن ليس كل مجتهد مصيبا لأن ذلك كان في زمن النبي والأحكام الشرعية إذ ذاك لا تزال تنزل ونيسخ بعضها بعضا ويخصص بعضها ببعض فلا يؤمن أن ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم خلاف الحكم الذي قد عرفه الناس
3 - وعن فروة بن مسيك قال " قلت يا رسول الله أقاتل بمقبل قومي مدبرهم قال نعم فلما وليت دعاني فقال لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام "
- رواه أحمد
4 - وعن ابن عوف قال " كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال فكتب إلي إنما كان ذلك في أول الإسلام وقد أغار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلهم وستى ذراربهم وأصاب يومئذ جويرية ابنة الحرث حدثني به عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش "
- متفق عليه . وهو دليل على استرقاق العرب
5 - وعن سهل بن سعدانه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر " فقال أين علي فقيل أنه يشتكي عينيه فأمر فدعا له فبصق في عينيه فبرأ مكانه حتى كأنه لم يكن به شيء فقال نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لان يهتدي بك رجل واحد خير لك من حمر النعم "
- متفق عليه
6 - وعن البراء بن عازب قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع فدخل عبد الله بن عتيك بيته ليلا فقتله وهو نائم "
- رواه أحمد والبخاري
- حديث فروة اخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وقد أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه
قوله : " علي بن المصطلق " بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء وكسر اللام بعدها قاف وهو بطن شهير من خزاعة . والمصطلق أبوهم وهو المصطلق ابن سعد بن عمرو بن ربيعة ويقال المصطلق لقبه واسمه جذيمة بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة
قوله : " وهم غارون " بغين معجمة تشديد الراء جمع غار بالتشديد أي غافلون والمراد بذلك الأخذ على غفلة
قوله : " وسبى ذراريهم " فيه دليل على جواز استرقاق العرب لأن بني المصطلق عرب من خزاعة كما سلف وسيأتي الكلام على ذلك في باب جواز استرقاق العرب
قوله : " فبصق في عينيه فبرأ مكانه " فيه معجزة ظاهرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه منقبة لعلي عليه سلام الله ورحمته وبركاته فإن هذه الغزوة هي التي قال فيها صلى الله عليه وآله وسلم " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فتطاول الناس لها فقال ادعوا لي عليا فأتى به أرمد فبصق في عينيه ودفع إليه الراية ففتح الله عليه " هذا لفظ مسلم والترمذي
قوله : " حتى يكونوا مثلنا " المراد من المثلية المذكورة يصفوا بوصف الإسلام في القيام بأمور الإسلام كلها فإن ذلك لا يمكن امتثاله حال المقاتلة
قوله : " على رسلك " بكسر الراء وسكون السين أي أمشي إليهم على الرفق والتؤدة قال في القاموس الرسل بالكسر الرفق والتؤدة
قوله : " بساحتهم " قال في القاموس الساحة الناحية وفضاء بين دور الحي الجمع ساح وسوح وساحات انتهى
قوله : " فوالله لأن يهتدي بك رجل " الخ فيه الترغيب في التسبب لهداية من كان على ضلالة وإن ذلك خير للإنسان من أجل النعم الواصلة إليه في الدنيا
وفي حديث فروة وسهل بن سعد دليل على وجوب تقديم دعاء الكفار إلى الإسلام على الإطلاق وقد تقدم الخلاف في ذلك والصواب الجمع بين الأحاديث المختلفة بما سلف لحديث ابن عمر المذكور فإن فيه التصريح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقدم الدعوة لبني المصطلق
قوله : " إلى أبي رافع " هو عبد الله بن أبي الحقيق وهذا طرف من الحديث أورده المصنف ههنا لأنه محل الحاجة باعتبار ترجمة الباب لتضمنه وقوع القتل لأبي رافع قبل تقديم الدعوة إليه وعدم أمره صلى الله عليه وآله وسلم لمن بعثه لقتله بأن يقدم الدعوة له إلى الإسلام والقصة مشهورة ساقها البخاري بطولها في المغازي من صحيحه
قوله : " رهطا من الأنصار : هم عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة وعند ابن إسحاق ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة وخزاعي بن الأسود
قوله : " ابن عتيك " بفتح المهملة وكسر المثناة وهوابن قيس بن الأسود من بني سلمة بكسر اللام وكان سبب أمره صلى الله عليه وآله وسلم بقتله أنه كان يؤذي صلى الله عليه وآله وسلم ويعين عليه كما في الصحيح
باب ما يفعله الإمام إذا أراد الغزو من كتمان حاله والتطلع على حال عدوه
1 - عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها "
- متفق عليه وهو لأبي داود وزاد والحرب خدعة
2 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحرب خدعة "
3 - وعن أبي هريرة قال " سمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحرب خدعة "
4 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يأتيني بخبر القوم يومالأحزاب فقال الزبير أنا ثم قال من يأتيني بخبر القوم قال الزبير أنا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل نبي حواري وحواري الزبير "
- متفق عليهن
5 - وعن أنس قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبسا عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان فجاء فحدثه الحديث فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتكلم فقال إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا فجعل رجال يستأذنونه في ظهرهم في علو المدينة فقال لا إلا من كان ظهره حاضرا فانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه حتى سبقوا ركب المشركين إلى بدر "
- رواه أحمد ومسلم
- قوله " ورى " أي ستر ويستعمل في إظهار شيء مع إرادة غيره وأصله من الورى بفتح الواو وسكون الراء هو ما يجعل وراء الإنسان لأن من ورى بشيء كأنه جعله وراءه
وقيل هو في الحرب أخذ العدو على غرة وقيده السيرا في شرح كتاب سيبويه بالهمزة قال وأصحاب الحديث لم يضبطوا فيه الهمزة فكأنهم سهلوها
قوله : " خدعة " بفتح الخاء المعجمة وضمها مع مع سكون الدال المهملة وبضم أوله وفتح ثانيه قال النووي اتفقوا على أن الأولى أفصح وبذلك جزم أبو ذر الهروي والقزاز والثانية ضبطت كذلك في رواية الأصيلي ورجح ثعلب الأولى وقال بلغنا بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر بن طلحة أراد ثعلب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يستعمل هذه البنية كثيرا لو جاز لفظها ولكونها تعطي معنى البنيتين الآخرتين قال ويعطي معناهما أيضا الأمر باستعمال الحيلة ما أمكن ولو مرة قال فكانت مع اختصارها كثيرة المعنى . ومعنى خدعة بالإسكان أنها تخدع أهلها من وصف الفاعل باسم المصدر أو من وصف المفعول كما يقال هذا الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه
وقال الخطابي معناها أنها مرة واحدة أي إذا خدع مرة واحدة لم تقل عثرتهوقيل الحكمة في الإتيان بالتاء للدلالة على الوحدة فإن الخداع إن كان من المسلمين فكأنه حضهم على ذلك ولو مرة واحدة وإن كان من الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ولو وقع مرة واحدة فلا ينبغي التهاون بهم لما ينشأ عنه من المفسدة ولو قل وفي اللغة الثالثة صيغة المبالغة كهمزة ولمزة . وحكى المنذري لغة رابعة بالفتح فيهما قال وهو جمع خادع أي أن أهلها بهذه الصفة فكأنه قال أهل الحرب خدعة وحكى مكي ومحمد بن عبد الله الواحد لغة خامسة كسر أوله مع الإسكان وأصله إظهار أمر وإضمار خلافه وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار وإن من لم يتيقظ لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه
قال النووي واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيف ما أمكن إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز
قال ابن العربي الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة قال ابن المنير معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها لإثما هي المخادعة لا المواجهة وذلك لخطر المواجهة ولحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر
قوله : " بسبسا " بضم الباء الموحدة الأولى وبعدها سين مهملة ساكنة وبعدها باء موحدة مفتوحة ثم سين مهملة وهو ابن عمر ويقال ابن بشر
وفي سنن أبي بسبسة بزيادة تاء التأنيث وقيل فيه أيضا بسيسة بالباء الموحدة مضمومة في أوله وفتح السين المهملة ثم ياء مثناة تحتية ساكنة
قوله : " فقال إن لنا طلبة " بكسر اللام كما في القاموس
وفي النهاية الطلبة الحاجة فيه إبهام للمقصود وقد أورده المصنف للاستدلال به على أن الإمام يكتم أمره كما وقع في الترجمة
باب ترتيب السرايا والجيوش واتخاذ الرايات وألوانها
1 - عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " خير الصحابة أربعة وخير الجيوش أربعة آلاف ولا تغلب إثنا عسر ألفا من قلة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن وذكر أنه في أكثر الروايات عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا . وتمسك به من ذهب إلى أن الجيش إذا كان إثني عشر ألفا لم يجز أن يفر من أمثاله وأضعافه وإن كثروا
2 - وعن ابن عباس قال " كانت راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوداء ولواؤه أبيض "
- رواه الترمذي وابن ماجه
3 - وعن سماك عن رجل من قومه عن آخرمنهم " قال رأيت راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم صفراء "
- رواه أبو داود
4 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض "
- رواه الخمسة إلا أحمد
5 - وعن الحرث بن حسان البكري قال " قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر وبلال قائم بين يديه متقلد بالسيف وإذا رايات سود فسألت ما هذه الرايات فقالوا عمرو بن العاص قدم من غزاة "
- رواه أحمد وابن ماجه
وفي " لفظ قدمت المدينة فدخلت المسجد فإذا هو غاص بالناس وإذا رايات سود وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت ما شأن الناس قالوا يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها " رواه الترمذي
6 - وعن البراء بن عازب " أنه سئل عن راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كانت قال كانت سوداء مربعة من نمرة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي
- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود واقتصر المنذري في مختصر السنن على نقل كلام الترمذي
وأخرجه أيضا الحاكم وقال هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين . وحديث ابن عباس الثاني أخرج نحوه أبو داود والنسائي وفي إسناد حديث الباب يزيد بن حيان أخو مقاتل بن حيان قال البخاري عنده غلط كثير وأخرج البخاري هذا الحديث في تاريخه مقتصرا على الراية . وحديث سماك في إسناده رجل مجهول آخر وهو الذي قال رأيت راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن جهالة الرجل الآخر غير قادحة إن كان صحابيا لما قررنا غير مرة أن مجهول الصحابة مقبول وليس في هذا الحديث ما يدل على أنه صحابي لأنه يمكن أنه رأى راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته ولم تثبت رؤيته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث جابر أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان وقال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك قال وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك . وحديث الحرث بن حسان رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحرث بن حسان فذكره وهؤلاء رجال الصحيح وهذا الحديث إنما أشار إليه الترمذي في كتاب الجهاد إشارة لأنه قال بعد إخراج حديث البراء المذكور ما لفظه وفي الباب عن علي والحرث بن حسان وابن عباس ولم يذكر اللفظ الذي ذكره المصنف ونسبه إليه ولعله ذكره في موضع آخر من جامعه . وحدبث البراء قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة انتهى
وفي إسناده أبو يعقوب الثقفي واسمه إسحاق بن إبراهيم قال ابن عدي الجرجاني روي عن الثقات ما لا يتابع عليه
وقال أيضا وأحاديثه غير محفوظة انتهى
وفي الباب عن سلمة في الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فأعطاها عليا " وعن يزيد بن جابر الغفري عند ابن السكن قال عقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رايات الأنصار وجعلهن صفرا " . وعن أنس عند النسائي أن ابن أم مكتوم كانت مهه راية سوداء في بعض مشاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المنذري وهو حديث حسن وقال ابن القطان صحيح . وعن أبي هريرة عند ابن عدي وعن بريدة عند أبي يعلى . وعن أنس حديث آخر عند أبي يعلى رفعه " إن الله أكرم أمتي بالألوية وإسناده ضعيف . وعن ابن عباس غير ما تقدم عند أبي الشيخ بلفظ " كان مكتوبا على راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا إله إلا الله محمد رسول الله " وسنده ضعيف أيضا
قوله : " خير الصاحبة أربعة " فيه دليل على أن خير الصحابة موجود فيها أصل الخير من غير فرق بين السفر و الحضر ولكنه قد أخرج أهل السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا " الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب " وصححه الحاكم وابن خزيمة
وأخرجه أيضا الحاكم من حديث أبي هريرة وصححه
وظاهره أن ما دون الثلاثة عصاة لأن معنى قوله شيطان أي عاص وقال الطبري هذا الزجر زجر أدب وأرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة وليس بحرام فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الأستيحاش لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف والحق إن الناس يتباينون في ذلك فيحتمل أن يكون الزجر عنه لحسم المادة فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك
وقيل في تفسير قوله الراكب شيطان أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان أو أشبه الشيطان في فعله وقيل إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه وكذلك الإثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد الآخر من يعينه بخلاف الثلاثة ففي الغالب تؤمن الوحشة والخشية
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر " لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده " وقد ثبت في الصحيح أن الزبير انتدب وحده ليأتي النبي بخبر بني قريظة قال ابن المنير السير لمصلحة الحرب أخص من السفر فيجوز السفر للمنفرد للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالإفراد كإرسال الجاسوس والطليعة والكراهة عدا ذلك ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة وقد وقع في كتب المغازي بعث جماعة منفردين منهم حذيفة ونعيم بن مسعود وعبد الله بن أنيس وخوات بن جبير وعمرو بن أمية وسالم بن عمير وبسبسة غيرهم وعلى هذا فوجود أصل الخبر في سائر الأسفار غير سفر الحرب ونحوه إنما هو في الثلاثة دون الواحد والاثنين والأربعة خير من الثلاثة كما يدل على ذلك حديث الباب
قوله : " وخير الجيوش أربعة آلاف " وظاهر هذا أن هذا الجيش خير من غيره من الجيوش سواء كان أقل منه أو أكثر ولكن الأكثر إذا بلغ إلى اثني عشر ألفا لم يغلب من قلة وليس بخير من أربعة آلاف وإن كانت تغلب من قلة كما يدل على ذلك مفهوم العدد
قوله : " راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوداء ولواؤه أبيض " اللواء بكسر اللام والمد وهو الراية ويسمى أيضا العلم وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه كذا في الفتح
وقال أبو بكر بن العربي اللواء غير الراية فاللواء ما يعقد في طرف المح ويلوى عليه والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح وقيل اللواء دون الراية وقيل اللواء العلم الضخم والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار والراية يتولاها صاحب الحرب وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم الألوية وأورد حديث جابر المتقدم ثم ترجم الرايات وأورد حديث البراء المتقدم أيضا
قوله : " من نمرة " هي ثوب حبرة قال في القاموس النمرة بالضم النكبة من أي لون كان والأنمر ما فيه نمرة بيضاء وأخرى سوداء ثم قال والنمرة الحبرة وشملة فيها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف يلبسها الأعراب انتهى
باب ما جاء في تشييع الغازي واستقباله
1 - عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " لأن أشيع غازيا فاكفيه في رحله غدوة أو روحة أحب إلي من الدينا وما فيها "
- رواه أحمد وابن ماجه
2 - وعن السائب عن يزيد قال " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة تبوك خرج الناس يتلقونه من ثنية الوداع قال السائب فخرجت مع الناس وأنا غلام "
- رواه أبو داود والترمذي وصححه . وللبخاري نحوه
3 - وعن ابن عباس قال " مشي معهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجهم ثم قال انطلقوا على اسم الله وقال اللهم أعنهم يعني النفر الذين وجههم إلى كعب بن الأشرف "
- رواه أحمد
- حديث معاذ في اسناده أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف وفي اسناده أيضا رجل لم يسم وقد أخرجه الطبراني . وحديث ابن عباس في اسناده ابن إسحاق وهو مدلس وبقية اسناده رجاله رجال الصحيح وقد أخرجه أيضا البزار والطبراني وفي الباب ما في الصحيحين أن ابن الزبير وابن جعفر وابن عباس لقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قادم فحمل اثنين منهم وترك والثالث وأخرج البخاري عن ابن عباس قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة استقبله أغيلمة لبني عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه وأخرج أحمد والنسائي عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمله خلفه وحمل قم ابن عباس بين يديه
قوله : أشيع غازيا " التشييع الخروج مع المسافر لتوديعه يقال شيع فلانا خرج معه ليودعه ويبلغه منزله
قوله : " أحب إلي من الدنيا وما فيها " قد تقدم الكلام على مثل هذه العبارة في أول كتاب الجهاد ( وفي هذا الحديث ) الترغيب في تشييع الغازي واغانته على بعض ما يحتاج على القيام بمؤنته لأن الجهاد من أفضل العبادات والمشاركة في مقدماته من أفضل المشاركات
قوله : " من ثنية الوداع "
قال في القاموس الثنية العقبة أو طريقاها أو الجبل أو الطريق فيه أو إليه انتهى
قال في القاموس أيضا وثنية الوداع بالمدينة سميت لأن من سافر إلى مكة كان يودع ثم يشيع إليها انتهى
قوله : " بقيع الغرقد " قد تقدم ضبطه وتفسيره وفي الحديث دليل على مشروعية تلقى الغازي إلى خارج البلد لما في الأتصال به من البركة والتيمن بطلعته فإنه في تلك الحال ممن حرمه الله على النار كما تقدم ولما في ذلك من التأنيس له والتطييب لخاطره والترغيب لمن كان قاعدا في الغزو
قوله : " وقال اللهم أعنهم " فيه أستحباب الدعاء للغزاة وطلب الإعانة من الله لهم فإن من كان ملحوظا بعين الربانية ومحوطا بالإعانة والألهية ظفر بمراده
باب استصحاب النساء لمصلحة المرضى والجرحى والخدمة
1 - عن الربيع بنت معوذ قالت " كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة "
- رواه أحمد والبخاري
2 - وعن أم عطية الأنصارية قالت " غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع غزوات اخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على الزمني "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه
3 - وعن أنس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحة "
- روان مسلم والترمذي وصححه
4 - وعن عائشة أنها " قالت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد قال لكن أفضل الجهاد حج مبرور "
- رواه أحمد والبخاري
- قوله " عن الربيع " بالتشديد وأبوها معوذ بالتشديد للواو وبعدها ذال معجمة قوله " كنا نغزو " الخ جعلت الإعانة المغزاة غزوا ويمكن أن يقال أنهن ما أتين لسقي الجرحى ونحو ذلك إلا وهي عازمات على المدافعة عن أنفسهن وقد وقع في صحيح مسلم عن أنس أن أم سليم أتخذت خنجرا يوم حنين فقالت اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه ولهذا بوب البخاري باب غزو النساء وقتالهن
قوله : " وأداوي الجرحى " فيه دليل على أنه يجوز للمرأة الأجنبية معالجة الرجل الأجنبي للضرورة
وقال ابن بطال ويختص ذلك بذوات المحارم وإن دعت الضرورة فليكن بغير مباشرة ولامس ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد أمرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم
وقال الأوزاعي تدفن كما هي
قال ابن المنير الفرق بين حال المداواة وغسل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات اه هكذا يكون حال المرأة في رد القتلى والجرحى فلا تباشر بالمس مع امكان ما هو دونه . وحديث عائشة قد تقدم في أول كتاب الحج
قال ابن بطال دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء ولكن ليس في قوله أفضل الجهاد حج مبرور وفي رواية البخاري جهادكن الحج ما يدل على أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد وإنما لم يكن واجبا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد
باب الأوقات التي يستحب فيها الخروج إلى الغزو والنهوض إلى القتال
1 - عن كعب بن مالك " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج في يوم الخميس في غزوة تبوك وكان أن يخرج يوم الخميس "
- متفق عليه
2 - وعن صخر الغامدي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم باك لأمتي في بكورها قال فكان إذا بعث سرية أوجيشا بعثهم من أول النهار وكان صخر رجلا تاجرا وكان يبعث تجارته من أو النهار فأثرى وكثر ماله "
- رواه الخمسة إلا النسائي
3 - وعن النعمان ابن مقرن " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر "
- رواه أحمد وأبو داود وصححه والبخاري وقال " انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات "
4 - وعن ابن أبي أوفى قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس "
- رواه أحمد
- حديث صخر حسنه الترمذي وقال لا نعرف له غير هذا الحديث ان وفي اسناده عمارة بن حديد سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال مجهول وسئل عنه أبو زرعة الرازي فقال لا نعرف
قال أبو علي ابن السكن أنه مجهول لم ير وعنه غير يعلى ابن عطاء الطائفي وذكر أنه روى من حديث مالك مرسلا
وقال النمري هو مجهول لم ير وعنه غير يعلى الطائفي
وقال أبو القاسم البغوي وابن عبد البرانه ليس لصخر غير هذا الحديث . وذكر بعضهم أنه قد روى حديثا آخر وهو قوله " لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء " وقد تقدم في الجنائز
وأخرج حديث صخر ابن حبان قال ابن طاهر في تخريج أحاديث الشهاب هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة ولم يخرج شيئا منها في الصحيحين . وأقر بها إلى الصحة والشهرة هذا الحديث وذكره عبد القادر الرهاوي في أربعينيته من حديث علي والعبادلة وابن مسعود وجابر وعمران بن حصين وأبي هريرة وعبد الله بن سلام وسهل بن سعد وأبي رافع وعبادة بن وثيمة وأبي بكرة وبريدة بن الحصيب . وحديث بريدة صححه ابن السكن وراوه ابن منده في مستخرجه عن وائلة بن الأصقع ونييط بن شريط وزاد ابن الجوزي في العلل المتناهية عن أبي ذر وكعب بن مالك وأنس والعريض بن عميرة وعائشة وقال لا يثبت منها شيء وضعها كلها
وقد قال أبو حاتم لا أعلم في اللهم بارك لأمتي في بكورها حديثا صحيحا . وحديث ابن أبي أوفى المذكور في الباب أخرجه أيضا سعيد بن منصور الطبراني وضعف اسناده في مجمع الزوائد
قوله : " كان يحب أن يخرج يوم الخميس " قال في الفتح لعل سببه ما روي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم بورك لأمتي في بكورها يوم الخميس وهو حديث ضعيف أخرجه الطبراني من حديث نبيط بنون وموحدة مصغرا ابن شريط بفتح الشين المعجمة قال وكونه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب الخروج يوم الخميس لا يستلزم المواظبة عليه لقيام مانع منه وقد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم خرج لحجة الوداع يوم السبت كما تقدم في الحج اه وقد أخرج حديث نبيط المذكور البزار من حديث ابن عباس وأنس
وفي حديث ابن عباس عنبسة بن عبد الرحمن وهو كذاب
وفي حديث أنس عمرو بن مساور وهو ضعيف وروي بلفظ اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها ويوم خميسها . وسئل أبو زرعة عن هذه الزيادة فقال هي مفتعلة . وحديث صخر المذكور فيه مشروعية التبكير من غير تقييد بيوم مخصوص سواء كان ذلك في سفر جهاد أو حج أو تجارة أو في الخروج إلى عمل من الأعمال ولو في الحضر
قوله : " حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر " ظاهر هذا أن التأخير ليدخل وقت الصلاة لكونه مظنة الإجابة وهبوب الريح قد وقع النصر به في الأحزاب فصار مظنة لذلك ويدل على ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث النعمان بن مقر من وجه آخر غير الوجه الذي روى منه حديثه المذكور في الباب ولفظه قال " " غزوت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قاتل فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس فإذا زالت قاتل فإذا دخل وقت العصر أمسك حتى يصليها ثم يقاتل وكان يقال عند ذلك تهيج رياح النصر وتدعو المؤمنين لجيوشهم في صلاتهم قال في الفتح لكن فيه انقطاع
باب ترتيب الصفوف وجعل سيما وشعار يعرف وكراهة رفع الصوت
1 - عن أبي أيوب قال " صففنا يوم بدر فبدرت منا بادرة أمام الصف فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال معي معي "
2 - وعن عمار بن ياسر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه "
- رواهما أحمد
3 - وعن المهلب بن أبي صفرة عمن سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول " إن بيتكم العدو فقولوا حم لا ينصرون "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي
4 - وعن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إنكم ستلقون العدو غدا فإن شعاركم حم لا تنصرون "
- رواه أحمد
5 - عن سلمة بن الأكوع قال " غزونا مع أبي بكر زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان شعارنا أمت أمت "
- رواه أحمد وأبو داود
6 - وعن الحسن عن قيس بن عبادة قال " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكرهون الصوت عند القتال "
7 - وعن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل ذلك رواهما أبو داود
- حديث أبي أيوب قال في مجمع الزوائد في إسناده ابن لهيعة وفيه ضعف والصحيح أن أبا أيوب لم يشهد بدرا اه . وحديث عمارة في مجمع الزوائد إسناده منقطع قال وأخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي إسناده إسحاق بن أبي إسحاق الشيباني ولم يضعفه أحد وبقية رجاله ثقات اه
وقد أخرج نحو حديث أبي أيوب الترمذي من حديث عبد الرحمن بن عوف والبزار من طريق عكرمة عن ابن عباس عنه قال عبانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عند البخاري من حديث مروان والمسور في قصة الفتح وقصة أبي سفيان قال ثم مرت كتيبة لم يرى مثلها وقال من هؤلاء قيل له الأنصار عليهم سعد بن عبادة ومعه الراية وفيه وجاءت كتيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورايته مع الزبير الحديث بطوله وهو شاهد لحديث عمار بن ياسر المذكور
وأخرج البخاري وأبو داود من حديث حمزة بن أبي أسيد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين اصطففنا يوم بدر إذا أكثبوكم يعني إذا غشوكم فارموهم بالنبل واستبقوا نبلكم . وحديث المهلب ذكر الترمذي أنه روى عن المهلب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وأخرجه الحاكم موصولا وقال صحيح قال والرجل الذي لمك يسمه المهلب هو البراء . ورواه النسائي من هذا الوجه بلفظ حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحديث البراء أخرجه أيضا النسائي والحاكم وحديث سلمة بن الأكوع أخرجه النسائي وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص
وأخرجه الحاكم من حديث عائشة " جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شعار المهاجرين يوم بدر عبد الرحمن والخزرج عبد الله " الحديث وأخرج أيضا عن ابن عباس رفعه جعل الشعار الأزد يا مبرور يا مبرور
وفي الباب عن سمرة بن جندب عند أبي داود قال " كان شعار المهاجرين عبد الله وشعار الأنصار عبد الرحمن وهو من رواية الحسن عنه وفي سماعه منه خلاف قد مر غير مرة وفي إسناده الحجاج بن أرطأة ولا يحتج بحديثه . وحديث قيس بن عباد وأبي بردة سكت عنهما أبو داود والمنذري ورجالهما رجال الصحيح . قولله " صففنا يوم بدر " الخ فيه دليل على مشروعية الإصطفاف حال القتال لما في ذلك من الترهيب على العدو والتقوية للجيش ولكونه محبوبا لله تعالى قال عز و جل { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص }
قوله : " أن يقاتل تحت راية قومه " إنما كان ذلك مشروعا لما يتكلفه الإنسان من إظهاره القوة والجلادة إذا كان بمرأى من قومه ومسمع بخلاف ما إذا كان في غير قومه فإنه لا يفعل كفعله بين قومه لما جبلت عليه النفوس من محبة ظهور المحاسن بين العشيرة وكراهة ظهور المساوى بينهم ولهذا أفرد صلى الله عليه وآله وسلم كل قبيلة من القبائل التي غزت معه غزوة الفتح بأميرها ورايتها كما يحكي ذلك كتب الحديث والسير
قوله : " حم لا ينصرون " هذا اللفظ فيه التفاؤل بعدم انتصار الخصم مع حصول الغرض بالشعار وهو العلامة في الحرب يقال نادوا بشعارهم أو جعلوا لأنفسهم شعارا والمراد أنهم جعلوا العلامة بينهم لمعرفة بعضهم بعضا في ظلمة الليل هو التكلم عند أن يهجم عليه العدو بهذا اللفظ " قوله أمت أمت " أمر بالموت وفيه التفاؤل بموت الخصم
وفي لفظ " يامنصور أمت أمت " وفي آخر " يا منص " وهو ترخيم منصور محذوف الراء والواو
قوله : " يكرهون الصوت عند القتال " فيه دليل على أن رفع الصوت حال القتال وكثرة اللغط والصراخ مكروهة ولعل وجه كراهتهم لذلك أن التصويت في ذلك الوقت ربما كان مشعرا بالفزع والفشل بخلاف الصمت فإنه دليل الثبات ورباط الجأش
باب استحباب الخيلاء في الحرب
1 - عن جابر بن عتيك " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن من الغيرة ما يحب الله ومن الغيرة ما يبغض الله وإن من الخيلاء ما يحب الله ومنها ما يبغض الله فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة وأما الغيرة التي يبغض الله فالغيرة في غير الريبة والخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل نفسه عند القتال واختياله عند الصدقة والخيلاء التي يبغض الله فاختيال الرجل في الفخر والبغي "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي
- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وفي اسناده عبد الرحمن بن جابر بن عتيك وهو مجهول وقد صحح الحديث الحاكم
قوله : " فالغيرة في الريبة " نحو أن يغتار الرجل على محارمه إذا رأى منهم فعلا محرما فإن الغيرة في ذلك ونحوه مما يحبه الله وفي الحديث الصحيح ما أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الزنا
وأما الغيرة في غير الريبة فنحو أن يغتار الرجل على أمه أن ينكحها زوجها وكذلك سائر محارمه فإن هذا مما يبغضه الله تعالى لأن ما أحله الله تعالى فالواجب علينا الرضا به فإن لم نرض به كان ذلك من إيثار حمية الجاهلية على ما شرعه الله لنا واختيال الرجل بنفسه عند القتال من الخيلاء الذي يحبه الله لما في ذلك من الترهيب لأعداء الله والتنشيط لأوليائه ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي دجانة لما رآه يختال عند القتال " إن هذه مشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموطن " وكذلك الأختيال عند الصدقة فإنه ربما كان من أسباب الأستكثار منها والرغوب فيها وأما اختيال الرجل في الفخر فنحو أن يذكرماله من الحسب والنسب وكثرة المال والجاه والشجاعة والكرم لمجرد الأفتخار ثم يحصل منه الاختيال عند ذلك فإن هذا الاختيال مما يبغضه الله تعالى لأن الافتخار في الأصل مذموم والأختيال مذموم فينضم قبيح إلى قبيح وكذلك الاختيال في البغي نحو أن يذكر الرجل أنه قتل فلانا وتأخذ ماله ظلما أو يصدر منه الأختيال حال البغي على مال الرجل أو نفسه فإن هذا يبغضه الله لأن فيه انضمام قبيح إلى قبيح كما سلف
باب الكف وقت الإغارة عمن عنده شعار الإسلام
1 - عن أنس " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا غزا قوما لم يغز حتى يصبح فإذا سمع أذانا أمسك وإذا لم يسمع أذانا أغار بعد ما يصبح "
- رواه أحمد والبخاري
وفي رواية " كان يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الآذان فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار وسمع رجلا يقول الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الفطرة ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله فقال خرجت من النار " . رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه
2 - وعن عصام المزني قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث السري يقول إذا رأيتم مسجدا أوسمعتم مناديا فلا تقتلوا أحدا "
- رواه الخمسة إلا النسائي
- حديث عصام قال الترمذي بعد أخراجه هذا حديث حسن غريب وهو من رواية ابن عصام عن أبيه قيل اسمه عبد الله
وقيل اسمه عبد الرحمن قال في التقريب لا يعرف
قوله : " وإذا لم يسمع أذانا أغار " فيه دليل على جواز قتال من بلغه الدعوة بغير دعوة ويجمع بينه وبين ما تقدم في باب الدعوة قبل القتال بأن يقال الدعوة مستحبة لا شرط هكذا في الفتح
وقد قدمنا الخلاف في ذلك وماذكره الإمام المهدي من أن وجوب تقديم الدعوة مجمع عليه والاعتراض عليه وفي هذا الحديث والذي بعده دليل على جواز الحكم بالدليل لكونه صلى الله عليه وآله وسلم كف عن القتال بمجرد سماع الآذان وفي الأخذ بالأحوط في امر الدماء لأنه كف عنهم في تلك الحال مع احتمال أن لا يكون ذلك على الحقيقة
قوله : " على الفطرة " فيه أن التكبير من الأمور المختصة بأهل الإسلام وأنه يصح الاستدلال به على إسلام أهل قرية سمع منهم ذلك قوله " خرجت من النار " هو نحو الأدلة القاضية بأن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وهي مطلقة مقيدة بعدم المانع جمعا بين الأدلة وللكلام على ذلك موضع آخر
قوله : " إذا رأيتم مسجدا " فيه دليل على أن مجرد وجود المسجد في البلد كاف في الاستدلال به على إسلام أهله وإن لم يسمع منهم الآذان لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر سراياه بالأكتفاء بأحد الأمرين إما وجود مسجد أو سماع الآذان
باب جواز تبييت الكفار ورميهم بالمنجنيق وإن أدى إلى قتل ذراريهم تبعا
1 - عن الصعب بن جثامة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم ثم قال هي منهم "
- رواه الجماعة إلا النسائي . وزاد أبو داود وقال الزهري " ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل النساء والصبيان "
2 - وعن ثور ين يزيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف "
- أخرجه الترمذي هكذا مرسلا
3 - وعن سلمة بن الأكوع قال بيتنا هوازن مع أبي بكر الصديق وكان أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد
- الزيادة التي زادها أبو داود عن الزهري أخرجها الإسماعيلي من طريق جعفر الفريابي عن علي بن المديني عن سفيان بلفظ وكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث قال وأخبرني ابن كعب بن مالك عن عمه " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان " وأخرجه أيضا ابن حبان مرسلا كأبي داود قال في الفتح وكأن الزهري أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب وحديث ثور بن يزيد أخرجه أيضا أبو داود في المراسيل من طريق مكحول عنه
وأخرجه أيضا الواقدي في السيرة وزعم أن الذي أشار به سلمان الفارسي وقد أنكر ذلك يحيى بن أبي كثير وإنكاره ليس بقادح فإن من علم حجة علي من لم يعلم . حديث سلمة أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وان ماجه وهو طرف من الحديث الذي تقدم في باب ترتيب الصفوف
قوله : " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل " السائل هو الصعب بن جثامة الراوي للحديث كما يدل على ذلك ما في صحيح ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري بسنده عن الصعب قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم قال نعم " قوله " عن أهل الدار " أي المنزل هكذا في البخاري . وغيره ووقع في بعض نسخ مسلم " سئل عن الذراري " قال عياض الأول هو الصواب ووجه النووي الثاني قوله " هم منهم " أي في الحكم في تلك الحالة وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى المشركين إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم " ثم نهى رسول الله " الخ استدل به من قال إنه لا يجوز قتلهم مطلقا وسيأتي قوله " بيتنا هوازن " البيات هو الغارة بالليل ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجوز تبييت الكفار قال الترمذي وقد رخص قوم من أهل العلم في الغارة بالليل وأن يبيتوا وكرهه بعضهم قال أحمد وإسحاق لابأس أن يبيت العدو ليلا
باب الكف عن قصد النساء والصبيان والرهبان والشيخ الفاني بالقتل
1 - عن ابن عمر قال " وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان "
- رواه الجماعة إلا النسائي
2 - وعن رياح بن ربيع " أنه خرج مع رسول الله في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد فمر رياح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة فوقفوا ينظرون إليها يعني وهم يتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على راحلته فأفرجوا عنها فوقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما كانت هذه لتقاتل فقال لأحدهم إلحق خالدا فقل له لا تقتل ذرية وعسيفا "
- رواه أحمد وأبو داود
3 - وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال انطلقوا باسم الله وبالله على ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين "
- رواه أبو داود
4 - وعن ابن عباس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث جيوشه قال أخرجوا باسم الله تعالى تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع "
5 - وعن ابن كعب بن مالك عن عمه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين بعث إلى ابن أبي الحقيق بخيبر نهى عن قتل النساء والصبيان "
6 - وعن الأسود بن سريع قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقتلوا الذرية في الحرب فقالوا يا رسول الله أو أليس هم أولاد المشركين قال أو ليس خياركم أولاد المشركين "
- رواهن أحمد
- حديث رياح بكسر الراء المهملة وبعدها تحتانية هكذا في الفتح
وقال المنذري بالباء الموحدة ويقال بالياء التحتانية ورجح البخاري أنه بالموحدة أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي واختلف فيه على المرقع بن صيفي فقيل عن جده رياح وقيل حنظلة بن الربيع وذكر البخاري وأبو حاتم أن الأول أصح . وحديث أنس في اسناده خالد بن الفزر بكسر الفاء وسكون الزاي وبعدها راء مهملة وحديث ابن عباس في إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف ووثقه أحمد . وحديث ابن كعب بن مالك أخرجه أيضا الإسماعيلي في مستخرجه وأخرجه أبو داود وابن حبان من حديث الزهري مرسلا كما تقدم وقال مجمع الزوائد رجال أحمد الصحيح . وحديث الأسود بن سريع قال في مجمع الزوائد أيضا ورجال أحمد ورجال الصحيح ( وفي الباب ) عن علي عند البيهقي بنحو حديث ابن عباس المذكور . وعن جرير عند ابن أبي حاتم في العلل وعم سمرة عند أحمد والترمذي وصججه بلفظ " اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم " وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي فلا يجوز ذلك عندهما بحال من الأحوال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وتجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم . وذهب الشافعي والكوفيون إلى الجمع بين الأحاديث المذكورة فقالوا إذا قاتلت المرأة جاز قتلها وقال ابن حبيب من المالكية لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت إلا إن باشرت القتل أو قصدت إليه ويدل على هذا ما رواه أبو داود في المراسيل عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " مر بامرأة مقتولة يوم حنين فقال من قتل هذه فقال رجل أن يا رسول الله غنمتها فأردفتها خلفي فلما رأت الهزيمة فينا أهوت إلى القائم سيفي لتقتلني فقتلتها فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ووصله الطبراني في الكبير وفيه حجاج بن ارطأة وأرسله ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن يحيى الأنصاري ونقل ابن بطال أنه اتفق الجميع على المنع من القصد على قتل النساء والولدان أما النساء فلضعفهن وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفار ولما في استبقائهم جميعا من الأنتفاع أما بالرق أو بالفداء فيمن يجوز أن يفادي به قال في الفتح وقد كحى الحازمي قولا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب وتزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي وهو غريب
قوله : " ولا عسيفا " بمهملتين وفاء كأجير وزنا ومعنى وفيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان مع القوم أجيرا ونحوه لأنه من المستضعفين
قوله : " لا تقتلوا شيخا فانيا " ظاهره أنه لا يجوز قتل شيوخ المشركين ويعارضه حديث اقتلوا شيوخ المشركين الذي ذكرناه وقد جمع بين الحديثين بأن الشيخ المنهي عن قتله في الحديث الأول هو الفاني الذي لم يبق فيه نفع للكفار ولامضرة على المسلمين وقد وقع التصريح بهذا الوصف بقوله شيخا فانيا والشيخ المأمور بقتله في الحديث الثاني هو من بقي فيه نفع للكفار وهو بالرأي كما في دريد بن الصمة فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من حنين بعث أبا عامر على جيش أوطاس فلقي دريد بن الصمة وقد كان نيف على المائة وقد أحضروه ليدبر لهم الحرب فقتله أبو عامر ولم ينكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك عليه كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي موسى والقصة معروفة
قال أحمد بن حنبل في تعليل أمره صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الشيوخ إن الشيخ لا يكاد يسلم والصغير أقرب إلى الإسلام
قوله : " ولا تغلوا " وسيأتي الكلام على تحريم الغلول والغد والمثلة
قوله : " وضموا غنائمكم " أي أجمعوها أي جمعوها
قوله : " ولا أصحاب الصوامع " فيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان متخليا للعباد من الكفار لارهبان لاعراضه عن ضر المسلمين والحديث وإن كان فيه المقال المتقدم لكنه معتضد بالقياس على الصبيان والنساء بجامع عدم النفع والضرر وهو المناط ولهذا لم ينكر صلى الله عليه وآله وسلم على قاتل المرأة التي أرادت قتله ويقاس على النصوص عليهم بذلك الجامع من كان مقعدا أو اعمى أو نحوهما ممن كان لا يرجى نفعه ولا ضرره على الدوام
باب الكف عن المثلة والتحريق وقطع الشجر وهدم العمران إلا لحاجة ومصلحة
1 - عن صفوان بن عسال قال " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سرية فقال سيروا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا "
- رواه أحمد وابن ماجه
2 - وعن أبي هريرة " قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعث فقال إن وجدتم فلانا وفلانا لرجلين فأحرقوهما بالنار ثم قال حين أردنا الخروج أني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وصححه
3 - وعن يحيى بن سعيد " أن أبا بكر بعث جيوشا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان يزيد أمير ربع من تلك الأرباع فقال إني موصيك بعشر خلال لا تقتل امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطع شجرا مثمرا ولا تخرب عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكله ولا تعقرن نخلا ولا تحرقه ولا تغلل ولا تخبن "
- رواه مالك في الموطأ عنه
- حديث صفوان بن عسال قال ابن ماجه حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا أبو أسامة قال حدثني عطية بن الحرث بن روق الهمداني قال حدثني أبو العريف عبد الله بن خليفة عن صفوان فذكره وعطية صدوق وعبد الله بن خليفة ثقة وأخرجه أيضا النسائي . وهذا الحديث هو مثل حديث ابن عباس المتقدم في الباب الأول وجميع ما اشتمل عليه قد تقدم أيضا في حديث بريدة المتقدم في باب الدعوة قبل القتال . وأثر يحيى بن سعيد المذكور مرسل لأنه لم يدرك زمن أبي بكر ورواه البيهقي من حديث يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب . ورواه سيف في الفتوح عن الحسن بن أبي الحسن مرسلا
قوله : " ولا تمثلوا " فيه دليل على تحريم المثلة وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة قد سبق في هذا المشروح وشرحه بعض منها
قوله : " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ زاد الترمذي إن هذين الرجلين من قريش
وفي رواية لأبي داود " إن وجدتم فلانا فاحرقوه بالنار " هكذا بالأفراد وروى في فوائد على بن حرب عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح إن اسمه هبار بن الأسود . ووقع في رواية ابن إسحاق إن وجدتم هيار بن الأسود والرجل الذي سبق منه إلى زينب ما سبق فحرقوهما بالنار يعني زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان زوجها أبو العاص بن الربيع لما أسره الصحابة ثم اطلقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة شرط عليه أن يجهز إليه ابنته زينب فجهزها فتبعها هبار بن الأسود ورفيقه فنخسا بعيرها فأسقطت ومرضت من ذلك والقصة مشهورة عن ابن إسحاق وغيره
وقال في روايته وكان نخسا بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين خرجت من مكة
وقد أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن أبي ابن نجيح إن هبار بن الأسود أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء في خدرها فاسقطت فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية فقال إن وجدتموه فأجعلوه بين حرمتي حطب ثم أشعلوا فيه النار ثم قال لانستحي من الله لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله الحديث فكأن أفراد هبار بالذكر في الرواية السابقة لكونه كان الأصل في ذلك والآخر كان تبعا له وسمي ابن السكن في روايته من طريق ابن إسحاق الرجل الآخر نافع بن عبد قيس وبه جزم ابن هشام في رواي السيرة عنه . وحكى السهيلي عن مسند البزار إنه خالد بن عبد قيس فلعله تصحف عليه وإنما هو كذلك هو في النسخ المعتمدة من مسند البزار وكذلك أورده ابن السكن أولا من مسند البزار وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه من طريق ابن لهيعة كذلك قال الحافظ وقد أسلم هبار هذا ففي رواية ابن أبي نجيح المذكور فلم تصبه السرية وأصابه الإسلام فهاجر فذكر قصة اسلامه وله حديث عند الطبراني وآخر عند ابن منده وعاش إلى أيام معاوية وهو بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة قال الحافظ أيضا ولم أقف لرفيقه على ذكر في الصحابة فلعله مات قبل أن يسلم
قوله : " وإن النار لا يعذب بها إلا الله " هو خبر بمعنى النهي وقد اختلف السلف في التحريق فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا سواء كان في سبب كفر أو في حال مقاتلة أو في قصاص وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما
قال المهلب ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة وقد سمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعين العرنيين بالحديد كما تقدم وقد أحرق أبو بكر بالنار في حضرة الصحابة . وحرق خالد بن الوليد ناس من أهل الردة وكذلك حرق علي كما تقدم في كتاب الحدود
قوله : " ولا تعقرن " بالعين المهملة والقاف والراء في كثير من النسخ وفي نسخ ولا تعزقن بالعين المهملة والزاي المكسورة القاف ونون التوكيد
قال في النهاية هو القطع وظاهر النهي في حديث الباب التحريم وهو نسخ للأمر المتقدم سواء كان بوحي إليه أو اجتهاد وهو محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه
4 - وعن جرير بن عبد الله قال " قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا تريحني من ذي الخلصة قال فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل وكان ذو الخلصة بيت في اليمن لخنعم وبجيلة فيه نصب يعبد يقال له كعبة اليمانية قال فأتاها فحرقها بالنار وكسرها ثم بعث رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبشره بذلك فلما أتاه قال يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب قال فبرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات "
- متفق عليه
5 - وعن ابن عمران " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع نخل بني النضير وحرق ولها يقول حسان
وهان على بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير
وفي ذلك نزلت ما قطعتم من لينة أو تركتموها "
- الآية متفق عليه ولم يذكر أحمد الشعر
6 - وعن أسامة بن زيد قال " بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قرية يقال لها ابني فقال أئتها صباحا ثم حرق "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
وفي اسناده صالح بن أبي الأخضر قال البخاري هو لين
- حديث أسامة بن زيد سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده من ذكره المصنف
وقال يحيى بن معين هو ضعيف
وقال أحمد يعتبر به وقال العجلي يكتب حديثه وليس بالقوي
وقال في التقريب ضعيف
قوله : " ذي الخلصة " بفتح المعجمة واللام والمهملة وحكى بتسكين اللام قال في القاموس وذو الخلصة محركة وبضمتين بيت كان يدعى الكعبة اليمانية لخثعم كان فيه صنم اسمه الخلصة أو لأنه كان منبت الخلصة انتهى . وهي نبات له حب أحمر
قوله : " من أحمس " بالمهملتين على وزن أحمد قال في القاموس الحمس الأمكنة الصلبة جمع أحمس وبه لقب قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهلية لتحمسهم في دينهم أو لالتجائهم بالحمساء وهي الكعبة لأن حجرها أبيض إلى السواد والحماسة الشجاعة والأحمس الشجاع كالحميس كذا في القاموس وفي الفتح هم رهط ينسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار قال وفي العرب قبيلة أخرى يقال لها أحمس ليست مرادة هنا ينسبون إلى أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار " قوله نصب " بضم النون والصاد أي صنم قوله " كعبة يمانية " أي كعبة الجهة اليمانية
قوله : " فبرك " بفتح الموحدة وتشديد الراء أي دعا لهم بالبركة
قوله : " كأنها جمل أجرب " بالجيم والموحدة وهو كناية عن نزع زينتها وإذهاب بهجتها
وقال الحافظ أحسب المراد أنها صارت مثل الجمل المطلى بالقطران من جربه إشارة إلى أنها صارت سوداء لما وقع فيها من التحريق
قوله : " سراة " بفتح المهملة وتخفيف الراء جمع سرى وهو الرئيس قوله " بني لؤي " بضم اللام وفتح الهمزة وهو أحد أجداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبنوهم قريش وأراد حسان تعيير مشركي قريس بما وقع في حلفائهم من بني النضير
قوله : " بالبويرة " بالباء الموحدة تصغير بورة وهي الحفرة وهي هنا مكان معروف بين الحديبية وتيماء وهي من جهة قبلة مسجد قباء إلى جهة الغرب ويقال لها أيضا البويلة باللام بدل الراء
قوله : " من لينة " قال السهلي في تخصيص اللينة بالذكر إيماء إلى أن الذي يجوز قطعه من شجر العدو هو مالا يكون معدا للاقتيات لأنهم كانو يقتاتون العجوة والبرني دون اللينة وكذا ترجم البخاري في التفسير فقال ما قطعتم من لينة نخلة ما لم تكن برنية أو عجوة
وقيل اللينة الدقل
وفي معالم التنزيل اللينة فعلة من اللون وتجمع على ألوان وقيل من اللين ومعناه النخلة الكريمة وجمعها ليان
وقال في القاموس إنها الدقل من النخل
قوله : " يقال له ابني " بضم الهمزة والقصر ذكره في النهاية وحكى أبو داود إن أبا مسهر قيل له ابني فقال نحن أعلم هي يبنا فلسطين والأحاديث المذكورة فيها دليل على جواز التحريق في بلاد العدو
قال في الفتح ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور واحتجوا بوصية أبي بكر لجيوشه أن لا يفعلوا شيئا من ذلك وقد تقدمت في أول الباب . وأجاب الطبري بأن النهي محمول على القصد لذلك بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في حال القتال كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف وهو نحو مما أجاب به في النهي عن قتل النساء الصبيان وبهذا قال أكثر أهل العلم وقال غيره إنما نهى أبو بكر عن ذلك لأنه قد علم أن تلك البلاد تفتح فأراد بقاءها على المسلمين انتهى . ولا يخفى أن ما وقع من أبي بكر لا يصلح لمعارضة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما تقرر من عدم حجية قول الصحابي
باب تحريم الفرار من الزحف إذا لم يزد العدو على ضعف المسلمين إلا المتحيز إلى فئة وإن بعدت
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وماهن يا رسول الله قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات "
- متفق عليه
2 - وعن ابن عباس " لما نزلت إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين فكتب عليهم أن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت الآن خفف الله عنكم الآية فكتب أن لا تفر مائة من مائتين "
- رواه البخاري وأبو داود
3 - وعن ابن عمر قال " كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحاص الناس حيصة وكنت فيمن حاص فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ثم قلنا لو دخلنا المدينة فبتنا ثم قلنا لو عرضنا نفوسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال من الفرارون فقلنا نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون أنا فئتكم وفئة المسلمين قال فأتيناه حتى قبلنا يده "
- رواه أحمد وأبو داود
- حديث ابن عمر أخرجه أيضا الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد انتهى . ويزيد بن أبي زياد تكلم فيه غير واحد من الأئمة
قوله : " الموبقات " أي المهلكات قال في القاموس وبق كوعد ووجل وورث وبوقا هلك كاستوبق وكمجلس المهلك والموعد والمجلس وواد في جهنم وكل شيء حال بين شيئين وأوبقه حبسه وأهلكه اه . ( وفي الحديث ) دليل على أن هذه السبع المذكورة من كبائر الذنوب والمقصود من إيراد الحديث ههنا هو قوله فيه " والتولي يوم الزحف " فإن ذلك يدل على الفرار من الكبائر المحرمة وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الفرار من موجبات الفسق
قال في البحر مسألة ومهما حرمت الهزيمة فسق المنهزم لقوله تعالى { فقد باء بغضب من الله } وقوله " الكبائر سبع إلا متحرفا لقتال " وهو أن يرى القتال في غير موضعه أصلح وأنفع فينتقل إليه قال ابن عباس وكانت هزيمة المسلمين في أوطاس إنحرافا من مكان إلى مكان أو متحيزا إلى فئة وإن بعدت إذ لم تفصل الآية ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل غزوة موتة أنا فئة كل مسلم الخبر ونحوه انتهى . ومن ذلك قوله في حديث الباب " أنا فئتكم وفئة المسلمين " والأصل في جواز ذلك قوله تعالى { ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله } وقد جوزت الهادوية الفرار إلى منعة من جبل أو نحوه وإن بعدت ولخشية استئصال المسلمين أو ضرر عام للإسلام وأما إذا ظنوا أنهم يغلبون إذا لم يفروا ففي جواز فرارهم وجهان
قال الإمام يحيى أصحهما أنه يجب الهرب لقوله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ولا إذ قال له رجل يا رسول الله أرأيت لو انغمست في المشركين وقد تقدم في أول الجهاد وتقدم تفسير الآية
قوله : " لما نزلت أن يكن منكم عشرون صابرون " الخ قال في البحر وكانت الهزيمة محرمة وإن كثر الكفار لقوله تعالى { فلا تولوهم الأدبار } ثم خفف عنهم بقوله { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } فأوجب على كل واحد مصابرة عشرة ثم خفف عنهم وأوجب على الواحد مصابرة اثنين بقوله { الآن خفف الله عنكم } الآية واستقر الشرع على ذلك فحينئذ حرمت الهزيمة لقول ابن عباس من فر من اثنين فقد فر ومن فر منثلاثة فلم يفر انتهى
قوله : " فحاص الناس حيصة " بالمهملات
قال ابن الأثير حصت عن الشيء حدت عنه وملت عن جهته هكذا قال الخطابي
قال المصنف رحمة الله تعالى وقوله حاصوا أي حادوا حيدة ومنه قوله تعالى { ما لهم من محيص } ويروى جاضوا جيضة بالجيم والضاد المعجمتين وهو بمعنى حادوا انتهى
قوله : " ثم قلنا لو دخلنا المدينة " الخ لفظ أبي داود فقلنا ندخل المدينة فنبيت فيها لنذهب ولا يرانا أحد فدخلنا فقلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن كانت لنا توبة أقمنا وإن كان غير ذلك ذهبنا فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل صلاة الفجر فلما خرج قمنا إليه فقلنا نحن الفرارون فأقبل إلينا فقال لا أنتم العكارون فدنونا فقبلنا يده فقال أنا فئة المسلمين
قوله : " العكارون " بفتح العين المهملة وتشديد الكاف قيل هم الذين يعطفون إلى الحرب وقيل إذا حاد الإنسان عن الحرب ثم عاد إليها يقال قد عكر وهو عاكر وعكار
قال في القاموس العكار الكرار العطاف واعتكر اختلطوا في الحرب والعكر رجع بعضه فلم يقدر على عدة انتهى
باب من خشي الأسر فله أن يستأسر وله أن يقاتل حتى يقتل
1 - عن أبي هريرة قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة رهطا عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهداة وهو بين عسفان ومكة ذكروا لبني لحيان فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا أثرهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤ إلى فدفد وأحاط بهم القوم فقال لهم انزلوا وأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا قال عاصم بن ثابت أمير السرية أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر اللهم خبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصم في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري وابن دئنة ورجل آخر فلما استمكنوا منهم اطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي في هؤلاء لأسوة يريد القتلي فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه وانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهم بمكة بعد وقعة بدر وذكر قصة قتل خبيب إلى أن قال استجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا "
- مختصر لأحمد والبخاري وأبو داود
- تمام الحديث " فاشترى خبيب بنو الحرث بن عامر بن نوفل وكان خبيب هو قتل يوم بدر الحارث فممكث عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله فاستعار موسى من بعض بنات الحرث ليستحد بها فأعارته قالت فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه فلما رأيته فزعت فزعة حتى عرف ذلك مني وفي يده الموسى فقال أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى وكانت تقول ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة وأنه لموثق بالحديد وما كان إلا رزقا رزقه الله خبيبا فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال دعوني أصلي ركعتين ثم انصرف إليهم فقال لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت فكان أول من صلى الركعتين عند القتل وقال اللهم احصهم عددا وقال
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الآله وإن يشأ يبارك علي أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه عقبة بن الحرث فقتله وبعث قريش إلى عاصم ليأتوا بشيء من جسده بعد موته وكان قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء هكذا في صحيح البخاري وسنن أبي داود
قوله : " عينا " العين الجاسوس على ما في القاموس وغيره وفيه مشروعية بعث الأعيان
وقد أخرج مسلم وأبو داود من حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث بسبسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان " قوله " بالهدأة " بفتح الهاء وسكون الدال المهملة لعدها همزة مفتوحة كذا للأكثر وللكشميهني بفتح الدال وتسهيل الهمزة . وعند ابن اسحاق الهدة بتشديد الدال بغير ألف قال على سبعة أميال من عسفان
قوله : " لبني لحيان " هم قبيلة معروفة اسم أبيهم لحيان بكسر اللام وقيل بفتحها وسكون المهملة وهو ابن هذيل بن مكدرة بن الياس بن مضر
قوله : " فنفروا لهم " أي أمروا جماعة منهم أن ينفروا إلى الرهط المذكورين
قوله : " الفدفد " بفائين ودالين مهملتين الموضع الغليظ المرتفع
قال في مختصر النهاية هو المكان المرتفع
قوله : " خبيب " بضم الخاء المعجمة وفيح الموحدة وسكون التحتية وآخره موحدة أيضا وهو ابن عدي من الأنصار . قوله " دئنة " بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة بعدها نون واسمه زيد
قوله : " ورجل آخر " هو عبد الله بن طارق وعالجوه أي مارسوه والمراد أنهم خادعوه ليتبعهم فأبى . والاستحداد حلق العانة . والقطف العنقود وهو اسم لكل ما تقطفه . والشلو العضو من الإنسان . والممزع بتشديد الزاي بعدها مهملة المفرق والظلة الشيء المظل من فوق . والدبر بتشديد الدال السكون الباء وبعدها راء مهملة جماعة النحل
وقد استدل المصنف رحمه الله تعالى بهذا الحديث على أنه يجوز لمن لم يقدر على المدافعة ولا أمكنه الهرب أن يستأسر وهكذا ترجم البخاري على هذا الحديث باب هل يستأسر الرجل ومن لم يستأسر أي هل يسلم نفسه للأسر أم لا . ووجه الاستدلال بذلك أنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنكر ما وقع من الثلاثة المذكورين من الدخول تحت أسر الكفار ولا أنكر ما وقع من السبعة المقتولين من الإصرار على الامتناع من الأسر ولو كان ما وقع من إحدى الطائفتين غير جائز لأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بعدم جوازه وأنكره فدل ترك الإنكار على أنه يجوز لمن لا طاقة له بعدوه أن يمتنع من الأسروأن يستأسر
باب الكذب في الحرب
1 - عن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من لكعب ابن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله قال محمد بن مسلمة أتحب أن أقتله يا رسول الله قال نعم قال فأذن لي فأقول قال قد فعلت قال فأتاه فقال إن هذا يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد عنانا وسألنا الصدقة قال وأيضا والله قال فإنا اتبعناه فنكره أن ندعه حتى ننظر إلى ما يصير أمره قال فلم يزل يكلمه حتى استمكن منه فقتله "
- متفق عليه
2 - وعن أم كلثوم بنت عقبة " قالت لم أسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرخص في شيء من الكذب مما تقول الناس إلا في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود
- ححديث جابر هو في بعض الروايات كما ساقه المصنف مختصرا وفي بعضها أنه قال له بعد قوله حتى تنظر إلى ما يصير إليه أمره قد أردت أن تسلفني سلفا قال فما ترهنني ترهنني نساؤكم قال أنت أجمل العرب أترهنك نساءنا قال فترهنون أبناءكم قال يسب ابن أحدنا فيقال رهن في وسق أو ويقين من تمر ولكن ترهنك اللامة يعني السلاح قال نعم وواعده أن يأتيه بالحرث وأبي عبس بن جبر وعباد بن بشر قال فجاءوا فدعوه ليلا فنزل إليهم فقالت له امرأته أني لا أسمع صوتا كأنه صوت الدم فقال إنما هو محمد إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم قال فنزل وهو متوشح فقالوا نجد منك ريح الطيب فقال نعم فتحتي فلانة أعطر نساء العرب فقال محمد أفتأذن لي أن أشم منك قال نعم فشم ثم قال أتأذن لي أن أعود قال نعم فاستمكن منه ثم قال دونكم فقتلوه . أخرجه الشيخان وأبو داود . وحديث أم كلثوم هو أيضا في صحيح البخاري في كتاب الصلح منه ولكنه مختصر
وقد ورد في معنى حديث أم كلثوم أحاديث أخر منها حدبث أسماء بنت يزيد عند الترمذي قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " يا أيها الناس ما يحملكم أن تتابعوا على الكذب كتتابع الفراض في النار الكذب كله على ابن آدم حرام إلا في ثلاث خصال رجل كذب على امرأة ليرضيها ورجل كذب في الحرب فإن الحرب خدعة ورجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما والتتابع التهافت في الأمر " والفراش الطائر الذي يتواقع في ضوء السراج فيحترق
وأخرج مالك في الموطأ عن صفوان بن سليم الزرقي أن رجلا قال يا رسول الله أكذب امرأتي فقال صلى الله عليه وآله وسلم لا خير في الكذب قال فاعدها وأقول لها فقال صلى الله عليه وآله وسلم لا جناح عليك
وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم وصححاه من حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط استئذانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة وأذن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم واخباره لأهل مكة أن أهل خيبر هزموا المسلمين
وأخرج الطبراني في الأوسط " الكذب كله أثم إلا ما نفع به مسلم أو دفع به عن دين " وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات ثنتين في كتاب الله تعالى قوله أني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وواحدة في شأن سارة " الحديث
قوله : " فأذن لي فأقول " أي أقول مالا يحل في جانبك
قوله : " عنانا " بفتح العين المهملة وتشديد النون الأولى أي كلفنا بالأوامر والنواهي
قوله : " سألنا الصدقة " أي طلبها منا ليضعها : وقوله " فنكره أن ندعه " إلى آخر معناه نكره فراقه ( والحديث ) المذكور قد استدل به على جواز الكذب في الحرب وكذلك بوب عليه البخاري باب الكذب في الحرب
قال ابن المنير الترجمة غير مطابقة لأن الذي وقع بينهم في قتل كعب ابن الأشرف يمكن أن يكون تعريضا ثم ذكر أن الذي وقع في حديث الباب ليس فيه شيء من الكذب وأن معنى ما في الحديث هو ما ذكرناه في تفسير ألفاظه وهو صدق قال الحافظ والذي يظهر أنه لم يقع منهم يما قالوه شيء من الكذب أصلا وجميع ما صدر منهم تلويح كما سبق لكن ترجم يعني البخاري لقول محمد بن مسلمة أولا ائذن لي أن أقول قال قل فإنه يدخل فيه الأذن في الكذب تصريحا وتلويحا
قوله : " إلا في الحرب " الخ قال الطبري ذهبت طائفة إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح وقالوا إن الثلاث المذكورة كالمثال وقالوا إن الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة وليس فيه مصلحة وقال آخرون لا يجوز الكذب في شيء مطلقا وحملوا الكذب المراد هنا على التورية والتعريض كمن يقول للظالم دعوت لك أمس وهو يريد قوله اللهم أغفر للمسلمين وبعد امرأته بعطية شيء ويريد أن قدر الله ذلك وأن يظهر من نفسه قوة قلب وبالأول جزم الخطابي وبالثاني خزم المهلب والأصلي وغيرهما
قال النووي الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى
وقال ابن العربي الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما ما انقلب حلالا انتهى . ويقوي ذلك حديث الحجاج بن علاط المذكور ولا يعارض ما ورد في جواز الكذب في الأمور المذكورة ما أخرجه النسائي من طريق مصعب بن سعد عن أبيه في قصة عبد الله بن أبي سرح وقول الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كف عن بيعته هلا أو مأت إلينا بعينك قال ما ينبغي لنبي أن يكون له خائنة إلا عين لأن طريق الجمع بينهما أن المأذون فيه بالخداع والكذب في الحرب حالة الحرب خاصة
وأما حالة المبايعة فليست بحالة حرب كذا قيل وتعقب بأن قصة الحجاج بن علاط أيضا لم تكن في حال حرب
قال الحافظ والجواب المستقيم أن يقال المنع مطلقا من خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يتعاطى شيئا من ذلك وإن كان مباحا لغيره ولا يعارض ذلك ما تقدم من أنه كان إذا أراد غزور ورى بغيرها فإن المراد أنه كان يريد أمرا فلا يظهره كان يريد أن يغزو جهة الشرق فيسأل عن أمر في جهة المغرب ويتجهز للسفر فيظن من يراه ويسمعه أن يريد جهة المغرب وأما أنه يصرح بإرادته المغرب ومراده المشرق فلا
قال ابن بطال سألت بعض شيوخي عن معنى هذا الحديث فقال الكذب المباح في الحرب ما يكون في المعارض لا التصريح بالتأمين مثلا وقال المهلب لا يجوز الكذب الحقيقي في شيء من الدين أصلا قال ومحال أن يأمر بالكذب من يقول من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ويرده ما تقدم
قال الحافظت واتفقوا على إن المراد بالكذب في حق المراة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقا عليه أو عليها أو أخذ ماليس له أو لها وكذا في الحرب في غير التأمين واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل هو مخنف عنده فله ان ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم انتهى وقال القاضي زكريا وضابط ما يباح من الكذب وما لا بياح أن الكلام وسيلة إلى المقصود فكل مقصود محمود أن أمكن التوصل إليه بالصدق فالكذب فيه حرام وإن لم يمكن إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا وواجب أن كان المقصود واجبا انتهى . والحق أن الكذب حرام كله بنصوص القرآن والسنة من غير فرق بين ما كان منه في مقصد محمود أو غير محمود ولا يستثنى منه إلا ما خصه الدليل من الأمور المذكورة في أحاديث الباب نعم إن صح ما قدمنا عن الطبراني في الأوسط كان من جملة المخصصات لعموم الأدلة القاضية بالتحريم على العموم
باب ما جاء في المبارزة
1 - عن أمير المؤمنين علي رضوان الله عليه " قال تقدم عتبة بن ربيعة ومعه ابنه وأخوه فنادى من يبارز فانتدب له شباب من الأنصار فقال من أنتم فأخبروه فقال لا حاجة لنا فيكم إنا أردنا بني عمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قم يا حمزة قم يا علي قم يا عبيدة بن الحرث فأقبل حمزة إلى عتبة وأقبلت إلى سيبة واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان فأثخن كل واحد منا صاحبه ثم ملنا إلى الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة "
- رواه أحمد وأبو داود
2 - وعن قيس بن عباد عن علي قال " أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة قال قيس فيهم نزلت هذه الآية هذان خصمان اختصموا في ربهم قال هم الذين تبارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة بن الحرث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة "
وفي رواية " أن عليا قال فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم هذان خصمان اختصموا في ربهم "
- رواهما البخاري
3 - وعن سلمة بن الأكوع " قال بارز عمي يوم خيبر مرحب اليهودي "
- رواه أحمد في قصة طويلة ومعناه لمسلم
- حديث علي الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وفي الباب عن أبي ذر عند الشيخين في ذكر المبارزة المذكورة مختصرا وأخرج ابن إسحاق في المغازي أن عليا بارز يوم الخندق عمرو بن عبد ود " ووصله الحاكم من حديث أنس بنحوه وأخرج ابن إسحاق أيضا في المغازي عن جابر قال " خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر قد جمع سلاحه وهو يرتجز فذكر الشعر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لهذا فقال محمد بن مسلمة أنا يا رسول الله " فذكر الحديث والقصة ورواه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد والذي في صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع مطولا أنه بارزه علي وفيه " فخرج مرحب وهو يقول "
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
فقال علي عليه السلام
أنا الذي سمتن أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره
وضرب رأس مرحب فقتله
قال الحافظ في التلخيص إن الأخبار متواترة أن عليا هو الذي قتل مرحبا انتهى . ورواية سلمة التي ذكرها المصنف في الباب تدل على أن الذي بارز مرحبا هو عمه . ويمكن الجمع بأن يقال أن محمد بن مسلمة وكذلك عم سلمة بن الأكوع بارزاه أولا ولم يقتلا ثم بارزه علي آخرا فقتله ساقي مرحب فقطعهما ولم يجهز عليه فمر به علي فضرب عنقه وأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن مسلمة وروى الحاكم بسند منقطع فيه الواقدي أيضا أن أباد جانة قتله وجزم ابن إسحاق في السيرة أن محمد ين مسلمة هو الذي قتله قال الحافظ في التلخيص في باب قسمة الفيء والصحيح أن علي بن أبي طالب هو الذي قتله كما ثبت في صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع وفي مسند أحمد عن علي انتهى
وفي الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف أن عوفا ومعوذا ابني غفراء خرجا يوم بدر إلى البراز فلم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروى ابن إسحاق في المغازي أن عبد الله بن رواحة خرج يوم بدر إلى البراز هو ومعوذ وعوف ابنا عفراء وذكر القصة
قوله : " فانتدب له شباب من الأنصار " هم عبد الله بن رواحة ومعوذ وعوف ابنا عفراء كما بين ذلك ابن إسحاق في المغازي
قوله : " قم يا عبيدة بن الحرث " قال ابن إسحاق أن عبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة كانا أسن القوم فبرز عبيدة لعتبة وحمزة لشيبة وعلي للوليد وروى موسى بن عقبة أنه برز حمزة لعتبة وعبيدة لشيبة وهو المناسب لحديث الباب فقتل علي وحمزة من بارزاهما وأختلف عبيدة ومن بارزه بضربتين فوقعت الضربة في ركبة عبيدة فمات منها لما رجعوا بالصفراء ومال حمزة وعلي إلى الذي بارز عبيدة فأعاناه على قتله وفي الأحاديث التي ذكرها المصنف وذكرناها دليل على أنها تجوز المبارزة وإلى ذلك ذهب الجمهور والخلاف في ذلك للحسن البصري . وشرط الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق أذن الأمير كما في هذه الرواية فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن للمذكورين
قوله : " فأثخن كل واحد منا صاحبه " لفظ أبي داود فأثخن كل واحد منهما صاحبه أي كل واحد من المذكورين وهما عبيدة والوليد ومعنى الرواية المذكورة في الباب أنه أثخن حمزة من بارزه وهو عتبة وأثخن علي من بارزه وهو شيبة ثم مالا إلى الوليد
قال في القاموس أثخن في العدو بالغ في الجراحة فيهم وفلانا أو هنه وحتى إذا أثخنتموهم أي غلبتموهم وكثر فيهم الجراح انتهى
قوله : " ثم ملنا إلى الوليد " فيه دليل على أنه يجوز أن تعين كل طائفة من الطائفتين المتبارزتين بعضهم بعضا
باب من أحب الإقامة بموضع النصر ثلاثا
1 - عن أنس عن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال "
- متفق عليه
وفي لفظ لأحمد والترمذي " بعرصتهم " وفي رواية لأحمد " لما فرغ من أهل بدر أقام بالعرصة ثلاثا "
- قوله " أقام بالعرصة " بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها صاد مهملة وهي البقعة الواسعة بغير بناء من دار أو غيرها ( وفي الحديث دليل ) على أنها تشرع الإقامة بالمكان الذي ظهر به حزب الحق على حزب الباطل ثلاث ليال
قال المهلب حكمة الإقامة لإراحة الظهر والأنفس وقال ابن الجوزي إنما كان ذلك لإظهار تأثير الغلبة وتنفيذ الأحكام وقلة الأحتفال بالعدو وكأنه يقول من كانت فيه قوة منكم فليرجع إلينا
وقال ابن المنير يحتمل أن يكون المراد أن تقع ضيافة الأرض التي وقعت فيها المعاصي بإيقاع الطاعة فيها بذكر الله تعالى واظهار شعار المسلمين وإذا كان ذلك في حكم الضيافة ناسب أن يقيم عليها ثلاثا لأن الضيافة ثلاث قال الحافظ ولا يخفى إن كان محله إذا كان في أمن من عدو طارق
باب أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين وإنها لم تكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
1 - عن عمرو بن عبسة " قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعير من المغنم فلما أخذ وبرة من جنب البعير ثم قال ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس والخمس مردود فيكم "
- رواه أبو داود والنسائي بمعناه
2 - وعن عبادة بن الصامت " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى بهم في غزونهم إلى بعير من المقسم فلما سلم قام إلى البعير من المقسم فتناول وبرة بين أنملتيه فقال إن هذا من غنائمكم وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر "
- رواه أحمد في المسند
3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في قصة هوازن " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دنا من بعير فأخذ وبرة من سنامه ثم قال يا أيها الناس أنه ليس لي من هذا الفئ شيء ولاهذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي ولم يذكر وأدوا الخيط والمخيط
- حديث عمرو بن عبسة سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وحديث عبادة بن الصامت أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وحسنه الحافظ في الفتح
قال المنذري وروى أيضا من حديث جبير بن مطعم والعرباض بن سارية انتهى . وحديث عمرو بن شعيب قد قدمنا الكلام على الأسانيد المروية عنه عن أبيه عن جده وقد أخرج هذا الحديث مالك والشافعي ووصله النسائي من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحسنه الحافظ في الفتح
قوله : " وبرة " بفتح الواو والباء الموحدة بعدها راء قال في القاموس الوبر محركة صوف الإبل والأرانب وتحوها الجمع أوبار
قوله : " والمخيط " هو ما يخاط به كالأبرة ونحوها وفيه دليل على التشديد في أمر الغنيمة وإنه لا يحل لأحد أن يكتم منها شيئا وإن كان حقيرا وسيأتي الكلام على ذلك في باب التشديد في الغلول ( وأحاديث ) الباب فيها دليل على أنه لا يأخذ الإمام من الغنيمة إلا الخمس ويقسم الباقي منها بين الغانمين والخمس الذي يأخذه أيضا ليس هو له وحده بل يجب عليه أن يرده على المسلمين علىحسب ما فصله الله تعالى في كتابه بقوله { واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } وروى الطبراني في الأوسط وابن مردوية في التفسير من حديث ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث سرية قسم وخمس الغنيمة فضرب ذلك الخمس في خمسة ثم قرأ واعلموا إنما غنمتم من شيء " الآية فجعل سهم الله وسهم رسوله واحدا وسهم ذوي القربى هو والذي قبله في الخيل والسلاح سهم اليتامى وسهم المساكين وسهم ابن السبيل لا يعطيه غيرهم ثم جعل الأربعة الأسهم الباقية للفرس سهمان ولراكبه سهم وللراجل سهم
وروى أيضا أبو عبيد في الأموال نحوه ( وفي أحاديث ) الباب أيضا دليل على أنه لا يستحق الإمام السهم الذي يقال له الصفي
واحتج من قال بأنه يستحقه بما أخرجه أبو داود عن الشعبي وابن سيرين وقتادة أنهم قالوا كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهم يدعى الصفى ولا يقوم بمثل هذا المرسل حجة
وأما اصطفاؤه صلى الله عليه وآله وسلم سيفه ذا الفقار من غنائم بدر فقد قيل أن الغنائم كانت له يومئذ خاصة فنسخ الحكم بالتخميس كما حكى ذلك صاحب البحر عن الإمام يحيى
وأما صفية بنت حيى بن أخطب فهي من خيبرو ولم يقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للغانمين منها إلا البعض فكان حكمها حكم ذلك البعض الذي لم يقسم على أنه قد روى أنها وقعت في سهم دحية بن خليفة الكلبي فأشتراها منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسبعة أرؤس
وقد ذهب إلى أن الإمام يستحق الصفي العترة وخالفهم الفقهاء وسيذكر المصنف رحمه الله الأدلة القاضية باستحقاق الإمام للصفي في باب مستقل سيأتي
باب أن السلب للقاتل وأنه غير مخموس
1 - وعن أبي قتادة قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة قال فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فاستدرت إليه شحتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقة وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقال ما للناس فقلت أمر الله ثم إن الناس رجعوا وجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه قال فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال مثل ذلك قال فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال ذلك الثالثة فقمت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مالك يا أبا قتادة فقصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي فأرضه من حقه فقال أبو بكر الصديق لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدق فأعطه إياه فأعطاني قال فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام "
- متفق عليه
2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم حنين من قتل رجلا فله سلبه فقتل أبو طلحة عشرين رجلا وأخذ أسلابهم "
- رواه أحمد وأبو داود وفي لفظ " من تفرد بدم رجل فقتله فله سلبه قال فجاء أبو طلحة بسلب أحد وعشرين رجلا " رواه أحمد
3 - وعن عوف بن مالك " أنه قال لخالد بن الوليد ما علمت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضي بالسلب للقاتل قال بلى "
- رواه مسلم
4 - وعن عوف وخالد أيضا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخمس السلب "
- رواه أحمد وأبو داود
- حديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح وتمامه " ولقي أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر فقال يا أم سليم ما هذا معك قالت أردت والله إن دنا مني بعضهم أبعج به بطنه فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وأخرج قصة أم سليم مسلم أيضا . وحديث عوف وخالد أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يخمس السلب أخرجه أيضا ابن حبان والطبراني قال حافظ بعد ذكره في التلخيص ما لفظه وهو ثابت في صحيح مسلم في حديث طويل فيه قصة لعوف بن مالك مع خالد بن الوليد اه
وفيه نظر فإن هذا اللفظ الذي هو محل الحجة لم يكن في صحيح مسلم بل الذي فيه هو ما سيأتي قريبا وفي إسناد هذا الحديث إسماعيل بن عياش وفيه كلام معروف قد تقدم ذكره مرارا
قوله : " جولة " بفتح الجيم وسكون الواو أي حركة فيها اختلاط وهذه الجولة كانت قبل الهزيمة
قوله : " فرأيت رجلا من المشركين " قد علا رجلا من المسلمين " قال الحافظ لم أقف على اسميهما
قوله : " على حبل عاتقه " حبل العاتق عصبه والعاتق موضع الرداء من المنكب
قوله : " وجدت منها ريح الموت " أي من شدتها وأشعر ذلك بأن هذا المشرك كان شديد القوة جدا قوله " فأرسلني " أي أطلقني قوله " فحلقت عمر بن الخطاب " الخ في السياق حذف تبينه الرواية الأخرى من حديثه في البخاري وغيره بلفظ " ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب "
قوله : " أمر الله " أي حكم الله وما قضى به
قوله : " فله سلبه " السلب بفتح المهملة واللام بعدها موحدة هو ما يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره عند الجمهور وعن أحمد لا تدخل الدابة وعن الشافعي يختص بأداة الحرب
وقد ذهب الجمهور أيضا إلى أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أم لا . وذهبت العترة والحنفية والمالكية إلى أنه لا يستحقه القاتل إلا أن شرط له الإمام ذلك وروى عن مالك أنه يخير الإمام بين أن يعطى القاتل السلب أو يخمسه واختاره القاضي إسماعيل وعن إسحاق إذا كثرت الأسلاب خمست . وعن مكحول والثوري يخمس مطلقا وقد حكى عن الشافعي أيضا وحكاه في البحر عن ابن عمر وابن عباس والقاسمية . وحكى أيضا عن أبي حنيفة وأصحابه والشافعي والإمام يحيى أنه لا يخمس . وحكى أيضا عن علي مثل قول إسحاق ( واحتج ) القائلون بتخميس السلب بعموم قوله تعالى { واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه } الآية فإنه لم يستثن شيئا . واستدل من قال أنه لا خمس فيه بحديث عوف بن مالك وخالد المذكوز في الباب وجعلوه مخصصا لعموم الآية
قوله : " فقال رجل من القوم " قال الواقدي اسمه أسود من خزاعة
قال الحافظ وفيه نظر لأن في الرواية الصحيحة أن الذي أخذ السلب قرشي
قوله : " لاها الله " قال الجوهري ها للتنبيه وقد يقسم بها يقال لاها الله ما فعلت كذا
قال ابن مالك فيه شاهد على جواز الأستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه قال ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لاها الرحمن كما سمع لا والرحمن قال وفي النطق بها أربعة أوجه . أحدها ها الله باللام بعد الهاء بغير إظهار شيء من الألفين . ثانيها مثله لكن بإظهار ألف واحده بغير همز كقولهم التقت حلقتا البطان . ثالثا ثبوت الألفين بهمزة قطع . رابعها بحذف الألف وثبوت همزة القطع اه
قال الحافظ والمشهور في الرواية من هذه الأوجه الثالث ثم الأول
وقال أبو حاتم السجستاني العرب تقول لا ها الله ذا بالهمزة والقياس ترك الهمزة . وحكى ابن التين عن الداودي أنه رواه برفع الله قال والمعنى يأبى الله وقال غيره إن ثبتت الرواية بالرفع فتكون ها للتنبيه والله مبتدأ ولا يعمد خبره ولا يخفى تكلفه
قال الحافظ وقد نقل الأئمة الاتفاق على الجر فلا يلتفت إلى غيره قال وأما إذا فثبت في جميع الروايات المعتمدة والأصول المحققة من الصحيحين وغيرهما بكسر الألف ثم ذال معجمة منونة
وقال الخطابي هكذا يروونه وإنما هو في كلامهم أي العرب لا ها الله ذا والهاء فيه بمنزلة الواو والمعنى لا والله يكون ذا ونقل عياض في المشارق عن إسماعيل القاضي أن المازني قال قول الرواة لا ها الله إذا خطأ والصواب لا ها الله ذا أي ذا يميني وقسمي
وقال أبو زيد ليس في كلامهم لا ها الله إذا وإنما هو لا ها الله ذا وذا صلة في الكلام والمعنى لا والله هذا ما أقسم به ومنه أخذ الجوهري فقال قولهم لا ها الله ذا معناه لا والله هذا ففرقوا بين حرف التنبيه والصلة والتقدير لا والله ما فعلت ذا وتوارد كثير ممن تكلم على هذا الحديث على أن الذي وقع في الحديث بلفظ إذا خطأ وإنما هو ذا تبعا لأهل العربية ومن زعم أنه ورد في شيء من الروايات خلاف ذلك فلم يصب بل يكون ذلك من إصلاح من قلد أهل العربية
وقد أختلف في كتابة إذا هذه هل تكتب بألف أو بنون وهذا الخلاف مبني على أنها اسم أو حرف قال الأصل فيمن قيل له سأجيء إليك فأجاب إذا أكرمك أي إذا جئتني أكرمك ثم حذف جئتني وعوض عنه التنوين وأضمرت أن فعلى هذا تكتب بالنون ومن قال هي حرف وهم الجمهور اختلف فمنهم من قال هي بسيطة وهو الراجح ومنهم من قال مركبة من إذ وأن فعلى الأولى تكتب بالألف وهو الراجح وبه وقع رسم المصاحف وعلى الثاني تكتب بنون واختلف في معناها فقال سيبويه معناها الجواب والجزاء وتبعه جماعة فقالوا هي حرف جواب يقتضي التعليل وأفاد أبو علي الفارسي أنها قد تتمحض للتعليل وأكثر ما تجيء جواب لو وأن ظاهرا أو مقدارا قال في الفتح فعلى هذا لو ثبتت الرواية بلفظ إذا لاختل نظم الكلام لأنه يصير هكذا لا والله إذا لا يعمد إلى أسد الخ وكان حق السياق أن يقول إذا يعمد أي لو أجابك إلى ما طلبت لعمد إلى أسد الخ وقد ثبتت الرواية بلفظ لا يعمد الخ فمن ثم أدعى من أدعى أنها تغيير ولكن قال ابن مالك وقع في الرواية إذا بألف وتنوين وليس ببعيد وقال أبو البقاء هو بعيد ولكن يمكن أن وجه بأن التقدير لا والله لا يعطى إذا ويكون لا يعمد الخ تأكيدا للنفي المذكور وموضحا للسبب فيه وقال الطيبي ثبتت في الرواية لا ها الله إذا فحمله بعض النحويين على أنه من تغيير بعض الرواة لأن العرب لا تستعمل لا ها الله بدون ذا وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا لأنها حرف جزاء ومقتضى الجزاء أن لا يذكر لا في قوله لا يعمد بل كانوا يقولون إذا يعمد إلى أسد الخ ليصح جوابا لطالب السلب
قال والحديث صحيح والمعنى صحيح وهو كقولك لمن قال لك افعل كذا فقلت له والله لا أفعل فالتقدير والله إذا لا يعمد إلى اسد قال ويحتمل أن تكون إذا زائدة كما قال أبو البقاء أنها زائدة في قول حماسي . إذا لقام بنصري معشر خشن في جواب قوله . لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
قال والعجب ممن يعتني بشرح الحديث ويقدم نقل بعض الأدباء على أئمة الحديث وجها بذاته وينسبون إليهم الغلط والتصحيف ولا أقول أن جهابذة المحدثين أعدل وأتقن في النقل إذ يقتضي المشاركة بينهم بل أقول لا يجوز العدول عنهم في النقل إلى غيرهم وقد سبقه إلى مثل ذلك القرطبي في المفهم فإنه قال وقع في رواية في مسلم لا ها الله ذا بغير ألف ولا تنوين وهو الذي جزم به من ذكرناه يعني من قدم النقل عنه من أئمة العرب قال والذي يظهر لي أن الرواية المسهورة صواب وليست بخطأ وذلك أن هذا الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى والهاء هي التي عوض بها عن واو القسم وذلك ان العرب تقول في القسم الله لأفعلن بمد الهمزة وبقصرها فكأنهم عوضوا عن الهمزة هاء فقالوا ها الله لتقارب مخرجهما وكذلك قالوها بالمد والقصر وتحقيقه أن الذي مد مع الهاء كأنه نطق بهمزتين أبدل من إحداهما ألفا استثقالا لاجتماعهما كما يقول الله والذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة كما يقول الله
وأما " إذا " فهي بلا شك حرف جواب وتعليل وهي مثل التي وقعت في قوله صلى الله عليه وآله وسلم وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال " أينقص الرطب إذا جف " قالوا " نعم " قال " فلا إذا " قال فلا والله إذا لكان مساويا لما وقع هنا وهو لا ها الله إذا من كل وجه ولكنه لم يحتج هنا إلى القسم فتركه قال فقد وضح تقرير الكلام ومناسبته واستقامته معنى ووضعا من غير حاجة إلى تكلف بعيد يخرج عن البلاغة ولا سيما من أرتكب أبعد وأفسد فجعل الهاء للتنبيه وذا للإشارة وفصل بينهما بالقسم به وقال ليس هذا قياسا فيطرد ولا فصيحا فيحمل عليه الكلام النبوي ولا مرويا برواية ثابتة قال وما جدوى للعذرى وغيره في مسلم فإصلاح ممن اغتر بما حكى عن أهل العربية والحق أحق أن يتبع
قال في الفتح قال أبو جعفر الغرناطي في حاشية نسختهمن البخاري استرسل جماعة من القدماء في هذا الإشكال إلى أن جعلوا المخلص منه أن اتهموا الإثبات بالتصحيف فقالوا والصواب لا ها الله ذا باسم الإشارة قال ويا عجباه من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة ويطلبون لها تأويلا وجوابهم أن ها الله لا يستلزم اسم إشارة كما قال أبو مالك وأما جعل لا يعمد جواب فأرضه فهو سبب الغلط وليس بصحيح من زعمه وإنما هو جواب شرط مقدر يدل عليه قوله صدق فأرضه فكان أبا بكر قال إذا صدق في أنه صاحب السلب إذ لا يعمد إلى السلب فيعطيك حقه فالجزاء على هذا صحيح لأن صدقه سبب أن لا يفعل ذلك قال وهذا لا تكلف فيه انتهى
قال الحافظ في الفتح وهو توجيه حسن والذي قبله أقعد ويؤيد ما رجحه من الاعتماد على ما ثبتت به الرواية كثرة وقوع هذه الجملة في كثير من الأحاديث منها ما وقع في حديث عائشة في قصة بريرة لما ذكرت أن أهلها يشترطون الولاء قالت فانتهرتها قالت لا ها الله إذا ومنها ما وقع في حديث جليبيب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب عليه امرأة من الأنصار إلى أبيها فقال حتى أستأمر أمها قال فنعم إذا قال فذهب إلى امرأته فذكر لها ذلك فقالت لا ها الله إذا وقد منعناها فلانا الحديث صححه ابن حبان من حديث أنس ومنها ما أخرجه أحمد في الزهد قال مالك بن دينار للحسن يا أبا سعيد أو ليست مثل عباءتي هذه قال لا ها الله إذا لا ألبس مثل عباءتك هذه وغير ذلك من الأحاديث والراجح أن إذا الواقعة في حديث الباب وما شابهه حرف جواب وجزاء والتقدير لا الله حينئذ ثم أراد بيان السبب في ذلك فقال لا يعمد إلى أسد الخ . قوله " لا يعمد " الخ معناه لا يقصد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله فيأخذ حقه ويعطيك بغير طيبة من نفسه هكذا ضبط للأكثر بالتحتانية في يعمد وفي يعطيك وضبطه النووي بالنون فيهما
قوله : " فيعطيك سلبه " أي سلب قتيله وأضافه إليه باعتبار أنه ملكه
قوله : " فابتعت به " ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة وأن الثمن كان سبع أواق قوله " مخرفا " بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانا سمي بذلك لأنه يخترف منه التمر أي يجتني وأنا بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها
قوله : " في بني سلمة " بكسر اللام وهم بطن من الأنصار من قوم أبي قتادة
قوله : " تأثلته " بمثناة ثم مثلثة أي أصلته وأثلة كل شيء أصله
قوله : " من تفرد بدم رجل " فيه دليل على أنه لا يستحق السلب إلا من تفرد بقتل المسلوب فإن شاركه في ذلك غيره كان السلب لهما . قوله " لم يخمس السلب " فيه دليل لمن قال أنه لا يخمس السلب وقد تقدم الخلاف في ذلك
5 - وعن عوف بن مالك قال " قتل رجل من حمير رجلا من العدو فأراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد وكان واليا عليهم فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عوف بن مالك فأخبره بذلك فقال خالد ما منعك أن تعطيه سلبه فقال استكثرته يا رسول الله قال ادفعه إليه فمر خالد بعوف فجر بردائه ثم قال هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستغضب فقال لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون لي أمرائي إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعا إبلا وغنما فرعاها ثم تحين سقيها فأوردها حوضا فشرت فيه فشربت صفوه وتركت كدره فصفوه لكم وكدره عليهم "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية قال " خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة موتة ورافقني مددي من أهل اليمن ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل الرومي يفري في المسلمين فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه فلما فتح الله عز و جل للمسلمين بعث إليه خال بن الوليد فأخذ السلب قال عوف فأتيته فقلت يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالسلب للقاتل قال بلى ولكن استكثرته قلت لتردنه إليه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد وذكر بقية الحديث بمعنى ما تقدم " رواه أحمد وأبو داود
وفيه حجة لمن جعل السلب المستكثر إلى الإمام وأن الدابة من السلب
6 - وعن سلمة بن الأكوع قال " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو ازن فبين نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه ثم انتزع طلقا من جعبته فقيد به الجمل ثم تقدم فتغدى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة من الظهر وبعضنا مشاة إذ خرج يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه فقعد عليه فأثاره به الجمل فأتبعه رجل على ناقة ورقاء قال سلمة فخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبتيه في الأرض اخترط سيفي فضربت رأس الرجل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس معه فقال من قتل الرجل فقالوا سلمة بن الأكوع قال له سلبه أجمع "
- متفق عليه
- قوله " رجل من حمير " هو المددي المذكور في الرواية الثانية
قوله : " لا تعطه يا خالد " فيه دليل على أن للإمام أن يعطي السلب غير القاتل لأمر يعرض فيه مصلحة من تأديب أو غيره
قوله : " هل أنتم تاركون لي أمرائي " فيه الزجر عن معارضة الأمراء ومغاضبته والشماتة بهم لما تقدم من الأدلة الدالة على وجوب طاعتهم في غير معصية الله
قوله : في " غزوة موتة " بضم الميم وسكون الواو بغير همز لأكثر الرواة وبه جزم المبرد ومنهم من همزها وبه جزم ثعلب والجوهري وابن فارس . وحكى صاحب الواعي الوجهين
وأما الموتة التي وردت الاستعاذة منها وفسرت بالجنون فهي بغير همز
قوله : " مددي " بفتح الميم ودالين مهملتين قال في النهاية الإمداد جمع مددوهم الأعوان والأنصار الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد ومددي منسوب إليه اه
قوله : " يفري " بفتح أوله بعده فاء ثم راء والفرى شدة النكاية فيهم يقال فلان يفري إذا كان يبالغ في الأمر وأصل الفري القلع قال في القاموس وهو يفري الفري كغني يأتي بالعجب في عمله اه
قوله : " فعرقب فرسه " أي قطع عرقوبها قال في القاموس عرقبه قطع عرقوبه اه
قوله : " فبينا نحن نتضحى " أي نأكل في وقت الضحى كما يقال نتغدى ذكر معنى ذلك في النهاية
قوله : " من جعبته " بالجيم والعين المهملة قال في النهاية الجعبة التي يجعل فيها النشاب والطلق بفتح اللام قيد من جلود
قوله : " له سلبه أجمع " فيه دليل على أن القاتل يستحق جميع السلب وإن كان كثيرا وعلى أن القاتل يستحق السلب في كل حال حتى قال أبو ثور وابن المنذر يستحقه ولو كان المقتول منهزما
وقال أحمد لا يستحقه إلا بالمبارزة وعن الأوزاعي إذا التقى الزحفان فلا سلب
وقد اختلف إذا كان المقتول امرأة هل يستحق سلبها القاتل أم لا فذهب أبو ثور وابن المنذر إلى الأول وقال الجمهور شرطه أن يكون المقتول من المقاتلة واتفقوا على أنه لا يقبل قول من ادعى السلب إلا ببينة تشهد له بأنه قتله والحجة في ذلك ما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " فمفهومه أنه إذا لم يكن له بينة لا تقبل . وعن الأوزاعي يقبل قوله بغير بينة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه أبا قتادة بغير بينة وقد تقدم وفيه نظر لأنه وقع في المغازي الواقدي إن أوس بن خولي شهد لأبي قتادة وعلى تقدير أن لا يصح فيحمل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم بأنه القاتل بطريقة من الطرق وأبعد من قال من المالكية أن المراد بالبينة هنا الذي أقر له أن السلب عنده فهو شاهد والشاهد الثاني وجود المسلوب فإنه بمنزلة الشاهد على أنه قتله ولذلك جعل اوثا في باب القسامة وقيل إنما استحقه أبو قتادة بإقرار الذي هو بيده وهذا ضعيف لأن الإقرار إنما يفيد إذا كان المال منسوبا لمن بيده فيؤاخذ بإقراره والمال هنا لجميع الجيش . ونقل ابن عطية عن أكثر الفقهاء أن البينة هنا يكفي فيها شاهد واحد وقد اختلف في المرأة والصبي هل يستحقان سلب من قتلاه في ذلك وجهان قال الإمام يحيى أصحهما يستحقان لعموم من قتل قتيلا فله سلبه
قال في البحر وإنما يستحق السلب حيث قتله والحرب قائمة لا لو قتله نائما أو فارا قبل مبارزته أو مشغولا بأكل ولا لو لارماه بسهم إذ هو في مقابلة المخاطرة بالنفس ولا مخاطرة هنا ولا لو قتل أسيرا أو عزيلا عن السلاح ولا لو قتل من لا سطوة له كالمقعد والزمن فإن قطع يديه ورجليه استحق سلبه إذ قد كفى شره ولو جرحه رجل ثم قتله آخر فالسلب للآخر إذ لم يعط صلى الله عليه وآله وسلم ابن مسعود سلب أبي جهل وقد جرحه بل قاتليه من الأنصار قال فلو ضرب أحدهما يده والآخر رقبته فالسلب لضارب الرقبة إن لم تكن ضربة الآخر قاتلة وإلا اشتركا انتهى . والمراد بالسلب هو ما أجلب به المقتول من ملبوس ومركوب وسلاح لاما كان باقيا في بيته قال الإمام يحيى ولا المنطقة والخاتم والسوار والجنيب من الخيل فليس بسلب
قال المهدي بل المذهب أن كل ما ظهر على القتيل أو معه فهو سلب لا ما يخفي من جواهر أو دراهم أو نحوها والظظاهر من حديث الباب المؤكد بلفظ أجمع أنه يقال لكل شيء وجد مع المقتول وقت القتل سلب سواء كان مما يظهر أو يخفى واختلفوا هل يدخل الإمام في العموم إذ قال من قتل قتيلا فله سلبه فذهب أبو حنيفة والهادوية إلى الأول لعموم اللفظ إلا لقرينه مخصصة نحو أن يقول من قتل منكم وذهب الشافعي والمؤيد بالله في قول له أنه لا يدخل ومرجع هذا إلى المسألة المعروفة في الأصول وهي هل يدخل المخاطب في خطاب نفسه أم لا وفي ذلك خلاف معروف
7 - وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال " بينا أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قال قلت نعم وما حاجتك إليه يا ابن ابن أخي قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال فعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه قال فابتدراه بسيفهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبراه فقال إياكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سيفكما قالا لا فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء "
- متفق عليه
8 - وعن ابن مسعود قال " نفلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر سيف أبي جهل كان قتله "
- رواه أبو داود ولأحمد معناه وإنما أدرك ابن مسعود أبا جهل وبه رمق فأجهز عليه روى معنى ذلك أبو داود وغيره
- حديث ابن مسعود هو من رواية ابنه أبي عبيدة عن أبيه عبد الله ابن مسعود أنه وجد أبا جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو صريع يذب الناس عنه بسيف له فأخذه عبد الله بن مسعود فقتله به فنفله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسلبه
قوله : " حديثة " أسنانهما بالجرصفة لغلامين وأسنانهما بالرفع
قوله : " بين أضلع منهما " من الضلاعة وهي القوة قال في النهاية معناه بين رجلين أقوى من اللذين كنت بينهما وأشد . ووقع في رواية الحموي بين أصلح منهما بالصاد والحاء المهملتين
قوله : " لا يفارق سوادي سواده " السواد بفتح السين المهملة وهو الشخص
قوله : " حتى يموت الأعجل منا " أي الأقرب أجلا وقيل أن لفظ الأعجل تصحيف وإنما هو الأعجر وهو الذي يقع في كلام العرب كثيرا قال في الفتح والصواب ما وقع في الرواية لوضوح معناه
قوله : " فنظر في السيفين " قال المهلب نظره صلى الله عليه وآله وسلم في السيفين واستلا له لهما ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ ولذلك سألهما أولا هل مسحتما سيفكما أم لأنهما لو مسحاهما لما تبين المراد من ذلك
وقد استشكل ما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من القضاء بالسلب لأحدهما بعد حكمه بأن كلا منهما قتله حتى استدل بذلك من قال أن إعطاء السلب مفوض إلى رأي الإمام وقرره الطحاوي وغيره بأنه لو كان يجب للقاتل لكان السلب مستحقا بالقتل ولجعله بينهما لاشتراكهما في قتله فلما خص به أحدهما دل على أنه لا يستحق بالقتل وإنما يستحق بتعيين الإمام وأجاب الجمهور بأن في السياق دلالة على أن السلب يستحقه من أثخن في الجرح ولو شاركه غيره في الضرب أو الطعن قال المهلب وإنما قال كلا كما قتلته وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه لنطييب نفس الآخر
وقال الإسماعيلي أقول أن الأنصاريين ضرباه فأثخناه فبلغا به المبلغ الذي يعلم معه أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ وقد دل قوله كلا كما قتله على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة وإبانتها ولما لم يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت بجراحته حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في القتل إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه
وقد أخرج الحاكم من طريق ابن إسحاق حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال قال معاذ بن عمرو بن الجموح سمعتهم يقولون أبو جهل لا يخلص إليه فجعلته من شأني فعمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة اطنت قدمه وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي قال ثم عاش معاذ إلى وقت عثمان قال ومر بأبي جهل معوذ بن عفراو فضربه حتى أثبته وبه رمق ثم قال معوذ حتى قتل فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل لعنه الله فوجده بآخر رمق فذكر ما تقدم فقال في الفتح فهذا الذي رواه ابن إسحاق يجمع بين الأحاديث لكنه يخالف ما في الصحيح من حديث عبد الرحمن ابن عوف فإنه رأى معاذا ومعوذا شدا عليه جميعا طرحاه وابن إسحاق يقول إن ابن عفراء هو معوذ بتشديد الواو والذي في الصحيح معاذ فيحتمل أن يكون معاذ بن عفراء شد عليه مع معاذ بن عرو كما في الصحيح وضربه بعد ذلك معوذ حتى أثبته ثم حز رأسه ابن مسعود فتجتمع الأقوال كلها وإطلاق كونها قتلاه يخالف في الظاهر حديث ابن مسعود إنه وجده وبه رمق وهو محمول على أنهما بلغا به بضربهما إياه بسيفيهما منزلة المقتول حتى لم يبق له إلا مثل حركة المذبوح وفي تلك الحالة لقيه ابن مسعود فضرب عنقه
وأما ما وقع عند موسى بن عقبة وكذا عند أبي الأسود عن عروة إن ابن مسعود وجد أبا جهل مصروعا بينه وبين المعركة غير كثير متقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذه لا يتحرك منه عضو فظن عبد الله أنه ميت جراحا فأتاه من ورائه فتناول قائم سيف أبي جهل فاستله ورفع بعضد أبي جهل عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه فيحمل على أن ذلك وقع له بعد أن خاطبه بما تقدم
قوله : " والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ ابن عفراء " وقع في البخاري في الخمس أنهما ابنا عفراء فقيل إن عفراء أم معاذ واسم أبيه الحرث وأما معاذ بن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء وإنما اطلق عليه تغليبا ويحتمل أن تكون أم معاذ أيضا تسمى عفراء وإنه لما كان لمعوذ أخ يسمى معاذا باسم الذي شركه في قتل أبي جهل " ظنه الراوي أخاهت
قوله : " نفلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر سيف أبي جهل يمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وآله وسلم نفل ابن مسعود سيفه الذي قتله به فقط وعلى ذلك يحمل قوله في رواية أحمد فنفلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسلبه جمعا بين الأحاديث
باب التسوية بين القوي والضعيف ومن قاتل ومن لم يقاتل
1 - عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر من فعل كذا وكذا فله من النفل كذا وكذا قال فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوا بها فلما فتح الله عليهم قال المشيخة كنا ردءا لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى فأبى الفتيان وقالوا جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا فأنزل الله عز و جل يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول إلى قوله عز و جل كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وأن فريقا من المؤمنين لكارهون يقول فكان ذلك خيرا لهم وكذلك هذا أيضا فاطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسواء "
- رواه أبو داود
2 - وعن عبادة بن الصامت قال " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله العدو فانطلقت طائفة في أثرهم يهزمون ويقتلون واكبت طائفة على الغنائم يحوونه ويجمعونه واحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها وجمعناها فليس لا حد فيها نصيب وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأحق منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فواق بين المسلمين
وفي لفظ مختصر فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقسمه فينا على بواء يقول على السواء "
- رواه أحمد
3 - وعن سعد بن مالك قال " قلت يا رسول الله الرجل يكون حامية القوم أيكون سهمه وسهم غيره سواء قال ثكلتك أمك ابن أم سعد وهلى ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم "
- رواه أحمد
4 - وعن مصعب ابن سعد قال رأى سعدا له فضلا على من دونه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم "
- رواه البخاري والنسائي
5 - وعن الدرداء قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ابغوني ضعفاءكم فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه
- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا الحاكم وصححه أبو الفتح في الأقتراح على شرط البخاري . وحديث عبادة قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات انتهى
وأخرجه أيضا الطبراني وأخرج نحوه الحاكم عنه وحديث سعد ابن مالك في إسناده محمد بن راشد المكحولي قال في التقريب صدوق يهم . وحديث أبي الدرداء سكت عنه أبو داود وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وللنسائي زيادة تبين المراد من الحديث ولفظها قال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما نصر هذه الأمة بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم
قوله : " من النفل " بفتح النون والفاء زيادة يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة ومته نفل الصلاة وهو ما عدا الفرض وقال وفي القاموس النفل محركة الغنيمة والهبة والجمع أنفال ونفال اه
قوله : " ولزم المشيخة " بفتح الميم كما في شمس العلوم هو جمع شيخ ويجمع أيضا على شيوخ وأشياخ وشيخة وشيخان ومشايخ
قوله : " ردءا " بكسر الراء وسكون الدال بعد همزة هو العون والمادة على ما في القاموس . والمراد بقوله لفئتم أي رجعتم إلينا
قوله : " فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسواء " فيه دليل على أنها إذا انفردت منه قطعة فغنمت شيئا كانت الغنيمة للجميع
قال ابن عبد البر لا يختلف الفقهاء في ذلك أي إذا خرج الجيش جميعه ثم انفردت منه قطعة انتهى وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الإسلام فإنه لا يشارك الجيش الخارج إلى بلاد العدو بل قال ابن دقيق العيدان المنقطع من الجيش عن الجيش الذي فيه الإمام ينفرد بما يغنمه قال وإنما قالوا هوبمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا انتهى
قوله : " فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فواق " أي قسمها بسرعة في قدر ما بين الحلبتين
وقيل المراد فضل في القسمة فجعل بعضهم أفوق من بعض على قدر عنايته
قوله : " على بواء " بفتح الموحدة والواو بعدها همزة ممدودة وهو السواء كما فسره المصنف رحمه الله
قوله : " حامية القوم " بالحاء المهملة قال في القاموس والحامية الرجل يحمي أصحابه والجماعة أيضا حامية وهو على حامية القوم أي آخر من يحميهم في مضيهم انتهى
قوله : " رأى سعد " أي ابن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه
قال في الفتح وصورة هذه السياق مرسلة لأن مصعبا لم يدرك زمان القول لكنه محمول على أنه سمع ذلك من أبيه
وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيل فأخرج من طريق معاذ بن هانئ حديث محمد بن طلحة فقال فيه عن مصعب بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر المرفوع دون ما في أوله وكذا أخرجه هو والنسائي من طريق مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب عن أبيه ولفظه " أنه ظن أن له فضلا على من دونه " الحديث . ورواه عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا أيضا لكنه اختصره ولفظه " ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين " أخرجه أبو نعيم في ترجمته في الحلية من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاتي عن عمرو بن مرة وقال غريب من حديث عمرو تفرد به عبد السلام والمراد بقوله " رأى سعد " أي ظن كما هو رواية النسائي
قوله : " على من دونه " أي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو مصرح به في رواية النسائي أيضا وسبب ذلك ماله من الشجاعة والإقدام في ذلك الموطن
قوله : " هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم " قال ابن بطال بأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق تزخرف الدنيا
وقال المهلب أراد صلى الله عليه وآله وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة
وقد روى عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع إرسالها فقال " قال سعد يا رسول الله أرأيت رجلا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره " فذكر الحديث وعلى هذا فالمراد بالفضل إرادة الزيادة من الغنيمة فأعلمه صلى الله عليه وآله وسلم أن سهام المقاتلة سواء فإن كان القوى يترجح بفضل شجاعته فإن الضعيف يترجح بفضل دعائه واخلاصه
قوله : " ابغوني ضعفاءكم " أي طلبوا لي ضعفاءكم قال في القاموس بغيته أبغيه بغاء وبغى وبغية بضمهن وبغية بالكسر طلبته كابتغيته وتبغيته واستبغيته والبغية ما ابتغى كالبغية قال وابغاء الشيء طلبه له كبغاه اياه وكرماه أو أعانه على طلبه انتهى
باب جواز تنفيل بعض الجيش لبأسه وغنائه أو تحمله مكروها دونهم
1 - عن سلمة بن الأكوع وذكر قصة إغارة عبد الرحمن الفزاري على سرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستنقاذه منه قال " فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانخير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة قال ثم أعطاني رسول الله سهم الفارس وسهم الراجل فجعلها لي جميعا "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود
2 - وعن سعد بن أبي وقاص " قال جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر بسيف فقلت يا رسول الله إن الله قد شفى صدري اليوم من العدو فهب لي هذا السيف فقال إن هذا السيف ليس لي ولا لك فذهبت وأنا أقول يعطاه اليوم من لم يبل بلائي فبينا أنا إذ جاءني رسول الله فقال أجب فظننت أنه نزل في شئ بكلامي فجئت فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنك سألتني هذا السيف وليس هو لي ولا لك وأن الله قد جعله لي فهو لك ثم قرأ { يسئلونك عن الأنفال قد الأنفال لله والرسول } إلى آخر الآية "
- رواه أحمد وأبو داود
- حديث سعد بن أبي وقاص عمزاه المنذري في مختصر السنن إلى مسلم والترمذي والنسائي وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه
قوله : " عبد الرحمن الفزاري " هو ابن عيينة بن حصن . وعن ابن إسحاق أن رأس القوم الذين أغاروا على السرح هو عيينة بن حصن
قوله : " سرح " بفتح السين المهملة وسكون الراء بعدها حاء مهملة
قال في القاموس السرح المال السائم وسوم المال كالسروح واسامتها كالتسريح انتهى . ولفظ البخاري " كانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترعى " واللقاح بكسر اللام وتخفيف القاف ثم مهملة ذوات الدر من الأبل واحدتها لقحة بالكسر وبالفتح أيضا واللقوح الحلوب وذكر ابن سعد أنها كانت عشرين لقحة قال وكان فيهم ابن أبي ذر وامرأته فأغار المشركون عليهم فقتلوا الرجل وأسروا المرأة والقصة مبسوطة في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما
قوله : " واستنقاذه " أي السرح منه أي من عبد الرحمن المذكور
قوله : " ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن ينفل بعض الجيش ببعض الغنيمة إذا كان له العناية والمقاتلة ما لم يكن لغيره
وقال عمرو بن شعيب ذلك مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم دون من بعده وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كأن يحرض على القتال ويعد بأن ينفل الربع أو الثلث قبل القسمة أو نحو ذلك لأن القتال حينئذ يكون للدنيا فلا يجوز قال في الفتح وفي هذا رد على من حكى الإجماع على مشروعيته وقد اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال . واختلفت الرواية عن الشافعي في ذلك فروى عنه أنه من أصل الغنيمة وروى عنه أنه من الخمس وروى عنه أنه من خمس الخمس والأصح عند الشافعية أنه من خمس الخمس ونقله منذر بن سعيد عن مالك وهو شاذ عندهم وسيأتي في الباب الذي بعد هذا ما يرد هذا القول
وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم النفل من أصل الغنيمة و إلى ذلك ذهبت الهادوية وقال مالك وطائفة لا نفل إلا من الخمس
قال الخاطبي أكثر ما روي من الأخبار يدل على ان النفل من أصل الغنيمة
قال ابن عبد البر إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة وإن إنفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث وسيأتي بيان الخلاف في المقدار الذي يجوز تنفيله
باب تنفيل الجيش عليه واشتراكهما في الغنائم
1 - عن حبيب بن سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفل الربع بعد الخمس في بدأته ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته "
- رواه أحمد وأبو داود
2 - وعن عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي
3 - وفي رواية " كان إذا غاب في أرض الغدو نفل الربع وإذا أقبل راجعا وكل الناس نفل الثلث وكان يكره الأنفال ويقول ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم "
- رواه أحمد
- حديث حبيب أخرجه أيضا ابن ماجه وصححه ابن الجارود وابن حبان والحاكم وقد رواه أبو داود عنه من طرق ثلاث منها عن مكحول بن عبد الله الشامي قال " كنت عبدا بمصر لامرأة من بني هذيل فأعتقتني فما خرجت من مصر وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ثم أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلا حويته فيما أرى ثم أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ثم أتيت الشام فغربلتها كل ذلك أسأل عن النفل فلم أجد أحدا يخبرني فيه بشيء حتى لقيت شيخا يقال له زياد بن جارية التميمي فقلت له هل سمعت عن النفل شيئا قال نعم سمعت حبيب بن مسلم الفهري يقول شهدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة قال المنذري وأنكر بعضهم أن يكون لحبيب هذا صحبة وأثبتها له غير واحد وقد قال في حديثه شهدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكنيته أبو عبد الرحمن فكان يسمي حبيبا الرومي لكثرة مجاهدته الروم انتهى . وولاه عمر بن الخطاب أعمال الجزيرة وأذربيجان وكان فاضلا مجاب الدعوة وهو بالحاء المهملة المفتوحة بموحدتين بينهما مثناة تحتية . وحديث عبادة بن الصامت صححه أيضا ابن حبان ( وفي الباب ) عن معن بن يزيد قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نفل غلا بعد الخمس " رواه أحمد وأبو داود وصححه الطحاوي
قوله : " نفل الربع بعد الخمس في بدأته " الخ
قال الخطابي البدأة ابتداء السفر للغزو وإذا نهضت سرية من جملة العسكر فإذا أوقعت بطائفة من العدو فما غنموا كان لهم فيه الربع ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه فإن قفلوا من الغزوة ثم رجعوا فأوقعوا بالعدو ثانية كان لهم مما غنموا الثلث لأن نهوضهم بعد القفل أشق لكون العدو على حذر وحزم انتهى . ورواية أحمد المذكورة في حديث عبادة تدل على أن تنفيل الثلث لأجل ما لحق الجيش من الكلال وعدم الرغبة في القتال لا لكون العدو أخذ حذره منهم
قوله : " بعد الخمس " فيه دليل على أنه يجب تخميس الغنيمة قبل التنفيل وكذلك حديث معن الذي ذكرناه ( وفي الحديثين ) أيضا دليل على أنه يصح أن يكون النفل زيادة على مقدار الخمس وفيه رد على من قال أنه لا يصح التنفيل غلا من الخمس أو خمس الخمس وقد تقدم بيان القائل بذلك وسيأتي تفصيل الخلاف في المقدار الذي يجوز التنفيل إليه
4 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش والخمس في ذلك كله واجب "
5 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية قبل نجد فخرجت فيها فبلغت سهماننا إثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيرا بعيرا "
- متفق عليهما
وفي رواية قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية قبل نجد فأصبنا نعما كثيرا فنفلنا أميرنا بعيرا بعيرا لكل إنسان ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا إثني عشر بعيرا بعد الخمس وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالذي أعطانا صاحبنا ولا عاب عليه ما صنع فكان لكل رجل منا ثلاثة عشر بعيرا بنفله " . رواه أبو داود
6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم يرد مشدهم على مضعفهم ومتسريهم على قاعدهم "
- رواه أبو داود وقال أحمد في رواية أبي طالب قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " السرية ترد على العسكر والعسكر يرد على السرية "
- حديث عنرو بن شعيب أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر مطولا . ورواه ابن ماجه من حديث معقل بن يسار مختصرا . ورواه الحاكم عن أبي هريرة مختصرا أيضا . ورواه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث علي زقد تقدم في أول كتاب الدماء
قوله : " والخمس في ذلك كله واجب " فيه دليل على أنه يجب تخميس النفل ويدل على ذلك أيضا حديث حبيب بن مسلمة المتقدم فإن فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم نفل الربع بعد الخمس ونفل الثلث بعد الخمس وكذلك حديث معن الذي تقدم قريبا بلفظ " لا نفل إلا بعد خمس "
قوله : " قبل نجد " بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهنها قوله " فبلغت سهماننا " أي أنصباؤنا والمراد أنه بلغ نصيب كل واحد هذا القدر وتوهم بعضهم أن ذلك جميع الأنصباء
قال النووي وهو غلط . قوله " إثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيرا بعيرا " هكذا وقع في الرواية
وفي رواية أخرى للبخاري إثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا وقد وقع بيان هذا الشك في غيره من الروايات المذكورة بعضها في الباب
وفي رواية لأبي داود " فكان سهمان الجيش إثني عشر بعيرا ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا فكان سهامهم إثني عشر بعيرا " وأخرج ابن عبد البر من هذا الوجه أن ذلك الجيش أربعة آلاف
قوله : " ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ فيه دليل على أن الذي نفلهم هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وقع الخلاف بين الرواة في القسم والتنفيل هل كانا جميعا من أمير ذلك الجيش أو من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أحدهما من أحدهما فهذه الرواية صريحة أن الذي نفلهم هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ورواية أبي داود المذكورة بعدها مصرحة بأن الذي نفلهم هو الأمير . ورواية ابن إسحاق مصرحة أن التنفيل كان من الأمير والقسم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وظاهر رواية مسلم من طريق الليث عن نافع أن ذلك صدر من أمير الجيش وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويمكن الجمع أن المراد بالرواية التي صرح فيها بأن المنفل هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه وقع منه التقرير قال النووي معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجازت نسبته إلى كل منهما
وفي هذا التنفيل دليل على أنه يصح أن يكون التنفيل أكثر من خمس الخمس
قال ابن بطال وحديث الباب يرد على هذا القول معنى قول من قال أن التنفيل يكون من خمس الخمس لأنهم نفلوا نصف السدس وهو أكثر من خمس الخمس وقد زاده ابن المنير إيضاحا فقال لو فرضنا أنهم كانوا مائة لكان قد حصل لهم ألف ومائتا بعير ثم بين مقدار الخمس وخمسه وأنه لا يمكن أن يكون لكل إنسان منه بعير
قال ابن التين قد انفصل من قال من الشافعية بأن التنفيل من خمس الخمس بأوجه . منها أن الغنيمة لم تكن كلها أبعرة بل كان فيها أصناف أخر فيكون التنفيل وقع من بعض الأصناف دون بعض . ثانيها أن يكون نفلهم من سهمه من هذه الغزاة وغيرها فضم هذا إلى هذا فلذلك زادت العدة . ثالثها أن يكون نفل بعض الجيش دون بعض قال وظاهر السياق يرد هذه الاحتمالات قال وقد جاء أنهم كانوا عشرة وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرا فخرج منها الخمس وهو الثلاثون وقسم عليهم البقية فحصل لكل واحد إثنا عشر ثم نفلوا بعيرا بعيرا فعلى هذا يكون نفلوا ثلث الخمس وقد قدمنا عن ابن عبد البر أنه قال إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث انتهى
قال الحافظ في الفتح وهذا الشرط قال به الجمهور وقال الشافعي لا يتحدد بل هو راجع إلى ما يراه الإمام من المصلحة ويدل له قوله تعالى { قل الأنفال لله والرسول } ففوض إليه أمرها انتهى
وقد حكى صاحب البحر هذا الذي قال به الشافعي عن أبي حنيفة والهادي والمؤيد بالله . وحكي عن الأوزاعي أنه لا يجوز الثلث . وعن ابن عمر يكون بنصف السدس
قال الأوزاعي ولا ينفل من أول الغنيمة ولا ينفل ذهبا ولا فضة وخالفه الجمهور ولم يأت في الأحاديث الصحيحة ما يقضي بالأقتصار على مقدار معين ولا على نوع معين فالظاهر تفويض ذلك إلى رأي الإمام في جميع الأجناس
قوله : " المسلمون تتكافأ دماؤهم " هذا قد سبق شرحه في كتاب الدماء إلى قوله وهم يد على سواهم وقد ذكره المصنف هنالك من حديث علي
قوله : " يرد مشدهم على مضعفهم " أي يرد من كان له فضل قوة على من كان ضعيفا والمراد بالمتسري الذي يخرج في السرية وقد تقدم الكلام على هذا
باب بيان الصفي الذي كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسهمه مع غيبته
1 - عن يزيد بن عبد الله قال " كنا بالمربد إذ دخل رجل معه قطعة أديم فقرأناها فإذا فيها من محمد رسول الله إلى بني زهير بن أقيش إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأديتم الخمس من المغنم وسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسهم الصفي أنتم آمنون بأمان الله ورسوله فقلنا من كتب لك هذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود والنسائي
2 - وعن عامر الشعبي قال " كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم سهم يدعى الصفى إن شاء عبدا وإن شاء أمة وإن شاء فرسا يختاره قبل الخمس "
3 - وعن ابن عون قال " سألت محمدا عن سهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصفي قال كان يضرب له سهم مع المسلمين وإن لم يشهد والصفي يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شيء "
- رواهما أبو داود وهما مرسلان
4 - وعن عائشة قالت " كانت صفية من الصفي "
- رواه أبو داود
5 - وعن ابن عباس " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب
- حديث يزيد بن عبد الله سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح قال المنذري ورواه بعضهم عن يزيد بن عبد الله وسمى الرجل النمر بن تولب الشاعر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقال أنه ما مدح أحد ولا هجا أحدا وكان جوادا لا يكاد يمسك شيئا وأدرك الإسلام وهو كبير انتهى . ويزيد ابن عبد الله المذكور وهو ابن الشخير وحديث عامر الشعبي سكت عنه أيضا أبو داود ورجاله ثقات وهو مرسل وأخرجه أيضا النسائي . وحديث ابن عون سكت أيضا أبو داود ورجاله ثقات وهو مرسل كما قال المصنف لأن الشعبي وابن سيرين لم يدركا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجه أيضا النسائي . وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح وأخرجه ابن حبان والحاكم وصححه أيضا ويشهد له ما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن أبي عمرو بن أنس بن مالك قال " قدمنا خبير فلما فتح الله الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي وقد قتل زوجها وكانت عروسا فأصطفاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه فخرج بها حتى بلغا سد الصبهاء وحلت فبنى بها " ويعارضه ما أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أيضا قال صارت صفية لدحية الكلبي ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وما أخرجه أيضا مسلم وأبو داود من طريق ثابت البناني عنه قال وفع في صهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبعة أرؤس ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وبهيئها قال حماد يعني ابن زيد وأحسبه قال وتعتد في بيتها وهي صفية بنت حيي . وما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أنس أيضا من طريق عبد العزيز بن صهيب قال جمع السبى يعني بخيبر فجاء دحية فقال يا رسول الله أعطني جارية من السبى فقال اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا نبي الله أعطيت دحية بنت حيي سيدة قريظة والنضير ما تصلح إلا لك قال أدعو بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له خذ جارية من السبى غيرها وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتقها وتزوجها . وبهذه الرواية يجمع بين الروايات المختلفة
وأما ما وقع من أن صلى الله عليه وآله وسلم أشتراها بسبعة أرؤس فلعل المراد أنه عوضه عنها بذلك المقدار وإطلاق الشراء على العوض على سبيل المجاز ولعله عوضه عنها جارية أخرى من قرابتها فلم تطب نفسه فأعطاه زيادة على ذلك سبعة أرؤس من جملة السبي
قال السهيلي لا معارضة بين هذه الأخبار فإنه أخذها من دحية قبل القسمة الذي عوضه عنه ليس على سبيل البيع
وقد أشار الحافظ في الفتح إلى مثل ما ذكرنا من الجمع والحكمة في استرجاعها من دحية أنه لما قيل له أنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها فإن في ذلك رضا الجميع وليس ذلك من الرجوع في الهبة في شيء وحديث ابن عباس المذكور في الباب قال الترمذي بعد إخراجه وتحسينه إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبي الزناد وأخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه قوله ذا الفقار بفتح الفاء قال في القاموس وذو الفقار بالفتح سيف العاص بن منبه قتل يوم بدر كافرا فصار إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم إلى علي انتهى
قوله : " وهو الذي رأى فيه الرؤيا " أي رأى أن فيه فلولا فعبره بقتل واحد من أهله فقتل حمزة بن عبد المطلب والقضية مشهورة والأحاديث المذكورة تدل على أن للإمام أن يختص من الغنيمة بشيء لا يشاركه فيه غيرة وهو الذي يقال له الصفي وقد قدمنا الخلاف في ذلك في باب أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين
باب من يرضخ له من الغنيمة
1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة وأما بسهم فلم يضرب لهن "
2 - وعنه أيضا " أنه كتب إلى نجدت الحروري سألت عن المرأة والعبد هل كانا لهما سهم معلوم إذا حضر الناس وأنه لم يكن لهما سهم معلوم إلا أن يحذيا من غنائم القول "
- رواهما أحمد ومسلم
3 - وعن ابن عباس " قال كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعطي المرأة والمملوك من الغنائم دون ما يصيب الجيش "
- رواه أحمد
4 - وعن عمير مولي آبي اللحم قال " شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بي فقلدت سيفا فإذا أنا أجره فأخبر أني مملوك فأمر لي بشيء من خرثي المتاع "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه
5 - وعن حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه " أنها خرجت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزوة خيبر سادس ست نسوة فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبعث إلينا فجئنا فرأينا فيه الغضب فقال مع من خرجتن وبإذن من خرجتن فقلنا يا رسول الله خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله ومعنا دواء للجرحى ونناول السهام ونسقي السويق قال قمن فانصرفن حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال قال فقلت لها يا جدة وما كان ذلك قالت تمرا "
- رواه أحمد وأبو داود
6 - وعن الزهري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه "
- رواه الترمذي وأبو داود في مراسيله
7 - وعن الأوزاعي قال " أسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصبيان بخيبر "
- رواه الترمذي ويحمل الإسهام فيه وفيما قبله على الرضخ
- حديث ابن عباس الأول والثاني أخرجهما أيضا أبو داود والترمذي وصححهما وحديث ابن عمير أخرجه أيضا ابن ماجه وصححه وزاد الترمذي بعد قوله " فأمر لي بشيء من خرثي المتاع " ما لفظه " وعرضت عليه رقية كنت أرقى بها المجانين فأمرني بطرح بعضها وحبس بعضها " . وحديث حشرج أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود وفي إسناده رجل مجهول وهو حشرج قال الحافظ في التلخيص
وقال الخطابي إسناده ضعيف لا تقوم به الحجة . وحديث الزهري رواه الترمذي عن قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن عروة بن ثابت عن الزهري قال الترمذي هذا حديث حسن غريب انتهى وهذا مرسل . وحديث الأوزاعي رواه الترمذي عن علي بن خرشم قال أخبرنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي ولفظه " أسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصبيان بخيبر وأسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في الحرب وأسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للنساء بخيبر وأخذ بذلك المسلمون بعده " انتهى وهذا ايضا مرسل
قوله : " إلى نجدة الحروري " بفتح النون وسكون الجيم وبعدها دال مهملة وهو ابن عامر الحنفي الخارجي وأصحابه يقال لهم النجدات محركة . والحروري نسبة إلى حروراء وهي قرية بالكوفة
قوله : " يحذين " بالحاء المهملة والذال المعجمة أي يعطين قال في القاموس الحذوة بالكسر العطية انتهى
قوله : " آبي اللحم " هو اسم فاعل من أبى يأبي فهو أبى قال أبو داود قال أبو عبيدة كان حرم اللحم نفسه فسمي آبي اللحم
قوله : " من خرثى المتاع " بالخاء المعجمة المضمومة وسكون الراء المهملة بعدها مثلثه وهو سقطه
قال في النهاية هو أثاث البيت وقال في القاموس الخرثي بالضم أثاث البيت أو أردأ المتاع والغنائم
قوله : " وعن حشرج " بفتح الحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وبعدها راء مهملة مفتوحة الجيم
قوله : " عن جدته " هي أم زياد الأشجعية وليس لها سوي هذا الحديث
قوله : " ونسقي السويق " هو شئ يعمل من الحنطة والشعير ( وقد اختلف ) أهل العلم هل يسهم للنساء إذا حضرت فقال الترمذي أنه لا يسهم لهن عند أكثر أهل العلم قال وهو قول سليمان الثوري والشافعي قال وقال بعضهم يسهم للمرأة والصبي وهو قول الأوزاعي
وقال الخطابي أن الأوزاعي قال يسهم لهن قال وأحسبه ذهب إلى هذا الحديث يعني حديث حشرج بن زياد واسناده ضعيف لا يقوم به حجة اه وقد حكي في البحر عن العترة والشافعية والحنفية انه لا يسهم للنساء والصبيان والذميين وعن مالك أنه قال لا أعلم العيد يعطى شيئا . وعن الحسن بن صالح أنه يسهم للعبد كالحر . وعن الزهري أنه يسهم للذمي لا للعبد والنساء والصبيان فيرضخ لهم وقال الترمذي بعد أن أخرج حديث عمير مولى آبي اللحم المذكور في الباب والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أنه لا يسهم للمملوك ولكن يرضخ له بشئ وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق
وقال أيضا أن العمل عند بعض أهل العمل على أنه لا يسهم لأهل الذمة وإن قاتلوا مع المسلمين العدو ورأى بعض أهل العمل أنه يسهم لهم إذا شهدوا القتال مع المسلمين انتهى . والظاهر أنه لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد والذميين وما ورد من الأحاديث مما فيه أشعار بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم لاحد من هؤلاء فينبغي حمله على الرضخ وهو العطية القليلة جمعا بين الأحاديث وقد صرح حديث ابن عباس المذكور في أول الباب بما يرشد إلى هذا الجمع فإنه نفى أن يكون للنساء والعبيد سهم معلوم وأثبت الحذية وهكذا حديثه الآخر فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعطي المرأة والمملوك دون ما يصيب الجيش . وهكذا حديث عمير المذكور فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رضخ له بشيء من الأثاث ولم يسهم له فيحمل ما وقع في حديث حشرج من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم للنساء بخيبر على مجرد العطية من الغنيمة وهكذا يحمل ما وقع في مرسل الزهري المذكور من الإسهام للصبيان كما لمح إلى ذلك المصنف رحمة الله عليه
باب الإسهام للفارس والراجل
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه "
- رواه أحمد وأبو داود
وفي لفظ " أسهم للفرس سهمين وللرجل سهما " . متفق عليه
وفي لفظ " أسهم يوم حنين للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان وللرجل سهم " رواه ابن ماجه . وعن المنذر بن الزبير عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى الزبير سهما وأمه سهما وفرسه سهمين " رواه أحمد
وفي لفظ " قال ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر للزبير أربعة أسهم سهم للزبير وسهم لذي القربى لصفية أم الزبير وسهمين للفرس " رواه النسائي
3 - وعن أبي عمرة عن أبيه " قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة نفر ومعنا فرس فأعطى كل إنسان منا سهما وأعطى الفرس سهمين "
- رواه أحمد وأبو داود . واسم هذا الصحابي عمرو بن محصن
4 - وعن أبي رهم قال " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا وأخي ومعنا فرسان فأعطانا ستة أسهم أربعة أسهم لفرسينا وسهمين لنا "
5 - وعن أبي كبشة الأنماري قال " لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة كان الزبير على المجنبة اليسرى وكان المقداد على المجنبة اليمنى فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح الغبار عنهما وقال إني جعلت للفرس سهمين وللفارس سهما فمن نقصهما نقصه الله "
- رواهما الدار قطني
6 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسم لمائتي فرس بخيبر سهمين سهمين "
7 - وعن خالدا الحذاء قال " لا يختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم "
- رواهما الدارقطني
8 - وعن مجمع بن جارية الأنصاري قال " قسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ثمانية عشر سهما وكان الجيش ألفا وخمسمائة فيهم ثلثمائة فارس فأعطى الفارس سهمين والراجل سهما "
- رواه أحمد وأبو داود وذكر أن حديث ابن عمر أصح قال وأتى الوهم في حديث مجمع أنه قال ثلثمائة فارس وإنما كانوا مائتي فارس
- حديث ابن عمر له ألفاظ في الصحيحين وغيرهما غير ما ذكره المصنف وهو في الصحيحين من حديثه . وحديث أنس وحديث عروة بن الجعد البارقي وفي الباب عن أبي هريرة عند الترمذي والنسائي . وعن عتبة بن عبد عند أبي داود . وعن جرير عند مسلم وأبي داود . وعن جابر وأسماء بنت يزيد عند أحمد . وعن حذيفة عند أحمد والبزار وله طرق أخرى جمعها الدمياطي في كتاب الخيل
قال الحافظ وقد لخصته وزدت عليه في جزء لطيف . وحديث المنذر بن الزبير قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات وقد أخرج نحوه النسائي من طريق يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن جده وروى الشافعي من حديث مكحول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى الزبير خمسة أسهم لما حضر خيبر بفرسين وهو مرسل وقد روى الشافعي أيضا عن ابن الزبير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعط الزبير إلا لفرس واحدة وقد حضر يوم خيبر بفرسين وولد الرجل أعرف بحديثه ولكنه روى الواقدي عن عبد الملك بن يحيى عن عيسى بن معمر قال كان مع الزبير يوم خيبر فرسان فأسهم له النبي صلى الله عليه وآله وسلم خمسة أسهم وهذا المرسل يوافق مرسل مكحول لكن الشافعي كان يكذب الواقدي . وحديث أبي عمرة في إسناده المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود وفيه مقال وقد استشهد به البخاري . ورواه أبو داود أيضا من طريق أخرى عن رجل من آل أبي عمرة عن أبي عمرة وزاذ فكان للفارس ثلاثة اسهم . وحديث أبي رهم أخرجه أيضا أبو يعلى والطبراني وفي إسناده إسحاق بن أبي فروة وهو متروك . وحديث أبي كبشة أخرجه أيضا الطبراني وفي إسناده عبد الله بن يسر الحبراني وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور وبقية أحاديث الباب القاضية بأنه يسهم للفرس وصاحبه ثلاثة أسهم تشهد لها الأحاديث الصحيحة التي ذكرها المصنف وذكرناها
وأما حديث مجمع بن جارية فقال أبو داود حديث أبي معاوية أصح والعمل عليه ونعني به حديث ابن عمر المذكور في أول الباب قال وارى الوهم في حديث مجمع أنه قال ثلثمائة فارس وإنما كانوا مائتي فارس وقال الحافظ في الفتح أن في إسناده ضعفا ولكنه يشهد له ما أخرجه الدارقطني من طريق أحمد بن منصور الرمادي عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وابن نمير كلاهما عن عبيد الله ابن عمر بلفظ أسهم للفارس سهمين قال الدارقطني عن شيخه أبي بكر النيسابوري وهم فيه الرمادي أو شيخه وعلى فرض صحته فيمكن تأويله بأن المراد أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به كما أشار إلى ذلك الحافظ
قال وقد رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده بهذا الإسناد فقال للفرس وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد له عن ابن أبي شيبة قال فكأن الرمادي رواه بالمعني
وقد أخرجه أحمد عن أبي أسامة وابن نمير معا بلفظ أسهم للفرس قال وعلى هذا التأويل يحمل ما رواه نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن عبيد الله مثل رواية الرمادي أخرجه الدارقطني وقد رواه علي بن الحسن بن شقيق وهو أثبت من نعيم عن ابن المبارك بلفظ أسهم للفرس وقيل إن إطلاق الفرس على الفارس مجاز مشهور ومنه قولهم يا خيل الله اركبي كما ورد في الحديث ولا بد من المصير إلى تأويل حديث مجمع وما ورد في معناه لمعارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما كما تقدم وقد تمسك أبو حنيفة وأكثر العترة بحديث مجمع الذكور وما ورد في معناه فجعلوا للفارس وفرسه سهمين وقد حكى ذلك عن علي وعمر وأبي موسى . وذهب الجمهور إلى أنه يعطي الفرس سهمين والفارس سهما والراجل سهما
قال الحافظ في الفتح والثابت عن عمر وعلي كالجمهور وحكى في البحر عن علي وعمر والحسن البصري وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز وزيد بن علي والباقر والناصر والإمام يحيى ومالك والشافعي والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد وأهل المدينة وأهل الشام أنه يعطى الفارس وفرسه ثلاثة سهام واحتج لهم ببعض أحاديث الباب ثم أجاب عن ذلك فقال قلت يحتمل أن الثالث في بعض الحالات تنفيل جمعا بين الأخبار انتهى . ولا يخفى ما في هذا الاحتمال من التعسف وقد أمكن الجمع بين أحاديث الباب بما أسلفنا وهو جمع نير دلت عليه الأدلة التي قدمناها وقد تقرر في الأصول أن التأويل في جانب المرجوح من الأدلة لا الراجح والأدلة القاضية بأن للفارس وفرسه سهمين مرجوحة لا يشك في ذلك من له أدنى إلمام بعلم السنة وقد نقل عن أبي حنيفة أنه أحتج لما ذهب إليه بأنه يكره أن تفضل البهيمة على المسلم وهذه حجة ضعيفة وشبه ساقطة ونصبها في مقابلة السنة الصحيحة المشهورة مما لا يليق بعالم وأيضا السهام في الحقيقة كلها للرجل لا للبهيمة وأيضا قد فضلت الحنفية الدابة على الإنسان في بعض الأحكام فقالوا لو قتل كلب صيد قيمته أكثر من عشرة آلاف درهم وقد استدل للجمهور في مقابلة هذه الشبهة بأن الفرس تحتاج إلى مؤنة لخدمتها وعلفها وأنه يحصل بها من الغناء في الحرب ما لا يخفى وقد اختلف فيمن حضر الوقعة بفرسين فصاعدا هل يسهم لكل فرس أم لفرس واحدة فروي عن سليمان بن موسى أنه يسهم لكل فرس سهمان بالغا ما بلغت
قال القرطبي في المفهم ولم يقل أحد أنه يسهم لأكثر من فرسين إلا ما روي عن سليمان بن موسى وحكي في البحر عن الشافعية والحنفية والهادوية أن من حضر بفرسين أو أكثر أسمهم لواحد فقط وعن زيد بن علي والصادق والأوزاعي وأحمد بن حنبل وحكاه في الفتح عن الليث وأبي يوسف وأحمد وإسحاق أنه يسهم لفرسين لا أكثر قال الحافظ في التلخيص فيه أحاديث منقطعة أحدها عن الأوزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسهم للخيل ولا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس رواه سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش وهو معضل ورواه سعيد بن طريق الزهري أن عمر كتب إلى ابن أبي عبيدة أنه يسهم للفرس سهمين وللفرسين أربعة أسهم ولصاحبه سهما فذلك خمسة أسهم وما كان فوق الفرسين فهو جنائب
وروى الحسن عن بعض الصحابة قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقسم إلا لفرسين :
وأخرج الدارقطني بإسناد ضعيف عن أبي عمر قال أسهم لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفرسي أربعة ولي سهما . فأخذت خمسة وقد قدمنا اختلاف الرواية في حضور الزبير يوم خيبر بفرسين هل أعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرس واحدة أو سهم فرسين والإسهام للدواب خاص بالأفراس دون غيرها من الحيوانات قال في البحر مسألة ولا يسهم لغير الخيل من البهائم اجماعا إذ لا ارهاب في غيرها ويسهم للبرذون والمقرف والهجين عند الأكثر وقال الأوزاعي لا يسهم للبرذون
باب الإسهام لمن غيبه الأمير في مصلحة
1 - إن ابن عمر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام يعني يوم يدر فقال إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله وأنا أبايع له فضرب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره "
- رواه أبو داود
2 - وعن ابن عمر قال " لما تغيب عثمان عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت مريضة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن لك أجر رجل وسهمه "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه
- حديث ابن عمر الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده موثقون قوله " وأنا أبايع له " في رواية للبخاري " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده اليمنى " أي أشار بها وقال " هذه يد عثمان " أي بدلها " فضرب بها على يده اليسرى فقال هذه - أي البيعة - لعثمان " أي عن عثمان
قوله : " وكانت مريضة " وأخرج الحاكم في المستدرك من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال " خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عثمان وأسامة بن زيد على رقية في مرضها لما خرج إلى بدر فماتت رقية حين وصل زيد بن خارثة بالبشارة وكان عمر رقية لما ماتت عشرين سنة
قال ابن إسحاق ويقال إن ابنها عبد الله بن عثمان مات بعدها سنة أربع من الهجرة وله ست سنين
وقد استدل بقصة عثمان المذكورة على أنه يسهم الإمام لمن كان غائبا في حاجة له بعصه لقضائها وأما من كان غائبا عن القتال لا لحاجة الإمام وجاء بعد الواقعة فذهب أكثر العترة والشافعي ومالك والأوزاعي والثوري والليث إلى أنه لا يسهم له وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يسهم لمن حضر قبل احرازها إلى دار الإسلام وسيأتي في باب ما جاء في المدد يلحق بعد تقضي الحرب ما استدل به أهل القول الأول وأهل القول الثاني
باب ما يذكر في الإسهام لتجار العسكر وأجرائهم
1 - عن خارجة بن زيد قال " رأيت رجلا سأل أبي عن الرجل يغزو ويشتري ويبيع ويتجر في غزوه فقال له إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتبوك نشتري ونبيع وهو يرانا ولا ينهانا "
- رواه ابن ماجه
2 - وعن يعلي ابن منية قال " أذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالغزو وأنا شيخ كبير ليس لي خادم فالتمست أجيرا يكفيني وأجري به سهمه فوجدت رجلا فلما دنا الرحيل أتاني فقال ما أدري ما السهمان وما يبلغ سهمي قسم لي شيئا كان السهم أو لم يكن فسميت له ثلاثة دنانير فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه فذكرت الدنانير فجئت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت أمره فقال ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى "
- رواه أبو داود
وقد صح أن سلم ابن الأكوع كان أجيرا لطلحة حين أدركه عبد الرحمن بن عيينة لما أغار على سرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سهم الفارس والراجل وهذا المعنى لأحمد ومسلم في حديث طويل . ويحمل هذا على أجير يقصد مع الخدمة الجهاد والذي قبله على من لا يقصده أصلا جمعا بينهما
- الحديث الأول في إسناده عند ابن ماجه سنيد بن داود المصيصي وهو ضعيف ويشهد له ما أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري عن عبيد الله بن سليمان أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدثه قال لما فتحنا خيبر أخرجوا غنائمهم من المتاع والسبي فجعل الناس يتبايعون غنائمهم فجاء رجل فقال يا رسول الله لقد ربحت ربحا ما ربح اليوم مثله أحدج من أهل هذا الوادي فقال ويحك وما ربحت قال ما زلت أبيع وأبتاع حتى ربحت ثلاثمائة أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنبئك بخير رجل ربح قال ما هو يا رسول الله قال ركعتين بعد الصلاة فهذا الحديث وحديث خارجة المذكور فيهما دليل على جواز التجارة في الغزو وعلى أن الغازي مع ذلك يستحق نصيبه من المغنم وله الثواب الكامل بلا نقص ولو كانت التجارة في الغزو موجبة لنقصان أجر الغازي لبينه صلى الله عليه وآله وسلم فلما لم يبين ذلك بل قرره دل على عدم النقصان ويؤيد ذلك جواز الإتجار في سفر الحج لما ثبت في الحديث الصحيح أنه لما تحرج جماعة من التجارة في سفر الحج أنزلالله تعالى { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } . والحديث الثاني سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري وأخرجه الحاكم وصححه وأخرجه البخاري بنحوه وبوب عليه باب الأجير وقد اختلف العلماء في الإسهام للأجير إذا استؤجر للخدمة فقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق لا يسهم له وقال الأكثر يسهم له واحتجوا بحديث سلمة الذي أشار إليه المصنف وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم له وأما إذا استؤجر الأجير ليقاتل فقالت الحنفية والمالكية لا سهم له وقال الأكثر له سهمه وقال أحمد لو استأجر الإمام قوما على الغزو لم يسهم لهم سوى الأجرة وقال الشافعي هذا فيمن لم يجب عليه الجهاد أما الحر البالغ المسلم إذا حضر الصف فإنه يتعين عليه الجهاد فيسهم له ولا يستحق أجرة وقال الثوري لا يسهم للأجير إلا إن قاتل وقال الحسن وابن سيرين يقسم للأجير من المغنم وهكذا رواه البخاري عنهما تعليقا ووصله عبد الرزاق عنهما بلفظ يسهم للأجير ووصله ابن أبي شيبة عنهما بلفظ العبد والأجير إذا شهدا القتال أعطوا من الغنيمة والأولي المصير إلى الجمع الذي ذكره المصنف رحمه الله فمن كان من الأجراء قاصدا للقتال استحق الإسهام من الغنيمة ومن لم يقصد فلا يستحق إلا الأجرة المسماة
قوله : " يعلى بن منية " هو يعلى بن أمية المشهور ومنية أمه وقد ينسب تارة إليها كما وقع في هذا الحديث . وقصة سلمة بن الأكوع من مقاتلته للقوم الذين أغاروا على سرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واسنتقاذه للسرح وقتل بعض القوم وأخذ بعض أموالهم قد تقدمت الإشارة إليها قريبا وهي قصة مبسوطة في كتب الحديث والسير فلا حاجة إلى إيرادها هنا بكمالها
باب ما جاء في المدد يلحق بعد تقضى الحرب
1 - عن أبي موسى قال " بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وإخوان لي أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم إما قال في بضعة وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي قال فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده فقال جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثنا ههنا وأمرنا بالإقامة قال فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا أو قال أعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم
- متفق عليه
2 - وعن أبي هريرة " أنه حدث سعيد بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر بعد أن فتحها وإن حزم خيلهم ليف فقال أبان أقسم لنا يا رسول الله قال أبو هريرة فقلت لا تقسم لهم يا رسول الله قال أبان أنت بها يا وبر تحدر علينا من رأس ضال فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجلس يا أبان ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود وأخرجه البخاري تعليقا
- قوله " بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ظاهره أنه لم يبلغهم شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بعد الهجرة بمدة طويلة وهذا إذا أراد الهجرة بمدة طويلة وهذا إذا أراد بالمخرج البعثة وإن أراد الهجرة فيحتمل أن يكون بلغتهم الدعوة فأسلموا واقاموا ببلادهم إلى أن عرفوا بالهجرة فعزموا عليها وإنما تأخروا هذه المدة لعدم بلوغ الخبر إليهم بذلك وأما لعلهم بما كان المسلمون فيه من المحاربة مع الكفار فلما بلغتهم المهادنة أمنوا وطلبوا الوصول إليه
وقد روى ابن منده من وجه آخر عن أبي بردة عن أبيه " خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى جئنا إلى مكة أنا وأخوك وأبو عامر بن قيس وأبو رهم ومحمد بن قيس وأبو بردة وخمسون من الأشعريين وستة من عك ثم خرجنا في البحر حتى أتينا المدينة وصححه ابن حبان من هذا الوجه ويجمع ما بينه وبين ما في الصحيح أنهم مروا بمكة في حال مجيئهم إلى المدينة ويجوز أن يكونوا دخلوا مكة لأن ذلك كان حال الهدنة
قوله : " أنا وإخوان لي " زاد البخاري " أنا أصغرهم " واسم أبي بردة عامر وأبو رهم بضم الراء وسكون الهاء اسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر المهملة وتشديد التحتانية قال ابن عبد البر وجزم ابن حبان في الصحابة بأن اسمه محمد . وذكر ابن قانع أن جماعة من الأشعريين أخبروه وحققوا وكتبوا خطوطهم أن اسم أبي رهم مجيلة بكسر الجيم بعدها تحتانية خفيفة ثم لام ثم هاء
قوله : " أما قال في بضعة " الخ قد بين في الرواية المتقدمة أنهم كانوا خمسين من الأشعريين وهم قومه فلعل الزائد على ذلك هو أبو موسى وأخوته فمن قال اثنين أراد من ذكرهما في حديث الباب وهما أبو بردة وأبو رهم ومن قال ثلاثة أو أكثر فعلى الخلاف في عدد من كان معهمن أخوته
وأخرج البلاذري بسند له عن ابن عباس أنهم كانوا أربعين والجمع بينه وبين ما قبله بالحمل على الأصول والأتباع وقال ابن إسحاق كانوا ستة عشر رجلا وقيل أقل
قوله : " فوافقنا جعفر بن أبي طالب " أي بأرض الحبشة
وقد سمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر فسرد أسماءهم وهم ستة عشر رجلا
قوله : " وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر " الخ فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يجتهد في الغنيمة ويعطى بعض من حضر من المدد دون بعض . فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أعطى من قدم مع جعفر ولم يعط غيرهم
وقد استدل به أبو حنيفة على قوله المتقدم أنهيسهم للمدد وقال ابن التين يحتمل أن يكون أعطاهم برضا بقية الجيش وبهذا جزم موسى بن عقبة في مغازيه ويحتمل أن يكون إنما أعطاهم من الخمس . وبهذا جزم أبو عبيد في كتاب الأموال ويحتمل أن يكون أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل القسمة وبعد حوزها وهو أحد الأقوال للشافعي
وقد احتج أبو حنيفة بإسهامه صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان يوم بدر كما تقدم في باب الإسهام لمن غيبه الأمير في مصلحة . وأجيب عن ذلك بأجوبة منها أن ذلك خاص به وبمن كان مثله ومنها أن ذلك كان حيث كانت الغنيمة كلها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند نززول قوله تعالى { يسألونك عن الأنفال } ومنها أنه أ'طاه من الخمس على فرض أن يكون ذلك بعد فرض الخمس ومنها التفرقة بين من كان في حاجة تتعلق بمنفعة الجيش أو بإذن الإمام فيسهم له بخلاف غيره وهذا مشهور مذهب مالك وقال ابن بطال لم يقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غير من شهد الواقعة إلا في خيبر فهي مستثناة من ذلك فلا تجعل أصلا يقاس عليه فإنه قسم
لأصحاب السفينة لشدة حاجتهم وكذلك أعطى الأنصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين عند قدومهم عليهم
وقال الطحاوي يحتمل أن يكون استطاب أنفس أهل الغنيمة بما أعطي الأشعريين وغيرهم ومما يؤيد أنه لا نصيب لمن جاء بعد الفراغمن القتال ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح وابن أبي شيبة أن عمر قال الغنيمة لمن شهد الواقعة
وأخرجه الطبراني والبيهقي مرفوعا وموقوفا وقال الصحيح موقوف
وأخرجه ابن عدي من طريق أخرى عن على موقوفا . ورواه الشافعي من قول أبي بكر وفيه انقطاع
قوله : " وإن حزم " بمهملة وزاي مضمومتين . وقوله ليف بكسر اللام وسكون التحتية بعدها فاء وهو معروف
قوله : " يا وير " بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية . ونقل أبو علي عن أبي حاتم أن بعض العرب يسمي كل دابة من حشرات الجبال وبرا
قال الخطابي أراد أبان تحقير أبي هريرة وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا بمنع وإنه قليل القدرة على القتال ومعنى قوله وأنت بها أي وأنت بهذا المكان والمنزلة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلاده . ولفظ البخاري وأنت بهذا
قوله : " تحدر " بالحاء المهملة وتشديد الدال المهملة أيضا
وفي رواية للبخاري تدل وهو بمعناه
وفي رواية له أيضا تدأدأ بمهملتين بينهما همزة ساكنة قيل أصله تدهدء فأبدلت الهاء همزة وقيل الدأدأة صوت الحجارة في المسيل
قوله : " من رأس ضال " فسر البخاري الضال بالسدر كما في رواية المستملى وكذا قال أهل اللغة أنه السدر البري
وفي رواية للبخاري من رأس ضأن بالنون قيل هو رأس الجبل لأنه في الغالب موضع مرعى الغنم وقيل هو جبل دوس وهم قوم أبي هريرة
باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم
1 - عن أنس قال " لما فتحت مكة قسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الغنائم في قريش فقالت الأنصار إن هذا لهو العجب أن سيوفنا تقطر من دمائهم وأن غنائمنا ترد عليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجمعهم فقال ما الذي بلغني عننكم قالوا هو الذي بلغك وكانوا إلا يكذبون فقال أما ترضون أن ترجع الناس بالدنيا إلى بيوتهم وترجعون برسول الله إلى بيوتكم فقالوا بلى فقال لو سلك الناس واديا أو شعبا وسلكت الأنصار واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار " وفي رواية " قال قال ناس من الأنصار حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن فطفق يعطي رجالا المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فحدث بمقالته فجمعهم وقال إني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي إلى رحالكم فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا يا رسول الله لقد رضينا "
2 - وعن ابن مسعود قال " لما آثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك وأعطى أناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة قال رجل والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله فقلت والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتيته فأخبرته فقال فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال رحم الله موسى فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر "
- متفق عليهن
3 - وعن عمرو بن تغلب " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بما أو سبي فقسمه فأعطى قوما ومنع آخرين فكأنهم عتبوا عليه فقال إني أعطي قوما أخاف ضلعهم وجزعهم وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغني منهم عمرو بن تغلب فقال عمرو بن تغلب ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمر النعم "
- رواه أحمد والبخاري والظاهر أن إعطائهم كان من سهم المصالح من الخمس ويحتمل أن يكون نفلا من أربعة أخماس الغنيمة عند من يجيز التنفيل منها
- قوله " واديا أو شعبا " الوادي هو المكان المنخفض وقيل الذي فيه ماء والمراد هنا بلدهم والشعب بكسر الشين المعجمة اسم لما انفرج بين جبلين
وقيل الطريق في الجبل وأراد صلى الله عليه وآله وسلم بهذا وما بعده التنبيه على جزيل ما حصل لهم من ثواب النصرة والقناعة بالله ورسوله عن الدنيا ومن هذا وصفه فحقه أن يسلك طريقه ويتبع حاله
قال الخطابي لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب فإذا تفرقت في السفر سلك كل قوم منهم واديا وشعبا فأراد أنه مع الأنصار
قال ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب كما يقال فلان في واد وأنا في في واد انتهى
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الأنصار في هذه الواقعة ومدحهم فمن جملة ما قاله لهم لولا الهجرة لكنت أمرا من الأنصار وقال الأنصار شعار والناس دثار كما في صحيح البخاري وغيره
قوله : " حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن " أي أعطاه غنائم الذين قاتلهم منهم يوم حنين . وأصل الفيء الرد والرجوع ومنه سمى الظل بعد الزوال فيئا لأنه رجع من جانب إلى جانب فكأن أموال الكفار سميت فيئا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طارئ فإذا غلب الكفار على شيء من المال فهو بطريق التعدي فإذا غنمه المسلمون منهم فكأنه رجع إليهم ما كان لهم
قوله : " فطفق يعطي رجالا " هم المؤلفة قلوبهم والمراد بهم ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية وقد اختلف في المراد بالمؤلفة الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل كفار يعطون ترغيبا في الإسلام وقيل مسلمون لهم أتباع كفار يتألفونهم وقيل مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم والمراد بالرجال الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ههنا هم جماعة قد سرد أبو الفضل بن طاهر في المبهمات له أسماؤهم فقال هو أبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وأبو السنابل بن بعكك وصفوان بن أمية وعبد الرحمن بن يربوع وهؤلاء من قريش . وعيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس التميمي وعباس بن مرادس السلمي ومالك بن عوف النصري والعلاء بن حارثة الثقفي
قال الحافظ في الفتح وفي ذكر الأخيرين نظر وقيل إنما جاءا طائعين من الطائف إلى الجعرانية وذكر الواقدي في المؤلفة معاوية ويزيد بن أبي سفيان وأسيد بن حارثة ومخرمة بن نوفل وسعيد بن يربوع وقيس بن عدي وعمرو بن وهب وهشام بن عمرو زاد بن إسحاق النضر بن الحرثبن هشام وجبير بن مطعم ومما ذكره أبو عمر سفيان بن عبد الأسد والسائب بن أبي السائب ومطيع بن الأسود وأبو جهم بن حذيفة وذكر ابن الجوزي فيهم زيد الخيل وعلقمة بن علاثة وحكيم بن طليق بن سفيان بن أمية وخالد بن قيس السهمي وعمير بن مرادس وذكر غيرهم فيهم قيس بن مخرمة وأحيحة بن أمية ابن خلف وأبي بن شريق وحرملة بن هوذة وخالد بن هوذة وعكرمة بن عامر العبدري وشيبة بن عثمان وعمرو بن ورقة ولبيد بن ربيعة والمغيرة بن الحارث وهشام بن الوليد المخزومي
قوله : " أن يذهب الناس بالأموال " في رواية للبخاري " بالشاة والبعير " قوله " إلى رحالكم " بالحاء المهملة أي بيوتكم
قوله : " قال رجل في رواية الأعمش فقال رجل من الأنصار وفي رواية الواقدي أنه اسمه معتب بن قشير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين وفيه رد على مغلطاي حيث قال لم أر أحدا قال إنه من الأنصار إلا ما وقع في رواية الأعمشي وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي المتقدم ذكره في باب ذكر الخوارج وتبعه ابن الملقن وأخطأ في ذلك فإن قصة حرقوص غير هذه كما تقدم
قوله : " ما أريد فيها وجه الله " وفي رواية البخاري " ما أراد بهذا " قوله " رحم الله موسى " الخ فيه الأعراض عن عن الجاهل والصفح عن الأذى والتأسي بمن مضى من النظراء
قوله : " ضلعهم " بفتح الضاد المعجمة واللام وهو الأعوجاج وفي أحاديث الباب دليل على أنه يجوز للإمام أن يؤثر بالغنائم أو ببعضها من كان مائلا من اتباعه إلى الدنيا تأليفا له واستجلابا بالطاعة وتقديمه على من كان من أجناده قوى الإيمان مؤثرا للآخرة على الدنيا
باب حكم أموال المسلمين إذا أخذها الكفار ثم أخذت منهم
1 - عن عمر أن بن الحصين " قال أسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء فكانت المرأة في الوثاق وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم فانفاتت ذات ليلة من الوثائق فاتت الأبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء فلم ترغ قال وهي ناقة منوقة "
وفي رواية " مدربة فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت ونذروا بها فاعجزتهم قال ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت إنها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا ذلك فقال سبحان الله بئسما جزتها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحنها لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد "
- رواه أحمد ومسلم
2 - وعن ابن عمر " أنه ذهب فرس له فأخذه العدو فظهر عليهم المسلمون فرد عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبق عبد له فلحق بأرض الروم وظهر عليهم المسلمون فرده خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه
وفي رواية " أن غلاما لابن عمر أبق إلى العدو فظهر عليه المسلمون فرده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ابن عمر ولم يقسم "
- رواه أبو داود
- قوله " العضباء " بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة بعدها موحدة وهي ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " فانفلتت " بالنون والفاء أي المرأة
قوله : " منوقة " بالنون والقاف أي مذللة
قوله : " مدربة " بالدال المهملة والراء المشددة المفتوحة بعدها موحدة وهي المؤدبة المعودة للركوب والتدريب مأخوذة من الدربة وهي المعرفة بالشيء
قوله : " ونذروا بها " بضم النون وكسر الذال المعجمة أي علموا بها
وفي شرح النووي هو بفتح النون
قوله : " لا وفاء لنذر في معصية الله " سيأتي الكلام على هذا في كتاب النذرو إن شاء الله
قوله : " ذهب فرس له فأخذه " في رواية الكشميهني ذهبت فأخذها والفرس اسم جنس يذكر ويؤنث
قوله : " في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " كذا وقع في رواية ابن نمير أن قصة الفرس في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقصة العبد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخالفه يحيى القطان عن عبيد الله العمري فجعلها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في رواية للبخاري وكذا وقع في رواية موسى ابن عقبة عن نافع وصرح بأن قصة الفرس كانت في زمن أبي بكر
وقد وافق ابن نمير إسماعيل بن زكريا أخرجه الإسماعيلي من طريقه وأخرجه من طريق ابن المبارك عن عبيد الله فلم يعين الزمان لكن قال في روايته أنه افتدى الغلام بروميتين وكأن هذا الأختلاف هو السبب في ترك البخاري الجزم في الترجمة على هذا الحديث فإنه قال باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم أي هل يكون أحق به أو يدخل في الغنيمة ولكنه يمكن الاحتجاج بوقوع ذلك في زمن أبي بكر والصحابة متوافرون من غير نكير منهم
وقد اختلف أهل العلم في ذلك فقال الشافعي وجماعة لا يملك أهل الحرب بالغلبة شيئا من المسلمين ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها . وعن علي والزهري وعمرو بن دينار والحسن ولا يرد أصلا ويختص به أهل المغانم وقال عمر وسلمان بن ربيعة وعطاء والليث ومالك وأحمد وآخرون وهي رواية عن الحسن أيضا ونقلها ابن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء السبعة أو وجده صاحبه قبل القسمة فهو حق به وإن وجده بعد القسمة فلا يأخذه إلا بالقيمة
واحتجوا بحديث عن ابن عباس مرفوع بهذا التفصيل أخرجه الدارقطني وإسناده ضعيف جدا . وإلى هذا التفصيل ذهبت الهادوية وعن أبي حنيفة كقول مالك إلا في الآبق فقال هو والثوري صاحبه أحق به مطلقا
باب ما يجوز أخذه من نحو الطعام والعلف بغير قسمة
1 - عن ابن عمر قال " كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه "
- رواه البخاري
2 - وعن ابن عمر " أن جيشا غنموا في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم طعاما وعسلا فلم يؤخذ منهم الخمس "
- رواه أبو داود
3 - وعن عبد الله بن المغفل قال " أصبت جرابا من شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبتسما "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
4 - وعن ابن أبي أوفى قال " أصبنا طعاما يوم خيبر وكان الرجل يجيئ فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينطلق "
5 - وعن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قال كما نأكل كل الجزر في الغزو ولانقسمه حتى إن كنا لنرجع إلى رجالنا وأخرجتنا مملوءة منه "
- رواهما أبو داود
- حديث ابن عمر الأول زاذ فيه أبو داود فلم يؤخذ منهم الخمس وصحح هذه الزيادة ابن حبان وحديث ابن عمر الثاني أخرجه أيضا ابن حبان وصححه البيهقي ورجح الدارقطني وقفه . وحديث عبد الله بن المغفل أخرجه أيضا البخاري وزاد فيه الطيالسي في مسنده بإسناد صحيح فقال هو لك . وحديث ابن أبي أوفى أخرجه الحاكم والبيهقي قال ابن الصلاح في كلامه على الوسيط هذا الحديث لم يذكر في كتب الأصول انتهى وقد صححه الحاكم وابن الجارود
وأخرجه أيضا الطبراني من حديثه بلفظ لم يخمس الطعام يوم خيبر وحديث القاسم مولى عبد الرحمن سكت عنه أبو داود وقال المنذري أنه تكلم في القاسم غير واحد انتهى وفي إسناده أيضا ابن حرشف وهو مجهول
قوله : " كنا نصيب في مغاز ينا " الخ زاد الإسماعيلي في رواية والفواكه
وفي رواية له بلفظ " كنا نصيب السمن والعسل في المغازي فنأكله " وفي رواية له من وجه آخر " أصبنا طعاما وأعناما يوم اليرموك فلم تقسم " قال في الفتح وهذا الموقوف لا يغاير الأول لاختلاف السياق وللأول حكم الرفع للتصريح يكونه في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأما يوم اليرموك فكان بعده فهو موقوف يوافق المرفوع انتهى . ولا يخفى أنه ليس في روايات الحديث تصريح بأنه في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما فيه أن إطلاق المغازي من الصحابى ظاهر في أنها مغازي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس في ذلك من التصريح في شيء
قوله : " ولا نرفعه " أي ولانحمله على سبيل الأدخار ويحتمل أن يريد ولا نحمله إلى متولى أمر الغنيمة أو إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا نستأذنه في أكله اكتفاء بما سبق منه من الأذن
قوله : " عبد الله بن المغفل " بالمعجمة والفاء بوزن محمد . " قوله جرابا " بكسر الجيم
قوله : " فالتزمته " في رواية للبخاري فنزوت بالنون والزاي وثبت مسرعا وموضع الحجة من الحديث عدم انكار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا سيما مع وقوع التبسم منه صلى الله عليه وآله وسلم فإن ذلك يدل على الرضا وقد قدمنا أن أبا داود الطيالسي زاد فيه فقال هو لك وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم عرف شدة حاجته إليه فسوغ له الأستئثار به
وفي الحديث جواز أكل الشحوم التي توجد عند اليهود وكانت محرمة على اليهود وكرهها مالك وروى عنه وعن أحمد تحريمها قوله " الجزر " بفتح الجيم جمع جزور وهي الشاة التي تجزر أي تذبح كذا قيل
وفي غريب الجامع الجزر جمع جزور وهو الواحد من الأبل يقع على الذكر والأنثى
وفي القاموس في مادة جزر ما لفظه والشاة السمينة ثم قال والجزور البعير أو خاص بالناقة المجزورة ثم قال وما يذبح من الشاة انتهى
وقد قيل أن الجزر في الحديث بضم الجيم والزاي جمع جزور وهو ما تقدم تفسيره ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه يجوز أخذ الطعام ويقاس عليه العلف للدواب بغير قسمة ولكنه من ذلك على مقدار الكفاية كما في حديث ابن أبي أوفى . وإلى ذلك ذهب الجمهور سواء أذن الإمام أو لم يأذن . والعلة في ذلك أن الطعام يقل في دار الحرب وكذلك العلف فأبيح للضرورة والجمهور أيضا على جواز الأخذ ولو لم تكن ضرورة وقال الزهري لا نأخذ شيئا من الطعام ولا غيره إلا بأذن الإمام
وقال سليمان بن موسى يأخذ إلا إن نهى الإمام وقال ابن المنذر قد وردت الاحاديث الصحيحة في التشديد في الغلول واتفق علماء الأمصار على جواز أكل الطعام وجاء الحديث بنحو ذلك فليقتصر عليه وقال الشافعي ومالك يجوز ذبح الأنعام للأكل كما يجوز أخذ الطعام ولكن قيده الشافعي بالضرورة إلى الأكل حيث لا طعام
باب إن الغنم تقسم بخلاف الطعام والعلف
1 - عن رجل من الأنصار قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد وأصابوا غنما فانتهبوها فإن قدورنا لتغلى إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي على قوسه فاكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال النهبة ليست بأحل من الميتة وإن الميتة ليست بأحل من النهبة "
- رواه أبو داود
2 - وعن معاذ قال " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر فأصبنا فيها غنما فقسم فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طائفة وجعل بقيتها في المغنم "
- رواه أبو داود
- الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده موثقون ولكن لفظه بالشك هكذا أن النهبة ليست بأحل من الميته أو أن الميتة ليست بأحل من النهبة قال والشك من هناد وهو ابن السري
وأخرجه أيضا البيهقي . والحديث الثاني سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري وفي إسناده أبو عبد العزيز شيخ من الأردن وهو مجهول ولفظه عن عبد الرحمن بن غنم قال رابطنا مدينة قنسرين مع شرحبيل بن السمط فلما فتحها أصاب فيها غنما وبقرا فقسم فينا طائفة منها وجعل بقيتها في المغنم فلقيت معاذ بن جبل فحدثته فقال معاذ غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحديث
قوله : " ثم جعل يرمل اللحم بالتراب " أي يضع التراب عليه
قال في القاموس وأرمل الطعام جعل في الرمل والثوب لطخه بالدم انتهى . والحديث الأول ليس فيه دليل على ما ترجم له المصنف من أن الغنم تقسم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما منع من أكلها لأجل النهبى كما وقع التصريح بذلك لا لأجل كونها غنيمة مشتركة لا يجوز الانتفاع بها قبل القسمة نعم الحديث الثاني فيه دليل على أن الإمام يقسم بين المجاهدين من الغنم ونحوها من الأنعام ما يحتاجونه حال قيام الحرب ويترك الباقي في جملة المغنم وهذا مناسب لمذهب الجمهور المتقدم فإنهم يصرحون بأنه يجوز للغانمين أخذ القوت وما يصلح به وكل طعام يعتاد أكله على العموم من غير فرق بين أن يكون حيوانا أو غيره وقد استدل على أن المنع من ذبح الحيوانات المغنومة بغير أذن الإمام بما في الصحيح من حديث رافع بن خديج في ذبحهم الأبل التي أصابوها لأجل الجوع وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باكفاء القدور قال المهلب إنما أكفأ القدور ليعلم أن الغنيمة إنما يستحقونها بعد القسمة ويمكن أن يحمل ذلك على أنه وقع الذبح في غير الموضع الذي وقع فيه القتال وقد ثبت في هذا الحديث أن القصة وقعت في دار الإسلام لقوله فيها بذي الحليفة وقال القرطبي المأمور بأكفائه إنما هو المرق عقوبة للذين تعجلوا وأما نفس اللحم فلم يتلف بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغانم لأجل النهي عن اضاعة المال
باب النهي عن الأنتفاع بما يغنمة الغانم قبل أن يقسم الإحالة الحرب
1 - عن رويفع بن ثابت " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم حنين لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبتاع مغنما حتى يقسم ولا يلبس ثوبا من فئ المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه ولا أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه "
- رواه أحمد وأبو داود
2 - وعن ابن مسعود " قال انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيف له فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل فأصبت يده فنذر سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته ثم أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فنفلني بسلبه "
- رواه أحمد
- الحديث الأول في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف قد تقدم التنبيه عليه غير مرة وأخرجه أيضا الدارمي والطحاوي وابن حبان وحسن الحافظ في التفح إسناده
وقال في بلوغ المرام رجاله ثقات لا بأس بهم . والحديث الثاني أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وهو من رواية أبي عبيدة عن أبيه ولم يسمع منه
وقال مجمع الزوائد أن رجاله رجال الصحيح غير محمد بن وهب بن أبي كريمة وهو ثقة انتهى
وأخرج نحوه أبو داود ولفظه عن أبي عبيده وهو ابن عبد الله ابن مسعود عن أبيه أنه قال " مررت فإذا أبو جهل صريع قد ضربت رجله فقلت يا عدو الله يا أبا جهل قد أخزى الله الآخر قال ولا أهابه عند ذلك فقال أبعد من رجل قتله قومه فضربته بسيف غير طائل فلم يغن شيئا حتى سقط سيفه من يده فضربته حتى برد " وأخرج نحوه النسائي مختصرا وقوله أبعد من رجل الخ قال الخطابي في المعالم هكذا رواه أبو داود وهو غلط وإنما هو أعمد بالميم بعد العين كلمة للعرب معناها هل زاد على رجل قتله قومه يهون على نفسه ما حل بها انتهى . والحديث الأول فيه دليل على أنه لا يحل لأحد من المجاهدين أن يبيع شيئا من الغنيمة قبل قسمتها لأن ذلك من الغلول وقد وردت الأحاديث الصحيحة بالنهي عنه ولا يحل أيضا أن يأخذ ثوبا منها فيلبسه حتى يخلقه ثم يرده أو يركب دابة منها حتى إذا أعجفها ردها لما في ذلك من الأضرار بسائر الغانمين والاستبداد بمالهم فيه يصيب بغير أذن منهم
قال في الفتح وقد اتفقوا على جواز ركوب دوابهم يعني أهل الحرب وليس ثيابهم واستعمال سلاحهم حال الحرب ورد ذلك بعد انقضاء الحرب وشرط الأوزاعي فيه أذن الإمام وعليه أن يرد كلما فرغت حاجته ولا يستعمله في غير الحرب ولا ينتظر برده انقضاء الحرب لئلا يعرضه للهلاك قال وحجته حديث رويفع المذكور ونقل عن أبي يوسف أنه حمله على ما إذا كان الآخذ غير محتاج يتقى به دابته أو ثوبه بخلاف من ليس له ثوب ولا دابة . ووجه استدلال المصنف رحمه الله تعالى بحديث ابن مسعود على ترجمه في الباب أنه وقع من ابن مسعود الضرب بسيف أبي جهل قبل أن يستأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك ولم ينكره عليه فدل على جواز استعماله السلاح المغنوم ما دامت الحرب قائمة بغير أذن الإمام وقد تقدم الكلام على قوله فنفلني يسلبه في باب أن السلب للقاتل
باب ما يهدى للأمير والعامل أو يؤخذ من مباحات دار الحرب
1 - عن أبي حميد الساعدي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هدايا العمال غلول "
- رواه أحمد
2 - وعن أبي الجويرية قال أصبت جرة حمراء فيها دنانير في إمارة معاوية في أرض الروم قال وعلينا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بني سليم يقال له معن بن يزيد فأتيته بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني مثل ما أعطى رجلا منهم ثم قال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا نفل إلا بعد الخمس لأعطيتك قال ثم أخذ يعرض على من نصيبه فأبيت
- رواه أحمد وأبو داود
- الحديث الأول أخرجه أيضا الطبراني وفي إسناده إسماعيل بن عباس عن أهل الحجاز وهو ضعيف في الحجازيين ويشهد له ما أخرجه الشيخان وأبو داود من حديث أبي حميد المذكور قال استعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا على الأزد يقال له ابن اللتبية فلما قدم قال هذا لكم مهذا أهدي لي فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيقول هذا لكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا . الحديث . والحديث الثاني في إسناده عاصم بن كليب قال علي بن المديني لا يحتج به إذا انفرد وقال الإمام أحمد لا بأس بحديثه وقال أبو حاتم الرازي صالح وقال النسائي ثقة واحتج به مسلم وقد أخرجه الطحاوي وصححه من حديث معن بن يزيد المذكور قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا نفل إلا بعد الخمس
قوله : " غلول " بضم المعجمة واللام أي خيانة
قوله : " وعن أبي الجويرية " اسمه حطان بن خفاف قال في الخلاصة وثقه أحمد . قوله " لا نفل إلا بعد الخمس " قد تقدم الكلام على ذلك وقد استدل المصنف بالحديث الأول على أنها لا تحل الهدية للعمال وقد تقدم في الزكاة في باب العاملين عليها حديث بريدة عن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول . وظاهره المنع من الزيادة على المفروض للعامل من غير فرق بين ما كان من الصدقات المأخوذة من أرباب الأموال أو من أربابها على طريق الهدية أو الرشوة . والحديث الثاني بوب عليه أبو داود باب النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم أي هل يجوز أم لا واستدل به المصنف على حكم ما يؤخذ من مباحات دار الحرب وأنها تكون بين الغانمين لا يختص بها
باب التشديد في الغلول وتحريق رحل الغال
1 - عن أبي هريرة " قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر ففتح الله علينا فلم نغنم ذهبا ولا ورقا غنمنا المتاع والطعام والثياب ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد له وهبه له رجل من جذام يسمى رفاعة بن يزيد من بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قالم عبد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحل رحله فرمى بسهم فكان فيه حتفه فقلنا هنيئا له الشهادة فقال كلا والذي نفس محمد بيده أن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال يا رسول الله أصبت هذا يوم خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شراك من نار أو شرا كان من النار "
- متفق عليه
2 - وعن عمر قال " لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالا فلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال صلى الله عليه وآله وسلم كلا أني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال فخرجت فناديت أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون "
- رواه أحمد ومسلم
3 - وعن عبد الله بن عمر " قال كان على ثقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال صلى الله عليه وآله وسلم هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها "
- رواه أحمد والبخاري
- قوله " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هكذا وقع في رواية ثور بن يزيد وقد حكى الدار قطني عن موسى بن هرون أنه قال وهم ثور في هذا الحديث لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى النبي وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت قال أبو مسعود ويؤيده حديث عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر بعد ما فتتحوها قال ولكن لا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم الغرض من هذه القصة المذكورة علول الشملة
قال الحافظ وكان محمد بن إسحاق استشعرتموهم ثور بن يزيد في هذه اللفظة فرواه عنه في المغازي بدونها وأخرجه ابن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ " انصرففا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى وادي القري " وروي البيهقي في الدلائل من وجه آخر عن أبي هريرة " قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر إلى وادي القرى " فلعل هذا أصل الحديث . وحديث قدوم أبي هريرة المدينة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق خثيم بن عراكبن مالك عن أبيه عن أبي هريرة قال " قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة فذكر الحديث وفيه فزودنا شيئا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلم المسلمون فأشركونا في سهامهم "
قوله : " غنمنا المتاع والطعام والثياب " رواه البخاري " إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط " وهذه المذكورة رواية مسلم ورواية الموطأ إلا الأموال والثياب والمتاع
قوله : " عبد له " هو مدعم كما وقع في رواية البخاري بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة أيضا
قوله : " رفاعة بن زيد " قال الواقدي كان رفاعة وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه
قوله : " من بني الضبيب " بضم الضاد المعجمة ثم موحدتين بينهما تحتية بصيغة التصغير
وفي رواية للبخاري أحد بني الضباب بكسر الضاد المعجمة وموحدتين بينهما ألف بصيغة جمع الضب وهم بطن من جذام
قوله : " يحل رحله " رواية البخاري فبينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زاد البيهقي في الرواية المذكورة وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية
قوله : " لتلتهب عليه نارا " يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارا فيعذب بها ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار وكذا القول في الشراك المذكور
قوله : " فجاء رجل " قال الحافظ لم أقف على اسمه
قوله : " بشراك أو شراكين " الشراك بكسر المعجمة وتخفيف الراء سير النعل على ظهر القدم . قوله " على ثقل " بمثلثة وقاف مفتوحتين العيال وما ثقل حمله من الأمتعة
قوله : " يقال له كركرة " اختلف في ضبطه فذكر عياض أنه يقال بفتح الكافين وبكسرهما وقال النووي إنما اختلف في كافه الأولى وأما الثانية فمكسورة اتفاقا قال عياض هو للأكثر بالفتح في رواية علي وبالكسر في رواية ابن سلام . وعند الأصبلي بالكسر في الأول وقال القابسي لم يكن أسود يمسك دابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند القتال
وروي أبو سعيد النيسابوري في شرف المصطفى أنه كان نوبيا أهداه له هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة فأعتقهوذكر البلاذري أنه مات في الرق
قوله : " هو في النار " أي يعذب على معصيته أو المراد هو في النار أن لم يعف الله عنه . وظاهر الروايتين أن كركرة المذكور غير مدعم الذي قبله وكلام القاضي عياض يشعر بأن قصتهما متحدة
قال الحافظ والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما قال نعم عند مسلم من حديث عمر ثم ذكر الحديث المذكور في الباب ثم قال فهذا يمكن تفسيره بكركرة بخلاف قصة مدعم فإنها كانت بوادي القرى ومات بسهم وغل شملة والذي أهدى كركرة هوذة والذي أهدى مدعم رفاعة فافترقا ( وأحاديث الباب ) تدل على تحريم الغلول من غيرفرق بين القليل منه والكثير ونقل النووي الإجماع على أنه من الكبائر وقد صرح القرآن والسنة بأن الغال يأتي يوم القيامة والشيء الذي غله معه فقال الله تعالى ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة وثبت في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس على رقبته شاة . الحديث وظاهر قوله شراك من نار الخ إن من أعاد إلى الإمام ما غله بعد القسمة لم يسقط عنه الإثم قال الثوري والأوزاعي والليث ومالك يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي وكان الشافعي لا يرى ذلك ويقول إن كان ملكه فليس عليه أن يتصدق به وإن كان لم يملكه فليس له الصدقة بمال غيرهقال والواجب أن يدفع إلى الإمام كالأموال الضائعة انتهى
وأما قبل القسمة فقال ابن المنذر أجمعوا أن للغال أن يعيد ما غل قبل القسمة
4 - وعن عبد الله بن عمرو قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيؤن بغنائمهم فيخمسه ويقسمه فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال يا رسول الله هذا فيما كنا أصبنا من الغنيمة فقال أسمعت بلالا نادى ثلاثا قال نعم قال فما منعك أن تجيء به فاعتذر إليه فقال كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك "
- رواه أحمد وأبو داود
قال البخاري قد روي في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغال ولم يأمر بحرق متاعه
5 - وعن صالح بن زائدة بن محمد قال " دخلت مع مسلمة أرض الرومفأتى برجل قد غل فسأل سالما عنه فقال سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه قال فوجد في متاعه مصحفا فسأل سالما عنه فقال وتصدق بثمنه "
- رواه أحمد وأبو داود
6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه "
- رواه أبو داود وزاد في رواية ذكرها تعليقا " زمنعوه سهمه "
- حديث عبد الله بن عمر سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه الحاكم وصححه . وحديث صال بن محمد أخرجه أيضا الترمذي والحاكم والبيهقي قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال سألت محمدا عن هذا الحديث فقال إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة الذي يقال له أبو واكد الليثي وهو منكر الحديث قال المنذري وصالح بن محمد بن زائدة تكلم فيه غير واحد من الأئمة وقد قيل أنه تفرد به وقال البخاري عامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول وهو باطل ليس بشيء وقال الدارقطني أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد قال وهذا حديث لم يتابع عليه ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمحفوظ أن سالما أنر بذلك وصحح أبو داود وقفه . ورواه من وجه آخر باللفظ الذي ذكره المصنف وقال هذا أصح : وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وفي إسناده زهير بن محمد وهو الخراساني نزيل مكة وقال البيهقي يقال هو غيره وأنه مجهول وقد رواه أبو داود من وجه آخر عن زهير موقوفا قال في الفتح وهو الراجح
قوله : " ولم يأمر بحرق متاعه " هذا لفظ رواية الترمذي عن البخاري ولفظ البخاري في الجهاد في باب القليل من الغلول ولم يذكر عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه حرق متاعه يعني في حديثه الذي ساقه في ذلك الباب وهو الحديث الذي تقدم في أول هذا الباب ثم قال البخاري وهذا أصح
قال في الفتح أشار إلى تضعيف عبد الله بن عمر في الأمر بحرق رحل الغال والإشارة بقوله هذا إلى الحديث الذي ساقه . والحرق بفتح الحاء المهملة والراء وقد تسكن الراء كما في النهاية مصدر حرق بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر حديث الإحراق أحمد في رواية وهو قول مكحول والأوزاعي وعن الحسن يحرق متاعه كله إلا الحيوان والمصحف
وقال الطحاوي لو صح الحديث لحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال انتهى
وقد قدمنا الكلام على العقوبة بالمال في كتاب الزكاة
وفي حديث عبد الله بن عمرو دليل على أنه لا يقبل الإمام مممن الغال ما جاء به بعد وقوع القسمة ولو كان يسيرا وقد تقدم الخخلاف في ذلك قريبا
قوله : " ومنعوه سهمه " فيه دليل على أنه ييجوز للإمام بعد عقوبة الغال بتحريق متاعه أن يعاقبه عقوبة أخرى بمنعه سهمه من الغنيمة وكذلك يعاقب عقوبة ثالثة بضربه كما وقع في الحديث المذكور
باب المن والفداء في حق الأسارى
1 - عن أنس " أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من حيال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم أخذهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعتقهم فأنزل الله عز و جل وهو . الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة إلى آخر الآية "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي
2 - وعن جبير بن مطعم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في اسارى بدر لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتني لتركتهم له "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود
3 - وعن أبي هريرة قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن اثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة قال عندي يا محمد خير أن تقتل تقتل ذا دم وأن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة قال عندي ما قلت لك أن تنعم تنعم على شاكر وأن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى كان الغد فقال ما عندك يا ثمامة قال عندي ما قلت لك أن تنعم تنعم على شاكر وأن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اطلقوا ثمامة فأنطلق إلى نخل قريب من المسجد فأغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على الأرض أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلى وأن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت فقال لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا والله لا تأتيكم من يمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه
- قوله " سلما " بفتح السين المهملة واللام عن بعضهم وعن الأكثرين بسكون اللام يعني مع كسر السين والأول أصوب والسلم الأسير لأنه أسلم والسلم الصلح كذا في المشارق
قوله : " لو كان المطعم " الخ إنما قال صلى الله عليه وآله وسلم كذلك لأنها كانت للمطعم عنده يد وهي إنه دخل صلى الله عليه وآله وسلم في جواره لما رجع من الطائف فأراد أن يكافئه بها والمطعم المذكور هو والد جبير الراوي لهذا الحديث والنتني جمع نتن بالنون والتاء المثناة من فوق المراد بهم أسارى بدر وصفهم بالنتن لما هم عليه من الشرك كما وصفوا بالنجس
قوله : " لتركتهم له " يعني بغير فداء وبين السبب في ذلك ابن شاهين بنحو ما قدمنا
وقد ذكر ابن إسحاق القصة في ذلك مبسوطة وكذلك الفاكهي بإسناد حسن مرسل وفيه أن المطعم أمر أولاده الأربعة فلبسوا السلاح وقام كل واحد منهم عند ركن من الكعبة فبلغ ذلك قريشا فقالوا له أنت الرجل لا تخفر ذمتك وقيل أن اليد التي كانت له أنه كان من أشد من سعى في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب
قوله : " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيلا " الخ زعم سيف في كتاب الرده له أن الذي أخذ ثمامة وأسره هو العباس بن عبد المطلب قال في الفتح وفيه نظر لأن العباس إنما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زمان فتح مكة وقصة ثمامة تقتضي أنها كانت قبل ذلك بحيث اعتمر ثمامة ثم رجع إلى بلاده ثم منعهم أن يميروا أهل مكة ثم شكا أهل مكة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك قم بعث يشفع فيهم عند ثمامة
قوله : " من بني حنيفة " هو ابن لجيم بجيم ابن صهيد بن علي بن بكر بن وائل وهي قبيلة كبيرة مشهورة ينزلون اليمامة بين مكة واليمن
قوله : " ثمامة " بضم المثلثة وأثاله بضم الهمزة وبمثلثة خفيفة وهو ابن النعمان ابن مسيلمة الحنفي وهو من فضلاء الصحابة
قوله : " ماذا عندك " أي أي شيء عندك ويحتمل أن تكون ما استفهامية وذا موصولة وعندك صلة أي ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك فأجابه بأنه ظن خيرا فقال عندي يا محمد خير أي لأنك لست ممن يظلم بل ممن يعفو ويحسن
قوله : " تقتل ذا دم " بمهملة وتخفيف الميم للأكثر وللكشميهني ذم بمعجمة بعدها ميم مشددة
قال النووي معنى رواية الأكثر أن تقتل تقتل ذا دم بمهملة أي صاحب دم لدمه موقع يستشفي قتله بقتله ويدرك ثأره لرياسته وعظمته ويؤتمل أن يكون المعنى عليه دم وهو مطلوب به فلا لوم عليك في قتله وأما الرواية بالمعجمة فمعناها ذا ذمة وثبت ذلك في رواية أبو داود وضعفها عياض لأنه ينقلب المعنى لأنه إذا كان ذا ذمة يمتنع قتله وقال النووي يمكن تصحيحها بأن يحمل على الوجه الأول والمراد بالذمة الحرمة في قومه . وأوجه الجميع الثاني لأنه مشاكل لقوله بعد ذلك وإن تنعم تنعم على شاكر وجميع ذلك تفصيل لقوله عندي خير وفعل الشرط إذا كرر في الجزاء دل على فخامة الأمر قوله " قال عندي ما قلت لك أن تنعم " الخ قدم في اليوم الأول القتل وفي اليومين الآخرين الأنعام وفي ذلك نكتة وهي أنه قدم أول يوم أشق الأمرين عليه وأشفاهما لصبر خصومه وهو القتل فلما لم يقع قدم الأنعام استعطافا وكأنه رأى في اليوم الأول إمارات الغضب دون اليومين الآخرين
قوله : " اطلقوا ثمامة " في رواية ابن إسحاق قال قد عفوت عنك يا ثمامة وأعتقتك وزاد أيضا أنه لما كان في الأسر جمعوا ما كان في أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طعام ولبن فلم يقع ذلك من ثمامة موقعه فلما أسلم جاؤا بالطعام فلم يصب منه إلا قليلا فتعجبوا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المسلم يأكل في معي واحد " قوله " فبشره " أي بخير الدنيا واللآخرة أو بشهر بالجنة أو بمحو ذنوبه وتبعاته السابقة
قوله : " صبوت " هذا اللفظ كانوا يطلقونه على من أسلم وأصله يقال لمن دخل في دين الصابئة وهم فرقة معروفة
قوله " لا ولكن أسلمت " الخ كأنه قال لا ما خرجت من الدين لأن عبادة الأوثان ليست دينا فإذا تركتها أكون قد خرجت من دين بل استحدثت دين الإسلام . وقوله " مع محمد " أي وافقته على دينه فصرنا متصاحبين في الإسلام
وفي رواية ابن هشام ولكني تبعت خير الدين دين محمد
قوله : " ولا والله فيه حذف تقديره والله لا أرجع إلى دينكم ولا أرفق بكم فأترك الميرة تأتيكم من اليمامة قوله " حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " زاد ابن هشام ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنك تأمر بصلة الرحم فكتب إلى ثمامة أن يخلي فيما بينهم وبين الحمل إليهم وفي هذه القصة من الفوائد ربط الكافر في المسجد والمن على الأسير الكافر وتعظيم أمر العفو عن المسئ لأن ثمامة أقسم أن بغضة القلب انقلبت حبا في ساعة واحدة لما أسداه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه من العفو والمن بغير مقابل وفيه الأغتسال عند الإسلام وإن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب وإن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم له أن يستمر في عمل ذلك الخير وفيه الملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأسارى إن كان في ذلك مصلحة للإسلام ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه وفيه بعث السرايا إلى بلاد الكفار وأسر من وجد منهم والتخيير بعد ذلك في قتله والإبقاء عليه
4 - وعن ابن عباس قال " لما أسروا الأسارى يعني يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لناقوة على الكفار وعسى الله أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ترى يا ابن الخطاب فقال والله ما أرى الذى رأى أبو بكر ولكني أرى تمكننا فضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان نسبيا لعمر فاضرب عنقه ومكن فلانا من فلان قرابته فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديقها فهوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة منه وأنزل الله عز و جل ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فأحل الله الغنيمة لهم "
- رواه أحمد مسلم
5 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة "
- رواه أبو داود
6 - وعن عائشة قالت " لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال وبعثت فيه بقلادة كانت لها عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص قالت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رق لها رقة شديدة فقال إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا لها قالوا نعم "
- رواه أحمد وأبو داود
7 - وعن عمران بن حصين " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدي رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل "
- رواه أحمد والترمذي وصححه ولم يقل فيه من بني عقيل
8 - وعن ابن عباس " قال كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فداءهم ان يعلموا أولاد الأنصار الكتابة قال فجاء يوما غلام يبكي إلى أبيه فقال ما شأنك قال ضربني معلمي قال الخبيث يطلب بذحل بدر والله لا تأتيه أبدا "
- رواه أحمد
- حديث عباس الثاني أخرجه أيضا النسائي والحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله ثقات إلا أبا العنبس وهو مقبول . وحديث عائشة أخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده محمد بن إسحاق . وحديث عمران بن حصين أخرجه أيضا مسلم مطولا كما سيأتي وأخرجه ابن حبان مختصرا وحديث ابن عباس الثالث في إسناده علي بن عاصم وهو كثير الغلط والخطأ وقد وثقه أحمد
وفي الباب عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عند الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أن جبريل هبط فقال خيرهم يعني أصحابك في أساري بدر القتل أو الفداء على أن يقتل منهم قابل مثلهم قالوا الفداء ويقتل منا قال الترمذي
وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وابن برزة الأسلمي وجبير بن مطعم قال هذا يعني حديث على حديث حسنغريب من حديث الثوري لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة . ورواه أبو أسامة عن هشام عن ابن سيرين عن عبيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه وروى ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه مرسلا
وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم من حديث أنس صلى الله عليه وآله وسلم استشار الناس في أساري بدر فقال أبو بكر أرى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء وأخرج البخاري عن أنس " أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا أتأذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه فقال لا تدعوا منه درهما " وأخرج البيهقي من حديث ابن عباس أنه قال في قوله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إن ذلك كان يوم بدر والمسلمون كانوا في قلة فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله تعالى { فأما منا بعد وأما فداء } فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المؤمنين بالخيار فيهم إن شاؤا قتلوهم وإن شاؤا استعبدوهم وإن شاؤا فادوهم وفي إسناده علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهو لم يسمع منه لكنه إنما أخذ التفسير عن ثقات أصحابه كمجاهد وغيره وقد اعتمدهما البخاري وأبو حاتم وغيرهما في التفسير
وأخرج أبو داود عن ابن عباس من وجه آخر قال حدثني عمر بن الخطاب : قال لما كان يوم بدر فأخذ يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفداء أنزل الله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله عذاب أليم ثم أحل لهم الغنائم
قوله : " لما أسروا الأسارى " قد ساق ابن إسحاق في المغازي تفصيل أمر فداء الأسارى فذكر ما يشفي ويكفي
قوله : " قاعدين يبكيان " إنما وقع البماء منه صلى الله عليه وآله وسلم ومن أبى بكر لما أنزل الله من المعاتبة ولما وقع من عرض العذاب على الذين أخذوا الفداء كما في الحديث المذكور
قوله : " من بني عقيل " بضم العين المهملة كذا في المشارق
قوله : " بذحل " بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة قال في مختصر النهاية الذحل الوتر وطلب المكافأة بجناية جنت عليه
وقال في القاموس الذحل الثأر أو طلب مكافأة بجناية جنت عليك أو عداوة أتت إليك أو العداوة والحقد الجمع إذحال وذحول
وقد استدل المصنف بالأحاديث التي ذكرها على ما ترجم به من المن والفداء في حق الأسارى ومذهب الجمهور أن الأمر في الأسارى الكفرة من الرجال إلى الإمام بفعل ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين
وقال الزهري ومجاهد وطائفة لا يجوز أخذ الفداء من أسرى الكفار أصلا وعن الحسن وعطاء لا تقتل الأسرى بل يتخير بين المن والفداء وعن مالك لا يجوز المن بغير فداء وعن الحنفية لا يجوز المن أصلا لا بفداء ولا بغيره قال الطحاوي وظاهر الآية يعني قوله تعالى { فأما منا بعد مأما فداء } حجة للجمهور وكذا حديث أبي هريرة في قصة ثمامة المذكور في أول الباب وقال أبو بكر الرازي احتج أصحابنا لكراهة فداء المشركين بالمال بقوله تعالى { لولا كتاب من الله سبق } الآية ولا حجة لهم في ذلك لأنه كان قبل حل الغنيمة كما قدمنا عن ابن عباس والحاصل أن القرآن والسنة قاضيان بما ذهب إليه الجمهور فإنه قد وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم المن وأخذ الفداء كما في أحاديث الباب ووقع منه القتل فإنه قتل النضر بن الحرث وعقبة بن أبي معيط وغيرهما ووقع منه فداء رجلين من المسلمين برجل من المشركين كما في حديث عمران بن حصين قال الترمذي بعد أن ساق حديث عمران بن حصين المذكور والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم أن للإمام أن بمن على من شاء من الأسارى ويقتل من شاء منهم ويفدي من شاء واختار بعض أهل العلم القتل على الفداء قال قال الأوزاعي بلغني أن هذه الآية منسوخة يعني قوله ( فأما منا بعد مإما فداء ) نسخها قوله ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) حدثنا بذلك هناد اخبرنا ابن المبارك عن الأوزاعي قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد إذا أسر الأسير يقتل أو يفادي أحب إليك قال أن قدر أن يفادي فليس به بأس وإن قتل فما أعلم به بأسا قال إسحاق بن إبراهيم الأثخان أحب إلي إلا أن يكون معروفا طمع به الكثير انتهى
وقد ذهب إلى جواز فك الأسير من الكفار بالأسير من المسلمين جمهور أهل العلم لحديث عمران بن حصين المذكور
باب أن الأسير إذا أسلم لم يزل ملك المسلمين عنه
1 - عن عمران بن حصين " قالت كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من بني عقيل وأصابوا معه الغضباء فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الوثاق فقال يا محمد فأتاه فقال ما شأنكفقال بما أخذتني وأخذت سابقة الحاج يعني الغضباء فقال أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف ثم انصرف فناداه فقال يا محمد يامحمد فقال ما شأنك قال إني مسلم قال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح ثم انصرف فناداه يا محمد يا محمد فأتاه فقال ما شأنك فقال إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني قال هذه حاجتك ففدي بعد بالرجلين "
- رواه أحمد ومسلم
- قوله " لبني عقيل " بضم العين المهملة كما تقدم
قوله : " العضباء " بفتح المهملة وسكون الضاد المعجمة ثم باء موحدة وقد تقدم الكلام في ضبطها في كتاب الحج
قوله : " بجريرة حلفائك " الجريرة الجناية
قال في النهاية ومعنى ذلك أن ثقيفا لما نقضوا اللوادعة التي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينكر عليهم بنو عقيل صاروا مثلهم في نقض العهد ( وفي حديث ) دليل على ما ترجم المصنف الباب به من أنه لا يزول ملك المسلمين عن الأسير بمجرد إسلامه لأن هذا الرجل أخبر بأنه مسلم وهو في الأسر فلم يقبل منه صلى الله عليه وآله وسلم ولم يفكه من أسره ولم يخرج بذلك عن ملك من أسره
وفيه أيضا دليل على أن للإمام أن يمتنع من قبول غإسلام من عرف منه أنه لم يرغب في الإسلام وإنما دعته إلى ذلك الضرورة ولا سيما إذا كان في عدم القبول مصلحة للمسلمين فإن هذا الرجل استنقذ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلين مسلمين من أسر الكفار ولو قبل منه الإسلام لم يحصل ذلك ويمكن أن يقال أن معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح " أي لو قلت كلمة الإسلام أو هذه الكلمة التي أخبرت بها عن الإسلام قبل أن يقع عليك الأسر لكنت آمنا ولم يجر عليك ما جرى من الأسر وأخذ المال ولم يرد بذلك رد إسلامه بل قبله منه ولكنه لم يحصل بإسلامه الفكاك من الأسر وإرجاع ما أخذ من ماله فلم يحصل له كل الفلاح لأنه لم يعامل في تلك الحال معاملة المسلمين بل عومل معاملة الكفار فبقي في وثاقه وتحت ملك من أسره وعلى هذا يكون في الحديث دليل على ما أراد المصنف لأن الرجل صار مسلما ولم يزل عنه ملك المسلمين وأما على تقدير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقبل منه الإسلام من الأصل فلا يكون فيه دليل على ذلك لأن الرجل باق على كفره ( وفي الحديث ) مشروعية إجارة الأسير إذا دعا وإذا كرر ذلك مرات والقيام إلى ما يحتاج إليه من طعام وشراب . ومعنى قوله " هذه حاجتك " أي حاضرة يؤتى إليك الساعة
باب الأسير يدعي الإسلام قبل الأسر وله شاهد
1 - عن ابن مسعود قال " لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينفلتن منهم أحدا إلا بفداء أو ضرب عنق قال عبد الله بن مسعود فقلت يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما رأيتنا في يوم أخوف أن يقع علي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا سهيل بن بيضاء قال ونزل القرآن { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } إلى آخر الآيات "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن
- الحديث من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه وقد قدمنا أنه لم يسمع منه
قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث هذا حديث حسن وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه
قوله : " لا ينفلتن " أي لا يخرج من الأسر أحد إلا بأح الأمرين إما الفداء أو القتل زفيه متمسك لمن قال إنه لا يجوز المن بغير فداء وهو مالك كما سلف ولكن غاية ما فيه أنه يدل بمفهوم الحصر على عدم جواز ذلك وقوله تعالى { فأما منا بعد وأما فداء } يدل بمنطوقه على الجواز ويؤيده ما تقدم من منه صلى الله عليه وآله وسلم على ثمامة بن أثال وعلى الثمانين الرجل الذين هبطوا عليه من جبال التنعيم كما سلف وعلى أهل مكة حيث قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء قوله " ونزل القرآن ما كان لنبي " الخ لفظ الترمذي " ونزل القرآن بقول عمر ما كان لنبي " الخ . ( والحديث ) يدل على ما ترجم به المصنف الباب من أنه يجوز فك الأسير من الأسر بغير فداء إذا إدعى الإسلام قبل الأسر ثم شهد له بذلك شاهد وكذلك إذا لك تقع منه دعوى وشهد له شاهد أنه كان قد أسلم قبل الأسر كما وقع في حديث الباب فإنه لم يذكر فيه أن سهيل بن بيضاء إدعى الإسلام أولا ثم شهد له بعد ذلك ابن مسعود بل ليس فيه إلا مجرد صدور الشهادة من ابن مسعود بذكره الإسلام قبل الأسر
باب جواز استرقاق العرب
1 - عن أبي هريرة قال " لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيهم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول هم أشد أمتي على الدجال قال وجاءت صدقاتهن فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه صدقات قومنا قال وكان سبية منهم عند عائشة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل "
- متفق عليه
2 - وفي رواية " ثلاث خصال سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بني تميم لا أزال أحبهم بعده كان على عائشة محرر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتقي من هؤلاء وجاءت صدقاتهم فقال هذه صدقات قومي قال وهم أشد الناس قتالا في الملاحم "
- رواه مسلم
3 - وعن مروان بن الحكم وعن مسور بن مخرمة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب الحديث إلى أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت بكم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا فإنا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤنا تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى ترفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود
4 - وعن عائشة قالت " لما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السبي لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته عن نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله إني جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فجئتك أستعينك على كتابتي قال فهل لك من خير من ذلك قالت وما هو يا رسول الله قال أقضي كتابتك وأتزوجك قالت نعم يا رسول الله قال قد فعلت قال وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوج جويرية بنت الحارث فقال الناس أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأرسلوا ما بأيديهم قالت فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها "
- رواه أحمد واحتج به في رواية محمد بن الحكم وقال لا أذهب إلى قول عمر ليس على عربي ملك قدسي النبي صلى الله عليه وآله وسلم العرب في غير حديث وأبو بكر على حين سبى بني ناجية
- حديث عائشة في قصة بني المصطلق أخرجه أيضا الحاكم وأبو داود والبيهقي وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر كما تقدم في باب الدعوة قبل القتالز قوله " أحب بني تميم " هم القبيلة الشهيرة ينسبون إلى تميم بن مر بضم الميم بلا هاء ابن أد بضم أوله وتشديد الدال المهملة ابن طابخة بموحدة مكسورة ومعجمة بن الياس بن مضر
قوله : " بعد ثلاث " زاد أحمد من وجه آخر عن أبي زرعة عن أي هريرة " وما كان قوم من الأحياء أبغض إلي منهم فأحببتهم " انتهى وإنما كان يبغضهم لما كان بينهم وبين قومه في الجاهلية من العداوة
قوله : " هم أشد أمتي على الدجال " في الرواية الثانية " وهم أشد الناس قتالا في الملاحم " وهي أعم من الرواية الأولى ويمكن أن يحمل العام هنا على الخاص فيكون المراد هنا بالملاحم أكثرها وهي قتال الدجال ليدخل غيره بطريق الأولى
قوله : " هذه صدقات قومي " وأما نسبهم إليه لاجتماع نسبه بنسبهم في الياس بن مضر قال وكانت سبية منهم أي من تميم وهي بوزن فعيلة مفتوح الأول من السبي أو السباء في رواية الإسماعيلي نسمة بفتح النون المهملة أي نفس
قوله : " محرر " بمهملات اسم مفعول وقد بين ذلك الطبراني أن الذي كان على عائشة نذر ولفظه " نذرت عائشة أن تعتق محررا من بني إسماعيل " وله في الكبير " أن عائشة قالت يا نبي الله إني نذرت عتيقا من ولد إسماعيل فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم اصبري حتى يجيء فيء بني العنبر غدا فجاء فيء بني العنبر فقال خذي منهم أربعة " الحديث قوله " وقد كنت استأنيت بكم " أي أخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم وكان صلى الله عليه وآله وسلم قد ترك السبي بغير قسمة وتوجه غبى الطائف فحاصرها ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم هناك فجاءه وفد هوازن بعد ذلك فبين لهم أنه انتظرهم وقوله " بضع عشر ليلة " بيان لمدة الانتظار
قوله : " قفل " بفتح القاف والفاء أي رجع وذكر الواقدي أن وفد هوازن كانوا أربعة وعشرين بيتا فيهم الزبر قال السعدي فقال يا رسول الله إن في هذه الحظائر إلا أمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فأمنن علينا من الله عليك
قوله : " أن يطيب " بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء التحتانية أي يعطي ذلك طيبة من نفسه من غير عوض
قوله : " على حظه " أي يرد السيب بشرط أن يعطى عوضه
قوله : " يفيء الله علينا " بضم أوله ثم فاء مكسورة وهمزة بعد التحتانية الساكنة أي يرجع إلينا من مال الكفار من خراج أو غنيمة أو غير ذلك ولم يرد الفيء الإصلاحي وحده
قوله : " عرفاؤكم " بضم العين المهملة جمع عريف بوزن عظيم وهو القائم بأمر طائفة من الناس من عرفت بالضم وبالفتح على القوم عرافة فإنا عارف وعريف وليت أمر سياستهم وحفظ أمورهم وسمي بذلك لكونه يتعرف أمورهم
قوله : " فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا " نسبة التطييب والإذن إلى الجميع حقيقة لكن سبب ذلك مختلف فالأغلب الأكثر منهم طابت أنفسهم أن يردوا السبي لأهله بغير عوض وبعضهم رده بشرط التعويض ومعنى طيبوا حملوا أنفسهم على ترك السبايا حتى طابت بذلك يقال طيبت نفسي بكذا إذا حملتها على السماح به من غير إكراه فطابت بذلك ويقال طيبت نفس فلان إذا كلمته بما يوافقه وإنما قلنا أن بعضهم رده بشرط العوض مع أن ظاهر الحديث يدل على أنه لم يشترط العوض أحدا منهم لما في رواية موسى بن عقبة بلفظ " فأعطى الناس ما بأيديهم إلا قليلا من الناس سألوا الفداء " وفي رواية عمرو بن شعيب " فقال المهاجرون ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت الأنصار كذلك وقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة أما أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس ابن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تمسك منكم بحقح فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم "
قال ابن بطال في الحديث مشروعية إقامة العرفاء لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر جميع الأمور بنفسه فيحتاج إلى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه قال والأمر والنهي إذا توجه إلى الجميع يقع التواكل فيه من بعضهم فربما وقع التفريط فإذا أقام على كل قوم عريفا لم يسع كل أحد إلا الإنقياد بما أمر به وفيه أن الخبر الوارد في ذم العرفاء لا يمنع إقامة العرفاء لأنه محمول إن ثبت على أن الغالب على العرفاء الاستطالة ومجاوزة الحد وترك الإنصاف المفضي إلى الوقوع في المعصية والحديث في ذم العرفاء أخرجه أبو داود من طريق المقدام بن معد يكرب رفعه " العرافة حق ولابد للناس من عريف والعرفاء في النار " ولأحمد وصححه ابن خزيمة من طريق عباد بن علي عن أبي حازم عن أبي هريرة رفعه " ويل للأمراء ويل للعرفاء " قال الطيبي قوله والعرفاء في النار ظاهر أقيم مقام الضمير يشعر أن العرافة على خطر ومن باشرها غير آمن الوقوع في المحظور المفضي إلى العذاب فهو كقوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونه نارا } . فينبغي للقاقل أن يكون على حذر منها لئلا يتورط فيما يؤديه إلى النار
قال الحافظ ويؤيد هذا التأويل الحديث الآخر حيث توعد الأمراء بما توعد به العرفاء فدل على أن المراد بذلك الإشارة إلى أن كل من يدخل في ذلك لا يسلم فإن الكل على خطر والاستثناء مقدر في الجميع . ومعنى العرافة حق أن أصل نصبهم حق فإن المصلحة مقتضية لما يحتاج إليه الأمير من المعاونة على ما لا يتعاطاه بنفسه ويكفي في الاستدلال بذلك وجودهم في العهد النبوي كما دل عليه حديث الباب
قوله
قوله : " بني الكصطلق " قد تقدم ضبطه وتفسيره في باب الدعوة قبل القتال
قوله : " وقعت جويرية " بالجيم مصغرا بنت الحارث بن أبي ضرار بن الحرث بن مالك بن المصطلق وكان أبوها سيد قومه وقد أسلم بعد ذلك
قوله : " ملاحة " بضم الميم وتشديد اللام بعدها حاء مهملة أي مليحة وقيل شديدة الملاحة وجمعه ملاح وإملاح وملاحون بتخفيف اللام وملاحون بتشديدها ذكر معنى ذلك في القاموس
وقد استدل المصنف رحمه الله تعلى بأحاديث الباب على جواز استرقاق العرب وإلى ذلك ذهب الجمهور كما حكاه الحافظ فيكتاب العتق من فتح الباري . وحكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة أنه لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف واستدل له بقوله تعالى { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } الآية قال والمراد مشركوا العرب إجماعا إذا كان العهد لهم يومئذ دون العجم اه . ثم قال في موضع آخر من البحر فأما الاسترقاق وإن كان عربيا غير كتابي لم يجز الشافعي يجوز لنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم لو كان الاسترقاق ثابتا على العرب الخبر اه . وهو يشير إلى حديث معاذ الذي أخرجه الشافعي والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم حنين لو كان الاسترقاق جائزا على العرب لكان اليوم إنما هو أسرى وفي إسناده الواقدي وهو ضعيف جدا ورواه الطبراني من طريق أخرى فيها يزيد ابن عياض وهو أشد ضعفا من الواقدي ومثل هذا لا تقوم به حجة
وظاهر الآية عدم الفرق بين العربي والعجمي وقد خصت الهادوية عدم جواز الاسترقاق بذكور العرب دون إناثهم ومن أدلتهم على عدم جواز استرقاق الذكور من العرب أنه لو ثبت الاسترقاق لهم لوقع ولم يرد في وقوعه شيء على كثرة اسر العرب في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم فإن المكروه أيضا لابد أن يقع ولو لبيان الجواز ولا يجوز أن يخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ حكم الله
قال في المنار مستدلا على ما ذهب إليه الجمهور وقد استفتحت الصحابة أرض الشام وهم عرب وكذلك في أطراف بلاد العرب المتصلة بالعجم ولم يفتشوا العربي من العجمي والكتابي من الأمي بل سووا بينهم لم يرو عن أحد خلاف ذلك ثم ذكر قول أحمد ابن حنبل الذي ذكره المصنف ( والحاصل ) أنه قد ثبت في جنس أساري الكفار جواز القتل والمن والفداء والاسترقاق فمن ادعى أن بعض هذه الأمور تختص ببعض الكفار دون بعض لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ناهض يخصص العمومات والمجوز قائم في مقام المنع وقول علي وفعله عند بعض المانعين من استرقاق ذكور العرب حجة وقد اسيرق بني ناجية ذكورهم وإناثهم وباعهم كما هو مشهور في كتب السير والتواريخ وبنو ناجية من قريش فكيف ساغت لهم مخالفته
باب قتل الجاسوس إذا كان مستأمنا أو ذميا
1 - عن سلمة بن الأكوع قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عيين وهو في سفر فجلس عند بعض أصحابه يتحدث ثم انسل فقال ثم انسل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلبوه فاقتلوه فسبقتهم إليه فقتلته فنفلني سلبه "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود
2 - وعن فرات بن أبي حيان " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتله وكان ذميا وكان عينا لأبي سفيان وحليفا لرجل من الأنصار فمر بحلقة منالأنصار فقال إني مسلم فقال رجل من الأنصار يا رسول الله إنه يقول أنه مسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن منكم رجالا نكلهم إلي وإيمانهم منهم فرات بن حيان "
- رواه أحمد وأبو داود وترجمه بحكم الجاسوس الذمي
3 - وعن علي رضي الله عنه " بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتواروضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا اتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم "
- متفق عليه
- حديث فرات بن حيان في إسناده أبو همام الدلال محمد بن محبب ولا يحتج بحديثه وهو يرويه عن سفيان الثوري ولكنه قد روى الحديث المذكور عن سفيان بشر بن السري البصري وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه . ورواه عن الثوري أيضا عباد بن موسى الأزرق العباداني وكان ثقة
قوله : " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين " في رواية لمسلم أن ذلك كان في غزوة هوازن وسمي الجاسوس عينا لأن عمله بعينه أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا
قوله : " فنفلني " في رواية البخاري فنفله بالالتفات من ضمير المتكلم إلى الغيبة . وسبب قتله أنه أطلع على عورة المسلمين كما وقع عند مسلم من رواية عكرمة بلفظ فقيد الجمل ثم تقدم يتغذى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة في الظهر إذ خرج يشتد
وفي الحديث دليل على أنه يجوز قتل الجاسوس قال النووي فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي ينتقض عهده بذلك وعند الشافعية خلاف أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقا . وحديث فرات المذكور في الباب يدل على جواز قتل الجاسوس الذمي وذهبت الهادوية إلى أنه يقتل جاسوس الكفار والبغاة إذا كان قد قتل أو أو حصل القتل بسببه وكانت الحرب قائمة وإذا اختل شيء من ذلك حبس فقط
قوله : " وعن فرات " بضم الفاء وراء مهملة وبعد الألف تاء مثناة فوقية وهو عجلي سكن الكوفة وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يزل يغزو معه إلى أن قبض فنزل الكوفة
قوله : " روضة خاخ " بخائين معجمتين منقوطتين من فوق
قوله : " ظعينة " بالظاء المعجمة بعدها عين مهملة وهي المرأة
قوله : " من عقاصها " جمع عقيصة وهي الظفيرة من شعر الرأس وتجمع أيضا على عقص
قوله : " من حاطب " بحاء مهملة وبلتعة بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح اتاء المثناة من فوق بعدها عين مهملة
قوله : " أنه قد شهد بدرا " ظاهر هذا أن العلة في ترك قتله كونه ممن شهد بدرا وأولا ذلك لكان مستحقا للقتل ففيه متمسك لمن قال أنه يقتل الجاسوس ولو كان من المسلمين وقد روى ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة قال لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم ثم أعطاه امرأة من مزينة وذكر ابن إسحاق أن اسمها سارة وذكر الواقدي أن اسمها كنود وفي رواية له أخرى سارة وفي أخرى له أيضا أم سارة . وذكر الواقدي أن حاطبا جعل لها عشرة دنانير على ذلك وقيل دينارا واحدا
وقيل أنها كانت مولاة العباس قال السهيلي كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزيواسم أبي بلتعة عمرو وقيل كان أيضا حليفا لقريش وذكر يحيى بن سلام في تفسيره أن لفظ الكتاب أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده فانظروا لأنفسكم والسلام . كذا حكاه السهيلي وروى الواقدي بسند له مرسل إن حاطبا كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم وقد أحببت أن تكون لي عندكم يد
قوله " وما يدريك لعل الله " الخ هذه بشارة عظيمة لأهل بدر رضوان الله عليهم لم تقع لغيرهم والترجي المذكور قد صرح العلماء بأنه في كلام الله وكلام رسوله للوقوع وقد وقع عند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه أن الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم . وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعا لن يدخل النار أحد شهد بدرا وقد استشكل قوله اعملوا ما شئتم فإن ظاهره أنه للإباحة وهو خلاف عقد الشرع وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أي كل عمل كان لكم فهو مغفور ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي ولقال فسأغفر لكم وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب لأنه صلى الله عليه وآله وسلم خاطب به عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين فدل على أن المراد ما سيأتي وأورده بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه وقيل أن صيغة الأمر في قوله اعملوا للتشريف والتكريم فالمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السالفة وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت أي كل ما عملتموه بعد هذه الوقعة من أي عمل كان فهو مغفور وقيل أن المراد أن ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورة وقيل هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم وفيه نظر ظاهر لما وقع في البخاري وغيره في قصة قدامة بن مظعون من شربه الخمر في أيام عمر وأن عمر حده ويؤيد القول بأن المراد بالحديث أن ذنوبهم إذا وقعت تكون مغفورة ما ذكره البخاري في باب استتابة المرتدين عن أبي عبد الرحمن السلمي التابعي الكبير أنه قال لحبان بن عطية قد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء يعني عليا كرم الله وجهه
قال في الفتح واتفقوا أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها اه
باب أن عبد الكافر إذا خرج إلينا مسلما فهو حر
1 - عن ابن عباس قال " أعتق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الطائف من خرج إليه من عبيد المشركين "
- رواه أحمد
2 - وعن الشعيبي عن رجل من ثقيف قال " سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرد إلينا أبا بكرة وكان مملوكنا فأسلم قبلنا فقال لا هو طليق الله ثم طليق رسوله "
- رواه أبو داود
3 - وعن علي قال " خرج عبدان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم فقالوا والله يا محمد ما خرجوا إليك رغبة في دينك وإنما خرجوا هربا من الرقة فقال ناس صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم فغ ؟ ؟ صلى الله عليه وآله وسلم وقال ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا وأبى أن يردهم وقال هم عتقاء الله عز و جل "
- رواه أبو داود
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأخرجه أيضا ابن سعد من وجه آخر مرسلا وقصة أبي بكرة في تدليه من حصن الطائف مذكورة في صحيح البخاري في غزوة الطائف وحديث على أخرجه أيضا الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي وقال أبو بكر البزار لا نعلمه يروي عن علي بن أبي طالب إلا من حديث ربعي
قوله : " من عبيد المشركين " منهم أبو بكرة والمنبعث وكان عبدا لعثمان بن عامر بن معتب ومنهم مرزوق زوج سمية والدة زياد والأزرق وكان لكلدة الثقفي . وورد أن كان لعبيد الله بن ربيعة وبحنس وكان لابن مالك الثقفي وإبراهيم بن جارية وكان لخرشة الثقفي ويقال كان معهم زياد بن سمية والصحيح أنه لم يخرج حينئذ لصغره
وقد روي أنهم ثلاثة وعشرون عبدا من الطائف من جملتهم أبو بكرة كما ذكره البخاري في المغازي وفيه رد على من زعم أن أبا بكرة لم ينزل من سور الطائف غيره وهو شيء قاله موسى بن عقبة في مغازية وتبعه الحاكم وجمع بعضهم بين القولين أن أبا بكرة نزل وحده أولا ثم نزل الباقون بعده وهو جمع حسن : قوله " إن يرد إلينا أبا بكرة " اسمه نفيع بن الحرث وكان مولى الحرث بن كلدة الثقفي فتدلى من حصن الطائف ببكرة فكني أبا بكرة لذلك أخرج ذلك الطبراني بإسناد لا بأس به من حديث أبي بكرة
قوله : " عبدان " جمع عبد وفي أحاديث الباب دليل على أن من هرب من عبيد الكفار إلى المسلمين صار حرا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم هم عتقاء الله ولكن ينبغي للإمام أن ينجز عتقتهم كما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم في عبيد الطائف كما في حديث ابن عباس المذكور في الباب
باب أن الحربي إذا أسلم قبل القدرة عليه أحرز أمواله
1 - قد سبق قوله عليه السلام " فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالها إلا بحقها "
2 - وعن صخر بن عيلة " أن قوما من بني سليم فروا عن أرضهم حين جاء الإسلام فأخذتها فأسلموا فخاصموني فيها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فردها عليهم وقال إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وماله "
- رواه أحمد وأبو داود بمعناه وقال فيه فقال يا صخران القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم
3 - وعن أبي سعيد الأعشم " قال قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العبد إذا جاء فأسلم ثم جاء مولاه فأسلم إنه حر وإذا جاء المولى ثم جاء العبد بعد ما أسلم مولاه فهو أحق به "
- رواه أحمد في رواية أبي طالب وقال أذهب إليه قلت وهو مرسل
- الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله قد سبق الخ تقدم في أول كتاب الصلاة . وحديث صخر بن عيلة قال الحافظ في بلوغ المرام رجاله موثقون اه وعيلة بفتح العين المهملة وسكون التحتانية وهي أم صخر
وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي يعلى مرفوعا " من أسلم على شيء فهو له " وضعفه ابن عدي بياسين الزيات الرواي عن أبي هريرة قال البيهقي وإنما يروى عن ابن أبي مليكة وعن عروة مرسلا وفي الباب أيضا عن عروة مرسلا عند سعيد بن منصور برجال ثقات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاصر بني قريظة فأسلم ثعلبة وأسيد بن سعية فأحرز لهما إسلامها أموالهما وأولادهما لصغار
وأخرج ابن إسحاق في المغازي عن شيخ من بني قريظة أنه قال له هل تدري كيف كان إسلام ثعلبة وأسيد ونفر من هذيل لم يكونوا من بني قريظة والنضير كانوا فوق ذلك أنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان فأقام عندنا فوالله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس خيرا منه فقدم علينا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسنين وكان يقول أنه يتوقع خروج نبي قد أظل زمانه فذكر الحديث فلما كانت الليلة التي افتتح فيه قريظة قال أؤلئك الفتية الثلاثة يا معشر يهود والله إنه للرجل الذي كان ذكر لكم ابن الهيبان قالوا ما هو أياه قال بلى والله إنه لهو قال فنزلوا وأسلموا وكانوا شبابا فخلوا أموالهم وأولادهم وأهليهم في الحصن عند المشركين فلما فتح رد ذلك عليهم وأخرجه أيضا البيهقي وأسيد المذكور بفتح الهمزة وكسر السين وسعية بفتح السين المهملة وإسكان العين المهملة أيضا وفتح التحتية
وقيل بالنون بدل الياء قال النووي وهو تصحيف من بعض الفقهاء والهيبان بفتح الهاء والياء المثناة من تحت والباء الموحدة كذا ضبطه المطرزي في المغرب
وفي القاموس الهيبان بالتشديد وقد يخفف صحابي أسلم
قوله : " دماءهم وأموالهم " الظاهر أن الأموال تشمل المنقول وغير المنقول فيكون المسلم طوعا أحق بجميع أمواله وقد صرح بدخول الأرض في حديث صخر المذكور في الباب لقوله فيه " بأرضه وماله " وقد ذهب الجمهور إلى أن الحربي إذا أسلم طوعا كانت جميع أمواله في ملكه ولا فرق بين أن يكون إسلامه في دار السلام أو دار الكفر على ظاهر الدليل
وقال بعض الحنفية أن الحربي إذا أسلم في دار الحرب وأقام بها حتى غلب المسلمون عليها فهو أحق بجميع ماله إلا أرضه وعقاره فإنها تكون فيئا للمسلمين وقد خلافهم أبو يوسف في ذلك فوافق الجمهور وذهبت الهادوية إلى مثل ما ذهب إليه بعض الحنفية إذا كان إسلامه في دار الحرب قالوا وإن كان إسلامه في دار الإسلام كانت أمواله جميعها فيئا من غير فرق بين المنقول وغيره إلا أطفاله فإنه لا يجوز سبيهم ويدل على ما ذهب إليه الجمهور أنه صلى الله عليه وآله وسلم أقر عقيلا على تصرفه فيما كان لأخويه علي وجعفر وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدور والرباع بالبيع وغيره ولم يغير ذلك ولا أنتزعها ممن هي في يده لما ظفر فكان ذلك دليلا على تقرير من بيده دار أو أرض إذا أسلم وهي في يده بطريق الأولى وقد بوب البخاري على قصة عقيل هذه فقال باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم قال القرطبي يحتمل أن يكون مراد البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من على أهل مكة بأموالهم ودورهم قبل أن يسلموا فتقرير من أسلم يكون بطريق الأولى قوله " فأخذتها " الأخذ هو صخر المذكور
قوله : " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العبد " الخ فيه دليل على أن من أسلم من عبيد الكفار قبل إسلامهم صار حرا بمجرد إسلامه لما تقدم في الباب الأول أن العبيد الذين يفرون من دار الحرب إلى دار الإسلام عتقاء الله ومن أسلم بعد إسلام سيده كان مملوكا لسيده لإن إسلام السيد قد أحرز ماله ودمه والعبد من جملة أمواله ( والحديث ) المذكور وإن كان مرسلا إلا أنه يدل على معناه الحديث المتفق عليه الذي أشار إليه المصنف لقوله فيه " فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم " فلو حكم بحرية عبد الرجل المسلم إذا أسلم لكان بعض ماله خارجا عن العصمة وهكذا يدل على هذا المعنى حديث صخر المذكور وأحاديث الباب الأول تدل على ما دل عليه حديث أبي سعيد المذكور من أن عبد الحربي إذا أسلم صار حرا بإسلامه فقد دل على جميع ما اشتمل عليه من التفصيل غيره من الأحاديث فلا يضر إرساله
باب حكم الأرضين المغنومة
1 - عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما قرية أتيتموها فأقمتم فيها فسهمكم فيها وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ورسوله ثم هي لكم "
- رواه أحمد ومسلم
2 - وعن أسلم مولى عمر قال قال عمر " أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك أخر الناس بيانا ليس لهم من شيء ما فتحت على قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر ولكن أتركها خزانة لهم يقتسمونها "
- رواه البخاري
3 - وفي لفظ " قال لئن عشت إلى هذا العام المقبل لا تفتح للناس قرية إلا قسمتها بينهم كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر "
- رواه أحمد
4 - وعن بشير بن يسار عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أدركهم يذكرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما جمع كل سهم مائة سهم فجعل نصف ذلك كله للمسلمين فكان في ذلك النصف سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معها وجعل النصف الآخر لمن ينزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس "
- رواه أحمد وأبو داود
5 - وعن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة " قال قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر نصفين نصف لنوائبه وحوائجه ونصف بين المسلمين قسمها على ثمانية عشر سهما "
- رواه أبو داود
6 - وعن سعيد بن المسيب " أن رسول الله أفتتح بعض خيبر عنوة "
- رواه أبو داود
7 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منعت العراق درهما وقفيزها ومنعت الشام مديها ودينارها ومنعت مصر أردبها ودينارها وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود
- حديث بشر بن يسار سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا أبو داود عنهمن طريق أخرى أنه سمع نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا ذكر هذا الحديث قال فكان النصف سهام سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعزل النصف للمسلمين لما ينوبه من الأمور والنوائب وأخرجه أبو داود أيضا من طريق ثالثة عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا واسطة بأطول من اللفظين المذكورين سابقا وهو مرسل فإنه لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أدرك فتح خيبر . وحديث بشر أيضا الذي رواه من طريق سهل سكت عنه أبو داود والمنذري
قوله : " أيما قرية " الخ فيه التصريح بأن الأرض المغنومة تكون للغانمين قال الخطابي فيه دليل على أن أرض العنوة حكمها حكم سائر الأموال التي تغنم وإن خمسها لأهل الخمس وأربعة أخمماسها للغانمين قوله " ببانا " بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة وبعد الألف نون كذا للأكثر قال أبو عبيد بعد أن أخرجه عن ابن مهدي قال ابن مهدي يعني شيئا واحدا قال الخطابي ولا حسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث
وقال الأزهري بل هي لغة صحيحة لكنها غير فاشية هي لغة معد وقد صححها صاحب العين وقال ضوعفت حروفه يقال هم على بيان واحد وقال الطبري البيان المعدم الذي لا شيء له فالمعنى لولا أني أتركهم فقراء معدومين لا شيء لهم أي متساوين في الفقر وقال أبو سعيد الضرير فيما تعقبه على أبي عبيد صوابه بيانا بالموحدة ثم تحتانية بدل الثانية أي شيئا واحدا فإنهم قالوا لمن لا يعرف هو هيان بن بيان اه
وقد وقع من عمر ذكر هذه الكلمة في قصة أخرى وهو أنه كان يفضل في القسمة فقال لئن عشت لأجعلن للناس بيانا واحدا ذكره الجوهري وهو مما يؤيد تفسيره بالتسوية
قوله : " يقتسمونها " أي يقتسمون خراجها
قوله : " كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر " فيه تصريح بما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنه عارش ذلك عنده حسن النظر لآخر المسلمين فيما يتعلق بالأرض خاصة فوقفها على المسلمين وفرض عليها الخراج الذي يجمع مصلحتهم
وروى أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد فشاور في ذلك فقال لعلي رضي الله عنه دعه يكون مادة للمسلمين فتركه وأخرج أيضا من طريق عبد الله بن أبي قيس أن عمر أراد قسمة الأرض فقال له معاذ إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبيدون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة ويأتي قوم يسدون من الإسلام مسدا ولا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم فاقتضى رأي عمر تأخير قسم الأرض وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجيء بعدهم وقد اختلف في الأرض التي يفتتحها المسلمون عنوة
قال ابن المنذر ذهب الشافعي إلى أن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين افتتحوا أرض السواد وإن الحكم في أرض العنوة أن تقسم كما قسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيبر وتعقب بأنه مخالف لتعليل عمر بقوله لولا أن أترك آخر الناس الخ لكن يمكن أن يقال معناه لولا أن ترك آخر الناس ما استطابت أنفس الغانمين وأما قول عمر كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر فإنه يريد بعض خيبر لا جميعها هكذا قال الطحاوي وأشار إلى ما في ذلك حديث بشير بن يسار المذكور في الباب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عزل نصف خيبر لنوائبه وما بنزل به وقسم النصف الباقي بين المسلمين والمراد بالذي عزله ما افتتح صلحا وبالذي قسمه ما افتتح عنوة وقد اختلف في الأرض الذي أبقاها عمر بغير قسمة فذهب الجمهور إلى أنه وقفها لنوائب المسلمين وأجرى فيها الخراج ومنع بيعها وقال بعض الكوفيين أبقاها ملكا لمن كان بها من الكفرة وضرب عليهم الخراج قال في الفتح وقد اشتد نكير كثير من فقهاء أهل الحديث لهذه المقالة انتهى
وقد ذهب مالك إلى أن الأرض المغنومة لا يقسم بل تكون وقفا يقسم خراجها في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة وبناء القناطر والمساجد وغير ذلك من سبل الخير إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فإن له أن يقسم الأرض وحكى هذا القول ابن القيمعن جمهور الصحابة ورجحه وقال أنه الذي كان عليه سيرة الخلفاء الراشدين قال ونازع في ذلك بلاب وأصحابه وطلبوا أن يقسم بينهم الأرض التي فتحوها فقال عمر هذا غير المال ولكن أحبسه فيئا يجري عليكم وعلى المسلمين فقال بلال وأصحابه اقسمها بيننا فقال عمر اللهم أكفني بلالا وذويه فما حال الحول ومنهم عين تطرف ثم وافق سائر الصحابة عمر قال ولا يصح أن يقال أنه استطاب نفوسهم ووقفها برضاهم فإنهم نازعوه فيها وهو بأبى عليهم ثم قال ووافق عمر جمهور الأئمة وإن اختلفوا في كيفية إبقائها بلا قسمة فظاهر مذهب أحمد وأكثر نصوصه على أن الإمام مخير فيها تخيير مصلحة لا تخيير شهوة فإن كان الأصلح للمسلمين قسمتها قسمها وإن كان الأصلح أن يقفها على جماعتهم وقفها وإن كان الأصلح قسمة البعض ووقف البعض فعله فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل الأقسام الثلاثة فإنه قسم أرض قريظة والنضير وترك قسمة مكة وقسم بعض خيبر وترك بعضها لما ينوبه من مصالح المسلمين وفي رواية لأحمد أن الأرض تصير وقفا بنفس الظهور والاستيلاء من غير وقف من الإمام وله رواية ثالثة أن الإمام يقسمها بين الغانمين كما يقسم بينهم المنقول إلى أن يتركوا حقهم منها قال وهو مذهب الشافعي بناء من الشافعي على أن آية الأنفال وآية الحشر متواردتان وأن الجميع يسمى فيئا وغنيمة ولكنه يرد عليه أن ظاهر سوق آية الحشر أن الفيء غير الغنيمة وأن له مصرفا عاما ولذلك قال عمر أنها عمت الناس بقوله ( والذين جاؤا من بعدهم ) ولا يتأتى حصة لمن جاء من بعدهم إلا إذا بقيت الأرض محبسة للمسلمين إذ لو استحقها المباشرون للقتال وقسمت بينهم توارثها ورثة أولءك فكانت القرية والبلد تصير إلى امرأة واحدة أو صبي صغير ذهبت الحنفية إلى أن الإمام مخير بين القسمة بين الغانمين وأن يقرها لأربابها على خراج أو ينتزعها منهم ويقرها مع آخرين وعند الهادوية الإمام مخير بين وجوه أربعة معروفة في كتبهم
قوله : " افتتح بعض خيبر عنوة " العنة بفتح العين المهملة وسكون النون القهر
قوله : " وقفيزها " القفيز مكيال ثمانية مكاكيك قوله " ومنعت العراق مديها " المدي مائة مد وإثنان وتسعون مدا وهو صاع أهل العراق قوله " ومنعت مصر أردبها " بالراء والدال المهملتين بعدها موحدة قال في القاموس الأردب كقرشب مكيال ضخم بمصر ويضم أربعة وعشرون صاعا انتهى . قوله " وعدتم من حيث بدأتم " أي رجعتم إلى الكفر بع الإسلام وهذا الحديث من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وآله وسلم بما سيكون من ملك المسلمين هذه الأقاليم ووضعهم الجزية والخراج ثم بطلان ذلك إما بتغلبهم وهو أصح التأويلين وفي البخاري ما يدل عليه : ولفظ المنع في الحديث يرشد إلى ذلك وإما بإسلامهم ووجه الاستدلال المصنف بهذا الحديث على ما ترجم الباب به من حكم الأرضين المغنومة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم أن الصحابة يضعون الخراج على الأرض ولم يرشدهم إلى خلاف ذلك بل قرره وحكاه لهم
باب ما جاء في فتح مكة هل هو عنوة أو صلح
1 - عن أبي هريرة أنه ذكر فتح مكة فقال " أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل مكة فجعل الزبير على إحدى المجنبتين وبعث خالدا على المجنبة الأخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتيبته قال وقد بشت قريش أوباشها وقالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء لنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا قال أبو هريرة ففطن فقال لي أبا هريرة قلت لبيك يا رسول الله قال اهتف لي بالأنصار ولا يأتيني إلا أنصار ي فهتف بهم فجاؤا فطافوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال بيديه أحداهما على الأخرى احصدوا حصدا حتى توافوني بالصفا قال أبو هريرة فانطلقنا فما يشاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء إلا قتله وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فأغلق الناس أبوابهم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحجر فاستلمه ثم طاف في البيت وفي يده قوس وهو آخذ بسية القوس فأتى بطوافه على صنم إلى جنب البيت يعبدونه فأخذ يطعن به في عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل ثم أتى الصفا فعلا حيث ينظر إلى البيت فرفع يده فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه والأنصار تحته قال يقول بعضهم لبعض أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قال أبو هريرة وجاء الوحي وكان إذا جاء لم يخف علينا فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقضي فلما قضي الوحي رفع رأسه ثم قال يا معشر الأنصار أقلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قالوا قلنا ذلك يا رسول الله قال فما أسمى إذن كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم فأقبلوا إليه يبكون ويقولون والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن برسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصدقانكم ويعذرانكم "
- رواه أحمد زمسلم
2 - وعن أم هانئ " قالت ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب فسلمت عليه فقال من هذه فقلت أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال مرحبا يا أم هانئ فلما فرغ من غسله قام يصلي ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد فلما انصرف قلت يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلا قد أجرته فلان بن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ قالت وذلك ضحى "
- متفق عليه
وفي لفظ لأحمد " قالت لما كان يوم فتح مكة أجرت رجلين من أحمائي فأدخلتهما بيتا وأغلقت عليهما بابا فجاء ابن أمي علي فتفلت عليهما بالسيف " وذكرت حديث أمانهما
- قوله " على إحدى المجنبتين " بضم الميم وفتح الجيم وكسر النون المشددة قال في القاموس والمجنبة بفتح النون المقدمة والمجنبتان بالكسر الميمنة والميسرة انتهى . فالمراد هنا أنه صلى الله عليه وآله وسلم بعث الزبير إما على الميسرة أو على الميمنة وخالدا على الأخرى
قوله : " على الحسر " بضم الحاء المهملة وتشديد السين المهملة ثم راء جمع حاسر وهو من لا سلاح معه
قوله : " في كتيبته " هي الجيش قوله " وبشت قريش أوباشها " الأوباش بموحدة ومعجمة الأخلاط والسفلة كما في القاموس والمراد أن قريشا جمعت السفلة منها
قوله : " اهتف لي بالأنصار " أي اصرخ بهم قال في القاموس هتفت الحمامة تهتف صاتت وبه هتافا بالضم صاح
قوله : " ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى " فيه استعارة القول للفعل والمراد أنه أشار بيديه إشارة تدل على الأمر منه صلى الله عليه وآله وسلم بقتل من يعرض لهم من أوباش قريش . وقوله " احصدوهم حصدا " تفسير منه صلى الله عليه وآله وسلم لما دلت عليه الإشارة بالقول هكذا وقع عند المصنف فيما رأيناه من النسخ بدون لفظ أي المشعرة بأن ما بعدها تفسير للإشارة من الراوي ولفظ مسلم أي احصدوهم حصدا
قوله : " أبيدت خضراء قريش " في رواية " أبيحت " وخضراء قريش بالخاء والضاد المعجمتين بعدهما راء قال القاموس والخضراء سواد القوم ومعظمهم
قوله : " لا قريش بعد اليوم " يجوز في قريش الفتح لكنه يحتاج إلى تأويل أي لا أحد من قريش لأنه لا يفتح بعد لا إلا النكرة والرفع أيضا على أنها بمعنى ليس وهو شاذ حتى قيل أنه لم يرد إلا في الشعر
قوله : " بسية قوسه " سية القوس ما انعطف من الطرفين لأنهما متساويان وهي بكسر السين المهملة وفتح الياء التحتية وخففة
قوله : " على صنم إلى جنب البيت " في رواية البخاري أن الأصنان كانت ثلثماءة وستين
قوله : " يطعن " بضم العين وبفتحها والأول أشهر . قوله " ويقول جاء الحق " زاد في حديث ابن عمر عند الفاكهي وصححه ابن حبان فيسقط الصنم ولا يمسه وللفاكهي والطبراني من حديث ابن عباس قلم يبق لهم إبليس أقدامها بالرصاص وإنما فعل ذلك صلى الله عليه وآله وسلم لها إذلالا لها ولعابديها وإظهار لعدم نفعها لأنها إذا عجزت أن تدفع عن نفسها فهي عن الدفع عن غيرها أعجز
قوله : " الضن " بكسر الضاد المعجمة مشددة بعدها نون أي الشح والبخل أن يشاركهم أحد في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله " يصدقانكم ويعذرانكم " فيه جواز الجمع بين ضمير الله ورسوله وكذلك وقع الجمع بينهما في حديث النهي عن لحوم الحمر الأهلية بلفظ " إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية " فلا بد من حمل النهي الواقع في حديث الخطيب الذي خطب بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم فقال " من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوي " الحديث وقد تقدم على من اعتقد التسوية كما قدمنا ذلك في موضعه
قوله : " وعن أم هانئ " قد تقدم الكلام على أطراف من هذا حديث فيي صلاة الضحى
قوله : " زعم ابن أمي " في رواية للبخاري في أول كتاب الصلاة زعم ابن أبي والكل صحيح فإنه شقيقها وزعم هنا بمعنى ادعى قوله " إنه قاتل رجلا " فيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعل
قوله : " فلان بن هبيرة " بالنصب على البدل أو الرفع على الحذف
وفي رواية أحمد المذكورة رجلين من أحمائي وقد أخرجها الطبراني قال أبو العباس بن سريج هما جهدة بن هبيرة ورجل آخر من بني مخزوم وكانا فيمن قاتل خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان فأجارتهما أم هانئ وكانا من أحمائها وقال ابن الجوزي إن كان ابن هبيرة منهما فهو جعدة انتهى
قال الحافظ وجعدة معدود فيمن له رواية ولم يصح له صحبة وقد ذكره من حييث الرواية في التابعين البخاري وابن حبان وغيرهما فكيف يتهيألمن هذه سبيله في صغر السن أن يكون عام الفتح مقاتلا يحتاج إلى الأمان انتهى . وهبيرة المذكور هو زوج أم هانئ فلو كان الذي أمنته أم هانئ هو ابنها منه لم يهم علي بقتله لأنها كانت قد أسلمت وهرب زوجها وترك ولدها عندها وجوز ابن عبد البر يكون ابنا لهبيرة من غيرها مع نقله عن أهل النسب أنهم لم يذكروا الهبيرة ولدا من غير أن هانئ وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن اللذين أجارتهم أم هانئ هما الحرث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان وروى الأزرقي بسند فيه الواقدي في حديث أم هانئ هذا أنهما الحرث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة وحكي بعضهم أنهما الحرث بن هشام وهبيرة بن أبي وهب وليس بشيء لأن هبيرة هرب بعد فتح مكة إلى نجران فلم يزل بها مشركا حتى مات كذا جزم به ابن إسحاق وغيره فلا يصح ذكره فيمن أجارته أم هانئ وقال الكرماني قال الزبير بن بكار فلان بن هبيرة هو الحرث بن هشام
قال الحافظ والذي يظهر لي أن في رواية الحديث حرفا كان فيه فلان ابن عم ابن هبيرة فسقط لفظ عم أو كان فيه فلان قريب ابن هبيرة فتغير لفظ قريب إلى لفظ ابن وكل من الحرث بن هشام وزهير بن أبي أمية وعبد الله بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه ابن عم هبيرة وقريبه لكون الجميع من بني مخزوم
وقد تمسك بحديث أبي هريرة وحديث أم هانئ من قال أن مكة فتحت عنوة ومحل الحجة من الأول أمره صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار بالقتل لأوباش قريش ووقوع القتل منهم ومحل الحجة من الثاني ما وقع من علي من أراد قتل من أجارته أم هانئ ولو كانت مكة مفتوحة صلحا لم يقع منه ذلك وسيأتي ذكر الخلاف وما هو الحق في ذلك
3 - وعن هشام بن عروة عن أبيه قال " لما سار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح فبلغ ذلك قريشا خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم ابن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتوا مر الظهران فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذوهم وأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم أبو سفيان فلما سار قال للعباس أحبس أبا سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر كتيبة بعد كتيبة على أبي سفيان حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها قال يا عباس من هذه قال هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة ومعه الراية فقال سعد بن عبادة يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان يا عباس حبذا يوم الذمار ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وراية النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الزبير بن العوام فلما مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبي سفيان قال ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال ما قال قال قال كذا وكذا فقال كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ترجز رايته بالحجون قال عروة فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس يقول للزبير بن العوام يا أبا عبد الله ههنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تركز الراية قال نعم قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ خالد بن الولييد أن يدخل من أعلى مكة من كداء ودخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كدي "
- رواه البخاري
- قوله " عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما سار " الخ هكذا أورده البخاري مرسلا قال في الفتح ولم أره في شيء من الطرق موصولا عن عروة ولكن آخر الحديث موصول لقول عروة فيه أخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس الخ قوله " فبلغ ذلك قريشا " يحتمل أن يكون ذلك بطريق الظن لا أن مبلغ بلغهم حقيقة ذلك
قوله : " حتى أتوا من الظهران " بفتح الميم وتشديد الراء مكان معروف والعامة تقول بسكون الراء وزيادة واو والظهران بفتح المعجمة وسكون الهاء بلفظ نثنية ظهر قوله " فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذوهم " الخ في رواية ابن إسحاق فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر الظهران قال العباس والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش قال فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى جئت الأراك فقلت لعلي أجد بعض الحطابة أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم إذا سمعت كلام أبا سفيان وبديل بن ورقاء قال فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة قال فعرف صوتي فقال أبو الفضل قلت نعم قال ما الحيلة قلت فأركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأستأمنه لك قال فركب خلفه ورجع صاحباه وهذا مخالف لما في حديث الباب أنهم أخذوهم
وفي رواية ابن عائذ فدخل بديل وحكيم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلما
قال في الفتح فيحمل قوله ورجع صاحباه أي بعد أن أسلما واستمر أبو سفيان عند العباس لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له أن يحبسه حتى يرى العساكر ويحتمل أن يكونا رجعا لما التقى العباس بأبي سفيان فأخذهما العسكر أيضا وفي مغازي موسى بن عقبة فلقيهم العباس فأجارهم وأدخلهم على صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم بديل وحكيم وتأخر أبو سفيان بإسلامه إلى الصبح ويجمع بين الروايات أن الحرس أخذوهم فلما رأوا أبا سفيان مع العباس تركوه معه . قوله " احبس أبو سفيان " في رواية موسى بن عقبة أن العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني لا آمن أن يرجع أبو سفيان فيكفر فأحبسه بالمضيق دون الأراك حتى يرى جنود الله ففعل فقال أبو سفيان أغدر يا بني هاشم قال له العباس لا ولكن لي إليك حاجة فتصبح فتنظر جنود الله وما أعد الله للمشركين فحبسه بالمضيق دون الأراك حتى أصبحوا . قوله " عند خطم الجبل " في رواية النفسي والقابسي بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة وبالجيم والموحدة أي أنف الجبل وهي رواية ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي وفي رواية الأكثر بفتح المهملة من اللفظة الأولى وبالخاء المعجمة وسكون التحتانية من الثانية أي إزدحامها وإنما حبسه هناك لكونه كان مضيقا ليرى الجميع ولا تفوته رؤية أحد منهم
قوله : " كتيبة " بوزن عظيمة وهي القطعة من الجيش من الكتب وهو الجمع
قوله : " ومعه الراية " أي راية الأنصار وكانت راية المهاجرين مع الزبير كما هو مذكور في آخر الحديث
قوله : " يوم الملحمة " بالحاء المهملة أي يوم الحرب لا يوجد منه مخلص أو يوم القتل يقال لحم فلان فلانا إذا قتله
قوله : " يوم الذمار " بكسر المعجمة وتخفيف الميم أي الهلاك قال الخطابي تمنى أبو سفيان أن تكون له يد فيحمي قومه ويدفع عنهم وقيل المراد هذا يوم الغضب للحريم والأهل وقيل المراد هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني فيه مكروه
قوله : " وهي أقل الكتائب " أي أقلها عددا لأن عدد المهاجرين كان أقل من عدد غيرهم من القبائل
وقال القاضي عياض وقع للجميع بالقاف ووقع في الجمع للحميدي أجل بالجيم
قوله : " كذب سعد " فيه إطلاق الكذب على الأخبار بغير ما سيقع ولو قاله القائل بناء على ظنه وقوة القرينة والخلاف في ماهية الكذب معروف قوله " يعظم الله فيه الكعبة " وهذا إشارة إلى ما وقع من إظهار الإسلام وأذان بلال على ظهر الكعبة وإزالة الأصنام عنها ومحو ما فيها من الصور وغير ذلك
قوله : " ويوم تكسي فيه الكعبة " قيل أن قريشا كانت تكسوا الكعبة في رمضان فصادف ذلك اليوم أو المراد باليوم الزمان أو أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنه هو الذي يكسوها في ذلك العام
قوله : " بالحجون " بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة وهو مكان معروف بالقرب من مقبرة مكة قوله " فأخبرني نافع بن جبير " لم يدرك نافع يوم الفتح ولعله سمع العباس يقول للزبير ذلك في حجة اجتمعوا فيها بعد أيام النبوة فإن نافعا لا صحبة له
قوله : " قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ القائل هو عروة وهو من بقية الخبر المرسل وليس فيه من المرفوع إلا ماصرح بسماعه من نافع وأما باقيه فيحتمل أن يكون عروة تلقاه عن أبيه أو عن العباس فإنه أدركه وهو صغير أو جمعه من نقل جماعة له بأسانيد مختلفة قال الحافظ وهو الراجح
قوله : " من كداء " بالمد مع فتح الكاف والآخر بضم الكاف والقصر والأول يسمى المعلى والثاني الثنية السفلى وهذا يخالف ما وقع في سائر الأحاديث في البخاري وغيره أن خالدا دخل من أسفل مكة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم من أعلاها وأمر الزبير أن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه وبعث خالدا في قبائل قضاعة وسليم وغيرهم وأمرهم أن يدخل من أسفل مكة وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت وتمام الحديث المذكور في الباب فقتل من خيل خالد يومئذ رجلان كما في صحيح البخاري وكان على المصنف أن يذكر ذلك لأنه يدل على ما ترجم الباب به وفي مغازي موسى بن عقبة أنه قتل من المشركين يومئذ نحو عشرين رجلا قتلهم أصحاب خالد وذكر ابن سعدان عدة من أصيب من الكفار أربعة وعشرون رجلا
وروى الطبراني من حديث ابن عباس قال " خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله حرم مكة " الحديث " فقيل له هذا خالد بن الوليد يقتل فقال قم يافلان فقل له فليرفع القتل فأتاه الرجل فقال له أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لك أقتل من قدرت عليه فقتل سبعين ثم اعتذر الرجل إليه فسكت " قال وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأمراء أن لا يقتلوا إلا من قاتلهم غير أنه كان أهدر دم نفر سماهم انتهى
4 - وعن سعد قال " لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وسماهم "
- رواه النسائي وأبو داود
5 - وعن أبي بن كعب قال " لما كان يوم أحد قتل من الأنصار ستون رجلا ومن المهاجرين ستة فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنربين عليهم كان يوم الفتح قال رجل لا يعرف لا قريش بعد اليوم فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمن الأسود والأبيض إلا فلانا وفلانا ناس سماهم فأنزل الله عز و جل وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصبر ولا نعاق "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند وقد سبق حديث أبي هريرة وأبي شريح إلا أن فيهما " وإنما أحلت لي ساعة من نهار " وأكثر هذه الأحاديث تدل على أن الفتح عنوة
6 - وعن عائشة قالت " قلنا يا رسول الله ألا تبني بيتا بمنى يظلك قال لامنى مناخ لمن سبق "
- رواه الخمسة إلا النسائي
وقال الترمذي حديث حسن
7 - وعن علقمة بن نضلة قال " توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعي رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى أسكن "
- رواه ابن ماجه
- حديث سعد أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وتمامه اقتلوهم وإن وجدتموهم معلقين بستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل من بني غنم ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو معلق بأستار الكعبة فاستبق سعيد بن الحرث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمار وكان أشب الرجلين فقتله الحديث بطوله من طريق عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد المخزومي عن جده عن أبيه وفيه وأما ابن خطل فقتله الزبير بن العوام وجزم أبو نعيم في المعرفة بأن الذي قتله هو أبو برزة وذكر ابن هشام أن عبد الله بن خطل قتله سعيد بن حريث وأبو الأسلمي اشتركا في دمه وذكر ابن حبيب أنه أمر بقتل هند بنت عتبة وقريبة بالقاف والموحدة وسارة فقتلتا وأسلمت هند وذكر ابن إسحاق أن سارة أمنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن استؤمن لها ومنهم الحويرث بن نقيد بنون وقاف مصغرا وهبار بن الأسود وفرتنا بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والتاء المثناة الفوقية والنون وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحرث بن طلاطل الخزاعي وذكر الحاكم ممن أهدر دمه كعب بن زهير ووحشي بن حرب وأرنب مولاة ابن خطل وقد ذكر الحافظ في الفتح جملة من لم يؤمنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائهم فكانوا ثمانية رجال وست نسوة منهم من أسلم ومنهم من قتل ومنهم من هرب . وحديث أبي أخرجه أيضا الترمذي وقال حسن غريب من حديث أبي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة في الفوائد وابن حبان والطبراني وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل . وحديث أبي هريرة وأبي شريح تقدما في باب هل يستوفي القصاص والحدود في الحرم من كتاب الدماء . وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه عن أم مسيكية وذكر غيرهما أنها مكية وحديث علقمة بن نضلة رجال إسناده ثقات فإن ابن ماجه قال حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة قال حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد وعثمان بن أبي حسين عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة فذكره وعمر بن سعيد وعثمان بن أبي سليمان ثقتان وأما أبو بكر وعيسى فمن رجال الصحيح
قوله : " لنربين " أي لنزيدن عليهم وفي حديث سعد وحديث أبي بن كعب دليل على أن مكة فتحت صلحا وقد اختلف أهل اعلم في ذلك فذهب الأكثر إلى أنها فتحت عنوة وعن الشافعي ورواية عن أحمد أنها فتحت صلحا لما ذكر في حديث الباب من التأمين ولأنها لم تقسم ولأن الغانمين لم يملكوا دورها والألجاز إخراج أهل الدور منها وحجة الأولين ما وقع من التصريح بالأمر بالقتال ووقوعه من خالد بن الوليد وتصريحه صلى الله عليه وآله وسلم بأنها أحلت له ساعة من نهار ونهيه عن التأسي به في ذلك كما وقع جميع ذلك في الأحاديث المذكورة في الباب تصريحا وإشارة وأجابوا عن ترك القسمة بأنها لا تستلزم عدم العنوة فقد تفتح البلد عنوة ويمن على أهلها وتترك لهم دورهم وغنائمهم ولأن قسمة الأرض المغنومة ليس متفق عليها بل الخلاف ثابت عن الصحابة فمن بعدهم وقد فتحت أكثر البلاد عنوة فلم تقسم وذلك في زمن عمر وعثمان مع وجود أكثر الصحابة وقد زادت مكة عن ذلك بأمر يمكن يدعي اختصاصها به دون بقية البلاد وهي أنها دار النسك ومتعبد الخلق وقد حعلها الله تعالى حرما سواء العاكف فيه والباد وأما قول النووي احتج الشافعي بالأحاديث المشهورة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة ففيه نظر لأن الذي أشار إليه إن كان مراده ما وقع من قوله صلى الله عليه وآله وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن كما تقدم وكذا من دخل المسجد كما عند أبي إسحاق فإن ذلك لا يسمى صلحا إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكف عن القتال والذي ورد في الأحاديث الصحيحة ظاهر في أن قريشا لم يلتزموا ذلك لأنهم استعدوا للحربكما تقدم في حديث أبي هريرة أن قريشا وبشت أوباشا فإن كان مراده بالصلح وقوع عقده فهذا لم ينقل كما قال الحافظ قال ولا أظنه عني إلا الاحتمال الأول أعني قوله من دخل دار أبي سفيان فهو آمن
وتمسك أيضا من قال إنه أمنهم بما وقع عند أبي إسحاق في سياق قصة الفتح فقال العباس لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة يخبرهم بما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة ثم قال في القصة بعد قصة أبي سفيان من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وغلى المسجد وعند موسى بن عقبة في المغازي وهي أصح ما صنف في ذلك كما قال الحافظ وروي ذلك عن الجماعة ما نصه أن أبا سفيان وحكيم بن حزام فادع الناس بالأمان أرأيت إن أعتزلت قريش وكفت أيديها آمنون هم قال من كف يده وأغلق داره فهو آمن قالوا فابعثنا نؤذن بذلك فيهم قال فانطلقوا فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل دار حكيم فهو آمن ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفلها فلما توجها قال العباس يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان أن يرتد فرده حتى تريه جنود الله قال افعل فذكر القصة وفي ذلك تصريح بعموم التأمين فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة ثم قال الشافعي كانت مكة مؤمنة ولم يكن فتحها عنوة والأمان كالصلح وأما الذين تعرضوا للقتال والذين استثنوا من الأمان وأمر أن يقتلوا ولو تعلقوا بأستار الكعبة فلا يستلزم ذلك أنها فتحت عنوة ويمكن الجمع بين حديث أبي هريرة في أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالقتال وبين حديث عروة المتقدم المصرح بتأمينه صلى الله عليه وآله وسلم لهم وكذلك حديث سعد وحديث أبي بن كعب المذكوران بأن يكون التأمين علق على شرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال فلما تفرقوا إلى دورهم ورضوا بالتأمين المذكور لم يستلزم أن أوباشهم الذين لم يقبلوا ذلك وقاتلوا خالد بن الوليد ومن معه حتى قاتلهم وهزمهم ان تكون البلد فتحت عنوة لأن العبرة بالأصول لا بالإتباع وبالأكثر لا بالأقل كذا قال الحافظ في الفتح ويجاب عنه بما تقدم في أول الباب من حديث أبي هريرة أن قريشا وبشت أوباشا لها وقالوا نقدم هؤلاء الخ فإنه يدل على أن غير الأوباش لم يرضوا بالتامين بل وقع التصريح في ذلك الحديث بأنهم قالوا فإن كان للأوباش شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا ومما احتج به الشافعي ما وقع في سنن أبي داود بإسناد حسن عن جابر أنه سئل هل غنمتم يوم الفتح شيئا قال لا ويجاب بأن عدم الغنيمة لا يستلزم عدم العنوة لجواز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عليهم بالأموال كما من عليهم بالأنفس حيث قال إذهبوا فأتنم الطلقاء
ومن أوضح الأدلة على أنها فتحت عنوة قوله صلى الله عليه وآله وسلم " وإنما أحلت لي ساعة من نهار " فإن هذا تصريح بأنها أحلت له في ذلك يسفك بها الدماء وإن حرمتها ذهبت فيه وعادت بعده ولو كانت مفتوحة صلحا لما كان لذلك معنى يعتد به وقد وقع في مسند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن تلك الساعة استمرت من صبيحة يوم الفتح إلى العصر واحتجت طائفة منهم الماوردي إلى أن بعضها فتح عنوة لما وقع من قصة خالد بن الوليد وقرر ذلك الحاكم في الإكليل وفيه جمع بين الأدلة
قال الحافظ في الفتح والحق أن صورة فتحها كان عنوة ومعاملة أهلها معاملة من دخلت بإمان ومنع قوم منهم السهيلي ترتيب عدم قسمتها وجواز بيع دورها وإجارتها على أنها فتحت صلحا وذكر المصنف رحمه الله لحديث عائشة وحديث علقمة بن نضلة في أحاديث الباب يشعر بأنه من القائلين بالترتب ولا وجه لذلك لأن الإمام مخير بين قسمة الأرض المغنومة بين الغانمين وبين إبقائها وقفا على المسلمين ويلزم من ذلك منع بيع دورها وأجارتها وأيضا قد قال بعضهم لا تدخل الأرض في حكم الأموال لأن من مضى كانوا إن غلبوا على الكفار لم يغنموا إلا الأموال وتنزل النار فتأكلها وتصير الأرض لهم عموما كما قال تعالى { ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } الآية وقال تعالى { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها } الآية
باب بقاء الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام وأن لا هجرة من دار أسلم أهلها
1 - عن سمرة بن جندب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله "
- رواه أبو داود
2 - وعن رير بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود فاسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرهم بنصف العقل وقال أنا برئمن كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا يا رسول الله ولم قال لا تتراءى نارهما "
- رواه أبو داود والمنذري
3 - وعن معاوية قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها "
- رواه أحمد وأبو داود
4 - وعن عبد الله بن السعدي " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو "
- رواه أحمد والنسائي
5 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا "
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه لكن له منه " إذا استنفرتم فانفروا " وروت عائشة مثله متفق عليه
6 - وعن عائشة وسئلت عن الهجرة فقالت " لا هجرة اليوم كان المؤمن يفر بدينه إلى الله ورسوله مخافة أن يفتن فأما اليمو فقد أظهر الله الإسلام والمؤمن بعبد ربه حيث شاء "
- رواه البخاري
7 - وعن مجاشع بن مسعود أنه جاء بأخيه مجالد بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال " هذا مجالد جاء يبايعك على الهجرة فقال لا هجرة بعد فتح مكة ولكن أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد "
- متفق عليه
- حديث سمرة قال الذهبي إسناده مظلم لا تقوم بمثله حجة . وحديث جرير أخرجه أيضا ابن ماجه ورجال إسناده ثقات ولكن صحح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والدارقطني إرساله إلى قيس بن أبي حازم ورواه الطبراني أيضا موصولا وحديث معاوية أخرجه أيضا النسائي قال الخطابي إسناده فيه مقال . وحديث عبد الله السعدي أخرجه أيضا ابن ماجه وابن منده والطبراني والبغوي وابن عساكر
قوله : " فهو مثله " فيه دليل على تحريم مساكنة الكفار ووجوب مفارقتهم والحديث وإن كان فيه المقال المتقدم لكن يشهد لصحته قوله تعالى { فلا تقعدوا معهم إنكم إذا مثلهم } وحديث بهز بن خكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده مرفوعا " لا يقبل الله من مشرك عملا بعد ما أسلم أو يفارق المشركين " قوله " لا تتراءى نارهما " يعني لا ينبغي أن يكونا بموضع بحيث تكون نار كل واحد منهما في مقابلة الأخرى على وجه لو كانت متمكنة من الإبصار لأبصرت الأخرى فإثبات الرؤية للنار مجاز
قوله : " ما قوتل العدو " فيه دليل على أن الهجرة باقية ما بقيت المقاتلة للكفار
قوله : " لا هجرة بعد الفتح " أصل الهجرة هجرة الوطن وأكثر ما تطلق على من رحل من البادية إلى القرية
قوله : " ولكن جهاد ونية " قال الطيبي وغيره هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة إنقطعت إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك
قوله : " إذا استنفرتم فانفروا " قال النووي أن الخير الذي انقطع بإنقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة و إذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه
قال الطيبي أن قوله ولكن جهاد الخ معطوف على محل مدخول لا هجرة إلى الهجرة من الوطن أما للفرار من الكفار أو إلى الجهاد أو إلى غير ذلك كطلب العلم فانقطعت الأولى وبقيت الأخريان فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما بل إذا استنفرتم فانفروا
قال الحافظ وليس الأمر في انقطاع الهجرة من الكفار على ما قال انتهى
وقد اختلف في الجمع بين أحاديث الباب فقال الخطابي وغيره كانت الهجرة فرضا من أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم للاجتماع فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو انتهى
قال الحافظ وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من اذى من يؤذيه من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه وفيهم نزلت { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } الآية وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها
وقال الماوردي إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام فالإقامة فيها أفضل من الرحلة عنها لما يترجى من دخول غيره الإسلام ولا يخفى ما في هذا الرأي من المصادمة لأحاديث الباب القاضية بتحريم الإقامة في دار الكفر
وقال الخطابي أيضا أن الهجرة أفترضت لما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل انقطعت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب
وقال البغوي في شرح السنة يحتمل الجمع بطريق أخرى فقوله لا هجرة بعد الفتح أي من مكة إلى المدينة . وقوله " لا تنقطع " أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الإسلام قال ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله لا هجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن فقوله لا تنقطع أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الأعراب ونحوهم وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ " انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار " أي ما دام في الدنيا دار كفر فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن على دينه ومفهومه أنه لو قدر أن لا يبقى في الدنيا دار كفر إن الهجرة تنقطع لإنقطاع موجبها وأطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة بغير عذر كان كافرا
قال الحافظ وهو إطلاق مردود
وقال ابن العربي الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام وكانت فرضا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستمرت بعده لمن خاف على نفسه والتي انقطعت أصلا هي القصد إلى حيث كان وقد حكى في البحر أن الهجرة عن دار الكفر واجبة إجماعا حيث حمل على معصية أو ترك أو طلبها الإمام بقوته لسلطانه وقد ذهب جعفر بن مبشر وبعض الهادوية إلى وجوب الهجرة عن دار الفسق قياسا على دار الكفر وهو قياس مع الفارق والحق عدم وجوبها من دار الفسق لأنها دار إسلام وإلحاق دار الإسلام بدار الكفر بمجرد وقوع المعاصي فيها على وجه الظهور ليس بمناسب لعلم الرواية ولا لعلم الدراية . وللفقهاء في تفاصيل الدور والأعذار المسوغة لترك الهجرة مباحث ليس هذا محل بسطها
أبواب الأمان والصلح والمهادنة
باب تحريم الدم بالأمان وصحته من الواحد
1 - عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به "
- متفق عليه
2 - عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكل غادر لواء يوم القيانة يرفع له بقدر غدرته إلا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة "
- رواه أحمد ومسلم
3 - وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم "
- رواه أحمد
4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أن المرأة لتأخذ للقوم يعني تجير على المسلمين "
- رواه الترمذي وقال حسن غريب
- حديث علي تقدم في أول كتاب الدماء وقد أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وأخرجه أيضا أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ " يد المسلمين على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويجير عليهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم " ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر مطولا ورواه ابن ماجه من حديث معقل بن يسار مختصرا بلفظ " المسلمون يد على سواهم تتكافأ دماؤهم " ورواه الحاكم عن أبي هريرة مختصرا بلفظ " المسلمون تتكافأ دماؤهم " ورواه من حديثه أيضا مسلم بلفظ " إن ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " وهو متفق عليه أيضا من حديث علي من طريق أخرى بأطول من هذا
وأخرجه البخاري من حديث أنس وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث أبي عبيدة بلفظ " يجير على المسلمين بعضهم " وفي إسناده حجاج بن أرطأة وهو ضعيف
وأخرجه أيضا أحمد من حديث أبي أمامة بنحوه
وأخرجه أيضا الطيالسي في مسنده من حديث عمرو ابن العاص بلفظ " يجير على المسلمين أدناهم " ورواه أحمد من حديث أبي هريرة وحديث أبي هريرة المذكور في الباب رواه الترمذي من طريق يحيى بن أكثم حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة فذكره ثم قال وفي الباب عن أم هانئ وهذا حديث حسن غريب انتهة
وقد تقدم حديث أم هانئ قريبا
وأخرج أبو داود والنسائي عن عائشة قالت إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز
قوله : " يعرف به " في رواية للبخاري ينصب وفي إخراج له يرى . ولمسلم من حديث أبي سعيد عند أستة قال ابن منير كأنه عومل بنقيض قصده لأن عادة اللواء أن يكون على الرأس فنصبه عند السفل زيادة في فضيحته لأن الأعين غالبا تمتد إلى الألوية فيكون ذلك سببا لامتدادها للذي بدأت له ذلك اليوم فيزداد بها فضيحة . قوله " بقدر غدرته " قال في القاموس والغدرة بالضم والكسر ما أغدر من شيء
قال القرطبي هذا خطاب منه للعرب بنحو ما كانت تفعل لأنهم كانوا يرفعون للوفاءراية بيضاء وللغدر راية سوداء ليلوموا الغادر ويذموه فاقتضى الحديث وقوع مثل ذلك للغادر ليشتهر بصفته في القيامة فيذمه أهل الموقف وقد زاد مسلم في رواية له " يقال هذه غدرة فلان " قال في الفتح وأما الوفاء فلم يرد فيه شيء ولا يبعد أن يقع كذلك وقد ثبت لواء الحمد لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وفي حديث أنس وحديث أبي سعيد دليل على تحريم الغدر وغلظه ولا سيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى صرره إلى خلق كثير ولأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء قال القاضي عياض المشهوران هذا الحديث ورد في ذم الإمام إذا غدر في عهود لرعيته أو لمقابلة أو للأمامة التي تقلدها والتزم القيام بها فمن حاف فيها أو ترك الرفق فقد غدر بعهده وقيل المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام فلا تخرج عليه ولا تتعرض لمعصية لما يترتب على ذلك من الفتنة قال والصحيح الأول
قال الحافظ ولا أدري ما المانع من حمل الخبر على أعم من ذلك . وحكي في الفتح في موضع آخر أن الغدر حرام بالاتفاق سواء كان في حق المسلم أو الذمي
قوله : " يسعى بها أدناهم " أي أقلهم فدخل كل وضيع بالنص وكل شريف بالفحوى ودخل في الأدنى المرأة والعبد والصبي والمجنون فأما المرأة فيدل على ذلك حديث أبي هريرة وحديث أم هانئ المتقدم قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة إلا شيئا ذكره عبد الملك ابن الماجشون صاحب مالك لا أحفظ ذلك عن غيره قال أن أمر الأمان إلى الأمام وتأول ما ورد مما يخالف ذلك على قضايا خاصة قال ابن المنذر وفي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " يسعى بذمتهم أدناهم " دلالة على إغفال هذا القائل قال في الفتح وجاء عن سحنون مثل قول ابن الماجشون فقال هو إلى الأمام إن أجازه جاز وإن رده رد انتهى
وأما العبد فأجاز الجمهور امانه قاتل أو لم يقاتل وقال أبو حنيفة أن قاتل جاز أمانه وإلا فلا وقال سحنون إن إذن له سيده في القتال صح أمانه وإلا فلا
وأما الصبي فقال ابن المنذر أجمع أهل العلم أن أمان الصبي غير جائز قال الحافظ وكلام غيره يشعر بالتفرقة بين المراهق وغيره وكذا المميز الذي يعقل والخلاف عن المالكية والحنابلة وأما المجنون فلا يصح أمانه بلا خلاف كالكافر لكن قال الأوزاعي إن غزا الزمن مع المسلمين فأمن أحدا فإن شاء الإمام أمضاه وإلا فليرده إلى مأمنه . وحكى ابن المنذر عن الثوري أنه استثنى من الرجال الأحرار الأسير في أرض الحرب فقال لا ينفذ أمانه وكذلك الأجير
باب ثبوت الأمان للكافر إذا كان رسولا
1 - عن ابن مسعود قال " جاء ابن النواحة وابن أثال رسولا مسيلمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها أتشهد أن أني رسول الله قالا نشهد أن مسيلمة رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمنت بالله ورسوله لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما قال عبد الله فمضت السنة أن الرسل لا تقتل "
- رواه أحمد
2 - وعن نعيم بن مسعود الأشجعي قال " سمعت حين قريء كتاب مسيلمة الكذاب للرسولين فما تقولان أنتما نقول كما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما "
- رواه أحمد وأبو داود
3 - وعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال بعثتني قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقع في قلبي الإسلام فقلت يا رسول الله لا أرجع إليهم قال إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن أرجع إليهم فإن كان في قلبك الذي فيه الأن فارجع "
- رواه أحمد وأبو داود وقال هذا كان في ذلك الزمان اليوم لا يصلح . ومعناه والله أعلم أنه كان في المرة التي شرط لهم فيها أن يرد من جاءه منهم مسلما
- حديث ابن مسعود أخرجه أيضا الحاكم وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي مختصرا . وحديث نعيم بن مسعود سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص وأخرج أبو نعيم في الصحابة أن مسليمة بعث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة وتين وابن شغاف الحنفي وابن النواحة فأما وتين فأسلم وأما الآخران فشهدا أنه رسول الله وأن مسيلمة من بعده فقال خذوهما فأخذا فخرجوا بهما إلى البيت فحبسا فقال رجل هبهما لي يا رسول الله ففعل . وحديث أبي رافع أخرجه أيضا النسائي وصححه ابن حبان
قوله : " ابن النواحة " بفتح النون وتشديد الواو وبعد الألف مهملة وفي سنن أبي داود من طريق حارثة بن مضرب أنه أتى عبد الله يعني ابن مسعود فقال ما بيني وبين أحد من العري حنة وإني مررت بمسجد لبني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة فأرسل إليهم عبد الله فجيء بهم فاستتابهم غير ابن النواحة قال له سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لولا أنك رسول لضربت عنقك فأنت اليوم لست برسول فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق ثم قال من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلا في السوق
قوله : " وابن أثال " بضم الهمزة وبعددها مثلثة
قوله : " لا أخيس " بالخاء المعجمة والسين المهملة بينهما مثناة تحتية أي لا أنقض العهد من خاس الشيء في الوعاء إذا فسد
قوله : " ولا أحبس " بالحاء المهملة والموحدة ( والحديثان ) إلا ولإن يدلان على تحريم قتل الرسل الواصلين من الكفار وأن تكلموا بكلمة الكفر في حضرة الإمام أو سائر المسلمين ( والحديث ) الثالث فيه دليل على أنه يجب الوفاء بالعهد للكفار كما يجب للمسلمين لأن الرسالة تقتضي جوابا يصل على يد الرسول فكان ذلك بمنزلة عقد العهد
باب ما يجوز من الشروط مع الكفار ومدة المهادنة وغير ذلك
1 - عن حذيفة بن اليمان " قال ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي الحسيل قال فأخذنا كفار قريش فقالوا أنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريده وما نريد إلا الندينة قال فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننطلق إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرناه الخبر فقال انصرفا نفى لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم "
- رواه أحمد ومسلم . وتمسك به من رأي يمين المكره منعقدة
2 - وعن أنس " أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاشترطوا عليه أن من جاء منكم لا ترده ترده عليكم ومن جاء رددتموه علينا فقالوا يا رسول الله أنكتب هذا قال نعم إنه من ذهب منا إليه فأبعده الله ومن جاء منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا "
- رواه أحمد ومسلم
- قوله " وأبي الحسيل " بضم الحاء المهملة وفتح السين المهملة أيضا وسكون الياء بلفظ التصغير وهو والد حذيفة فيكون لفظ الحسيل عطف بيان
قوله : " فاشترطوا عليه إن من جاء منكم " الخ في لفظ البخاري الآتي بعد هذا أن سهيلا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا
قوله : " فقالوا يا رسول الله " الخ سمي الواقدي جماعة ممن قال ذلك منهم أسيد بن حضير وسعد بن عبادة وذكر البخاري في المغازي أن سهل بن حنيف كان ممن أنكر ذلك أيضا وقال الحافظ في الفتح وقائل ذلك يشبه أن يكون هو عمر . ولابن عائد من حديث ابن عباس نحوه وسيأتي بعد هذا الحديث بسط قصة الصلح وقد أطال ابن إسحاق في القصة وزاد على ما عند غيره وقد استدل المصنف بالحديثين المذكورين على جواز مصالحة الكفار على ما وقع فيهما وسيأتي بشط الكلام في ذلك
3 - وعن عروة بن الزبير عن المسور ومروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه " قالا خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم زمن الحديبية حتى إذا كان ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة فأنطلق بركض نذيرا لقريش وسار النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به ناقته فقال الناس حل حل فالحت فقالوا خلات القصواء خلات القصواء فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما خلات القصواء وما ذاك لها يخلق ولكن حبسها حابس الفيل قال والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطينهم إياها ثم زجرها فوثبت قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل يتربضه الناس تبرضا فلم يلبث الناس حتى نزجوه وشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله مازال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبيناهم كذلك إذ جاءهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل تهامة فقال أني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا اعدادا مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادقوك عن بيت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنا لم نجئ لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين وإن قريش قد نهكتكم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤا ماددتهم مدة ويحلو بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاؤا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا وقد جموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلتهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره فقال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريش فقال إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل وقد سمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا ققال سفهاؤهم لا حاجة لنا إلى ان تخبرنا عنه بشيء وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته يقول سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام عروة بن مسعود فقال أي قوم ألستهم بالوالد قالوا بلى قال أو لست بالولد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا لا قال ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد أقبلوها وذروني آته قالوا أئته فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحو من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب أجتاح أصله قبلك وأن تكن الأخرى فإني والله لأرى وجوها أو أني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك فقال له أبو بكر أمصص ببظر اللات إن نحن نفر عنه وندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر فقال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي ولم أجزك بها لأجبتك قال وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه سيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرب يده بنصل السيف وقال أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرفع عروة رأسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة قال أي غدر ألست أسعى في غدرتك وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية قتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما الإسلام فاقبل وأما المال فلست منه في شيء
ثم أن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعينه قال فوالله ما تنخم صلى الله عليه وآله وسلم يخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عند وما يحدون إليه النظر تعظيما له فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى و النجاشي والله إن رأيت ملكا قط تعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توشأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إله النظر تعظيما له وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة دعوني آته فقالوا أئته فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثوها له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعوني آته فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا مكرز بن حفص وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبينا هو يكلمه جاء سهيل بن عمرو قال معمر فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سهل الله لكم من أمركم قال معمر قال الزهري في حديثه فجاء سهيل بن عمرو فقال هات أكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكاتب فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو لكن أكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اكتب باسمكم اللهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال سهيل والله لو كنا نعلم إنك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله قال الزهري وذلك لقوله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن تخلو بيننا وبين البيت فنطوف به قال سهيل والله لا تتحدث العرب إنا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل فكتب سهيل وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا قال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين من جاء مسلما فبيناهم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنا لم نقض الكتاب بعد قال فوالله أذن لا أصالحك على شيء أبدا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأجره لي فقال ما أنا بمجيره لك فقال بلى فأفعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجرناه لك قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا في الله قال فقال عمر بن الخطاب فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت ألست نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به قال بلى فأخبرتك إنك تأتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به
قال فأتيت أبا بكر فقلت با أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذن قال أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق قلت اليس كان يحدثنا أنا سنأتي البين ونطوف به قال بلى إفأخبرك أنك تأتيه العام قلت لا قال فإنك إذن آتيه ومطوف به قال عمر فعملت لذلك أعمالا فلما فرغ من قضية الكتاب قال صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا فوالله ما قام منهم أحد حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك أخرج ولا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقا فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلمارأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله عز و جل يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات مهاجرات حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر يومئذ إمرأتين كانتا في الشرك فتزوج إحداهما معاوية ابن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية ثم رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون تمرا لهم فقال أبو بصير لأحد الرجلين والله إني لا أرى سيفك هذا يا فلان جيدا فاستله الآخر فقال أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه به حتى برد وفر الآخر حتى أتي المدينة فدخل المسجد يدعو فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رآه لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال قتل والله صاحبي وإني لمقتول فجاء أبو بصير فقال يا نبي الله قد أوفي الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال وتفلت منهم أبو جندل بن سهل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فوالله ما يسمعون بعيرا خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم وأنزل الله عز و جل وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم حتى بلغ حمية الجاهلية وكان حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينه وبين البيت "
- رواه أحمد والبخاري . ورواه أحمد بلفظ آخر وفيه " هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس وفيه وإن بيننا عيبة مكفوفة وإنه لا إغلال ولا إسلاس وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا جندل إصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا وفيه فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل "
4 - وعن مروان والمسور قالا " لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يأتيك أحد منا وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه فكره المسلمون ذلك وامتعضوا منه وأبي سهيل إلا ذلك فكاتبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما وجاء المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ وهي عاتق فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله عز و جل فيهن إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن إلي ولاهم يحلون لهن "
- رواه البخاري
5 - وعن الزهري قال " عروة فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمتحنهن وبلغنا أنه لما أنزل الله أن يردوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهن وحكم على المسلمين أن لا يمسكوا بعصم الكوافر أن عمر طلق إمرأتين قريبة بنت أبي أمية وابنة جرول الخزاعي فتزوج قريبة معاوية وتزوج الأخرى أبو جهم فلما أبى الكفار أن يقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم أنزل الله تعالى وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم والعقاب ما يؤدي المسلمون إلى من هاجرت إمرأته من الكفار فأمر أن يعطي من ذهب له زوج من المسلمين ما أنفق من صداق نساء الكفار اللاتي هاجرن وما يعلم أحد من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها "
- أخرجه البخاري
قوله : " الأحابيش " أي الجماعة المجتمعة من قبائل والتحبش التجمع والجنب الأمر يقال ما فعلت كذا في جنب حاجتي وهو أيضا القطعة من الشيء يكون معظمه أو كثيرا منه محروبين أي مسلوبين قد أصيبوا بحرب ومصيبة ويروى موتورين والمعنى واحد . وقوله " العوذ المطافيل " يعني النساء والصبيان والعائذ الناقة القريب عهدها بالولادة والمطفل التي معها فصيلها وحل حل زجر للناقة وألحت أي لزمت مكانها وخلأت أي حرنت . والثمد الماء القليل . والتبرض أخذه قليلا قليلا والبرض القليل والأعداد جمع عد وهو الماء الذي لا انقطاع لمادته . وجاشت بالرأي أي فارت به . وعيبة نصحه أي موضع سره لأن الرجل يضع في عيبته حر متاعه . وجمعوا أي استراحوا والسالفة صفحة العنق والخطة الأمر والشأن . والأشواب الأخلاط من الناس مقلوب الأوباش . والضغطة بالضم الشدة والتضييق . والرسف مشى المقيد . والغرز للرجل بمنزلة الركاب من السرج . وقوله " حتى برد " أي مات ومسعر حرب أي موقد حرب والمسعر والمسعار ما يحمي به النار من الخشب ونحوه . وسيف البحر ساحله وامتعضوا منه كرهوا وشق عليهم . والعاتق الجارية حين تدرك . والعيبة المكفوفة المشرجة وكني بذلك عن القلوب ونقائها من الغل والخداع . والإغلال الخيانة . والإسلال من السلة وهي السرقة وقد جمع هذا الحديث فوائد كثيرة فنشير إلى بعضها إشارة تنبه من يتدبره على بقيتها . فيه أن ذا الحليفة ميقات للعمرة كالحج وأن تقليد الهدى سنة في نفل النسك وواجبه وإن الإشعار سنة وليس من المثلة المنهي عنها وأن أمير الجيش ينبغي له أن يبعث العيون العيون أمامه نحو العدو وإن الاستعانة بالمشرك الموثوق به في أمر الجهاد جائز للحاجة لأن عينة الخزاعي كان كافرا وكانت خزاعة مع كفرها عيبة نصحه وفيه استحباب مشورة الجيش إما لاستطابة نفوسهم أو استعلام مصلحة
وفيه جواز سبي ذرارى المشركين بلإنفرادهم قبل التعرض لرجالهم وفي قول أبي بكر لعروة جواز التصريح باسم العورة لحاجة ومصلحة وأنه ليس بفحش منهى عنه وفي قيام المغيرة على رأسه بالسيف استحباب الفخر والخيلء في الحرب لإرهاب العدو وأنه ليس داخل بذمة لمن أحب أن يتمثل له الناس قياما وفيه أن مال المشرك المعاهد لا يملك بغنيمة بل يرد عليه
وفيه بيان طهارة النخامة والماء المستعمل
وفيه استحباب التفاؤل وإن المكروه الطيرة وهي التشاؤم
وفيه أن المشهود عليه إذا عرف باسمه واسم أبيه أغني عن ذكر الجد
وفيه أن مصالحة العدو ببعض ما فيه ضيم على المسلمين جائزة للحاجة والضرورة دفعا لمحذور أعظم منه
وفيه أن من وعد أو حلف ليفعلن كذا ولم يسم وقتا فإنه على التراخي وفيه أن الإحلال نسك على المحصروان له نحر هدية بالحل لأن الموضع الذي نحروا فيه بالحديبية من الحل بدليل قوله تعالى والهدى معكوفا أن يبلغ محله
وفيه أن مطلق أمره عليه السلام على الفور وأن الأصل مشاركة أمته له في الأحكام
وفيه أن شرط الرد لا يتناول من خرج مسلما إلى غير بلد الإمام وفيه أن النساء لا يجوز شرط ردهن للآية وقد أختلف في دخولهن في الصلح فقيل لمن يدخلن فيه لقوله على أن لا يأتيك منا رجل إلا رددته وقيل دخلن فيه لقوله في رواية أخرى لا يأتيك منا أحد لكن نسخ ذلك أو بين فساده بالآية وفيما ذكرناه تنبيه على غيره
- قوله " عن المسور ومروان " هذه الرواية بالنسبة إلى مروان مرسلة لأنه لا صحبة له وأما المسور فهي بالنسبة إليه أيضا مرسلة لأنه لم يحضر القصة وقد ثبت في رواية للبخاري في أول كتاب الشروط من صحيحه عن الزهري عن عروة أنه سمع المسور ومروان يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرا بعض هذا الحديث وقد سمع المسور ومروان من جماعة من الصحابة شهدوا هذه القصة كعلي وعمر وعثمان والمغيرة وأم سلمة وسهل بنف وغيرهم ووقع في بعض هذه الأحاديث شيء يدل على أنه عن عمر كما سيأتي التنبيه عليه في مكانه
وقد روى أبو الأسود عن عروة هذه القصة فلم يذكر المسور ولا مروان لكن ئارسلها وكذلك أخرجها ابن عائذ في المغازي وأخرجها الحاكم في الإكليل من طريق أبي الأسود ايضا عن عروة منقطعة
قوله : " زمن الحديبية " هي بئر سمي المكان بها وقيل شجرة حدباء صغرت وسمي المكان بها قال قال المحب الطبري الحديبية قرية من مكة أكثرها في الحرم . ووقع عند ابن سعد أنه صلى الله عليه وآله وسلم خرج يوم الاثنين لهلال ذي القعدة زاد سفيان عن الزهري في رواية ذكرها البخاري في المغازي وكذا في رواية أحمد عن عبد الرزاق في بضع عشرة مائة فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدى وأحرم منها بعمرة وبعث عينا له من خزاعة وروى عبد العزيز الأفاقي عن الزهري في هذا الحديث عن ابن أبي شيبة خرج صلى الله عليه وآله وسلم في ألف وثمانمائة وبعث عينا له من خزاعة يدعى ناجية يأتيه بخبر قريش كذا سماه ناجية والمعروف أن ناجية اسم الذي بعث معه الهدي كما جزم به ابن إسحاق وغيره وأما الذي بعثه عينا لخبر قريش فاسمه بسر بن سفيان كذا سماه ابن إسحاق وهو بضم الموحدة وسكون المهملة على الصحيح
قوله : " بالغميم " بفتح المعجمة وحكي عياض فيها التصغير قال المحب الطبري يظهر أن المراد كراع الغميم الذي وقع ذكره في الصيام هو الذي بين مكة والمدينة انتهى . وسياق الحديث أنه كان قريبا من الحديبية فهو غير كراع الغميم الذي بين مكة والمدينة وأما الغميم هذا فقال ابن حبيب هو مكان بين رابغ والجحفة وقد بين ابن سعدان خالدا كان بهذا الموضع في مائتي فارس فيهم عكرمة بن أبي جهل والطليعة مقدمة الجيش
قوله : " بقترة " بفتح القاف والمثناة من فوق وهو الغبار الأسود وفي نسخة من هذا الكتاب بغبرة بالغين المعجمة وسكون الموحدة
قوله : " حتى إذا كان بالثنية " في رواية ابن إسحاق فقال صلى الله عليه وآله وسلم من يخرجنا على طريق غير طريقهم التي هم بها قال فحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رجلا من أسلم قال أنا يا رسول الله فسلك بهم طريقا وعرا فلما خرجوا منه بعد أن شق عليهم وأفضوا إلى أرض سهلة قال لهم استغفروا الله ففعلوا فقال والذي نفسي بيده إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فامتنعوا وهذه الثنية هي ثنية المرار بكسر الميم وتخفيف الراء وهي طريق في الجبل تشرف على الحديبية وزعم الداودي أنها الثنية التي أسفل مكة وهو وهم وسمى ابن سعد الذي سلك بهم حمزة بن عمرو الأسلمي
قوله : " بركت به ناقته " في رواية للبخاري راحلته . وحل بفتح الحاء المهملة وسكون اللام كلمة تقال للناقة إذا تركت السير وقال الخطابي إن قلت حل واحدة فبالسكون وإن أعدتها نونت في الأول وسكنت في الثانية وحكى غيره السكون فيها والتنوين كنظيره في بخ بخ حلحلت فلانا إذا أزعجته عن موضعه قوله " فالحت " بتشديد المهملة أو تمادت على عدم القيام وهو من الإلحاح
قوله " خلأت " الخلاء بالمعجمة وبالمد للإبل كالحران للخيل وقال ابن قتيبة لا يكون الخلاء إلا للنوق خاصة
وقال ابن فارس لا يقال للجمل خلأ ولكن الخ والقصواء بفتح القاف بعدها مهملة ومد اسم ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيل كان طرف أذنها مقطوعا والقصو القطع من طرف الأذن وكان القياس بأن تكون بالقصر وقد وقع ذلك في بعض نسخ أبي ذر . وزعم الداودي أنها كانت لا تسبق فقيل لها قصواء لأنها بلغت من السبق أقصاه
قوله : " وما ذاك لها بخلق " أي بعادة قال ابن بطال وغيره في هذا الفصل جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلبا لغرتهم وجواز التنكب عن الطريق السهل إلى الوعر للمصلحة وجواز الحكم على الشيء بما عرف من عادته وإن جاو أن يطرأ عليه غيره وإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد منه مثلها لا ينسب إليها ويرد على من نسبه إليها ومعذرة من نسبه ممن لا يعرف صورة الحال
قوله : " حبسها حابس الفيل " زاد ابن إسحاق عن مكة أي حبسها الله تعالى عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها وقصة الفيل مشهورة ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا مكة على تلك الصورة وصدهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال كما لو قدر دخول الفيل وأصحابه مكة لكن سبق في علم الله تعالى في الموضعين أنه سيدخل في الإسلام خلق منهم وسيخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون زكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فلو طرق الصحابة مكة لما أمن أن يصاب منهم ناس بغير عمد كما أشار إليه تعالى في قوله { ولولا رجال مؤمنون } ووقع للمهلب جواز استبعاد هذه الكلمة وهي حابس الفيل على الله تعالى فقال المراد حبسها أمر الله عز و جل وتعقب أنه يجوز إطلاقه في حق الله تعال فيقال حبسها الله حابس الفيل كذا أجاب ابن المنير وهو مبني على الصحيح من أن الأسماء توفيقية وقد توسط الغزالي وطائفة فقالوا محل المنع ما لم يرد نص بما يشتق منه بشرط أن لا يكون ذلك السم المشتق مشعرا بنقص فيجوز تسميته بواقي لقوله تعالى { ومن تق السيآت يومئذ فقد رحمته } ولا يجوز تسميته البناء زإن ورد قوله تعالى { والسماء بنيناها بأيد }
قال في الفتح وفي هذه القصة جواز التشبيه من الجهة العامة وإن اختلفت الجه الخاصة لأن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض وأصحاب هذه الناقة كانوا على حق محض ولكن جاء النشبيه من جهة إرادة الله تعالى منع الحرم مطلقا أما من أهل الباطل فواضح وأما من أهل الحق فللمعنى الذي تقدم ذكره
وقال الخطابي معنى تعظيم حرمات الله في هذه القصة ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة والكف عن إرادة سفك الدماء
قوله : " والذي نفسي بيده " قال ابن القيم وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحلف في أكثرمن ثمانين موضعا
قوله : " خطة " بضم الخاء المعجمة أي خصلة يعظمون فيها حرمات الله أي من ترك القتال في الحرم وقيل المراد بالحرمات حرم الحرم والشهر الإحرام
قال الحافظ وفي الثلث نظر لأنهم لو عظموا والإحرام ما صدوه ووقع في رواية لابن إسحاق يسألونني فيها صلة الرحم وهي من جملة حرمات الله
قوله : " ألا أعطينهم إياها " أي أجبتم إليها قال السهيلي لم يقع في شيء من طرق الحديث أنه قال إن شاء الله مع أنه مأمور بها في كل حالة والجواب أنه كان أمرا واجبا حتما فلا يحتاج فيه إلى الاستثناء كذا قال وتعقب بأنه تعلى قال في هذه القصة لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فقال إن شاء الله مع تحقق وقوع ذلك تعليما وإرشادا فالأولي أن يحمل على أن الاستثناء سقط من الراوي أو كانت القصة قبل نزول الأمر بذلك ولا يعارضه كون الكهف مكية إذ لا مانع أن يتأخر نزول بعض السورة
قوله " ثم زجرها أي الناقة " فوثبت أي قامت
قوله : " علي ثمد " بفتح المثلثة والميم أي حفيرة فيها ماء قليل يقال ماء مثمود أي قليل فيكون لفظ قليل بعد ذلك تأكيد تادفع توهم أن يراد لغة من يقول أن الثمد الماء الكثير وقيل الثمد ما يظهر من الماء في الشتاء ويذهب في الصيف
قوله : " يتبرضه الناس " بالموحدة وتشديد الراء وبعدها ضاد معجمة وهو الأخذ قليلا قليلا وأصل البرض بالفتح والسكون اليسير من العطاء وقال صاحب العين هو جمع الماء بالكفين قوله " فلم يلبث " لفظ البخاري فلم يلبثه بضم أوله وسكون اللام من الإلباث وقال ابن التين بفتح اللام وكسر الموحدة المثقلة أي لم يتركوه يلبث أي يقيم . قوله " وشكى " بضم أوله على البناء للمجهول . " فانتزع سهما " من كنانته أي أخرج سهما من جعبته
قوله : " ثم أمرهم أن يجعلوه فيه " في رواية ابن إسحاق أن ناجية بن جندب هو الذي نزل بالسهم وكذا رواه ابن سعد قال ابن إسحاق وزعم بعض أهل العلم أنه البراء بن عازب وروى الواقدي أنه خالد بن عبادة الغفاري ويجمع بأنهم تعاونوا على ذلك بالحفر وغيره وفي البخاري في المغازي من حديث البراء في قصة الحديبية أنه صلى الله عليه وآله وسلم جلس على البئر ثم دعا بإناء فمضمض ودعا ثم صبه فيها ثم قال دعوها ساعة ثم أنهم ارتووا بعد ذلك ويمكن الجمع بوقوع الأمرين جميعا
قوله : " يجيش " بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة أي يفور . وقوله " بالري " بكسر الراء ويجوز فتحها . زقوله " صدروا عنه " أي رجعوا رواء بعد ورودهم
قوله : " بديل " بموحدة مصغرا ابن ورقاء بالقاف والمد صاحبي مشهور
قوله : " في نفر من قومه " سمى الواقدي منهم عمرو بن سالم وخراش بن أمية وفي رواية أبي الأسود عن عروة منهم خارجة بن كرز ويزيد بن أمية كذا في الفتح
قوله : " وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " العيبة " بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها موحدة ما يوضع فيه الثياب لحفظها أي أنهم موصع النصح له والأمانة على سره ونصح بضم النون وحكى ابن التين فتحها كأنه شبه الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب
وقوله " من أهل تهامة " بكسر المثناة وهي مكة وما حولها وأصلها من التهم وهو شدة الحرور كود الريح
قوله : " إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي " إنما اقتصر على هذين لكون قريش الذين كانوا بمكة أجمع ترجع أنسابهم إليهما وبقي من قريش بنو سامة ابن لؤي وبنو عوف بن لؤي ولم يكن بمكة منهم أحدا وكذلك قريش الظواهر الذين منهم بنو تميم بن غلب ومحارب بن فهر قال هشام بن الكلبي بنو عامر بن لؤي وكعب بن لؤي هما الصريحان لا شك فيهما بخلاف سامة وعوف أي ففيهما الخلاف قال وهم قريش البطاح أي بخلاف قريش الظواهر
قوله : " نزلوا أعدادا مياه الحديبية " الأعداد بالفتح جمع عد بالكسر والتشديد هو الما الذي لا إنقطاع له . وغفل الداودي فقال هو موضع بمكة وقول بديل هذا يشعر بأنه كان بالحديبية مياه كثيرة وأن قريشا سبقوا إلى النزول عليها فلذا عطش المسلمون حين نزلوا على الثمد المذكور
قوله : " معهم العوذ المطافيل " العوذ بضم المهملة وسكون الواو بعدها معجمة جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن والمطافيل الأمهات اللائي معها أطفالها يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا ألبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه أو كني بذلك عن النساء معهم الأطفال والمراد أنهم خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام وليكون أدعى إلى عدم الفرار قال الحافظ ويحتمل إرادة المعنى الأعم قال ابن فارس كل أنثى إذا وضعت فهي سبعة أيام عائذ والجمع عوذ كأنها سميت بذلك لأنها تعوذ ولدها وتلتزم الشغل به
وقال السهيلي سميت بذلك وإن كان الولد هو الذي يعوذ بها لأنها تعطف عليه بالشفقة والحنو كما قالوا تجارة رابحة وإن كان مربوحا فيها ووقع عند ابن سعد معهم العوذ المطافيل والنساء والصبيان
قوله : " قد نهكتهم " بفتح أوله وكسر الهاء أي أبلغت فيهم حتى أضعفتهم إما أضعفت قوتهم وإما أضعفت أموالهم
قوله : " ماددتهم " أي جعلت بيني وبينهم مدة نترك الحرب بيننا وبينهم فيها والمراد بالناس المذكورين سائر كفار العرب وغيرهم
قوله : " فإن أظهر فإن شاؤوا " هو شرط بعد شرط والتقدير فإن ظهر على غيرهم كفاهم المؤنة وإن أظهرانا على غيرهم فإن شاؤا أطاعوني وإلا فلا تنقضي مدة الصلح إلا وقد جمعوا أي استراحوا وهو بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة أي قووا ووقع في رواية ابن إسحاق وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة وإنما ردد الأمر مع أنه جازم بأن الله سينصره ويظهره لو عد الله تعالى له بذلك على طريق التنزيل مع الخصم وفرض الأمر كما زعم الخصم قال في الفتح ولهذه النكتة حذف القسم الأول وهو التصريح بظهور غيره عليه لكن وقع التصريح به في رواية ابن إسحاق ولفظه فإن أصابوني كان الذي أرادوا ولابن عائذ من وجه آخر عن الزهري فإن ظهر الناس علي فذلك الذي يبتغون فالظاهر أن الحذف وقع من بعض الرواة تأدبا
قوله : " حتى تنفرد سالفتي " السالفة بالمهملة وكسر اللام بعدها فاء صفحة العنق وكني بذلك عن القتل قال الداودي المراد الموت أي حتى أموت وأبقى منفردا في قبري ويحتمل أن يكون أراد أنه يقاتل حتى ينفرد وحده في مقاتلتهم وقال ابن امنير لعله صلى الله عليه وآله وسلم نبه بالأدنى على الأعلى أي أن لي من القوة بالله والحول به ما يقتضي أني أقاتل عن دينه لو انفردت فكيف لا أقاتل عن دينه مع وجود المسلمين وكثرتهم ونفاذ بصائرهم في نصر دين الله تعالى
قوله " أو لينفذن الله أمره " بدون شك قال الحافظ وحسن الإتيان بهذا الجزم بعد ذلك التردد للتنبيه على أنه لم يورده إلا على سبيل الفرض
قوله : " فقام عروة بن مسعود " هو ابن معتب بضم أوله وفتح المهملة وتشديد الفةقية المكسورة بعدها موحدة الثقفي
قوله : " ألستم بالوالد " هكذا رواية الأكثر من رواة البخاري ورواية أبي ذر " ألستم بالولد وألست بالوالد " والصواب الأول وهو الذي في رواية أحمد وابن إسحاق وغيرهما وزاد ابن إسحاق عن الزهري أن أم عروة هي سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف فأراد بقوله ألستم ألستم بالوالد أنكم حي قد ولدوني في الجملة لكون أمي منكم
قوله : " استنفرت أهل عكاظ " بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وآخره معجمة أي دعوتهم إلى نصركم قوله " فلما بلحوا " بالموحدة وتشديد اللام المفتوحتين ثم مهملة مضمومة أي امتنعوا والتبليح التمنع من الإجابة وبلح الغريم إذا امتنع عن أداء ما عليه زاد ابن إسحاق فقالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم
قوله : " خطة رشد " بضم الخاء المعجمة وتشديد المهملة والرشد بضم الراء وسكون المعجمة وبفتحها أي خصلة خير وصلاح وإنصاف وقد بين ابن إسحاق في روايته أن سبب تقديم عروة لهذا الكلام عند قريش ما رآه من ردهم العنيف على من يجيء من عند المسلمين
قوله " آته " بالمد والجزم وقالوا أئته بألف وصل بعدها همزة ساكنة ثم مثناة من فوق مكسورة قوله " اجتاح " بجيم ثم مهملة أي أهلك أهله بالكلية وحذف الجزاء من قوله إن تكن الأخرى تأدبا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتقدير أن تكن الغلبة لقريش لا آمنهم عليك مثلا وقوله " فإني والله لأرى وجوها " إلى كالتعليل لهذا المحذوف قوله " أشوابا " بتقديم المعجمة على الواو وكذا للأكثر ووقع لأبي ذر عن الكشميهني أو باشا بتقديم الواو والأشواب الأخلاط من أنواع شتى والأوباش الأخلاط من السفلة فالأوباش أخص من الأشواب كذا في الفتح قوله " امصص ببظر اللات " بألف وصل ومهملتين الأولى مفتوحة بصيغة الأمر وحكى ابن التين عن رواية القابسي ضم الصاد الأولى وخطأها والبظر الموحدة وسكون المعجمة قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة واللات اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها وكانت عادة العرب الشتم بذلك ولكن بلفظ الأم فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبدها مقام أمه وحمله على ذلك ما أغضبه من نسبة المسلمين إلى الفرار وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لأرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك
قوله : " لولا يد " أي نعمة وقد بين عبد العزيز اللآفاقي عن الزهري في هذا الكتاب أن اليد المذكورة هي أن عروة كان تحمل بدية فاعانه فيها أبو بكر بعون حسن وفي رواية الواقدي بعشر قلائص
قوله : " بنعل السيف " هو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها
قوله : " أخر يدك " فعل أمر من التأخير زاد ابن إسحاق قبل أن لا تصل إليك
قوله " أي غدر " بالمعجمة بوزن عمر معدول عن غادر مبالغة في وصفة بالغدر
قوله : " ألست أسعي في غدرتك " أي في دفع شر غدرتك وقد بسط القصة ابن إسحاق وابن الكلبي والواقدي بما حاصله أنه خرج المغيرة لزيارة المقوقس بمصر هو وثلاثة عشر نفرا من ثقيف من بني مالك فأحسن إليهم وأعطاهم وقصر بالمغيرة فحصلت له الغيرة منهم فلما كانوا بالطريق شربوا الخمر فلما سكروا وناموا وثب المغيرة فقتلهم ولحق بالمدينة فأسلم فتهايج الفريقان بنو مالك والأحلاف رهط المغيرة فسعي عروة بن مسعود وهو عم المغيرة حتى أخذوا منه دية ثلاثة عشر نفسا والقصة طويلة
قوله : " وأما المال فلست منه في شيء " أي لا أتعرض له لكونه مأخوذا على طريقة الغدر واستفيد من ذلك أنها لا تحل اموال الكفار غدرا في حال الأمن لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلما كان أو كافرا فإن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة ولعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك المال بيده لإمكان أن يسلم قومه فير إليهم أموالهم
قوله : " يرمق " بضم الميم وآخره قاف أي يلحظ
قوله : " وما يحدون إليه النظر " يضم أوله وكسر المهملة أي يديمون قوله " ووفدت على قيصر " هو من عطف الخاص على العام وخص قيصر ومن بعده لكونهم أعظم ملوك ذلك الومان
قوله : " فقال رجل من بني كنانة " في رواية الآفاقي فقام الحليس بمهملتين مصغرا وسمي ابن إسحاق والزبير بن بكار أباه علقمة وهو من بني الحرث من عبد مناة
قوله : " فابعثوها له " أي أثيروها دفعة واحدة في رواية ابن إسحاق فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادي بقلائده قد حبس محله رجع ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعند الحاكم أنه صاح الحليس هلكت قريش ورب الكعبة أن القوم إنما أتوا عمارا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أخا بني كنانة أعلمهم بذلك
قال الحافظ فيحتمل أن يكون خاطبه عن بعد
قوله : " مكرز " بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء بعدها زاي هو من بني عامر بن لؤي
قوله " هو رجل فاجر " في رواية ابن إسحاق غادر ورجحها الحافظ ويؤيد ذلك ما في مغازي الواقدي أنه قتل رجلا غدرا وفيها أيضا أنه أراد أن يبيت المسلمين بالحديبية فخرج في خمسين رجلا فأخذهم محمد بن مسلمة وهو على الحرس فانفلت منهم مكرز فكأنه صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى ذلك قوله " إذا جاء سهيل ابن عمرو " في رواية ابن إسحاق فدعت قريش سهيل بن عمرو فقالوا اذهب إلى هذا الرجل فصالحه
قوله : " فأخبرني أيوب عن عكرمة " الخ قال الحافظ هذا مرسل لم أقف على من وصله بذكر ابن عباس فيه لكن له شاهد موصول عنه عند ابن أبي شيبة من حديث سلمة بن الأكوع قال بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليصالحوه فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سهيلا قال لقد سهل لكم من أمركم وللطبراني نحوه من حديث عبد الله بن السائب
قوله : " فعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكاتب " هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما بينه إسحاق بن راهويه في مسنده في هذا الوجه عن الزهري وذكره البخاري أيضا في الصلح من حديث البراء
وأخرج عمر بن شبة من طريق عمرو بن سهيل بن عمرو عن أبيه أنه قال الكتاب عندنا كاتبه محمد بن سلمة
قال الحافظ ويجمع أن أصل كتاب الصلح بخط علي رضي الله عنه كما هو في الصحيح ونسخ محمد بن سلمة لسهيل بن عمرو مثله
قوله : " هذا ما قاضى " بوزن فاعل من قضيت الشيء فصلت الحكم فيه
قوله : " ضغطة " بضم الضاد وسكون الغين المعجمتين ثم طاء مهملة أي قهرا
وفي رواية ابن إسحاق أنها دخلت علينا عنوة
قوله : " فقال المسلمون " الخ قد تقدم بيان القائل في أول الباب
قوله " أبو جندل " بالجيم والنون بوزن جعفر وكان اسمه العاصي فتركه لما أسلم وكان محبوسا بمكة ممنوعا من الهجرة وعذب بسبب الإسلام وكان سهيل أوثقه وسجنه حين أسلم فخرج من السجن وتنكب الطريق وركب الجبال حتى هبط على المسلمين ففرح به المسلمون وتلقوه
قوله : " يرسف " بفتح أوله وبضم المهملة بعدها فاء أي يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد
قوله : " إنا لم نقض الكتاب " أي لم نفرغ من كتابته
قوله : " فأجزه لي " بالزاي بفعل صيغة الأمر من الإجازة أي امض فعلي فيه فلا أرده إليك واستثنيه من القضية ووقع عند الحميدي في الجمع بالراء ورجح ابن الجوزي الزاي وفيه أن الاعتبار فيالعقود بالقول ولو تأخرت الكتابة والإشهاد ولأجل ذلك أمضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسهيل الأمر في رد ابنه إليه وكان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تلطف معه لقوله لم نقض الكتاب بعد رجاء أن يجيبه
قوله : " قال مكرز بلى قد أجزناه " هذه رواية الكشمسهني ورواية الأكثر من رواة البخاري بل بالإضراب وقد استشكل ما وقع من مكرز من الإجازة لأنه خلاف ما وصفه صلى الله عليه وآله وسلم به من الفجوز وأجيب أن الفجوز حقيقة ولا يستلزم أن لا يقع منه شيء من البر نادرا أو قال ذلك نفاقا وفي باطنه خلافه ولم يذكر في هذا الحديث ما أجاب به سهيل على مكرز لما قال ذلك وقد زعم بعض الشراح أن سهيلا لم يحببه لأن مكرزا لم يكن ممن جعل له أمر عقد الصلح بخلاف سهيل وتعقب بأن الواقدي روى أن مكرزا كان ممن جاء في الصلح مع سهيل وكان معهما حويطب ابن عبد العزى لكن ذكر في روايته ما يدل على أن إجازة مكرز لم تكن في أن لا يرده إلى سهيل بل في تأمينه من التعذيب ونحو ذلك وإن مكرزا وحويطبا أخذا أبا جندل فادخلاه فسطاطا وكفا أباه عنه
وفي مغازي ابن عائذ نحو ذلك كله ولفظه فقال مكرز بن حفص وكان ممن أقبل مع سهيل بن عمرو في التماس الصلح له أنا له جار وأخذ بيده فأدخله فسطاطا
قال الحافظ وهذا لو ثبت لكان أقوى من الاحتمالات الأول فإنه لم يجزه بأن يقره عند المسلمين بل ليكف العذاب عنه ليرجع إلى طواعية ابيه فما خرج بذلك عن الفجور لكن يعكر عليه ما في رواية الصحيح السابقة بلفظ فقال مكرز قد أجزناه لك يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا جندل اصبر واحتسب فإنا لا نغدر وإن الله جاعل لك فرجا ومخرجا
قال الخطابي تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين أحدهما أن الله تعالى قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان إن لم تمكنه التورية فلم يكن رده إليهم إسلاما لأبي جندل إلى الهلاك مع وجود السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية . والوجه الثاني أنه إنما رده لأبيه والغلب أن أباه لا يبلغ به إلى الهلاك وإن عذبه أو سجنه فله مندوحة بالتقية أيضا
وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله يبتلى به صبر عباده المؤمنين ( واختلف العلماء ) هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم إلى بلاد المسلمين أم لا فقيل نعم على ما دلت عليه قصة أبي جندل وأبي بصير وقيل لا وأن الذي وقع في القصة منسوخ وأن ناسخه حديث " أنا بريء من كل مسلم بين المشركين " وقد تقدم وهو قول الحنفية وعند الشافعية يفصل بين العاقل والمجنون والصبي فلا يردان
وقال بعض الشافعية ضابط جواز الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب
قوله : " ألست نبي الله حقا قال بلى " زاد الواقدي من حديث أي سعيد قال قال عمر لقد دخلني أمر عظيم وراجعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مراجعة ما راجعته مثلها قط
قوله " فلم نعطي الدنية " بفتح المهملة وكسر النون وتشديد التحتية
قوله : " أولست كنت حدثتنا " الخ في رواية ابن إسحاق كان الصحابة لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأوا الصلح دخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون . وعند الواقدي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان رأى في منامه قبل أن يعتمر أنه دخل هو وأصحابه البيت فلما رأوا تأخير ذلك شق عليهم
قال في الفتح ويستفاد من هذا الفصل جواز البحث في العلم حتى يظهر المعنى وأن الكلام يحمل على عمومه وإطلاقه حتى تظهر أداة التخصيص والتقييد وأن من حلف على فعل شيء ولم يذكر مدة معينة لم يحنث حتى تنقضي أيام حياته
قوله : " فأتيت أبا بكر " الخ لم يذكر عمر أنه راجع أحدا في ذلك غير أبي بكر لما له عنده من الجلالة وفي جواب أبي بكر عليه بمثل ما أجاب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل على سعة علمه وجودة عرفانه بأحوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " فاستمسك بغرزة " بفتح العين المعجمة وسكون الراء بعدها زاي قال المصنف هو للإبل بمنزلة الركاب للفرس والمراد التمسك بأمره وترك المخالفة له كالذي يمسك بركاب الفارس فلا يفارقه
قوله : " قال عمر فعلت لذلك أعمالا " القائل هو الزهري كما في البخاري وهو منقطع لأن الزهري لم يدرك عمر قال بعض الشراح المراد بقوله أعمالا أي من الذهاب والمجيء والسؤال والجواب ولم يكن ذلك شكا من عمر بل طلبا لكشف ما خفي عليه وحثا على إذلال الكفار بما عرف من قوته في نصرة الدين
قال في الفتح وتفسير الأعمال بما ذكره مردود بل المراد به الأعمال الصالحة لتكفر عنه ما نضى من التوقف في الامتثال ابتداء
وقد ورد عن عمر التصريح بمراده ففي رواية ابن إسحاق وكان عمر يقول ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به وعند الواقدي من حديث ابن عباس قال عمر لقد أعتقت بسبب ذلك رقابا وصمت دهرا قال السهيلي هذا الشك الذي حصل لعمر هو مالا يستمر صاحبه عليه وإنما هو من باب الوسوسة قال الحافظ والذي يظهر أنه توقف منه ليقف على الحكمة وتنكشف عنه الشبهة ونظيرته قصته في الصلاة على عبد الله بن أبي وإن كان في الأولى لم يطابق اجتهاده الحكم بخلاف الثانية وهي هذه القصة وإنما عمل الأعمال المذكورة لهذه وإلا فجميع ما صدر منه كان معذورا فيه بل هو فيه مأجور لأنه مجتهد فيه
قوله : " فلما فرغ من قضية الكتاب " زاد ابن إسحاق فلما فرغ من قضية الكتاب أشهد جماعة على الصلح رجال من المسلمين ورجال من المشركين منهم علي وأبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن سهيل بن عمرو ومكرز بن حفص وهو مشرك
قوله " فوالله ما قام منهم أحد " قيل كأنهم توقفوا لاحتمال أن يكون الأمر بذلك للندب أو لرجاء نزول الوحي بإبطال الصلح المذكور أو أن يخصصه بالإذن بدخولهم مكة ذلك العام لإتمام نسكهموسوغ لهم ذلك لأنه كان زمان وقوع النسخ ويحتمل ان يكون أهمتهم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند أنفسهم مع ظهور قوتهم واقتدارهم في اعتقادهم على بلوغ غرضهم وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة أو أخروا الامتثال لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور
قال الحافظ ويحتمل مجموع هذه الأمور لمجموعهم
قوله : " فذكر لها ما لقي من الناس " فيه دليل على فضل المشورة وإن الفعل إذا انضم إلى إلى القول كان أبلغ من القول المجرد وليس فيه أن الفعل مطلقا أبلغ من القول نعم فيه أن الاقتداء بالأفعال أكثر منه بالأقوال وهذا معلوم مشاهد
وفيه دليل على فضل أم سلمة ووفور عقلها حتى قال إمام الحرمين لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة وتعقب بإشارة بنت شعيب على أبيها في أمر موسى . ونظير هذه القصة ما وقع في غزوة الفتح فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بالفطر في رمضان فلما استمروا على الامتناع تناول القدح فشرب فلما رأوه يشرب شربوا
قوله : " نحر بدنه " زاد ابن إسحاق عن ابن عباس أنها كانت سبعين بدنة كان فيها جمل لأبي جهل في رأسه برة من فضة ليغيظ به المشركين وكان غنمه منه غزوة بدر
قوله " ودعا حالقه " قال ابن إسحاق بلغني أن الذي حلقه في ذلك اليوم هو خراش بمعجمتين ابن أمية بن الفضل الخزاعي قوله " فجاءه أبو بصير " بفتح الموحدة وكسر المهملة ابن جارية بالجيم الثقفي حليف بني زهرة كذا قال ابن إسحاق وبهذا يعرف أن قوله في حديث الباب رجل من قريش أي بالحلف لأن بني زهرة من قريش
قوله : " فأرسلوا في طلبه رجلين " سماهما ابن سعد في الطبقات خنيس بمعجمة ونون وآخره مهملة مصغرا ابن جابر ومولى له يقال له كوير
وفي رواية للبخاري أن الأخنس بن شريق هو الذي أرسل في طلبه زاد ابن إسحاق فكتب الأخنس بن شريق والأزهر بن عبد عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابا وبعثا به مع مولى لهما ورجل من بني عامر استأجراه اه قال الحافظ والأخنس من ثقيف رهط أبي بصير وأزهر من بني زهرة حلفاء أبي بصير فلكل منهما المطالبة برده ويستفاد منه أن المطالبة بالرد تختصص بمن كان من عشيرة المطلوب بالأصالة أو الحلف وقيل أن اسم أحد لرجلين مرثد بن حمران زاد الواقدي فقدما بعد أبي بصير بثلاثة أيام
قوله : " فقال أبو بصير لأحد الرجلين " في رواية ابن إسحاق للعامري وفي رواية ابن سعد لخنيس بن جابر
قوله : " فاستله الآخر " أي صاحب السيف أخرجه من غمده قوله " حتى برد " بفتح الموحدة والراء أي خمدت حواسه وهو كناية عن الموت لأن الميت تسكن حركته وأصل البرد السكون قال الخطابي وفي رواية ابن إسحاق فعلاه حتى قتله
قوله : " وفر الآخر " في رواية ابن إسحاق وخرج المولى يشتد أي هربا
قوله : " ذعرا " بضم المعجمة وسكون المهملة أي خوفا
قوله : " قتل صاحبي " بضم القاف وفي هذا دليل على أنه يجوز للمسلم الذي يجيء من دار الحرب في زمن الهدنة قتل من جاء في طلب رده إذا شرط لهم ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على أبي بصير قتله للعامري ولا أمر فيه بقود ولا دية
قوله " ويل أمه بضم " اللام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة وهي كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم لأن الويل الهلاك فهو كقولهم لأمه الويل ولا يقصدون والويل يطلق على العذاب والحرب والزجر وقد تقدم شيء من ذلك في الحج في قوله للأعرابي ويلك وقال الفراء أصله وى ؟ ؟ فلان أي للفلان أي حزن له فكثر الاستعمال فالحقوا بها اللم فصارت كأنها منها وأعربوها وتبعه ابن مالك إلا أنه قال تبعا للخليل أن وى ؟ ؟ كلمة تعجب وهي من أسماء الأفعال واللم بعدها مكسورة ويجوز ضمها اتباعا للهمزة وحذفت الهمزة تخفيفا قوله " مسعر حرب " بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح العين المهملة أيضا وبالنصب على التمييز وأصله من مسعر حرب أي يسعرها
قال الخطابي يصفه بالإقدام في الحرب والتسعير لنارها
قوله : " لو كان له أحد " أي يناصره ويعاضده قوله " سيف البحر " بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها فاء أي ساحله
قوله : " عصابة " أي جماعة ولا واحد لها من لفظها وهي تطلق على الأربعين فما دونها وفي رواية ابن إسحاق أنهم بلغوا نحو السبعين نفسا وزعم السهيلي أنهم بلغوا ثلثمائة رجل
قوله : " ما يسمعون بعير " بكسر المهملة أي بخبر عير وهي القافلة قوله " فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم " في رواية موسى بن عقبة عن الزهري فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بصير فقدم كتابه وأبو بصير يموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يده فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا
وفي الحديث دليل على أن من فعل مثل فعل أبي بصير لم يكن عليه قود ولا دية وقد وقع عند ابن إسحاق أن سهيل بن عمرو لما بلغه قتل العامري طالب بديته لأنه من رهطه فقال له أبو سفيان ليس على محمد مطالبة بذلك لأنه وفي بما عليه وأسلمه لرسولكم ولم يقتله بأمره ولا على آل أبي بصير أيضا شيء لأنه ليس على دينهم
قوله : " فأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم " طاهره أنها نزلت في شأن أبي بصير والمشهور في سبب نزولها ما أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع ومن حديث أنس بن مالك وأخرجه أحمد والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل بإسناد صحيح أنها نزلت بسبب القوم الذين أرادوا من قريش أن يأغذوا من المسلمين غرة فظفروا بهم وعفا عنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت الآية بما تقدم وقيل في نزولها غير ذلك
قوله " على وضع الحرب عشر سنين " هذا هم المعتمد عليه كما ذكره ابن إسحاق في المغازي وجزم به ابن سعد وأخرجه الحاكم من حديث علي ووقع في مغازي ابن عائذ في حديث ابن عباس وغيره أنه كان سنتين وكذا وقع عند موسى بن عقبة ويجمع بأن العشر السنين هي المدة التي وقع الصلح عليها والسنتين هي المدة التي انتهى أمر الصلح فيها حتى وقع نقضه على يد قريش وأما ما وقع في كامل ابن عدي ومستدرك الحاكم في الأوسط للطبراني من حديث ابن عمر أن مدة الصلح كانت أربع سنين فهو مع ضعف إسناده منكر مخالف للصحيح وقد اختلف العلماء في المدة التي تجوز المهادنة فيها مع المشركين فقيل لا تجاوز عشر سنين على ما في هذا الحديث وهو قول الجمهور وقيل تجوز الزيادة وقيل لا تجاوز أربع سنين وقيل ثلاثا وقيل سنتين والأول هو الراجح
قوله : " عيبة مكفوفة " أي أمرا مطويا في صدور سليمة وهو إشارة إلى ترك المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب وغيرها والمحافظة على العهد الذي وقع بينهم
قوله : " وأنه لا إغلال ولا إسلال " أي لا سرقة ولا خيانة يقال أغل الرجل أي خان أما في الغنيمة فيقال غل بغير ألف والإسلال من السلة وهي السرقة وقيل من سل السيوف والإغلال من لبس الدروع ووهاه أبو عبيد والمراد أن يأمن الناس بعضهم من بعض في نفوسهم وأموالهم سرا وجهرا
قوله : " وامتعضوا منه " بعين مهملة وضاد معجمة أي انفقوا وشق عليهم قال الخليل معض بكسر المهملة والضاد المعجمة من الشيء وامتعض توجع منه وقال ابن القطاع شق عليه وأنف منه ووقع من الرواة اختلاف في ضبط هذه اللفظة فالجمهور على ما هنا والأصيلي والهمداني بظاء مشالة وعند القابسي امتعظوا بتشديد الميم وعند النسفي انغضوا بنون وغين معجمة وضاد معجمة غير مشالة قال عياض وكلها تغييرات حتى وقع عند بعضهم انفضوا بفاء وتشديد وبعضهم أغيظوا من الغيظ
قوله : " وهي عاتق " أي شابة
قوله " فامتحنوهن الآية " أي أخبروهن فيما يتعلق بالإيمان باعتبار ما يرجع إلى ظاهر الحال دون الإطلاع على ما في القلوب وإلى ذلك أشار بقوله تعالى { الله أعلم بإيمانهن } وأخرج الطبري عن ابن عباس قال كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله
وأخرج الطبري أيضا وابن البزار عن ابن عباس أيضا كان يمتحنهن والله ما خرجن من بغض زوج والله ما خرجن رغبة عن أرض إلى أرض والله ما خرجن التماس دنيا
قوله : " قال عروة أخبرتني عائشة " هو متصل كما في مواضع في البخاري
قوله : " لما أنزل الله أن يردوا للمشركين ما أنفقوا " يعني قوله تعالى { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } قوله " قريبة " بالقاف والموحدة مصغر في أكثر نسخ البخاري . وضبطها الدمياطي تفتح وتبعه الذهبي . زكذا الكشميهني وفي القاموس بالتصغير وقد تفتح انتهى . وهي بنت أبي أمية ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهي أخت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " فلما أبى الكفار أن يقروا " الخ أي أبوا أن يعملوا بالحكم المذكور في الآية وقد روى البخاري في النكاح عن مجاهد في قوله تعالى { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } قال من ذهب من أزواج المسلمين إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتهن وليمسكوهن ومن ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد فكذلك هذا كله في صلح بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين قريش وروى البخاري أيضا عن الزهري في كتاب الشروط قال بلغنا أن الكفار لما أبوا أن يقروا بما أنفق المسلمون على أزواجهم كما في الآية وهو أن المرأة إذا جاءت من الكشركين إلى المسلمين مسلمة لم يردها المسلمون إلى زوجها المشرك بل يعطونه ما أنفق عليها من صداق ونحوه
وكذا بعكسه وفامتثل المسلمون ذلك وأعطوهم وأبى المشركون أن يمتثلوا ذلك فحبسوا من جاءت إليهم مشركة ولم يعطوا زوجها المسلم ما أنفق عليهافلهذا نزلت { وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم } أي أصبتم من صدقات المشركات عوض ما فات من صدقات المسلمات قوله " وما يعلم أحد من المهاجرات " الخ هذا النفي لا يرده ظاهر ما دلت عليه الآية والقصة لأن مضمون القصة أن بعض أزواج المسلمين ذهبت إلى زوجها الكافر فأبى أن يعطي زوجها المسلم ما أنفق عليها فعلى تقدير أن تكون مسلمة فالنفي مخصوص بالمهاجرات فيحتمل كون من زقع منها ذلك من غير المهاجرات كالأعرابيات مثلا أو الحصر على عمومه وتكون نزلت في المرأة المشركة إذا كانت تحت مسلم مثلا فهربت منه إلى الكفار
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله تعالى { وإن فاتكم شيء من أزواجكم } قال نزلت في أم الحكم بنت بنت أبي سفيان ارتدت فتزوجها رجل ثقفي ولم ترتد غمرأة من قريش غيرها ثم أسلمت مع ثقيف حين أسلموا فإن ثبت هذا استثني من الحصر المذكور في الحديث أو يجمع أنها لم تكن هاجرت فيما قبل ذلك
قوله : " الأحابيش " لم يتقدم في الحديث ذكر هذا اللفظ ولكنه مذكزر في غيره في بعض ألفاظ هذه القصة أنه صلى الله عليه وآله وسلم بعث عينا من خزاعة فتلقاه فقال أن قريشا قد جمعوا لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشيروا علي أترون أن أميل على ذرا ريهم فإن يأتونا كان الله قد قطع جنبا من المشركين وإلا تركناهم محروبين فأشار إليه أبو يكر بترك ذلك فقال امضوا بسم الله والأحابيش هم بنو الحرث بن عبد مناة بن كنانة وبنو المصطلق بن خزاعة والقارة وهو ابن الهون ابن خزيمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق