[8 نيل الأوطار - الشوكاني ]
الكتاب
: نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار
المؤلف
: محمد بن علي بن محمد الشوكاني
2 - وعن
سلمة بن الأكوع قال : ( لما نزلت هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين
} كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى أنزلت الآية التي بعدها فنسختها )
- رواه الجماعة إلا أحمد
3 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن
جبل بنحو حديث سلمة وفيه : ( ثم أنزل الله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فأثبت
الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذي
لا يستطيع الصيام )
- مختصر لأحمد وأبي داود
4 - وعن عطاء : ( سمع ابن عباس يقرأ وعلى
الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال ابن عباس ليست بمنسوخة هي للشيخ الكبير والمرأة
الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا )
- رواه البخاري
5 - وعن عكرمة : ( أن ابن عباس قال أثبتت
للحبلى والمرضع )
- رواه أبو داود
- حديث معاذ قد اختلف في إسناده اختلافا
كثيرا . قوله ( الآية التي بعدها ) هي الآية المذكورة في حديث
معاذ الذي بعده : قوله ( فنسختها ) قد روى عن ابن عمر كما روى عن سلمة من النسخ
ذكر ذلك البخاري عنه معلقا وموصولا وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج والبيهقي : ( أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة ولا عهد لهم بالصيام فكانوا يصومون
ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل رمضان فاستكثروا ذلك وشق عليهم فكان من يطعم مسكينا
كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه رخص لهم في ذلك ثم نسخه قوله تعالى { وأن تصوموا خير
لكم } فأمروا
بالصيام ) . وهذا الحديث أخرجه أيضا أبو داود من طريق شعبة والمسعودي عن الأعمش
مطولا وقد اختلف في إسناده اختلافا كثيرا وإذا تقرر أن الإفطار والإطعام كان رخصة
ثم نسخ لزم أن يصير الصيام حتما واجبا فكيف يصح الاستدلال على ذلك بقوله { وأن
تصوموا خير لكم } والخيرية لا تدل على الوجوب لدلالة قوله خير لكم على المشاركة في
أصل الخير
وأجاب عن ذلك الكرماني جوابا متكلفا حاصله
أن المراد أن الصوم خير من التطوع بالفدية والتطوع بها كان سنة والخير من السنة لا
يكون واجبا أي لا يكون شيء خيرا من السنة إلا الواجب كذا قال ولا يخفى بعده وتكلفه
فالأولى ما روى عن سلمة بن الأكوع وابن عمر أن الناسخ قوله تعالى { فمن شهد منكم
الشهر فليصمه } وإلى النسخ في حق غير الكبير ممن يطيق الصيام ذهب الجمهور قالوا
وحكم الإطعام باق في حق من لم يطق الصيام وقال جماعة من السلف منهم مالك وأبو ثور
وداود أن جميع الإطعام منسوخ وليس على الكبير إذا لم يطق الطعام وقال قتادة كانت الرخصة
لكبير يقدر على الصوم ثم نسخ فيه وبقي فيمن لا يطيق وقال ابن عباس أنها محكمة
لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير كما وقع في الباب عنه
وقال زيد بن أسلم والزهري ومالك هي محكمة
نزلت في المريض يفطر ثم يبرأ فلا يقضي حتى يدخل رمضان آخر فيلزمه صومه ثم يقضي
بعده ويطعم عن كل يوم مدا من حنطة فإن اتصل مرضه برمضان الثاني فليس عليه إطعام بل
عليه القضاء فقط
وقال الحسن البصري وغيره الضمير في
يطيقونه عائد على الإطعام لا على الصوم ثم نسخ بعد ذلك قوله ( سمع ابن عباس يقرأ {
وعلى الذين يطيقونه } ) هكذا في هذا الكتاب وهو لا يناسب قوله آخر الكلام هي للشيخ
الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما إلا أن يكون مرادا ابن عباس أن ذلك
من مجاز الحذف كما روى عن بعض العلماء والأصل وعلى الذين لا يطيقونه وقد روى عن
ابن عباس أنه كان يقرأ وعلى الذين يطوقونه أي يكلفونه ولا يطيقونه وهو المناسب
لآخر الكلام
وقد روي عن ابن عباس أنه قال رخص للشيخ
الكبير أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه رواه الدارقطني والحاكم وصححاه
وفيه مع ما في الباب عنه وعن معاذ دليل على أنه يجوز للشيخ الكبير العاجز عن الصوم
أن يفطر ويكفر وقد اختلف في قدر إطعام المسكين فقيل نصف صاع عن كل يوم من أي قوت
وبه قال أبو طالب وأبو العباس وغيرهما من الهادوية وقيل صاع من غير البر ونصف صاع
منه وبه قال أبو حنيفة والمؤيد بالله . وقيل مد من بر أو نصف صاع من غيره وبه قال
الشافعي وغيره وليس في المرفوع ما يدل على التقدير
قوله ( أثبتت للحبلى والمرضع ) لفظ أبي
داود أن ابن عباس قال في قوله { وعلى الذين يطيقونه } قد كانت
رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل
يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا وأخرجه
البزار كذلك وزاد في آخره وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى أنت بمنزلة الذي لا
يطيقه فعليك الفداء ولا قضاء عليك وصحح الدارقطني إسناده
باب قضاء رمضان متتابعا ومتفرقا وتأخيره
إلى شعبان
1 - عن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال قضاء رمضان إن شاء فرق وإن شاء تابع )
- رواه الدارقطني . قال البخاري قال ابن
عباس لا بأس أن يفرق لقول الله تعالى { فعدة من أيام أخر }
2 - وعن عائشة قالت : ( نزلت فعدة من أيام أخر
متتابعات فسقطت متتابعات )
- رواه الدارقطني وقال إسناد صحيح
- حديث ابن عمر في إسناده سفيان ابن بشر وقد
تفرد بوصله قال الدارقطني ورواه عطاء بن عبيد بن عمير مرسلا قال الحافظ وفي إسناده
ضعف أيضا
وقد صحح الحديث ابن الجوزي وقال ما علمنا
أحدا طعن في سفيان بن بشر ورواه الدارقطني أيضا من حديث عبد الله بن عمر وفي
إسناده الواقدي وابن لهيعة ورواه من حديث محمد بن المنكدر قال : ( بلغني أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن تقطيع قضاء شهر رمضان فقال ذاك إليك أرأيت لو
كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاء واله أحق أن يعفو ) . وقال هذا
إسناد حسن لكنه مرسل وقد روي موصولا ولا يثبت
( وفي الباب ) عن أبي عبيدة ومعاذ بن جبل
وأنس وأبي هريرة ورافع بن خديج أخرجها البيهقي وهذه الطرق وإن كانت كل واحدة منها
لا تخلو عن مقال فبعضها يقوي بعضا فتصلح للاحتجاج بها على جواز التفريق وهو قول
الجمهور وحكاه في البحر عن علي عليه السلام وأبي هريرة وأنس ومعاذ ونقل ابن المنذر
عن عائشة وجوب التتابع قال في الفتح وهو قول بعض أهل الظاهر وروى عبد الرزاق
بإسناده عن ابن عمر أنه قال يقضيه تباعا وحكاه في البحر عن النخعي والناصر وأحد
قولي الشافعي وتمسكوا بالقراءة المذكورة أعني قوله ( متتابعات ) قال في الموطأ هي
قراءة أبي بن كعب وأجيب عن ذلك بما تقدم عن عائشة أنها سقطت على أنه قد اختلف في الاحتجاج
بقراءة الآحاد كما تقرر في الأصول وإذا سلم أنها لم تسقط فهي منزلة عند من قال
بالاحتجاج بها منزلة أخبار الآحاد وقد عارضها ما في الباب من الأحاديث
وقال القاسم بن إبراهيم إن فرق أساء وأجزأ
. وحكى في البحر عن داود أن القاضي يطابق وقت الفوات من أول الشهر وآخره ووسطه
ومما احتج به للتتابع ما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة : ( أنه صلى الله عليه وآله
وسلم قال من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه ) . لكنه قال البيهقي لا يصح
. وفي إسناده عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي وهو مختلف فيه . قال
الدارقطني ضعيف وقال أبو حاتم ليس بالقوي روى حديثا منكرا قال عبد الحق يعني هذا
وتعقبه ابن القطان بأنه لم ينص عليه فلعله غيره قال ولم يأت من ضعفه بحجة والحديث
حسن
قال الحافظ قد صرح ابن أبي حاتم عن أبيه بأنه
أنكر هذا الحديث بعينه على عبد الرحمن . قوله ( قال ابن عباس ) وصله عبد الرزاق
وأخرجه الدارقطني عنه من وجه آخر
3 - وعن عائشة قالت : ( كان يكون علي صوم من
رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم )
- رواه الجماعة ويروى بإسناد ضعيف عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رجل مرض في رمضان فأفطر ثم صح ولم يصم
حتى أدركه رمضان آخر فقال ( يصوم الذي أدركه ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه ويطعم كل
يوم مسكينا ) . رواه الدارقطني عن أبي هريرة من قوله وقال إسناد صحيح موقوف
4 - وروى عن ابن عمر : ( عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال من مات وعليه صيام شهر رمضان فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين )
- وإسناده ضعيف قال الترمذي والصحيح أنه عن
ابن عمر موقوف
5 - وعن ابن عباس قال : ( إذا مرض الرجل في
رمضام ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء وإن نذر قضى عنه وليه )
- رواه أبو داود
- حديث أبي هريرة أخرجه الدارقطني وفي
إسناده عمر بن موسى بن وجيه وهو ضعيف جدا والراوي عنه إبراهيم بن نافع وهو أيضا
ضعيف وروى عنه موقوفا وصححه الدارقطني كما ذكر المصنف وغيره وحديث ابن عمر أخرجه
الترمذي عن قتيبة عن عبثر بن القاسم عن أشعث عن محمد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا
وقال غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه والصحيح أنه موقوف على ابن عمر قال
وأشعث هو ابن سوار ومحمد هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى
قال الحافظ ورواه ابن ماجه من هذا الوجه
ووقع عنده عن محمد بن سيرين بدل محمد بن عبد الرحمن وهو وهم منه أو من شيخه . وقال
الدارقطني المحفوظ وقفه على ابن عمر وتابعه البيهقي على ذلك . وأثر ابن عباس صححه
الحافظ وأخرجه الدارقطني وسعيد بن منصور والبيهقي وعبد الرزاق موصولا وعلقه
البخاري . قال عبد الحق في أحكامه لا يصح في الإطعام شيء يعني مرفوعا وكذا قال في
الفتح
قوله ( فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان )
استدل بهذا على أن عائشة كانت لا تتطوع بشيء من الصيام ولا في عشر ذي الحجة ولا
عاشوراء ولا غير ذلك وهذا الاستدلال إنما يتم بعد تسليم أنها كانت ترى أنه لا يجوز
صيام التطوع لمن عليه دين من رمضان ومن أين لقائله ذلك . قوله ( وذلك لمكان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ) وهذا لفظ مسلم . وفي لفظ للبخاري ( الشغل بالنبي
صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي رواية للترمذي وابن خزيمة ( أنها قالت ما قضيت شيئا
مما يكون علي من رمضان إلا في شعبان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
( وفي الحديث ) دلالة على جواز تأخير قضاء
رمضان مطلقا سواء كان لعذر أو لغير عذر لأن الزيادة أعني قوله وذلك لمكان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قد جزم بأنها مدرجة جماعة من الحفاظ كما في الفتح
ولكن الظاهر إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك لا سيما مع توفر دواعي أزواجه
إلى سؤاله عن الأحكام الشرعية فيكون ذلك أعني جواز التأخير مقيدا بالعذر المسوغ
لذلك
قوله ( ويطعم كل يوم مسكينا ) استدل به
وبما ورد في معناه من قال بأنها تلزم الفدية من لم يصم ما فات عليه في رمضان حتى
حال عليه رمضان آخر وهم الجمهور وروى عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وابن عباس
وأبو هريرة وقال الطحاوي عن يحيى بن أكثم قال وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم لهم
مخالفا . وقال النخعي وأبو حنيفة وأصحابه أنها لا تجب الفدية لقوله تعالى { فعدة
من أيام أخر } ولم يذكرها وأجيب بأنها قد ذكرت في الحديث كما تقدم ويدل على ثبوتها
قوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال في البحر ونسخ التخيير لا
ينسخ وجوبها على من أفطر مطلقا إلا ما خصه الإجماع وقال أبو العباس إن ترك الأداء
لغير عذر وجبت وإلا فلا
وحكى في البحر عن الشافعي أنه إن ترك
القضاء حتى حال لغير عذر لزمه وإلا فلا وأجيب عن هذين القولين بأن الحديث لم يفرق
وقد بينا أنه لم يثبت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيء وأقوال الصحابة
لا حجة فيها وذهاب الجمهور إلى قول لا يدل على أنه الحق والبراءة الأصلية قاضية
بعدم وجوب الاشتغال بالأحكام التكليفية حتى يقوم الدليل الناقل عنها ولا دليل ههنا
فالظاهر عدم الوجوب
( وقد اختلف القائلون ) بوجوب الفدية هل
يسقط القضاء بها أم لا فذهب الأكثر منهم إلى أنه لا يسقط . وقال ابن عباس وابن عمر
وقتادة وسعيد بن المسيب أنه يسقط والخلاف في مقدار الفدية ههنا كالخلاف في مقدارها
في حق الشيخ العاجز عن الصوم وقد تقدم بيانه :
قوله ( إذا مرض الرجل في رمضان ) الخ
استدل به على وجوب الإطعام من تركة منمات في رمضان بعد أن فات عليه بعضه وفيه خلاف
والظاهر عدم الوجوب لأن قول الصحابة لا حجة فيه ووقع التردد فيمن مات آخر شعبان
وقد رجح في البحر عدم الوجوب لأن الأصل البراءة
قوله ( وإن نذر قضى عنه وليه ) سيأتي
البحث عن هذا قريبا
باب صوم النذر عن الميت
1 - عن ابن عباس : ( أن امرأة قالت يا رسول
الله ماتت أمي وعليها صوم نذر فأصوم عنها فقال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته
أكان يؤدي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك )
- أخرجاه . وفي رواية : ( أن امرأة ركبت
البحر فنذرت إن الله نجاها أن تصوم شهرا فأنجاها الله فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة
لها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك فقال صومي عنها ) . أخرجه
أحمد والنسائي وأبو داود
2 - وعن عائشة : ( أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه )
- متفق عليه
3 - وعن بريدة قال : ( بينا أنا جالس عند رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أتته امرأة فقالت إني تصدقت على أمي بجارية وأنها
ماتت فقال وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر
أفأصوم عنها قال صومي عنها قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها قال حجي عنها )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه
. ولمسلم في رواية صوم شهرين
- قوله ( أن امرأة ) هي من جهينة كما في
البخاري : قوله ( وعليها صوم نذر ) في رواية للبخاري ( وعليها
صوم شهر ) وفي أخرى له ( أنه أتى رجل فسأل ) . وفي رواية له أيضا (
وعليها خمسة عشر يوما ) . وفي رواية أيضا ( وعليها صوم شهرين متتابعين ) قال في
الفتح وقد ادعى بعضهم أن هذا اضطراب من الرواة والذي يظهر تعدد الواقعة وأما
الاختلاف في كون السائل رجلا أو امرأة والمسؤل عنه أختا أو أما فلا يقدح في موضع
الاستدلال من الحديث : قوله ( أرأيت ) الخ فيه مشروعية
القياس وضرب الأمثال ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه وفيه
تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه وفيه أنه يستحب للمفتي التنبيه على وجه
الدليل إذا ترتب على ذلك مصلحة وهو أطيب لنفس المستفتي وأدعى لاذعانه وسيأتي مثل
هذا في الحج إن شاء الله تعالى :
قوله ( فجاءت قرابة لها ) هذه الرواية
مطلقة فينبغي أن تحمل على الرواية المقيدة بذكر البنت . قوله ( من مات وعليه صيام
) هذه الصيغة عامة لكل مكلف : وقوله ( صام عنه وليه ) خبر بمعنى الأمر تقديره
فليصم
( وفيه دليل ) على أنه يصوم الولي عن الميت
إذا مات وعليه صوم أي صوم كان وبه قال أصحاب الحديث وجماعة من محدثي الشافعية وأبو
ثور ونقل البيهقي عن الشافعي أنه علق القول به على صحة الحديث وقد صح وبه قال
الصادق والناصر والمؤيد بالله والأوزاعي وأحمد بن حنبل والشافعي في أحد قوليه قال
البيهقي في الخلافيات هذه السنة ثابتة لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في صحتها والجمهور
على أن صوم الولي عن الميت ليس بواجب وبالغ إمام الحرمين ومن تبعه فادعوا الإجماع
على ذلك وتعقب بأن بعض أهل الظاهر يقول بوجوبه وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي في
الجديد إلى أنه لا يصام عن الميت مطلقا وبه قال زيد بن علي والهادي والقاسم
وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد أنه لا
يصام عنه إلا النذر وتمسك المانعون مطلقا بما روى عن ابن عباس أنه قال لا يصل أحد
عن أحد ولا يصم أحد عن أحد أخرجه النسائي بإسناد صحيح من قوله وروى مثله عبد
الرزاق عن ابن عمر من قوله وبما أخرجه عبد الرزاق عن عائشة أنها قالت ( لا تصوموا
عن موتاكم وأطعموا عنهم ) قالوا فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دل ذلك
على أن العمل على خلاف ما روياه
قال في الفتح وهذه قاعدة لهم معروفة إلا
أن الآثار عن عائشة وابن عباس فيها مقال وليس فيها ما يمنع من الصيام إلا الأثر
الذي عن عائشة وهو ضعيف جدا انتهى وهذا بناء من صاحب الفتح على أن لفظ حديث ابن
عباس باللفظ الذي ذكراه هنالك وهو أنه قال كان لا يصوم أحد عن أحد ولكنه ذكره في
التلخيص باللفظ الذي ذكرناه سابقا والحق أن الاعتبار بما رواه الصحابي لا بما رآه
والكلام في هذا مبسوط في الأصول والذي روى مرفوعا صريح في الرد على المانعين وقد اعتذروا
بأن المراد بقوله ( صام عنه وليه ) أي فعل عنه ما يقوم مقام الصوم وهو الإطعام وهذا
عذر بارد لا يتمسك به منصف في مقابلة الأحاديث الصحيحة ومن جملة أعذارهم أن عمل
أهل المدينة على خلاف ذلك وهو عذر أبرد من الأول ومن أعذارهم أن الحديث مضطرب وهذا
إن تم لهم في حديث ابن عباس لم يتم في حديث عائشة فإنه لا اضطراب فيه بلا ريب
( وتمسك القائلون ) بأنه يجوز في النذر دون
غيره بأن حديث عائشة مطلق وحديث ابن عباس مقيد فيحمل عليه ويكون المراد بالصيام
صيام النذر قال في الفتح وليس بينهما تعارض حتى يجمع بينهما فحديث ابن عباس صورة
مستقلة يسأل عنها من وقعت له وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة وقد وقعت
الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قال في آخره ( فدين الله أحق أن
يقضى ) انتهى وإنما قال أن حديث ابن عباس صورة مستقلة يعني أنه من التصيص على بعض
أفراد العام فلا يصلح لتخصيصه ولا لتقييده كما تقرر في الأصول
قوله ( صام عنه وليه ) لفظ البزار ( فليصم
عنه وليه إن شاء ) قال في مجمع الزوائد وإسناده حسن
قال في الفتح اختلف المجيزون في المراد
بقوله وليه فقيل كل قريب . وقيل الوارث خاصة . وقيل عصبته والأول أرجح والثاني
قريب . ويرد الثالث قصة المرأة التي سألت عن نذر أمها قال واختلفوا هل يختص ذلك
بالولي لأن الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية ولأنها عبادة لا يدخلها النيابة
في الحياة فكذلك في الموت إلا ما ورد فيه الدليل فيقتصر على ما ورد ويبقى الباقي
على الأصل وهذا هو الراجح . وقيل لا يختص بالولي فلو أمر أجنبيا بأن يصوم عنه أجزأ
وقيل يصح استقلال الأجنبي بذلك وذكر الولي لكونه الغالب . وظاهر صنيع البخاري
اختيار هذا الأخير وبه جزم أبو الطيب الطبري وقواه بتشبيهه صلى الله عليه وآله
وسلم ذلك بالدين والدين لا يختص بالقريب انتهى
وظاهر الأحاديث أنه يصوم عنه وليه وإن لم
يوص بذلك وإن من صدق عليه اسم الولي لغة أو شرعا أو عرفا صام عنه ولا يصوم عنه من
ليس بولي ومجرد التمثيل بالدين لا يدل على أن حكم الصوم كحكمه في جميع الأمور .
قوله ( وردها عليك الميراث ) فيه دليل على أنه يجوز لمن
ملك قريبا له عينا من الأعيان ثم مات القريب بعد ذلك وورثه أن يتملك تلك العين وقد
سبق الكلام على هذا في كتاب الزكاة . قوله ( قال حجي عنها ) فيه
دليل على أنه يجوز للابن أن يحج عن أمه وأبيه وإن لم يوص وسيأتي الكلام على ذلك في
الحج إن شاء الله تعالى
أبواب صوم التطوع
باب صوم ست من شوال
1 - عن أبي أيوب : ( عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذاك صيام الدهر )
- رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي ورواه
أحمد من حديث جابر
2 - وعن ثوبان : ( عن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أنه قال من صام رمضان وستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها )
- رواه ابن ماجه
- حديث ثوبان أخرجه أيضا النسائي وأحمد والدارمي
والبزار . وفي الباب عن جابر عند أحمد وعبد بن حميد والبزار وهو الذي أشار إليه
المصنف وفي إسناده عمرو بن جابر وهو ضعيف كذا في مجمع الزوائد . وعن أبي هريرة عند
البزار وأبي نعيم والطبراني . وعن ابن عباس عند الطبراني في الأوسط . وعن البراء
ابن عازب عند الدارقطني
( وقد استدل ) بأحاديث الباب على استحباب
صوم ستة أيام من شوال وإليه ذهب الشافعي وأحمد وداود وغيرهم وبه قالت العترة وقال
أبو حنيفة ومالك يكره صومها واستدلا على ذلك بأنه ربما ظن وجوبها وهو باطل لا يليق
بعاقل فضلا عن عالم نصب مثله في مقابلة السنة الصحيحة الصريحة وأيضا يلزم مثل ذلك
في سائر أنواع الصوم المرغب فيها ولا قائل به
واستدل مالك على الكراهة بما قال في
الموطأ من أنه ما رأى أحدا من أهل العلم يصومها ولا يخفى أن الناس إذا تركوا العمل
بسنة لم يكن تركهم دليلا ترد به السنة . قال النووي في شرح مسلم قال أصحابنا
والأفضل أن تصام الست متوالية عقب يوم الفطر قال فإن فرقها أو أخرها عن أوائل شوال
إلى آخره حصلت فضيلة المتابعة لأنه يصدق أنه اتبعه ستا من شوال . قال قال العلماء
وإنما كان ذلك كصيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بعشرة أشهر والستة
بشهرين وقد جاء هذا في حديث مرفوع في كتاب النسائي
قوله ( ستا من شوال ) على صيغة المؤنث ولو
قال سنه بالهاء لكان صحيحا لأن المعدود المميز إذا كان غير مذكور لفظا جاز تذكير مميزه
وتأنيثه يقال صمنا ستا وستة وخمسا وخمسة وإنما يلزم إثبات الهاء مع المذكر إذا كان
مذكورا لفظا وحذفها مع المؤنث إذا كان كذلك وهذه قاعدة مسلوكة صرح بها أهل اللغة
وأئمة الأعراب
قوله ( بعد الفطر ) أي بعد اليوم الذي
يفطر فيه وهو يوم عيد الإفطار فيحمل المطلق على المقيد ويكون المراد بالست ثاني
الفطر إلى آخر سابعه ولكنه يبقى النظر في البعدية المذكورة هل يلزم أن تكون متصلة
بيوم الفطر بلا فصل أو يجوز إطلاقها على كل يوم من أيام شوال لكونها بعد يوم الفطر
وهكذا يقال في قوله ( ثم أتبعه ستا ) لأن الإتباع يحتمل أن يكون
بلا فاصل بين التابع والمتبوع إلا بما لا يصلح للصوم وهو يوم الفطر ويحتمل أن يجوز
إطلاقه مع الفاصل وإن كثر مهما كان التابع في شوال
باب صوم عشر ذي الحجة وتأكيد يوم عرفة
لغير الحاج
1 - عن حفصة قالت : ( أربع لم يكن يدعهن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر
والركعتين قبل الغداة )
- رواه أحمد والنسائي
2 - وعن أبي قتادة قال : ( قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة وصوم يوم عاشوراء
يكفر سنة ماضية )
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي
3 - وعن أبي هريرة قال : ( نهى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم عن صوم يوم عرفة يعرفات )
- رواه أحمد وابن ماجه
4 - وعن أم الفضل : ( أنهم شكوا في صوم النبي
صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه بلبن فشرب وهو يخطب الناس بعرفة )
- متفق عليه
5 - وعن عقبة بن عامر قال : ( قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي
أيام أكل وشرب )
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي
- حديث حفصة أخرجه أبو داود ولكنه لم يسمها
بل قال عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولفظه ( قالت كان يصوم تسع ذي
الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر وأول اثنين من الشهر والخميس ) وقد
اختلف فيه على هنيدة بن خالد فرواه عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه
وآله وسلم .
وروى عنه عن حفصة . وروى عنه عن أم سلمة
وقد تقدم في كتاب العيدين أحاديث تدل على فضيلة العمل في عشر ذي الحجة على العموم
والصوم مندرج تحتها
وأما ما أخرجه مسلم عن عائشة أنها قالت :
( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صائما في العشر قط ) . وفي رواية (
لم يصم العشر قط ) فقال العلماء المراد أنه لم
يصمها لعارض مرض أو سفر أو غيرهما أو أن عدم رؤيتها له صائما لا يستلزم العدم على
أنه قد ثبت من قوله ما يدل على مشروعية صومها كما في حديث الباب فلا يقدح في ذلك
عدم الفعل . وحديث أبي قتادة روى من طريق جماعة من الصحابة منهم زيد بن أرقم وسهل
بن سعد وقتادة بن النعمان وابن عمر عند الطبراني ومن حديث عائشة عند أحمد
( وفي الباب ) عن أنس وغيره وحديث أبي هريرة
أخرجه أيضا أبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي وصححه ابن خزيمة والحاكم وفي
إسناده مهدي الهجري وهو مجهول . ورواه العقيلي في الضعفاء من طريقه وقال لا يتابع
عليه قال وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسانيد جياد أنه لم يصم يوم
عرفة بها ولا يصح عنه النهي عن صيامه
وحديث أم الفضل أخرج نحوه الشيخان من حديث
ميمونة وأخرجه النسائي والترمذي وابن حبان من حديث ابن عمر بلفظ ( حججت مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يصم ومع أبي بكر كذلك ومع عثمان فلم يصم وأنا لا
أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه )
وأخرجه النسائي من حديث ابن عباس وحديث
عقبة في معناه أحاديث يأتي ذكره بعضها في باب النهي عن صوم العيدين وأيام التشريق
: قوله ( صيام عاشوراء ) سيأتي البحث عنه وكذلك يأتي الكلام على قوله وثلاثة أيام
من كل شهر . قوله ( والعشر ) فيه دليل على استحباب صوم عشر ذي الحجة وعلى أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم يوم عرفة ورواية أبي داود التي قدمنا بلفظ تسع
ذي الحجة : قوله ( صوم يوم عرفة يكفر سنتين ) الخ في بعض ألفاظ الحديث ( احتسب على
الله أن يكفرلا السنة التي قبله والسنة التي بعده ) وقد استشكل تكفيره السنة
الآتية لأن التكفير التغطية ولا تكون إلا لشيء قد وقع وأجيب بأن المراد يكفره بعد وقوعه
أو المراد أنه يلطف به فلا يأتي بذنب فيها بسبب صيامه ذلك اليوم . وقد
قيد ذلك جماعة من المعتزلة وغيرهم بالصغائر . قال النووي فإن لم تكن صغائر كفر من
الكبائر وإن لم تكن كبائر كان زيادة في رفع الدرجات
( والحديث ) يدل على استحباب صوم يوم عرفة
وكذلك الأحاديث الواردة في معناه التي قدمنا الإشارة إليها وإلى ذلك ذهب عمر
وعائشة وابن الزبير وأسامة بن زيد وعثمان ابن أبي العاص والعترة وكان ذلك يعجب
الحسن ويحكيه عن عثمان وقال قتادة أنه لا بأس به إذ لم يضعف عن الدعاء ونقله
البيهقي في المعرفة عن الشافعي في القديم واختاره الخطابي والمتولي من الشافعية
وحكى في الفتح عن الجمهور أنه يستحب إفطاره حتى قال عطاء من أفطره ليتقوى به على
الذكر كان له مثل أجر الصائم وقال يحيى بن سعيد الأنصاري أنه يجب فطر يوم عرفة للحاج
( واعلم ) أن ظاهر حديث أبي قتادة المذكور
في الباب أنه يستحب صوم يوم عرفة مطلقا . وظاهر حديث عقبة بن عامر المذكور في
الباب أيضا أنه يكره صومه مطلقا لجعله قريبا في الذكر ليوم النحر وأيام التشريق
وتعليل ذلك بأنها عيد وأنها أيام أكل وشرب . وظاهر حديث أبي هريرة أنه لا يجوز
صومه بعرفات فيجمع بين الأحاديث بأن صوم هذا اليوم مستحب لكل أحد مكروه لمن كان بعرفات
حاجا
( والحكمة ) في ذلك أنه ربما كان مؤديا إلى
الضعف عن الدعاء والذكر يوم عرفة هنالك والقيام بأعمال الحج . وقيل الحكمة أنه يوم
عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه ويؤيده حديث أبي قتادة . وقيل أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم إنما أفطر فيه لموافقته يوم الجمعة وقد نهى عن إفراده بالصوم كما
سيأتي ويرد هذا حديث أبي هريرة المصرح بالنهي عن صومه مطلقا
قوله ( فشرب وهو يخطب ) فيه دليل على جواز
الأكل والشرب في المحافل من غير كراهة . وفي رواية للبخاري من حديث ميمونة : ( أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم شربه والناس ينظرون إليه )
قوله ( عيدنا أهل الإسلام ) فيه دليل على
أن يوم عرفة وبقية أيام التشريق التي بعد يوم النحر أيام عيد
باب صوم المحرم وتأكيد عاشوراء
1 - قد سبق أنه صلى الله عليه وآله وسلم : (
سئل أي الصيام بعد رمضان أفضل قال شهر الله المحرم )
2 - وعن ابن عباس : ( وسئل عن صوم عاشوراء
فقال ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صام يوما يطلب فضله على الأيام
إلا هذا اليوم ولا شهرا إلا هذا الشهر يعني رمضان )
3 - وعن عائشة قالت : ( كان يوم عاشوراء يوما
تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصومه فلما قدم
المدينة صامه وأمر الناس بصيامه فلما فرض رمضان قال من شاء صامه ومن شاء تركه )
4 - وعن سلمة بن الأكوع قال : ( أمر النبي صلى
الله عليه وآله وسلم رجلا من أسلم إن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه
ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء )
5 - وعن علقمة : ( أن الأشعث بن قيس دخل
على عبد الله وهو يطعم يوم عاشوراء فقال يا أبا عبد الرحمن إن اليوم يوم عاشوراء
فقال قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان ترك فإن كنت مفطرا فأطعم )
6 - وعن ابن عمر : ( أن أهل الجاهلية كانوا
يصومون يوم عاشوراء وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صامه والمسلمون قبل أن
يفرض رمضان فلما فرض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن يوم عاشوراء
من أيام الله فمن شاء صامه وكان ابن عمر لا يصومه إلا أن يوافق صيامه )
7 - وعن أبي موسى قال : ( كان يوم عاشوراء
تعظمه اليهود وتتخذه عيدا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوموه أنتم )
8 - وعن ابن عباس قال : ( قدم النبي صلى الله
عليه وآله وسلم فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال ما هذا قالوا يوم صالح نجى الله فيه
موسى وبني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه )
9 - وعن معاوية بن أبي سفيان قال : ( سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه
وأنا صائم فمن شاء صام ومن شاء فليفطر )
- متفق على هذه الأحاديث كلها وأكثرها يدل
على أن صومه وجب ثم نسخ ويقال لم يجب بحال بدليل خبر معاوية وإنما نسخ تأكيد
استحبابه
- قوله ( قد سبق أنه صلى الله عليه وآله
وسلم سئل ) الخ هذا الحديث ذكره المصنف رحمه الله تعالى في باب ما جاء في قيام
الليل من أبواب صلاة التطوع وهو للجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة
( وفيه دليل ) على أن أفضل صيام التطوع صوم
شهر المحرم ولا يعارضه حديث أنس عند الترمذي قال : ( سئل رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان قال شعبان ) . لتعظيم رمضان لأن في
إسناده صدقة بن موسى وليس بالقوي . ومما يدل على فضيلة الصيام في المحرم ما أخرجه
الترمذي عن علي عليه السلام وحسنه : ( أنه سمع رجلا يسأل رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وهو قاعد فقال يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان فقال
إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله فيه يوم تاب فيه على قوم
ويتوب فيه على قوم )
وقد استشكل قوم إكثار النبي صلى الله عليه
وآله وسلم من صوم شعبان دون المحرم مع كون الصيام فيه أفضل من غيره وأجيب عن ذلك
بجوابين الأول أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما على فضل المحرم في آخر حياته
والثاني لعله كان يعرض له فيه سفر أو مرض أو غيرهما : قوله ( عن صوم عاشوراء ) قال
في الفتح هو بالمد على المشهور وحكى فيه القصر وزعم ابن دريد أنه اسم إسلامي وأنه
لا يعرف في الجاهلية ورد ذلك ابن دحية بأن ابن الأعرابي حكى أنه سمع في كلامهم
خابوراء كذا في الفتح :
وبحديث عائشة المذكور في الباب ( أن
الجاهلية كانوا يصومونه ) ولكن صومهم له لا يستلزم أن يكون مسمى عندهم بذلك الاسم
قال في الفتح أيضا واختلف أهل الشرع في
تعيينه فقال الأكثر هو اليوم العاشر قال القرطبي عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة
والتعظيم وهو في الأصل صفة الليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد
واليوم مضاف إليها فإذا قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة إلا أنهم
عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الإسمية فامتنعوا عن الموصوف فحذفوا الليلة فصار هذا اللفظ
علما على اليوم العاشر وذكر أبو منصور الجواليقي أنه لم يسمع فاعولاء إلا هذا
وضاروراء وساروراء وذالولاء من الضار والسار والذال . قال الزين ابن المنير الأكثر
على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية .
وقيل هو اليوم التاسع فعلى الأول اليوم مضاف الليلة الماضية وعلى الثاني هو ضاف
لليلة الآتية وقيل إنما سمي يوم التاسع عاشوراء أخذا من أوراد الإبل كانوا إذا
رعوا الإبل ثمانية أيام ثم أوردوها في التاسع قالوا وردنا عشرا بكسر العين . وروى
مسلم من حديث الحكم بن الأعرج انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه فقلت أخبرني عن
يوم عاشوراء قال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما فقلت هكذا كان
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم قال نعم وهذا ظاهره أن يوم عاشوراء هو التاسع
انتهى كلام الفتح
وقد تأول قول ابن عباس هذا الزين بن المنير
بأن معناه أنه ينوي الصيام في الليلة المتعقبة للتاسع وقواه الحافظ بحديث ابن عباس
الآتي : ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا كان المقبل إن شاء الله صمنا
التاسع ) . فلم يأت العام المقبل حتى توفي قال فإنه ظاهر في أنه صلى الله عليه
وآله وسلم كان يصوم العاشر وهم بصوم التاسع فمات قبل ذلك . وأقول الأولى أن يقال
أن ابن عباس أرشد السائل له إلى اليوم الذي يصام فيه وهو التاسع ولم يجب عليه
بتعيين يوم عاشوراء أنه اليوم العاشر لأن ذلك مما لا يسئل عنه ولا يتعلق بالسؤال
عنه فائدة فابن عباس لما فهم من السائل أن مقصوده تعيين اليوم الذي يصام فيه أجاب
عليه بأنه التاسع . وقوله نعم بعد قول السائل أهكذا كان النبي صلى الله عليه وآله
وسلم يصوم بمعنى نعم هكذا كان يصوم لو بقي لأنه قد أخبرنا بذلك ولابد من هذا لأنه
صلى الله عليه وآله وسلم مات قبل صوم التاسع وتأويل ابن المنير في غاية البعد لأن قوله
وأصبح يوم التاسع صائما لا يحتمله وسيأتي لكلام ابن عباس تأويل آخر
قوله ( ما علمت ) الخ هذا يقتضي أن يوم
عاشوراء أفضل الأيام للصيام بعد رمضان ولكن ابن عباس أسند ذلك إلى علمه فليس فيه
ما يرد علم غيره وقد تقدم أن أفضل الصوم بعد رمضان على الإطلاق صوم المحرم وتقدم
في الباب الذي قبل هذا أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة
وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء . قوله ( فلما قدم المدينة صامه
) فيه تعيين الوقت الذي وقع فيه الأمر بصيام عاشوراء وهو أول قدومه المدينة ولا شك
أن قدومه كان في ربيع الأول فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية وفي السنة
الثانية فرض شهر رمضام فعلى هذا لم يقع الأمر بصوم عاشوراء إلا في سنة واحدة . ثم
فوض الأمر في صومه إلى المتطوع . قوله ( من شاء صامه ومن شاء تركه ) هذا يرد على
من قال ببقاء فرضية صوم عاشوراء كما نقله القاضي عياض عن بعض السلف ونقل ابن عبد
البر الإجماع على أنه ليس الآن بفرض والإجماع على أنه مستحب وكان ابن عمر يكره
قصده بالصوم ثم انعقد الإجماع بعده على الاستحباب : قوله ( وعن سلمة بن الأكوع )
قد تقدم شرح هذا الحديث في باب الصبي يصوم إذا أطاق : قوله ( إن أهل الجاهلية
كانوا يصومون ) الخ حديث عائشة أنها كانت تصومه قريش . قال في الفتح وأما صيام
قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة وغير ذلك
قال الحافظ ثم رأيت في المجلس الثالث من
مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية
فعظم في صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوراء يكفر ذلك انتهى :
قوله ( فرأى اليهود تصوم عاشوراء ) في رواية
لمسلم ( فوجد اليهود صياما ) وقد استشكل ظاهر هذا الخبر لاقتضائه أنه صلى الله
عليه وآله وسلم حين قدومه المدينة وجد اليهود صياما يوم عاشوراء وإنما قدم المدينة
في ربيع الأول . وأجيب بأن المراد أن أول علمه بذلك وسؤاله عنه كان بعد أن قدم
المدينة أو يكون في الكلام خذف وتقديره قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة
فأقام إلى يوم عاشوراء فوجد اليهود فيه صياما ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا
يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي
قدم فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة :
قوله ( فصامه وأمر بصيامه ) قد استشكل رجوعه
صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليهود في ذلك . وأجاب المازري باحتمال أن يكون أوحى
إليه بصدقهم أو تواتر عنده الخبر بذلك أو أخبره من أسلم منهم كابن سلام ثم قال ليس
في الخبر أنه ابتدأ الأمر بصيامه بل في حديث عائشة التصريح بأنه كان يصومه قبل ذلك
فغاية ما في القصة أنه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم ولا مخالفة بينه وبين حديث
عائشة أن أهل الجاهلية كانوا يصومون كما تقدم إذ لا مانع من توارد الفريقين على
صيامه مع اختلاف السبب في ذلك . قال القرطبي وعلى كل حال فلم يصمه اقتداء بهم فإنه
كان يصومه قبل ذلك وكان ذلك في الوقت الذي يجب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه
. قوله
( ولم يكتب عليكم صيامه ) الخ هذا كله من
كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما بينه النسائي . واستدل به على أنه لم يكن
فرضا قط كما قال المصنف قال الحافظ ولا دلالة فيه لاحتمال أن يريد ولم يكتب عليكم
صيامه على الدوام كصيام رمضان وغايته أنه عام خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه
ويؤيد ذلك أن معاوية إنما صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سنة الفتح والذين شهدوا
أمره بصيام عاشوراء والنداء بذلك شهدوه في السنة الأولى أول العام الثاني ويؤخذ من
مجموع الأحاديث أنه كان واجبا لثبوت الأمر بصومه ثم تأكيد الأمر بذلك ثم زيادة
التأكيد بالنداء العام ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك ثم زيادته بأمر الأمهات أن
لا يرضعن فيه الأطفال
ومقول ابن مسعود الثابت في مسلم لما فرض
رمضان ترك عاشوراء مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باق فدل على أن المتروك
وجوبه
وأما قول بعضهم المتروك تأكيد استحبابه والباقي
مطلق الاستحباب فلا يخفى ضعفه بل تأكد استحبابه باق ولاسيما مع استمرار الاهتمام
به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال : ( لئن بقيت لأصومن التاسع
) . كما سيأتي ولترغيبه فيه وإخباره بأنه يكفر سنة فأي تأكيد أبلغ من هذا
10 - وعن ابن عباس قال : ( لما صام رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم
تعظمه اليهود والنصارى فقال فإذا كان عام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع
قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
- رواه مسلم وأبو داود . وفي لفظ : ( قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع يعني يوم
عاشوراء ) . رواه أحمد ومسلم . وفي رواية : ( قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود صوموا قبله يوما وبعده يوما
) . رواه أحمد
- رواية أحمد هذه ضعيفة منكرة من طريق داود
بن علي عن أبيه عن جده رواها عنه ابن أبي ليلى : قوله ( تعظمه اليهود والنصارى
) استشكل هذا بأن التعليل بنجاة موسى وغرق فرعون مما يدل على اختصاص ذلك بموسى
واليهود . وأجيب باحتمال أن يكون سبب تعظيم النصارى أن عيسى كان يصومه وهو مما لم
ينسخ من شريعة موسى لأن كثيرا منها ما نسخ بشريعة عيسى لقوله تعالى { ولأحل لكم
بعض الذي حرم عليكم } وأكثر الأحكام إنما يتلقاها
النصارى من التوراة
وقد أخرج أحمد عن ابن عباس أن السفينة
استوت على الجودي فيه فصامه نوح وموسى شكر لله تعالى وكان ذكر موسى دون غيره
لمشاركته له في الفرح باعتبار نجاتهما وغرق أعدائهما
قوله ( صمنا اليوم التاسع ) يحتمل أن
المراد أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطا له وإما مخالفة
لليهود والنصارى ويحتمل أن المراد أنه يقتصر على صومه ولكنه ليس في اللفظ ما يدل
على ذلك ويؤيد الاحتمال الأول قوله في آخر الحديث ( صوموا قبله يوما وبعده يوما )
فإنه صريح في مشروعية ضم اليومين إلى يوم عاشوراء . وقد أخرج الحديث المذكور بمثل
اللفظ الذي رواه أحمد البيهقي وذكره في التلخيص وسكت عنه وقال بعض أهل العلم إن
قوله ( صمنا التاسع ) يحتمل أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع وإنه أراد أن يضيفه
إليه في الصوم فلما توفي قبل ذلك كان الاحتياط صوم اليومين انتهى
والظاهر أن الأحوط صوم ثلاثة أيام التاسع
والعاشر والحادي عشر فيكون صوم عاشوراء على ثلاث مراتب الأولى صوم العاشر وحده .
والثانية صوم التاسع معه . والثالثة صوم الحادي عشر معهما وقد ذكر معنى هذا الكلام
صاحب الفتح
قوله ( يعني يوم عاشوراء ) قد تقدم تأويل
كلام ابن عباس بأن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع وتأوله النووي بأنه مأخوذ من إظماء
الإبل فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيامه رابعا كذا باقي الأيام وعلى هذه
النسبة فيكون التاسع عاشرا قال وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف أن عاشوراء هو
اليوم العاشر من المحرم ممن قال بذلك سعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وأحمد
وإسحاق وخلائق قال وهذا ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ وأما تقدير أخذه من الإظماء
فبعيد انتهى
باب ما جاء في صوم شعبان والأشهر الحرم
1 - عن أم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصل به رمضان )
- رواه الخمسة . ولفظ ابن ماجه ( كان يصوم
شهري شعبان ورمضان )
2 - عن عائشة قالت : ( لم يكن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يصوم أكثر من شعبان فإنه كان يصومه كله ) . وفي لفظ : ( ما كان
يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله ) . وفي
لفظ : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر
رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان )
- متفق على ذلك كله
- حديث أم سلمة حسنه الترمذي . قوله ( شهرا
تاما إلا شعبان ) وكذا قول عائشة فإنه كان يصومه كله . وقولها بل كان يصومه كله
ظاهره يخالف قول عائشة كان يصومه إلا قليلا . وقد جمع بين هذه الروايات بأن المراد
بالكل والتمام الأكثر وقد نقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال جائز في كلام العرب
إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله ويقال قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى
واشتغل ببعض أمره . قال الترمذي كان ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك وحاصله أن
رواية الكل والتمام مفسرة برواية الأكثر ومخصصة بها وأن المراد بالكل الأكثر وهو
مجاز قليل الاستعمال واستبعده الطيبي قال لأن لفظ كل تأكيد لإرادة الشمول ورفع
التجوز فتفسيره بالبعض مناف له قال فيحتمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم
معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان وقيل المراد بقولها كله أنه كان يصوم
من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثنائه طورا فلا يخلي شيئا منه من صيام ولا يخص
بعضا منه بصيام دون بعض . وقال الزين بن المنير إما أن
يحمل قول عائشة على المبالغة والمراد الأكثر وإما أن يجمع بأن قولها أنه كان يصومه
كله متأخر عن قولها أنه كان يصوم أكثره وأنها أخبرت عن أول الأمر ثم أخبرت عن آخره
ويؤيد الأول قولها ولا صام شهرا كاملا قط منذ قدم المدينة غير رمضان أخرجه مسلم
والنسائي
( واختلف ) في الحكمة في إكثاره صلى الله
عليه وآله وسلم من صوم شعبان فقيل كان يشتغل عن صيام الثلاثة الأيام من كل شهر
لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان أشار إلى ذلك ابن بطال ويؤيده ما أخرجه
الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم
ثلاثة أيام من كل شهر فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم شعبان ) . ولكن
في إسناده ابن أبي ليلى وهو ضعيف
وقيل كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان ويؤيد ما
أخرجه الترمذي عن أنس قال : ( سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي الصوم
أفضل بعد رمضان فقال شعبان لتعظيم رمضان ) . ولكن إسناده ضعيف لأن فيه صدقة ابن
موسى وليس بالقوي
( وقيل الحكمة ) في ذلك أن نساءه كن يقضين
ما عليهن من رمضان في شعبان فكان يصوم معهن . وقيل الحكمة أنه يتعقبه رمضان وصومه
مفترض فكان يكثر من الصوم في شعبان قدر ما يصوم في شهرين غيره لما يفوته من التطوع
الذي يعتاده بسبب صوم رمضان والأولى أن الحكمة في ذلك غفلة الناس عنه لما أخرجه
النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة من حديث أسامة قال : ( قلت يا رسول الله لم أرك
تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب
ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) . ونحوه
من حديث عائشة عند أبي يعلى ولا تعارض بين ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم من
صوم كل شعبان أو أكثره ووصله برمضان وبين أحاديث النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو
يومين وكذا ما جاء من النهي عن صوم نصف شعبان الثاني فإن الجمع بينها ظاهر بأن
يحمل النهي على من لم يدخل تلك الأيام في صيام يعتاده وقد تقدم تقييد أحاديث النهي
عن التقدم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( إلا أن يكون شيئا يصومه أحدكم )
( فائدة ) ظاهر قوله في حديث أسامة ( إن
شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان ) أنه يستحب صوم رجب لأن الظاهر أن
المراد أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجبا به
ويحتمل أن المراد غفلتهم عن تعظيم شعبان
بصومه كما يعظمون رجبا بنحر النحائر فيه فإنه كان يعظم بذلك عند الجاهلية وينحرون
فيه العتيرة كما ثبت في الحديث والظاهر الأول لأن المراد بالناس الصحابة فإن الشارع
قد كان إذ ذاك محا آثار الجاهلية ولكن غايته التقرير لهم على صومه وهو لا يفيد
زيادة على الجواز . وقد ورد ما يدل على مشروعية صومه على العموم والخصوص أما
العموم فالأحاديث الواردة في الترغيب في صوم الأشهر الحرم وهو منها بالإجماع .
وكذلك الأحاديث الواردة في مشروعية مطلق الصوم
وأما على الخصوص فما أخرجه الطبراني عن
سعيد ابن أبي راشد مرفوعا بلفظ ( من صام يوما من رجب فكأنما
صام سنة ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه أبواب جهنم ومن صام منه ثمانية أيام فتحت
له ثمانية أبواب الجنة ومن صام منه عشرة لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه ومن صام منه
خمسة عشر يوما نادى مناد من السماء قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل ومن زاد زاده
الله ) . ثم ساق حديثا طويلا في فضله
وأخرج الخطيب عن أبي ذر ( من صام يوما من
رجب عدل صيام شهر ) وذكر نحو حديث سعيد بن أبي راشد
وأخرج نحوه أبو نعيم وابن عساكر من حديث
ابن عمر مرفوعا . وأخرج نحوه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس مرفوعا . وأخرج الخلال
عن أبي سعيد مرفوعا ( رجب من شهور الحرم وأيامه
مكتوبة على أبواب السماء السادسة فإذا صام الرجل منه يوما وجدد صومه بتقوى الله
نطق الباب ونطق اليوم وقالا يا رب اغفر له وإذا لم يتم صومه بتقوى الله لم يستغفرا
له وقيل خدعتك نفسك )
وأخرج أبو الفتح ابن أبي الفوارس في
أماليه عن الحسن مرسلا أنه : ( قال صلى الله عليه وآله وسلم رجب شهر الله وشعبان
شهري ورمضان شهر أمتي ) . وحكى ابن السبكي عن محمد ابن منصور السمعاني أنه قال لم
يرد في استحباب صوم رجب على الخصوص سنة ثابتة والأحاديث التي تروى فيه واهية لا
يفرح بها عالم وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه أن عمر كان يضرب أكف الناس في رجب حتى
يضعوها في الجفان ويقول كلوا فإنما هو شهر كان تعظمه الجاهلية
وأخرج أيضا من حديث زيد بن أسلم قال : (
سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم رجب فقال أين أنتم عن شعبان )
وأخرج عن ابن عمر ما يدل على أنه كان يكره
صوم رجب ولا يخفاك أن الخصوصات إذا لم تنتهض للدلالة على استحباب صومه انتهضت
العمومات ولم يرد ما يدل على الكراهة حتى يكون مخصصا لها . وأما حديث ابن عباس عند
ابن ماجه بلفظ ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن صيام رجب ) ففيه ضعيفان
زيد بن عبد الحميد وداود بن عطاء
3 - وعن رجل من باهلة قال : ( أتيت النبي صلى الله
عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله أنا الرجل الذي أتيتك عام الأول فقال فمالي أرى
جسمك ناحلا قال يا رسول الله ما أكلت طعاما بالنهار ما أكلته إلا بالليل قال من
أمرك أن تعذب نفسك قلت يا رسول الله إني أقوى قال صم شهر الصبر ويوما بعده قلت إني
أقوى قال صم شهر الصبر ويومين بعده قلت إني أقوى قال صم شهر الصبر وثلاثة أيام بعده
وصم أشهر الحرم )
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وهذا لفظه
- الحديث أخرجه أيضا النسائي وقد اختلف في
اسم الرجل الذي من باهلة فقال البغوي أبو القاسم في معجم الصحابة أن اسمه عبد الله
بن الحرث وقال سكن البصرة وروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثا لم يسمعه
وذكر في موضع آخر هذا الحديث وكذلك قال ابن قانع في معجم الصحابة أن اسمه عبد الله
بن الحرث والراوي عنه مجيبة الباهلية بضم الميم وكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف
وبعدها باء موحدة مفتوحة وتاء التأنيث ففي رواية أبي داود عن أبيها أو عمها يعني
هذا الرجل وهكذا قال أبو القاسم البغوي أنها قالت حدثني أبي أو عمي
وفي رواية النسائي مجيبة الباهلية عن عمه
وقد ضعف هذا الحديث بعضهم لهذا الاختلاف . قال المنذري وهو متوجه وفيه نظر لأن مثل
هذا الاختلاف لا ينبغي أن يعد قادحا في الحديث
قوله ( صم شهر الصبر ) يعني شهر رمضان .
قوله ( ويوما بعده ) إلى قوله وثلاثة أيام بعده فيه دليل على استحباب صوم يوم أو
يومين أو ثلاثة بعد شهر رمضان وقد تقدم أنه يستحب صيام ستة أيام فلا منافاة لأن
الزيادة مقبولة . قوله ( وصم أشهر الحرم ) هي شهر القعدة والحجة ومحرم ورجب
( وفيه دليل ) على مشروعية صومها أما شهر محرم
ورجب فقد قدمنا ما ورد فيهما على الخصوص وكذلك العشر الأول من شهر ذي الحجة وأما
شهر القعدة وبقية شهر الحجة فلهذا العموم ولكنه ينبغي أن لا يستكمل صوم شهر منها
ولا يصوم جميعها ويدل على ذلك ما عند أبي داود من هذا الحديث بلفظ ( صم من الحرم
واترك صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك )
باب الحث على صوم الاثنين والخميس
1 - عن عائشة قالت : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم كان يتحرلاى صيام الاثنين والخميس )
- رواه الخمسة إلا أبا داود لكنه له من
رواية أسامة بن زيد
2 - وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال تعرض الأعمال كل اثنين وخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم )
- رواه أحمد والترمذي . ولابن ماجه معناه .
ولأحمد والنسائي هذا المعنى من حديث أسامة بن زيد
3 - وعن أبي قتادة : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود
- حديث عائشة أخرجه أيضا ابن حبان وصححه
وأعله ابن القطان بالراوي عنها وهو ربيعة الجرشي وأنه مجهول قال الحافظ وأخطأ في
ذلك فهو صحابي قال الترمذي حديث عائشة هذا حسن صحيح وحديث أسامة أخرجه أيضا
النسائي وفي إسناده رجل مجهول ولكنه صحح الحديث ابن خزيمة وحديث أبي هريرة قال
الترمذي حديث غريب وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وحديث أبي قتادة أخرجه من ذكر
المصنف . ( وفي الباب ) عن حفصة عند أبي داود . ( وأحاديث ) الباب تدل على استحباب
صوم يوم الاثنين والخميس لأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال
قوله ( فقال ذلك يوم ولادت فيه وأنزل علي
فيه ) الولادة والإنزال إنما كانا في يوم الاثنين كما جاء في الأحاديث
باب كراهة إفراد يوم الجمعة ويوم السبت
بالصوم
1 - عن محمد بن عباد بن جعفر قال : ( سألت
جابر أنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم يوم الجمعة قال نعم )
- متفق عليه . وللبخاري في رواية ( أن يفرد
بصوم )
2 - وعن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم )
- رواه الجماعة إلا النسائي . ولمسلم : (
ولا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين
الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ) . ولأحمد يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا
يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده
3 - وعن جويرية : ( أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم دخل عليها في يوم الجمعة وهي صائمة فقال أصمت أمس قالت لا قال
تصومين غدا قالت لا قال فأفطري )
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود وهو دليل
على أن التطوع لا يلزم بالشروع
4 - وعن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال لا تصوموا يوم الجمعة وحده )
5 - وعن جنادة الأزدي قال : ( دخلت على رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم جمعة في سبعة من الأزد إناثا منهم وهو يتغدى
فقال هلموا إلى الغداء فقلنا يا رسول الله إنا صيام فقال أصمتم أمس قلنا لا قال أفتصومون
غدا قلنا لا قال فأفطروا فأكلنا معه فلما خرج وجلس على المنبر دعا بإناء من ماء فشرب
وهو على المنبر والناس ينظرون يريهم أنه لا يصوم يوم الجمعة )
- رواهما أحمد
- حديث ابن عباس هو مثل حديث أبي هريرة
المتقدم وفي إسناده الحسين بن عبد الله بن عبيد الله وثقه ابن معين وضعفه الأئمة .
وحديث جنادة الأزدي هو مثل حديث جويرية وأخرجه أيضا الحاكم وأخرجه أيضا النسائي
بإسناد رجاله رجال الصحيح إلا حذيفة البارقي وهو مقبول :
قوله ( قال نعم ) زاد مسلم وأحمد وغيرهما
قال ( نعم ورب هذا البيت ) وفي رواية النسائي ( ورب الكعبة ) وهم
صاحب العمدة فعزاها إلى مسلم
قوله ( أن يفرد بصوم ) فيه دليل على أن
النهي المطلق في الرواية الأولى مقيد بالإفراد لا إذا لم يفرد الجمعة بالصوم كما
يأتي في بقية الروايات : قوله ( إلا وقبله يوم أو بعده يوم ) أي لا تصوموا قبله
يوما أو تصوموا بعده يوما وكذا وقع في رواية الإسماعيلي فقال ( إلا أن تصوموا قبله
أو بعده ) وفي رواية لمسلم ( إلا أن تصوموا قبله يوما أو بعده يوما ) وهذه
الروايات تقيد مطلق النهي أيضا . قوله ( ولا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين
الليالي ) فيه دليل على عدم جواز تخصيص ليلة الجمعة بقيام أو صلاة من بين الليالي
قال النووي في شرح مسلم وهذا متفق على
كراهته قال واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب
قاتل الله واضعها ومخترعها فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها
منكرات ظاهرة . وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها
ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر والله أعلم انتهى
واستدل بأحاديث الباب على منع إفراد يوم
الجمعة بالصيام وقد حكاه ابن المنذر وابن حزم عن علي عليه السلام وأبي هريرة
وسلمان وأبي ذر . قال ابن حزم ولا نعلم لهم مخالفا في الصحابة ونقله أبو الطيب
الطبري عن أحمد وابن المنذر وبعض الشافعية
وقال ابن المنذر ثبت النهي عن صوم يوم
الجمعة كما ثبت عن صوم يوم العيد وهذا يشعر بأنه يرى تحريمه . وقال أبو جعفر
الطبري يفرق بين العيد والجمعة بأن الإجماع منعقد على تحريم صوم يوم العيد ولو صام
قبله أو بعده وذهب الجمهور إلى أن النهي فيه للتنزيه . وقال مالك وأبو حنيفة لا
يكره واستدلا بحديث ابن مسعود الآتي : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قل ما
كان يفطر يوم الجمعة ) . قال في الفتح وليس فيه حجة لأنه يحتمل أنه كان لا يتعمد
فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومهات ولا يضاد ذلك كراهة إفراده بالصوم جمعا
بين الخبرين قال ومنهم من عده من الخصائص وليس بجيد لأنها لا تثبت بالاحتمال انتهى
ويمكن أن يقال بل دعوى اختصاص صومه به صلى
الله عليه وآله وسلم جيدة لما تقرر في الأصول من أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم
لما نهي عنه نهيا يشمله يكون مخصصا له وحده من العموم ونهيا يختص بالأمة لا يكون
فعله معارضا له إذا لم يقم دليل يدل على التأسي به في ذلك الفعل لخصوصه لا مجرد
أدلة التأسي العامة فإنها مخصصة بالنهي للأمة لأنه أخص منها مطلقا
ومن غرائب المقام ما احتج له بعض المالكية
على عدم كراهة صوم يوم الجمعة يقال يوم لا يكره صومه مع غيره فلا يكره وحده وهذا قياس
فاسد الاعتبار لأنه منصوب في مقابلة النصوص الصحيحة وأغرب من ذلك قول مالك في
الموطأ لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدي به ينهى عن صيام يوم الجمعة
وصيامه حسن وقد رأيت بعضهم يصومه وأراه كان يتحراه قال النووي والسنة مقدمة على ما
رآه هو وغيره وقد ثبت النهي عن صوم الجمعة فيتعين القول به ومالك معذور فإنه لم
يبلغه . قال الداودي من أصحاب مالك لم يبلغ مالكا هذا الحديث ولو بلغه لم يخالفه
( وقد اختلف ) في سبب كراهة إفراد يوم
الجمعة بالصيام على أقوال ذكرها صاحب الفتح منها لكونه عيدا ويدل على ذلك رواية
أحمد المذكورة في الباب واستشكل التعليل بذلك بوقوع الإذن من الشارع بصومه مع غيره
وأجاب ابن القيم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم الاستواء من كل وجه ومن صام معه
غيره انتفت عنه صورة التحري بالصوم ومنها لئلا يضعف عن العبادة ورجحه النووي
قال في الفتح وتعقب ببقاء المعنى المذكور
مع صوم غيره معه وأجاب النووي بأنه يحصل بفضيلة اليوم الذي قبله أو بعده جبر ما
يحصل به يوم صومه من فتور أو تقصير . قال الحافظ وفيه نظر فإن الجبر لا ينحصر في
الصوم بل يحصل بجميع أفعال الجبر فيلزم منه جواز إفراده لمن عمل فيه خيرا كثيرا
يقوم مقام صيام يوم قبله أو بعده كمن أعتق فيه رقبة مثلا ولا قائل بذلك وأيضا فكأن
النهي يختص بمن يخشى عليه الضعف لا من يتحقق منه القوة ويمكن الجواب عن هذا بأن
المظنة أقيمت مقام المئنة كما في جواز الفطر في السفر لمن لم يشق عليه
ومنها خوف المبالغة في تعظيمه فيفتتن به
كما افتتن اليهود بالسبت قال في الفتح وهو منتقض بثبوت تعظيمه بغير الصيام وخوف
اعتقاد وجوبه قال في الفتح أيضا وهو منتقض بصوم الاثنين والخميس . ومنها خشية أن
يفرض عليهم كما خشي صلى الله عليه وآله وسلم من قيام الليل ذلك قاله المهلب . قال
في الفتح وهو منتقض بإجازة صومه مع غيره وبأنه لو كان السبب ذلك لجاز صومه بعده
صلى الله عليه وآله وسلم لارتفاع الخشية ومنها مخالفة النصارى لأنه يجب عليهم صومه
ونحن مأمورون بمخالفتهم قال في الفتح وهو ضعيف
وأقوى الأقوال وأولاها بالصواب الأول لما
تقدم من حديث أبي هريرة وقد أخرجه الحاكم أيضا ولما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن
عن علي عليه السلام قال ( من كان منكم متطوعا من الشهر فليصم يوم الخميس ولا يصم
يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب وذكر )
6 - وعن عبد الله بن بسر عن أخته واسمها
الصماء : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تصوموا يوم السبت إلا
فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجرة فليمضغه )
- رواه الخمسة إلا النسائي
7 - وعن ابن مسعود : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قلما كان يفطر يوم الجمعة )
- رواه الخمسة إلا أبا داود ويحمل هذا على
أنه كان يصومه مع غيره
- الحديث الأول أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم
والطبراني والبيهقي وصححه ابن السكن . قال أبو داود في السنن قال مالك هذا الحديث
كذب وقد أعل بالاضطراب كما قال النسائي لأنه روي كما ذكر المصنف . وروى عن عبد
الله بن بسر وليس فيه عن أخته كما وقع لابن حبان قال الحافظ وهذه ليست بعلة قادحة
فإنه أيضا صحابي وقيل عنه عن أبيه بسر . وقيل عنه عن أخته الصماء عن عائشة
قال الحافظ ويحتمل أن يكون عند عبد الله
عن أبيه وعن أخته وعند أخته بواسطة قال ولكن هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد
الواحد مع اتحاد المخرج يوهن الرواية وينبئ عن قلة ضبطه إلا أن يكون من الحفاظ
المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث فلا يكون ذلك دالا على قلة ضبطه وليس الأمر
هنا كذا بل اختلف فيه أيضا على الراوي عبد الله بن بسر . وقد ادعى أبو داود أن هذا
الحديث منسوخ قال في التلخيص ولا يتبين وجه النسخ فيه ثم قال يمكن أن يكون أخذه من
كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر ثم في
آخر الأمر قال خالفوهم والنهي عن يوم السبت يوافق الحالة الأولى وصيامه إياه يوافق
الحالة الثانية وهذه صورة النسخ والله أعلم انتهى
وقد أخرج النسائي والبيهقي وابن حبان
والحاكم عن كريب : ( أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثوه إلى أم
سلمة يسألها عن الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر لها صياما
فقالت يوم السبت والأحد فرجعت إليهم فكأنهم أنكروا ذلك فقاموا بأجمعهم إليها
فسألوها فقالت صدق وكان يقول إنهما يوما عيد للمشركين فإنا أريد أن أخالفهم ) . وصحح
الحاكم إسناده وصححه أيضا ابن خزيمة
وروى الترمذي من حديث عائشة قالت : ( كان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر
الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس ) . وسيأتي وقد جمع صاحب البدر المنير بين هذه
الأحاديث فقال النهي متوجه إلى الإفراد والصوم باعتبار انضمام ما قبله أو بعده
إليه ويؤيد هذا ما تقدم من إذنه صلى الله عليه وآله وسلم لمن صام الجمعة أن يصوم
السبت بعدها والجمع مهما أمكن أولى من النسخ
والحديث الثاني حسنه الترمذي . وقال ابن
عبد البر هو صحيح ولا مخالفة بينه وبين الأحاديث السابقة وأنه محمول على أنه كان
يصله بيوم الخميس . وروى بسنده إلى أبي هريرة أنه قال ( من صام الجمعة كتب له عشرة
أيام من أيام الآخرة لا يشاكلهن أيام الدنيا ) . وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس
قال ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مفطرا يوم الجمعة قط ) . وقد
تقدم الكلام على صوم يوم الجمعة
قوله ( أو لحاء شجرة ) اللحاء بكسر اللام
بعدها حاء مهملة قشر الشجر
باب صوم أيام البيض وصوم ثلاثة أيام من كل
شهر وإن كانت سواها
1 - عن أبي ذر قال : ( قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس
عشرة )
- رواه أحمد والنسائي والترمذي
2 - وعن أبي قتادة قال : ( قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود
3 - وعن عائشة قالت : ( كان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر الثلاثاء
والأربعاء والخميس )
- رواه الترمذي وقال حديث حسن
4 - وعن أبي ذر قال : ( قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر فأنزل الله
تصديق ذلك في كتابه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها اليوم بعشرة )
- رواه ابن ماجه والترمذي
- حديث أبي ذر الأول أخرجه أيضا ابن حبان
وصححه . ولفظه عند النسائي والترمذي قال : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ) .
وأخرجه أيضا النسائي وابن حبان وصححه من حديث أبي هريرة ورواه النسائي من حديث
جرير مرفوعا قال الحافظ وإسناده صحيح ورواه ابن أبي حاتم في العلل عن جرير موقوفا
وصحح عن أبي زرعة وقفه وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق ابن ملحان القيسي عن أبيه
. وأخرجه البزار من طريق ابن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر . وحديث
عائشة روى موقوفا قال في الفتح وهو أشبه . وحديث أبي ذر الآخر حسنه الترمذي
( وفي الباب ) عن ابن مسعود عند أصحاب السنن
وصححه ابن خزيمة : ( أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر )
وعن حفصة عند أبي داود والنسائي : ( كان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام الاثنين والخميس
والاثنين والجمعة الأخرى )
وعن عائشة غير حديث الباب عند مسلم قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي من
أي الشهر صام )
وعن أبي هريرة غير حديثه الأول عند
الشيخين بلفظ : ( أوصاني خليلي بصيام ثلاثة أيام )
وعن ابن عباس عند النسائي بلفظ : ( كان
صلى الله عليه وآله وسلم لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر ) . وسيأتي . وعن قرة
بن إياس المزني وأبي عقرب وعثمان بن أبي العاص أشار إلى ذلك الترمذي
قوله ( فصم ثلاث عشرة ) الخ فيه دليل
استحباب صوم أيام البيض وهي الثلاثة المعينة في الحديث وقد وقع الاتفاق بين
العلماء على أنه يستحب أن تكون الثلاث المذكورة في وسط الشهر كما حكاه النووي
واختلفوا في تعيينها فذهب الجمهور إلى أنها ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر . وقيل
هي الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر : وحديث أبي ذر المذكور في الباب وما ذكرنا
من الأحاديث الواردة في معناه يرد ذلك : قوله ( ثلاث من كل شهر ) الخ
اختلفوا في تعيين هذه الثلاثة الأيام المستحبة من كل شهر ففسرها عمر بن الخطاب
وابن مسعود وأبو ذر وغيرهم من الصحابة وجماعة من التابعين وأصحاب الشافعي بأيام
البيض . ويشكل على هذا قول عائشة المتقدم لا يبالي من أي الشهر صام وأجيب عن ذلك
بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعله كان يعرض له ما يشغله من مراعاة ذلك أو
كان يفعل ذلك لبيان الجواز وكل ذلك في حقه أفضل والذي أمر به قد أخبر به أمته
ووصاهم به وعينه لهم فيحمل مطلق الثلاث على الثلاث المقيدة بالأيام المعينة واختار
النخعي وآخرون أنها آخر الشهر واختار الحسن البصري وجماعة أنها من أوله واختارت عائشة
وآخرون صيام السبت والأحد والاثنين من عدة شهر ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس من
الشهر الذي بعده للحديث المذكور في الباب عنها . وقال البيهقي ( كان
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي من أي الشهر
صام ) كما في حديث عائشة قال فكل من رآه فعل نوعا ذكره وعائشة رأت جميع ذلك فأطلقت :
وقال الروياني صيام ثلاثة أيام من كل شهر
مستحب فإن اتفقت أيام البيض كان أحب . وفي حديث رفعه ابن عمر ( أول اثنين في الشهر
وخميسان بعده ) وروى عن مالك أنه يكره تعيين الثلاث : قال في الفتح وفي كلام غير
واحد من العلماء أن استحباب صيام أيام البيض غير استحباب صيام ثلاثة أيام من كل
شهر انتهى
وهذا هو الحق لأن حمل المطلق على المقيد ههنا
متعذر وكذلك استحباب السبت والأحد والاثنين من شهر والثلاثاء والأربعاء والخميس من
شهر غير استحباب ثلاثة أيام من كل شهر وقد حكى الحافظ في الفتح في تعيين الثلاثة
الأيام المطلقة عشرة أقوال وقد ذكرنا أكثرها والحق أنها تبقى على إطلاقها فيكون
الصائم مخيرا وفي أي وقت صامها فقد فعل المشروع لكن لا يفعلها في أيام البيض
( فالحاصل ) من أحاديث الباب استحباب صيام
تسعة أيام من كل شهر ثلاثة مطلقة وأيام البيض والسبت والأحد والاثنين في شهر
والثلاثاء والأربعاء والخميس في شهر
قوله ( فذلك صيام الدهر ) وذلك لأن الحسنة
بعشرة أمثالها فيعدل صيام الثلاثة الأيام من كل شهر صيام الشهر كله فيكون كمن صام
الدهر
باب صيام يوم وفطر يوم وكراهة صوم الدهر
1 - عن عبد الله بن عمرو : ( أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قال صم من كل شهر ثلاثة أيام قلت إني أقوى من ذلك فلم يزل
يرفعني حتى قال صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام وهو صوم أخي داود عليه السلام )
2 - وعن عبد الله بن عمرو قال : ( قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم لا صام من صام الأبد )
- متفق عليهما
3 - وعن أبي قتادة : ( قيل يا رسول الله كيف
بمن صام الدهر قال لا صام ولا أفطر أو لم يصم ولم يفطر )
- رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه
3 - وعن أبي موسى : ( عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وقبض كفه )
- رواه أحمد . ويحمل هذا على من صام الأيام
المنهي عنها
- حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان وابن
خزيمة والبيهقي وابن أبي شيبة . ولفظ ابن حبان ( ضيقت عليه
جهنم هكذا وعقد تسعين ) وأخرجه أيضا البزار والطبراني قال في مجمع الزوائد ورجاله
رجال الصحيح
( وفي الباب ) عن عبد الله بن الشخير عند
أحمد وابن حبان بلفظ ( من صام الأبد فلا صام ولا أفطر ) وعن عمران بن حصين أشار
إليه الترمذي : قوله ( فإنه أفضل الصيام ) مقتضاه أن الزيادة على ذلك من
الصوم مفضولة وسيأتي البحث عن ذلك : قوله ( لا صام من صام الأبد ) استدل
بذلك على كراهية صوم الدهر . قال ابن التين استدل على الكراهة من وجوه نهيه صلى
الله عليه وآله وسلم عن الزيادة وأمره بأن يصوم ويفطر . وقوله ( لا أفضل من ذلك )
ودعاؤه على من صام الأبد . وقيل معنى قوله لا صام النفي أي ما صام كقوله تعالى {
فلا صدق ولا صلى } ويدل على ذلك ما عند مسلم من حديث أبي قتادة بلفظ ( ما صام وما
أفطر ) وما عند الترمذي بلفظ ( لم يصم ولم يفطر ) قال في الفتح أي لم يحصل أجر
الصوم لمخالفته ولم يفطر لأنه أمسك . وإلى كراهة صوم الدهر مطلقا ذهب إسحاق وأهل الظاهر
وهي رواية عن أحمد . وقال ابن حزم يحرم ويدل للتحريم حديث أبي موسى المذكور في
الباب لما فيه من الوعيد الشديد
( وذهب الجمهور ) كما في الفتح إلى استحباب
صومه وأجابوا عن حديث ابن عمرو وحديث أبي قتادة بأنه محمول على من كان يدخل على
نفسه مشقة أو يفوت حقا قالوا ولذلك لم ينه صلى الله عليه وآله وسلم حمزة بن عمرو
الأسلمي وقد قال له يا رسول الله إني أسرد الصوم ويجاب عن هذا بأن سرد الصوم لا
يستلزم صوم الدهر بل المراد أنه كان كثير الصوم كما وقع ذلك في رواية الجماعة
المتقدمة في باب الفطر والصوم في السفر . ويؤيد عدم الاستلزام ما أخرجه أحمد من حديث
أسامة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يسرد الصوم )
مع ما ثبت أنه لم يصم شهرا كاملا إلا
رمضان وأجابوا عن حديث أبي موسى بحمله على من صامه جميعا ولم يفطر في الأيام
المنهي عنها كالعيدين وأيام التشريق وهذا هو اختيار ابن المنذر وطائفة . وأجيب عنه
بأن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا صام ولا أفطر لمن سأله عن صوم الدهر أن
معناه أنه لا أجر له ولا إثم عليه ومن صام الأيام المحرمة لا يقال فيه ذلك لأنه
أثم بصومها بالإجماع
وحكى الأثرم عن مسدد أنه قال معنى حديث
أبي موسى ضيقت عليه جهنم فلا يدخلها وحكى مثله ابن خزيمة عن المزني ورجحه الغزالي
. والملجئ إلى هذا التأويل أن من ازداد الله عملا صالحا ازداد عنده رفعة وكرامة .
قال في الفتح و تعقب بأن ليس كل عمل صالح إذا ازداد العبد منه ازداد من الله تقربا
بل رب عمل صالح إذا ازداد منه ازداد بعدا كالصلاة في الأوقات المكروهة انتهى
وأيضا لو كان المراد ما ذكروه لقال ضيقت
عليه واستدلوا على الاستحباب بما وقع في بعض طرق حديث عبد الله بن عمرو بلفظ ( فإن
الحسنة بعشرة أمثالها وذلك مثل صيام الدهر ) وبما تقدم من حديث ( من صام رمضان
وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر ) وبما تقدم في صيامه أيام البيض أنه مثل صوم
الدهر . قالوا والمشبه به أفضل من المشبه فكان صيام الدهر أفضل من هذه المشبهات
فيكون مستحبا وهو المطلوب . قال الحافظ وتعقب بأن التشبيه في الأمر المقدر لا يقتضي
جواز المشبه به فضلا عن استحبابه وإنما المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام
ثلثمائة وستين يوما
ومن المعلوم أن المكلف لا يجوز له صيام
جميع السنة فلا يدل التشبيه على أفضلية المشبه به من كل وجه واختلف المجوزون لصيام
الدهر هل هو الأفضل أو صيام يوم وإفطار يوم فذهب جماعة منهم إلى أن صوم الدهر أفضل
واستدلوا على ذلك بأنه أكثر عملا فيكون أكثر أجرا وتعقبه ابن دقيق العيد بأن زيادة
الأجر بزيادة العمل ههنا معارضة باقتضاء العادة التقصير في حقوق أخرى فالأولى
التفويض إلى حكم الشارع وقد حكم بأن صوم يوم وإفطار يوم أفضل الصيام هذا معنى
كلامه ومما يرشد إلى أن صوم الدهر من جملة الصيام المفضل عليه صوم يوم وإفطار يوم
أن ابن عمرو طلب أن يصوم زيادة على ذلك المقدار فأخبره النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بأنه أفضل الصيام
باب تطوع المسافر والغازي بالصوم
1 - وعن ابن عباس قال : ( كان رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر )
- رواه النسائي
2 - وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا )
- رواه الجماعة إلا أبا داود
- الحديث الأول في إسناده يعقوب بن عبد الله
القمي وجعفر بن أبي المغيرة القمي وفيهما مقال . وفيه دليل على استحباب صيام أيام
البيض في السفر ويلحق بها صوم سائر التطوعات المرغب فيها
والحديث الثاني يدل على استحباب صوم
المجاهد لأن المراد بقوله في سبيل الله الجهاد . قال النووي وهو محمول على من لا
يتضرر به ولا يفوت به حقا ولا يختل قتاله ولا غيره من مهمات غزوه . ومعناه
المباعدة عن النار والمعافاة منها مسيرة سبعين سنة
باب في أن صوم التطوع لا يلزم بالشروع
1 - عن أبي جحيفة : ( قال آخى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء
متبذلة فقال لها ما شأنك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو
الدرداء فصنع له طعاما فقال كل فإني صائم فقال ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل فلما كان
الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال نم فنام ثم ذهب يقوم فقال نم فلما كان من آخر الليل
قال سلمان قم الآن فصليا فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك
عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر له ذلك فقال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدق سلمان )
- رواه البخاري والترمذي وصححه
- قوله ( متبذلة ) بفتح المثناة الفوقية والموحدة
بعدها وتشديد الذال المعجمة المكسورة أي لابسة ثياب البذلة بكسر الموحدة وسكون
الذال وهي المهنة وزنا ومعنى والمراد أنها تاركة للبس ثياب الزينة . وفي رواية للكشمهيني
( متبذلة ) بتقديم الموحدة وتخفيف الذال المعجمة والمعنى واحد :
قوله ( ليست له حاجة في الدنيا ) زاد ابن
خزيمة يصوم النهار ويقوم الليل : قوله ( فقال كل ) القائل أبو
الدرداء على ظاهر هذه الرواية وهي لفظ الترمذي ولفظ البخاري ( فقال كل قال فإني
صائم ) فيكون القائل سلمان : قوله ( فقال ما أنا بآكل حتى تأكل )
في رواية للبزار ( فقال أقسمت عليك لتفطرن ) وكذا رواه ابن خزيمة
والدارقطني والطبراني وابن حبان : قوله ( فلما كان من آخر الليل ) في رواية ابن
خزيمة ( فلما كان عند السحر ) وعند الترمذي ( فلما كان عند الصبح )
وللدارقطني ( فلما كان في وجه الصبح ) : قوله ( ولأهلك عليك حقا ) زاد
الترمذي وابن خزيمة ( ولضيفك عليك حقا ) وزاد الدارقطني ( فصم وأفطر وصل ونم وائت
أهلك ) قوله ( صدق سلمان ) فيه دليل على مشروعية النصح للمسلم وتنبيه من غفل وفضل
قيام آخر الليل وثبوت حق المرأة على الزوج في حسن العشرة وجواز النهي عن المستحبات
إذا خشي أن ذلك يفضي إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة وكراهة الحمل على
النفس في العبادة وجواز الفطر في صوم التطوع وسيأتي الكلام عليه
2 - وعن أم هانئ : ( أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم دخل عليها فدعا بشراب فشرب ثم ناولها فشربت فقالت يا رسول الله أما
إني كنت صائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصائم المتطوع أمير نفسه
إن شاء صام وإن شاء أفطر )
- رواه أحمد والترمذي . وفي رواية : ( أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شرب شرابا فناولها لتشرب فقالت إني صائمة ولكني
كرهت أن أرد سؤرك فقال يعني إن كان قضاء من رمضان فاقضي يوما مكانه وإن كان تطوعا
فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي ) . رواه أحمد وأبو داود بمعناه
3 - وعن عائشة قالت : ( أهدي لحفصة طعام وكنا
صائمتين فأفطرنا ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا يا رسول الله إنا
أهديت لنا هدية واشتهيناها فأفطرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا
عليكما صوما مكانه يوما آخر )
- رواه أبو داود وهذا أمر ندب بدليل قوله لا
عليكما
)
- حديث أم هانئ أخرجه أيضا الدارقطني
والطبراني والبيهقي وفي إسناده سماك وقد اختلف عليه فيه وقال النسائي سماك ليس
يعتمد عليه إذا انفرد وقال البيهقي في إسناده مقال وكذلك قال الترمذي وفي إسناده
أيضا هرون ابن أم هانئ قال ابن القطان لا يعرف وفي إسناده أيضا يزيد بن أبي زياد
الهاشمي قال ابن عدي يكتب حديثه وقال الذهبي صدوق ردئ الحفظ وقد غلط سماك في هذا الحديث
فقال في بعض الروايات أن ذلك كان يوم الفتح وهي عند النسائي والطبراني ويوم الفتح
كان في رمضان فكيف يتصور أن تكون صائمة قضاء أو تطوعا
وحديث عائشة أخرجه أيضا النسائي وفي
إسناده زميل . قال النسائي ليس بالمشهور وقال البخاري لا يعرف لزميل سماع من عروة
ولا ليزيد يعني يزيد بن الهاد سماع من زميل ولا تقوم به الحجة . وقال الخطابي
إسناده ضعيف وزميل مجهول . وأخرج الحديث الترمذي بلفظ ( أقضيا يوما آخر مكانه )
وقال رواه ابن أبي حفصة وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة عن عائشة مثل هذا
يعني مرفوعا ورواه مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من
الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا ولم يذكروا فيه عروة وهذا أصح لأنه روي عن ابن
جريج قال سألت الزهري قلت له أحدثك عروة عن عائشة قال لم أسمع من عروة في هذا شيئا
ولكني سمعت في خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا
الحديث فذكره ثم أسنده كذلك . وقال النسائي هذا خطأ . وقال ابن عيينة في روايته سئل
الزهري عنه أهو عن عروة فقال لا . وقال الخلال اتفق الثقات على إرساله وتوارد
الحفاظ على الحكم بضعفه وضعفه أحمد والبخاري والنسائي بجهالة زميل
( وفي الباب ) عن عائشة غير الحديث المذكور
في الباب : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها ذات يوم فقال هل عندكم
من شيء فقدمت له حيسا فقال لقد أصبحت صائما فأكل منه ) . وقد تقدم في باب وجوب
النية وزاد النسائي فأكل وقال أصوم يوما مكانه . قال النسائي هي خطأ يعني الزيادة
ونسب الدارقطني الوهم فيها إلى محمد بن عمر الباهلي ولكن رواها النسائي من غير
طريقه . وكذا الشافعي
( وفي الباب ) أيضا عن أبي سعيد عند البيهقي
بإسناد قال الحافظ حسن قال : ( صنعت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم طعاما فلما وضع
قال رجل أنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاك أخوك وتكلف لك أفطر
فصم مكانه إن شئت )
( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على
أنه يجوز لمن صام تطوعا أن يفطر لا سيما إذا كان في دعوة إلى طعام أحد من المسلمين
. ويدل على أنه يستحب للمتطوع القضاء لذلك اليوم . وقد ذهب إلى ذلك الجمهور من أهل
العلم وحكى الترمذي عن قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم رأوا عليه
القضاء إذا أفطر قال وهو قول مالك بن أنس
واستدلوا بحديث عائشة المذكور . وبحديث
أبي سعيد في الباب وأجيب عن ذلك بما في حديث أم هانئ من التخيير فيجمع بينه وبين
حديث عائشة وأبي سعيد بحمل القضاء على الندب ويدل على جواز الإفطار وعدم وجوب
القضاء حديث أبي جحيفة المتقدم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرر ذلك ولم
يبين لأبي الدرداء وجوب القضاء عليه وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز
قال ابن المنير ليس في تحريم الأكل في صوم
النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله تعالى { ولا تبطلوا أعمالكم } إلا أن
الخاص يقدم على العام كحديث سلمان وقال ابن عبد البر من احتج في هذا بقوله تعالى {
ولا تبطلوا أعمالكم } فهو جاهل بأقوال أهل العلم فإن الأكثر على أن المراد بذلك
النهي عن الرياء كأنه قال لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل أخلصوها لله وقال آخرون لا
تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر ولو كان المراد بذلك النهي عن إبطال ما لم يفرض
الله عليه ولا أوجب على نفسه بنذر أو غيره لامتنع عليه الإفطار إلا بما يبيح الفطر
من الصوم الواجب وهم لا يقولون بذلك انتهى
ولا يخفى أن الآية عامة والاعتبار بعموم
اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول والصواب ما قال ابن المنير
قوله ( لا عليكما ) فيه دليل على أنه يجوز
لمن كان صائما عن قضاء أن يفطر وإثم عليه لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يستفصل
هل الصوم قضاء أو تطوع ويؤيد ذلك قوله في حديث أم هانئ إن كان قضاء رمضان فاقضي
يوما مكانه . قوله ( يعني ) هذه اللفظة ليست في
متن الحديث
باب ما جاء في استقبال رمضان باليوم
واليومين وغير ذلك
1 - عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان
يصوم صوما فليصمه )
- رواه الجماعة
2 - وعن معاوية قال : ( كان رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر قبل شهر رمضان الصيام يوم كذا وكذا ونحن
متقدمون فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر )
- رواه ابن ماجه . ويحمل هذا على التقدم
بأكثر من يومين
3 - وعن عمران بن حصين : ( أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال لرجل هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا قال لا فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فإذا أفطرت رمضان فصم يومين مكانه )
- متفق عليه . وفي رواية لهم ( من سرر شعبان
) ويحمل هذا على أن الرجل كانت له عادة بصيام سرر الشهر أو قد نذره )
- حديث معاوية في إسناده القاسم بن عبد
الرحمن أبو عبد الرحمن مولى ابن أمية مقال والهيثم بن حميد وفيه أيضا مقال :
قوله ( لا يتقدمن أحدكم ) الخ قال العلماء
معنى الحديث ( لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان ) قال الترمذي لما
أخرج هذا الحديث العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول
رمضان بمعنى رمضان انتهى . وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب فيمن يقصد ذلك
. وقد قطع كثير من الشافعية بأن ابتداء المنع من أول السادس عشر من شعبان واستدلوا
بحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )
أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره . وقال الروياني من الشافعية
يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث الباب ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الآخر
وقال جمهور العلماء يجوز الصوم تطوعا بعد
النصف من شعبان وضعفوا الحديث الوارد في النهي عنه . وقد قال أحمد وابن معين أنه
منكر . وقد استدل البيهقي على ضعفه بحديث الباب وكذا صنع قبله الطحاوي واستظهر
بحديث أنس مرفوعا ( أفضل الصيام بعد رمضان شعبان ) لكن إسناده ضعيف كما تقدم
واستظهر أيضا بحديث عمران بن حصين المذكور في الباب لقوله فيه ( من سرر شعبان )
والسرر بفتح السين المهملة ويجوز كسرها وضمها ويقال أيضا سرار بفتح أوله وكسره
ورجح الفراء الفتح وهو من الاستسرار قال أبو عبيدة والجمهور المراد بالسرر هنا آخر
الشهر سميت بذلك لاستسراء القمر فيها وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين
ونقل أبو داود عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أن سرره أوله ونقل الخطابي عن
الأوزاعي كالجمهور وقيل السرر وسط الشهر حكاه أبو داود أيضا ورجحه بعضهم . ووجهه
بأن السرر جمع سرة وسرة الشيء وسطه . ويؤيده الندب إلى صيام البيض وهي وسط وإن لم
يرد في صيام آخر الشهر ندب بل ورد فيه نهي خاص بآخر شعبان لمن صامه لأجل رمضان .
ورجحه النووي بأن مسلما أفرد الرواية التي فيها سرة هذا الشهر عن بقية الروايات
وأردف بها الروايات التي فيها الحث على صيام البيض وهي وسط الشهر كما تقدم
وقد قال الخطابي أن بعض أهل العلم قال إن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن سؤاله ( 1 ) عن ذلك سؤال زجر وإنكار لأنه قد
نهى أن يستقبل الشهر بيوم أو يومين وتعقب بأنه لو أنكر ذلك لم يأمره بقضائه وأجاب
الخطابي باحتمال أن يكون الرجل أوجبها على نفسه فلذلك أمره بالوفاء وأن يقضي ذلك
في شوال وقال آخرون فيه دليل على أن النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إنما هو
لمن يقصد به التحري لأجل رمضان وأما من لم يقصد ذلك فلا يتناوله النهي وهو خلاف
ظاهر حديث النهي لأنه لم يستثن منه إلا من كانت له عادة
وقال القرطبي الجمع بين الحديثين ممكن
بحمل النهي على من ليست له عادة بذلك وحمل الأمر على من له عادة وهذا هو الظاهر
وقد استثنى من له عادة في حديث النهي بقوله ( إلا أن يكون رجل كان يصوم صوما فليصمه
) فلا يجوز صوم النفل المطلق الذي لم تجر بها عادة وكذلك يحمل حديث معاوية المذكور
في الباب بعد ثبوته على من كان معتادا للصوم في ذلك الوقت . وأما
قول المصنف أنه يحمل على التقدم بأكثر من يومين فغير ظاهر لأن حديث العلاء بن عبد
الرحمن المتقدم يدل على المنع من صوم النصف الآخر من شعبان وقد جمع الطحاوي بين
حديث النهي . وحديث العلاء بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم . وحديث
الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان . قال في الفتح وهو جمع حسن
( وقد اختلف ) في الحكمة في النهي عن تقدم
رمضان بصوم يوم أو يومين فقيل هي التقوى بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط وفيه
نظر لأن مقتضى الحديث أنه لو تقدمه بصوم ثلاثة أيام أو أربعة أيام جاز . وقيل الحكمة
خشية اختلاط النفل بالفرض وفيه نظر لأنه يجوز لمن له عادة كما تقدم . وقيل
لأن الحكم معلق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم .
قال في الفتح وهذا هو المعتمد ولا يرد عليه صوم من اعتاد ذلك لأنه قد أذن له فيه
وليس من الاستقبال في شيء ويلحق به القضاء والنذر لوجوبهما قال بعض العلماء يستثنى
القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالطني
وفي حديث أبي هريرة بيان لمعنى قوله صلى
الله عليه وآله وسلم في الحديث الماضي ( صوموا لرؤيته ) فإن اللام فيه للتأقيت لا
للتعليل . قال ابن دقيق العيد ومع كونها محمولة على التأقيت فلابد من ارتكاب مجاز
لأن وقت الرؤية وهي الليل لا يكون محل الصوم وتعقبه الفاكهي بأن المراد بقوله (
صوموا ) انووا الصيام والليل كله طرف للنية . قال الحافظ فوقع في المجاز الذي فر
منه لأن الناوي ليس صائما حقيقة بدليل أنه يجوز له الأكل والشرب بعد النية إلى أن
يطلع الفجر
_________
( 1 ) هكذا الأصل تدبر
باب النهي عن صوم العيدين وأيام التشريق
1 - عن أبي سعيد : ( عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أنه نهى عن صوم يومين يوم الفطر ويوم النحر )
- متفق عليه . وفي لفظ لأحمد والبخاري ( لا
صوم في يومين ) . ولمسلم ( لا يصح الصيام في يومين )
- وفي الباب عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة
وابن عمر بنحو حديث الباب وهب في صحيح البخاري ومسلم وتفرد به مسلم من حديث عائشة
. قال النووي في شرح صحيح مسلم وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل
حال سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك ولو نذر صومهما متعمدا
لعينهما
قال الشافعي والجمهور لا ينعقد نذره ولا
يلزمه قضاؤهما . وقال أبو حنيفة ينعقد ويلزمه قضاؤهما قال فإن صامهما أجزأه وخالف
الناس كلهم في ذلك انتهى . وبمثل قول أبي حنيفة قال
المؤيد بالله والإمام يحيى . وقال زيد بن علي والهادوية يصح النذر بصيامهما ويصوم
في غيرهما ولا يصح صومه فيهما وهذا إذا نذر صومهما بعينهما كما تقدم . وأما إذا
نذر صوم يوم الاثنين مثلا فوافق يوم العيد فقال النووي لا يجوز له صوم العيد
بالإجماع قال وهل يلزمه القضاء فيه خلاف للعلماء وفيه للشافعي قولان أصحهما لا يجب
قضاؤه لأن لفظه لم يتناول القضاء وإنما يجب قضاء الفرائض بأمر جديد على المختار
عند الأصوليين انتهى
( والحكمة ) في النهي عن صوم العيدين أن فيه
إعراضا عن ضيافة الله تعالى لعباده كما صرح بذلك أهل الأصول
2 - وعن كعب بن مالك : ( أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم بعثه وأوس ابن الحدثان أيام التشريق فناديا أنه لا يدخل الجنة
إلا مؤمن وأيام منى أيام أكل وشرب )
- رواه أحمد ومسلم
3 - وعن سعد بن أبي وقاص قال : ( أمرني
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أنادي أيام منى أنها أيام أكل وشراب ولا صوم
فيها يعني أيام التشريق )
- رواه أحمد
4 - وعن أنس : ( أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم نهى عن صوم خمسة أيام في السنة يوم الفطر ويوم النحر وثلاثة أيام
التشريق
)
- رواه الدارقطني
5 - وعن عائشة وابن عمر قالا : ( لم يرخص في
أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي )
- رواه البخاري . وله عنهما أنهما قالا : (
الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة فإن لم يجد هديا ولم يصم صام أيام
منى )
- حديث سعد بن أبي وقاص أخرجه أيضا البزار
قال في مجمع الزوائد ورجالهما يعني أحمد والبزار رجال الصحيح . وحديث أنس في
إسناده محمد بن خالد الطحان وهو ضعيف
( وفي الباب ) عن عبد الله بن حذافة السهمي
عند الدارقطني بلفظ ( لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال ) يعني أيام
منى وفي إسناده الواقدي . وعن أبي هريرة عند الدارقطني وفي إسناده سعد بن سلام وهو
قريب من الواقدي وفيه أن المنادي بديل بن ورقاء . وأخرجه أيضا ابن ماجه من وجه آخر
وابن حبان . وعن ابن عباس عند الطبراني بنحو حديث عبد الله بن حذافة وفيه والبعال
وقاع النساء وفي إسناده إسماعيل بن أبي حبيب وهو ضعيف . وعن عمر بن خلدة عن أبيه
عند أبي يعلى وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه بنحوه وفي إسناده موسى
بن عبيدة الربذي وهو ضعيف . وعن ابن مسعود ابن الحكم عن أمه عند النسائي ( أنها رأت
وهي بمنى في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راكبا يصيح يقول يا أيها الناس
إنها أيام أكل وشرب ونساء وبعال وذكر الله قالت فقلت من هذا فقالوا علي بن أبي
طالب ) . وأخرجه
البيهقي من هذا الوجه لكن قال إن وجدته حدثته . وأخرجه ابن يونس في تاريخ مصر من
طريق يزيد بن الهاد عن عمرو بن سليم الزرقي عن أمه قال يزيد فسألت عنها فقيل إنا
جدته . وعن نبيشة الهذلي عند مسلم في صحيحه بلفظ ( أيام التشريق أيام أكل وشراب
) وأخرجه ابن حبان عن أبي هريرة بنحوه وأخرجه النسائي عن بشر بن سحيم بنحوه . وعن
عقبة بن عامر عند أصحاب السنن وابن حبان والحاكم والبزار بلفظ ( أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال أيام التشريق أيام أكل وشرب وصلاة فلا يصومها أحد )
وعن عمرو بن العاص عند أبي داود : ( أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بإفطارها وينهى عن صيامها )
( وقد استدل ) بهذه الأحاديث على تحريم صوم
أيام التشريق وفي ذلك خلاف بين الصحابة فمن بعدهم . قال في الفتح وقد روى ابن
المنذر وغيره عن الزبير بن العوام وأبي طلحة من الصحابة الجواز مطلقا . وعن علي
عليه السلام وعبد الله ابن عمرو بن العاص المنع مطلقا وهو المشهور عن الشافعي .
وعن ابن عمر وعائشة وعبيد ابن عمير في آخرين منعه إلا للمتمتع الذي لا يجد الهدي
وهو قول مالك والشافعي في القديم . وعن الأوزاعي وغيره أيضا يصومها المحصر والقارن
انتهى
واستدل القائلون بالمنع مطلقا بأحاديث
الباب التي لم تقيد بالجواز للمتمتع واستدل القائلون بالجواز للمتمتع بحديث عائشة
وابن عمر المذكور في الباب وهذه الصيغة لها حكم الرفع وقد أخرجه الدارقطني والطحاوي
بلفظ : ( رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمتمتع إذا يجد الهدي أن يصوم
أيام التشريق ) . وفي إسناده يحيى بن سلام وليس بالقوي ولكنه يؤيد ذلك عموم الآية
قالوا وحمل المطلق على المقيد واجب وكذلك بناء العام على الخاص وهذا أقوى المذاهب
. وأما القائل بالجواز مطلقا فأحاديث الباب جميعها ترد عليه . قال في الفتح وقد
اختلف في كونها يعني أيام التشريق يومين أو ثلاثة وسميت أيام التشريق لأن لحوم
الأضاحي تشرق فيها أي تنشر في الشمس . وقيل لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس .
وقيل لأن صلاة العيد تقع عند شروق الشمس وقيل التشريق التكبير دبر كل صلاة انتهى
وحديث أنس المذكور في الباب يدل على أنها
ثلاثة أيام بعد يوم النحر
كتاب الاعتكاف
1 - عن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يعتكف العشر الآواخر من رمضان حتى توفاه الله عز و جل )
2 - وعن ابن عمر قال : ( كان رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يعتكف العشر الآواخر من رمضان )
- متفق عليهما . ولمسلم قال نافع ( وقد
أراني عبد الله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
3 - وعن أنس قال : ( كان النبي صلى الله عليه
وآله وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاما فلما كان في العام المقبل
اعتكف عشرين )
- رواه أحمد والترمذي وصححه . ولأحمد وأبي
داود وابن ماجه هذا المعنى من رواية أبي بن كعب
- هذه الأحاديث فيها دليل على مشروعية
الاعتكاف وهو متفق عليه كما قال النووي وغيره . قال مالك فكرت في الاعتكاف وترك
الصحابة له مع شدة اتباعهم للأثر فوقع في نفسي أنه كالوصال وأراهم تركوه لشدته ولم
يبلغني عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا عن أبي بكر بن عبد الرحمن انتهى
ومن كلام مالك هذا أخذ بعض أصحابه أن
الاعتكاف جائز وأنكر ذلك عليهم ابن العربي . وقال أنه سنة مؤكدة وكذا قال ابن بطال
في مواظبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على تأكده . وقال أبو داود عن
أحمد لا أعلم عن أحد من العلماء خلافا أنه مسنون وتعقب الحافظ في الفتح قول مالك
أنه لم يعتكف من السلف إلا أبو بكر بن عبد الرحمن وقال لعله أراد صفة مخصوصة وإلا
فقد حكى عن غير واحد من الصحابة أنه اعتكف
( واعلم ) أنه لا خلاف في عدم وجوب الاعتكاف
إلا إذا نذر به
قوله ( يعتكف ) الاعتكاف في اللغة هو
الحبس واللزوم والمكث والاستقامة والاستدارة قال العجاج
فهن يعكفن به إذا حجا ... عكف النبيط
يلعبون الفنزجا
والنبيط قوم من العجم والفنزج بالفاء
والنون والزاي والجيم لعبة للعجم يأخذ كل واحد منهم بيد صاحبه ويستديرون راقصين
وقوله ( حجا ) أي أقام بالمكان وفي الشرع
المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة مخصوصة . قوله ( العشر الأواخر من رمضان ) فيه
دليل على استحباب مداومة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان لتخصيصه صلى الله
عليه وآله وسلم ذلك الوقت بالمداومة على اعتكافه . قوله ( اعتكف عشرين ) فيه دليل
على أن من اعتاد اعتكاف أيام ثم لم يمكنه أن يعتكفها أنه يستحب له قضاؤها وسيأتي
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتكف لما لم يعتكف العشر الأواخر من رمضان
العشر الأواخر من شوال
4 - وعن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه وأنه أمر بخباء
فضرب لما أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فأمرت زينب بخبائها فضرب وأمرت
غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخبائها فضرب فلما صلى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم الفجر نظر فإذا الأخبية فقال آلبر يردن فأمر بخبائه فقوض
وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأواخر من شوال )
- رواه الجماعة إلا الترمذي لكن له منه (
كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه )
- قوله ( صلى الفجر ثم دخل معتكفه ) استدل
به على أن أول وقت الاعتكاف من أول النهار وبه قال الأوزاعي والليث . والثوري .
وقال الأئمة الأربعة وطائفة يدخل قبيل غروب الشمس وأولوا الحديث على أنه دخل من
أول الليل ولكن إنمات يخلو بنفسه في المكان الذي أعده للاعتكاف بعد صلاة الصبح .
قوله ( بخباء
) بخاء معجمة ثم باء موحدة . قوله ( وأمرت غيرها ) الخ هذا يقتضي تعميم الأوزاج
وليس كذلك وقد فسر قوله من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعائشة وحفصة
وزينب فقط ويؤيد ذلك ما وقع في رواية للبخاري بلفظ ( أربع قباب ) وفي رواية
للنسائي ( فلما صلى الصبح إذا هو بأربعة أبنية قال لمن هذه قالوا لعائشة وحفصة
وزينب ) الحديث والرابع خباؤه صلى الله عليه وآله وسلم . قوله ( آلبر ) بهمزة
استفهام ممدودة وبغير مد وبنصب الراء . قوله ( يردن ) بضم أوله وكسر
الراء وسكون الدال ثم نون النسوة . وفي رواية للبخاري ( انزعوها فلا أراها ) قوله
( فقوض ) بضم القاف وتشديد الواو المكسورة بعدها ضاد معجمة أي نقض : قوله ( وترك
الاعتكاف ) كان الحامل له صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك خشية أن يكون الحامل
للزوجات المباهاة والتنافس الناشيء عن الغيرة حرصا على القرب منه خاصة فيخرج
الاعتكاف عن موضوعه أو الحامل له على ذلك أن يكون باعتبار اجتماع النسوة عنده يصير
كالجالس في بيته وربما يشغله ذلك عن التخلي لما قصد من العبادة فيفوت مقصوده
بالاعتكاف . قوله ( في العشر الأواخر من شوال ) في رواية في البخاري ( حتى
اعتكف في العشر الأول من شوال ) ويجمع بينه وبين الرواية الأولى بأن المراد بقوله
في العشر الأواخر من شوال انتهاء اعتكافه . قال الإسماعيلي فيه دليل على جواز
الاعتكاف بغير صوم لأن أول شوال يوم الفطر وصومه حرام وسيأتي الكلام عليه
وقال غيره في اعتكافه في شوال دليل على أن
النوافل المعتادة إذا فاتت تقضى قال المصنف رحمه الله تعالى وفيه أن النذر لا يلزم
بمجرد النية وأن السنن تقضى وأن للمعتكف أن يلزم من المسجد مكانا بعينه وإن من
التزم اعتكاف أيام معينة لم يلزمه أول ليلة لها انتهى
( واستدل ) به أيضا على جواز الخروج من
العبادة بعد الدخول فيها وأجيب عن ذلك بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يدخل
المعتكف ولا شرع في الاعتكاف وإنما هم به ثم عرض له المانع المذكور فتركه فيكون
دليلا على جواز ترك العبادة إذا لم يحصل إلا مجرد النية كما قال المصنف
5 - وعن نافع عن ابن عمر : ( أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم كان إذا اعتكف طرح له فراشه أو يوضع له سريره وراء إسطوانة
التوبة
)
- رواه ابن ماجه
- الحديث رجال إسناده في سنن ابن ماجه ثقات
. وقد ذكره الحافظ في الفتح عن نافع أن ابن عمر كان إذا اعتكف الخ ولم يذكر أنه
مرفوع . وفي صحيح مسلم عن نافع أنه قال وقد أراني عبد الله بن عمر المكان الذي كان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف فيه من المسجد
( وفيه دليل ) على جواز طرح الفراش ووضع
السرير للمعتكف في المسجد وعلى جواز الوقوف في مكان معين من المسجد في الاعتكاف
فيكون مخصصا للنهي عن إيطان المكان في المسجد يعني ملازمته وقد تقدم الحديث في
الصلاة
6 - وعن عائشة : ( أنها كانت ترجل النبي صلى
الله عليه وآله وسلم وهي حائض وهو معتكف في المسجد وهي في حجرتها يناولها رأسه
وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفا )
7 - وعنها أيضا قالت : ( إن كنت لأدخل البيت
للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة )
8 - وعن صفية بنت حيي قالت : ( كان رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي
ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد )
- متفق عليهن
- قوله ( ترجل ) الترجيل بالجيم المشط والدهن
فيه دليل على أنه يجوز للمعتكف التنظيف والطيب والغسل والحلق والتزيين إلحاقا
بالترجيل . والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في المسجد وعن مالك يكره
الصنائع والحرف حتى طلب العلم وفيه دليل على أن من أخرج بعض بدنه من المسجد لم يكن
ذلك قادحا في صحة الاعتكاف
قوله ( إلا لحاجة الإنسان ) فسرها الزهري
بالبول والغائط وقد وقع الإجماع على استثنائهما واختلفوا في غيرهما من الحاجات
كالأكل والشرب ويلحق بالبول والغائط القيء والفصد والحجامة لمن احتاج إلى ذلك
وسيأتي الكلام على الخروج للحاجات ولغيرها . قوله ( فما أسأل عنه ) سيأتي الكلام
على الخروج لزيارة المريض . قوله ( ثم قمت لأنقلب ) أي ترجع إلى بيتها : قوله (
لقلبني ) بفتح أوله وسكون القاف أي يردها إلى منزلها
( وفيه دليل ) على جواز خروج المعتكف من
مسجد اعتكافه لتشييع الزائر . قوله ( في دار أسامة بن زيد ) أي التي صارت له بعد
ذلك لأن أسامة إذ ذاك ليس له دار مستقلة بحيث يسكن فيها صفية وكانت بيوت أزواج
النبي صلى الله عليه وآله وسلم حوالي أبواب المسجد
9 - وعن عائشة قالت : ( كان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه )
- رواه أبو داود
10 - وعن عائشة قالت : ( السنة على المعتكف أن
لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما
لابد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع )
- رواه أبو داود
- الحديث الأول في إسناده ليث بن أبي سليم
وفيه مقال . قال الحافظ والصحيح عن عائشة من فعلها أخرجه مسلم وغيره وقال صح ذلك
عن علي عليه السلام
والحديث الثاني أخرجه أيضا النسائي وليس
فيه قالت السنة . وأخرجه أيضا من حديث مالم وليس فيه ذلك . قال أبو داود غير عبد
الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه قالت السنة . وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من حديث
عائشة قولها لا يخرج وما عداه ممن دونها انتهى
وكذلك رجح البيهقي ذكره ابن كثير في الإرشاد
. وعبد الرحمن بن إسحاق هذا هو القرشي المدني يقال له عباد . قد أخرج له مسلم في
صحيحه ووثقه يحيى بن معين وأثنى عليه غيره وتكلم فيه بعضهم
( الحديثان ) استدل بهما على أنه لا يجوز
للمعتكف أن يخرج من معتكفه لعيادة المريض ولا لما يماثلها من القرب كتشييع الجنازة
وصلاة الجمعة . قال في الفتح وروينا عن علي عليه السلام والنخعي والحسن البصري أن
شهد المعتكف جنازة أو عاد مريضا أو خرج للجمعة بطل اعتكافه وبه قال الكوفيون وابن المنذر
في الجمعة . وقال الثوري والشافعي وإسحاق أن شرط شيئا من ذلك في ابتداء اعتكافه لم
يبطل اعتكافه بفعله وهو رواية عن أحمد انتهى
وعند الهادوية أنه يجوز الخروج لتلك
الأمور ونحوها ولكن في وسط النهار قياسا على الحاجة المذكورة في حديث عائشة
المتقدم وهو فاسد الاعتبار لأنه في مقابلة النص
قوله ( ولا يمس امرأة ولا يباشرها )
المراد بالمباشرة هنا الجماع بقرينة ذكر المس قبلها . وقد نقل ابن المنذر الإجماع
على ذلك ويؤيده ما روى الطبري وغيره من طريق قتادة في سبب نزول الآية يعني قوله
تعالى { ولا تباشرهن وأنتم عاكفون في المساجد } أنهم كانوا إذا اعتكفوا فخرج رجل
لحاجته فلقي امرأته جامعها إن شاء فنزلت : قوله ( ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه
) فيه دليل على المنع من الخروج لكل حاجة من غير فرق بين ما كان مباحا أو قربة أو
غيرهما إلا الذي لابد منه كالخروج لقضاء الحاجة وما في حكمها : قوله
( ولا اعتكاف إلا بصوم ) فيه دليل على أنه لا يصح الاعتكاف إلا بصوم وأنه شرط حكاه
في البحر عن العترة جميعا وابن عباس وابن عمر ومالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة
وحكى فغي البحر أيضا عن ابن مسعود والحسن البصري والشافعي وأحمد وإسحاق أنه ليس
بشرط قالوا يصح اعتكاف ساعة واحدة ولحظة واحدة واستدلوا بما تقدم من أنه صلى الله
عليه وآله وسلم اعتكف العشر الأول من شوال ومن جملتها يوم الفطر
وبحديث عمر الآتي وأجابوا عن حديث عائشة
المذكور في الباب بما تقدم من الكلام عليه وهذا هو الحق لا كما قال ابن القيم أن
الراجح الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف . وقد روى عن علي وابن مسعود
أنه ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجبه على نفسه ويدل على ذلك حديث ابن عباس الآتي
ويؤيد قول من قال بجواز الاعتكاف ساعة أو لحظة حديث ( من اعتكف فواق ناقة فكأنما أعتق
نسمة ) رواه العقيلي في الضعفاء من حديث عائشة وأنس . قال في البدر المنير هذا
حديث غريب لا أعرفه بعد البحث الشديد عنه . وقال الحافظ هو منكر ولكنه أخرجه
الطبراني في الأوسط قال الحافظ لم أر في إسناده ضعفا إلا أن فيه وجادة وفي المتن
نكارة شديدة وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى أن أقل مدة الاعتكاف يوم . قوله ( ولا اعتكاف
إلا في مسجد جامع ) فيه دليل على أن المسجد شرط للاعتكاف . قال في الفتح واتفق
العلماء على مشروطية المسجد للاعتكاف إلا محمد بن عمر بن لبابة المالكي فأجازه في
كل مكان وأجاز الحنفية للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها وهو المكان المعد للصلاة .
وفيه قول للشافعي قديم وفي وجه لأصحابه وللمالكية يجوز للرجال والنساء لأن التطوع
في البيوت أفضل وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى اختصاصه بالمساجد التي تقام فيها الصلوات
وخصه أبو يوسف بالواجب منه وأما النفل ففي كل مسجد وقال الجمهور بعمومه في كل مسجد
انتهى كلام الفتح . وسيأتي قول من قال أنه يختص بالمساجد الثلاثة
11 - وعن ابن عمر : ( أن عمر سأل النبي صلى
الله عليه وآله وسلم قال كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال
فأوف بنذرك
)
- متفق عليه . وزاد البخاري ( فاعتكف ليلة )
12 - وعن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه )
- رواه الدارقطني وقال رفعه أبو بكر السوسي
وغيره لا يرفعه
- الحديث الثاني رجح الدارقطني والبيهقي
وقفه وأخرجه الحاكم مرفوعا وقال صحيح الإسناد قوله ( إن عمر سأل ) لم يذكر مكان
السؤال
وفي رواية للبخاري أن ذلك كان بالجعرانة
لما رجعوا من حنين ويستفاد منه الرد على من زعم أن اعتكاف عمر كان قبل المنع من
الصيام في الليل لأن غزوة حنين متأخرة عن ذلك : قوله ( نذرت في الجاهلية ) زاد
مسلم فلما أسلمت سألت وفي ذلك رد على من زعم أن المراد بالجاهلية ما قبل فتح مكة
وأنه إنما نذر في الإسلام وأصرح من ذلك ما أخرجه الدارقطني بلفظ نذران يعتكف في
الشرك : قوله
( أن اعتكف ليلة ) استدل به على جواز الاعتكاف يغير صوم لأن الليل ليس بوقت صوم
وقد أمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يفي بنذره على الصفة التي أوجبها وتعقب بأن
في رواية لمسلم ( يوما ) بدل ليلة وقد جمع ابن حبان وغيره بأنه نذر اعتكاف يوم
وليلة فمن أطلق ليلة أراد بيوم ومن أطلق يوما أراد بليلته
وقد ورد الأمر بالصوم في رواية أبي داود
والنسائي بلفظ ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاله اعتكف وصم ) أخرجه أبو
داود والنسائي من طريق عبد الله بن بديل ولكنه ضعيف وقد ذكر ابن عدي والدارقطني
أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار . قال في الفتح ورواية من روى يوما شاذة وقد وقع
في رواية سليمان بن بلال عند البخاري فاعتكف ليلة فدل على أنه لم يزد على نذره شيئا
وأن الاعتكاف لا صوم فيه وأنه لا يشترط له حد معين
قوله ( ليس على المعكتف صيام ) استدل به
القائلون بأنه لا يشترط الصوم في الاعتكاف وقد تقدم ذكرهم
وقد استدل بعض القائلين بأن الصوم شرط في
الاعتكاف بقوله تعالى { ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في
المساجد ) قال فذكر الاعتكاف عقب الصوم وتعقب بأنه ليس فيها ما يدل على تلازمهما
والإلزام أن لا صوم إلا بالاعتكاف ولا قائل به وفي حديث عمر المذكور في الباب رد
على من قال أن أقل الاعتكاف عشرة أيام وفيه أيضا دليل على أن النذر من الكافر لا يسقط
عنه بالإسلام وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على ذلك
13 - وعن حذيفة أنه قال لابن مسعود : ( لقد
علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة
أو قال في مسجد جماعة )
- رواه سعيد في سننه
14 - وعن عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطشت تحتها من
الدم )
- رواه البخاري . وفي رواية ( اعتكف معه
امرأة من أزواجه وكانت ترى الدم والصفرة والطشت تحتها وهي تصلي ) . رواه أحمد
والبخاري وأبو داود
- الحديث الأول أخرجه ابن أبي شيبة ولكن لم
يذكر المرفوع منه واقتصر على المراجعة التي فيه بين حذيفة وابن مسعود ولفظه ( أن
حذيفة جاء إلى عبد الله فقال ألا أعجبك من قوم عكوف بين دارك ودار الأشعري يعني
المسجد قال عبد الله فلعلهم أصابوا وأخطأت ) . فهذا يدل على أنه لم يستدل على ذلك
بحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أن عبد الله يخالفه ويجوز الاعتكاف
في كل مسجد ولو كان ثم حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما خالفه وأيضا الشك
الواقع في الحديث مما يضعف الاحتجاج أحد شقيه وقد استشهد بعضهم لحديث حذيفة بحديث
أبي سعيد وأبي هريرة وغيرهما مرفوعا بلفظ ( تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي
هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ) . وهو متفق عليه ولكن فيه ما يشهد لحديث
حذيفة لأن أفضلية المساجد الثلاثة واختصاصها بشد الرحال إليها لا تستلزم اختصاصها
بالاعتكاف
وقد حكى في الفتح عن حذيفة أن الاعتكاف
يختص بالمساجد الثلاثة ولم يذكر هذا الحديث وحكى عن عطاء أنه يختص بمسجد مكة وعن
ابن المسيب بمسجد المدينة :
وقوله ( أو قال في مسجد جماعة ) قيل فيه
دليل لمذهب أبي حنيفة وأحمد المتقدم . قوله ( بعض نسائه ) قال ابن الجوزي ما عرفنا
من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كانت مستحاضة قال والظاهر أن عائشة
أشارت بقولها من نسائه أي من النساء المتعلقات به وهي أم حبيبة بنت جحش أخت زينب
ولكنه يرد عليه ما وقع في البخاري في كتاب الاعتكاف بلفظ امرأة مستحاضة من أزواجه
ووقع في رواية سعيد بن منصور عن عكرمة أن أم سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضة وهذه
الرواية تفيد تعيينها
وقد حكى ابن عبد البر أن بنات جحش الثلاث
كن مستحاضات زينب وحمنة وأم حبيبة ويدل على ذلك ما وقع عند أبي داود عن عائشة أنها
قالت استحيضت زينب بنت جحش . وقد عد مغلطاي في المستحاضات سودة بنت زمعة وقد روى ذلك
أبو داود تعليقا وذكر البيهقي أن ابن خزيمة أخرجه موصولا فهذه ثلاث مستحاضات من
أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قوله ( من الدم ) أي لأجل الدم
( والحديث ) يدل على جواز مكث المستحاضة في
المسجد وصحة اعتكافها وصلاتها وجواز حدثها في المسجد عند أمن التلويث ويلحق بها
دائم الحدث ومن به جرح يسيل وقد تقدم البحث عن ذلك
باب الاجتهاد في العشر الأواخر وفضل قيام
ليلة القدر وما يدعي به فيها وأي ليلة هي
1 - عن عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر )
- متفق عليه . ولأحمد ومسلم : ( كان يجتهد
في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها )
- قوله ( أحيا الليل ) فيه استعارة الإحياء
للاستيقاظ أي سهره فأحياه بالطاعة وأحيا نفسه بسهره فيه لأن النوم أخو الموت
( والحديث ) فيه دليل على مشروعية الحرص على
مدوامة القيام في العشر الأواخر من رمضان وإحيائها بالعبادة واعتزال النساء وأمر
الأهل بالاستكثار من الطاعة فيها : قوله ( وأيقظ أهله ) أي للصلاة وفي الترمذي عن
أم سلمة
( لم يكن صلى الله عليه وآله وسلم إذا بقي
من رمضان عشرة أيام يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه ) : قوله ( وشد المئزر
) أي اعتزل النساء كما رواه عبد الرزاق عن الثوري وابن أبي شيبة عن أبي بكر بن
عياش وحكى في الفتح عن الخطابي أنه يحتمل أن يراد به الجد في العبادة كما يقال
شددت لهذا الأمر مئزري أي شمرت له ويحتمل أن يراد التشمير والاعتزال معا ويحتمل أن
يراد حقيقته والمجاز كمن يقول طويل النجاد لطويل القامة وهو طويل النجاد حقيقة
يعني شد مئزره حقيقة واعتزل النساء وشمر للعبادة يعني فيكون كناية وهو يجوز فيها
إرادة اللازم والملزوم . وقد وقع في رواية ( شد مئزره واعتزل النساء ) . فالعطف
بالواو يقوي الاحتمال الأول كما قال الحافظ
2 - وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه
3 - وعن عائشة قالت : ( قلت يا رسول الله أرأيت
أن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف
عني )
- رواه الترمذي وصححه وأحمد وابن ماجه وقالا
فيه ( أرأيت إن وافقت ليلة القدر )
- الحديث الأول قد تقدم مع شرحه في باب صلاة
التراويح وأورده المصنف ههنا للاستدلال به على مشروعية قيام ليلة القدر
والحديث الثاني صححه الترمذي كما ذكر
المصنف وفيه دليل على إمكان معرفة ليلة القدر وبقائها وسيأتي الكلام على ذلك
قوله ( ليلة القدر ) اختلف في المراد
بالقدر الذي أضيفت إليه الليلة فقيل هو التعظيم لقوله تعالى { وما قدروا الله حق
قدره } والمعنى أنها ذات قدر لنزول القرآن فيها أو لما يقع فيها من نزول الملائكة
أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر وقيل
القدر هنا التضييق لقوله تعالى { ومن قدر عليه رزقه } ومعنى التضييق فيها إخفاؤها
عن العلم بتعيينها . وقيل القدر بمعنى القدر بفتح الدال الذي هو مؤاخي القضاء . والمعنى
أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة لقوله تعالى { فيها يفرق كل أمر حكيم } وبه صدر
النووي كلامه فقال قال العلماء سميت ليلة القدر لما يكتب فيها الملائكة من الأقدار
لقوله تعالى { فيها يفرق } الآية
ورواه عبد الرزاق وغيره من المفسرين
بأسانيد صحيحة عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم . قال التور بشتى إنما جاء
القدر بسكون الدال وإن كان الشائع في القدر الذي يؤاخى القضاء فتح الدال ليعلم أنه
لم يرد به ذلك وإنما أريد به تفصيل ما جرى به القضاء وإظهاره وتحديده في تلك السنة
لتحصيل ما يلقي إليهم فيها مقدار بمقدار
قوله ( إنك عفو ) بفتح العين وضم الفاء
وتشديد الواو صيغة مبالغة . وفيه دليل على استحباب الدعاء في هذه الليلة بهذه
الكلمات
4 - وعن ابن عمر قال : ( قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين أو قال تحروها ليلة
سبع وعشرين يعني ليلة القدر )
- رواه أحمد بإسناد صحيح
5 - وعن ابن عباس : ( أن رجلا أتى نبي الله
صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا نبي الله إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام
فأمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر فقال عليك بالسابعة )
- رواه أحمد
6 - وعن معاوية ابن أبي سفيان : ( عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة القدر قال ليلة سبع وعشرين )
- رواه أبو داود
7 - وعن ذر بن حبيش قال : ( سمعت أبي بن كعب
يقول وقيل له أن عبد الله بن مسعود يقول من قام السنة أصاب ليلة القدر فقال أبي
والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان يحلف ما يستثني ووالله إني لأعلم أي ليلة
هي هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقيامها هي ليلة سبع
وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا الطبراني في
الكبير قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح . وقد أخرج نحوه عبد الرزاق عن
ابن عمر مرفوعا والمراد بالسابعة إما السبع بقين أو لسبع مضين بعد العشرين . وحديث
معاوية سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح
( وفي الباب ) عن جابر بن سمرة عند الطبراني
في الأوسط بنحو حديث ابن عمر . وعن ابن مسعود عند الطبراني قال : ( سئل رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم عن ليلة القدر فقال أيكم يذكر ليلة الصهيا قلت أنا وذلك
ليلة سبع وعشرين ) . رواه ابن أبي شيبة عن عمر وحذيفة وناس من الصحابة
وروى عبد الرزاق عن ابن عباس قال : ( دعا
عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا على
أنها في العشر الأواخر قال ابن عباس فقلت لعمر إني لأعلم أو أظن أي ليلة هي قال
عمر أي ليلة هي فقلت سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال من أين علمت
ذلك فقلت خلق الله سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام والدهر يدور في سبع والإنسان
خلق من سبع ويأكل من سبع ويسجد على سبع والطواف والجمار وأشياء ذكرها فقال عمر لقد
فطنت لأمر ما فطنا له ) . وقد أخرج نحو هذه
القصة الحاكم وإلى أن ليلة القدر ليلة السابع والعشرين ذهب جماعة من أهل العلم وقد
حكاه صاحب الحلية من الشافعية عن أكثر العلماء وقد اختلف العلماء فيها على أقوال
كثيرة ذكر منها في فتح الباري ما لم يذكره غيره وسنذكر ذلك على طريق الاختصار فنقول
القول ( الأول ) أنها رفعت حكاه المتولي عن الروافض والفاكهاني عن الحنفية (
الثاني ) أنها خاصة بسنة واحدة وقعت في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم حكاه
الفاكهاني ( الثالث ) أنها خاصة بهذه الأمة جزم به
جماعة من المالكية ونقله صاحب العمدة عن الجمهور من الشافعية واعترض بحديث أبي ذر
عند النسائي قال ( قلت يا رسول الله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت فقال هي
باقية واحتجوا بما ذكره مالك في الموطأ بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم تقال أعمار أمته عن أعمار الأمم الماضية فأعطاه الله ليلة القدر ) . قال
الحافظ وهذا محتمل للتأويل فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر ( والرابع ) أنها
ممكنة في جميع السنة وهو المشهور عن الحنفية وحكى عن جماعة من السلف وهو مردود
بكثير من أحاديث الباب المصرحة باختصاصها برمضان ( الخامس ) أنها مختصة برمضان ممكنة
في جميع لياليه . وروى عن ابن عمر وأبي حنيفة وبه قال ابن المنذر وبعض الشافعية
ورجحه السبكي ( السادس ) أنها في ليلة معينة مبهمة قاله النسفي في منظومته (
السابع ) أنها أول ليلة من رمضان حكى عن أبي رزين العقيلي الصحابي . وروى ابن أبي
عاصم من حديث أنس قال ليلة القدر أول ليلة من رمضان قال ابن أبي عاصم لا نعلم أحدا
قال ذلك غيره ( الثامن ) أنها ليلة النصف من رمضان حكاه ابن الملقن في شرح العمدة
( التاسع ) أنها ليلة النصف من شعبان حكاه القرطبي في المفهم وكذا نقله السروجي عن
صاحب الطراز ( العاشر ) أنها ليلة سبع عشرة
من رمضان ودليله ما رواه ابن أبي شيبة والطبراني من حديث زيد بن أرقم قال بلا شك
ولا امتراء أنها ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة أنزل القرآن
وأخرجه أبو داود عن ابن مسعود ( الحادي
عشر ) أنها
مبهمة في العشر الوسط حكاه النووي وعزاه الطبري إلى عثمان بن أبي العاص والحسن
البصري وقال به بعض الشافعية ( الثاني عشر ) أنها ليلة ثمان عشرة ذكره ابن الجوزي
في مشكله ( الثالث عشر ) ليلة تسع عشرة رواه عبد الرزاق عن علي عليه السلام وعزاه
الطبري إلى زيد بن ثابت ووصله الطحاوي عن ابن مسعود ( الرابع عشر ) أول ليلة من
العشرة الآخرة وإليه مال الشافعي وجزم به جماعة من أصحابه ( الخامس عشر ) مثل الذي
قبله إن كان الشهر تاما وإن كان ناقصا فليلة إحدى وعشرين وهكذا في جميع العشر وبه
جزم ابن حزم ودليله حديث أبي سعيد وعبد الله بن أنيس وأبي بكرة وسيأتي ( السادس
عشر ) ليلة
اثنين وعشرين ودليله ما أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن أنيس أنه سأل رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم عن ليلة القدر وذلك صبيحة إحدى وعشرين فقال كم ليلة قلت
ليلة اثنين وعشرين فقال هي الليلة أو القابلة ( السابع عشر ) ليلة ثلاث وعشرين
ودليله حديث عبد الله بن أنيس الآتي وقد ذهب إلى هذا جماعة من الصحابة والتابعين (
الثامن عشر ) أنها ليلة الرابع والعشرين ودليله ما رواه الطيالسي عن أبي سعيد
مرفوعا ليلة القدر ليلة أربع وعشرين وما رواه أحمد من حديث بلال بنحوه وفيه ابن
لهيعة وروى ذلك عن ابن مسعود والشعبي والحسن وقتادة ( التاسع عشر ) ليلة خمس
وعشرين حكاه ابن الجوزي في المشكل عن أبي بكرة ( العشرون ) ليلة ست وعشرين قال
الحافظ وهو قول لم أره صريحا إلا أن عياضا قال ما من ليلة من ليالي العشر الأخيرة
إلا وقد قيل فيها أنها ليلة القدر ( الحادي والعشرون ) ليلة سابع وعشرين وقد تقدم
دليله ومن قال به ( الثاني والعشرون ) ليلة الثامن والعشرين وهذا لم يذكره صاحب الفتح
ولكن ظاهر قول عياض المتقدم أنه قد قيل أنها ليلة القدر وقد أسقط في الفتح القول
الثاني والعشرين وذكر الثالث والعشرين بعد الحادي والعشرين فلعله سقط عليه حكاية
هذا القول وقد ثبت في بعض النسخ ( الثالث والعشرون ) أنها ليلة تسع وعشرين حكاه
ابن العربي ( الرابع والعشرون ) أنها ليلة الثلاثين حكاه عياض ورواه محمد بن نضر
عن معاوية وأحمد عن أبي هريرة ( الخامس والعشرون ) أنها في
أوتار العشر الأخيرة ودليله حديث عائشة الآتي وكذلك حديث ابن عمر قال في الفتح وهو
أرجح الأقوال وصار إليه أبو ثور المزني وابن خزيمة وجماعة من علماء المذاهب انتهى
( القول السادس والعشرون ) مثله بزيادة
الليلة الأخيرة ويدل عليه حديث أبي بكرة الآتي وقد أخرج أحمد من حديث عبادة بن
الصامت ما يدل على ذلك ( السابع والعشرون ) تنتقل في العشر الأواخر كلها
قاله أبو قلابة ونص عليه مالك والثوري وأحمد وإسحاق وزعم الماوردي أنه متفق عليه
ويدل عليه حديث أبي سعيد الآتي ( الثامن والعشرون ) مثله أن
بعض ليالي العشر أرجى من بعض قال الشافعي أرجاها ليلة إحدى وعشرين ( التاسع
والعشرون ) مثل السابع والعشرين إلا أن أرجاها ليلة ثلاث وعشرين ولم يذكر في الفتح
قائله ( الثلاثون ) كذلك إلا أن أرجاها ليلة سبع وعشرين ولم يحك صاحب الفتح من
قاله ( الحادي والثلاثون ) أنها تنتقل في جميع السبع الأواخر ويدل عليه حديث ابن
عمر الآتي وقد اختلف أهل هذا القول هل المراد السبع من آخر الشهر أو آخر سبعة تعد
من الشهر قال في الفتح ويخرج من ذلك القول ( الثاني والثلاثون ) القول ( الثالث
والثلاثون
) أنها تنتقل في النصف الأخير ذكره صاحب
المحيط عن أبي يوسف ومحمد وحكاه إمام الحرمين عن صاحب التقريب ( الرابع والثلاثون
) ليلة ست عشرة أو سبع عشرة رواه الحرث بن أبي أسامة من حديث عبد الله بن الزبير (
الخامس والثلاثون ) ليلة سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين رواه سعيد بن منصور من
حديث أنس بإسناد ضعيف ( السادس والثلاثون ) أول ليلة من رمضان أو آخر ليلة منه
رواه ابن أبي عاصم من حديث أنس بإسناد ضعيف ( السابع والثلاثون ) ليلة
تاسع عشرة أو إحدى عشرة أو ثلاث وعشرين رواه أبو داود من حديث ابن مسعود بإسناد
فيه مقال وعبد الرزاق من حديث علي بسند منقطع وسعيد بن منصور من حديث عائشة بسند
منقطع أيضا ( الثامن والثلاثون ) أول ليلة أو تاسع ليلة أو سابع عشرة أو إحدى
وعشرين أو آخر ليلة رواه ابن مردويه في تفسيره عن أنس بإسناد ضعيف ( التاسع
والثلاثون ) ليلة ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين ودليله حديث ابن عباس الآتي ولأحمد
نحوه من حديث النعمان بن بشير ( القول الأربعون ) ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين
أو خمس وعشرين ويدل عليه حديث ابن عباس الآتي وأخرج البخاري نحوه من حديث عبادة بن
الصامت ( الحادي والأربعون ) أنها منحصرة في السبع الأواخر ويدل عليه حديث ابن عمر
الآتي وفي الفرق بينه وبين القول الحادي والثلاثين خفاء ( الثاني والأربعون ) ليلة
اثنين وعشرين أو ثلاث وعشرين ويدل عليه حديث عبد الله بن أنيس عند أحمد ( الثالث
والأربعون ) أنها في إشفاع العشر الوسط والعشر الأواخر . قال الحافظ قرأته بخط
مغلطاي ( الرابع والأربعون ) أنها ليلة الثالثة من العشر الأواخر أو الخامسة منه
رواه أحمد من حديث معاذ قال في الفتح والفرق بينه وبين ما تقدم أن الثالثة تحتمل
ليلة ثلاث وعشرين وتحتمل ليلة سبع وعشرين ( الخامس والأربعون ) أنها في
سبع أو ثمان من أول النصف الثاني رواه الطحاوي من حديث عبد الله بن أنيس هذا جملة
ما ذكره الحافظ في الفتح أوردناه مختصرا مع زوائد مفيدة
ومما ينبغي أن يعد قولا خارجا عن هذه
الأقوال قول الهادوية أنها في تسع عشرة وفي الإفراد بعد العشرين من رمضان واستدلوا
على أنها في الإفراد بعد العشرين بما استدل به أهل القول الخامس والعشرين على أنها
قد تكون في ليلة تسع عشرة بما أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة : ( أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال التمسوا ليلة القدر في سبع عشرة أو تسع عشرة أو
إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين ) . قال الهيثمي بعد أن
ساقه في مجمع الزوائد فيه أبو الهزم وهو ضعيف فيكون هذا القول هو السادس والأربعين
وينبغي أن يجعل ما اشتمل عليه هذا الحديث القوي السابع والأربعين وإما كونها مبهمة
في جميع السنة فلا ينبغي أن يجعل قولا خارجا عن هذه الأقوال لأنه عين القول الرابع
منها وأرجح هذه الأقوال هو القول الخامس والعشرون أعني أنها في أوتار العشر
الأواخر قال الحافظ وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين قوله ( وإمارتها أن تطلع
الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها ) قد ورد لليلة القدر علامات أكثرها لا
تظهر إلا بعد أن تمضي منها طلوع الشمس على هذه الصفة
وروى ابن خزيمة من حديث ابن عباس مرفوعا :
( ليلة القدر طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة )
ولأحمد من حديث عبادة : ( لا حر فيها ولا
برد وأنها ساكنة صاحية وقمرها ساطع ) . وفي علاماتها أحاديث . منها عن جابر ابن
سمرة عند ابن أبي شيبة وعن جابر بن عبد الله عند ابن خزيمة وعن أبي هريرة عنده وعن
ابن مسعود عند ابن أبي شيبة وعن غيرهم
8 - وعن أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها
حصير فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ثم اطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه
فقال إني اعتكفت العشر الأول التمس هذه الليلة ثم اعتكف العشر الأوسط ثم أتيت فقيل
لي أنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه قال
وإني أريتها ليلة و وتر وإني أسجد في صبيحتها في طين وماء فأصبح من ليلة إحدى
وعشرين وقد قام إلى الصبح فمطرت السماء فوكف المسجد فأبصرت الطين والماء فخرج حين
فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه فيها الطين والماء وإذا هي ليلة إحدى عشر من
العشر الأواخر )
- متفق عليه ولكن لم يذكر في البخاري اعتكاف
العشر الأول
- قوله ( العشر الأوسط ) هكذا في أكثر
الروايات والمراد به العشر الليالي وكان القياس أن يوصف بلفظ التأنيث لأن مرجعها
مؤنث لكن وصف بالمذكر على إرادة الوقت أو الزمان والتقدير الثلث كأنه قال الليالي
العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر ووقع في الموطأ العشر الوسط بضم الواو والسين
جمع وسط ويروى بفتح السين مثل كبر وكبر ورواه الباجي في الموطأ بإسكانها على أنه
جمع واسط كبازل وبزل وهذا يوافق رواية الأوسط :
قوله ( في قبة تركية ) أي قبة صغيرة من
لبود : قوله ( فأصبح من ليلة إحدى وعشرين ) في رواية للبخاري ( فخرج في صبيحة
عشرين ) وظاهرها يخالف رواية الباب وقد قبل أن المراد بقوله فأصبح من ليلة إحدى
وعشرين أي من الصبح الذي قبلها وهو تعسف وقد وقع في البخاري ما هو أوضح من ذلك
بلفظ ( فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه )
. قوله ( وروثة أنفه ) بالثاء المثلثة وهي طرفه
ويقال لها أيضا أرنبة الأنف كما جاء في رواية أخرى
( والحديث ) فيه دليل على أن ليلة القدر في
العشر الأواخر من شهر رمضان وقد تقدم بسط الكلام في ذلك
9 - وعن عبد الله بن أنيس : ( أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني أسجد صبيحتها في
ماء وطين قال فمطرنا في ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه )
- رواه أحمد ومسلم وزاد وكان عبد الله بن
أنيس يقول ثلاث وعشرين
- وفي الباب عن رجل من بني بياضة له صحبة
مرفوعا عند إسحاق في مسنده قال : ( قلت يا رسول الله إن
لي بادية أكون فيها فمرني بليلة القدر فقال انزل ليلة ثلاث وعشرين )
وعن ابن عمر مرفوعا ( من كان متحريها
فليتحرها ليلة سابعة ) . قال فكان أيوب يغتسل ليلة ثلاث وعشرين ويمس الطيب
وعن ابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عن
ابن عباس أنه كان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين . وروى عبد الرزاق من طريق يونس بن
سيف سمع سعيد بن المسيب يقول استقام كلام القوم على أنها ليلة ثلاث وعشرين . وروى
نحو ذلك من طريق إبراهيم عن الأسود عن عائشة . ومن طريق مكحول أنه كان يراها ليلة ثلاث
وعشرين كذا في الفتح وقد استدل بحديث الباب من قال إنها ليلة ثلاث وعشرين كما تقدم
قوله ( يقول ثلاث وعشرين ) هكذا في معظم
النسخ من صحيح مسلم وفي بعضها ثلاث وعشرون قال النووي وهذا ظاهر والأول جائز على
لغة شاذة أنه يجوز المضاف ويبقى المضاف إليه مجرورا أي ليلة ثلاث وعشرين
10 - وعن أبي بكرة : ( أنه سمع رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول التمسوها في تسع بقين أو سبع بقين أو خمس بقين أو ثلاث
بقين أو آخر ليلة قال وكان أبو بكرة يصلي في العشرين من رمضان صلاته في سائر السنة
فإذا دخل العشر اجتهد )
- رواه أحمد والترمذي وصححه
- وفي الباب عن عبادة بن الصامت عند أحمد
والحديث يدل على أن ليلة القدر ترجى مصادفتها لتسع ليال بقين من الشهر أو سبع أو
خمس أو ثلاث أو آخر ليلة وهو أحد الأقوال المتقدمة
قال الترمذي في جامعه وروى عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم في ليلة القدر أنها ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وخمس
وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين وآخر ليلة من رمضان قال قال الشافعي كان هذا عندي
والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجيب على نحو ما يسئل عنه يقال له
تلتمسها في ليلة كذا فيقول التمسوها في ليلة كذا قال الشافعي وأقوى الروايات عندي
فيها ليلة إحدى وعشرين انتهى
11 - وعن أبي نضرة عن أبي سعيد في حديث له : (
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج على الناس فقال يا أيها الناس إنها كانت
أبينت لي ليلة القدر وإني خرجت لأخبركم بها فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان
فنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان التمسوها في التاسعة والخامسة
والسابعة قال قلت يا أبا سعيد إنكم أعلم بالعدد منا فقال أجل نحن أحق بذاك منكم
قال قلت ما التاسعة والخامسة والسابعة قال إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها اثنان
وعشرون فهي التاسعة فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة فإذا مضت خمس وعشرون
فالتي تليها الخامسة )
- رواه أحمد ومسلم
- قوله ( يحتقان ) بالحاء المهملة بعدها
مثناة فوقية ثم قاف مشددة ومعناه يطلب كل واحد منهما حقه ويدعي أنه المحق وفيه أن
المخاصمة والمنازعة مذمومة وأنها سبب للعقوبة المعنوية : قوله ( فإذا مضت واحدة وعشرون
فالتي تليها اثنان وعشرون ) هكذا في بعض نسخ مسلم وفي أكثرها ثنتين وعشرين بالياء
. قال النووي وهي أصوب والنصب بفعل محذوف تقديره أعني ثنتين وعشرين انتهى وجعل
النصب على الاختصاص أصوب من الرفع بتقدير مبتدأ لأجل قوله بعد ذلك فهي التاسعة
لأنه يصير تقدير الكلام فالتي تليها هي اثنان وعشرون فهي التاسعة ولا يخفى أنها
عبارة نابية بخلاف النصب على الاختصاص فإنه يصير التقدير فالتي تليها أعني ثنتين
وعشرين فهي التاسعة فإنها عبارة خالية عن ذلك
( والحديث ) يدل على أن ليلة القدر يرجى
وجودها في تلك الثلاث الليالي
12 - وعن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في
سابعة تبقى في خامسة تبقى )
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود . وفي رواية
: ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي في العشر في سبع يمضين أو في تسع
يبقين يعني ليلة القدر ) . رواه البخاري
- قوله ( في تاسعة تبقى ) يعني ليلة اثنين
وعشرين : قوله ( في خامسة تبقى ) يعني ليلة ست وعشرين : قوله ( في سبع يمضين أو
تسع يبقين ) هكذا رواية المصنف رحمه الله بتقديم السين في الأولى والتاء في
الثانية . قال في الفتح الأكثر بتقديم السين في الثاني وتأخيرها في الأول وبلفظ
المضي في الأول والبقاء في الثاني وللكشمهيني بلفظ المضي فيهما
وفي رواية الإسماعيلي بتقديم السين في
الموضعين انتهى . والمراد في سبع ليال تمضي من
العشر الأواخر أو في تسع ليال تبقى منها فتكون في ليلة سبع وعشرين أو ليلة اثنين
وعشرين وقد تقدم الخلاف في ذلك
13 - وعن ابن عمر : ( أن رجالا من أصحاب النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أوروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان
متحريا فليتحرها في السبع الأواخر )
- أخرجاه . ولمسلم قال : ( أري رجل أن ليلة
القدر ليلة سبع وعشرين فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرى رؤياكم في العشر الأواخر
فاطلبوها في الوتر منها )
14 - وعن عائشة : ( أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قال تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان )
- رواه مسلم والبخاري . وقال ( في الوتر من
العشر الأواخر )
- قوله ( أورا ليلة القدر ) بضم أوله على
البناء للمجهول أي قيل لهم في المنام أنها في السبع الأواخر . قال في الفتح
والظاهر أن المراد به أواخر الشهر وقيل المراد به السبع التي أولها ليلة الثاني
والعشرين وآخرها ليلة الثامن والعشرين فعلى الأول لا تدخل ليلة إحدى وعشرين ولا
ثلاث وعشرين وعلى الثاني تدخل الثانية فقط ولا تدخل ليلة التاسع والعشرين . ويدل
على الأول ما في البخاري في كتاب التعبير من صحيحه ( أن ناسا أروا ليلة القدر في السبع
الأواخر وأن ناسا رأوا أنها في العشر الأواخر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم
التمسوها في السبع الأواخر ) وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى المتفق عليه
من الروايتين فأمر به
وقد رواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري
بلفظ ( رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين أو كذا وكذا فقال النبي صلى الله
عليه وآله وسلم التمسوها في العشر البواقي في الوتر منها ) . ورواه أحمد من حديث
علي مرفوعا ( إن غلبتم فلا تغلبوا في التسع البواقي ) قوله ( أري بفتحتين ) أي
أعلم : قوله ( رؤياكم ) قال عياض كذا جاء بإفراد الرؤيا والمراد مرائيكم لأنها لم
تكن رؤيا واحدة وإنما أراد الجنس . قال ابن التين كذا روى بتوحيد الرؤيا وهو جائز
لأنها مصدر : قوله ( تواطأت ) بالهمزة أي توافقت
وزنا ومعنى . وقال ابن التين بغير همزة والصواب بالهمز وأصله أن يطأ الرجل برجله
مكان وطء صاحبه
( وفي الحديث ) دلالة على عظم قدر الرؤيا
وجواز الاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجودية بشرط أن لا يخالف القواعد
الشرعية هكذا في الفتح : قوله ( تحروا ليلة القدر ) في رواية للبخاري ( التمسوا )
وفي حديث عائشة دليل على أن ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر وقد تقدم أنه القول
الراجح
( فائدة ) قال الطبري في إخفاء ليلة
القدر دليل على كذب من زعم أنه يظهر في تلك الليلة للعيون ما لا يظهر في سائر
السنة إذ لو كان حقا لم يخف على كل من قام ليالي السنة فضلا عن ليالي رمضان وتعقبه
ابن المنير بأنه لا ينبغي إطلاق القول بالتكذيب لذلك بل يجوز أن يكون ذلك على سبيل
الكرامة لمن شاء الله من عباده فيختص بها قوم دون قوم والنبي صلى الله عليه وآله
وسلم لم يحصر العلامة ولم ينف الكرامة قال ومع ذلك فلا يعتقد أن ليلة القدر لا ينالها
إلا من رأى الخوارق بل فضل الله تعالى واسع ورب قائم تلك الليلة لم يحصل منها إلا
على العبادة من غير رؤية خارق وآخر رأى الخوارق من غير عبادة والذي حصل على
العبادة أفضل والعبرة إنما هي بالاستقامة بخلاف الخارق فقد يقع كرامة وقد يقع فتنة
. وقيل أن المطلع على ليلة القدر يرى كل شيء ساجدا وقيل يرى الأنوار ساطعة في كل
مكان حتى في المواضع المظلمة وقيل يسمع سلاما أو خطابا من الملائكة وقيل من
علاماتها استجابة دعاء من وفق لها
كتاب المناسك
باب وجوب الحج والعمرة وثوابها
1 - عن أبي هريرة قال " خطبنا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال
رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه وآله
وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي . فيه دليل على
أن الأمر لا يقتضي التكرار
2 - وعن ابن عباس قال " خطبنا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا أيها الناس كتب عليكم الحج فقال الأقرع بن حابس
فقال أفي كل عام يا رسول الله فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ولم
تستطيعوا أن تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فهو تطوع "
- رواه أحمد والنسائي بمعناه
- الحديث الأول تمامه ثم قال " ذروني
ما تركتكم " وفي لفظ " ولو وجبت ما قمتم بها " والحدي الثاني أخرجه
أيضا أبو داود وابن ماجه والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرطهما ( وفي الباب ) عن
أنس عند ابن ماجه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب عليكم
الحج فقيل يا رسول الله في كل عام فقال لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لم تقوموا بها
ولو لم تقوموا بها عذبتم " قال الحافظ ورجاله ثقات . وعن علي عليه السلام عند
الترمذي والحاكم وسنده منقطع . قوله " باب وجوب الحج
والعمرة " الحج بفتح الحاء هو المصدر وبالفتح والكسر هو الاسم منه وأصله
القصد ويطلق على العمل أيضا وعلى الأنيان مرة بعد أخرى وأصل العمرة الزيادة وقال
الخليل الحج كثرة لقصد إلى معظم ووجوب الحج معلوم بالضرورة الدينية ( وأختلف ) في
العمرة فقيل واجبة . وقيل مستحبة وللشافعي قولان أصحهما وجوبها وسيأتي تفصيل ذلك
قريبا ( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على أن
الحج لا يجب إلى مرة واحدة وهو مجمع عليه كما قال النووي والحافظ وغيرهما وكذلك
العمرة عند من قال بوجوبها لا تجب إلى مرة إلى أن ينذر بالحج أو العمرة وجب الوفاء
بالنذر بشرطه . وقد اختلف هل الحج على الفور أو التراخي وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء
الله تعالى . واختلف أيضا في وقت ابتداء افتراض الحج فقيل قبل الهجرة قال في الفتح
وهو شاذ وقيل بعدها ثم أختلف في سنته فالجمهور على أنها سنة ست لانه نزل فيها قوله
تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } قال في الفتح وهذا ينبني على أن المراد بالأتمام
ابتداء الفرض ويؤيده قراءة قلقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ ( وأقيموا
) أخرجه الطبراني بأسانيد صحيحة عنهم . وقيل المارد بالأتمام الإكمال بعد الشروع
وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك . وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج وكان قدومه
على ما ذكر الواقدي سنة خمس . وهذا يدل أن ثبت على تقدمه على سنة خمس أو وقوعه
فيها وقيل سنة تسع حكاه النووي في الروضة والماوردي في الأحكام السلطانية ورجح
صاحب الهدى أن افتراض الحج كان في سنة تسع أو عشر واستدل على ذلك بأدلة فلتؤخذ منه
: قوله " لوقلتها لوجبت " استدل به على أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم مفوض في شرع الأحكام . وفي ذلك خلاف مبسوط في الأصول
3 - وعن أبي رزين العقيلي " أنه أتى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا
الظعن فقال حج عن أبيك واعتمر "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي
- الحديث يدل على جواز حج الولد عن أبيه
العاجز عن المشي وسيأتي الكلام عليه في باب وجوب الحج على المعضوب وذكره المصنف
رحمه الله تعالى في هذا الباب للاستدلال به على وجوب الحج والعمرة . قال الإمام
أحمد لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ولا أصح منه انتهى . وقد جزم
بوجوب العمرة جماعة من أهل الحديث وهو المشهور عن الشافعي وأحمد وبه قال إسحاق
والثوري والمزني والناصر والمشهور عن المالكية أن العمرة ليست بواجبة وهو قول الحنفية
وزيد بن علي والهادوية ولا خلاف في المشروعية . وقد روى في الجامع الكافي القول
بوجوب العمرة عن علي وابن عباس وابن عمر وعائشة وزين العابدين وطاوس والحسن البصري
وابن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء ( واستدل ) القائلون . بعدم الوجوب بما
أخرجه الترمذي وصححه وأحمد والبيهقي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن جابر " أن
اعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أخبرني عن
العمرة أواجبة هي فقال لا وأن تعتمر خير لك " وفي رواية " أولى لك
" وأجيب ع الحديث بإن في أسناده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف وتصحيح الترمذي له
فيه نظر لأن الأكثر على تضعيف الحجاج واتفقوا على أنه مدلس . قال النووي ينبغي أن
لا يغتر بالترمذي في تصحيحه فقد اتفق الحفاظ على تضعيفه انتهى . على أن تصحيح
الترمذي له إنما ثبت في رواية الكروخي فقط وقدنبه صاحب الإمام على أنه لم يرد على
قوله حسن في جميع الروايات عته إلى في رواية الكروخي وقد قال ابن حزم أنه مكذوب
باطل وهو إفراض لأن الحجاج وإن كان ضعيفا فليس متهما بالوضع وقد رواه البيهقي من حديث
سعيد بن عقير عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر بنحوه . ورواه
ابن جريج عن ابن المنكدر عن جابر ورواه ابن عدي من طريق أبي عصمة عن ابن المنكدر
عن أبي صالح وأبو عصمةقد كذبوه ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند الدارقطني وابن خزم
والبيهقي " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الحج جهاد والعمرة تطوع
" وإسناده ضعيف كما قال الحافظ . وعن طلحة عند ابن ماجه بإسناد ضعيف . وعن
ابن عباس عند البيهقي قال الحافظ ولا يصح من ذلك شيء وبهذا تعرف أن الحديث من قسم
الحسن لغيره وهو محتج به عند الجمهور ويؤيده ما عند الطبراني عن أبي أمامة مرفوعا
" من مشى إلى صلاة مكتوبة بأجره كحجة ومن مشى إلى صلاة تطوع فأجره كعمرة
" واستدل القائلون بوجوب العمرة بما أخرجه الدارقطني من حديث زيد بن ثابت بلفظ
" الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت " وأجيب عنه بأن في إسناده
إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف وفي الحديث أيضا انقطاع ورواه البيهقي موقوفا على
زيد . قال الحافظ وإسناده أصح وصححه الحاكم ورواه ابن عدي عن جابر وفي إسناده ابن لهيعة
( وفي الباب ) عن عمر في سؤال جبريل وفيه " وأن تحج وتعتمر " أخرجه ابن
خزيمة وابن حبان والدارقطني وغيرهم وعن عائشة عند أحمد وابن ماجه قالت " يا
رسول الله على النساء جهاد قال عليهن جهاد لاقتال فيه الحج والعمرة " وسيأتي
والحق عدم وجوب العمرة لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلى بدليل به التكليف
ولا دليل يصلح لذلك لا سيما مع اعتضادها بما تقدم من الأحاديث القاضية بعدم الوجوب
. ويؤيد ذلك اقتصاره صلى الله عليه وآله وسلم على الحجج في حديث بني الإسلام على
خمس واقتصار الله جل جلاله على الحج في قوله تعالى { ولله على الناس حج البيت }
وقد استدل على الوجوب بحديث عمر الآتي قريبا وسيأتي الجواب عنه . وأما قوله تعالى
{ واتموا الحج والعمرة لله } فلفظ التمام مشعر بأنه إنما
يجب بعد الأحرام . لا قبله ويدل على ذلك ما أخرجه الشيخان وأهل السنن وأحمد
والشافعي وابن أبي شيبة عن يعلى بن أمية " قال جاء رجل إلى النبي
صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق فقال كيف تأمرني أن
أصنع في عمرتي فأنزل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الآية .
فهذا السبب في نزول الآية والسائل قد كان أحرمم وإنما سأل كيف يصنع
4 - وعن عائشة " قالت قلت يا رسول الله
هل على النساء من جهاد قال نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة "
- رواه أحمد وابن ماجه وإسناده صحيح
- الحديث فيه دليل على أن الجهاد غير واجب
على النساء وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على ذلك فيه وإشارة إلى وجوب العمرة
وقد تقدم البحث عن ذلك
5 - وعن أبي هريرة قال " سئل رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أي الأعمال أفضل قال إيمان بالله وبرسوله قال ثم ماذا قال
ثم الجهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا قال ثم حج مبرور "
- متفق عليه . وهو حجة لمن فضل نفل الحج على
نفل الصدقة
6 - وعن عمر بن الخطاب " قال بينما نحن
جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء رجل فقال يا محمد ما الإسلام قال
الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي
الزكاة وتحج البيت وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان " وذكر
في باقي الحديث وأنه قال " هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم "
- رواه الدارقطني وقال هذا إسناد ثابت صحيح
. ورواه أبو بكر الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين
7 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قال العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة "
- رواه الجماعة إلا أبا داود
- قوله " إيمان بالله " الخ فيه
دليل على أن الإيمان بالله وبرسوله أفضل من الجهاد والجهاد أفضل من الحج المبرور .
وقد اختلفت الأحاديث المشتملة على بيان فاضل الأعمال من مفضولها فتارة تجعل الأفضل
الجهاد وتارة الإيمان وتارة الصلاة وتارة غير ذلك وأحق ما قيل في الجمع بينها أن
بيان الفضيلة يختلف باختلاف المخاطب فإذا كان المخاطب ممن له تأثير في القتال وقوة
على مقارعة الأبطال قيل له أفضل الأعمال الجهاد وإذا كان كثير المال قيل له أفضل
الأعمال الصدقة ثم كذلك يكون الأختلاف على حسب اختلاف المخاطبين " قوله
" مبرور " قال ابن خالوية المبرور المقبول وقال غيره الذي لا يخالطه شيء
من الأثم ورجحه النووي وقيل غير ذلك . وقال القرطبي الأقوال التي ذكرت في تفسيره
متقاربة المعنى وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه فوقع موقعا لما طلب من المكلف على
الوجه الأكمل . ولأحمد والحاكم من حديث جابر " قالوا يا رسول الله ما بر الحج
قال إطعام الطعام وإفشاء السلام " قال في الفتح وفي إسناده ضعيف ولوثبت كان
هو المتعين دون غيره . قوله " ما الإسلام " إلى قوله " وتحج البيت
" قد تقدم الكلام على هذه الكلمات في أوائل كتاب الصلاة . قوله
" وتعتمر " فيه متمسك لمن قال بوجوب العمرة لكنه لا يكون مجرد اقتران العمرة
بهذه الأمور الواجبة دليلا على الوجوب لما تقرر من الأصول من ضعف دلالة الاقتران
لاسيما وقد عارضها ما سلف من الأدلة القاضية بعدم الوجوب ( فإن قيل ) إن وقوع العمرة في
جواب من سأل عن الإسلام يدل على الوجوب فيقال ليس كل أمرمن الإسلام واجبا والدليل
على ذلك حديث شعب الإسلام والإيمان فإنه أشتمل على أمور ليست بواجبة بالإجماع .
قوله " كفارة لما بينهما " أشار ابن عبد البر إلى
أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر قال وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى أن المراد
تكفير الصغائر دون الكبائر قال وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى المراد تعميم ذلك ثم
بالغ في الإنكار عليه وقد تقدم البحث عن مثل هذا مواضع من هذا الشرح وقد استشكل
بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر للصغائر فماذا تكفر العمرة وأجيب
بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها وتكفير الأجتناب للكبائر عام لجميع عمر العبد
فتغايرا من هذه الحيثية وقد جعل البخاري هذا الحديث المذكور من جملة أدلة وجوب
العمة وفضلها وهو لا يصلح للاستدلال به على الوجوب وقد قيل أنه أشار إلى ماورد في بعض
طرق الحديث المذكور وهو ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعة "
تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكبر خبث
الحديد وليس للحجة المبرورة جزاء إلى الجنة " فإن ظاهرة التسوية بين أصل الحج
والعمرة ولكن الحق ما أسلفناه لأن هذا استدلال بمجرد الاقتران وقد تقدم ما فيه
وأما الأمر بالمتابعة فهو مصروف عن معناه الحقيقي بما سلف ( وفي الحديث ) دلالة
على استحباب الاستكثار من الاعتمار خلافا لقول من قال يكره أن يعتمر في السنة أكثر
من مرة كالمالكية ولمن قال يكره أكثر من مرة في الشهرمن غيرهم واستدل للمالكية بأن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعلها إلى من سنة إلى سنة وأفعاله على الوجوب
أو الندب وتعقب بأن المندوب لا ينحصر في أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان يترك
الشيء وهو يستحب فعله لدفع المشقة على أمته وقد ندب إلى العمرة بلفظه فثبت
الأستحباب من غير تقييد واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسا
بالحج إلى من نقل عن الحنفية أنها تكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق .
وعن الهادي انها تكره في أيام التشريق فقط وعن الهادوية أنها تكره في أشهر الحج
لغير المتمتع والقارن إذ يشتغل بها عن الحج ويجاب بأن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم اعتمر في عمره ثلاث عمر مفردة كلها في أشهر الحج وسيأتي لهذا مزيد بيان في
باب جواز العمرة في جميع السنة
باب وجوب الحج على الفور
1 - عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم " قال تعجلوا إلى الحج يعني الفريضة فإن أحدكم ما يعرض له "
- رواه أحمد
2 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل أو
أحدهما عن الآخر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أراد الحج
فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتعرض الحاجة "
- رواه أحمد وابن ماجه وسيأتي قوله عليه
السلام " من كسر أوعرج فقد حل وعليه الحج من قابل "
3 - وعن الحسن قال " قال عمر بن الخطاب
لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا
عليهم الجزية ما هم بمسلمين "
- رواه سعيد في سننه
- حديث ابن عباس الآخر في إسناده إسماعيل بن
خليفة العبسي أبو اسرائيل وهو صدوق ضعيف الحفظ . وقال ابن عدي عامة ما يرويه يخالف
فيه الثقات وحديث من كسر أو عرج يأتي إن شاء الله تعالي في باب الفوات والاحصار
وأثر عمر اخرجه أيضا البيهقي ( وفي الباب ) عن أبي أمامة مرفوعا عند سعيد
ابن منصور في سننه وأحمد وأبي يعلى والبيهقي بلفظ " من لم يحبسه مرض أو حاجة
ظاهرة أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء الله يهوديا وإن شاء
نصرانيا " ولفظ أحمد " من كان ذا يسار فمات ولم يحج " ثم ذكره كما
سلف وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وشريك وهو سيء الحفظ وقد خالفه سفيان
الثوري فأرسله رواة أحمد عن ابن سابط عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذا رواه
ابن أبي شيبة مرسلا وله طريق أخرى عن علي مرفوعا عند الترمذي بلفظ " من ملك
زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك
لأن الله تعالى قال في كتابه ولله حج البيت من استطاع إليه سبيلا " قال
الترمذؤي غريب في إسناده مقال والحرث يضعف وهلال بن عبد الله الراوي له عن أبي
إسحاق مجهول . وقال العقيلي لا يتابع عليه وقد روي عن علي موقوفا ولم يرو مرفوعا
من طريق أحسن من هذا . وقال المنذري طريق أبي أمامة على ما فيها أصلح من هذه وقد
روى من طريق ثالثة عن أبي هريرة رفعه عند ابن عدي بلفظ " من مات ولم يحج حجة الإسلام
في غير وجع حابس أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر ليمت أي الميتتين شاء إما يهوديا أو
نصرانيا " وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا وبذلك يتبين مجازفة ابن الجوزي في عده
لهذا الحديث من الموضوعات فإن مجموع تلك الطرق لا يقصر عن كون الحديث حسن لغيره
وهو محتج به عند الجمهور ولا يقدح في ذلك قول العقيلي والدارقطني لا يصح في الباب
شيء لأن نفي الصحة لا يستلزم نفي الحسن وقد شد من عضد هذا الحديث الموقوف الأحاديث
المذكورة في الباب قال الحافظ وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط علم أن
لهذا الحديث أصلا ومحمله على من استحل الترك ويتبين بذلك خطأ من إدعى إنه موضوع
انتهى . وقد استدل المصنف بما ذكره في الباب على أن الحج واجب على الفور . ووجه
الدلالة من حديث ابن عباس الأول والثاني ظاهرة ووجهها من حديث " من كسر أو
عرج " قوله " وعليه الحج من قابل
" ولو كان على التراخي لم يعين العام القابل ووجهها من أثر عمر ومن الأحاديث
التي ذكرناها ظاهر وغلى القول بالفوري ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وبعض أصحاب
الشافعي ومن أهل البيت زيد بن علي والهادي والمؤيد بالله والناصر . وقال الشافعي
والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد . ومن أهل البيت القاسم ابن إبراهيم وأبو طالب أنه على
التراخي واحتجوا بأنه صلى الله عليه وآله وسلم حج سنة عشر وفرض الحج كان سنة ست أو
خمس وأجيب بأنه قد أختلف في الوقت الذي فرض عليه الحج ومن جملة الأقوال أنه فرض في
سنة عشر فلا تأخير ولو سلم أنه فرض قبل العاشرة فتراخيه صلى الله عليه وآله وسلم
إنما كان لكراهة الأختلاط في الحج بأهل الشرك لأنهم كانا يحجون ويطوفون بالبيت
عراة فلما طهر الله البيت الحرام منهم حج صلى الله عليه وآله وسلم فتراخيه لعذر ومحل
النزاع التراخي مع عدمه
باب وجوب الحج على المعضوب إذا أمكنته
الاستنابة وعن الميت إذا كان قد وجب عليه
1 - عن ابن عباس " أن إمراءة من خثعم
قالت يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن
يستوي على ظهر بعيره قال فحجي عنه "
- رواه الجماعة
2 - وعن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم جاءته أمراة شابة من خثعم فقالت إن أبي كبير وقد أفند وأدركته فريضة
الله في الحج ولا يستطيع أداءها فيجزي عنه أن أؤديها عنه فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم نعم "
- رواه أحمد والترمذي وصححه
3 - وعن عبد الله بن الزبير قال " جاء
رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن أبي أدركه الإسلام وهو
شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل والحج مكتوب عليه أفأحج عنه قال أنت أكبر ولده قال
نعم قال أرأيت لو كان على أبيك دين فضيته عنه أكان يجزي ذلك عنه قال نعم قال فأحجج
عنه "
- رواه أحمد والنسائي بمعناه
- حديث علي أخرجه أيضا البيهقي وحديث ابن
الزبير قال الحافظ إن إسناده صالح . قوله " إن فريضة الله أدركت أبي "
قد اختلف هل المسؤل عنه رجل أو أمرأة كما وقع الاختلاف في الروايات في السائل ففي
بعض الروايات أنه إمرأة وفي بعضها أنه رجل وقد بسط ذلك في الفتح : " شيخا
" قال الطيبي هو حال والمعنى أنه وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة :
قوله " قال فحجي عنه " في رواية للبخاري قال
نعم : قوله " وقد أفند " بهمزة مفتوحة ثم فاء ساكنة بعدها نون مفتوحة ثم
دال مهملة قال في القاموس الفند بالتحريك الخرف وإنكار العقل بهرم أو مرض والخطأ
في القول والرآي والكذب كالإفناد ولا تقل عجوز مفندة لأنها لم تكن ذات رأي أبدا
وفنده تفنيدا أكذبه وعجزه وخطأ رأية كافنده انتهى . : قوله " أنت أكبر ولده
" فيه دليل على أن المشروع ان يتولى الحج عن الأب العاجز أكبر أولاده قوله
" أرأيت " الخ فيه مشروعة القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس
السامع وأقرب إلى سرعة فهمه وفيه تشبيه ما أختلف فيه وأشكل بما أتفق عليه وفيه أنه
يستحب التنبيه على وجه الدليل لمصلحة ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه يجوز الحج من
الولد عن والده إذا كان غير قادر على الحج وقد أدعى بعضهم أن هذه القصة مختصة
بالخثعمية كما أختص سالم مولى أبي حذيفة بجواز إرضاع الكبير حكاه ابن عبد البر
وتعقب بأن الأصل عدم الخصوص وأماما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب الواضحة بإسنادين
مرسلين في هذا الحديث في هذا الحديث فزاد حجي عنه وليس لأحد بعده فلا حجة في ذلك لضعف
إسنادهما مع الإرسال والظاهر عدم اختصاص جواز ذلك بالابن وقد ادعة جماعة من أهل
العلم أنه خاص به . قال في الفتح ولا يخفى أنه جمود وقال القرطبي رأي مالك أن ظاهر
حديث الخثعمية مخالف للقرآن فيرجح ظاهر القرآن ولا شك في ترجحه من جهة تواتره
انتهى ولكنه يقال هو عموم مخصوص بأحاديث الباب ولا تعارض بين عام وخاص وهذه
الأحاديث ترد على محمد بن الحسن حيث قال فمن الحج يقع عن المباشر وللمحجوج عنه أجر
نفقته وقد اختلفوا فيما إذا عوفى المعضوب فقال الجمهور لا يجزئه لأنه تبين أنه لم
يكن مأيوسا عنه . وقال أحمد وأسحق لانلزمه
الإعادة لئلا تفضى إلى إيجاب حجتين وأجيب بأن العبرة بالانتهاء وقد انكشف إن الحجة
الأولى غير مجزئة
4 - وعن ابن عباس " إن إمرأة من جهينة
جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت أن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى
ماتت أفأحج عنها قال نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته أقضوا
الله فالله أحق بالوفاء "
- رواه البخاري والنسائي بمعناه . وفي رواية
لأحمد والبخاري بنحو ذلك وفيها قال " جاء رجل فقال أن أختي
نذرت أن تحج " وهو يدل على صحة الحج عن الميت من الوارث وغيره حيث لم يستفصله
أوارث هوأم لا وشبهه بالدين
5 - وعن ابن عباس قال " أتى النبي صلى
الله عليه وآله وسلم رجل فقال إن أبي مات وعليه حجة الإسلام أفاحج عنه قال أرأيت
لو أن أباك ترك دينا عليه أقضيته عنه قال نعم قال فأحجج عن أبيك "
- رواه الدارقطني
- حديث ابن عباس الآخر أخرجه النسائي
والشافعي وابن ماجه : قوله " إن أمي نذرت " الخ قيل إن هذا الحديث مضطرب
لأنه قد روى أن هذه المرأة قالت إن أمي ماتت وعليها صوم شهر كما تقدم في الصيام
وأجيب بأنه محمول على أن المرأة سألت عن كل من الصوم والحج ويؤيد ذلك ماعند مسلم
عن بريدة " أن امرأة قالت أن أمي " وفيه " يا رسول الله إنه كان
عليها صوم شهر أفاصوم عنها قال صومي عنها قالت إنها لم تحج أفأحج عنها قال حجي
عنها " قوله " قال نعم " فيه دليل على صحة النذر بالحج ممن لم يحج
فإذا حج أجزأ عن حجة الإسلام عند الجمهور وعليه الحج عن النذر وقيل يجزيء عن النذر
ثم يحج عن حجة الإسلام وقيل يجزيء عنهما ( وفيه دليل ) أيضا على إجزاء الحج عن
الميت من الولد وكذلك من غيره ويدل على ذلك قوله " اقضوا الله فالله أحق بالوفاء
" وروى سعيد بن منصور وغيره عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه لا يحج أحد عن أحد
ونحوه عن مالك والليث . وعن مالك أن أوصى بذلك فليحج عنه وإلا فلا : قوله "
أكنت قاضيته " فيه دليل على أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج
عنه من رأس ماله كما أن عليه قضاء ديونه وقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس
المال فكذلك ما شبه به في القضاء ويلحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من نذر أو كفارة
أو زكاة أو غير ذلك : قوله " فالله أحق
بالوفاء " فيه دليل على أنه حق الله مقدم على حق الآدمي وهو أحد أقوال
الشافعي وقيل بالعكس وقيل سواء : قوله " جاء رجل فقال إن أختي " الخ
لامنافاة بين هذه الرواية والأولى لأنه يحتمل أن تكون القصة متعددة وأن تكون متحدة
ولكن النذر وقع من الأخت والأم فسأل الأخ عن نذر أخته والبنت عن نذر الأم ( وقد
استدل ) المصنف بهذه الرواية على صحة الحج من غير الوارث لعدم استفصاله صلى الله
عليه وآله وسلم للأخ هل هو وارث أولا وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة
العموم في المقال كما تقرر في الأصول ( واستدل ) بأحاديث الباب على أنه يصح ممن لم
يحج أن يحج نيابة عن غيره لعدم استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم لمن سأله عن ذلك
وبه قال الكوفيون وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه واستدلوا بحيث ابن عباس الآتي
في باب من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه وسيأتي الكلام فيه . قوله " إن
أبي مات وعليه حجة الإسلام " الخ فيه دليل على أنه يجوم للابن أن يحج عن أبيه
حجة الإسلام بعد موته وإن لم يقع منه وصية ولا نذر ويدل على الجواز من غير الولد
حديث الذي سمعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لبيك عن شبرمة وسيأتي
باب اعتبار الزاد والراحلة
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم في قوله عز و جل { استطاع إليه سبيلا } قال قيل يا رسول الله ما السبيل
قال الزاد والراحلة "
- رواه الدارقطني
2 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قال الزاد والراحلة يعني قوله من استطاع إليه سبيلا "
- رواه ابن ماجه
- الحديث الأول أخرجه أيضا الحاكم وقال صحيح
على شرطهما والبيهقي كلهم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعا قال
البيهقي الصواب عن قتادة عن الحسن مرسلا . قال الحافظ وسنده صحيح إلى الحسن ولا
أرى الموصول إلا وهما وقد رواه الحاكم من حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس أيضا
إلا أن الراوي عن حماد هو أبو قتادة عبدالله بن واقد الحراني وهو منكر الحديث كما
قال أبو حاتم ولكنه قد وثقه أحمد . والحديث الثاني أخرجه أيضا الدارقطني قال
الحافظ وسنده ضعيف . ورواه ابن المنذر من قول ابن عباس ( وفي الباب ) عن ابن عمر
عند الشافعي والترمذي وحسنه وابن ماجه والدارقطني وفي إسناده إبراهيم بن يزيد
الخوزي بخاء معجمة مضمومة ثم واو ثم زاي معجمة وقد قال فيه أحمد والنسائي متروك
الحديث وعن جابر وعلي وابن مسعود وعائشة وعبد الله بن عمر وعند الدارقطني من طرق
قال الحافظ كلها ضعيفة . وقد قال عبد الحق أن طرق الحديث كلها ضعيفة . وةقال أبو
بكر بن المنذر لا يثبت الحديث في ذلك مسندا والصحيح من الروايات رواية الحسن
المرسلة ولا يخفى أن هذه الطرق يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها وبها استدل من
قال أن الاستطاعة المذكورة في القرآن هي الزاد والراحلة وقد حكى في البحر عن
الأكثر أن الزاد شرط وجوب وهو أن يجد ما يكفيه ويكفي من يعول حتى يرجع . وحكى أيضا
عن ابن عباس وابن عمر والثوري والهادوية وأكثر الفقهاء أن الراحلة شرط وجوب وقال ابن
الزبير وعطاء وعكرمة ومالك أن الاستطاعة الصحة لا غير . وقال مالك والناصر
والمرتضى وهو مروي عن القاسم أن من قدر على المشي لزمه أنه من لم يجد راحلة لقوله
تعالى ( يأتوك رجالا ) قال مالك ومن عادته السؤال لزمه وإن لم يجد الزاد وفي كتب
الفقه تفاصيل في قدر افستطاعة ليس هذا محل بسطها والذي دل عليه الدليل هو اعتبار
الزاد الراحلة
باب ركوب البحر للخحج إلا أن يغلب على ظنه
الهلاك
1 - عن عبد الله بن عمرو " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم لا تركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل الله
عز و جل فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا "
- رواه أبو داود وسعيد بن منصور في سننهما
2 - وعن أبي عمران الجوني قال " حدثني
بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغزونا نحو فارس فقال قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من بات فوق بيت ليس له إجار فوقع فمات فقد برئت منه الذمة ومن
ركب البحر عند ارتجاجه فمات برئت منه الذمة "
- رواه أحمد
- الحديث الأول أخرجه أيضا البيهقي قال أبو
داود رواته مجهولون وقال الخطابي ضعفوا إسناده وقال البخاري ليس هذا الحديث بصحيح
ورواه البزار من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعا وفي إسناده ليث بن أبي سليم
والحديث الثاني في إسناده زهير بن عبد الله
قال الذهبي هو مجهول لا يعرف وأخرج هذا الحديث أبو داود عن عبد الله بن علي يعني
شيبان قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بات على ظهر بيت ليس
له حجار فقد برئت منه الذمة " وبوب عليه باب النوم على سطح غير محجر وسكت عنه
هو والمنذري . قوله " ليس له أجار " الإجار بهمزة مكسورة بعدها جيم
مشددة وآخره راء مهملة هو ما يرد الساقط من البناء من حائط على السطح أو نحوه
ورواية أبي داود ليس له حجار كما تقدم قال المنذري هكذا وقع في روايتنا حجار براء
مهملة بعد الألف ويدل عليه تبويب أبي داود على هذا الحديث كما تقدم فإنه قال على
سطح غير محجر والحجار جمع حجر بكسر الحاء أي ليس عليه شيء يستره يمنعه من السقوط
ويقال احتجرت الأرض إذا ضربت عليها منارا تمنعها به عن غيرك أو يكون من الحجر أي
حظيرة الإبل وحجرة الدار وهو راجع إلى المنع أيضا ورواه البخاري أيضا بالياء حجي
وذكر أنه يروى بكسر الحاء وفتحها قال غيره فمن كسر شبهه بالحجي الذي هو العقل لأن
الستر يمنع من الفساد ومن فتحه قال الحجي مقصور الطرف والناحية وجمعه أحجاء قال المنذري
وقد روى أيضا أحجاب بالباء قوله " عند ارتجاجه " الارتجاج الاضطراب ( والحديث
) الأول يدل على عدم جواز ركوب البحر لكل أحد إلا للحاج والمعتمر والغازي ويعارضه
حديث أبي هريرة المتقدم في أول هذا الكتاب لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم
ينكر على الصيادين لما قالوا له " إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء
" وروى الطبراني في الأوسط من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة قال كان أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتجرون في البحر وفي سماع الحسن من سمرة مقال
معروف وغاية ما في ذلك أن يكون ركوب البحر للصيد والتجارة مما خصص به عموم مفهوم
حديث الباب على فرض صلاحيته للاحتجاج ( والحديث الثاني ) يدل على عدم جواز المبيت
على سطوح التي ليس لها حائط . وعلى جواز ركوب البحر في أوقات اضطرابه
باب النهي عن سفر المرأة للحج وغيره إلا
بمحرم
1 - عن ابن عباس " أنه سمع رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يخطب يقول لا يخلون رجل بإمرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر
المرأة إلا مع ذي محرم فقال رجل فقال يا رسول الله إن إمرأتي خرجت حاجة وإني
اكتتبت غزوة كذا وكذا قال فانطلق فحج مع إمرأتك "
2 - وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم "
- متفق عليهما
3 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم نههى أن تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو
محرم "
- متفق عليه . وفي لفظ قال " لا يحل
لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها
أبوها أو زوجها أو إبنها أو أخوها أو ذو محرم منها "
- رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي
4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال " لا يحل لإمرأة تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها "
- متفق عليه . في رواية مسيرة يوم . وفي
رواية مسيرة ليلة . وفي رواية " لا تسافر امرأة مسيرة
ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم " رواهن أحمد ومسلم . وفي رواية لأبي داود "
بريدا "
- قوله " لا يخلون رجل بامرأة "
الخ فيه منع الخلوة بالأجنبية وهو إجماع كما قال في الفتح وتجوز الخلوة مع وجود المحرم
واختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات فقيل يجوز لضعف التهمة
وقيل لا يجوز بل لا بد من المحرم وهو ظاهر الحديث
وقوله " ولا تسافر المرأة
" أطلق السفر ههنا وقيده في الأحاديث المذكورة بعده . قال في الفتح وقد عمل أكثر
العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقديرات . قال النووي ليس المراد من
التحديد ظاهره بل كل ما يسمى سفرا فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم وإنما وقع
التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه . وقال ابن التين وقع الاختلاف
في مواطن بحسب السائلين . وقال المنذري يحتمل أن يقال أن اليوم المفرد والليلة
المفردة بمعنى اليوم والليلة يعني فمن أطلق يوما أراد بليلته أو ليلة أراد بيومها
قال ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلا لأوائل الأعداد فاليوم أول العدد والإثنان أول
التكثير والثلاث أول الجمع ويحتمل أنه ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها فيؤخذ بأقل ما
ورد من ذلك وأقله الرواية التي فيها ذكر البريد كما في رواية أبي هريرة المذكورة
في الباب وقد أخرجها الحاكم والبيهقي وقد ورد من حديث ابن عباس عند الطبراني ما
يدل على اعتبار المحرم فيما دون البريد ولفظه " لا تساف ر المرأة ثلاثة أميال
إلا مع زوج أو ذي محرم " وهذا هو الظاهر أعني الأخذ بأقل ما ورد لأن ما فوقه
منهي عنه بالأولى والتنصيص على ما فوقه كالتنصيص على الثلاث واليوم والليلة
واليومين والليلتين لا ينافيه لأ ن الأقل موجود في ضمن الأكثر وغاية الأمر أن
النهي عن الأكثر يدل بمفهومه على أن ما دونه غير منهي عنه والنهي عن الأقل منطوق
وهو أرجح من المفهوم وقالت الحفية أن المنع ميد بالثلاث لأنه متحقق وما عداه مشكوك
فيه فيؤخذ بالمتيقين . ويوض بأن الرواية المطلقة شلملة لكل سفرينبغي الأخذ بها
وطرح ما سواها فإنه مشكوك فيه والولى أن يقال أن الرواية المطلقة مقيدة بأقل ما
ورد وهي رواية اللأميال إن صحت وإلا فرواية البريد . وقال سفيان يعتبر المحرم في
المسافة البعيدة لا القريبة وقال أحمد لا يجب الحج على المرأة إذا لم تجد محرما .
وإلى كون المحرم شرطا في الحج ذهبت العترة وأبو حنيفة والنخعي وإسحاق والشافعي في أحد
قوليه على خلاف بينهم هل هو شرط أداء أو شرط وجوب . وقال مالك وهو مروى عن أحمد
أنه لا عتبر المحرم في سفر الفريضة وروى عن الشافعي وجعلوه مخصوصا من عموم
الأحاديث بالإجماع . ومن جملة سفر الفريضة سفر الحج وأجيب بأن المجمع عليه إنما هو
سفر الضرورة فلا يقاس عليه سفر الاختيار كذا قال صاحب المغني . وأيضا وقع عند
الدارقطني بلفظ " لا تحجن امرأة إلا ومعها زوج " وصححه أبو عوانة . وفي
رواية للدارقطني أيضا عن أبي أمامة مرفوعا " لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام
أو تحج إلا ومعها زوجها " فكيف يخص سفر الحج من بقية الأسفار . وقد قيل أن
اعتبار المحرم إنما هو في حق من كانت شابة لا في حق العجوز لأنها لا تشتهي . وقيل
لا فرق لأن لكل ساقط لاقطا وهو مراعاة للأمر النادر وقد أحتج أيضا من لم يعتبر
المحرم في سفر الحج بما في البخاري من حديث عدي بن حاتم مرفوعا بلفظ
يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت
لا جوار معها
وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه
وأجيب عن هذا بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز والأولى
على ما قال المتعقب جمعا بينه وبين أحاديث الباب . قوله " إلا مع ذي محرم
" يعني فيحل لها السفر . قال في الفتح وضابط المحرم
عند العلماء من محرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها خرج بالتأبيد زوج
الأخت والعمة وبالمباح أم الموطوءة بشبهة وبنتها وبحرمتها الملاعنة . واستثنى أحمد
الأب الكافر فقال لا يكون محرما لإبنته المسلمة لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها
ومقتضاه إلحاق سائر القرابة الكفار لوجود العلة . وروي عن البعض أن العبد كمالمحرم
وقد روى سعيد بن منصور من حديث ابن ابن عمر مرفوعا " سفر المرأة مع عبدها
ضيعة "
قال الحافظ لكن في إسناده ضعف قال وينبغي
لمن قال بذلك ان يقيده بما إذا كانا في قافلة بخلاف ما إذا كانا وحدهما فلا لهذا
الحديث : قوله " فحج مع امرأتك " فيه دليل على أن الزوج داخل في مسمى
المحرم أو قائم مقامه . قال في الفتح وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فأوجب على
الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن لها غيره وبه قال أحمد ووهو وجه للشافعي
والمشهور أنه لا يلزمه كالولي في الحج عن المريض فلو امتنع إلا بأجرة لزمتها لأنه
من سبيلها فصار في حقها كالمؤنة واستدل به على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض
وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية والأصح عندهم أنه لو منعها لكون الحج على التراخي .
وقد روى الداقطني عن ابن عمر مرفوعا في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في
الحج ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها وأجيب عنه بأنه محمول على حج التطوع جمعا
بين الحديثين ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته عن الخروج في
الأسفار كلها وإنما اختلفوا فيما إذا كان واجبا وقد استدل ابن حزم بهذا الحديث على
أ ه يجوز للمرأة السفر بغير زوج ولا محرم لكونه صلى الله عليه وآله وسلم لم يعب
عليها ذلك السفر بعد أن أخبره زوجها وتعقب بأنه لو لم يكن ذلك شرطا لما أمر زوجها
بالسفر معها وترك الغزو والذي كتب فيه : قوله " إلا ومعها أبوها " الخ
وقع في هذه الرواية بيان بعض المحارم : وقوله " أو ذو محرم منها " من
عطف العام على الخاص ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه
لا يجب الحج على المرأة إلا إذا كان لها محرم . قال ابن دقيق العيد هذه
المسألة تتعلق بالعامين إذا تعارضا فإن قوله تعالى ( ولله على الناس حج البيت )
الآية عام في الرجال والنساء فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج
على الجميع . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تسافر المرأة إلا مع محرم
" عام في كل سفر فيدخل فيه الحج فمن أخرجه عن خص الحديث بعموم الآية ومن
أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث فيحتاج إلى الترجيح من خارج انتهى . ويمكن أن
يقال أن أحاديث الباب لا تعارض الآية لأنها تضمنت أن المحرم في حق المرأة من جملة
افستطاعة على السفر التي أطلقها القرآن وليس فيها إثبات أمر غير الاستطاعة
المشروطة حتى تكون من تعارض العمومين ( لا يقال ) الاستطاعة المذكورة قد بينت
بالزاد والراحلة كما تقدم لأنا نقول قد تضمنت أحاديث الباب زيادة على ذلك البيان باعتبار
النساء غير منافية فيتعين قبولها على أن التصريح بغير اشتراط المحرم في سفر الحج
لخصوصه كما في الرواية التي تقدمت مبطل لدعوى التعارض
باب من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه
1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال من شبرمة قال أخ لي أو قريب لي
قال حججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة "
- رواه أبو داود وابن ماجه . وقال "
فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة " والدارقطني وفيه قال " هذه نك وحج
عن شبرمة
"
- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وصححه البيهقي
وقال إسناده صحيح وليس في هذا الباب أصح منه وقد روى موقوفا والرفع زيادة يتعين
قبولها إذا جاءت من طريق ثقة وهي ههنا كذلك لأن الذي رفعه عبدة بن سليمان قال
الحافظ وهو ثقة محتج به في الصحيحين وقد تابعه محمد بن بشر ومحمد بن عبيد الله
الأنصاري وكذا رجح عبد الحق وابن القطان رفعه ورجحه الطحاوي أنه موقوف وقال أحمد
رفعه خطأ .
وقال ابن المنذر لا يثبت رفعه وقد أطال
الكلام صاحب التلخيص ومال إلى صحته : قوله " سمع رجلا " زعم ابن باطيش
أن اسم الملبي نبيشة قال الحافظ وهو وهم منه فإنهاسم الملبي عنه فيما زعم الحسن بن
عمارة وخالفه الناس فيه فقالوا أنه شبرمة وقد قيل أن الحسن بن عمارة رجع عن ذلك
وقد بين الدارقطني في السنن وظاهر الحديث أنه لا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج
عن غيره وسواء كان مستطيعا أو غير مستطيع لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستفصل
الرجل الذي سمعه يلبي عن شبرمة وهو ينزل منزلة العموم وإلى ذلك ذهب الشافعي
والناصر وقال الثوري والهادي والقاسم أنه يجزي حج من لم يحج عن نفسه ما لم يتضيق
عليه واستدل لهم في البحر بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " هذه عن نبيشة وحج عن
نفسك " فكأنهم جمعوا بين هذا وبين حديث الباب بحمل حديث الباب على من كان
مستطيعا ولكن الحديث الذي غستدل لهم به صاحب البحر لا أدرؤي من رواه ولم أقف عليه
في شيء من كتب الحديث المعتمدة فينبغي افعتماد على حديث الباب ومن زعم أ ه في
السنة ما يعارضه فليطلب منه التصحيح لمدعاه . وقد روى الدارقطني حديث نبيشة موافقا
لحديث شبرمة لا مخالفا له كما زعم صاحب البحر وتقدم قول من قال أن اسم شبرمة نبيشة
باب صحة حجة الصبي والعبد من غير إيجاب له
عليهما
1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال من القوم قالوا المسلمون فقالوا من أنت
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت ألهذا حج قال
نعم ولك أجر "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
2 - وعن السائب بن يزيد قال " حج بي رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه
3 - وعن جابر قال " حججنا مع رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم "
- رواه أحمد وابن ماجه
4 - وعن محمد بن كعب القرظي " عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت عنه فإن أدرك فعليه
الحج وأيما رجل مملوك ج به أهله فمات أجزأت عنه فإن أعتق فعليه الحج "
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنة عبد الله
هكذا مرسلا
- حديث جابر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة وفي
إسناده أشعث بن سوار وهو ضعيف ورواه الترمذي من هذا الوجه بلفظ آخر قال " كنا
إذا حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن
الصبيان " قال ابن القطان ولفظ ابن أبي شيبة أشبه بالصواب فإن المرأة لا يلبي
عنها غيرها أجمع على ذلك أهل العلم . وأخرج الترمذي أيضا من حديث جابر نحو حديث
ابن عباس واستغربه وحديث محمد بن كعب أخرجه أيضا أبو داود في المراسيل وفيه راو
مبهم ( وفي
الباب ) عن ابن عباس عند البخاري " أنه بعثه صلى الله عليه وآله وسلم في
الثقل " بفتح المثلثة والقاف ويجوز إسكانها أي الأمتعة ووجه الدلالة منه أن
ابن عباس كان دون البلوغ ( استدل ) بأحاديث الباب من قال أنه يصح حج الصبي ابن
بطال أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج كان له
تطوعا عند الجمهور وقال أبو حنيفة لا يصح إحرامه ولا يلزمه شيء من محظورات الإحرام
وإنما يحج به على جهة التدريب وشذ بعضهم فقال إذا حج الصبي أجزأه ذلك عن حجة
الإسلام لظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم " نعم " في جواب قولها
ألهذا حج . وإلى مثل ما ذهب إليه أبو حنيفة ذهبت الهادوية وقال الطحاوي لا حجة في
قوله صلى الله عليه وآله وسلم نعم على أنه يجزئه عن حجة افسلام بل فيه حجة على من
زعم أنه لا حج له قال لأن ابن عباس راوي الحديث قال أيما غلام حج به أهله ثم بلغ
فعليه حجة أخرى ثم شاقه بإسناد صحيح وقد أخرج هذا الحديث مرفوعا الحاكم وقال على
شرطهما والبيهقي وابن حزم وصححه وقال ابن خزيمة الصحيح موقوفا وأخرجه كذلك قال البيهقي
تفرد برفعه محمد بن المنهال ورواه الثوري عن شعبة موقوفا ولكنه قد تابع محمد بن
المنهال على رفعه الحرث بن شريح أخرجه كذلك الإسماعيلي والخطيب ويؤيد صحة رفعه ما
رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس قال احفظوا
عني ولا تقولوا قال ابن عباس فذكره وهو ظاهر في الرفع . وقال أخرج ابن عدي من حديث
جابر بلفظ " لو حج صغير حجة لكان عليه حجة أخرى " . ومثل هذا حديث محمد
بن كعب المذكور في الباب فيؤخذ من المجموع هذه الأحاديث أنه يصح حج الصبي ولا
يجزئه عن حجة افسلام إذا بلغ وهذا هو الحق فيتعين المصير إليه جمعا بين الأدلة .
قال القاضي عياض أجمعوا على أنه لا يجزئه إذا بلغ عن فريضة الإسلام إلا فرقة شذت
فقالت يجزئه لقوله نعم . وظاهره استقامة كون حج الصبي حجا مطلقا . والحج إذا أطلق تبادر
منه إسقاط الواجب ولكن العلماء ذهبوا إلى خلافه ولعل ميتندهم حديث ابن عباس يعني
المتقدم فقال وقد ذهبت طائفة من أهل البدع إلى منع الصغير من الحج قال النووي وهو
مردود لا يلتفت غليه لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وإجماع الأمة على
خلافه انتهى . وقد احتج أصحاب الشافعي بحديث ابن عباس الذي ذكره المصنف رحمة الله
على أن الأم تحرم عن الصبي وقال ابن الصباغ ليس في الحديث دلالة على ذلك
أبواب مواقيت الإحرام وصفته وإحكامه
باب المواقيت المكانية وجواز التقدم عليها
1 - عن ابن عباس قال " وقت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن
المنازل ولأهل اليمن يلملم قال فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد
الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها "
2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل
أهل نجد من قرن قال ابن عمر وذكر لي ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم قال ومهل أهل اليمن من يلملم "
- متفق عليهما زاد أحمد في رواية وقاس الناس
ذات عرق بقرن
- قوله " وقت " المراد بالتوقيت
هنا التحديد ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط
المعتبر . وقال القاضي عياض وقت أي حدد قال الحافظ وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقت
يختص به وهو بيان مقدار المدة ثم إتسع فيه فأطلق على المكان أيضا قال ابن الأثير
التأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة يقال وقت الشيء بالتشديد يؤقته
ووقته بالتخفيف يقته إذا بين مدته ثم اتسع فيه فقيل للموضع ميقات . وقال
ابن دقيق العيد أن التأقيت في اللغة تعليق الحكم بالوقت ثم استعمل للتحديد
والتعيين وعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت وقد يكون وقت بمعنى أوجب ومنه قوله
تعالى { أن الصلاة كانت على المؤمنين كنابا موقوتا } : قوله " لأهل
المدينة ذا الحليفة " بالحاء المهملة والفاء مصغرا قال في الفتح مكان معروف
بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين قاله ابن حزم وقال غيره بينهما عشر مراحل . قال
النووي بينها وبين المدينة ستة أميال ووهم من قال بينهما واحدوهو ابن الصباغ وبها
مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب وفيها بئر يقال لها بئر على انتهى : قوله "
الجحفة " بضم الجيم وسكون المهملة قال في الفتح وهي قرية خربة بينها وبين مكة
خمس مراحل أوست وفي قول النووي في شرح المهذب ثلاث مراحل نظر وقال في القاموس هي
على اثنين وثمانين ميلا من مكة وبها غدير خم كما قال صاحب النهاية . قوله "
قرن المنازل " بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون وضبطه صاحب الصحاح بفتح
الراء وغلطة صاحب القاموس وحكى النووي الأتفاق على تخطئته وقيل أنه بالسكون الجبل
وبالفتح الطريق حكاه عياض عن القابسي قال في الفتح والجبل المذكور بينه وبين مكة
من جهة المشرق مرحلتان . قوله " يلملم " بفتح التحتانية واللام وسكون الميم
بعدها لام مفتوحة ثم ميم قال في القاموس ميقات أهل اليمن على مرحلتين من مكة وقال في
الفتح كذلك وزاد بينهما ثلاثون ميلا : قوله " فهن " أي المواقيت المذكورة
وهي ضمير جماعة المؤنث واصله لما يعقل وقد يستعمل فيما لا يعقل لكن فيما دون
العشرة كذا في الفتح : قوله " لهن " أي للجماعات المذكورة ويدل عليه ما
وقع في رواية في الصحيحين بلفظ " هن لهم أو لأهلهن " على حذف المضاف كما
وقع في البخاري بلفظ " هن لاهلن " : قوله " ولمن أتى عليهن "
أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة فإذا أراد الشامي الحج فدخل المدينة
فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتى الجحفة التي هي ميقاته
الأصلي فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وادعى النووي الإجماع على ذلك وتعقب بأن
المالكية يقولون يجوز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه وبه قالت الحنفية وأبو ثور وابن
المنذر من الشافعية وهكذا ما كان من البلد ان خارجا عن البلدان المذكورة فإن ميقات
أهلها الميقات الذي يأتون عليه : قوله " فمن كان دونهن "
أي بين الميقات ومكة : قوله " فمهله من أهله " أي فميقاته من محل أهله
وفي رواية للبخاري " فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ " أي من حيث أنشأ
الأحرام إذا سافر من مكانه إلى مكة قال في الفتح وهذا متفق عليه إلا ما روى عن
مجاهد انه قال ميقات هؤلاء نفس مكة ويدخل في ذلك من سافر غير قاصد للنسك فجاوز
الميقات ثم بد اله بعد ذلك النسك فإنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه
الرجوع إلى الميقات : قوله " يهلون منها " الأهلال رفع الصوت
لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الأحرام ثم أطلق على نفس الأحرام اتساعا
والمراد بقوله يهلون منها أي من مكة ولا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للأحرام
منه وهذا في الحج وأما في العمرة فيجب الخروج إلى أدنى الحل كما سيأتي قال المحب
الطبري لا أعلم أحدا جعل مكة ميقاتا للعمرة واختلف في القارن فذهب الجمهور إلى أن
حكمه حكم الحاج في الأهلال من مكة . وقال ابن الماجشون يتعين عليه الخروج إلى أدنى
الحل قوله "
وقاس الناس ذات عرق بقرن " سيأتي
الكلام عليه
3 - وعن ابن عمر " قال لما فتح هذان
المصران أتوا عمر بن الخطاب فقالوا يا أمير المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم حد لأهل نجد قرنا وأنه جور عن طريقنا وان أردنا قرنا شق علينا قال
فأنظروا حذوها من طريقكم قال فحد لهم ذات عرق "
- رواه البخاري
4 - وروى عن عائشة " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق "
- رواه أبو داود والنسائي
5 - وعن أبي الزبير " أنه سمع جابرا سئل
عن المهل فقال سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال مهل أهل
المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر الجحفة ومهل أهل العراق ذات عرق ومهل أهل نجد
من قرن ومهل أهل اليمن من يلملم "
- رواه مسلم . وكذلك أحمد وابن ماجه ورفعاه
من غير شك
- حديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري
وقال في التلخيص هو من رواية القاسم عنها تفرد به المعافي بن عمران عن أفلح عنه
والمعافي ثقة . وحديث جابر أخرجه مسلم على الشك في رفعه كما قال المصنف وأخرجه أبو
عوانة في مستخرجه كذلك وجزم برفعه أحمد وابن ماجه كما ذكر المصنف ولكن في إسناد
أحمد ابن لهيعة وهو ضعيف وفي إسناد ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو غير محتج
به ( وفي الباب ) عن الحرث بن عمرو السهمي عند أبي داود . وعن أنس عند الطحاوي .
وعن ابن عباس عند ابن عبد البر . وعن عبد الله بن عمرو عند أحمد وفي إسناده الحجاج
بن أرطأة وهذه الطرق يقوى بعضها بعضا وبها يرد على ابن خزيمة حيث قال في ذات عرق
أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث وعلى ابن المنذر حيث يقول لم نجد في ذات
عرق حديثا يثبت قال في الفتح لعل من قال أنه غير منصوص لم يبلغه أو رأي ضعف الحديث
باعتبار أن كل طريق منا لا يخلو عن مقال قال لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى وممن
قال بأنه غير منصوص وإنما أجمع عليه الناس طاوس وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح
السند والنووي في شرح مسلم وكذا وقع في المدونة لمالك . وممن قال بأنه منصوص عليه
الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح
المهذب وقد أعله بعضهم بأن العراق لم تكن فتحت حينئذ . قال ابن عبد البرهي غفلة لأن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكونه علم
أنها ستفتح فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق وبهذا أجاب الماوردي وآخرون وقد ورد
ما يعارض أحاديث الباب فأخرج أبو داود والترمذي عن ابن عباس " أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم وقت لأهل المشرق العقيق " وحسنه الترمذي ولكن في
إسناده يزيد بن أبي زياد قال النووي ضعيف باتفاق المحدثين قال الحافظ في نقل
الأتفاق نظر يعرف من ترجمته انتهى . ويزيد المذكور أخرج حديثه أهل السنن الأربع
ومسلم مقرونا بآخر قال شعبة لا أبالي إذا كتبت عن يزيد أن لا أكتب عن أحد وهو من
كبار الشيعة وعلمائها ووصفه في الميزان بسوء الحفظ وقد جمع بين هذا الحديث وبين
ماقبله بأوجه . منها ان ذات عرق ميقات الوجوب والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد
من ذات عرق . منها أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن والآخر ميقات
لأهل البصرة ووقع ذلك في حديث أنس عند الطبراني وإسناده ضعيف . منها ان ذات عرق
كانت أولا في مواضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة فعلى هذا فذات عرق والعقيق
شيء واحد حكى هذه الأوجه صاحب الفتح : قوله " لما فتح هذان المصران " بالبناء
للمجهول . وفي رواية للكشميهني " لما فتح هذين المصرين " بالبناء
للمعلوم والمصران تثنية مصر والمراد بهما البصرة والكوفة : قوله " أنه
جور " بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راءاي ميل والجور الميل عن القصد ومنه
قوله تعالى { ومنها جائر } : قوله " فانظروا حذوها " أي اعتبروا ما يقابل
الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا وظاهره ان عمر حد لهم
ذات عرق باجتهاد . ولهذا قال المصنف رحمه الله والنص بتوقيت ذات عرق ليس في القوة
كغيره فإن ثبت فيلس ببدع وقوع اجتهاد عمر على وفقه فإنه كان موفقا للصواب انتهى
6 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم اعتمر أربع عمر في ذي القعدة إلا التي اعتمر مع حجته . عمرته من الحديبية ومن
العام المقبل ومن الجعرانة حيث قسم غنائم حنين وعمرته مع حجته "
7 - وعن عائشة " قالت نزل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم المحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال اخرج بأختك من الحرم
فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت وبالصفا والمروة فجئنا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وهو في منزله في جوف الليل فقال هل فرغت قلت نعم فإذن في أصحابه بالرحيل فخرج
فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة "
- متفق عليهما
8 - وعن أم سلمة " قالت سمعت النبي صلى
الله عليه وآله وسلم يقول من أهل المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من
ذنبه "
- رواه أحمد وأبو داود بنحوه وابن ماجه وذكر
فيه العمرة دون الحجة
- حديث أم سلمة في إسناده علي بن يحيى بن
أبي سفيان الأخنسي قال أبو حاتم الرازي شيخ من شيوخ المدينة ليس بالمشهور وذكره
ابن حبان في الثقات وقال ابن كثير في حديث ام سلمة هذا اضطراب : قوله " أربع
عمر " ثبت مثل هذا من حديث عائشة وابن عمر عند البخاري وغيره وأخرج البخاري
من حديث البراء أنه صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر مرتين والجمع بينه وبين
أحاديثهم بأن البراء لم يعد عمرته التي حجته لأن حديثه مقيد بكون ذلك في ذي القعدة
والتي في حجته كانت في ذي الحجة وكأنه أيضا لم يعد التي صد عنها وإن كانت وقعت في
ذي القعدة أو عدها ولم يعد الجعرانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره ( وفي الباب )
عن أبي هريرة عند عبد الرزاق " قال اعتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث
عمر في ذي القعدة " . وعن عائشة عند سعيد بن منصور " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم اعتمر ثلاث عمر مرتين في ذي القعدة وعمرة في شوال " قال
في الفتح وإسناده قوي وقولها في شوال مغاير لقول غيرها . ويجمع بينهما بأن ذلك وقع
في آخر شوال وأول ذي القعدة ويؤيده م رواه ابن ماجة بإسناد صحيح عن عائشة بلفظ طلم
يعتمر صلى الله عليه وآله وسلم إلا في ذي القعدة " وفي البخاري عن عائشة
" أنها لما سمعت ابن عمر يقول اعتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربع عمر
إحداهن في رجب قالت يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما
اعتمر في رجب قط " وروى الدارقطني عن عائشة أنها قالت " خرجت مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت "
الحديث . وقد قدمنا الكلام عليه في قصر الصلاة . قال ابن القيم في الهدى ما
اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان قط وقال لا خلاف أن عمره صلى
الله عليه وآله وسلم لم تزد على أربع فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسا ولو كان
قد اعتمر في رمضان لكانت ستا إلا أن يقال بعضهن في رجب وبعضهن في رمضان وبعضهن في
ذي القعدة وهذا لم يقع وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس وابن عباس
وعائشة : قوله " من الجعرانة "
قال في القاموس الجعرانة وقد تكسر العين وتشدد الراء . وقال الشافعي التشديد خطأ
موضع بين مكة والطائف سمي بريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة انتهى . قوله "
المحصب " هو على ما في القاموس الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح وموضع رمى الجمار
بمنى : قوله " اخرج بأختك من الحرم " لفظ البخاري " أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم " وقد وقع الخلاف
هل يتعين التنعيم لمن اعتمر من مكة قال الطحاوي ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة
لمن كان بمكة إلا التنعيم ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي
للحج وخالفهم آخرون فقالوا ميقات العمرة الحل وإنما أمر عائشة بالإحرام من التنعيم
لأنه كان أقرب الحل إلى مكة ثم روى عن عائشة في حديثها أنها قالت فكان أدنانا من
الحرم التنعيم فاعتمرت منه قال فثبت بذلك أن التنعيم وغيره سواء في ذلك وقال صاحب الهدى
ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة ولا
أعتمر بعد الهجرة إلا داخلا إلى مكة ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل
إلى مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم ولا ثبت عند أحد من الصحابة فعل ذلك في حياته
إلا عائشة وحدها قال في الفتح وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته انتهى .
ولكنه إنما يدل على المشروعية إذا لم يكن أمره صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لأجل
تطييب قلبها كما قيل : قوله " من المسجد الأقصى
" فيه دليل على جواز تقديم الإحرام على الميقات ويؤيد ذلك ما أخرجه الشافعي
في الأم عن عمر والحاكم في المستدرك بإسناد قوي عن علي عليه السلام " أنهما
قالا إتمام الحج والعمرة في قوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } بأن تحرم لهما
من دويرة أهلك " بل قد ثبت ذلك مرفوعا من حديث أبي هريرة قال في الدار
المنثور وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في
قوله تعال أتمموا الحج والعمرة لله قال إن من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك
وأما قول صاحب المنار أنه لو كان أفضل لما تركه جميع الصحابة فكلام على غير قانون
الاستدلال وقد حكى في التلخيص أنه فسره ابن عينية فيما حكاه عنه أحمد بأن ينشئ
لهما سفرا من أهله ولكن لا يناسب لفظ إلا هلال الواقع في حديث الباب ولفظ الإحرام
الواقع في حديث أبي هريرة وفي تفسير على وعمر وقد قمنا في باب حكم العمرة تفسير
آخر للآية
باب دخول مكة بغير إحرام بعذر
1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام "
- رواه مسلم والنسائي
2 - وعن مالك عن ابن شهاب عن أنس " أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء
رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال أقتلوه قال مالك ولم يكن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يومئذ محرما "
- رواه أحمد والبخاري
- قوله " عمامة سوداء " فيه
جواز لبس السواد وإن كان البياض أفضل منه لما سلف في اللباس في الجنائز قوله
" وعلى راسه المغفر " زاد أبو عبيد القاسم بن سلام في روايته من حديد
وكذا رواه عشرة من أصحاب مالك خارج الموطأ . قال القاضي عياض وجه الجميع بينه وبين
قوله " وعلى رأسه عمامة سوداء " إن أول دخوله وعلى رأسه المغفر ثم بعد
ذلك كان على راسه العمامة بدليل قوله في بعض الروايات فخطب الناس وعليه عمامة
سوداء " قوله " فقال ابن خطل الخ إنما قتله صلى الله عليه وآله وسلم
لأنه كان ارتد عن الإسلام وقتل مسلما كان يخدمه وكان يهجو النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ويسبه وكان له قينتان تغنيان بهجاء المسلمين . واسم أبي خطل عبد العزى وقال
محمد بن إسحاق اسمه عبد الله وقال ابن الكلبي اسمه غالب وخطل بخاء معجمة وطاء
مهملة مفتوحتين ( والحديثان يدلان ) على جواز دخول مكة للحرب بغير
إحرام وقد اعترض عليه بأن القتال في مكة خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما
ثبت في الصحيح " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فإن ترخص أحد لقتال
لقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها فقولوا إن الله تعالى أذن لرسوله
ولم يأذن لكم " فدل على عدم جواز قياس غيره عليه ويجاب بأن غاية ما في هذا
الحديث اختصاص القتال به صلى الله عليه وآله وسلم وأما جواز المجاوزة فلا وأمته
أسوته في أفعاله وقد اختلف في اختلف في المجاوزة لغير عذر فمنعه الجمهور وقالوا لا
يجوز إلا بإحرام من غير فرق بين من دخل لأحد النسكين أو لغيرهما ومن فعل إثم ولزمه
دم وروى عن ابن عمر والناصر وهو الأخير من قولي الشافعي وأحد قولي أبي العباس أنه
لا يجب الإحرام إلا على من دخل لأحد النسكين لا على من أراد مجرد الدخول ( استدل
الأولون ) بقوله تعالى { وإذا حللتم فاصطادوا } وأجيب بأنه تعالى قدم تحريم الصيد
عليهم وهم محرمون في قوله تعالى { إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم }
وقد علم أنه لا إحرام إلا عن أحد النسكين ثم أخبرهم بإباحة الصيد لهم إذا حلوا
فليس في الآية ما يدل على المطلوب واستدلوا ثانيا بحديث ابن عباس عند البيهقي بلفظ
" لا يدخل أحد مكة إلا محرما " قال الحافظ وإسناده جيد ورواه ابن عدي
مرفوعا من وجهين ضعيفين . وأخرجه ابن أ [ ي شيبة عنه
بلفظ " لا يدخل أحد مكة بغير إحرام إلا الحطابين والعمالين وأصحاب منافعها
" وفي إسناده طلحة ابن عمرو وفيه ضعف وروى الشافعي عنه أيضا أنه كان يرد من
جاوز الميقات غير محرم . وقد اعتذر بعض المتأخرين عن حديث ابن عباس هذا بأنه موقوف
على ابن عباس من تلك الطريق التي ذكرها البيهقي ولا حجة فيما عداها ثم عارض ما ظنه
موقوفا بما أخرجه مالك في الموطأ أن ابن عمر جاوز الميقات غير محرم فإن صح ما
إدعاه من الوقف فليس في غيجاب الإحرام على من أراد المجاوزة لغير النسكين دليل وقد
كان المسلمون في عصره صلى الله عليه وآله وسلم يختلفون إلى مكة لحوائجهم ولم ينقل
أنه أمر أحدا منهم بإحرام كقصة الحجاج بن علاط وكذلك قصة أبي قتادة لما عقر حمار
الوحش داخل الميقات وهو حلال وقد كان أرسله لغرض قبل الحج فجاوز الميقات لا بنية
الحج ولا العمرة فقرره صلى الله عليه وآله وسلم ولا سيما مع ما يقضي بعدم الوجوب
من استصحاب البراء الأصلية إلى أن يقوم دليل ينقل عنها
باب ما جاء في أشهر الحج وكراهة الإحرام
به قبلها
1 - عن ابن عباس " قال من السنة أن لا
يحرم بالحج إلا في أشهر الحج "
- أخرجه البخاري وله عن ابن عمر قال "
اشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة " وللدارقطني مثله عن ابن مسعود
وابن عباس وابن الزبير
2 - وروى عن أبي هريرة قال " بعثني أبو
بكر فيمن يؤذن يوم الحج بمنى لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم
الحج الأكبر يوم النحر "
- رواه البخاري
3 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال أي يوم هذا
فقالوا يوم النحر قال هذا يوم الحج الأكبر "
- رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه
- قوله " عن ابن عباس " علقه
البخاري ووصله ابن خزيمة والحاكم والدارقطني من طريق الحكم عن مقسم عنه بلفظ
" لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهره
" ورواه ابن خزيمة من وجه آخر عنه بلفظ " لا يصلح أن يحرم بالحج أحد إلا
في أشهر الحج " قوله " وعن ابن عمر " علقه البخاري ووصله الطبري
والدارقطني من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار عنه : قوله " ويوم
الحج الأكبر يوم النحر " إنما سمي بذلك لأن تمام أعمال الحج يكون فيه أو
إشارة بالأكبر إلى الأصغر أعني العمرة ( وقد استدل ) المصنف بهذه الآثار على كراهة
الإحرام بالحج قبل أشهر الحج وقد روى مثل ذلك عن عثمان وقال ابن عمر وابن عباس
وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين أنه لا يصح الإحرام بالحج إلا فيها وهو قول
الشافعي وقد تقرر في الأصول أن قول الصحابي ليس بحجة وليس في الباب إلا أقوال
الصحابة إلا أن يصح ما ذكرنا عن ابن عباس من قوله فإن من سنة الحج الخ فإن هذه
الصيغة لها حكم الرفع وقد قدمنا في آخر باب المواقيت ما يدل على استحباب الإحرام
من دويرة الأهل وظاهره عدم الفرق بين من يفارق دويرة أهله قبل دخول أشهر الحج أو
بعد دخولها إلا أنه يقوي المنع من الأحرام قبل أشهر الحج أن الله سبحانه ضرب
لأعمال الحج أشهرا معلومة والإحرام عمل من أعمال الحج فمن إدعى أنه يصح قبلها
فعليه الدليل ( وقد أجمع العلماء ) على أن
المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال لكن اختلفوا هل هي بكمالها أو شهران وبعض
الثالث فذهب إلى الأول مالك وهو قول للشافعي وذهب غيرهما من العلماء إلى الثاني ثم
اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون عشر ليال من ذي الحجة وهل يدخل
يوم النحر أو لا فقال أحمد وأبو حنيفة نعم وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه لا
وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ ويرد
على من أخرج يوم النحر من أشهر الحج قوله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم النحر
" هذا يوم النحر الأكبر " كما في حديث ابن عمر المذكور في الباب
باب جواز العمرة في جميع السنة
1 - عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم " قال عمرة في رمضان تعدجل حجة "
- رواه الجماعة إلا الترمذي لكنه له من حديث
أم معقل
2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم اعتمر أربعا إحداهن في رجب "
- رواه الترمذي وصححه
3 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم اعتمر عمرتين عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال "
- رواه أبو داود
4 - وعن علي رضي الله عنه " قال في كل
شهر عمرة
"
- رواه الشافعي
- حديث أم معقل أخرجه أيضا النسائي من طريق
معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل
" قالت أردت الحج فاعتل بعيري فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال
اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة " وقد اختلف في إسناده فرواه
مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن قالت جاءت امرأة فذكره مرسلا ورواه أبو داود
من طريق عمارة بن عمير وغيره عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي معقل . ورواه أبو داود
من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر ابن عبد الرحمن عن رسول مروان عن أم معقل
ويجمع بين الروايتين بتعدد الواقعة . وأما حديث ابن عباس فقد قدمنا في باب
المواقيت ما يخالفه وحدييث عائشة سكت عنه أبو داود ورجال إسناده رجال الصحيح وحديث
علي أخرجه البيهقي من طريق الشافعي بإسناد صحيح " قوله " تعدل حجة
" فيه دليل على أن العمرة في رمضان تعدل حجة في الثواب لا لأنها تقوم مقامها
في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض ونقل الترمذي عن
إسحاق بن راهويه أن معنى هذا الحديث نظير ما جاء " أن قل هو الله أحد
تعدل ثلث القرآن " وقال ابن العربي حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله
ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها . وقال ابن الجوزي فيه أن ثواب
العمل يزيد بززيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص المقصد : قوله "
اعتمر أربعا " قد تقدم الكلام في عدد عمره صلى الله عليه وآله وسلم والاختلاف
في ذلك وقد وقع خلاف هل الأفضل العمرة في رمضان لهذ الحديث أو في أشهر الحج لأن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعتمر إلا فيها فقيل أن العمرة في رمضان لغير
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل وأما في حقه فما صنعه فهو أفضل لأنه فعله للرد
على أهل الجاهلية الذين كانوا يمنعون من الاعتمار في أشهر الحج ( وأحاديث الباب )
وما ورد في معناها مما تقدم تدل على مشروعية العمرة في أشهر الحج وإليه ذهب
الجمهور وذهبت الهادوية إلى أن العمرة في أشهر الحج مكروهة وعللوا ذلك بأنها تشغل عن
الحج في وقته وهذا من الغرائب التي يتعجب الناظر منها فإن الشارع صلى الله عليه
وآله وسلم إنما جعل عمره كلها في أشهر الحج لإبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع
الاعتمار فيها كما عرفت فما الذي سوغ مخالفة هذه الأدلة الصحيحة والبراهين الصريحة
وألجأ إلى مخالفة الشارع ومافقة ما كانت عليه الجاهلية ومجرد كونها تشغل عن أعمال
الحج لا يصلح مانعا ولا يحسن نصبه في مقابلة الأدلة الصحيحة وكيف يجعل مانعا وقد
اشتغل بها المصطفي في أيام الحج وأمر غيره بالاشتعال بها فيها ثم أي شغل لمن لم
يرد الحج أو أراده وقدم مكة من أول شوال لا جرم من لم يشتغل بعلم السنة المطهرة حق
افشتغال يقع في مثل هذه المضايق التي هي السم القتال والداء العضال . وحكى في
البحر عن الهادي أنها تكره في أيام التشريق قال أبو يوسف ويوم النحر قال أبو حنيفة
ويوم عرفة
باب من يصنع من أراد الإحرام من الغسل
والتطيب ونزع المخيط وغيره
1 - عن ابن عباس رفع الحديث إلى النبي صلى
الله عليه وآله وسلم " أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها
غير أن لا تطوف بالبيت "
- رواه أبو داود والترمذي
2 - وعن عائشة قالت " كنت أطيب النبي صلى
الله عليه وآله وسلم عند إحرامه بأطيب ما أجد " وفي رواية " كان النبي
صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيض الدهن في
رأسه ولحيته بعد ذلك أخرجاهما
- حديث ابن عباس في إسناده خصيف بن عبد
الرحمن الحراني كنيته أبو عون . قال المنذري وقد ضعفه غير واحد وقال في التقريب
صدوق سيء الحفظ خلط بآخره ورمى بالإرجاء ( وقد استدل ) المصنف بهذا الحديث على أنه
يشرع للمحرم الاغتسال عند ابتداء الإحرام وهو محتمل لإمكان أن يكون الغسل لأجل قذر
الحيض ولكن في الباب أحاديث تدل على مشروعية الغسل للإحرام وقد تقدمت في أبواب
الغسل فليرجع إليها : " قوله عند إحرامه " أي في وقت إحرامه وللنسائي
حين أراد أن يحرم . وفي البخاري لإحرامه ولحله " قوله وبيض " بالموحدة
المكسورة وبعدها تحتية ساكنة وآخر صاد مهملة وهو البريق . وقال الإسماعيلي أن
الوبيص زيادة على البريق وأن المراد به التلألؤ وأنه يدل على وجود عين قائمة لا
الريح ( واستدل بالحديث ) على استحباب التطييب عند إرادة الإحرام ولو بقيت رائحته
عند الإحرام وعلى أنه لا يضر بقاء رائحته ولونه وإنما المحرم ابتداؤه بعد الإحرام
قال في الفتح وهو قول الجمهور وذهب ابن عمر ومالك ومحمد بن الحسن والزهري وبعض
أصحاب الشافعي ومن أهل البيت الهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله وأبو طالب إلى
أنه لا يجوز التطييب عند الإحرام واختلفوا هل هو محرم أو مكروه وهل تلزم الفدية
أولا واستدلوا على عدم الجواز بأدلة منها ما وقع عند البخاري وغيره بلفظ " ثم
طاف على نسائه ثم أصبح محرما " والطواف الجماع ومن لازمه الغسل بعده فهذا يدل
على أنه صلى الله عليه وآله وسلم اغتسل بعد أن تطيب . وأجيب عن هذا بما في البخاري
أيضا بلفظ " ثم أصبح محرما ينضح طيبا " وهو ظاهر في أن نضح الطيب وظهور
رائحته كان في حال إحرامه ودعوى بعضهم أن فيه تقديما وتأخيرا أو التقدير طاف على
نسائه ينضح طيبا ثم أصبح محرما خلاف الظاهر ويرده قول عائشة المذكور ثم ارى وبيص
الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك . وفي رواية لها ثم أراه في رأسه ولحيته بعد ذلك .
وفي رواية للنسائي وابن حبان " رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاث وهو محرم "
وفي رواية متفق عليها " كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم بعد أيام " ولمسلم " وبيص المسك "
وسيأتي ذلك في باب منع المحرم من ابتداء الطيب ومن أدلتهمم نهيه صلى الله عليه
وآله وسلم عن الثوب الذي مسه الورس والزعفران كما سيأتي في أبواب ما يتجنبه المحرم
وأجيب بأن تحريم الطيب على من قد صار محرما مجمع عليه والنزاع إنما هو في التطيب
عند إرادة الأحرام واستمرار أثره لا غبتدائهز ومنها أمره صلى الله عليه وآله وسلم
للأعرابي بنزع المنطقة وغسلها عن الخلوق وهو متفق عليه ويجاب عنه بمثل الجواب عن
الذي قبله ولا يخفي ان غاية هذين الحديثين تحريم لبس ما مسه الطيب . ومحل النزاع
تطييب البدنولكنه سيأتي في باب ما يصنع من أحرم في قميص أمره صلى الله عليه وآله
وسلم لمن سأله بأنه يغسل الخلوق عن بدنه وسيأتي الجواب عنه
وقد أجاب عن حديث الباب المهلب وأبو الحسن
القصار وابو الفرج من المالكية بأن ذلك من خصائصه ويرده ما أخرجه أبو داود وابن
أبي شيبة عن عائشة قالت " كنا ننضح وجوهنا بالسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم
فنعرق ويسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينهانا
" وهو صريح في بقاء عين الطيب وفي عدم اختصاصه بالنبي صلى الله عليه وآله
وسلم . وسيأتي الحديث في باب منع المحرم من ابتداء الطيب . قال في الفتح ولا يقال
أن ذلك خاصا بالنساء لأنهم أجمعوا أن النساء والرجال سواء في تحريم استعمال الطيب
إذا كانوا محرمين وقال بعضهم كان ذلك طيبا لا رائحة له لما وقع في رواية عن عائشة
" بطيب لا يشبه طيبكم " قال بعض رواته يعني لا بقاء له أخرجه النسائي .
ويرده ما تقدم في الذي قبله وأيضا المراد بقولها لا يشبه طيبكم أي أطيب منه كما
يدل على ذلك ما عند مسلم عنها بلفظ " بطيب فيه مسك " وفي أخرى له عنها
" كأني أنظر إلى وبيص المسك " وأوضح من ذلك قولها في حديث الباب بأطيب
ما نجد ولهم جوابات أخرى غير ناهضة فتركها أولى . والحق أن المحرم من الطيب على
المحرم هو ما تطيب به ابتداء بعد إحرامه لا ما فعله عند إرادة الإحرام وبقي أثره لونا
وريحا ولا يصح أن يقال لا يجوز استدامة الطيب قياسا على عدم جواز استدامة اللباس
لأن استدامة اللبس لبس يخلاف استدامة الطيب فليست بطيب سلمنا استواءهما فهذا قياس
في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار
3 - وعن ابن عمر في حديث له عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال " وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد نعلين
فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين "
- رواه أحمد
- هذا الحديث ذكره صاحب المذهب عن ابن عمر . قال
الحافظ كأنه أخذه من كلام ابن المنذر فإنه ذكره كذلك بغير إسناد وقد بيض له
المنذري والنواوي في الكىلام على المذهب ووهم من عزاه إلى الترمذي وقد عزاه المصنف
إلى أحمد قال في مجمع الزوائد أخرجه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن وهو ببعض
ألفاظه للجماعة كلهم كما سياتي في باب ما يتجنبه المحرم من اللباس وهو أيضا متفق
على بعض ما فيه من حديث ابن عباس ( وفيه دليل ) على أنه يجوز للمحرم لبس الإزار
والرداء والنعلين وفي البخاري من حديث ابن عباس قال " انطلق النبي صلى الله
عليه وآله وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه فلم
ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرات التي تردع على الجلد " قوله
" وليقطعهما أسفل الكعبين " الكعبان هما العظمان الناتئان عند مفصل
الساق والقدم وهذا هو المعروف عند أهل اللغة واستدل به على اشتراط القطع خلافا
للمشهور عن أحمد فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع واستدل على ذلك بحديث ابن عباس
الآتي في باب ما يتجنبه المحرم من اللباس بلفظ " ومن لم يجد نعلين فليلبس
خفين "
ويجاب عنه بأن حمل المطلق على المقيد لازم
وهو من جملة القائلين به وأجاب الحنابلة بجوابات أخر لعله يأتي ذكر بعضها عند ذكر
حديث ابن عباس
4 - وعن ابن عمر قال " بيداؤكم هذه التي
تكذبون على رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة " . " متفق عليه
" . وفي لفظ ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره "
- أخرجاه : وللبخاري " إن ابن عمر كان
إذا أراد الخروج إلى مكة أدهن بدهن ليس له رائحة طيب ثم يأتي مسجد ذي الحليفة
فيصلي ثم يركب فإذا أستوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يفعل "
5 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا على حبل البيداء أهل "
- رواه أبو داود
6 - وعن جابر " أن إهلال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من ذي الحليفة حين أستوت به راحلته "
- رواه البخاري . وقال رواه أنس وابن عباس
7 - وعن سعيد بن جبير قال " قلت لابن
عباس عجبا لأختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إهلاله فقال إني
لأعلم الناس بذلك إنما كانت منه حجة واحدة فمن هنالك اختلفوا خرج رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم حاجا فلما صلى في مسجده في ذي الحليفة ركعيتيه أوجب في مجلسه
فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه فسمع ذلك منه أقوام فحفظوا عنه ثم ركب فلما أستقلت
به ناقته أهل فأدرك ذلك منه أقوام فحفظوا عنه وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون إرسالا
فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا إنما أهل حين استقلت به ناقته ثم مضى فلما
علا على شرف البيداء أهل فأدرك ذاك أقوام فقالوا إنما أهل رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم حين علا على شرف البيداء وأيم الله لقد أوجب في مصلاه وأهل حين استقلت
به راحلته وأهل حين علا شرف البيداء "
- رواه أحمد وأبو داود . ولبقية الخمسة منه
مختصرا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل في دبر الصلاة "
- حديث أنس الذي عزاه المصنف إلى أبي داود
أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلى أشعث
بن عبد الملك الحمراني وهو ثقة . وحديث ابن عباس الذي رواه عنه سعيد بن جبير في
إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحراني وهو ضعيف ومحمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث . وقد
أخرجه الحاكم من طريق أخر عن عطاء عن ابن عباس وأخرج أيضا ما أخرجه الخمسة من
حديثه مختصرا . قوله " بيداؤكم " البيداء هذه فوق علمي على علمي ذي
الحليفة لمن صعد من الوادي قاله أبو عبيد البكري وغيره وكان ابن عمر إذا قيل له
الإحرام من البيداء أنكر ذلك وقال البيداء الذي تكذبون فيها على رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يعني بقولكم أنه أهل منها وإنما أهل من مسجد ذي الحليفة وهو
يشير إلى قول ابن عباس عند البخاري أنه صلى الله عليه وآله وسلم ركب راحلته حتى
استوت على البيداء أهل . وإلى حديث أنس المذكور في الباب والتكذيب المذكور المراد
به الأخبار عن الشيء على خلاف الواقع وإن لم يقع على وجه العمد : قوله " ادهن
بدهن ليست له رائحة طيبة " فيه جواز الأدهان بالأدهان التي ليست لها رائحة
طيبة وقد ثبت من حديث ابن عباس عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ادهن
ولم ينه عن الدهن . قال ابن المنذر أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت
والشحم والشيرج وان يستعمل ذلك في جميع بدنه رأسه ولحيته وأجمعوا على أن الطيب لا
يجوز استعماله في بدنه وفرقوا بين الطيب والزيت في هذا فقياس كون المحرم ممنوعا من
استعماله الطيب في رأسه أن يباح له استعمال الزيت في رأسه وقد تقدم الكلام في
الطيب : قوله " على حبل البيداء " بالحاء المهملة هو الرمل المستطيل وهو
المراد بقوله في الرواية الأخرى " على شرف البيداء " والشرف المكان
العالي : قوله " فمن هناك اختلفوا " الخ هذا الحديث بزول به الأشكاك ويجمع
بين الروايات المختلفة بما فيه فيكون شروعه صلى الله عليه وآله وسلم في الأهلال
بعد الفراغ من صلاته بمسجد ذي الحليفة في مجلسه قبل أن يركب فنقل عنه من سمعه يهل
هنالك أنه أهل بذلك المكان ثم أهل لما أستقلت به راحلته فظن من سمع أهلاله عند ذلك
أنه شرع فيه في ذلك الوقت لأنه لم سمع أهلاله بالمسجد فقال إنما أهل حين استقلت به
راحلته ثم روى كذلك من سمعه يهل على شرف البيداء . وهذا يدل على أن الأفضل لمن كان
ميقاته ذا الحليفة أن يهل في مسجدها بعد فراغه من الصلاة ويكرر الأهلال عند ان
يركب على راحلته وعندان يمر بشرف البيداء قال في الفتح وقد اتفق فقهاء الأمصار على
جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل
باب الاشتراط في الإحرام
1 - عن ابن عباس " ان ضباعة بنت الزبير
قالت يا رسول الله إني امرأة ثقيلة وأريد الحج فيكف تأمرني أهل فقال أهلي واشترطي
أن محلي حيث حبستني قال فأدركت "
- رواه الجماعة إلا البخاري وللنسائي في
رواية " وقال فإن لك على ربك ما استثنيت "
2 - وعن عائشة قالت " دخل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها لعلك أردت الحج قالت والله ما
أجدني إلى وجعة فقال لها حجي واشترطي وقولي اللهم محلى حيث حبستني وكان تحت
المقداد ابن الأسود "
- متفق عليه
3 - وعن عكرمة عن ضباعة بنت الزبير بن عبد
المطلب قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحرمي وقولي أن محلي
حيث تحبسني فان حبست أو مرضت فقد حللت من ذلك بشرطك على ربك عز و جل "
- رواه أحمد
- حديث عكرمة أخرجه أيضا ابن خزيمة ( وفي
الباب ) عن أنس عند البيهقي وعن جابر عنده . وعن ابن مسعود وأم سليم عنده أيضا .
وعن أم سلمة عند أحم الطبراني في الكبير وفي إسناده ابن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث
وبقية رجاله رجال الصحيح وعن ابن عمر عند الطبراني في الكبير وفيه علي بن عاصم وهو
ضعيف قال العقيلي روى عن ابن عباس قصة ضباعة بأسانيد ثابته جياد انتهى : وقد غلط الأصلي
غلطا فاحشا فقال إنه لا يثبت في الأشتراط حديث وكأنه ذهل عما في الصحيحين . وقال
الشافعي لوثبت حديث عائشة في الأستثناء لم أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما
ثبت عن رسول الله . قال البيهقي فقد ثبت هذا الحديث من أوجه . قوله " ضباعة
" بضم المعجمة بعدها موحدة قال الشافعي كنيتها أم حكيم وهي بنت عم النبي صلى
الله عليه وآله وسلم أبوها الزبير بن عبد المطلب بن هاشم ووهم الغزالي الأسلمية
وتعقبه النووي وقال صوابه الهاشمية . قوله " محلى " بفتح الميم وكسر
المهملة أن مكان إحلالي ( وأحاديث الباب ) تدل على أن
من اشتراط هذا الأشتراط ثم عرض له ما يحبسه عن الحج جاز له التحلل وأنه لا يجوز
التحلل مع عدم الاشتراط وبه قال جماعة من الصحابة منهم علي وابن مسعود وعمر وجماعة
من التابعين وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور وهو المصحح للشافعي كما قال النووي .
وقال أبو حنيفة ومالك وبعض التابعين وإليه ذهب الهادي أنه لا يصح الأشتراط وهو
مروي عن ابن عمر . قال البيهقي لو بلغ ابن عمر
حديث ضباعة لقال به ولم ينكر الأشتراط وهو مروي عن ابن عمر . قال البيهقي لو بلغ
ابن عمر حديث ضباعة لقال به ولم ينكر الأشتراط كما لم ينكره أبوه انتهى . وقد
اعتذروا عن هذه الأحاديث بأنها قصة عين وأنها مخصوصة بضباعة وهو يتنزل على الخلاف
المشهور في الأصول في خطابه صلى الله عليه وآله وسلم لواحد هل يكون غيره فيه أم لا
داعي بعضهم إن الاشتراط منسوخ روى ذلك عن ابن عباس لكن بإسناد فيه الحسن بن عمارة
وهو متروك وادعى بعض أنه لم يثبت وقد تقدم الجواب عليه
باب التخيير بين التمتع والأفراد والقران
وبيان أفضلها
1 - عن عائشة قالت " خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فقال من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن
يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل قالت وأهل رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم بالحج وأهل به ناس معه وأهل معه ناس بالعمرة والحج وأهل ناس بعمرة وكنت
فيمن أهل بعمرة "
- متفق عليه
2 - وعن عمران بن حصين قال " نزلت آية
المتعة في كتاب الله تعالى ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم
ينزل قرآن بحرمه ولم منه عنها حتى مات "
- متفق عليه . ولأحمد ومسلم " نزلت آية
المتعة في كتاب الله تعالى يعني متعة الحج وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ثم لم تنزل آية تفسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها حتى مات "
3 - وعن عبد الله بن شقيق " أن عليا كان
يأمر بالمتعة وعثمان ينهي عنها فقال عثمان كلمة فقال علي لقد علمت إنا تمتعنا مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عثمان أجل ولكنا كنا خائفين "
- رواه أحمد ومسلم
4 - وعن ابن عباس قال " أهل النبي صلى
الله عليه وآله وسلم بعمرة وأهل أصحابه بالحج فلم يحل النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ولا من ساق الهدى من أصحابه وحل بقيتهم "
- رواه أحمد ومسلم . وفي رواية قال "
تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر عثمان كذلك وأول من نهى
عنها معاوية " . رواه أحمد والترمذي
- الرواية الأخرى حسنها الترمذي . قوله " فقال
من أراد منكم أن يهل " الخ فيه الأذن منه صلى الله عليه وآله وسلم بالحج
إفرادا وقرانا تمتعا . والأفراد هو الاهلال بالحج وحده والاعتمار بعد الفراغ من
أعمال الحج لمن شاء ولا خلاف في جوازه والقرآن هو الاهلال بالحج والعمرة معا وهو
أيضا متفق على جوازه أو الأهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه وهذا مختلف
فيه والتمتع هو الأعتمال في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والأهلال بالحج في
تلك السنة ويطلقة التمتع في عرف السلف على القرآن . قال ابن عبد البر ومن التمتع
أيضا القرآن ومن التمتع أيضا فسخ الحج إلى العمرة انتهى . وقد حكى النووي في شرح
مسلم الإجماع على جواز الأنواع الثلاثة وتأويل ما ورد من النهي عن التمتع من بعض
الصحابة . قوله " وأهل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم بالحج " احتج به من قال كان حجه صلى الله عليه وآله وسلم
مفردا وأجيب بأنه لا يلزم من أهلاله بالحج أن لا يكون أدخل عليه العمرة ( واعلم )
أنه قد اختلف في حجه صلى الله عليه وآله وسلم هل كان قرانا أو تمتعا أو أفرادا وقد
اختلفت الأحاديث في ذلك فروى أنه حج قرانا من جهة جماعة من الصحابة منهم ابن عمر
عند الشيخين وعنه عند مسلم وعائشة عندهما أيضا وعنها عند أبي داود وعنها عند مالك
في الموطأ وجابر عند الترمذي وابن عباس عند أبي داود وعمر بن الخطاب عند البخاري
وسيأتي والبراء بن عازب عند أبي داود وسيأتي وعلى عند النسائي وعنه عند الشيخين وسيأتي
. وعمران بن حصين عند مسلم . وأبو قتادة عند الدارقطني . قال ابن القيم وله طرق
صحيحة وسراقة بن مالك عند أحمد وسيأتي ورجال إسناده ثقات . وأبو طلحة الأنصاري عند أحمد
وابن ماجه في إسناده الحجاج بن ارطأة والهرماس بن زياد الباهلي عند أحمد أيضا وابن
أبي أوفى عند البزار بإسناد صحيح . وأبو سعيد عند البزار . وجابر
بن عبد الله عند أحمد وفيه الحجاج بن أرطأة وأم سلمة عنده أيضا . وحفصة عند
الشيخين وسعد ابن أبي وقاص عند النسائي والترمذي صححه . وأنس عند الشيخين وسيأتي
وأما حجة تمتعا فروى عن عائشة وابن عمر عند الشيخين وسيأتي وعلي وعثمان عند مسلم
وأحمد كما في الباب وابن عباس عند أحمد والترمذي كما في الباب أيضا . وسعد بن أبي
وقاص كما سيأتي وأما حجة افرادا فروي عن عائشة كما في حديث الباب وعنها عند
البخاري كما سيأتي . وعن ابن عمر عند أحمد ومسلم كما سيأتي أيضا وابن عباس عند
مسلم . وجابر
عند ابن ماجه وعنه عند مسلم
( وقد اختلفت ) الأنظار واضطربت الأقوال
لاختلاف هذه الأحاديث فمن أهل العلم من جمع بين الروايات كالخطابي فقال ان كلا
أضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أمر به اتساعا ثم رجح أنه صلى الله
عليه وآله وسلم أفرد الحج وكذا قال عياض وزاد فقال وأما احرامه فقد تظافرت
الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا وأما رواية من روى التمتع فمعناه أنه أمر به لأنه
صرح بقوله " ولولا أن معي الهدى لاحللت " فصح أنه لم يتحلل .
وأما رواية من روى القران فهو أخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة على الحج لما
جاء إلى الوادي وقيل قل عمرة في حجة . قال الحافظ وهذا الجمع هو المعتمد وقد سبق
إليه قديما ابن المنذر وبينه ابن حزم في حجة الوداع بيانا شافيا ومهده المحب الطبري
تمهيدا بالغا يطول ذكره ومحصله ان كل من روى عنه الافراد حمل على ما أهل به في أول
الحال كل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به وكل من روى عنه القران أراد ما أستقر
عليه الأمر وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية جمعا حسنا فقال ما حاصله أن التمتع عند الصحابة
يتناول القران فتحمل عليه رواية من روى أنه حج تمتعا وكل من روى الأفراذ قد روى
أنه حج صلى الله عليه وآله وسلم تمتعا وقرانا فيتعين الحمل على القران وأنه أفرد
أعمال الحج ثم فرغ منا وأتى بالعمرة . ومن أهل العلم من صار إلى التعارض فرجح نوعا
وأجاب عن الأحاديث القاضية بما يخالفه وهي جوابات طويلة أكثرها متسفة وأورد كل
منهم لما اختاره مرجحات أقواها وأولاها مرجحات القران فإنه لا يقاومها شيء من
مرجحات غيره . منها أن أحاديثه مشتملة على زيادة على من روى الأفراد وغيره
والزيادة مقبولة إذا خرجت مخرج صحيح فكيف إذا ثبتت من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة
. ومنها أن من روى الأفراد والتمتع اختلف عليه في ذلك لأنهم جميعا روى عنهم أنه
صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا . ومنها أن روايات القرآن لا تحتمل التأويل
بخلاف روايات الأفراد والتمتع فإنها تحتمله كما تقدم
ومنها أن رواة القران أكثر كما تقدم .
ومنها أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظا صريحا وفيهم من أخبر عن اخباره صلى الله عليه
وآله وسلم بأنه فعل ذلك وفيهم من أخبر عن أمر ربه بذلك . ومنها أنه النسك الذي أمر
به كل من ساق الهدى فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدى ثم يسوق هو الهدى ويخالفه
وقد ذكر صاحب الهدى مرجحات غيره هذه ولكنها مرجحات باعتبار أفضلية القران على
التمتع والأفراد لا باعتبار أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا وهو بحث آخر قد
اختلفت فيه المذاهب اختلافا كثيرا فذهب جمع من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة
وإسحاق ورجحه جماعة من الشافعية منهم النووي والمزني وابن المنذر وأبو إسحاق
المروزي وتقي الدين السبكي إلى أن القران أفضل . وذهب جمع من الصحابة والتابعين
ومن بعدهم كمالك وأحمد والباقر والصادق والناصر وأحمد بن عيسى وإسماعيل بن جعفر
الصادق وأخيه موسى والأمامية إلى أن التمتع أفضل . وذهب جماعة من الصحابة وجماعة
من بعدهم وجماعة من الشافعية وغيرهم ومن أهل البيت الهادي والقاسم والأمام يحيى
وغيرهم من متأخريهم إلى أن الأفراذ أفضل وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن
الأنواع الثلاثة الفضل سواء قال في الفتح وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة في صحيحه .
وقال أبو يوسف القران والتمتع في الفضل سواء وهما أفضل من الافراد . وعن أحمد من
ساق الهدى فالقران أفضل له ليوافق فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن لم يسق
الهدى فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر به أصحابه زاد بعض أتباعه ومن أراد أن
ينشئ لعمرته من بلد سفره فالأفراد أفضل له قال وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة
الأحاديث الصحيحة ولكن المشهور عن أحمد أن التمتع أفضل مطلقا وقد احتج القائلون
بأن القران أفضل بحجج منها أن الله اختاره لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم . ومنها
أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم دخلت العمرة في الحج إلىيوم القيامة يقتضى أنها
قد صارت جزأ منه أو كالجزء الداخل فيه بحيث لا يفصل بينها وبينه ولا يكون ذلك إلا
مع القران . ومنها أن النسك الذي اشتمل على سوق الهدى افضل واستدل من قال بأن
التمتع أفضل بما اتفق عليه من حديث جابر وغير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة "
قالوا و رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتمنى إلا الأفضل واستمراره في
القران إنما كان لاضطرار السوق إليه وهذا هو الحق فإنه لا يظن أن نسكا أفضل من نسك
اختاره صلى الله عليه وآله وسلم لافضل الخلق وخير القرون وأما ما قيل من أنه صلى
الله عليه وآله وسلم إنما قال كذلك تطبيبا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته
ففاسد لان المقام مقام تشريع للعبادة وهو لا يجوز عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن
يخبر بما يدل على أن ما فعلوه من التمتع أفضل مما استمر عليه من القران والأمر على
خلاف ذلك وهو هذا الا تغرير يتعالى مقام النبوة بالجملة لم يوجد في شيء من
الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غيره هذا الحديث فالتمسك به متعين
ولا ينبغي أن يلتفت إلى غيره من الرجحات فإنها في مقابلته ضائعة
( واحتج ) من قال بأن الأفراد أفضل أن
الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أفردوا الحج وواظبوا على إفراده فلولم يكن أفضل لم
يواظبوا عليه وبأن الافراد لا يجب فيه دم قال النووي بالإجماع وذلك لكماله ويجب
الدم في التمتع والقران وهو دم جبران لفوات الميقات وغيره فكان مالا يحتاج إلى
جبران أفضل . ومنها أن الأمة أجمعت على جواز الافراد من غير كراهة وكره عمر وعثمان
وغيرهما التمتع وبعضهم ويجاب عن هذا كله بأن الافراد لو كان أفضل لفعله النبي صلى
الله عليه وآله وسلم أو تمنى فعله بعد أن صار ممنوعا بالسوق والكل ممنوع والسند ما
سلف من أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا وأظهر أنه كان يود أن يكون حجه تمتعا
وهذان البحثان أعني تعيين ما حجه صلى الله عليه وآله وسلم من الأنواع وبيان ما هو
الأفضل منها من المضايق ومواطن البسط وفيما حررناه مع كونه في غاية الإيجاز ما
يغني اللبيب
5 - وعن حفصة أم المؤمنين " قالت قلت
للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما شأن الناس حلو ولم تحل من عمر تلك قال أني قلدت
هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من الحج "
- رواه الجماعة إلا الترمذي
6 - وعن غنيم بن قيس المازني قال " سألت
سعد بن أبي وقاص عن المتعة في الحج فقال فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعروش يعني
بيوت مكة يعني معاوية "
- رواه أحمد ومسلم
7 - وعن الزهري عن سالم عن أبيه قال "
تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى
فساق معه الهدى من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأهل
بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعمرة
إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدى ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم
منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى الميطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحل
ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى
أهله وطاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم
خب ثلاثة أشواط من السبع ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضي طوافه بالبيت عند المقام
ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يتحلل من
شيء حرم منه حتى قضى حجة ونحر هدية يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء
حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهدى فساق الهدى
" . وعن عروة عن عائشة مثل حديث سالم عن أبيه " متفق عليه
- قوله " ولم تحل " في رواية للبخاري
" ولم تحلل " بلامين وهو إظهار شاذ وفيه لغة معروفة . قوله " لبدت " بتشديد
الموحدة أي شعر رأسي وهو أن يجعل فيه شيء ملتصق ويؤخذ منه استحباب ذلك للمحرم .
قوله " فلا أحل من الحج " يعني حتى يبلغ الهدى محله . واستدل
به على أن من اعتمر فساق هدايا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هدية يوم النحر . قوله
" بالعروش " جمع عرش يقال لمكة وبيوتها كما في القاموس . قوله
" تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ قال المهلب معناه أمر ذلك
لأنه كان ينكر على أنس قوله أنه قرن ويقول أ ه كان مفردا . وله " فأهل بالعمرة
" قال المهلب معناه أمرهم بالتمتع وهو أن يهلوا بالعمرة أولا ويقدموها قبل
الحج قال ولا بد من هذا التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر . وقال ابن المنير أن حمل قوله
تمتع على معنى أمر من أبعد التأويلات والاستشهاد عليه بقوله رجم وإنما أمر بالرجم
من أوهن الاستشهادات لأن الرجم وظيفة الإمام والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه
وأما أعمال الحج من إفراد وقران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه ثم أورد تأويل
آخر وهو أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لا سيما مع قوله " خذوا
عني مناسككم " فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظن أنه صلى الله عليه وآله وسلم
تمتع فأطلق ذلك . قال الحافظ ولا يتعين هذا أيضا بل يحتمل أن يكون معنى قوله تمتع
محمولا على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها
وغيره . قال النووي إن هذا هو المتعين " قوله " بالعمرة إلى الحج . قال
المهلب أيضا أي أدخل المرة على الحج . قوله " فإنه لا يحل من شيء حرم عليه
" تقدم بيانه : قوله " وليقصر " قال النووي معناه أنه ليفعل الطواف
والسعي والتقصير يصير حلالا وهذا دليل على أن الحلق والتقصير نسك وهو الصحيح وقيل
استباحة محظور قال وإنما أمره بالتقصير دون الحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له شعر
يحلقه في الحج : قوله " وليحل " هو أمر معناه الخبر أي قد صار حلالا فله
فعل كل ما كان محظورا عليه في الإحرام : قوله " ثم يهل بالحج " أي يحرم
وقت خروجه إلى عرفة ولهذا أتي بثم الدالة على التراخي فلم يرد أنه يهل بالحج عقب
احلالا من العمرة : قوله " وليهد " أي هدى التمتع قوله " فمن لم
يحل " الخ أي لم يجد الهدى بذلك المكان أو لم يجد ثمنه أو كان يجد هديا ولكن
يمتنع صاحبه من بيعه أو يبيعه بغلاء فينتقل إلى الصوم كما هو نص القرآن والمراد
بقوله تعالى { في الحج } أي بعد الاحرام به . قال النووي هذا هو الأفضل . وإن
صامها قبل الأهلال بالحج أجزأه على الصحيح . وأما قبل التحلل من العمرة
فلا على الصحيح . وجوزه الثوري وأهل الرأي : قوله " ثم خب "
سيأتي الكلام عليه في الطواف ويأتي الكلام أيضا على صلاة الركعتين والسعي بين
الصفا والمروة ونحر الهدى والأفاضة وسوق الهدى ( وقد استدل ) بالأحاديث المذكورة
على أن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان تمتعا وقد تقدم الكلام على ذلك في أول
الباب . قوله " من أهدى فساق الهدى " الموصول فاعل قوله فعل
أي فعل من أهدى فساق الهدى مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وأغرب
الكرماني فشرحه على ان فاعل فعل هو ابن عمر راوي الخبر وفصل في رواية أبي الوقت
بين قوله فعل وبين قوله من أهدى بلفظ باب قال في الفتح وهذا خطأ شنيع وقال أبو
الوليد أمرنا أبو ذران نضرب على هذه الترجمة يعني قوله من أهدى وساق الهدى وذلك
لظنه بأنها ترجمة من البخاري فحكم عليها بالوهم
7 - وعن القاسم عن عائشة " أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم افرد الحج "
- رواه الجماعة إلا البخاري
8 - وعن نافع عن ابن عمر قال " أهللنا مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج مفردا "
- رواه أحمد ومسلم . ولمسلم " أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أهل بالحج مفردا "
9 - وعن بكر المزني عن أنس قال " سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا يقول لبيك عمرة وحجا "
- متفق عليه
10 - وعن أنس أيضا " قال خرجنا نصرخ بالحج
فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نجعلها عمرة وقال لو
استقبلت من أمرى ما استدبرت لجعلتها عمرة ولكن سقت الهدى وقرنت بين الحج والعمرة "
- رواه أحمد
11 - وعن عمر بن الخطاب قال " سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بوادي العقيق يقول أتاني الليلة آت من ربي فقال
صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة "
- رواه أحمد والبخاري وابن ماجه وأبو داود
وفي رواية للبخاري " وقل عمرة وحجة "
- قوله " أفرد الحج " قد تقدم إن
رواية الافراد غير منافية لرواية القران لأن من روى القرآن ناقل للزيادة وغاية
الأمر أن يجمع بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أهل أولا بالحج مفردا ثم أضاف إليه
العمرة وأما قول ابن عمر أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج مفردا
فليس فيه ما ينافي قول من قال أن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان قرانا أو تمتعا
لأنه أخبر عن اهلالهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يخبر عن أهلاله صلى
الله عليه وآله وسلم : قوله " يقول لبيك عمرة وحجة " هو من أدلة القائلين
بأن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان قرانا وقد رواه عن أنس جماعة من التابعين
منهم الحسن البصري وأبو قلابة وحميد بن هلال وحميد بن عبد الرحمن الطويل وقتادة
ويحيى بن سعيد الأنصاري وثابت البناتي وبكر ابن عبد الله المزني وعبد العزيز بن
صهيب وسليمات ابن أبي إسحاق وزيد بن أسلم ومصعب بن سليم وأبو قدامة عاصم بن حسين
وسويد بن حجر الباهلي قوله " خرجنا نصرخ بالحج فيه حجة للجمهور والقائلين أنه
يستحب رفع الصوت بالتلبية وقد أخرج مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه الترمذي
وابن خزيمة والحاكم من طريق خلاذ بن السائب عن أبيه مرفوعا جاء في جبريل فأمرني أن
آمر أصحابي يرفعون أصواتهم بالاهلال وروى ابن القاسم عن مالك أنه لا يرفع الصوت
بالتلبية إلا عند المسجد الحرام ومسجد منى . قوله " لواستقبلت " الخ هو
متفق عليه مثل معناه من حديث جابر وبه استدل من قال بأن التمتع أفضل أنواف الحج
وقد تقدم البحث عن ذلك . قوله أتاني الليلة آت هن جبريل كما في الفتح : قوله
" فقال صل في هذا الوادي المبارك " هو وادي العقيق وهو بقرب العقيق بينه
وبين المدينة أربعة أميال وروى الزبير بن بكار في أخبار المدينة أن تبعا لما انحدر
في مكان عند رجوعه من المدينة قال هذا عقيق الأرض فسمى العقيق : قوله " وقل
عمرة في حجة " برفع عمرة في أكثر الروايات وبنصبها في بعضها باضمار فعل أي
جعلتها عرمو وهو دليل على أن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان قرانا وأبعد من قال
أن معناه أنه يعتمر في تلك السنة بعد فراغ حجة . وظاهر حديث عمر هذا أن حجة صلى
الله عليه وآله وسلم القران كان بأمر من الله فكيف يقول صلى الله عليه وآله وسلم
لو استقبلت من ما استدبرت لجعلتها عمرة فينظر في هذا فإن أجيب بأنه إنما قال ذلك
تطيبا لخواطر أصحابه فقد تقدم أنه تعزير لا يليق نسبة مثله إلى الشارع
12 - وعن مروان بن الحكم " قال شهدت عثمان
وعليا وعثمان ينهي عن المتعة وان يجمع بينما فلما رأى ذلك على أهل بهما لبيك بعمرة
وحجة وقال ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقول أحد "
- رواه البخاري والنسائي
13 - وعن الصبي بن معبد قال " كنت رجلا
نصرانيا فأسلمت فاهللت بالحج والعمرة قال فسمعني زيد بن صوخان وسلمان بن ربيعة
وأنا أهل بهما فقالا لهذا أضل من بعير أهله فكأنما حمل على بكلمتيهما جبل فقدمت
على عمر بن الخطاب فأخبرته فاقبل عليهما فلامهما وأقبل على فقال هديت لسنة نبيك
محمد صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وابن ماجه والنسائي
- الحديث أخرج نحوه أبو داود وسكت عنه هو
والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح . قوله " وان يجمع بينهما " يحتمل أن
تكون الواو عاطفة فيكون نهى عن التمتع والقران معا ويحتمل أن يكون عطفا تفسيريا
وهو على ما تقدم أن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعا فيكون المراد ان يجمع
بينهما قرانا أو ايقاعا لها في سنة واحدة بتقديم العمرة على الحج وقد زاد مسلم أن
عثمان قال لعلي دعنا عنك فقال علي أني لا أستطيع ان أدعك وقد تقدم في أول الباب أن
عثمان قال أجل ولكنا كنا خائفين : قوله " عن الصبي " هو بضم الصاد
المهملة وفتح الموحدة بعدها تحتية قال في التقريب صبي بالتصغير ابن معبد التغلبي بالمثناة
والمعجمة وكسر اللام ثقة مخضرم نزل الكوفة من الثانية : قوله " زيد
بن صوخان " بضم الصاد المهملة بعدها واو ساكنة ثم معجمة مخففة : قوله " فكأنما
حمل على بكلمتيهما جبل " يعني أنه ثقل عليه ما سمعه منهما من ذلك اللفظ
الغليظ : قوله " هديت لسنة نبيك " هو من أدلة القائلين بتفضيل القران ولا
يخفى أنه لا يصح للاستدلال به على الأفضلية لأنه لا خلاف أن الثلاثة الأنواع ثابتة
من سنته صلى الله عليه وآله وسلم إما بالقول أو بالفعل ومجرد نسبة بعضها إلى السنة
لا يدل على أنه أفضل من غيره مع كونها مشتركة في ذلك
14 - وعن سراقة بن مالك قال " سمعت النبي
صلى الله عليه وآله وسلم يقول دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال وقرن رسول
الله في حجة الوداع "
- رواه أحمد
15 - وعن البراء بن عازب قال " لما قدم
على من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وجدت فاطمة قد لبست ثيابا
صبيغا وقد نضحت البيت بنضوح فقالت مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد
أمر أصحابه فحلوا قال قلت لها إني أهلك باهلال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال فأيتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي كيف صنعت قال قلت فقال لي انحر
من البدن سبعا وستين أو ستا وستين وانسك لنفسك ثلاثا وثلاثين أو أربعا وثلاثين
وأمسك لي من كل بدنة منها بضعة "
- رواه أبو داود
- حديث سراقة في إسناده داود بن يزيد الاودي
وهو ضعيف . وقد أخرج نحوه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عباس . وسيأتي في باب
فسخ الحج وحديث البراء أخرجه أيضا النسائي . وفي إسناده يونس بن إسحاق السبيعي .
وقد احتج به مسلم . وأخرج له جماعة . وقال الإمام أحمد حديثه فيه زيادة على حديث الناس
وقال البيهقي كذا في هذه الرواية وقرنت وليس ذلك في حديث جابر حين وصف قدوم علي
واهلاله . وحديث جابر أصح سندا وأحسن سياقة ومع حديث جابر حديث أنس يريد أن حديث
أنس ذكر فيه قدوم علي وذكر اهلاله وليس فيه قرنت وهو في الصحيحين : قوله "
دخلت العمرة في الحج " قد تقدم أنه يدل على أفضلية القران لمصير العمرة جزأ
من الحج أو كالجزء : قوله " صبيغا " فعيل ههنا بمعنى مفعول أي مصبوغات :
قوله " وقد نضحت " بفتح النون والضاد المعجمة والحاء المهملة : قوله
" بنضوح " بفتح النون وضم الضاد المعجمة بعد الواو حاء مهملة وهي ضرب من
الطيب : قوله " فقالت " ههنا كلام محذوف تقديره فانكر عليها صبغ ثيابها
ونضج بيتها بالطيب فقالت الخ : قوله " قد أمر أصحابه فحلوا " في رواية
لمسلم فوجد فاطمة ممن حلت ولبست صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها قالت أمرني أبي
بهذا " قوله : " أو ستا وستين " هكذا في سنن أبو داود وكان جملة
الهدى الذي قدم به على من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
مائة كما في صحيح مسلم . وفي لفظ لمسلم " فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا
فنحر ما غبر " قال النووي والقرطبي ونقله القاضي عن جميع الرواة . إن هذا هو
الصواب لا ما وقع في رواية مسلم " ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر
وطبخت فأكل هو وعلي من لحمها وشرابها من مرقها " واستدل بحديث سراقة
والبراء من قال إن حجه صلى الله عليه وآله وسلم كان قرانا وقد تقدم الكلام على ذلك
واستدل بحديث علي على صحة الإحرام معلقا وعلى جواز الأشتراك في الهدى وسيأتي
الكلام على ذلك
باب إدخال الحج على العمرة
1 - عن نافع قال " أراد ابن عمر الحج عام
حجة الحرورية في عهد ابن الزبير فقيل له إن الناس كائن بينهم قتال فنخاف أن يصدوك
فقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة أذن أصنع كما صنع رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أشهدكم أن قد أوجبت عمرة ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال ما
شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني قد جمعت حجة مع عمرتي واهدى هديا مقلدا اشتراه
بقديد وانطلق حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا ولم يزد على ذلك ولم يحلل من شيء حرم
منه حتى يوم النحر فحلق ونحر ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافة الأول ثم
قال هكذا أصنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه
- قوله " حجة الحرورية " هم
الخوارج ولكنهم حجوا في السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية وأربع وستين وذلك قبل
أن يتسمى ابن الزبير بالخلافة ونزل الحجاج بابن الزبير في سنة ثلاث وسبعين وذلك في
آخر أيام ابن الزبير فأما أن يحمل على أن الراوي أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية
لجامع ما بينهم من الخروج على أئمة الحق وأما أن يحمل على تعدد القصة وإن الحرورية
حجة سنة اخرى ولكنه يؤيد الأول ما في بعض طرق البخاري من طريق الليث عن نافع بلفظ حين
نزل الحجاج بابن الزبير وكذا لمسلم من رواية يحيى القطان : قوله " كما صنع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " في رواية للبخاري " كما صنعنا مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم " . قوله " أشهدكم أني قد أوجبت عمرة " يعني
من أجل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية . قال
النووي معناه أن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم من العمرة . وقال عياض يحتمل إن المراد أنه أوجب عمرة كما
أوجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحتمل أنه أراد الأمرين من الإيجاب والأحلال
. قال الحافظ وهذا هو الأظهر . قوله " ما شأن الحج والعمرة إلا واحد "
يعني فيما يتعلق بالاحصار والاحلال : قوله " ولم يزد على ذلك " هذا
يقتضي أنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة وهو مشكل وسيأتي إن شاء الله تعالى
الكلام عليه ( وفي الحديث ) فوائد منا ما بوب له المصنف من جواز ادخال الحج على
العمرة وإليه ذهب الجمهور لكن بشرط أن يكون الأدخال قبل الشروع في طواف العمرة
وقيل ان كان قبل مضى أربعة أشواط صح وهو قول الحنفية وقيل ولو بعد تمام الطواف وهو
قول المالكية ونقل ابن عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع ادخال الحج على العمرة قياسا
على منع ادخال العمرة على الحج . ومنها أن القارن يقتصر على طواف واحد . ومنها أن
القارن بهدى وشذ ابن حزم فقال لا هدى على القارن . ومنها جواز الخروج إلى النسك في
الطريق المظنون خوفه إذا رجى السلامة قاله ابن عبد البر . ومنها إن الصحابة كانوا يستعملون
القياص ويحتجون به
2 - وعن جابر " انه قال أقبلنا مهلين مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم بحج مفرد وأقبلت عائشة بعمرة حتى إذا كنا بسرف عركت
حتى إذا قدمنا مكة طفنا بالكعبة والصفا والمروة فأمرنا رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدى فقلنا حل ماذا قال الحل كله فواقعنا
النساء وتطيبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلى أربع ليال ثم أهللن
يوم التروية ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عائشة فوجدها تبكي فقال
ما شأنك قالت شأني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى
الحج الآن فقال إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج ففعلت
ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ثم قال قد حللت من حجتك
وعمرتك جميعا فقالت يا رسول الله اني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت قال فأذهب
بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم وذلك ليلة الحصبة "
- متفق عليه
- قوله " بحج مفرد " استدل به من
قال إن حجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان مفردا وليس فيه ما يدل على ذلك
لأن غاية ما فيه أنهم أفردوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس فيه إن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أفرد الحج ولو سلم أنه يدل على ذلك فهو مؤول بما سلف .
قوله " عركت " بفتح العين المهملة والراء أي حاضت يقال عركت تعرك عروكا
كقعدت تقعد قعودا " حل ماذا " بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام وحذف
التنوين للإضافة وما استفهامية أي الحل من أي شيء ذا وهذا السؤال من جهة من جوز
أنه حل من بعض الأشياء دون بعض . قوله " الحل كله " أي الحل الذي لا
يبقى معه شيء من ممنوعات الأحرام بعد التحلل المأمور به . قوله " ثم أهللنا
يوم التروية " هو اليوم الثامن من ذي
الحجة قوله " أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي " الخ هذا الغسل قيل هو
الغسل للاحرام ويحتمل أن يكون الغسل من الحيض . قوله " حتى إذا طهرت "
بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح . قوله " من حجتك وعمرتك " هذا
تصريح بأن عمرتها لم تبطل ولم تخرج منها وإن ما وقع في بعض الروايات من قوله ارفضي
عمرتك وفي بعضها دعى عمرتك متأول : قال النووي إن قوله حتى إذا طهرت طافت بالكعبة
والصفا والمروة ثم قال قد حللت من حجتك وعمرتك يستنبط منه ثلاث مسائل حسنة .
احداها إن عائشة كانت قارنة ولم تبطل عمرتها وإن الرفض المذكور متأول . الثانية إن
القارن يكفيه طواف واحد هو مذهب الشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة وطائفة يلزمه
طوافان وسعيان . الثالثة إن السعي بين الصفا والمروة يشترط وقوعه بعد طواف صحيح .
وموضع الدلالة إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج
غير الطواف بالبيت ولم تسع كما لم تطف فلو لم يكن السعي متوفقا على تقدم الطواف
عليه لما أخرته قال واعلم إن طهر عائشة هذا المذكور كان يوم السبت وهو يوم النحر
في حجة الوداع وكان ابتداء حيضها هذا يوم السبت أيضا لثلاث خلون من ذي الحجة سنة
إحدى عشرة ذكره أبو محمد بن حزم في كتابه حجة الوداع . قوله " فاذهب بها يا
عبد الرحمن " الخ قد تقدم شرح هذا في أول كتاب الحج . والحديث ساقه المصنف
رحمه الله ههنا للاستدلال به على جواز ادخال الحج على العمرة وقد تقدم ما فيه من
الخلاف والأشتراط وللحديث فوائد يأتي ذكرها في مواضعها
باب من أحرم مطلقا أو قال أحرمت بما أحرم
به فلان
1 - عن أنس " قال قدم علي على النبي صلى
الله عليه وآله وسلم فقال بما أهللت يا علي فقال أهللت باهلال كهلال النبي قال
لولا أن معي الهذى لأحلت "
- متفق عليه . رواه النسائي من حديث جابر
وقال فقال " لعلي بما أهللت قال قلت اللهم أني أهل بما أهل به رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم "
2 - وعن أبي موسى قال " قدمت على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قال سقت من هدي قلت لا قال فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم
حل قال فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي "
- متفق عليه . وفي لفظ " قال كيف قلت
حين أحرمت قال قلت لبيك باهلال كاهلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " .
وذكره أخرجاه
- قوله في حديث علي " لولا معي الهدى
لاحللت " قال البخاري زاد محمد ابن بكر عن ابن جريج قال له النبي صلى الله
عليه وآله وسلم بما أهللت يا علي قال بما أهل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال فاهد وامكث حراما كما أنت : قوله " ثم أتيت امرأة من قومي " في
رواية للبخاري امرأة من قيس والمتبادر من هذا الأطلاق أنها من قيس عيسلان وليس
بينهم وبين الأشعري نسبة . وفي رواية من نساء بني قيس
قال الحافظ فظهر لي من ذلك أن المراد بقيس أبوه قيس بن سليم والد أبي موسى الأشعري
وإن المرأة زوج بعض اخوته فقد كان لأبي موسى من الأخوة أبو رهم وأبو بردة قيل
ومحمد ( والحديثان ) يدلان على جواز الاحرام كاحرام شخص يعرفه من أراد ذلك وأما
مطلق الاحرام على الابهام فهو جائز ثم يصرفه المحرم إلى ماشاء لكونه صلى الله عليه
وآله وسلم يم ينه عن ذلك وإلى ذلك ذهب الجمهور وعن المالكية لا يصح الاحرام على
الابهام وهو قول الكوفيين قال ابن المنير وكأنه مذهب البخاري لأنه أشار في صحيحه
عند الترجمة لهذين الحديثين إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن وأما الآن فقد استقرت الأحكام
وعرفت مراتب الاحرام فلا يصح ذلك وهذا الخلاف يرجع إلى قاعدة أصولية وهي هل يكون
خطابه صلى الله عليه وآله وسلم لواحد أو لجماعة مخصوصة في حكم الخطاب العام للأمة
أولا فمن ذهب إلى الأول جعل حديث علي وأبي موسى شرعا عاما ولم يقبل دعوى الخصوصية
الا بدليل ومن ذهب إلى الثاني قال إن هذا الحكم مختص بهما والظاهر الأول
باب التلبية وصفتها وأحكامها
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال اللهم لبيك
لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك وكان عبد الله يزيد مع
هذا لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء اليك والعمل "
- متفق عليه
2 - وعن جابر قال " أهل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر قال والناس يزيدون ذا المعارج
ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا "
- رواه أحمد وأبو داود ومسلم بمعناه
3 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال في تلبيته لبيك اله الحق لبيك "
- رواه أحمد وابن ماجه والنسائي
- حديث أبي هريرة صححه ابن حبان والحاكم :
قوله " فقال لبيك " قال في الفتح هو لفظ مثني عند سيبويه ومن تبعه وقال
يونس هو اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدى وعلى ورد بأنها
قلبت ياء مع المظهر وعن الفراء هو منصوب على المصدر وأصله لبالك فثنى على التأكيد
أي البابا بعد الباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل هي للتكثير والمبالغة ومعناه
أجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة وقيل معناه غير ذلك . قال ابن عبد البر قال جماعة
من أهل العلم معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج وهذا قد أخرجه
عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ومجاهد
وعطاء وعكرمة وقتادة في غير واحد . قال الحافظ والأسانيد إليهم قوية وهذا مما ليس
للاجتهاد فيه مسرح فيكون له حكم الرفع : قوله " إن الحمد " بكسر الهمزة
على الاستئناف وبفتحها على التعليل قال في الفتح والكسر أجود عند الجمهور قال ثعلب
لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال ومن فتح قال معناه لبيك لهذا السبب
الخاص ومثله قال ابن دقيق العيد . وقال ابن عبد البر معناهما
واحد وتعقب ونقل الزمخشري إن الشافعي اختار الفتح وأبا حنيفة اختار الكسر : قوله
" والنعمة لك " المشهور فيه النصب ويجوز الرفع على الابتداء ويكون الخبر
محذوفا قاله ابن الانباري وكذلك الملك المشهور فيه النصب ويجوز الرفع : قوله
" وكان عبد الله " الخ أخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال
كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد " لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ذا النعماء
والفضل الحسن " قال الطحاوي بعد أن أخرجه من حديث عمر وابن مسعود وعائشة
وجابر وعمرو بن معد يكرب أجمع المسلمون جميعا على ذلك غير أن قوما قالوا لابأس أن
يزيد فيها من الذكر لله تعالى ما أحب وهو قول محمد والثوري والأوزاعي واحتجوا بما
في الباب من حديث أبي هريرة وجابر وبالآثار المذكورة وخالفهم آخرون فقالوا لا
ينبغي أن يزاد على ماعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس وبجواز الزيادة
قال الجمهور . وحكى ابن عبد البرعن مالك الكراهة وهو أحد قولي الشافعي وقد اختلف
في حكم التلبية فقال الشافعي وأحمد أنها سنة . وقال ابن أبي هريرة واجبة وحكاه ابن
قدامة عن بعض المالكية والخطابي عن مالك وأبي حنيفة واختلف هؤلاء في وجوب الدم
لتركها وقال ابن شاس من المالكية وصاحب الهداية من الحنفية أنها واجبة يقوم مقامها
فعل يتعلق بالحج كالتوجيه على الطريق وحكى ابن عبد البر عن الثوري وأبي حنيفة وابن
حبيب من المالكية والزبيري من الشافعية وأهل الظاهر أنها ركن في الأحرام لا ينعقد
بدونها وأخرج ابن سعدعن عطاء بإسناد صحيح أنها فرض وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر
وطاوس وعكرمة
4 - وعن السائب بن خلاد قال " قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم
بالاهلال والتلبية "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وفي رواية
" أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال كن عجاجا ثجاجا والعج
والتلبية والثج نحر البدن "
- رواه أحمد
5 - وعن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم " أنه كان إذا فرغ من تلبية سأل الله عز و جل رضوانه والجنة
واستعاذ برحمته من النار "
- رواه الشافعي والدارقطني
6 - وعن القاسم بن محمد قال " كان يستحب
للرجل إذا فرغ من تلبيته إن يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه الدارقطني
7 - وعن الفضل عن العباس قال كنت رديف رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم من جمع إلى مني فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة "
- رواه الجماعة . وعن عطاء عن ابن عباس
" قال يرفع الحديث انه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر "
- رواه الترمذي وصححه
8 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم " قال يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر "
- رواه أبو داود
- حديث السائب بن خلاد أخرجه أيضا مالك في
الموطأ والشافعي عنه وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححوه وأخرج نحوه الحاكم عن أبي
هريرة مرفوعا وأحمد من حديث ابن عباس . وأخرج ابن أبي شيبة عن المطلب بن عبد الله
بن حنطب قال " كان أصحاب النبي صلى
الله عليه وآله وسلم يرفعون أصواتهم حتى تبح أصواتهم " وأخرج الترمذي وابن
ماجة والحاكم من حديث أبي بكر الصديق أفضل الحج العج والثج " واستغر به
الترمذي وحكي الدارقطني الاختلاف فيه وأشار الترمذي إلى نحوه من حديث جابر . ووصله
أبو القاسم في الترغيب والترهيب ورواية متروك وهو إسحاق بن أبي فروة . وروى ابن
المقري في مسند أبي حنيفة عن ابن مسعود نحوه : وأخرجه أبو يعلى . وحديث خزيمة في
إسناده صالح ابن محمد بن أبي زائدة وهو مدني ضعيف وفيه أيضا إبراهيم بن أبي يحيى
ولكنه قد تابعه عليه عبد الله بن عبيد الله الأموي أخرجه البيهقي والدارقطني .
وحديث ابن عباس الأول في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وفيه مقال وحديثه
الثاني قال المنذري أخرجه الترمذي وقال صحيح وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي
ليلى وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة انتهى كلام المنذري . وليس في الترمذي إلا
الحديث الأول والذي عزاه إليه المصنف وهو والذي بعده حديث واحد ولكنه لما اختلف
لفظهما جعلهما المصنف حديثين . قوله " إن آمر أصحابي " الخ استدل به على
استحباب رفع الصوت للرجل بالتلبية بحيث لا يضر نفسه وبه قال ابن رسلان . وخرج
بقوله أصحابي النساء فإن المرأة لا نجهر بها بل تقتصر على إسماع نفسها . قال
الروياني فإن رفعت صوتها لم يحرم لأنه ليس بعورة على المصحح بل يكون مكروها وكذا
قال أبو لطيب وابن الرفعة وذهب داود إلى أن رفع الصوت واجب وهو ظاهر قوله فأمرني
أن آمر أصحابي لا سيما وأفعال الحج وأقواله بيان لمجمل واجب هو قول الله تعالى {
ولله على الناس حج البيت } وقوله صلى الله عليه وآله
وسلم " خذوا عني مناسككم " : قوله " حتى رمى جمرة العقبة "
فيه دليل على أن التلبية إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر لكن يعاود التلبية إذا
خرج من مكة إلى عرفة . وقالت طائفة يقطعها إذا راح إلى المووقف رواه ابن المنذر
وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد ابن أبي وقاص وعلي وبه قال مالك وقيده
بزوال الشمس يوم عرفة وهو قول الأوزاعي والليث . وعن الحسن البصري مثله لكن قال
إذا صلى الغداة يوم عرفة واختلف الأولون هل يقطع التلبية مع رمى أول حصاة وعند
تمام الرمي فذهب جمهور إلى الأول وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي ويدل لهم ما
روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن
الفضل قال
" أفضت عمع النبي صلى الله عليه
وآله وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ويكبر مع كل حصاة ثم قطع
التلبية مع آخر حصاة " قال ابن خزيمة هذا حديث صحيح مفسرا لما أبهم في
الروايات الأخرى وأن المراد حتى رمي جمرة العقبة أي أتم رميها انتهى . والأمر كما
قال ابن خزيمة فإن هذه زيادة مقبولة خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد وقبولها
متفق عليه كما تقرر في الأصول : قوله " حتى يستلم الحجر " ظاهره أن يلبي
في حال دخول المسجد بعد رؤية البيت وفي حال مشية حتى يشرع في الاستلام ويستثنى منه
الأوقات التي فيها دعاء مخصوص وقد ذهب إلى ما دل عليه الحديث من ترك التلبية عند الشروع
في الاستلام أبو حنيفة والشافعي في الجديد وفال في القديم يلبي ولكنه يخفض صوته
وهو قول ابن عباس وأحمد
باب ما جاء في فسخ الحج إلى العمرة
1 - عن جابر قال " أهللنا بالحج مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة فكبر ذلك
علينا وضاقت به صدورنا فقال يا أيها الناس أحلوا فلولا الهدى معي لفعلت كما فعلتم
قال فأحللنا حتى وطئنا النساء وفعلنا كما يفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية
وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج "
- متفق عليه . وفي رواية " اهللنا مع
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحج خالصا لا يخالطه شيء فقدمنا مكة لأربع ليال
خلون من ذي الحجة فطفنا وسعينا ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نحل
وقال لولا هديىلحللت ثم قام سراقة بن مالك فقال يا رسول الله أرأيت متعتنا هذه
لعامنا هذا أم للأبد فقال بلى هي للأبد " رواه البخاري وأبو داود ولمسلم
معناه
2 - وعن أبي سعيد قال " خرجنا مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخا فلما قدمنا مكة أمرنا أن
نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي فلما كان يوم التروية ورحلنا إلى منى أهللنا بالحج "
- رواه أحمد ومسلم
3 - وعن أسماء بنت أبي بكر قالت " خرجنا محرمين
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم
يكن معه هدي فليحلل فلم يكن معي هدي فحللت وكان مع الزبير هدي فلم يحلل "
- رواه مسلم وابن ماجه . ولمسلم في رواية
" قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهلين بالحج "
- قوله " وجعلنا مكة بظهر " أي
جعلناها وراء أظهرنا وذلك عند إرادتهم الذهاب إلى منى : قوله " لا يخالطه شيء
" يعني من العمرة ولا القران ولا غيرهما قوله " من ذي الحجة " بكسر
الحاء على الأفصح . قوله : " أرأيت متعتنا هذه " أي أخبرني عن فسخنا
الحج إلي عمرتنا هذه التي تمتعنا فيها بالجماع والطيب واللبس . قوله : "
لعامنا هذا " أي مخصوصة به لا تجوز في غيره أم للأبد أي جميع الإعصار . ( وقد
ستدل ) بهذه الأحاديث وبما يأتي بعدها مما ذكره المصنف من قال أنه يجوز فسخ الحج
إلى العمرة لكل واحد وبه قال أحمد وطائفة من أهل الظاهر وقال مالك وأبو حنيفة
والشافعي قال النووي وجمهور العلماء من السلف والخلف إن فسخ الحج إلى العمرة هو
مختص بالصحابة في تلك السنة لا يجوز بعدها قالوا وإنما أمروا به في تلك السنة
ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج واستدلوا بحديث أبي
ذر وحديث الحرث بن بلال عن أبيه وسيأتيان ويأتي الجواب عنهما قالوا ومعنى قوله للأبد
جواز الاعتمار في أشهر الحج والقران فهما جائزان إلى يوم القيامة وأما فسخ الحج
إلى العمرة فمختص بتلك السنة وقد عارض المجوزون للفسخ ما احتج به المانعون بأحاديث
كثيرة عن أربعة عشر من الصحابة قد ذكر المصنف في هذا الباب منها أحاديث عشرة منهم
وهم جابر وسراقة بن مالك وأبو سعيد وأسماء وعائشة وابن عباس وأنس وابن عمر والربيع
بن سبرة والبراء وأربعة لم يذكر احاديثهم وهم حفصة وعلي وفاطمة بنت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وأبو موسى . قال في الهدي وروى ذلك عن هؤلاء الصحابة طوائف من
كبار التابعين حتى صار منقولا عنهم نقلا يرفع الشك ويوجب اليقين ولا يمكن أحد أن
ينكره أو يقول لم يقع وهو مذهب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومذهب حبر
الأمة وبحرها ابن عباس وأصحابه ومذهب أبو موسى الأشعري ومذهب أمام أهل السنة
والحديث أحمد بن حنبل وأهل الحديث معه ومذهب عبد الله ابن الحسن العنبري قاضي
البصرة ومذهب أهل الظاهر انتهى . واعلم إن هذه الأحاديث قاضية بجواز الفسخ . وقول
أبي ذر لا يصلح للاحتجاج به عليها إنها مختصة بتلك السنة وبذلك الركب وغاية ما فيه
أنه قول صحابي فيما هو مسرح للاجتهاد فلا يكون حجة على أحد على فرض أنه لم يعارضه
غيره فكيف إذا عارضه رأي غيره من الصحابة كان عباس فإنه أخرج عنه مسلم أنه كان
يقول " لا يطوف بالبيت حاج الاحل " وأخرج عبد الرزاق أنه قال من جاء
مهلا بالحج فإن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى فقيل له إن الناس ينكرون
ذلك عليك فقال هي سنة نبيهم وإن رغموا وكابى موسى فإنه كان يفتي بجواز الفسخ في
خلافة عمر كما في صحيح البخاري على ان قول أبي ذر معارض بصريح السنة كما تقدم في
جوابه صلى الله عليه وآله وسلم لسراقة بقوله للأبد لما سأله عن متعتهم تلك بخصوصها
مشيرا إليها بقوله متعتنا هذه فليس في المقام متمسك بيد المانعين يعتد به ويصلح
لنصبه في مقابلة هذه السنة المتواترة وأما حديث الحرث بن بلال عن أبيه فسيأتي أنه
غير صالح للتمسك به على فرض أنفراده فكيف إذا وقع معارضا لأحاديث أربعة عشر صحابيا
كلها صحيحة وقد أبعد من قال أنها منسوخة لأن دعوى النسخ تحتاج إلى نصوص صحيحة
متأخرة عن هذه النصوص وأما مجرد الدعوى فأمر لا يعجز عنه أحد
وأما ما رواه البزار عن عمر أنه قال
" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحل لنا المتعة ثم حرمها علينا
" فقال ابن القيم إن هذا الحديث لا سند له ولا متن أما سنده فمما لا تقوم به
حجة عند أهل الحديث وأما متنه فإن المراد بالمتعة فيه متعة النساء . ثم استدل على
أن المراد ذلك بإجماع الأمة على أن متعة الحج غير محرمة ويقول عمر لو حججت لتمتعت
كما ذكره الأثرم في سننه . ويقول عمر لما سئل . هل نهى عن متعة الحج فقال لا أبعد
كتاب الله أخرجه عنه عبد الرزاق وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم " بل للأبد
" فإن قطع لتوهم ورود النسخ عليها ( واستدل ) على النسخ بما أخرجه أبو داود
" أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى عمر بن الخطاب فشهد
عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهي عن
العمرة قبل الحج " وهو من رواية سعيد بن المسيب عن الرجل المذكور وهو لم يسمع
من عمر وقال أبو سليمان الخطابي في إسناد هذا الحديث مقال وقد أعتمر رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قبل موته وجوز ذلك إجماع اهل العلم ولم يذكر فيه خلافا انتهى
. إذا تقرر لك هذا علمت أن هذه السنة عامة لجميع الأمة وسيأتي في أخر هذا الباب
بقية متمسكات الطائفتين وقد اختلف هل الفسخ على جهة الوجوب أو الجواز فما بعض إلى
انه واجب قال ابن القيم في الهدى بعد أن ذكر الحديث البراء الأتي وغضبه صلى الله
عليه وآله وسلم لما لم يفعلوا ما أمرهم به من الفسخ ونحن نشهد الله علينا أنا لو
أحرمنا بحج لرأينا فرضا علينا فسخه إلى عمرة تفاديا من غضب رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم واتباعا لأمره فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده ولا صح حرف
واحد يعارضه ولا خص به أصحابه دون من بعدهم بل أجرى الله على لسانة سراقة أن سأله
هل ذلك مختص بهم فأجابه بأن ذلك كائن لا بد فما ندري ما يقدم على هذه الأحاديث
وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على من خالفه انتهى
. والظاهر أن الوجوب رأي ابن عباس لقوله فيما تقدم أن الطواف بالبيت يصيره إلى
عمرة شاء أم أبى
4 - وعن الأسود عن عائشة قالت " خرجنا مع
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا نرى إلى أنه الحج فلما قدمنا تطوفنا بالبيت
وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل فحل من لم يكن ساق
ونساؤه لم يسقن فأحللن قالت عائشة فحضت فلم أطف بالبيت وذكرت قصتها "
- متفق عليه
5 - وعن ابن عباس قال " كانوا يرون العمرة
في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفر ويقولون إذا برأ الدبر
وعفى الأثر وأنسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر فقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا
يا رسول الله أي الحل قال حل كله "
- متفق عليه
6 - وعنه قال " قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم هذه عمرة أستمتعنا به فلم يكن عند هدي فليحلل الحل كله فإن العمرة
قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
7 - " وعنه أيضا " أنه سئل عن
متعة الحج فقال أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في
حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اجعلوا
أهلا لكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة أتينا النساء
ولبسنا الثياب وقال من قلد الهدى فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله ثم أمرنا
عشية التروية أن نهل بالحج وإذا فرغنا من المناسك جئنا طفنا بالبيت وبالصفا والمروة
فقد تم حجنا وعلينا الهدي كما قال تعالي { فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام
ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم }
- رواه البخاري
- قوله " ولانرى إلى أنه الحج "
في لفظ لمسلم ولا نذكر إلا الحج وظاهر هذا أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا
محرمين بالحج وقد تقدم قولها " فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة
ومنا من أهل بالحج " فيحتمل أنها ذكرت ما كانوا يعتادونه من ترك الاعتمار في
أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وجوه الأحرام وجوز لهم الأعتمار في أشهر الحج : قوله " ونساؤه لم يسقن "
أي الهدي . قوله " وذكرت قصتها " وهي كما في البخاري وغيره " فلما
كانت لية الحصبة قلت يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع أنا بحجة قال وما
طفت ليالي قدمنا مكة قلت لافال فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فاهلي بعمرة ثم موعدك
كذا وكذا فقالت صفية ما أراني الا حابستهم قال عقرا حلقا أو ما طفت يوم النحر قالت
قلت بلى قال لا بأس انفري قالت عائشة فلقيني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مصعد
من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها " قوله من أفجر الفجور
هذا من أباطيلهم المستندة إلى غير أصل كسائر أخاواتها قوله " ويجعلون
المحرم صفر " قال في الفتح كذا هو في جميع الأصول من الصحيحين قال النووي كان
ينبغي أن يكتب بالألف ولكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوبا لأنه مصروف بلا
خلاف يعني والمشهور في اللغة الربعية كتابة المنصوب بغير الألف فلا يلزم من كتابته
بغير ألف أن لا يصرف فيقرأ بالألف وسبقه عياض إلى نفي الخلاف فيه لكن في المحكم
كان أبو عبيدة لا يصرفه فقيل لا يمنع الصرف حتى يجتمع علتان فما هما قال المعرفة
والساعة وفسره المظفري بأن مراده بالساعة الزمان والأزمنة ساعات والساعات مؤنثة
انتهى . وإنما جعلوا المحرم صفرا لما كانوا عليه من النسيء في الجاهلية فكانوا
يسمون المحرم صفرا ويحلونه ويؤخرون تحريم المحرم لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر
محرمة فيضيق عليهم فيها ما يعتادون من المقاتلة والغارة والنهب فضللهم الله عز و جل
في ذلك فقال { إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا } قوله " إذا
برأ الدبر " بفتح الدال المهملة والموحدة أي ما كان يحصل بظهور الأبل من
الحمل عليها ومشقة السفر فإنه كان يبرأ عند انصرافهم من الحج : قوله " وعفا
الأثر " أي اندرس أثر الأبل وغيرها في سيرها ويحتمل أثر الدبر المذكور وهذه
الالفاظ تقرأ ساكنة الراو لإرادة السجع ووجه تعليق جواز الأعتمار بانسلاخ صفر مع
كونه ليس من أشهر الحج أنهم لما جعلوا المحرم صفرا وكانوا لا يستقرون ببلادهم في
الغالب ويبرأ دبرابلهم إلى عند انسلاخه ألحقوه بأشهر الحج على طريق التبعية وجعلوا
أول أشهر الأعتمار شهر المحرم الذي هو في الأصل صفر والعمرة عندهم في غير أشهر
الحج . قوله " قال حل كله " أي الحل الذي يجوز معه كل محظورات الأحرام
حتى الوطء للنساء قوله هذه عمرة استمتعنا بها هذا من متمسكات من قال إن حجه صلى
الله عليه وآله وسلم كان تمتعا وتأوله من ذهب إلى خلافه بأنه أراد من تمتع من
أصحابه كما يقول الرجل الرئيس في قومه فعلنا كذا وهو لم يباشر ذلك وقد تقدم الكلام
على حجه صلى الله عليه وآله وسلم . قوله " فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى
يوم القيامة " قيل معناه سقط فعلها
بالدخول في الحد هو على قول من لا يرى العمرة واجبة وأما من يرى أنها واجبة فقال
النووي قال أصحابنا وغيرهم فيه تفسير أن أحدهما معناه دخلت أفعال العمرة في الحج
في أفعال الحج إذا جمع بينهما بالقران والثاني معناه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج
. قال الترمذي هكذا قال الشافعي وأحمد وإسحاق وهذه الأحاديث من أدلة القائلين
بالفسخ وقد تقدم البحث في ذلك
8 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم بات بذي الحليفة حتى أصبح ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما فلما قدمنا
أمر الناس فحلوا حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج قال ونحر النبي صلى الله عليه
وآله وسلم سبع بدنات بيده قياما وذبح بالمدينة كبشين أملحين "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود
9 - وعن ابن عمر " قال قدم رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم مكة وأصحابه مهلين بالحج فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدى قالوا يا رسول الله أيروج أحدنا
إلى مني وذكره يقطر منيا قال نعم وسطعت المجامر "
- رواه أحمد
- حديث ابن عمر قال في مجمع الزوائد رجال
الصحيح وهو في الصحيح باختصار وهو من احاديث الفسخ التي قال ابن القيم كلها صحاح
وهو أحد الأحاديث التي قال أحمد بن حنبل ان عنده في الفسخ أحد عشر حديثا صحاحا
قوله " بات بذي الحليفة حتى أصبح " فيه استحباب المبيت بميقات الاحرام
" قوله وأهل الناس بهما فيه استحباب أن تكون تلبية الناس بعد تلبية كبير
القوم ولفظ أبي داود " ثم أهل الناس بهما " قوله " فحلوا " أي
أمر من فسخ الحج إلى العمرة ممن كان معه أن يحل من عمرته : قوله " يوم
التروية " هو اليوم الثامن من ذي الحجة كما تقدم : قوله " قياما "
فيه استحباب نحر الأبل قائمة : قوله " وذبح بالمدية كبشين " فيه مشروعية
الأضحية وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى ويأتي إن شاء الله تعالى تفسير
الاملح : قوله " وذكره يقطر منيا " فيه اشارة إلى قرب العهد بوطء النساء
وفيه دليل على جواز استعمال الكلام في المبالغة . قوله " وسطعت المجامر
" في رواية لابن أبي شيبة عن أسماء بنت أبي بكر ما لفظه " جئنا مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم حجاجا فجعلناها عمرة فحللنا الاحلال كله حتى سطعت
المجامر بين الرجال والنساء " والمراد انهم تبخروا والبخور نوع من انواع
الطيب
10 - وعن الربيع بن سبرة عن أبيه قال "
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان بعسفان قال له سراقة بن
مالك المدلجي يا رسول الله اقض لنا قوم كأنما ولدوا اليوم فقال إن الله عز و جل قد
أدخل عليكم في حجكم عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل
الا من كان معه هدي "
- رواه أبو داود
11 - وعن البراء بن عازب قال " حج رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه قال فاحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة قال
اجعلوا حجكم عمرة قال فقال الناس يا رسول الله قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة
قال انظروا ما آمركم به فافعلوا فردوا عليه القول فغضب ثم انطلق حتى دخل علىعائشة
وهو غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت من أغضبك أغضبه الله قال ومالي لا أغضب وأنا
آمر بالأمر فلا أبتع "
- رواه أحمد وابن ماجه
- الحديث الأول سكت عنه أبو داود ورجاله
رجال الصحيح والمنذري والحديث الثاني أخرجه أيضا أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح كما
قال في مجمع الزوائد وهو من الأحاديث في الفسخ التي صححها أحمد وابن القيم : قوله
" بعسفان " قرية بين مكة والمدينة على نحو مرحلتين من مكة قال في الموطأ
بين مكة وعسفان أربع برد : قوله " اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم "
أي أعلمنا كأنما وجدوا الآن وفي رواية لأبي داود كأنما وفدوا اليوم أي كأنما وردوا
عليك الأن قوله " إلامن كان معه هدي " يعني فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي
محله قوله " فغضب " استدل به من قال بوجوب الفسخ لأن الأمر لو كان أمر
ندب لكان المأمور مخيرا بين فعله وتركه ولما كان يغضب رسول الله ؟ ؟ عند مخالفته
لأنه لا يغضب الا لانتهاك حرمة من حرمات الدين لا لمجرد ما أرشد إليه على جهة
الندب ولا سيما وقد قالوا له قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة فقال لهم انظروا ما
أمركم به فافعلوا فإن ظاهر هذا إن ذلك أمر حتم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لو كان أمره ذلك لبيان الأفضل أو لقصد الترخيص لهم بين بعد هذه المراجعة إن ما
أمرتكم به هو الأفضل أو قال لهم أني أردت الترخيص لكم والتخفيف عنكم
12 - وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحرث بن
بلال عن أبيه " قال قلت يا رسول الله سخ الحج خاصة أم للناس عامة قال بل لنا
خاصة "
- رواه الخمسة إلى الترمذي وهو بلال بن
الحرث المزني
13 - وعن سليم بن الأسود إن أبا ذر كان يقول
" فيمن حج ثم فسخها بعمرة لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود . ولمسلم والنسائي وابن
ماجه عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر " قال كانت المتعة في الحج لأصحاب
محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة " قال أحمد بن حنبل حديث بلال بن الحرث
عندي ليس يثبت ولا أقول به ولا يعرف هذا الرجل يعني الحرث بن بلال وقال أرأيت لو
عرف الحرث بن بلال الا أن أحد عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يرون ما يرون من الفسخ أين يقع الحرث بن بلال منهم . وقال في رواية أبي داود ليس
يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة وهذا أبو موسى الأشعري يفتي به في خلافة أبي
بكر وشطرا من خلافة عمر . قلت ويشهد لما قاله قوله في حديث جابر " بل هي
للأبد "
وحديث أبي ذر موقوف وق خالفه أبو موسى
وابن عباس وغيرهما
- أما حديث بلال بن الحرث ففيه ما نقله
المصنف عن أحمد . وقال المنذري إن الحرث يشبه المجهول . وقال الحافظ الحرث بن بلال
من ثقات التابعين وقال ابن القيم نحن نشهد بالله إن حديث بلال بن الحرث هذا لا يصح
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو غلط عليه قال ثم كيف يكون هذا ثابتا عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عباس يفتي بخلافه ويناظر عليه طول عمره
بمشهد من الخاص والعام واصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون ولا
يقول له رجل واحد منهم هذا كان مختصا بنا ليس لغيرنا انتهى . وقد روى عن عثمان مثل
قول أبي ذر في اختصاص ذلك بالصحابة ولكنهما جميعا مخالفان للمروى عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم أن ذلك للأبد بمحض الرأي وقدحمل ما قالاه على محامل . أحدها
أنهما أرادا اختصاص وجوب ذلك بالصحابة وهو قول ابن تيمية حفيد المصنف لا مجرد
الجواز والاستحباب فهو للأمة إلى يوم القيامة . وثانيهما أنه ليس لأحد بعد
الصحابة أن يبتدئ حجا قارنا أو مفردا بلا هدى يحتاج معه إلى الفسخ ولكن فرض عليه
أن يفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو التمتع لمن لم يسق الهدى
والقران لمن ساقه وليس لأحد بعدهم أن يحرم بحجة مفردة ثم يفسخها أو يجعلها متعة
وإنما ذلك خاص بالصحابة وهذان المحملان يعارضان ما حمل المانعون كلامهما عليه من
أن المراد أن الجواز مختص بالصحابة إذا لم يكن الثاني منهما مرادا لهم راجحان عليه
وأقل الأحوال أن يكون مساويين له فتسقط معارضة الأحاديث الصحيحة به . وأما ما في
صحيح مسلم عن أبي ذر من أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة فيرده اجماع المسلمين على
جوازها إلى يوم القيامة فإن أراد بذلك متعة الفسخ ففيه تلك الاحتمالات ( ومن
جملة ) ما احتج به المانعون من الفسخ أن مثل ما قاله عثمان وأبو ذر لا يقال بالرأي
ويجاب بأن هذا من مواطن الأجتهاد ومما للرأي فيه مدخل على أنه قد ثبت في الصحيحين
عن عمران بن حصين أنه قال " تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ونزل القرآن فقال رجل برأية ما شاء " فهذا تصريح من عمران أن المنع من التمتع
بالعمرة إلى الحج من بعض الصحابة إنما هو من محض الرأي فكما أن المنع من التمتع
على العموم من قبيل الرأي كذلك دعوى اختصاص التمتع الخاص أعني به الفسخ بجماعة
مخصوصة
( ومن جملة ) ماتمسك به المانعون من الفسخ
حديث عائشة المتقدم حيث قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
في حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج حتى قدمنا مكة فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم من أحرم بعمرة ولم يهد فليحل ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا
يحل حتى ينحر هديه ومن أهل بحج فليتم حجه " وهذا لفظ مسلم وظاهر
أنه لم يأمر من حج مفردا بالفسخ بل أمره باتمام حجه . وأجيب عن ذلك بأن هذا الحديث
غلط فيه عبد الملك ابن شعيب وأبوه شعيب أو جده الليث أو سيخه عقيل فإن الحديث رواه
مالك ومعمر والناس عن الزهري عنها وبينوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر من
لم يكن معه هدى إذا طاف وسعى أن يحل وقد خالف عبد الملك جماعة من الحفاظ فرووه على
خلاف ما رواه قال في الهدى بعد أن ساق الروايات المخالفة لرواية عبد الملك فإن كان
محفوظا يعني حديث عبد الملك فيتعين أن يكون قبل الأمر بالاحلال وجعله عمرة ويكون
هذا أمرا زائدا قد طرأ على الأمر بالاتمام كما طرأ على التخيير بين الأفراد
والتمتع والقران ويتعين هذا ولابد وإذا كان هذا ناسخا للأمر بالفسخ والأمر بالفسخ
ناسخا للأذن في الأفراد فهذا محال قطعا فإنه بعد أن أمرهم بالحل لم يأمرهم بنقيضه
والبقاء على الأحرام الأول وهذا باطل قطعا فيتعين ان كان محفوظا أن يكون قبل الأمر
لهم بالفسخ لا يجوز غيره هذا البتة انتهى ( ومن متمسكاتهم ) ما في لفظ
لمسلم من حديث عائشة أنها قالت " فأما من أهل بعمرة فحل وأما من أهل بحج أو
جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر " وأجيب بأن هذا من حديث أبي
الأسود عن عروة عنها وقد أنكره عليه الحفاظ قال أحمد بن حنبل بعد أن ساقه أيش في
هذا الحديث من العجب هذا خطأ فقلت له الزهري عن عروة عن عائشة بخلافه قال نعم
وهشام بن عروة وقد أنكره ابن حزم وأنكر حديث يحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب عن عائشة
بنحوه عند مسلم وقال لإخفاء في نكرة حديث أبي الأسود ووهنه وبطلانه والعجب كيف جاز
علي من رواه قال وأسلم الوجوه للحديثين المذكورين عن عائشة أن تخرج روايتهما على أن
المراد بقولها إن الذين أهلوا بحج أو بحج وعمرة لم يحلوا أنها عنت بذلك من كانت
معه الهدى لأن الزهري قد خالفهما وهو أحفظ منهما وكذلك خالفهما غيره ممن له مزيد
اختصاص بعائشة ثم أن حديثيهما موقوفان غير مسندين لأنهما إنما ذكرا عنها فعل من
فعل ما ذكرت دون أن تذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم أن لا يحلوا ولا
حجة في أحد دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلو صح ما ذكراه وقد صح أمر النبي صلى
الله عليه وآله وسلم من لا هدي معه بالفسخ فتمادى المأمورون بذلك ولم يحلوا لكانوا
عصاة لله وقد أعاذهم الله من ذلك وبأهم منه قال فثبت يقيينا أن حديث أبي الأسود
ويحيى إنما عني فيه من كان معه هدى وهكذا جاءت الأحاديث الصحاح بأنه صلى الله عليه
وآله وسلم أمر من معه الهدي بأن يجمع حجا مع العمرة ثم لا يحل حتى بحل منها جميعا
( ومن جملة ) ما تمسك به المانعون من الفسخ
أنه إذا اختلف الصحابة ومن بعدهم في جواز الفسخ فالاحتياط يقتضي المنع منه صيانة
للعبادة وأجيب بأن الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين السنة فإذا ثبت فالاحتياط هوإتباعها
وترك ما خالفها فإن الاحتياط نوعان احتياط للخروج من خلاف العلماء واحتياط للخروج
من خلاف السنة ولا يخفى رجحان الثاني على الأول . قال في الهدي وأيضا فإن
الاحتياط ممتنع فإن للناس في الفسخ ثلاثة أقوال على ثلاثة أنواع . أحدها أنه محرم
. الثاني أنه واجب وهو قول جماعة من السلف والخلف . الثالث أنه مستحب فليس
الاحتياط بالخروج من خلاف من حرمة أولى بالاحتياط من الخروج من خلاف من أوجبه وإذا
تعذر الاحتياط بالخروج من الخلاف تعين الاحتياط بالخروج من خلاف السنة انتهى ومن
متمسكاتهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة
في أشهر الحج لمخالفته الجاهلية وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد اعتمر
قبل ذلك ثلاث عمر في أشهر الحج كما سلف وبأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بين
لهم جواز الاعتمار عند المبقات فقال من شاء أن يهل بعمرة فليفعل الحديث . في
الصحيحين فقد علموا جوازها بهذا القول قبل الأمر بالفسخ ولو سلم أن الأمر بالفسخ
لتلك العلة لكان أفضل لأجلها فيحصل المطلوب لأن ما فعله صلى الله عليه وآله وسلم
في المناسك لمخالفة أهل الشرك مشروع إلى يوم القيامة ولا سيما وقد قال صلى الله
عليه وآله وسلم أن عمرة الفسخ للأبد كما تقدم . وقد أطال ابن القيم في الهدي
الكلام على الفسخ ورجح وجوبه وبين بطلان ما احتج به المانعون منه فمن أحب الوقوف
على جميع ذيول هذه المسألة فليراجعه وإذا كان الموقع في مثل هذا المضيق هو إفراد الحج
فالحازم المتحري لدينه الوقت الواقف عند مشتبهات الشريعة ينبغي له أن يجعل حجة من
الابتداء تمتعا أو قرانا فرارا مما هو مظة البأس إلى مالا بأس به فإنه وقع في ذلك
فالسنة أحق بالإتباع . وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل
باب ما يجتنبه من اللباس
1 - عن ابن عمر قال " سئل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ما يلبس المحرم قال لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا
البرنس ولا السراويل ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين
فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين "
- رواه الجماعة . وفي رواية لأحمد قال
" سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول هذا المنبر المحرم من الثياب "
- قوله " ما يلبس المحرم قال لا يلبس
" الخ قال النووي قال العلماء هذا الجواب من بديع الكلام لأن ما لا يلبس
منحصرا فحصل التصريح به وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال لا يلبس كذا أي ويلبس
ما سواه قال البيضاوي سئل عما يلبس فأجاب بما ليس يلبس ليدل بالإلزام من طريق
المفهوم على ما يجوز وإنما عدل عن الجواب لأنه أحضر وفيه إشارة إلى أن حق السؤال
أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإحرام المحتاج إلى بيانه إذا الجواز
ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب وكان اللائق السؤال عما لا يلبس وقال غيره هذا شبه الأسلوب
الحكيم ويقرب منه قوله تعالى { يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم } الخ
فعدل عن جنس المنفق وهو المسئول عنه إلى جنس المنفق عليه لأنه الأهم . قال
ابن دقيق العيد يستفاد منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل به المقصود كيف كان ولو
بتغيير أو زيادة ولا يشترط المطابقة انتهى . وهذا كله مبني على الرواية التي فيها
السؤال عن اللبس وأما على رواية الدارقطني المذكورة فليس من الأسلوب الحكيم وقد
رواها كذلك أبو عوانة قال في الفتح وهي شاذة . وأخرجه أحمد وأبو عوانة وابن
حبان في صحيحيهما بلفظ " أن رجلا قال يا رسول الله ما يجتنب المحرممن الثياب
" وأخرجه أحمد بلفظ " ما يترك " وقد أجمعوا على أن هذا مختص بالرجل
فلا يلحق به المرأة قال ابن المنذر أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ذلك وإنا تشترك
مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس وسيأتي الكلام على ذلك : وقوله
" لا يلبس " بالرفع على الخبر الذي في معنى النهي وروى بالجزم على النهي
. قال عياض أجمع المسلمون على أن ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم وقد نبه
بالقميص على كل مخيط وبالعمائم والبرنس على غيره وبالخفاف على كل ساتر قوله "
ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران " الورس بفتح الواو
وسكون الراء بعدها مهملة نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به . قال ابن العربي ليس الورس من
الطيب ولكنه نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملايمة الشم فيؤخذ منه تحريم
أنواع الطيب على المحرم وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب وظاهر قوله مسه تحريم
ما صبغ كله أو بعضه ولكنه لا بد عند الجمهور ومن أن يكون للمصبوغ رائحة فإن ذهبت
جاز لبسه خلافا لمالك : قوله " إلا أن يجد النعلين " في لفظ للبخاري
زيادة حسنة بها يرتبط ذكر النعلين بما قبلهما وهي " وليحرم أحدكم في إزار ورداء
ونعلين فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وفيه دليل على أن واجد النعلين لا يلبس
الخفين المقطوعين وهو قول الجمهور . وعن بعض الشافعية جوازه والمراد بالوجدان القدرة
على التحصيل . قوله " فليقطعها حتى يكونا أسفل من الكعبين " هما العظمان
الناتئان عند مفصل الساق والقدم وقد تقدم الخلاف في ذلك . وظاهر الحديث أنه لافدية
على لبسهما إذا لم يجد النعلين وعن الخنفية تجب وتعقب بأنها لوكانت واجبة لبينها
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه وقت الحاجة وتأخير البيان عنه لا يجوز .
واستدل به على أن القطع شرط لجواز لبس الخفين خلافا للمشهور عن أحمد فإنه أ ] از
لبسهما من غير قطع لإطلاق حديث ابن عباس الآتي وأجاب عنه الجمهور بأن حمل المطلق
على المقيد واجب وهو من القائلين به وقد تقدم التنبيه على هذا في باب ما يصنع من
أراد الإحرام ويأتي تمام الكلام عليه في شرح حديث ابن عباس
2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي والترمذي
وصححه وفي رواية قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهي النساء في
الإحرام عن القفازين والنقاب ومامس الورس والززعفران من الثياب " رواه أحمد
وأبو داود وزاد " ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرا أو خزا أو
حليا أو سراويل أو قميص
- الزييادة التي ذكرها أبو داود أخرجها أيضا
الحاكم والبيهقي . قوله " لا تنتقب المرأة " نقل البيهقي عن الحاكم عن
أبي على الحافظ أن قوله لا تنتقب من قول ابن عمر أدرج في الخبر وقال صاحب الإمام
هذا يحتاج إلى دليل وقد حكى ابن المنذر الخلاف هل هو من قول ابن عمر أو من حديثه
وقدر رواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر موقوفا وله طرق في البخاري موصولة
ومعلقة والانتقاب لبس غطاء للوجه فيه نقبان على العينين تنظر المرأة منهما . وقال في
الفتح النقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر . قوله " ولا تلبس
القفازين " بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاي ما تلبس المرأة في يديها
فيغطى أصابعها وكفها عند معاناة الشيء كغزل ونحوه وهو لليد كالخف للرجل . قوله
" وما مس الورس " الخ تقدم الكلام عليه في شرح الحديث الذي قبله . قوله
" ولتلبس بعد ذلك ما أحبت " الخ ظاهره جواز لبس ما عدا ما اشتمل عليه
الحديث من غير فرق بين المخيط وغيره والمصبوغ وغير وقد خالف مالك في المعصفر فقال
بكراهته ومنع منه أبو حنيفة ومحمد وشبهاه بالمورس والمزعفر والحديث يرد ذلك (
واختلف العلماء ) أيضا في لبس النقاب فمنعه الجمهور وأجازته الحنفية وهو رواية عند
الشافعية والمالكية وهو مردود بنص الحديث . قال في الفتح ولم يختلفوا في منعها من
ستر وجهها وكفيها بما سوى النقاب والقفازين . قوله " أو حليا " بفتح
الحاء وإسكان اللام وبضم الحاء مع كسر اللام وتشديد الياء لغتان قرئ بهما في السبع
وهو ما تتحلى به المرأة من جلجل وسوار وتتزين به من ذهب أو فضة أو غير ذلك
3 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل "
- رواه أحمد ومسلم
4 - وعن ابن عباس قال " سمعت النبي صلى
الله عليه وآله وسلم يخطب بعرفات من لم يجد إزارا فليلبس سراويل ومن لم يجد نعلين
فليلبس خفين "
- متفق عليه . وفي رواية عن عمر بن دينار
" أن أبا الشعثاء أخبره عن ابن عباس أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وهو يخطب يقول من لم يجد إزارا ووجد سراويل فليلبسها ومن لم يجد نعلين ووجد خفين
فليلبسهما قلت ولم يقل قطعهما قال لا " رواه أحمد أحمد وهذا بظاهره ناسخ
لحديث ابن عمر بقطع الخفين لأنه قال بعرفات في وقت الحاجة وحديث ابن عمر كان
بالمدينة كما سبق في رواية أحمد والدارقطني
- قوله " فليلبس خفين " تمسك بهذا
الإطلاق أحمد فأجاز للمحرم لبس الخف والسراويل للذي لا يجد النعلين والإزار على
حالهما واشترط الجمهور قطع الخف وفتق السراويل ويلزمه الفدية عندهم إذا لبس شيئا
منهما على حاله لقوله في حديث ابن عمر المتقدم " فليقطعهما " فيحمل
المطلق على المقيد ويلحق النظير بالنظير . قال ابن قدامة الأولي قطعهما عملا
بالحديث الصحيح وخروجا من الخلاف . قال في الفتح والأصح عند الشافعية والأكثر جواز
لبس السروايل بغير فتق كقول أحمد واشترط الفتق محمد بن الحسن وامام الحرمين وطائفة
. وعن أبي حنيفة منع السراويل للمحرم مطلقا ومثله عن مالك ( والحديثان
) المذكوران في الباب يردان عليهما ومن أجاز لبس السراويل على حاله قيده بأن لا
يكون على حالة لو فتقه لكان أزارا لأنه في تلك الحال يكون واجا للازار كما قال الحافظ
وقد أجاب الحنابلة على الحديث الذي أحتج به الجمهور على وجوب القطع باجوبة منها
دعوى النسخ كما ذكر المصنف لأن حديث ابن عمر كان بالمدينة قبل الأحرام وحديث ابن
عباس كان بعرفات كما حكى ذلك الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري . وأجاب الشافعي في
الأم عن هذا فقال كلاهما صادق حافظ وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن
تكون عزبت عنه أو شكل فيها أو قالها فلم ينقلها عنه بعض رواته انتهى . وسلك بعضهم طريقة
الترجيح بين الحديثين قال ابن الجوزي حديث ابن عمر اختلف في وقفه ورفعه وحديث ابن
عباس لم يختلف في رفعه ورد بأنه لم يختلف على ابن عمر في رفع الأمر بالقطع إلى في
رواية شاذة وعورض بأنه اختلف في حديث ابن عباس فرواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا . قال الحافظ ولا يرتاب أحد من المحدثين إن حديث
ابن عمر أصح من حديث ابن عباس لان حديث ابن عمر جاء بإسناد وصف بكونه أسح الأسانيد
واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفاظ منهم نافع وسالم بخلاف حديث ابن عباس
فلم يأت مرفوعا لا من رواية جابر بن زيد عنه حتى قال الأصلي أنه شيخ مصري لا يعرف
كذا قال وهو شيخ معروف موصوف بالفقه عند الأئمة . واستدل بعضهم بقياس الخف على السراويل
في ترك القطع ورد بأنه مصادم للنص فهو فاسد الأعتبار واحتج بعضهم بقول عطاء ان
القطع فساد والله لا يحب الفساد ورد بأن الفساد إنما يكون فيما نهى عنه الشارع لا
فيما أذن فيه بل أوجبه . وقال ابن الجوزي يحمل الأمر بالقطع على الأباحة لا على
الأشتراط عملا بالحديثين ولا يخفى أنه متكلف والحق أنه لا تعارض بين مطلق ومقيد
لإمكان الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد والجمع ما أمكن هو الواجب فلا يصار
إلى الترجيح ولو جاز المصير إلى الترجيح لإمكان ترجيح المطلق بأنه ثابت من حديث
ابن عباس وجابر كما في الباب ورواية اثنين أرجح من رواية واحد
4 - وعن عائشة قالت " كان الركبان يمرون
بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا
جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
5 - وعن سالم " أن عبد الله يعني ابن عمر
كان يقطع الخفين للمرأة المحرمة ثم حدثته حديث صفية بنت أبي عبيد أن عائشة حدثتها
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قد رخص للنساء في الخفين فترك ذلك "
- رواه أبو داود
- الحديث الأول أخرجه ابن خزيمة وقال في
القلب من يزيد بن أبي زياد ولكن ورد من وجه أخر ثم أخرج من طريق فاطمة بنت المنذر
عن أسماء بنت أبي بكر وهي جدتها نحوه وصححه الحاكم قال المنذري قد أختار جماعة
العمل بظاهر هذا الحديث وذكر الخطابي أن الشافعي علق القول فيه يعني على صحته
ويزيد بن أبي زياد المذكور قد أخرج له مسلم في الخلاصة عن الذهبي أنه صدوق وقد أعل
الحديث أيضا بأنه من رواية مجاهد عن عائشة وقد ذكر يحيى بن سعيد القطان وابن معين
أنه لم يسمع منها . وقال أبو حاتم الرازي مجاهد عن عائشة مرسل وقد احتج البخاري
ومسلم في صحيحيهما بأحاديث من رواية مجاهد عن عائشة . والحديث الثاني في إسناده
محمد بن إسحاق وفيه مقال مشهورقد قدمنا ذكره في أول هذا الشرح ولكنه لم يعنعن .
قوله " فإذا حاذوا بنا " في نسخ المصنف هكذا فإذا حاذوا بنا . ولفظ أبي
داود فإذا جازوا بنا بالزاي مكان الذال وفي التلخيص وغيره فإذا حاذونا . قوله
" جلبابها " أي ملحفتها . قوله " من رأسها " تمسك به أحمد
فقال إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق رأسها ( واستدل ) بهذا الحديث على أنه
يجوز للمرأة إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها فإنها تسدل الثوب
من فوق رأسها على وجهها لأن المرأة تحتاج إلى ستر وجهها فلم يحرم عليها ستره مطلقا
كالعورة لكن إذا سدلت يكون الثوب متجافيا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة هكذا قال
أصحاب الشافعي وغيرهم . وظاهر الحديث خلافه لأن الثوب
المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة فلو كان التجافي شرطا لبينه صلى الله عليه
وآله وسلم . قوله " كان يقطع الخفين للمرأة " لعموم حديث ابن عمر
المتقدم فإن ظاهره شمول الرجل والمرأة لولا هذا الحديث والإجماع المتقدم . قوله
" فترك ذلك " يعني رجع عن فتواه وفيه دليل على أنه يجوز للمرأة أن تلبس
الخفين بغير قطع
باب ما يصنع من أحرم في قميص
1 - عن يعلي بن أمية " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم جاءه رجل متضمخ بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم في جبة
بعدما تضمخ بطيب فنظر إليه ساعة فجاءه الوحي ثم سرى عنه فقال أين الذي سألني عن
العمرة أنفا فالتمس الرجل فجئ به فقال أما الطيب الذي بك فأغسله ثلاث مرات وأما
الجبة فأنزعها ثم أصنع في العمرة كل ما تصنع في حجك "
- متفق عليه . وفي رواية لهم " وهو
متضمخ بالخلوق " وفي رواية لأبي داود " فقال له النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أخلع جبتك فخلعها من رأسه "
- قوله جاءه رجل " ذكر ابن فتحون عن
تفسير الطرطوشي أن اسمه عطاء بن منية فيكون أخا يعلى بن منية لأنه يقال له يعلى بن
منية بالمنية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية وهي أمه وقيل جدته . وقال ابن
الملقن يجوز أن يكون هذا الرجل عمرو بن سواد وذكر الطحاوي أن الرجل هو يعلى بن
أمية الراوي . قوله " ثم سرى عنه " بضم المهملة وتشديد
الراء المكسورة أي كشف عنه . قوله " الذي بك " هو أعم من أن يكون بثوبه
أو ببدنه ولكن ظاهر قوله وأما الجبة الخ أنه أراد الطيب الكائن في البدن . قوله
" ثم اصنع في العمرة كل ماتصنع في حجك " فيه دليل على أنهم كانوا يعرفون
اعمال الحج . قال ابن العربي كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون
الطيب في الإحرام إذا حجوا وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة فأخبره النبي صلى
الله عليه وآله وسلم أن مجراها واحد . وقال ابن المنير قوله واصنع معناه اترك لأن
المراد بيان ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل وأما قول ابن
بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ففيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف
الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده . قال النووي كما
قال ابن بطال وزاد ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج . وقال الباجي المأمور به
غير نزع الثوب وغسل الخلوق لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية كذا قال ولا وجه
لهذا الحصر لانه قد ثبت عند مسلم والنسائي في هذا الحديث لفظ " ما كنت صانعا
في حجك فقال انزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق فقال ما كنت صانعا في حجك
فاصنعه في عمرتك " قال الإسماعيلي ليس في حديث الباب أن الخلوق كان على الثوب
وإنما فيه أن الرجل كان متصمخا . قوله " اغسل الطيب الذي بك
" يوضح أن الطيب لم يكن على ثوبه وإنما كان على بدنه ولو كان على الجبة لكان
في نزعها كفاية من جهة الاحرام ( واستدل ) بحديث الباب على منع استدامة الطيب بعد
الاحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن وهو قول مالك ومحمد بن الحسن وأجاب
الجمهور عنه بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة وهي في سنة ثمان لا خلاف وقد ثبت عن
عائشة أنها طيبت رسول الله بيدها عند احرامها وكان ذلك في حجة الوداع وهي سنة عشر
بلا خلاف وإنما يؤخذ بالأمر الآخر فالآخر وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو
الخلوق لا مطلق الطيب فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران وقد ثبت النهي عن تزعفر
الرجل مطلقا محرما وغير محرم . وقد أجاب المصنف بهذا كما سيأتي وقد تقدم الكلام
على ما يجوز من الطيب للمحرم ومالا يجوز في باب ما يصنع من أراد الاحرام ( وقد
استدل ) بهذا الحديث على ان المحرم ينزع ما عليه من المخيط من قميص أو غيره ولا
يلزمه عند الجمهور تمزيقه ولا شقة وقال النخعي والشعبي لا ينزعه من قبل رأسه لئلا
يصير مغطيا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وعن علي نحوه وكذا عن الحسن وأبي قلابة
. ورواية أبي داود المذكورة في الباب ترد عليهم ( واستدل ) بالحديث أيضا على ان من
أصاب طيبا في احرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه ولهذا
قال المصنف رحمه الله تعالى وظاهره أن اللبس جهلا لا يوجب الفدية وقد احتج من منع
من استدامة الطيب وإنما وجهه أنه أمره بغسله لكراهة التزعفر للرجل لا لكونه محرما
متطيبا انتهى . وقال مالك إن طال ذلك عليه لزمه دم وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية
يجب مطلقا
باب تظلل المحرم من الحر أو غيره والنهي
عن تغطية الرأس
1 - عن أم الحصين قالت " حججنا مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام
ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة
العقبة " وفي رواية " حججنا مع النبي صلى
الله عليه وآله وسلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته
ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته والآخر رافع ثوبه على رأس النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يظله من الشمس "
- رواهما أحمد ومسلم
2 - وعن ابن عباس " أن رجلا أو قصته
راحلته وهو محرم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اغسلوه بماء وسدر
وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه
- قوله " يستره من الحر " وكذا
قوله " يظله من الشمس " فيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره من
محمل وغيره وإلى ذلك ذهب الجمهور وقال مالك وأحمد لا يجوز ( والحديث ) يردعليهما
وأجاب عنه بعض أصحاب مالك بأن هذا المقدار لا يكاد يدوم فهوكما أجاز مالك للمحرم
أن يستظل بيده فإن فعل لزمته الفدية عند مالك وأحمد وأجمعوا على أنه لوقعد تحت
خيمة أوسقف جاز . وقد احتج مالك وأحمد على منع التظلل بما رواه البيهقي بإسناد
صحيح عن ابن عمر أنه أبصر رجلا على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس فقال
اضح لمن أحرمت له " وبما أخرجه البيهقي أيضا بإسناد ضعيف عن جاب مرفوعا
" ما منمحرم يضحى للشمس حتى تغرب الا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه
" قوله " واضح " بالضاد
المعجمة وكذا يضحي والمراد ابرز للضحي قال الله تعالى { وأنك لا تظمأ فيها ولا
يضحي } ويجاب بأن قول ابن عمر لا حجة فيه وبأن حديث جابر مع كونه ضعيفا لا يدل على
المطلوب وهو المنع من التظلل ووجوب الكشف لأن غاية ما فيه أنه أفضل على أنه يبعد
منه صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعل المفضول ويدع الأفضل في مقام التبليغ : قوله
" اغسلوه بماء وسدر " قد تقدم الكلام على هذا في كتاب الجنائز وساقه
المصنف ههنا للاستدلال به على أنه لا يجوز تغطية رأسه ووجهه لأن التعليل بقوله
فإنه يبعث ملبيا يدل على أن العلة الاحرام . قال النووي أما تخمير الرأس في حق
المحرم الحي فمجمع على تحريمه . وأما وجهه فقال مالك وأبو حنيفة هو كرأسه وقال
الشافعي والجمهور لا احرام في وجهه وله تغطيته وإنما يجب كشف الوجه في حق المرأة
والحديث حجة عليهم وهكذا الكلام في المحرم الميت لا يجوز تغطيةرأسه عن الشافعي
وأحمد وإسحاق وموافقيهم وكذلك لا يجوز أن يلبس المخيط لظاهر قوله فإنه يبعث ملبيا وخالف
في ذلك مالك والأوزاعي وأبو حنيفة فقالوا يجوز تغطية رأسه والباسه المخيط والحديث
يرد عليهم . وأماتغطية وجه من مات محرما فيجوز عند من قال بتحريم تغطية رأسه
وتأولوا هذا الحديث على أن النهي عن تغطية وجهه ليس وجها أنما ذلك صيانة للرأس
فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه وهذا تأويل لا يلجئ إليه ملجئ والكلام
على بقية أطراف الحديث قد تقدم في الجنائز
باب المحرم يتقلد بالسيف للحاجة
1 - عن البراء قال " اعتمر النبي صلى
الله عليه وآله وسلم في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم لا
يدخل مكة سلاحا إلا في القراب "
2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم خرج معتمرا فحال كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه
بالحديبية وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل سلاحا عليهم إلا سيوفا ولا
يقيم إلى ما أحبوا فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم فلما أن أقام بها
ثلاثة أيام أمروه أن يخرج فخرج "
- رواهما أحمد والبخاري وهو دليل على أن
للمحصر نحر هديه حيث أحصر
- قوله " إلا في القراب " بكسر
القاف هو وعاء يجعل فيه راكب البعير سيفه مغمدا ويطرح فيه الراكب سوطه واداته
ويعلقه في الرحب وإنما وقعت المقاضاة بينه صلى الله عليه وآله وسلم وبينهم على أن
يكون سلاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه في القرابات لوجهين ذكرهما أهل
العلم . الأول أن لا يظهر منه حال دخوله دخول الغالبين القاهرين لهم . والثاني
أنها عرضت فتنة أو غيرها يكون في الأستعداد للقتال بالسلاح صعوبة قاله أبو إسحاق
السبيعي
( وفي الحديثين ) دليل على جواز حمل السلاح
بمكة للعذر والضرورة لكن بشرط أن يكون في القراب كما فعله صلى الله عليه وآله وسلم
فيخصص بهذين الحديثين عموم حديث جابر عند مسلم قال قال صلى الله عليه وآله وسلم
" لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح " فيكون هذا النهي فيما عدا من
حمله للحاجة والضرورة وإلى هذا ذهب الجماهير من أهل العلم على حلم السلاح لغير
ضرورة ولا حاجة فإن كانت حاجة جاز قال وهذا مذهب الشافعي ومالك وعطاء قال وكرهه
الحسن البصري تمسكا بهذا الحديث يعني حديث النهي قال وشذ عكرمة فقال إذا احتاج إليه
حمله وعليه الفدية أراد إذا كان محرما وليس المغفرا والدرع ونحوهما فلا يكون
مخالفا للجماعة انتهى . والحق ما ذهب إليه الجمهور لأن فيه الجمع بين الأحاديث
وهكذا يخصص بحديثي الباب عموم قول ابن عمر المتقدم في كتاب العيد وادخلت الحرم
فيكون مراده لم يكن السلاح يدخل الحرم لغير حاجة إلا للحاجة فإنه قد دخل صلى الله
عليه وآله وسلم غير مرة كما في دخوله يوم الفتح هو وأصحابه ودخوله صلى الله عليه
وآله وسلم للعمرة كما في حديثي الباب اللذين أحدهما من رواية ابن عمر
باب منع المحرم من ابتداء الطيب دون
استدامته
1 - في حديث ابن عمر " ولا ثوب مسه ورس
ولا زعفران " وقال في المحرم الذي مات " لا تحنطوه "
2 - وعن عائشة قالت " كأني انظر إلى وبيص
الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أيام وهو محرم "
- متفق عليه . ولمسلم والنسائي وأبي داود
" كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو
محرم "
3 - وعن عائشة قالت " كنا نخرج مع النبي
صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة فتضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الاحرام فإذا
عرقت أحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا ينهانا "
- رواه أبو داود
4 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر " أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ادهن بزيت غير مقتت وهو محرم "
5 - رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال هذا
حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي عن سعيد بن جبير وقد تكلم يحيى ين
سعيد في فرقد وقد روى عنه الناس
- حديث ابن عمر تقدم في باب ما يجتنبه
المحرم من اللباس . وقله " لا تحنطوه "
تقدم في باب تطييب بدن الميت من كتاب الجنائز . وحديث عائشة الثاني سكت عنه أبو
داود والمنذري وإسناده رواته ثقات إلا الحسين بن الجنيد شيخ أبو داود وقد قال
النسائي لا بأس به : قوله ابن حبان في الثقات مستقيم الأمر فيما يروى . وحديث ابن
عمر في إسناده المقال الذي أشار إليه الترمذي ومن عدا فرقدا فيهم ثقات : قوله
" كأني انظر إلى وبيص الطيب " قد تقدم الكلام على هذا تفسيرا وحكما في
باب ما يصنع من أراد الاحرام وجزمنا هنالك بأن الحق أنه يحرم على المحرم ابتداء
الطيب لا استمراره : قوله " فنضمد " بفتح
الضاد المعجمة وتشديد الميم المكسورة أن نلطخ : قوله " بالسك " بضم
السين المهملة وتشديد الكاف وهو نوع من الطيب معروف : قوله " فإذا عرقت
" بكسر الراء : قوله " ولا ينهانا " سكوته صلى الله عليه وآله وسلم
يدل على الجواز لأنه لا يسكت على باطل : قوله " غير مقتت " قال في
القاموس زيت مقتت طبخ فيه الرياحين أو خلط بادهان طيبة وفيه دليل على جواز الادهان
بالزيت الذي لم يخلط بشيء من الطيب . وقد قال ابن المنذر أنه أجمع العلماء على أنه
يجوز للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن والشيرج وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سوي
رأسه ولحيته قال وأجمعوا على أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه وفرقوا بين الطيب
والزيت في هذا وقد تقدم مثل هذا النقل عن ابن المنذر والكلام على هذا الباب قد مر
فلا نعيده
باب النهي عن أخذ الشعر إلا لعذر وبيان
فديته
1 - عن كعب بن عجرة قال " كان بي أذى من
رأسي فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما
كنت أرى أن الجهد قد بلغ منك ما أرى اتد شاة قلت لا فنزلت الآية ففدية من صيام أو
صدقة أو نسك قال هو صوم ثلاثة أيام أو اطعام ستة مساكين نصف صاع نصف صاع طعاما لكل
مسكين "
- متفق عليه . وفي رواية " أتى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم زمن الحديبية فقال كأن هو ام رأسك تؤذيك فقلت أجل
قال فاحلقه واذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين
" . رواه أحمد ومسلم وأبو داود . ولأب داود في رواية " فدعاني رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي أحلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين
فرقا من زبيب أو أنسك شاة فحلقت رأسي ثم نسكت "
- قوله " ما كنت أرى أن الجهد "
بضم الهمزة أي أظن والجهد بالفتح المشقة قال النووي والضم لغة في المشقة أيضا وكذا
حكاه القاضي عياض عن ابن دريد وقال صاحب المغنى بالضم الطاقة وبالفتح الكلفة
فيتعين الفتح هنا . قوله " قد بلغ منك ما أرى " بفتح الهمزة من الرؤية :
قوله " نصف صاع " في رواية عن شعبة نصف صاع طعام وفي أخرى عن أبي ليلى
نصف صاع من زبيب . وفي رواية أيضا عن شعبة نصف صاع حنطة قال ابن حزم لا بد من
ترجيح إحدى هذه الروايات لأنها قصة واحدة في مقم واحد في حق رجل واحد قال في الفتح
المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث نصف صاع من طعام والاختلاف عليه في كونه تمرا
أو حنطة لعله من تصرف الرواة وأما الزبيب فلم أره إلى في رواية الحكم . وقد أخرجه
أبو داود وفي إسنادها محمد بن إسحاق وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف والمحفوظ
رواية التمر وقد وقع الجزم عند مسلم وغيره من طريق أبي قلابة كما وقع في الباب حيث
قال أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين ولم يختلف على أبي قلابة وكذا أخرجه
الطبراني من طريق الشعبي عن كعب وأحمد من طريق سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني ومن
طريق شعبة وداود عن الشعبي عن كعب وكذا في حديث عبد الله بن عمر وعند الطبراني
وعرف بذلك قوة قول من قال لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة وإن الواجب ثلاثة آصع
لكل مسكين نصف صاع . قوله " هوام رأسك " الهوام بتشديد الميم
جمع هامة وهي ما يدب من الأحناش والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبا إذا طال
عهده بالتنظيف وقد وقع في كثير من الروايات أنها القمل . قوله ( فرقا ) الفرق
ثلاثة آسع كما وقع عند الطبراني من طريق يحيى بن آدم عن ابن عيينة فقال فيه قال
سفيان والفرق ثلاثة آصع وفيه إشعار بأن تفسير الفرق مدرج لكنه مقتضي الروايات
الأخر كما في رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني عند أحمد بلفظ " لكل
مسكين نصف صاع " وفي رواية يحيى بن جعدة عند أحمد أيضا " أو أطعم ستة
مساكين مدين " : قوله " أو نسك شاة " لاختلاف بين العلماء
إن النسك المذكور في الآية هو شاة لكنه يعكر عليه ما أخرجه أبو داود عن كعب "
أنه أصابه أذى فحلق رأسه فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يهدي بقرة "
وفي رواية للطبراني " فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفتدي فافتدى
ببقرة " وكذا لعبد بن حميد وسعيد بن منصور . قال الحافظ وق عارض هذه
الروايات ما أصح منها من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة وروى سعيد
بن منصور وعبد بن حميد عن أبي هريرة " أن كعبا ذبح شاة لاذى كان أصابه "
وهذا أصوب من الذي قبله واعتمد ابن بطال على رواية نافع عن سليمان بن يسار قال أخذ
كعب بأرفع الكفارات ولم يخالف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أمر به من ذبح
الشاة بل وافق وزاد وتعقبه الحافظ بأن الحديث الدال على الزيادة لم يثبت
باب ما جاء في الحجامة وغسل الرأس للمحرم
1 - عن عبد الله بن بحينة قال " احتجم
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو محرم بلحى جمل من طريق مكة في وسط رأسه "
- متفق عليه
2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم احتجم وهومحرم "
- متفق عليه . وللبخاري " احتجم في
رأسه وهو محرم من وجع كان به بماء يقال له لحى الجمل "
3 - وعن عبد الله بن حنين " إن ابن عباس
والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء ابن عباس فقال ابن عباس يغسل المحرم رأسه وقال
المسور لا يغسل المحرم رأسه قال فارسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري فوجدته
يغتسل بين القرنين وهويستر بثوب فسلمت عليه فقال من هذا فقلت أنا عبد الله بن حنين
أرسلني إليك ابن عباس يسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغتسل وهو محرم
قال فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لانسان يصب عليه
الماء أصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر فقال هكذا رأيته صلى
الله عليه وآله وسلم يفعل "
- رواه الجماعة إلا الترمذي
- قوله " وهو محرم " زاد في رواية
للبخاري بعد قوله محرم لفظ صائم : قوله " بلحى جمل " بفتح
اللام وحكى كسرها وسكون المهملة وفتح الجيم والميم موضع بطريق مكة كما وقع مبينا
في الرواية الثانية وذكر البكري في معجمه أنه الموضع الذي يقال له بئر جمل وقال
غيره هو عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا ووهم من ظن أن المراد به لحى الجمل
الحيوان المعروف وأنه كان آلة الحجم وجزم الحازمي وغيره بأن ذلك كان في حجة الوداع
قوله " في وسط " بفتح المهملة أي متوسطه وهو ما فوق اليافوخ فيما بين
أعلى القرنين قال الليث كانت هذه الحجامة في فاس الرأس . قال النووي إذا أراد
المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام وإن لم تتضمنه جازت عند
الجمهور وكرهها مالك وعن الحسن فيها الفدية وإن لم يقطع شعرا فإن كان لضرورة جاز
قطع الشعر وتجب الفدية وخص أهل الظاهر الفدية بشعر الرأس . وقال الداودي إذا أمكن مسك
المحاجم بغير حلق لم يجز الحلق واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد وربط الجرح
والدمل وقطع العرق وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب
ما نهى المحرم عنه من تناول الطيب وقطع الشعر ولا فدية عليه في شيء من ذلك . قوله
" بالأبواء " أي وهما نازلان بها وفي رواية العرج بفتح أوله واسكان
ثانيه قرية جامعة قريبة من الابواء . قوله " بين القرنين " أي
قرني البئر : قوله " أرسلني إليك ابن عباس " الخ قال ابن عبد البر الظاهر
أن ابن عباس كان عند في ذلك نص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذه عن أبي أيوب
أو عن غيره ولهذا قال عبد الله بن حنين لأبي أيوب يسألك كيف كان يغسل رأسه ولم يقل
هل كان يغسل رأسه أولا على حسب ما وقع فيه اختلاف المسور وابن عباس : قوله "
فطأطأه " أي أزاله عن رأسه . وفي رواية للبخاري " جمع ثيابه إلى صدره
حتى نظرت إليه " : قوله " لانسان " قال الحافظ لم أقف على اسمه :
قوله " فقال هكذا رأيته صلى الله عليه وآله وسلم يفعل " زاد في رواية
للبخاري فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس لا أماريك أبدا أي لا
أجادلك ( والحديث ) يدل على جواز الأغتسال للمحرم وتغطية الرأس باليد حاله قال ابن
المنذر أجمعوا على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة واختلفوا فيما عدا ذلك وروى مالك
في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام وروى عن
مالك أنه كره للمحرم أن يغطي رأسه في الماء . وللحديث فوائد ليس هذا موضع ذكرها
باب ما جاء نكاح المحرم وحكم وطئه
1 - عن عثمان بن عفان " أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب "
- رواه الجماعة إلا البخاري وليس للترمذي
فيه " ولا يخطب "
2 - وعن ابن عمر " أنه سئل عن امرأة أراد
أن يتزوجها رجل وهو خارج مكة فأراد أن يعتمر أو يحج فقال لا تتزوجها وأنت محرم نهى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه "
- رواه أحمد
3 - وعن أبي غطفان عن أبيه عن عمر " أنه
فرق بينهما يعني رجلا تزوج وهو محرم "
- رواه مالك في الموطأ والدارقطني
4 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم تزوج ميمونة وهو محرم "
- رواه الجماعة . وللبخاري " تزوج
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ميمونة وهو محرم وبني بها وهو حلال وماتت بسرف "
5 - وعن يزيد بن الأصم عن ميمونة " أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج بها حلالا وبنى بها حلالا وماتت بسرف قدفناها
في الظلة التي بنى بها فيها "
- رواه أحمد والترمذي . ورواه مسلم وابن
ماجه . ولفظهما " تزوجها وهو حلال قال وكانت خالتي وخالة ابن عباس "
وأبو داود ولفظه قالت " تزوجني ونحن حلالان بسرف "
6 - وعن أبي رافع " أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة حلالا وبنى بها حلالا وكنت الرسول بينهما "
- رواه أحمد والترمذي ورواية صاحب القصة
والسفير فيها أولى لأنه اخبر وأعرف بها . وروى أبو داود أن سعيد بن المسيب قال وهم
ابن عباس في قوله تزوج ميمومة وهو محرم "
- حديث ابن عمر في إسناده أيوب بن عتبة وهو ضعيف
وقد وثق وحديث أبي رافع قال الترمذي حديث حسن ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد بن زيد
عن مطر الوراق عن ربيعة قال وروى مالك بن أنس عن ربيعة عن سليمان بن يسار "
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة وهو حلال " رواه مالك مرسلا وقول
سعيد بن المسيب أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وفي إسناده رجل مجهول . قوله
" يا ينكح المحرم ولا ينكح " الأول بفتح الياء وكسر الكاف أي لا يتزوج
لنفسه والثاني بضم الياء وكسر الكاف أي لا يزوج امرأة بولاية ولا وكالة في مدة
الاحرام : قال العسكري ومن فتح الكاف من الثاني فقد صحف : قوله " ولا يخطب
" أي لا يخطب المرأة وهو طلب زواجها وقيل لا يكون خطيبا في النكاح بين يدي
العقد والظاهر الأول : قوله " تزوج ميمونة وهو محرم " أجيب عن هذا بأنه
مخالف لرواية أكثر الصحابة ولم يروه كذلك إلا ابن عباس كما قال عياض ولكنه متعقب
بأنه قد صح من رواية عائشة وأبي هريرة نحوه كما صرح بذلك في الفتح وأجيب ثانيا
بأنه تزوجها في أرض الحرم وهو حلال فأطلق ابن عباس على من في الحرم أنه محرم وهو
بعيد وأجيب ثالثا بالمعارضة برواية ميمونة نفسها وهي صاحبة القصة وكذلك برواية أبي
رافع وهو السفير وهما أخبر بذلك كما أخبر المصنف وغيره لكنه يعارض هذا المرجع أن
ابن عباس روايته مصثبتة وهي أولى من النافعية ويجاب بأن رواية ميمونة وأبي رافع
أيضا مثبتة لوقوع عقد النكاح والنبي صلى الله عليه وآله وسلم حلال وأجيب رابعا أن
غاية حديث ابن عباس أ ه حكاية فعل وهي لا تعارض صريح القول أعني النهي عن أن ينكح
المحرم أو ينكح ولكن هذا إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وهو ممكن ههنا على فرض أن
رواية ابن عباس أرجح من رواية غيره وذلك بأن يجعل فعله صلى الله عليه وآله وسلم
مخصصا له من عموم ذلك القول كما تقرر في الأصول في جواز تخصيص العام المتأخر
بالخاص المتقدم كما هو المذهب الحق أو جعل العام المتأخر ناسخا كما ذهب إليه البعض
. إذا تقرر هذا فالحق أن يحرم أن يتزوج المحرم أو يزوج غيره كما ذهب إليه الجمهور
وقال عطاء وعكرمة ولأخل الكوفة يجوز للمحرم أن يتزوج كنما يجوز له أن يشتري جارية
للوطء وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار . وظاهر النهي عدم الفرق
بين من يزوج غيره بالولاية الخاصة أو العامة كالسلطان والقاضي . وقال بعض الشافعية
والإمام يحيى أ ه يجوز أن نزوج المحرم بالولاية العامة وهو تخصيص لعموم النص بلا
مخصص : قوله " بسرف " بفتح المهملة وكسر الراء موضع معروف : قوله ( في
الظلة ) بضم الظاتء وتشديد اللام كل ما أظل من الشمس : قوله " التي بنى فيها
" أي التي زفت إليه فيها : قوله " وهم ابن عباس
" هذا هو أحد الأجوبة التي أجاب بها الجمهور عن حديث ابن عباس
7 - وعن عمر وعلي وأبي هريرة " أنهم
سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج فقالوا ينفذان لوجههما حتى يقضيان حجهما ثم
عليهما حج قابل والهدي قال علي فإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما "
8 - وعن ابن عباس أنه " سئل عن رجل وقع
بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنه "
- والجميع لمالك في الموطأ
- أثر عمر وعلي وأبي هريرة هو في الموطأ كما
قال المصنف ولكنه ذكره بلاغا عنهم وأسنده البيهقي من حديث عطاء عن عمر وفيه إرسال
ورواه سعيد بن منصور عن مجاهد عن عمر وهو منقطع . وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا عنه .
وعن علي وهو منقطع أيضا بين الحكم وبينه . وأثر ابن عباس رواه البيهقي من طريق أبي
بشر عن رجل من بني عبد الدار عنه وفيه أن أبا بشر قال لقيت سعيد بن جبير فذكرت ذلك
له فقال هكذا كان ابن عباس يقول ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند أحمد أنه سئل عن رجل
وامرأة حاجين وقع عليهما قبل الإفاضة فقال ليحجا قابلا . وعن ابن عمرو بن العاص عن
الدارقطني والحاكم والبيهقي نحو قول ابن عمر وقد روى نحو هذه الأثار مرفوعا عند
أبي داود في المراسيل من طريق يزيد بن نعيم " أن رجلا من جذام جامع امرأته
وهما محرمان فسألا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اقضيا نسكا واهديا هديا
" قال الحافظ رجاله ثقات مع إرساله . ورواه ابن وهب في موطئه من
طريق سعيد بن المسيب مرسلا . وأثر على المذكور في الباب في التفريق أخرج نحوه
البيهقي عن ابن عباس موقوفا وروى ابن وهب في موطئه عن سعيد بن المسيب مرفوعا مرسلا
نحوه وفيه ابن هليعة وهو عند أبي داود في المراسيل بسند معضل : قوله " حتى
يقضيا حجهما " استدل به من قال أنه يجب المضي في فاسد الحج وهم الأكثر وقال
داود لا يجب كالصلاة . قوله " ثم عليهما حج قابل
" استدل به من قال أنه يجب قضاء الحج الذي فسدوهم الجمهور : قوله "
والهدي " تمسك به من قال أن كفارة الوطء شاة لأنها أقل ما يصدق عليه الهدي
وهو مروي عن أبي حنيفة والناصر ويدل على ما قالاه قوله صلى الله عليه وآله وسلم
" واهديا هديا " كما في مرسل أبي داود المذكور . وذهب الجمهور إلى أنها تجب
بدنة على الزوج وبدنة على الزوجة ويجب بدنة الزوجة على الزوج أذا كانت مكرهة لا
مطاعة . وقال أبو حنيفة ومحمد على الزوج مطلقا . وقال الشافعي في أحد قوليه عليهما
هدى واحد لظاهر الخبر و الأثر . وقال الأمام يحيى بدنه المرأة عليها إذا لم يفصل
الدليل : قوله " تفرقا حتى يقضيا حجهما
" . فيه دليل على مشروعية التفرق وقد حكى ذلك في البحر عن علي وابن عباس
وعثمان والعترة وأكثر الفقهاء وأختلفوا هل واجب أم لا فذهب أكثر العترة وعطاء
ومالك والشافعي في أحد قوليه إلى الوجوب . وذهب الإمام يحيى والشافعي في أحد قوليه
إلى الندب . وقال أبو حنيفة لا يجب ولا يندب ( واعلم ) إنه ليس في الباب من
المرفوع ما تقوم به الحجة والموقوف ليس بحجة فمن لم يقبل المرسل ولا رأى حجية
أقوال الصحابة فهو في سعة عن التزام هذه الأحكام وله في ذلك سلف صالح كداود
الظاهري
باب تحريم قتل الصيد وضمانه بنظيره
- قال الله تعالى { فجزاء مثل ما قتل من
النعم يحكم به ذوا عدل منكم } الآية
1 - وعن جابر قال " جعل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في الضبع يصيبه المحرم كبشا وجعله من الصيد "
- رواه أبو داود وابن ماجه
- الحديث أخرجه أيضا بقية أهل السنن وابن
حبان وأحمد والحاكم في المستدرك قال الترمذي سألت عنه البخاري فصصحه وكذا صححه عبد
الحق وقد أعل بالوقف وقال البيهقي هو حديث جيد تقوم به الحجة ورواه عن جابر عن عمر
وقال لا أراه الا رفعه رواه الشافعي موقوفا وصحح وقفه من هذا الوجه الدارقطني
ورواه من وجه آخر هو والحاكم مرفوعا ( وفي الباب ) عن ابن عباس عن الدارقطني والبيهقي
قال البيهقي روى موقوفا عن ابن عباس والأية الكريمة أصل أصيل في وجوب الجزاء على
من قتل صيدا وهو محرم ويكون الجزاء مماثلا للمقتول ويرجع في ذلك إلى حكم عدلين كما
ذهب إليه مالك وهو ظاهر الآية وقيل أنه لا يرجع إلى حكم العدلين إلا فيما لا مثل
له وأما فيما له فيرجع فيه إلى ما حكم به السلف وإلا يحكم فيه السلف رجع إلى ما
حكم به عدلان واختلف في أي شيء تعتبر المماثلة فقيل في الشكل أو الفعل وقيل في
القيمة ( والحديث يدل ) على أن الضبع صيد وإن فيه كبشا
2 - وعن محمد بن سيرين " إن رجلا جاء إلى
عمر بن الخطاب فقال إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا
ونحن محرمان فماذا ترى فقال عمر لرجل بجنبه تعال حتى نحكم أنا وأنت فقال فحكما
عليه بعنز فولي الرجل وهو يقول هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى
دعا رجلا فحكم معه فسمع عمر قول الرجل فدعاه فسأله هل تقرأ سورة المائدة فقال لا
فقال هل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي فقال لو أخبرتني أنك سورة المائدة لأوجعتك
ضربا ثم قال إن الله عز و جل يقول في كتابه { يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ
الكعبة } وهذا عبد الرحمن بن عوف "
- رواه مالك في الموطأ
3 - وعن جابر " إن عمر قضي في الضبع بكبش
في الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة "
- رواه مالك في الموطأ
4 - وعن الأجلح بن عبد الله عن أبي الزبير عن
جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " في الضبع إذا أصابه المحرم كبش
وفي الظبي شاة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة قال والجفرة التي قد أرتعت "
- رواه الدارقطني . قال ابن معين الأجلح ثقة
وقال ابن عدي صدوق فقال أبو حاتم لا يحتج بحديثه
- الأثر الأول رواه مالك في الموطأ عن عبد
الملك بن قريب عن محمد بن سيرين وعبد الملك بن قريب هو الأصمعي وهو ثقة . والأثر
الثاني لم يذكر مالك في الموطأ قوله عن جابر بل رواه عن أبي الزبير إن عمر بن
الخطاب قضى في الضبع الخ وأخرجه أيضا الشافعي بسند صحيح عن عمر وأخرج البيهقي عن
ابن عباس أنه قضى في الأرنب بعناق . وروى عنه الشافعي من طريق الضحاك أنه قضى
بالأرنب بشاة . وأخرج البيهقي عن ابن مسعود أنه قضى في اليربوع بجفرة . ورواه الشافعي
عنه من طريق مجاهد وروى أبو يعلى عن عمر وقال لا أراه إلا رفعه أنه حكم في الضبع
بشاة وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع جفرة وفي الظبي كبش . وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر
أنه قضى في الأرنب ببقرة . وروى إبراهيم الحربي في الغريب عن ابن عباس أنه قضى في
اليربوع بحمل والحمل ولد الضان الذكر . وحديث جابر أخرجه أيضا
البيهقي وأبو يعلى وقالا عن جابر رفعه وأما الدارقطني فرواه من طريق إبراهيم
الصائغ عن عطاء عن جابر يرفعه . وكذلك الحاكم . ورواه الشافعي عن مالك عن أبي
الزبير موقوفا على جابروصحح وقفه الدارقطني من هذا الوجه كما سلف في أول الباب :
قوله " فحكما عليه بعنز " قد وافقهما على ذلك
علي وعثمان وابن عباس وابن عمر وجفرة وزيد بن ثابت وابن الزبير وكذلك وافقوا عمر
في إيجاب عناق في الأرنب وجفرة في اليربوع كما حكى ذلك المهدي في البحر عنهم وهو
موافق لما في حديث جابر المرفوع المذكور في الباب إلا في الظبي فإنه أوجب فهي شاة
ولكنها قد تطلق الشاة على المعز . قال في القاموس الشاة الواحدة
من الغنم للذكر والأنثى أو يكون من الضان والعز والظباء والبقر والنعام وحمر الوحش
انتهى . قوله " جفرة " الجفرة بفتح الجيم هي الأنثى من ولد الضان التي
بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها والعنز بفتح المهملة وسكون النون بعدها زاي الأنثى
من المعز الجمع أعنز وعنوز وعناز
باب منع المحرم من أكل لحم الصيد إلى إذا
لم يصد لاجله ولا أعان عليه
1 - عن الصعب بن جثامة أنه اهدى إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم حمارا وحشيا وهو بالابواء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما
في وجهه قال انا لم نرده عليك إلا انا حرم "
- متفق عليه . ولأحمد ومسلم لحم حمار وحش
2 - وعن زيد بن أرقم وقال له ابن عباس يستذكره
" كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدى إلى رسول الله وهو حرام فقال أهدي له عضو من
لحم صيد فرده وقال أنا لا نأكله اناحرم "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
- قوله " حمارا وحشيا "
هكذا رواية مالك ولم تختلف عنه الرواة في ذلك وتابعه على ذلك عامة الرواة عن
الزهري وخالفهم ابن عيينة فقال لحم حمار وحش كما وقع في الرواية الأخيرة وبين
الحميدي أنه كان يقول حمار وحش ثم صار يقول لحم حمار وحش فدل على اضطرابه فيه .
قال في الفتح وقد توبع على قوله لحم حمار وحش من أوجه فيها مقال ثم ساقها ولكنه
يقوي ما رواه ابن عيينة حديث ابن عباس المذكور في الباب وقد أخرج مسلم من وجه آخر
عن ابن عباس إن الذي أهداه الصعب بن جثامة لحم حمار وأخرجه مسلم أيضا من طريق حبيب
ابن أبي ثابت عن سعيد تارة حمار وحش وتارة شق حمار قوله " بالأبواء "
بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد جبل من أعمال الفرع بضم الفاء والراء بعدها
مهملة قيل سمي بالأبواء لوبائه وقيل لأن السيول تتبوؤه أي تحله . قوله " أو
بودان " شك من الراوي وهو بفتح الواو وتشديد الدال آخره نون موضع بقرب الجحفة
. قوله
" فرده " اتفقت الروايات
كلها على أنه رده عليه كما قال الحافظ إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه
بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية أن الصعب أهدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عجز
حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم قال البيهقي إن كان هذا محفوظا حمل على
أنه رد الحي وقيل اللحم . قال الحافظ وفي هذا الجمع نظر فإن الطرق كلها محفوظة
فلعله رده حيا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقبله أخرى حيث لم يصد لأجله
وقد قال الشافعي في الأم أن كان الصعب اهدي له حمارا حيا فليس للمحرم أن يذبح حمار
وحش حي وان كان أهدى له لحما فقد يحتمل أن يكون قد علم أنه صيد له انتهى . ويحتمل
أن يكون القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية في وقت آخر وهو وقت رجوعه صلى الله
عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة . قال القرطبي يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار
مذبوحا ثم قطع منه عضوا بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقدمه له فمن قال
أهدى حمارا أراد بتمامه مذبوحا لا حيا ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى
الله عليه وآله وسلم ويحتمل أن يكون من قال حمارا أطلق وأراد بعضه مجازا ويحتمل
أنه أهداه له حيا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانا أنا إنما رده عليه لمعنى
يختص بجملته فاعلمه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل والجمع مهما أمكن أولى من
توهيم بعض الروايات : قوله " انا لم نرده عليك " قال في الفتح قال
القاضي عياض ضبطناه في الروايات بفتح الدال وأبي ذلك المحققون من أهل العربية
وقالوا الصواب أنه بضم الدال لأن المضاعف من المجزوم يراعي فيه الواو التي توجبها
ضمه الهاء بعدها قال وليس الفتح بغلط بل ذكره ثعلب في الفصيح نعم تعقبوه عليه بأنه
ضعيف وأجازوا فيه الكسر وهو أضعف الأوجه وهي لغة حكاها الأخفش عن بني عقيل وإذا
وليه ضمير المؤنث نحو درها فالفتح لازم اتفاقا كذا قال النووي : ووقع في رواية الكشميهني
لم نردده بفك الأدغام وضم الأولى وسكون الثانية ولا اشكال فيه . قوله
" الا أنا حرم " زاد النسائي " لانأكل الصيد " وفي حديث ابن
عباس "
انا لا نأكله اناحرم " وقد استدل
بهذا من قال بتحريم الأكل من لحم الصيد على المحرم مطلقا لأنه أقتصر في التعليل
على كونه محرما فدل على أنه سبب الامتناع خاصة وهو قول علي وابن عباس وابن عمر
والليث والثوري وإسحاق والهادوية واستدلوا أيضا بعموم قوله تعالى { وحرم عليكم صيد
البر } ولكنه يعارض ذلك حديث طلحة وحديث البهزي وحديث أبي قتادة وستأتي هذه
الأحاديث
. وقال الكوفيون وطائفة من السلف أنه يجوز
للمحرم أكل لحم الصيد مطلقا وتمسكوا بالأحاديث التي ستأتي وكلا المذهبين يستلزم
اطراح بعض الأحاديث الصحيحة لا موجب والحق ما ذهب إليه الجمهور من الجمع بين
الأحاديث المختلفة فقالوا أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدى
منه للحرم وأحاديث الرد محمولة على صاد الحلال لأجل المحرم قالوا والسبب بالأقتصار
على الاحرام عند الأعتذار للصعب أن الصيد لا يحرم على المرء إذا صيد له إلا إذا
كان محرما فاقتصر عن تبيين الشرط وسكت عما عداه فلم يدل على نفيه ويؤيد هذا الجمع
حديث جابر الآتي
3 - وعن علي " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أتى ببيض النعام فقال انا قوم حرم أطعموه أهل الحل "
- رواه أحمد
4 - وعن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله
التيمي وهو ابن أخي طلحة قال كنا مع طلحة ونحن حرم فأهدى لنا طير وطلحة راقد فمنا
من أكل ومنا من تورع فلم يأكل فلما استيقظ طلحة وفق من أكله وقال أكلناه مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
- حديث علي أخرجه أيضا البزار وفي إسناده
علي بن زيد وفيه كلام وقد وثق وبقية رجاله رجال الصحيح وهو حديث طويل هذا طرف منه
: قوله " أطعموه أهل الحل " لا بد من تقييد هذا الأطلاق بما سلف من
اعتبار القصد بأن ذلك للمحرم فيحمل هذا على أنه أخذ البيض قاصدا بأن ذلك لأجل
المحرمين جمعا بين الأدلة . وكذلك لابد من تقييد حديث طلحة بأن لا يكون من أهدى
لهم الطير صاده لأجلهم وقد اختلف فيما يلزم المحرم إذا أصاب بيضة نعام فقال أبو
حنيفة وأصحابه والشافعي أنه يجب فيها القيمة وقال مالك في رواية عنه قيمة عشر بدنة
وقال الشافعي في رواية عنه قيمة عشر النعامة . وقال الهادي يجب فيها صوم يوم
واستدل من قال بأن الواجب القيمة بما أخرجه عبد الرزاق والدارقطني والبيهقي من
حديث كعب بن عجرة " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قضى في بيض نعامة أصابه محرم بقيمته " وفي إسناده إبراهيم بن
أبي يحيى وشيخه حسين بن عبد الله وهما ضعيفان . وأخرجه ابن ماجه والدارقطني
من حديث أبي المهزم وهو أضعف منهما . واستدل الهادي بما أخرجه الشافعي وأبو داود
والدارقطني والبيهقي من حديث عائشة " أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم حكم في بيض النعام في كل بيضة صيام يوم " قال عبد الحق لا
يسند من وجه صحيح وفي إسناد أبي داود رجل لم يسم وأخرج نحوه الدارقطني من حديث أبي
هريرة وهو من طريق ابن جريج عن أبي الزناد ولم يسمع منه كما قال أبو حاتم
والدارقطني . قوله " ابن عبد الله التيمي " كذا في نسخ المنتقى والصواب
ابن عبيد الله مصغرا : قول " وفق من أكله " أي صوبه كذا في شرح مسلم
ويحتمل أن يكون معناه دعاله بالتوفيق
5 - وعن عمير بن سلمة الضمري عن رجل من بهرز
" أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد مكة حتى إذا كانوا في
بعض وادي الروحاء وجد الناس حمار وحش عقيرا فذكروه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم
فقال أقروه حتى يأتي صاحبه فأتى البهزي وكان صاحبه فقال يا رسول الله شأنكم هذا
الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر فقسمه في الرفاق وهم
محرمون قال ثم مررنا حتى إذا كنا بالاثاية إذا نحن بظبي حاقف في ظل فيه سهم فأمر
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا أن يقف عنده حتى يخبر الناس عنه "
- رواه أحمد والنسائي ومالك في الموطأ
- الحديث صحيح ابن خزيمة وغيره كما قال في
الفتح : " أقروه " أي اتركره قوله " فأمر رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أبا بكر " الخ ينبغي أن يقيده هذا الأطلاق بأن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم علم أن البهزي لم يصده لأجلهم بقرينة حال او مقال للجمع بين الأدلة كم
تقدم : قوله " في الرفاق " جمع رفقة : قوله " بالأثاية " بضم
الهمزة وكسرها بعدها ثاء مثلثة وبعد الألف تحتية موضع بين الحرمين فيه مسجد نبوي
أو بئر دون العرج قال في القاموس هو بضم الهمزة ويثلث : قوله " حاقف "
قال في القاموس الحاقف الرابض في حقف من الرمل أو يكون منطويا كالحقف وقد انحنى
وتثنى في نومه وهو بين الحقوف انتهى : قوله " فأمر رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم " الخ إنما لم يأذن لمن معه بأكله لأمرين . أحدهما أنه حي وهو لا
يجوز للمحرم ذبح الصيد الحي . الثاني أن صاحبه الذي رماه صار أحق به فلا يجوز أكله
إلا بإذن ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم في حمار البهزي " أقروه حتى يأتي
صاحبه للهرب أما لضعف فيه أو لجناية أصابته أن يأمر من يحفظه من أصحابه
6 - وعن أبي قتادة قال " كنت يوما جالسا
مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منزل في طريق مكة و رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أمامنا والقوم محرمون وأ ا غير محرم علم الحديبية فأبصروا
حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذونوني وأحبوا لو أني أبصرته فالتفت فأبصرته
فقمت إلى الفرس فاسرجته ثم ركبت ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني السوط
والرمح قالوا والله لا نعينك عليه فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت فشددت على الحمار
فعقرته ثم جئت به وقد مات فوقعوا فيه يأكلونه ثم أ هم شكوا في أكلهم إياه وهم حرما
فرحنا وخبأت العضد معي فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألناه عن ذلك
فقال هل معكم منه شيء فقلت نعم فناولته العضد فأكلها وهو محرم "
- متفق عليه . ولفظه للبخاري ولهم في رواية " هو
حلال فكلوه " ولمسم " هل أشار إليه إنسان أو أمره بشيء قالوا لا قال فكلوه
" وللبخاري " قال منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا
قال فكلوا ما بقي من لحمها "
- قوله " أما منا " بفتح الهمزة
قوله "
عام الحديبية " هذا هو الصواب ووقع
في رواية للبخاري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج حاجا " وهو
غلط كما قال الإسماعيلي فإن القصة كانت في العمرة . وقال الحافظ لا غلط في ذلك بل
هو من المجاز الشائع وأيضا فالحج في الأصل القصد للبيت فكأنه قال خرج قاصدا للبيت
ولهذا يقال للعمرة الحج الأصغر . قوله " والله لا نعنيك " زاد أبو عوانة
إنا محرمون وفيه دليل على أنهم قد كانوا علموا أنه يحرم على المحرم الإعانة على
قتل الصيد . قوله " وخبأت " وفي
رواية للبخاري فحملنا ما بقي من لحم الأتان " قوله " فكلوه " صيغة
الأمر هنا للإباحة لا للوجوب لأنها وقعت جوابا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب
فوقعت على مقتضى السؤال : قوله " قال منكم أحد " الخ في رواية للبخاري
قال أمنكم بزيادة الهمزة ولفظ مسلم هل منكم أحد أمره . فيه دليل على مجرد الأمر من
المحرم للصائد بأن يحمل على الصيد والإشارة منه مما يوجب عدم الحل لمشاركته للصائد
: قوله " أن يحمل عليها أو أشار إليها " الضمير راجع إلى الإتان لأنه لا
يطلق إلا على الأنثى وهي مذكورة في رواية البخاري ولفظه فرأينا حمر وحش فحمل عليها
أبو قتادة فعقر منها أتانا فنزلنا فأكلنا من لحمها ثم قلنا أنأكل لحم صيد ونحن
محرموم فحملنا ما بقي من لحمها قال منكم أحد أمره الخ والروايات متفقة على إفراد
الحمار بالرؤية وأفاد هذه الرواية أن الحمار من جملة حمروان المقتول كان أتانا أي
أنثي لقوله فعقر منها أتانا ( والحديث ) في فوائد منها أنه يحل للمحرم لحم ما
يصيده الحلال إذ لم يكن صاده لأجله ولم يقع منه إعانة له وقد تقدم الخلاف في ذلكز
ومنها أن مجرد محبة المحرم أن يقع بين الحلال الصيد فيأكل منه غير قادحة في إحرامه
ولا في حل الأكل منه . ومنها إنعقر الصيد ذكاته وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله
تعالى . ومنها جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالقرب منه
7 - وعن أبي قتادة قال " خرجت مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم زمن الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم فرأيت حمارا
فحملت عليه فاصطدته فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكرت أني لم أكن
أحرمت وإني إنما اصطدته لك فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه فأكلوا ولم
يأكل منه حين أخبرته أني إصطدته له "
- رواه أحمد وابن ماجه بإسناد جيد . قال أبو
بكر النيسابوري قوله أني إصطدته لك وأنه لم يأكل منه لا أعلم أحدا قاله في هذا
الحديث غير معمر
- الحديث أخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي
وابن خزيمة وقد قال بمثل مقالة النيسابوري التي ذكرها المصنف ابن خزيمة والدارقطني
والجوزقي . قال ابن خزيمة إن كانت هذه الزيادة محفوظة أحتمل أن يكون صلى الله عليه
وآله وسلم أكل من لحم ذلك الحمار من قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه إصطاده من أجله
فلما علن امتنع وفي نظر أنه لو كان حراما عليه صلى الله عليه وآله وسلم ما أقره
الله تعالى على الأكل حتى يعلمه أبو قتادة لأنه صاده لأجله ويحتمل أن يكون ذلك
لبيان الجواز وأن الذي يحرم على المحرم إنما هو الذي يعلم أنه صيد من أجله وأما
إذا أتى بلحم لا يدري ألحم صيد أم لا وهل صيد لأجله أم لا فحله على أصل الإباحة
فلا يكون حراما عليه عند الأكل ولكنه يبعد هذا ما تقدم من أنه لم يبق إلا العضد . وقال
البيهقي هذه الزيادة غريبة يعني قوله أني إصطدته لك قال والذي في الصحيحين أنه أكل
منه . وقال النووي في شرح المهذب يحتمل أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قصتان
قال ابن حزم
لا يشك أحد لأن أبا قتادة لم يصد الحمار
إلا لنفسه ولإصحابه وهم محرمون فلم يمنعهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أكله
وكأنه يقول بأنه يحل صيد الحلال للمحرم مطلقا وهو أحد أقوال السابقة . وقال ابن
عبد البركان إصطياد أبي قتادة الحمر لنفسه لا لاصحابه وكان رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وجه أبا قتادة على طريق البحر مخافة العدو فلذلك لم يكن محرما عند
اجتماعه بأصحابه لأن مخرجهم لم يكن واحدا . قال الأثرم كنت أسمع أصحاب الحديث
يتعجبون من هذا الحديث ويقولون كيف جاز لأبي قتادة مجاورة الميقات بلا احرام ولا
يدروز ما وجهه حتى رأيته مفسرا في حديث عياض عن أبي سعيد قال خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فأحرمنا لما كان مكان كذا وكذا إذا نحن بأبي قتادة كان النبي
صلى الله عليه وآله وسلم بعثه في شيء سماه فذكر حديث الحمار الوحشي انتهى .
والحديث من جملة أدلة الجمهور القائلين بأنه يحرم صيد الحلال على المحرم إذا صاده
لأجله ويحل له إذا لم يصده لأجله ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
بأنه صاده لأجله لم يأكل منه وأمر أصحابه بالأكل
8 - وعن جابر " إن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال صيد البر لكم حلال وأنتم حرم مالم تصيدوه أو يصد لكم "
- رواه الخمسة إلى ابن ماجه : وقال الشافعي
هذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس
- الحديث أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان
والحاكم والدارقطني والبيهقي وهو من رواية عمرو بن أبي عمر ومولى المطلب بن عبد
الله بن حنطب عن مولاه المطلب عن جابر وعمرو مختلف فيه مع كونه من رجال الصحيحين
ومولاه قال الترمذي لا يعرف له سماع من جابر وقال في موضع آخر قال محمد لا أعرف له
سماعا من أحد من الصحابة إلى قوله حدثني من شهد خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم . وقد رواه الشافعي عن عمرو عن رجل من الأنصار عن جابر . ورواه
الطبراني عن عمرو وعن المطلب عن أبي موسى وفي إسناده يوسف بن خالد السمتي وهو
متروك ورواه الخطيب عن مالك عن نافع عن ابن عمر وفي إسناده عثمان ابن خالد
المخزومي وهو ضعيف جدا ( هذا الحديث ) صريح في التفرقة بين أن يصيده المحرم أو
يصيده غيره له وبين أن لا يصيده المحرم ولا يصاد له بل يصيده الحلال لنفسه ويطعمه
المحرم ومقيد لبقية الأحاديث المطلقة كحديث الصعب وطلحة وأبي قتادة ومخصص لعموم
الآية المتقدمة
باب صيد الحرم وشجره
1 - عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة إن هذا البلد حرام لا يعضد شوكه ولا يختلى خلاه
ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف فقال العباس إلا الاذخر فإنه لابد لهم
منه فإنه للقيون والبيوت فقال إلا الاذخر "
2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم لما فتح مكة قال لا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ولا تحل ساقطتها الا
لمنشد فقال العباس الاذخر فانا نجعله لقبورنا وبيوتنا فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم إلا الاذخر "
- متفق عليهما . وفي لفظ لهم " لا يعضد
شجرها بدل قوله لا يختلى شوكها "
- قوله " لا يعضد شوكها " بضم
أوله وسكون المهملة وفتح الضاد المعجمة أي لا يقطع . وفي رواية للبخاري " ولا
يعضد بها شجرة " قال القرطبي خص الفقهاء الشجر المنهى عنه بما ينبته الله
تعالى من غير آدمي فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه الجمهور على الجواز .
وقال الشافعي في الجميع الجزاء ورجحه ابن قدامة واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع
الأول فقال مالك لاجزاء فيه بل يأثم وقال عطاء يستغفر . وقال أبو حنيفة بقيمته هدى
. وقال الشافعي في العظيمة بقرة وفيما دونها شاة . قال ابن العربي اتفقوا على
تحريم قطع شجر الحرم الا ان الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة كذا نقله أبو
ثور عنه وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها وبهذا قال عطاء ومجاهد
وغيرهما وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذي بطبعه فأشبه الفواسق ومنعه الجمهور لنهيه
صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك كما في حديثي الباب والقياس مصادم لهذا النص فهو
فاسد الاعتبار وهوأيضا قياس غير صحيح لقيام الفارق فإن الفواسق المذكورة تقصد
بالأذى بخلاف الشجر قال ابن قدامة ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقطع
من الشجر من غير صنيع الآدمي ولا بما يسقط من الورق نص عليه أحمد ولا نعلم فيه
خلافا انتهى : قوله " ولا يختلى خلاه " الخلا بالخاء المعجمة مقصور وذكر
ابن التين أنه وقع في رواية القابسي بالمد وهو الرطب من النبات واختلاؤه قطعه
واحتشاشه واستدل به على تحريم رعيه لكونه أشد من الاحتشاش وبه قال مالك والكوفيون
واختاره الطبري وتخصيص التحريم بالرطب اشارة إلى جواز رعي اليابس وجواز اختلائه
وهو أصح الوجهين للشافعية لأن اليابس كالصيد الميت . قال ابن قدامة لكن في استثناء
الاذخر اشارة إلى تحريم اليابس ويدل عليه إن في بعض طرق حديث أبي هريرة ولا يحتش
حشيشها قال وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم من بقل وزرع ومشموم
فلا بأس برعيه واختلائه . قوله " ولا ينفر صيده " بضم أوله وتشديد الفاء
المفتوحة قيل هو كناية عن الأصطياد وقيل على ظاهره . قال النووي يحرم التنفير وهو
الأزعاج عن موضعه فإن نفره عصى تلف أولا وإن تلف في نفارة قبل سكونه ضمن وإلا فلا
قال قال العلماء يستفاد من النهي عن التنفير تحريم الاتلاف بالأولى . قوله "
ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف " وكذلك قوله في الحديث الثاني " ولا تحل
ساقطتها إلا المنشد " يأتي الكلام على هذا في اللقطة إن شاء الله تعالى .
قوله " إلا الاذخر " بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء
المعجمة أيضا : قال في الفتح نبت معروف عند أهل مكة طيب الريح له أصل مندفن وقضبان
دقاق ينبت في السهل والحزن وأهل مكة يسقفون به البيوت بين الخشب ويسددوه به الخلل
بين اللبنات في القبور . ويجوز في قوله إلا الاذخر
الرفع على البدل مما قبله والنصب على الأستثناء واستدل به على جواز الأجتهاد منه
صلى الله عليه وآله وسلم وعلى جواز الفصل بين المستثني والمستثنى منه والكلام في
ذلك معروف في الأصول واستدل به أيضا على جواز النسخ قبل الفعل وهو ليس بواضح كما
قال الحافظ : قوله " فإنه للقيون " جمع قين وهو الحداد . قوله "
لقبورنا وبيوتنا " قد سلف بيان الانتفاع به في القبور والبيوت
3 - وعن عطاء " أن غلاما من قريش قتل
حمامة من حمام مكة فأمر ابن عباس أن يفدى عنه بشاة "
- رواه الشافعي
- الأثر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة والبيهقي
من طرق . وفي الباب عن جماعة من الصحابة منهم علي عند الشافعي وابن عمر عند ابن
أبي شيبة وعن عمر وعثمان عند الشافعي وابن أبي شيبة فهؤلاء قضى كل واحد منهم بشاة
في الحمامة وقد روى مثل ذلك عن جماعة من التابعين كعاصم بن عمر رواه عنه الشافعي
والبيهقي وسعيد بن المسيب رواه عنه البيهقي وعن نافع ابن عبد الحرث رواه عنه
الشافعي وروى عن مالك أنه قال في حمام الحرم الحزاء وفي حمام الحل القيمة
باب ما يقتل من الدواب في الحرم والاحرام
1 - عن عائشة قالت " أمر رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرام الغراب والحدأة والعقرب
الفأرة والكلب العقور "
- متفق عليه
2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب والحدأة
والعقرب والفأرة والكلب العقور "
- رواه الجماعة إلا الترمذي . وفي لفظ
" خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والاحرام الفأرة والعقرب والغراب
والحديا والكلب العقور " رواه أحمد ومسلم والنسائي
3 - وعن ابن مسعود " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم أمر محرما بقتل حية بمنى "
- رواه مسلم
4 - وعن ابن عمر وسئل ما يقتل الرجل من الدواب
وهو محرم فقال حدثني احدي نسوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يأمر بقتل
الكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة والغراب والحية "
- رواه مسلم
5 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم " قال خمس كلهن فاسقة يقتلهن المحرم ويقتلن في الحرم الفأرة والعقرب
والحية والكلب العقور والغراب "
- رواه أحمد
- حديث ابن عباس أورده في التخيص وسكت عنه
وأخرجه أيضا البزار والطبراني في الكبير والأوسط وفي إسناده ليث ابن أبي سليم وهو
ثقة ولكنه مدلس : قوله " خمس " ذكر الخمس
يفيد بمفهومه نفي هذا الحكم عن غيرها وليس بحجة ولكنه عند الأكثر وعلى تقديره
اعتبار فيمكن أن يكون قاله صلى الله عليه وآله وسلم أولا ثم بين بعد ذلك أن غير
الخمس تشترك معها في ذلك الحكم فقد ورد زيادة الحية وهي سادسة كما في حديث ابن عمر
وحديث ابن مسعود وحديث ابن عباس المذكور في الباب وزاد أبو داود من حديث أبي سعيد
" السبع العادي " وزاد ابن خزيمة وابن المنذر من حديث أبي هريرة الذئب
والنمر فصارت تسعاقال في الفتح لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر
من تفسير الراوي للكلب العقور قال ووقع ذكر الذئب في حديث مرسل أخرجه ابن أبي شيبة
وسعيد بن منصور وأبو داود من طريق سعيد بن المسيب قال قال صلى الله عليه وآله وسلم " يقتل
المحرم الحية والذئب " ورجاله ثقات وأخرج أحمد من طريق حجاج بن أرطأة عن وبرة
ابن عمر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الذئب للمحرم . وحجاج
ضعيف وقد خولف وروي موقوفا كما أخرجه ابن أبي شيبة . قوله " خمس فواسق "
قال النووي هو بإضافة خمس لا تنوينة وجوز ابن دقيق العيد الوجهين وأشار إلى ترجيح
الثاني قال النووي تسميته هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة فإن
أصل الفسق لغة الخروج ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عنها قشرها فوصفت بذلك لخروجها عن
حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله أو حل أكله أو خروجها بالإيذاء والإفساد .
قوله " في الحل والحرام " ورد في لفظ عند مسلم أمر وعند أبي عوانة ليقتل
المحرم وظاهر الأمر الوجوب ويحتمل الندب والإباحة وقد روى البزار من حديث أبي رافع
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل العقرب والفأرة والحية والحدأة وهذا
الأمر ورد بعد نهي المحرم عن القتل وفي الأمر الوارد بعد النهي خلاف معروف في
الأصول حل يفيد الوجوب أولا . وفي لفظ لمسلم أذن وفي لفظ لأبي داود قتلهن حلال
للمحرم
. قوله " الغراب " هذا الإطلاق
مقيد بما عند مسلم من حديث عائشة بلفظ الأبقع وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض ولا
عذر لمن قال يحمل المطلق على المقيد من هذا وقد اعتذر ابن بطال وابن عبد البر عن
قبول هذه الزيادة بأنها لم تصح لأنها من رواية قتادة وهو مدلس وقد تعقب ذلك الحافظ
بأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم وهذه الزيادة من رواية
شعبة بل صرح النسائي بسماع قتادة واعتذر بأن قدامة عن هذه الرزيادة بأن الروايات المطلقة
أصح وهو اعتذار فاسد لأن الترجيح فرع التعارض ولا تعارض بين مطلق ومقيد ولا بين
مزيد وزيادة غير منافية
قال في الفتح وقد اتفق العلماء على إخراج
الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ويقال له غراب الزرع وأفتوا بجواز أكله فبقي
ما عداع من الغربان ملحقا بالأبقع انتهى . قال ابن المنذر أباح كل من يحفظ عنه
العلم قتل الغراب في الإحرام إلا عطاء . قال الخطابي لم يتابع أحد عطاء على هذا :
قوله " والحدأة " بكسر الحاء المهملة وفتح الدال بعدها همزة بغير مد على
وزن عنبة وحكى صاحب المحكم فيه المد : قوله " والعقرب " قال
الفتح هذا اللفظ للذكر والأنثى وقد يقال عقربة وعقرباء وليس منها العقربان بل هي
دويبة كثيرة القوائم . قال ابن المنذر لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب :
قوله " والفأرة " بهمزة ساكنة ويجوز فيها التسهيل قال في الفتح ولم
يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم إلا ما حكى عن إبراهيم النخعي فإنه قال فيها
جزاء إذا قتلها المحرم أخرجه عنه ابن المنذر وقال هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع
أهل العلم : قوله " والكلب العقور " اختلف في المراد بالكلب العقور فروى
سعيد بن منصور عن أبي هريرة بإسناد حسن كما قال الحافظ أنه الأسد وعن زيد بن أسلم
أنه قال وأي كلب أعقر من الحية . وقال زفر المراد به هنا الذئب خاصة وقال في
الموطأ كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فهو
عقور وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان وهو قول الجمهور . وقال أبو حنيفة والمراد به هنا
الكلب خاصة ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب ( احتج الجمهور ) بقوله تعالى {
وما علمتم من الجوارح } مكلبين فاشتقها من اسم الكلب . وبقوله صلى الله عليه وآله
وسلم " اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فقتله الأسد " أخرجه الحاكم بإسناد
حسن وغاية ما في ذلك الإطلاق لأن اسم الكلب هنا متناول لكل ما يجوز إطلاقه عليه
وهو محل النزاع
( فإن قيل ) اللام في الكلب تفيد العموم
قلنا بعد تسليم ذلك لا يفيد إلا إذا كان إطلاق الكلب على كل واحد منها حقيقة وهو
ممنوع والسند أنه لا يتبادر عند إطلاق لفظ الكلب إلا الحيوان المعروف والتبادر
علامة الحقيقة وعدمه علامة المجاز والجمع بين الحقيقة والمجاز لا يجوز نعم إلحاقما
عقر من السباع بالكلب العقور بجامع العقر صحيح وأما أنه داخل تحت لفظ الكلب فلا :
قوله " من الدواب " بتشديد الباء الموحدة جمع دابة وهي ما دب من الحيوان
من غير فرق بين الطير وغيره ومن أخرج الطير من الدواب فهذا الحديث من جملة ما يرد
به عليه : قوله " والحدايا " بضم
أوله وتشديد الياء التحتانية مقصورا وهي لغة حجازية قال قاسم بن ثابت الوحجه
الهمزة وكأنه سهل ثم أضغم : قوله " والحية " قال نافع لما قيل له فالحية
قال لار يختلف فيها وفي رواية ومن يشك فيها وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي
شيبة عن الحكم وحماد أنهما قالا لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب والأحاديث ترد
عليهما وعند المالكية خلاف في قتل صغار الحيات والعقارب التي لا تؤذي
باب تفضيل مكة على سائر البلاد
1 - عن عبد الله بن عدي بن الحمراء " أنه
سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة والله إنك
لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت "
- رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه
2 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم لمكة ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني
منك ما سكنت غيرك "
- رواه الترمذي وصححه
- قوله " بالحزورة " بالحزورة
بفتح الحاء المهملة والزاي وفتح الواو المشددة بعدها راء ثم هاء هي الرابية
الصغيرة . وفي القاموس الحزورة كقسورة الناقة المقتلة المذللة والرابية الصغيرة
انتهى : قوله " إنك لخير أرض الله " فيه دليل على أن مكة خير أرض الله
على الإطلاق وأحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبذلك استدل من قال
انها أفضل من المدينة قال القاضي عياض إن موضع قبره صلى الله عليه وآله وسلم أفضل
بقاع الأرض وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض واختلفوا في أفضلها ما عدا موضع قبره
صلى الله عليه وآله وسلم فقال أهل مكة والكوفة والشافعي وابن وهب وابن حبيب المالكيان
إن مكة أفضل واليه مال الجمهور وذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى أن
المدينة أفضل واستدل الأولون بحديث عبد الله بن عدي المذكور في الباب . وقد أخرجه
ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم . قال ابن عبد البر هذا نص في محل الخلافة فلا ينبغي
العدول عنه وقد إدعى القاضي عياض الاتفاق على استثناء البقعة التي قبر فيها صلى
الله عليه وآله وسلم وعلى أنها أفضل البقاع قيل لأنه قد روى أن المرء يدفن في
البقعة التي أخذ منها ترابه عندما يخلق كما روى ذلك ابن عبد البر في تمهيده من
طريق عطاء الخراساني موقوفا . ويجاب عن هذا بأن أفضلية البقعة التي خلق منها صلى
الله عليه وآله وسلم إنما كان بطريق الاستنباط ونصبه في مقابلة النص الصريح الصحيح
غير لائ ق على أنه معارض بما رواه الزبري بن بكار أن جبريل أخذ التراب الذي منه
خلق صلى الله عليه وآله وسلم من تراب الكعبة فالبقعة التي خلق منها من بقاع مكة
وهذا لا يقصر عن الصلاحية لمعارضة ذلك الموقوف لا سيما وفي إسناده عطاء الخراساني
نعم إن صح الاتفاق الذي حكاه عياض كان هو الحجة عند من يرى أن الإجماع حجة ( وقد
استدل ) القائلون بأفضلية المدينة بأدلة منها حديث " ما بين قبري ومنبري روض
من رياض الجنة " كما في البخاري وغيره مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم
" موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها " وهذا أيضا مع كونه لا
ينتهض لمعارضة ذلك الحديث المصرح بالأفضلية هو أخص من الدعوة لأن غاية ما فيه أن
ذلك الموضع بخصوصه من المدينة فاضل وأنه غير محل النزاع . وقد أجاب ابن حزم عن هذا
الحديث بأن قوله أنها من الحنة مجاز إذ لو كن حقيقة لكانت كما وصف الله الجنة { إن
لك ألا تجوع فيها ولا تعرى } وإنما المراد أن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة كما يقال
في يوم الطيب هذا من أيام الجنة وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم " الجنة
تحت ظلال السيوف " قال ثم لو ثبت أنه على الحقيقة لما كان الفضل إلا لتلك
البقعة خاصة ( فإن قيل ) إن ماقرب منها أفضل مما بعد لزمهم أن يقولوا إن الجحفة
أفضل من مكة ولا قائل به ومن جملة أدلة القائلين بافضلية مكة على المدينة حديث ابن
الزبير عند أحمد وعبد بن حميد وابن زنجويه وابن خزيمة والطحاوي والطبراني والبيهقي
وابن حبان وصححه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة في مسجدي
هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من
صلاة في مسجدي بمائة صلاة " وقد روى من طريق خمسة عشر من الصحابة . ووجه
الاستدلال بهذا الحديث أن أفضلية المسجد لأفضلية المحل الذي هو فيه ( ومن جملة )
ما استدلوا به حديث " اللهم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلي فأسكني في أحب
البلاد إليك " أخرجه الحاكم في المستدرك ويجاب بأن النزاع في الأفضل لا فيما
هو أحب والمحبة لا تستلزم الأفضلية والاستنباط لا يقاوم النص ( واعلم ) إن
الاشتغال ببيان الفاضل من هذين الموضعين الشريفين كالاشتغال ببيان الأفضل من
القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم والكل من فضول الكلام التي لا تتعلق به
فائدة غير الجدال والخصام وقد أفضى النزاع في ذلك وأشباهه إلى فتن وتلفيق حجج
واهية كاستدلال المهلب على أفضلية المدينة بأنها هي التي أدخلت مكة وغيرها من
القرى في الأسلام فصار الجميع في صحائف أهلها وبأنها تنفي الخبث كما ثبت في الحديث
الصحيح واجيب عن الأول بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة فالفضل
ثابت للفريقين ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين وعن الثاني بأن ذلك إنما هو في
خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى { من أهل المدينة مردوا على النفاق }
والمنافق خبيث بلا شك وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذ
وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة ثم علي وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من أطيب
الخلق فدل على إن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت على أنه إنما يدل
ذلك على أنها فضيلة لا إنها فاضلة
باب حرز المدينة وتحريم صيده وشجره
1 - عن علي عليه السلام قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم المدينة حرم ما بين عير إلأى ثور "
- مختصر من حديث متفق عليه
2 - وفي حديث علي عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم في المدينة " لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقتطها إلا لمن
أشاد بها ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال ولا يصلح أن نقطع فيها شجرة إلا
أن يعلف رجل بعيره "
- رواه أحمد وأبو داود
3 - وعن عباد بن تميم عن عمه " إن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها وأني حرمت المدينة كما
حرم إبراهيم مكة "
- متفق عليه
4 - وعن أبي هريرة قال " حرم رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ما بين لابتي المدينة وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى "
- متفق عليه
5 - وعن أبي هريرة في المدينة قال " سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحرم شجرها أن يخبط أو يعضد "
- رواه أحمد
6 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أشرف على المدينة فقال اللهم أني احرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم
مكة اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم "
- متفق عليه . وللبخاري عنه " أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قال المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث
فيها حدث من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "
ولمسلم عن عاصم الأحوال قال " سألت أنسا أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم المدينة قال نعم هي حرام ولا يختلى خلاها فمن فعل ذلك لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين
"
7 - وعن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال إني حرمت المدينة حرام ما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم ولا
يحمل فيها سلاح ولا يخبط فيها شجر إلا لعلف "
8 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم إبراهيم حرم مكة وأني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع
عضاها ولا يصاد صيدها "
- رواهما مسلم
9 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال في المدينة حرام ما بين حرتيها وحماها كلها لا يقطع شجره إلا ان
يعلف منا
"
- رواه أحمد
- حديث علي الثاني رجاله رجال الصحيح وأصله
في الصحيحين . وحديث جابر الآخر في إسناده ابن لهيعة وحديثه حسن وفي كلام معروف .
قوله " ما بين عير إلى ثور " أما عير فهو بفتح العين المهملة واسكان
التحتية وأما ثور فهو بفتح المثلثة وسكون الواو بعدها راء ومن الرواة من كنى عنه
بكذا ومنهم من ترك مكانه بياضا لأنهم اعتقدوا إن ذكره هنا خطأ . قال المازري قال
بعض العلماء ثور هنا وهم من الراوي وإنما ثور بمكة قال والصحيح إلى أحد قال القاضي
كذا قال أبو عبيد أصل الحديث من عير إلى أحد انتهى . قال النووي وكذا قال أبو بكر
الحازمي الحافظ وغيره من الأئمة أن أصله من عير إلى أحد قال قلت ويحتمل أن ثورا كان
اسما لجبل هناك أما احد وإما غيره فيخفى اسمه وقال مصعب الزبيري ليس بالمدينة عير
ولا ثور . قال عياض لا معنى لانكار عير بالمدينة فإنه معروف وكذا قال جماعة من أهل
اللغة . قال ابن قدامة يحتمل أن يكون المراد مقدار ما بين عير وثور لا أنهما
بعينهما في المدينة أو سمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجبلين اللذين بطرفي
المدينة عيرا وثورا ارتجالا وسبقه إلى الأول أبو عبيدة على ما حكاه ابن الأثير عنه
وقال المحب الطبري في الأحكام قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري
أن حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور وأخبر أنه تكرر سؤاله
عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك
الجبل اسمه ثور وتواردوا على ذلك قال فعلمنا أن ذكر ثور المذكور في الحديث الصحيح
صحيح وإن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه وهذه فائدة جليلة
انتهى . وقد ذكر مثل هذا الكلام في القاموس وقال أبو بكر بن حسين المراغي نزيل
المدينة في مختصره لاخبار المدينة ان خلف هل المدينة ينقلون عن سلفهم إن خلف أحد
من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير يسمى ثورا قال وقد تحققه بالمشاهدة :
قوله " لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها " قد تقدم تفسير
هذه الألفاظ والكلام عليها في باب صيد الحرم وشجره : قوله " إلا لمن أشاد بها
" أي رفع صوته بتعريفها أبدالا لسنة كما في غيرها ولعله يأتي في اللقطة
الكلام على لقطة مكة والمدينة وغيرهما . قوله " ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها
السلاح لقتال " قال ابن رسلان هذا محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير
ضرورة ولاحاجة فإن كانت حاجة جاز . قوله " ولا يصلح أن يقطع فيها شجرة "
استدل بهذا وبما في الأحاديث المذكورة في الباب من تحريم شجرها وخبطه وعضده وتحريم
صيدها وتنفيره الشافعي ومالك وأحمد والهادي وجمهور أهل العلم على أن المدينة حرما
كحرم مكة يحرم صيده وشجره . قال الشافعي ومالك فإن قتل صيدا أو قطع شجرا فلا ضمان
لأنه ليس بمحل للنسك فاشبه الحمى . وقال ابن أبي ذئب وابن أبي ليلى يجب فيه الجزاء
كحرم مكة وبه قال بعض المالكية وهو ظاهر قوله كما حرم إبراهيم وذهب أبوحنيفة وزيد
بن علي والناصر إلى أن حرم المدينة ليس يحرم على الحقيقة ولا تثبت له الأحكان من
تحريم قتل الصيد وقطع الشجر ( والأحاديث ) ترد عليهم
واستدلوا بحديث يا أبا عمير مافعل النغير واجيب عنه بأن ذلك كان قبل تحريم المدينة
أو إنه من صيد الحل : قوله " إلا أن يعلف رجل بعيره " فيه دليل على جواز
أخذ الأشجار للعلف لا لغيره فإنه لا يحل كما سلف قوله " ما بين لابتي المدينة
" قال أهل اللغة اللابتان الحرتان واحدتهما لابة بتخفيف الموحدة وهي الحرة
والحرة الحجارة السود وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما :
قوله " وجعل أثني عشر ميلا "
الخ لفظ مسلم عن أبي هريرة قال " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما
بين لابتي المدينة قال أبو هريرة فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها وجعل
اثني عشر ليلا حول المدينة حمي " انتهى والضمير في قوله جعل راجع إلى النبي
صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل على ذلك اللفظ الذي ذكره المصنف ويدل عليه أيضا
ما عند أبي داود من حديث عدي بن زيد الجذامي قال حمى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم كل ناحية من المدينة بريدا بريدا فهذا مثل ما في الصحيحين لأن البريد أربعة
فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال ( وهذان الحديثان ) فيهما التصريح بمقدار حرم
المدينة . قوله " ان يخبط أو يعضد " الخبط ضرب الشجر ليسقط ورقه والعضد
القطع كما تقدم زاد أبو داود في هذا الحديث إلا ما يساق به الجمل . قوله " ما
بين جبليها " قد ادعى بعض الحنفية إن الحديث مضطرب لأنه وقع التحديد في بعض
الروايات بالحرتين وفي بعضها باللابتين وفي بعضها بالجبلين وفي بعضها بعير وثور
كما تقدم وفي بعضها بالمأزمين كما سيأتي . قال في الفتح وتعقب بأن الجمع بينهما واضح
وبمثل هذا لا ترد الأحاديث فإن الجمع لو تعذر أمكن الترجيح ولا شك أن ما بين
لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها ورواية جبليها لا تنافيها فيكون عند كل لابة جبل
أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال وجبليها من جهة الشرق والغرب وتسمية الجبلين في
رواية أخرى لا تضر والمأزم قد يطلق على الجبل نفسه كما سيأتي قوله " اللهم
بارك لهم في مدهم وصاعهم " قال عياض البركة هنا بمعنى النماء والزيادة وقال
النووي الظاهر أن المراد البركة في نفس الكيل من المدينة بحيث يكفي المدفيها من لا
يكفيه في غيرها . قوله " من كذا إلى كذا " جاء هكذا مبهما في روايات
البخاري فقيل أن البخاري أبهمه عمدا لما وقع عنده أنه وهم ووقع مسلم إلى ثور
فالمراد بهذا المبهم من عير إلى ثور وقد تقدم الكلام على ذلك . قوله " من
أحدث فيها حدثا " أي عمل بخلاف السنة كمن ابتدع بها بدعة زاد مسلم وأبو داود
في هذا الحديث " أو آوى محدثا " . قوله " فعليه لعنة الله
" الخ أي اللعنة المستقرة من الله على الكفار وأضيف إلى الله على سبيل
التخصيص والمراد بلغنة الملائكة والناس المبالغة في الأبعاد عن رحمة الله . وقيل
المراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه في أول الأمر وليس هو كلعن الكافر
واستدل بهذا على أن الحديث في المدينة من الكبائر . قوله " ما بين مأزميها
" قال النووي المأزم بهمزة بعد الميم وكسر الزاي وهو الجبل وقيل المضيق بين
جبلين ونحوه والأول هو الصواب هنا ومعناه ما بين جبليها انتهى . قوله " الا
يهراق فيها دم " فيه دليل على تحريم اراقة الدماء بالمدينة لغير ضرورة : قوله
" الا لعلف " هو باسكان اللام مصدر علفت وأما العلف بفتح اللام وهو اسم
للحشيش والتبن والشعير ونحوها وفيه جواز أخذ أوراق الشجر للعلف لاخبط الأغصان
وقطعها فإنه حرام قوله " عضاهها " العضاه
بالقصر وكسر العين الهملة وتخفيف الضاد المعجمة كل شجر فيه شوك وحداتها عضاهة
وعضهة : قوله " وحماها كلها " فيه دليل على ان حكم حمى المدينة حكمها في
تحريم صيده وشجرة وقد تقدم بيان مقدار الحمى انه من كل ناحية من نواحي المدينة
بريد
10 - وعن عامر بن سعد عن أبيه قال " قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم إني أحرم ما بين لا بتي المدينة أن يقطع عضاهها أو
يقتل صيدها
"
11 - وعن عامر بن سعد " أن سعدا ركب إلى
قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه
أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبى أن يرد عليهم "
- رواهما أحمد ومسلم
12 - وعن سليمان بن عبد الله قال " رأيت
سعد بن أ [ ي وقاص أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فسلبه ثيابه فجاء مواليه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم
هذا الحرم وقال من رأيتموه يصيد فيه شيئا فلكم سلبه فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن إن شئتم أعطيكم ثمنه أعطيتكم "
- رواه أحمد وأبو داود وقال فيه " من
أخذ أحدا يصيد فيه فليسلبه ثيابه "
- الحديث الأول تقدم الكلام عليه . والحديث
الثالث أخرجه أيضا الحاكم وصححه وفي إسناده سليمان بن عبد الله المذكور قال أبو
حاتم ليس بمشهور ولكن يعتبر بحديثه . قال الذهبي تابعي وثق وقد وهم البزار فقال لا
يعلم روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا سعد ولا عنه إلا عامر
وهذا يرد عليه وقد أخرجه أيضا أبو داود من مولى لسعد عنه ووهم أيضا الحاكم فقال في
حديث سعد أن الشيخين لم يخرجاه وهو في مسلم كما عرفت : قوله " فسلبه " أي
أخذ ما عليه من الثياب : قوله " نفلنيه " أي أعطانيه قال في القاموس نفله
النفل ونفله وأنفله أعطاله إياه وقال أيضا النفل محركة الغنيمة والهبة : قوله
" طعمة " بضم الطاء وكسرها ومعنى الطعمة الأكلة وأما الكسر فجهة الكسب
وهيئته : قوله " فليسلبه ثيابه " هذا ظاهر في أنها تؤخذ ثيابه جميعها . وقال
الماوردي يبقى له ما يستر عورته وصححه النووي واختاره جماعة من أصحاب الشافعي .
وبقصة سعد هذه احتج من قال أن من صاد من حرم المدينة أو قطع من شجرها أخذ سلبه وهو
قول الشافعي في القديم . قال النووي وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة
انتهى . وقد حكى ابن قدامة عن أحمد في إحدى الروايتين القول به قال وروى ذلك عن
ابن أبي ذئب وابن المنذر انتهى . وهذا يرد على القاضي عياض حيث
قال ولم يقل به أحد بعد الصحابة إلا الشافعي في قوله القديم ( وقد اختلف ) في
السلب فقيل أنه لمن سلبه . وقيل لمساكين المدينة . وقيل لبيت المال وظاهر الأدلة
أنه للسالب وأنه طعمة لكل من وجد فيه أحد يصيد أو يأخذ من شجره
باب ما جاء في صيد وج
1 - عن محمد بن عبد الله بن شيبان عن أبيه عن
عروة بن الزبير عن الزبير " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن صيد وج
وعضاهه حرم محرم للخ عز و جل "
- رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه .
ولفظه " إن صيد وج حرام " قال البخاري ولا يتابع عليه
- الحديث سكت عنه أبو داود وحسنه المنذري
وسكت عنه عبد الحق أيضا وتعقب بما نقل عن البخاري أنه لم يصح وكذا قال الأزدي وذكر
الذهبي أن الشافعي صححه وذكر الحلال أن أحمد ضعفه وقال ابن حبان محمد بن عبد الله
المذكور كان يخطئ ومقتضاه تضعيف الحديث فإنه ليس له غيره فإن كان أخطأ فيه فهو
ضعيف وقال العقيلي لا يتابع إلا من جهة تقاربه في الضعف وقال النووي في شرح المهذب
إسناده ضعيف قال وقال البخاري لا يصح وذكر الحلال في العلل أن أحمد ضعفه قوله
" ابن شيبان " هكذا في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب والصواب ابن الإنسان
كما في سنن أبي داود وتاريخ البخاري وكذا قال ابن حبان والذهبي والخزرجي في
الخلاصة قال الذهبي في ترجمة محمد بن عبد الله بن شيبان هذا صوابه ابن إنسان وقال
في ترجمة عبد الله بن إنسان له حديث في صيد وج قال ولم يرو عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم إلا هذا الحديث . قوله " وج " بفتح الواو وتشديد
الجيم قال ابن رسلان هو أرض بالطائف عند أهل اللغة وقال أصحابنا هو واد بالطائف .
وقيل كل الطائف انتهى . وقال الحازمي في المؤتلف والمختلف في الأماكن وج اسم لحصون
الطائف وقيل لواحد منها وإنما اشتبه وج بوح بالحاء المهملة وهية ناحية النعمان :
قوله " وعضاهه " بكسر العين كما سلف . قال الجوهري العضاه كل شجر يعظم
وله شوك : قوله " حرم " بفتح الحاء والراء الحرام كقولهم زمن وزمان .
قوله " محرم لله تعالى " تأكيد للحرمة ( والحديث ) يدل على تحريم صيد
وج وشجره وقد ذهب إلى كراهته الشافعي والإمام يحيى قال الشافعي في الإملاء أكره
صيد وج قال في البحر بعد أن ذكر هذا الحديث إن صح فالقياس التحريم لكن منع منه
الإجماع انتهى . وفي دعوى الإجماع نظر فإن قد جزم جمهور أصحاب الشافعي بالتحريم
وقالوا إن مراد الشافعي بالكراهة كراهة التحريم . قال ابن رسلان في شرح السنن بعد
أن ذكر قول الشافعي في الإملاء وللأصحاب فيه طريقان أصحهما هو الذي أورده الجمهور القطع
بتحريمه قالوا ومراد الشافعي بالكراهة كراهة التحريم ثم قال وفيه طريقان أصحهما
وهو قول الجمهور يعني من أصحاب الشافعي أنه يأثم فيؤد به الحاكم على فعله ولا
يلزمه شيء لأن الأصل عدم الضمان إلا فيما ورد به الشرع ولم يرد في هذا شيء والطريق
الثاني حكمه في الضمان حكم المدينة وشجرها وفي وجوب الضمان فيه خلاف انتهى . وقد
قدمنا الخلاف في ضمان صيد المدينة وشجرها . وقال الخطابي لست أعلم لتحريمه معنى
إلا أن يكون ذلك التحريم إنما كان في وقت معلوم إلى مدة محصورة ثم نسخ قال أبو
داود في السنن وكان ذلك يعني تحريم وج قبل نزوله صلى الله عليه وآله وسلم الطائف
وحصاره ثقيفا انتهى والظاهر من الحديث تأبيد التحريم ومن دعى النسخ فعليه الدليل
لأن الأصل عدم وأما ضمان صيده وشجره على حد ضمان صيد الحرم الملكي فموقوف على ورود
دليل يدل على ذلك لأن الأصل براءة الذمة ولا ملازمة بين التحريم والضمان
أبواب دخول مكة وما يتعلق به
باب من أين يدخل إليها
1 - عن ابن عمر قال " كان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم إذا دخل مكة دخل من الثنية العليا التي بالبطحاء وإذا خرج خرج من
الثنية السفلى "
- رواه الجماعة إلا الترمذي
2 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم لما جاء مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها " وفي رواية " دخل
عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة "
- متفق عليهما : وروى الثاني أبو داود وزاد
" ودخل في العمنرة من كدى "
- قوله " من الثنية العليا "
الثنية كل عقبة في طريق أو جبل فإنا تسمى ثنية وهذه الثنية المعروفة بالثنية
العليا هي التي ينزل منها إلى باب المعلى مقبرة أهل مكة وهي التي يقال لها الحجون
بفتح المهملة وضم الجيم وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي
على ما ذكره الأزرقي ثم سهلها كلها سلطان مصر الملك المؤيد : قوله " من
الثنية السفلى " هي عند باب الشبيكة
بقرب شعبة الشاميين من ناحية قعيقعان وعليها باب بني في القرن السابع : قوله
" من كداء " بفتح الكاف والمد قال أبو عبيدة لا تصرف وهي الثنية العليا
المتقدم ذكرها : قوله " ودخل العمرة من كدا " بضم الكاف والقصر وهي
الثنية السفلى المتقدم ذكرها . قال عياض والقرطبي وغيرهما اختلف في ضبط كداء وكدا
فالأكثر على أن العلياء بالفتح والمد والسفلي بالقصر والضم وقيل بالعكس قال النووي
وهو غلط قالوا واختلف في المعنى الذي لأجله خالف صلى الله عليه وآله وسلم بين
طريقيه فقيل ليتبرك به وذكروا شيئا مما تقدم في العيد وقد تقدم بسطه هنالك وبعضه
لا يتأتى اعتباره هنا . وقيل الحكمة في ذلك المناسبة نجهة العلو عند الدخول لما
فيه من تعظيم المكان وعكسه الإشارة إلى فراقه وقيل لأن إبراهيم لما دخل مكة دخل
منها وقيل لأنه صلى الله عليه وآله وسلم خرج منها مختفيا في الهجرة فأراد أن
يدخلها ظافرا غالبا . وقيل لأن من جاء من تلك الجهة كان مستقبلا للبيت ويحتمل أن
يكون ذلك لكونه دخل منها يوم الفتح فاستمر على ذلك
باب رفع اليدين إذا رأى البيت وما يقال
عند ذلك
1 - عن جابر " وسئل عن الرجل يرى البيت
يرفع يديه فقال قد حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكن يفعل "
- رواه أبو داود والنسائي والترمذي
2 - وعن ابن جريج قال حدثت عن مقسم عن ابن
عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ترفع الأيدي في الصلاة وإذا رأى البيت
وعلى الصفا والمروة وعشية عرفة وبجمع وعند الجمرتين وعلى الميت "
3 - وعن ابن جريج " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زدهذا البيت تشريفا وتعظيما
وتكريما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمر تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا "
- رواهما الشافعي في مسنده
- حديث جابر قال الترمذي إنما نعرفه من حديث
شعبة وذكر الخطابي إن سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية
وضعفوا حديث جابر هذا الأن في إسناده مهاجر بن عكرمة المكي وهو مجهول عندهم .
وحديث ابن عباس أخرجه أيضا البيهقي من حديث سفيان الثوري عن أبي سعيد الشامي عن
مكحول به مرسلا وأبو سعيد هذا هو المصلوب وهو كذاب . ورواه الأزرقي في تاريخ مكة
من حديث مكحول أيضا بزيادة مهابة وبرا في الموضعين وكذا ذكره الغزالي في الوسيط
وتعقبه الرافعي بأن البر لا يتصور من البيت وأجاب النووي بأن معناه أكثر برزائريه
ورواه سعيد بن منصور في السنن له من طريق برد بن سنان سمعت ابن قسامة يول إذا رأيت
البيت فقل اللهم زد فذكره مثله . ورواه الطبراني في مسند حذيفة بن أسيد مرفوعا وفي
إسناده عاصم الكورى وهو كذاب وحديث ابن جريح هو معضل فيما بين ابن جريح والنبي صلى
الله عليه وآله وسلم وفي إسناده سعيد بن سالم القدح وفيه مقال . قال الشافعي بعد
أن أورده ليس في رفع اليدين عند رؤية البيت شيء فلا أكرهه ولا أستحبه . قال
البيهقي فكأنه لم يعتمد على الحديث لإنقطاعه ( والحاصل ) أنه ليس في الباب ما يدل
على مشروعية رفع اليدين عند رؤية البيت وهو حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل . وأما الدعاء
عند رؤية البيت فقد رويت فيه أخبار وآثار منها ما في الباب . ومنها ما أخرجه ابن
المغلس أن عمر كان إذا نظر إلى البيت قال اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا
بالسلام . ورواه سعيد بن منصور في السنن عن ابن عيينة عن يحيي بن سعيد ولم يذكر
عمر ورواه الحاكم أيضا وكذلك رواه البيهقي عنه
باب طواف القدوم والرمل والإضطباع فيه
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعا وكان يسعي ببطن
المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة " وفي رواية " رمل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا " وفي رواية "
رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه
يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة "
- متفق عليهن
- قوله " الطواف الأول " فيه دليل
على أن الرمل إنما يشرع في طواف القدوم لأنه الطواف الأول . قال أصحاب الشافعي ولا
يستحب الرمل إلا في طواف واحد في حج او عمرة أما إذا طاف في غير حج أو عمرة فلا
رمل . قال النووي بغير خلاف ولا يشرع أيضا في كل طوافات الحج بل إنما يشرع في
واحدة منها وفيه قولان مشهوران للشافعي اصحهما طواف الوداع والقول الثاني أنه يشرع
إلا في طواف القدوم وسواء أراد بعده أم لا ويشرع في طواف العمرة إذ ليس فيها إلا طواف
واحد . قوله " خب ثلاثا ومشى أربعا " الخبب بقتح المعجمة والموحدة بعدها
موحدة أخرى هو إسراع المشي مع تقارب الخطا وهو كالرمل . وفيه دليل على مشروعية
الرمل في الطواف الأول وهو الذي عليه الجمهور قالوا هو سنة . وقال
ابن عباس ليس هو بسنة من شاء رمل ومن شاء لم يرمل ( وفيه أيضا ) دليل على أن السنة
أن يرمل في الثلاثة الأول ويمشي على عادته في الأربعة الباقية . قوله
" وكان يسعى " الخ سيأتي الكلام على السعي . قوله " من الحجر إلى الحجر
" فيه دليل على أنه يرمل في ثلاثة أشواط كاملة قال في الفتح ولا يشرع تدارك
الرمل فلو تركه في الثلاثة لم يقضه في الأربعة لأن هيئتها السكينة ولا تتغير وكذا
قالت الهادوية قال ويختص بالرجال فلا رمل على النساء ويختص بطواف يتعقبه سعي على
المشهور ولا فرق في غستحبابه بين ماشي وراكب ولا دم بتركه عند الجمهور واختلف في
ذلك المالكية وقد روى عن مالك أن عليه دما ولا دليل على ذلك ( وأعلم ) أنه قد
اختلف في وجوب طواف القدوم فذهبت العترة ومالك وأبو ثور وبعض أصحاب الشافعي إلى
أنه فرض لقوله تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق } ولفعله صلى الله عليه وآله وسلم
وقوله : " خذوا عني مناسككم " وقال أبو حنيفة أنه سنة وقال الشافعي هو
كتحية المسجد قالا لأنه ليس فيه إلا كفعله صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يدل على
الوجوب وأما الاستدلال على الوجوب بالآية فقال شارح البحر أنها لا تدل على طواف
القدوم لأنها في طواف الزيارة إجماعا والحق الوجوب لأن فعله صلى الله عليه وآله وسلم
مبين لمجمل واجب هو قوله تعالى { ولله على الناس حج البيت " وقوله صلى الله
عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " وقوله " حجوا كما رأيتموني
أحج "
وهذا الدليل يستلزم وجوب كل فعل فعله
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجه إلا ما خصه دليل فمن إدعى عدم وجوب شيء من
أفعاله في الحج فعليه الدليل على ذلك وهذه كلية فعليك بملاحظتها في جميع الأبحاث
التي ستمر بك
2 - وعن يعلي بن أمية " أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم طاف مضطبعا وعليه برد "
- رواه ابن ماجة والترمذي وصححه وأبو داود
وقال " ببرد له أخضر " وأحمد ولفظه " لما قدم مكة طاف بالبيت وهو
مضطبع ببرد له حضرمي "
3 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وأصحابه اعتمروا من جعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت
آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى "
- رواه أحمد وأبو داود
- حديث يعلي بن أمية صححه الترمذي كما ذكره
المصنف وسكت عنه أبو داود والمنذري . وحديث ابن عباس أخرج نحوه الطبراني وسكت عنه
أيضا أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله رجال الصحيح وقد صحح حديث
الإضطباع النووي في شرح مسلم : قوله " مضطبعا " هو افتعال من الضبع
بإسكان الباء الموحدة وهو العضد وهو أن يدخل إزاره تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه على
منكبه الأيسر ويكون منكبه الأيمن مكشوفا كذا في شرح مسلم للنووي وشرح البخاري
للحافظ وهذه الهيئة هي المذكورة في حديث ابن عباس المذكور والحكمة في فعله أنه
يعين على إسراع المشي وقد ذهب إلى استحبابه الجمهور سوى مالك قال ابن المنذر قال
أصحاب الشافعي وإنما يستحب الإضطباع في طواف يسن فيه الرمل . قوله " ببرد له
حضرمي " لفظ أبي داود ببرد أخضر . قوله " تحت آباطهم " قال ابن
رسلان المراد أن يجعله تحت عاتقه الأيمن . قوله " ثم قذفوها " أي طرحوا
طرفيها قوله " على عواتقهم " العاتق المنكب
4 - وعن ابن عباس قال " قدم رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فقال المشركون إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى
يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا
ما بين الركعتين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم "
- متفق عليه
5 - وعن ابن عباس قال " رمل رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم في حجته وفي عمره كلها وأبو بكر وعمر والخلفاء "
- رواه أحمد
6 - وعن عمر قال " فيما الرملان الآن
والكشف عن المناكب وقد أطى الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ومع ذلك لا ندع شيئا كنا
نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
7 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه "
- رواه أبو داود وابن ماجه
- حديث ابن عباس الثاني أخرجه أحمد من طريق
أبي معاوية عن ابن جريح عن عطاء عنه وذكره في التلخيص وسكت عنه . وأثر عمر أخرجه
أيضا البزار والحاكم والبيهقي وأصله في البخاري مالنا وللرمل إنا كنا رأينا
المشركين وقد أهلكهم الله تعالى ثم قال شيء صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم فلا نحب أن نتركه وعزاه البيهقي إليه ومراده أصله . وحديث ابن عباس الثالث
أخرجه أيضا النسائي والحاكم قوله " يقدم " بفتح الدال وأما بضم الدال
فمعناه يتقدم . قوله " وهنتم "
بتخفيف الهاء وقد يستعمل رباعيا . قال الفراء يقال وهنه الله وأوهنه ومعنى وهنتهم
أضعفتهم . قوله " حمى يثرب " هو اسم المدينة في الجاهلية وسميت في
الإسلام المدينة وطيبة وطابة . قوله " الأشواط " بفتح الهمزة وسكون
المعجمة جمع شوط وهو الجري مرة إلى الغاية والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة وهذا
دليل على جواز تسمية الطواف شوطا . وقال مجاهد والشعبي أنه يكره تسميته شوطا
والحديث يرد عليهما قوله قوله " إلا الإبقاء " بكسر الهمزة وبالموحدة
والقاف الرفق والشفقة وهو بالرفع على أنه فاعل لم يمنعه ويجوز بالنصب ( وفي الحديث
) جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار أراها بالهم ولا يعد ذلك من
الرياء المذموم وفيه جواز المعارض بالفعل كما تجوز بالقول . قال في الفتح وربما
كانت بالفعل أولي . قوله " وفي عمره كلها "
فيه دليل علة مشروعية الرمل في طواف العمرة . قوله " فيما الرملان "
بإثبات الف ما الاستفهامية وهي لغة والأكثر يحذفونها والرملان مصدر رمل . قوله
" والكشف عن المناكب " هو الإضطباع . قوله " ومع ذلك لا ندع شيئا
كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زاد الإسماعيلي في آخره ثم
رمل ( وحاصله ) أن عمر كان قد هم بترك الرمل في الطواف لأنه عرف سببه وقد انقضى
فهم أن يتركه لفقد سببه ثم رجع عن ذلك لاحتمال أن يكون له حكمة ما اطلع عليها فرأى
أن الإتباع أولى ويؤيد مشروعية الرمل على الإطلاق ما ثبت في حديث ابن عباس أنهم
رملوا في حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد نفى الله في ذلك
الوقت الكفر وأهله عن مكة . والرمل في حجة الوداع ثابت أيضا في حديث جابر الطويل
عند مسلم وغيره
باب ما جاء في استلام الحجر الأسود
وتقبيله وما يقال حينئذ
1 - عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يأتي هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به
يشهد لمن استلمه بحق "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي
2 - وعن عمر " أنه كان يقبل الحجر ويقول
أني لا أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله
وسلم يقبلك ما قبلتك "
- رواه الجماعة
3 - وعن ابن عمر وسئل عن استلام الحجر فقال
" رأيت رسول الله صلى عليه وآله وسلم يستلمه ويقبله "
- رواه البخاري
4 - وعن نافع قال " رأيت ابن عمر استلم
الحجربيده ثم قبل يده وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه
- حديث ابن عباس صححه ابن خزيمة وابن حيان
والحاكم وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم : قوله " لا تضر ولا تنفع "
أخرج الحاكم من حديث أبي سعيد أن عمر لما قال له علي بن أبي طالب أنه لا يضر ولا
ينفع وذكر أن الله تعالى لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر
وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول بأنى يوم القيامة وله لسان ذلق
يشهد لمن استلمه بالتوحيد وفي أسناده أبو هرون العبدي وهو ضعيف جدا ولكنه يشدعضده حديث
ابن عباس المتقدم قال الطبري إنما قال عمر ذلك لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة
الأصنام فخشي أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار كما كانت العرب
تفعل في الجاهلية فأراد أن يعلم الناس أن استلامه أتباع لفعل رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم لا لأن الحجر يضر وينفع بذاته كما كانت الجاهلية تعبد الأوثان :
قوله " ولو لا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ فيه
أستجاب تقبيل الحجر الأسود وإليه ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وسائر العلماء
وحكى ابن المنذر عن عمر الخطاب وطاوس والشافعي وأحمد أنه يستحب بعد تقبيل الحجر
السجود عليه بالجبهة وبه قال الجمهور وروى عن مالك أنه بدعة واعتراف القاضي عياض
بشذوذ مالك في ذلك وقد أخرج الشافعي والبيهاقي عن ابن عباس موقوفا " أنه كان
يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه "
رواه الحاكم والبيهقي من حديثه مرفوعا .
ورواه أبو داود الطياسي والدرامي وابن خزيمه و أبو بكر البراز وأبوعلي ابن السكن والبيهقي
من حديث جعفر بن عبد الله الحميدي
وقيل المخزومي بإسناد متصل بابن عباس أنه
رأى عمريقبله ويسجد عليه ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل هذا
وهذا لفظ الحاكم . قال الحافظ قال العقيلي في حديثه هذا يعني جعفر بن عبد الله وهم
واضطراب : قوله " يستلمه ويقبله " فيه دليل علي أنه يستجب الجمع بين
استلام الحجر وتقبيله والاستلام المسح باليد والتقبيل لها كما في حديث ابن عمر
الأخر والتقبيل يكون بالفم فقط
5 - وعن ابن عباس قال " طاف النبي صلى
الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن "
- متفق عليه . وفي لفظ " طاف رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده ومبر
" رواه أحمد والبخاري
6 - وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة " قال
رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بالبيت ويستلم الحجر بمحجن معه ويقبل
المحجن
"
- رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه
7 - وعن عمر " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال له يا عمر أنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت
خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر "
- رواه أحمد
- حديث عمر في إسناده راو لم يسم : قوله " بمحجن
" بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم بعدها نون هو عصا محنية الرأس والحجن
الإعوجاج وبذلك سمي الحجون والاستلام افتعال من السلام بالفتح أي التحية قاله
الأزهري . وقيل من السلام بالكسر أي الحجارة والمعنى أنه يومي بعصاه إلى الركن حتى
يصيبه : قوله " وكبر " فيه دليل على استحلال التكبير حال استلام الركن :
قوله " ويقبل المحجن " في رواية ابن عمر المتقدمة أنه استلم الحجر بيده
من قبل وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعله . ولسعيد
بن منصور من طريق عطاء قال رأيت أبا سعيد وأبا هريرة وابن عمر وجابر إذا استلموا
الحجر قبلوا أيديهم قيل وابن عباس قال وابن عباس أحسبه قال كثيرا قال في الفتح
ولهذا قال الجمهور أن السنة أن يستلم الركن ويقبل يده فإن لم يستطع أن يستلمه بيده
استلمه بشيء في يده وقبل ذلك الشيء فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك . وعن مالك
في رواية لا يقبل يده وبه قال القاسم بن محمد بن أبي بكر وفي رواية عند المالكية
يضع يده على فمه من غير تقبيل وقد استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر وكذلك
تقبيل المحجن جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره وقد نقل عن الإمام
أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم متقبيل قبره فلم ير به
باسا واستبعد بعض أصابه صحة ذلك ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من
الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين كذا في الفتح : قوله
" قال له عمر إنك رجل قوي " الخ فيه دليل على أنه لا يجوز لمن كان له
فضل قوة أن يضايق الناس إذا أجتمعوا على الحجر لما يتسبب عن ذلك من أذية الضعفاء
والإضرار بهم ولكنه يستلمه خاليا أن تمكن وإلا أكتفى بالإشارة والتهليل والتكبير
مستقبلا له وقد روى الفاكهي من طرق عن ابن عباس كراهة المزاحمة وقال لا يؤذي ولا
يؤذى
باب استلام الركن اليماني مع الركن الاسود
دون الآخرين
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال إن مسح الركن اليماني والركن الأسود يحط الخطايا حطا "
- رواه أحمد والنسائي
2 - وعن ابن عمر " قال لم أر النبي صلى
الله عليه وآله وسلم يمس من الأركان اليمانيين "
- رواه الجماعة إلا الترمذي لكن له معناه من
رواية ابن عباس
3 - وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم كان لا يدع ان يستلم الحجر والركن اليماني في كل طوافه
- رواه أحمد وأبو داود
4 - وعن ابن عباس قال " كان رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه "
- رواه الدارقطني
5 - وعن ابن عباس قال " كان النبي رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا استلم الركن اليماني قبله "
- رواه البخاري في تاريخه
- حديث ابن عمر الأول في إسناده عطاء بن
السائب وهو ثقة ولكنه اختلط وحديثه الثالث في إسناده عبد العزيز بن أبي رواد وفيه
مقال قال يحيى بن سليم الطائفي كان يرى الارجاء وقال يحيى القطان هو ثقة لا يترك
لرأي أخطأ فيه وقال ابن المبارك كان يتكلم ودموعه تسيل ووثقه ابن معين وأبو حاتم . وقال
ابن عدي في أحاديثه مالا يتابع عليه . وحديث ابن عباس الذي فيه أنه كان صلى الله
عليه وآله وسلم يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه رواه أبو يعلى وفي إسناده عبد
الله بن مسلم ين هرمز وهو ضعيف قوله " إلا اليمانيين " بتخفيف
الياء على المشهور لأن الألف عوض عن ياء النسبة فلو شددت كان جمعا بين العوض
والمعوض وجوزه سيبويه وإنما اقتصر صلى الله عليه وآله وسلم على استلام اليمانيين
لما ثبت في الصحيحين من قول ابن عمر إنهما على قواعد إبراهيم دون الشاميين ولهذا
كان ابن الزبير بعد عمارته للكعبة على قواعد إبراهيم يستلم الأركان كلها كما روى
ذلك عنه الأزرقي في كتاب مكة فعلى هذا يكون للركن الأول من الأركان الأربعة
فضيلتان كونه الحجر الأسود وكونه على قواعد إبراهيم وللثاني الثانية فقط وليس
للآخرين اعني الشاميين شيء منها فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ولا يقبل
الآخران ولا يستلمان على رأي الجمهور . وروى ابن المنذر وغيره استلام الاركان
جميعا عن جابر وأنس والحسن والحسين من الصحابة وعن سويد بن غفلة من التابعين وقد
أخرج البخاري ومسلم أن عبيد بن جريج قال لابن عمر رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من
أصحابك يصنعها فذكر منها ورأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين وفيه دليل على أن
الذين رآه عبيد كانوا لا يقتصرون في الاستلام على الركنين اليمانيين قوله ويضع خده
فيه مشروعية وضع الخد على الركن اليماني وتقبيله وقد ذهب إلى استحباب تقبيل الركن
اليماني بعض أهل العلم كما قال صاحب الفتح تمسكا بما ذكره المصنف من حديث ابن عباس
عند البخاري في التاريخ والدارقطني ولكن الثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن
عمر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يستلمه فقط نعم ليس في اقتصار ابن عمر
على التسليم ما ينفي التقبيل فإن صح ما روى عن ابن عباس تعين العمل به
باب الطائف يجعل البيت عن يساره ويخرج في
طوافه عن الحجر
1 - عن جابر " أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم لم قدم مكة أبى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى
أربعا "
- رواه مسلم والنسائي
2 - وعن عائشة قالت " سألت النبي صلى
الله عليه وآله وسلم عن الحجر أمن البيت هو قال نعم قلت فما لهم لم يدخلوه في
البيت قال إن قومك قصرت بهم النفقة فما شأن بابه مرتفعا قال فعل ذلك قومك ليدخلوا
من شاؤا ويمنعوا من شاؤا ولولا أن قومك حديث عهد بالجاهيلة فاخاف ان تنكر قلوبهم
ان أدخل الحجر في البيت وأن الصق بابه الأرض "
- متفق عليه . وفي رواية قالت " كنت أحب
أن أدخل البيت اصلي فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي فأدخلني
الحجر فقال لي صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت فإنم هو قطعة من البيت ولكن قومك
استقصروا حين بنوا الكعبة فأخرجون من البيت "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي
وفيه إثبات التفل في الكعبة
- قوله " أتى الحجر فاستلمه " الخ
فيه دليل علي أنه يستحب أن يكون ابتداء الطواف من الحجر الأسود فرض . قوله "
ثم مشى على يمينه " استدل به على مشروعية مشى الطوائف بعد استلام الحجر على
يمينه جاعلا البيت على يساره . وقد ذهب إلى أن هذه الكيفية
شرط لصحة الطواف الأكثر قالوا فلو عكس لم يجزه قال في البحر ولا خلاف إلا عن محمد
بن داود الأصفهاني وأنكروا عليه وهموا بقتله انتهى : ولا يخفاك أن الحكم على بعض
أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج بالوجوب لأنها بيان لمجمل واجب وعلى بعضها
بعدمه تحكم محض لفقد دليل يدل على الفرق بينها . قوله " أمن البيت هو قال نعم
" هذا ظاهر بأن الحجر كله من البيت ويدل على ذلك أيضا قوله في الرواية
الثانية " فإنما هو قطعة من البيت " وبذلك كان يفتي ابن عباس فأخرج عبد
الرزاق أنه قال لو وليت من البيت ما ولي ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت
ولكن ما ورد من الروايات القاضية بأنه كله من البيت مقيد بروايات صحيحة منها عند
مسلم من حديث عائشة بلفظ " حتى أزيد فيه من الحجر " وله من وجه آخر عنها
مرفوعا بلفظ " فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأرك ما تركوا منه فأراها
قريبا من سبعة أذرع وله أيضا عنها مرفوعا بلفظ " وزدت فيها من الحجر سبعة
أذرع "
وفي رواية للبخاري عن عروة " إن ذلك
مقدار ستة أذرع " ولسفيان بن عيينة في جامعه أن ابن الزبير زاد ستة أذرع وله
أيضا عنه أنه زاد ستة أذرع وشبرا وهذا ذكره الشافعي في عدد من لقيهم من أهل العلم
من قريش كما أخرجه البيهقي في المعرفة عنه . وقد اجتمع من الروايات ما يدل على أن
الزيادة فوق ستة أذرع ودون سبعة . وأما ما ورد مسلم عن عطاء عن عائشة مرفوعا بلفظ
" لكنت أدخل فيها من الحجر خمسة أذرع " فقال في الفتح هي شاذة والروايات
السابقة أرجح لما فيها من الزيادة عن الثقات الحفاظ . قال الحافظ ثم ظهر لي لرواية
عطاء وجه أنه أريد بها ما عدا الفرجة التي بين الركن والحجر فتجمع مع الروايات
الأخرى فإن الذي عدا الفرجة أربعة أذرع وشيء ولهذا وقع عند الفاكهي من حديث أبي
عمرو بن عدي بن حمراء " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعائشة في هذه
القصة ولأدخلت فيها من الحجر أربعة أذرع فيحمل هذا على إلغاء الكسر ورواية عطاء
على جبره وتحصيل الجمع بين الروايات كلها بذلك : قوله " أن قومك "
أي قريشا : قوله " قصرت بهم النفقة " بتشديد الصاد أي النفقة الطبية
التي أخرجوها لذلك كما جزم به الأزرقي وغيره وتوضيحه ما ذكره ابن إسحاق في السيرة
عن أبي وهب المخزومي أنه قال لقريش لا تدخلوا فيه من كسبكم إلا طيبا ولا تدخلوا
فيه مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس : قوله " ليدخلوا من شاؤا
" زاد مسلم " فكان الرجل إذا أراد أن يدخلها يدعونه ليرتقي حتى إذا كاد
أن يدخل دفعوه فسقط " قوله " حديث عهد " في لفظ للبخاري "
حديث عهدهم " بتنوين حديث : قوله " فأخاف أن تنكر قلوبهم " في رواية
للبخاري تنفر ونقل ابن بطال عن بعض علمائهم أن النفر التي خشيها صلى الله عليه
وآله وسلم أن ينسبوه إلى الفجر دونهم وجواب لولا محذوف وقد رواه مسلم بلفظ "
فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الحجر " ورواه الإسماعيلي بلفظ "
لنظرت فأدخلت " وفيه دليل على أنه يجوز للعالم ترك التعريف ببعض أمور الشريعة
إذا خشى نفرة قلوب العامة عن ذلك
باب الطهارة والسترة للطواف
1 - في حديث أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال " لا يطوف بالبيت عريان "
2 - وعن عائشة " أن أول شيء بدأ به النبي
صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت "
- متفق عليهما
3 - وعن عائشة " عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف "
- رواه أحمد وهو دليل على جواز السعي مع
الحدث
4 - وعن عائشة أنها قالت " خرجنا مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نذكر إلى الحج حتى جئنا سرف طمست فدخل علي رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبكي فقال مالك لعلك نفست فقالت نعم قال هذا
شيء كتبه الله عز و جل على بنات آدم افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت
حتى تطهري
"
- متفق عليه . ولمسلم في رواية " فأقضي
ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي "
- حديث عائشة الثاني أخرجه باللفظ المذكور
ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من حديث ابن عمر وأخرج نحوه الطبراني عنه بإسناد فيه
متروك وقد تقدم نحوه من حديث ابن عباس في باب ما يصنع من أراد الإحرام . قوله
" لا يطوف بالبيت عريان " فيه دليل على أنه يجب ستر العورة في حال
الطواف . وقد اختلف هل الستر شرط لصحة الطواف أولا فذهب الجمهور الجمهور إلى أنه
شرط وذهبت الحنفية والهادوية إلى أنه ليس بشرط فمن طاف عريانا عند الحنفية أعاد ما
دام بمكة فإن خرج لزمه دمز وذكر ابن إسحاق في سب طواف الجاهلية كذلك أن قريشا
ابتدعت قبل الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما
يطوف إلا بثياب أحدهم فإن لم يجد طاف عريانا فإن خالف فطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ
ثم لم ينتفع بها فجاء الإسلام بهدم ذلك . قوله " توضا ثم طاف "
لما كان هذا الفعل بيانا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم
" صلح للاستدلال به على الوجوب والخلاف في كون الطهارة شرطا أو غير شرط
كالخلاف في الستر : قوله " تقتضي المناسك كلها " أي نفعل المناسك كلها
وفيه دليل على أن الحائض تسعى . ويؤيده قوله في حديث عائشة المذكور في الباب
" افعلي ما يفعل الحاج " الخ ولكنه قد زاد ابن أبي شيبة من حديث ابن عمر
الذي أشرنا إليه بعد قوله إلا الطواف ما لفظه وبين الصفا والمروة وكذلك زاد هذه
الزيادة الطبراني من حديثه . وقد قال الحافظ أن إسناد ابن أبي شيبة صحيح : وقد ذهب
الجمهور إلى أن الطهارة غير واجبة ولا شرط في السعي ولم يحك ابن المنذر القول
بالوجوب إلا عن الحسن البصري . قال في الفتح وقد حكى المجد ابن تيمية من الحنابة
يعني المصنف رواية عندهم مثله . قوله " نفست " بفتح
النون وكسر الفاء الحيض وبضم النون وفتحها الولادة والطمث الحيض أيضا . قوله
" حتى تطهري " بفتح التاء والطاء المهملة وتشديد الهاء أيضا وهو على حذف
أحد التاءين وأصله تتطهري والمراد بالطهارة الغسل كما وقع في رواية مسلم المذكور
في الباب ( والحديث ) ظاهر في نفي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل والنهي
يقتضي الفساد المرادف للبطلان فيكون طواف الحائض باطلا وهو قول الجمهور وذهب جمع
من الكوفيين إلى أن الطهارة غير شرط وروي عن عطاء إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف
فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها
باب ذكر الله في الطواف
1 - عن عبد الله بن السائب قال " سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول بين الركن اليماني والحجر ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار "
- رواه أحمد وأبو داود وقال " بين الركنين "
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم " قال وكل به يعني الركن اليماني سبعون ملكا فمن قال اللهم إني
أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار قالوا آمين "
3 - وعن أبي هريرة " أنه سمع النبي صلى
الله عليه وآله وسلم يقول من طاف بالبيت سبعا ولا يتكلم إلا سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله محيت عنه عشر سيآت وكتب له
له عشر حسنات ورفع له بها عشر درجات "
- رواهما ابن ماجة
4 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة
ذكر الله تعالى "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ولفظه
" إنما جعل رمي الجمار بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله تعالى "
- حديث عبد الله بن السائب أخرجه أيضا
النسائي وصححه ابن حبان والحاكم وحديث أبي هريرة الأول في إسناده إسماعيل ابن عياش
وفيه مقال وفي إسناده أيضا هشام بن عمار وهو ثقة تغير باخرة . والحديث قد ذكره
الحافظ في التلخيص . حديثه الثاني ساقه ابن ماجه
هو وحديثه الأول المذكور هنا بإسناد واحد وفيه إسماعيل بن عياش وهشام بن عمار وقد
ذكره في التلخيص أيضا وقال . إسناده ضعيف . وحديث عائشة
سكت عنه أبو داود وذكر المنذري أن الترمذي قال إنه حديث ضعيف حسن صحيح ( وفي الباب
) عن ابن عباس عند ابن ماجه والحاكم " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كان يدعو بهذا الدعاء بين الركنين اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي
فيه وأخلف على كل غائبة لي بخير " وعن أبي هريررة عند البزار غير ما ذكره
المصنف " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول اللهم أني أعوذ بك من
الشك والشرك والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق " وعن عبد الله بن
السائب حديث آخر عند ابن عساكر من طريق بن ناجية بسند له ضعيف " أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم كان يقول في ابتداء طوافه بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا
بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد " قال الحافظ لم أجده
هكذا وقد ذكره صاحب المهذب من حديث جابر وقد بيض له المذري والنووي ورواه الشافعي
عن ابن أبي نحيج . قال أخبرت " ان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا قال قولوا بسم الله والله أكبر إيمانا
وتصديقا لما جاء به محمد " قال في التلخيص وهو في
الأم عن سعيد بن سالم عن ابن جريج ( وفي الباب ) أيضا عن ابن عمر من حديثه
" كان إذا استلم الحجر قال بسم الله والله أكبر " وسنده صحيح وروى
العقيلي أيضا من حديثه " كان إذا أراد أن يستلم يقول اللهم إيمانا بك وتصديقا
بكتابك واتباعا لسنة نبيك ثم يصلي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم يستلمه
" رواه الواقدي في المغازي مرفوعا . وعن علي عند البيهقي والطبراني من طريق
الحرث الأعور " أنه كان إذا مر بالحجر الأسود فرأى عليه زحاما استقبله وكبر
ثم قال اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك لسنة نبيك " وعن عمر عند أحمد وقد
تقدم في باب ما جاء في استلام الحجر ( وأحاديث ) الباب تدل على مشروعية الدعاء بما
اشتملت عيه في الطواف وقد حكى في البحر عن الأكثر أنه لادم على من ترك مسنونا .
وعن الحسن البصري والثوري وابن الماجشون أنه يلزم
باب الطواف راكبا لعذر
1 - عن أم سلمة " أنها قدمت وهي مرضة فذكرت
ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة "
- رواه الجماعة إلى الترمذي
2 - وعن جابر قال " طاف رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم بالبيت وبالصفا والمروة في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر
بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف ويسألوه فإن الناس غشوه "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
3 - وعن عائشة " قالت طاف النبي صلى الله
عليه وآله وسلم في حجة الوداع على بعيره يستلم الركن كراهية ان يصرف عنه الناس "
- رواه مسلم
4 - وعن ابن عباس " ان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته كلما أتى على الركن استلم الركن
بمحجن فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين "
- رواه أحمد وأبو داود
5 - وعن أبي الطفيل " قال قلت لابن عباس
أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا أسنة هو فإن قومك يزعمون أنه سنة قال
صدقوا وكذبوا قلت وما قولك صدقوا وكذبوا قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى العواتق من البيوت قال وكان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثروا عليه ركب والمشي
والسعي أفضل "
- رواه أحمد ومسلم
- حديث ابن عباس الأول في إسناده يزيد بن
أبي زياد ولا يحتج به وقال البيهقي في حديث يزيد ين أبي زياد لفظة لم يوافق عليها
وهي قوله " وهو يشتكي وقد أنكر الشافعي وقال لا أعلمه اشتكى في تلك الحجة :
قوله " طوفي من وراء الناس " هذا يقتضي منع طواف الراكب في المطاف . قال
في الفتح لا دليل في طوافه صلى الله عليه وآله وسلم راكبا على جواز الطواف راكبا
بغير عذر وكلام الفقهاء يقتضي الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيها قال والذي
يترجح المنع لأن طوافه صلى الله عليه وآله وسلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط
المسجد فإذا حوط امتنع داخله إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما
قبله فإن كان لا يحرم التلويث كما في السعي : قوله " لأن يراه الناس "
الخ فيه بيان العلة التي لأجلها طاف صلى الله عليه وآله وسلم راكبا وكذلك قول
عائشة كراهية أن يصرف الناس عنه . وفي رواية لمسلم كراهية أن يضرب بالباء الموحدة
. قال النووي وكلاهما صحيح . وكذلك قول ابن عباس وهو يشتكي وقد ترجم عليه البخاري
فقال باب المريض يطوف راكبا وكأنه أشار إلى هذا الحديث وكذلك قول ابن عباس في
حديثه الأخر فلما كثروا عليه فإن هذه الألفاظ كلها مصرحة بأن طوافه صلى الله عليه
وآله وسلم كان لعذر فلا يلحق به من لا عذر . وقد استدل أصحاب مالك وأحمد بطوافه
صلى الله عليه وآله وسلم راكبا على طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه قالوا لأنه لا
يؤمن ذلك من البعير ولو كان نجسا لما عرض المسجد له ويرد ذلك بوجوه إما أولا فلأنه
لم يكن إذ ذاك قد حوط المسجد كما تقدم وأما ثانيا فلأنه ليس من لازم الطواف على البعير
أن يبول وأما ثالثا فلأنه يطهر منه المسجد كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم أقر
ادخال الصبيان الأطفال المسجد مع أنه لا يؤمن بولهم وأما رابعا فلأنه يحتمل أن
تكون راحلته عصمت من التلويث حينئذ كرامة له : قوله " صدقوا وكذبوا "
الخ لفظ أبي داود " قال صدقوا وكذبوا قلت ما صدقوا وكذبوا قال صدقوا قد طاف
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الصفا والمروة على بعير وكذبوا ليست بسنة
" وحديث ابن عباس هذا يدل على جواز الطواف بين الصفا والمروة للراكب لعذر قال
ابن رسلان في شرح السنن بعد أن ذكر حديث ابن عباس هذا مالفظه وهذا الذي قاله ابن
عباس مجمع عليه انتهى . يعني ففي كون الطواف بصفة الركوب سنة بل الطواف من الماشي
أفضل
باب ركعتي الطواف والقراءة فيهما واستلام
الركن بعدهما
- رواهما ابن عمر وابن عباس وقد سبق
1 - وعن جابر " أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى
ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ثم عاد إلى الركن
فاستلمه ثم خرج إلى الصفا "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وهذا لفظه وقيل
للزهري أن عطاء يقول " تجزي المكتوبة من ركعتي الطواف فقال السنة أفضل لم يطف
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسبوعا إلا صلى ركعتين " . أخرجه البخاري
- حديث ابن عمر الذي أشار إليه المصنف تقدم
في باب استلام الركن اليماني وكذلك تقدم في باب ما جاء في استلام الحجر وحديث ابن
عباس المشار إليه تقدم في مواضع منها باب استلام الحجر وكذلك باب استلام الركن
اليماني وفي باب الطواف راكبا قوله " واتخذوا " في الروايات بكسر الخاء
على الأمر وهي إحدى القراءتين والأخرى بالفتح على الحبر والأمر دال على الوجوب .
قال في الفتح لكن انعقد الإجماع على جواز الصلاة إلى جميع جهات الكعبة فدل على عدم
التخصيص وهذا بناء على أن المراد بمقام إبراهيم الذي فيه أثر قدميه وهو موجود الآن
. وقال مجاهد المراد بمقام إبراهيم الحرم كله والأول أصح : قوله " فقرأ
فاتحة الكتاب " الخ فيه استحباب القراءة بهاتين السورتين مع فاتحة الكتاب
واستلام الركن بعد الفراغ وقد اختلف في وجوب هاتين الركعتين فذهب أبو حنيفة وهو
مروي عن الشافعي في أحد قوليه إلى انهما واجبتان وبه قال الهادي والقاسم واستدلوا
بالآية المذكورة وأجيب عن ذلك بأن الأمر فيها إنما هو باتخاذ المصلى لا بالصلاة
وقد قال الحسن البصري وغيره إن قوله مصلى أي قبلة وقال مجاهد أي مدعى يدعى عنده .
قال الحافظ ولا يصح حمله عن مكان الصلاة لأنه لا يصلي فيه بل عند قال ويترجح قول
الحسن بأنه جاز على المعنى الشرعي واستدلوا ثانيا بالأحاديث التي فيها إن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم صلى ركعتين بعد فراغه من الطواف ولازم ذلك من جملتها ما
ذكره المصنف في الباب قالو وهي قالو وهي بيان مجمل واجب فيكون ما اشتملت عليه
واجبا وقال مالك والشافعي في أحد قوليه والناصر انهما سنة لما تقدم في الصلاة من حديث
ضمام ابن ثعلبة لما قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن أخبره بالصلوات
الخمس هل على غيرها قال لا إلا أن تطوع وقد أسلفنا في الصلاة الجواب عن هذا الدليل
. قوله " الاصلي ركعتين " استدل به من قال إنا لا تجزئ المكتوبة عن
ركعتي الطواف وتعقب بأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم إلا صلى ركعتين أعم من أن
يكون ذلك نفلا أو فرضا لأن الصبح ركعتان
باب السعي بين الصفا والمروة
1 - عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت " رأيت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو
وراء هم وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي تدور به ازاره وهو يقول اسموا فإن
الله كتب عليكم السعي
2 - وعن صفية بنت شيبة " إن امرأة
أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين الصفا والمروة يقول كتب
عليكم السعي فاسعوا "
- رواهما أحمد
- الحديث الأول أخرجه الشافعي أيضا وغيره من
حديث صفية بنت شيبة عن حبيبة فلعل المرأة المبهمة في حديث صفية هي حبيبة وفي
إسناده عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف وله طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة والطبراني عن
ابن عباس . قال في الفتح وإذا انضمت إلى الأولى قويت قال واختلف على صفية بنت شيبة
في اسم الصحابية التي أخبرتها به ويجوز أن تكون أخذته عن جماع فقد وقع عند الدارقطني
عنها أخبرتني نسوة من بني الدار فلا يضره الاختلاف وحديث صفية بنت شيبة قال في
مجمع الزوائد في إسناد موسى بن عبيدة وهو ضعيف والعمدة في الوجوب قوله صلى الله
عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " قوله " تجراه " قال
في الفتح يكسر المثناة وسكون الجيم بعدها راء ثم الف ساكنة ثم هاء ( 1 ) [ ( 1 ) قوله
في نيل الأوطار بكسر المثناة الخ لكن في القاموس في مادة جزأ بالزاي وحببية بنت
أبي نجزأة بضم التاء وسكون الجيم صحايبية اه مصحح ] . وهي إحدى نساء بني عبد
الدار : قوله " تدور به إزاره " في لفظ آخر " وإن نئزره ليدور من
شدة السعي " والضمير في قوله به يرجع إلى الركبتين أي تدور إزاره بركبتيه .
قوله " فإن الله كتب عليكم السعي " استدل به من قال بأن السعي فرض وهم
الجمهور وعند الحنفية أنه واجب يجبر بالدم وحكاه في البحر عن العترة وبه قال
الثوري في الناسي خلاف العامد وبه قال عطاء وعنه أنه سنة لا يجب بتركه شيء وبه قال
أنس فيما نقله عنه ابن المنذر واختلف عن أحمد كهذه الأقوال الثلاثة . وقد أغرب
الطحاوي فقال قد أجمع العلماء على أنه لو حج ولم يطف بالصفا والمروة أن حجة قد تم
وعليه دم والذي حكاه صاحب الفتح وغيره عن الجمور أنه ركن لا يجبر بالدم ولا يتم
الحج بدونه وأغرب ابن العربي فحكى أن السعي ركن في العمرة بالإجماع وإنما الخلاف
في الحج وأغرب أيضا المهدي في البحر فحكى الإجماع على الوجوب . قال ابن المنذر إن
ثبت يعني حديث حبيبة فهو حجة في الوجوب قال في الفتح العمدة في الوجوب قوله صلى الله
عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " قلت وأظهر من هذا في الدلالة على
الوجوب حديث مسلم " ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يلطف بين الصفا والمروة "
3 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم لما فرغ من طوافه أبي الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع
بيديه فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو "
- رواه مسلم وابو داود
4 - وعن جابر " إن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم طاف وسعى رمل ثلاثا ومشى أربعا ثم قرأ وإتخذوا من مقام إ براهيم
مصلى فصلى سجدتين وجعل المقام بينه وبين الكعبة ثم استلم الركن ثم خرج فقال إن
الصفا والمروة من شعائر الله فأبدؤا بما بدأ الله به "
- رواه النسائي . وفي حديث جابر " إن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دنا من الصفا قرأ أن الصفا والمروة منشعائر
الله أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حيى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد
الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ
قدير لا إله إلا الله وحه أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك
فقال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة حتى إنصبت قدماه فيبطن الوادي حتى إذا
صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا " . رواه مسلم
وكذلك أحمد والنسائي بمعناه
- قوله " فعلا عليه "
استدل به من قال بأن صعود الصفا واجب وهو أبو حفص بن الوكيل من أصحاب الشافعي
وخالفه غيره من الشافعية وغيرهم فقالوا هو سنة وقد تقدم ان فعله صلى الله عليه
وآله وسلم بيان لمجمل واجب : قوله " فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء " فيه
استحباب الحمد والدعاء على الصفا . قوله " طاف وسعى رمل ثلاثا " فيه
دليل على أنه يستحب أن يرمل في ثلاثة أشواط ويمشي في الباقي قوله " واتخذوا
" الآية قد تقدم أن الروايات بكسر الخاء وهي إحدى القرائتين : قوله
" إن الصفا والمروة من شعائر الله " قال الجوهري الشعائر أعمال الحج وكل
ما جعل علما لطاعة الله . قوله " فابدؤا بما بدأ الله به " بصيغة الأمر
في رواية النسائي وصححه ابن حزم والنووي في شرح مسلم وله طرق عند الدارقطني ورواه
مسلم بلفظ " أبدا بصيغة الخبر كما في الرواية المذكورة في الباب ورواه أحمد
ومالك وابن الجارود وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والنسائي أيضا نبدأ
بالنون قال أبو الفتح القشيري مخرج الحديث عندهم واحد وقد اجتمع مالك وسفيان ويحيى
بن سعيد القطان على رواية نبدأ بالنون التي للجمع قال الحافظ وهم أحفظ من الباقين
وقد ذهب الجمهور إلى البداءة بالصفا والختم وبالمروة شرط وقال عطاء يجزي الجاهل
العكس وذهب الأكثر إلى ان من الصفا إلى المروة شوط ومنها إليه شوط آخر وقال
الصيرفي وابم خيران وابن جرير بل من الصفا شوط ويدل على الأول ما في حديث جابر أنه
صلى الله عليه وآله وسلم فرغ من آخر سعيه بالمروة : قوله " لما دنا من الصفا
قرأ "
الخ فيه دليل على أنها تستحب قراءة هذه
الآية عند الدنو من الصفا وأنه يستحب صعود الصفا واستقبال القبلة والتوحيد
والتكبير والتهليل وتكرير الدعاء والذكر بين ذلك ثلاث مرات وقال جماعة من أصحاب
الشافعي بكرر الذكر ثلاثا والدعاء مرتين فقط قال النووي والصواب الأول : قوله
" وهزم الأحزاب وحده " معناه هزمهم بغير قتال من الآدميين ولا سبب من
جهتهم والمراد بالأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم
الخندق وكان الخندق في شوال سنة سنة أربع من الهجرة وقيل سنة خمس : قوله "
حتى انصبت قدماء في بطن الوادي " هكذا في جميع نسخ مسلم كما نقله القاضي قال وفيه
اسقاط لفظة لا بد منها وهي حتى انصبت قدماه رمل في بطن الوادي فسقطت لفظة رمل ولا
بد منها وقد ثبتت هذه اللفظة في غير رواية مسلم وكذا ذكرها الحميدي في الجمع بين
الصحيحين وفي الموطأ حتى أنصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى خرج منه وهو بمعنى رمل
قال النووي وقد وقع في بعض نسخ صحيح مسلم حتى انصبت قدماه في بطن الوادي سعى كما
وقع في الموطأ وغيره ( وفي الحديث ) استباب السعى في بطن الوادي
حتى يصعد ثم يمشي باقي المسافة إلى المروة على عادة مشيه وهذا السعي مستحب في كل
مرة من المرات السبع في هذا الموضع والمشي مستحب فيما قبل الوادي وبعده ولو مشى في
الجميع أو سعى أجزأه وفاتته الفضيلة وبه قال الشافعي ومن وافقه وقال مالك فيمن ترك
السعي الشديد في موضعه تجب عليه الإعادة وله رواية أخرى موافقة لقول الشافعي .
قوله " إذا صعدنا " بكسر العين : قوله " ففعل على المروة كما فعل
على الصفا " فيه دليل على أنه يستحب عليها ما يستحب على الصفا من الذكر
والدعاء والصعود
باب النهي عن التحلل بعد السعي إلا
للمتمتع إذا لم يسبق هديا وبيان متى يتوجه المتمتع إلى منى ومتى يحرم بالحج
1 - عن عائشة قالت " خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فمنا من أهل بالحج منا من أهل بالعمرة ومنا من أهل بالحج
والعمرة وأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج فأما من أهل بالعمرة فاحلوا
حين طافوا بالبيت وبالصفا والمروة وأما من أهل بالحج أو بالحج والعمرة فلم يحلوا
إلى يوم النحر "
2 - وعن جابر أنه حج مع النبي صلى الله عليه
وآله وسلم يوم ساق البدن معه وقد أهلوا بالحج مفردا فقال لهم أحلوا من إحرامكم
بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا
بالحج فاجعلوا التي قدمتم بها متعة فقالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج فقال
افعلوا ما أمرتكم ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدى محله ففعلوا "
- متفق عليهما . وهو دليل على جوازالفسخ
وعلى وجوب السعي وأخذ الشعر للتحلل بالعمرة
3 - وعن جابر قال " أمرنا رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لما أحللنا ان نحرم إذا توجهنا إلى منى فأهللنا من الأبطح "
- رواه مسلم
- قوله " وأهل رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم " قد تقدم استدلال من بهذا على إن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان
افرادا وتقدم الجواب عن ذلك : قوله " فأ'حلوا حين
طافوا بالبيت " فيه دليل المذهب الجمهوران المعتمر لا يحل حتى يطوف ويسعى إلا
ما شذ به ابن عباس فقال يحل من العمرة بالطواف ووافقه ابن راهويه ونقل القاضي عياض
عن بعض أهل العلم ان بعض الناس ذهب إلى ان المعتمر لا يحل إذا دخل الحرم حل وان لم
يطف ولم يسع وله ان يفعل كل ما حرم على المحرم ويكون الطواف والسعى في حقه كالرمي
والمبيت في حق الحاج وهذا من شذوذ المذاهب وغريبها وغفل القطب الحلبي فقال فيمن
استلم الركن في ابتداء الطواف وأحل حينئذ أنه لا يحصل له التحلل بالإجماع قوله
" أحلوا من إحرامكم " أي أجعلوا حجكم عمرة وتحللوا منها بالطواف والسعي
: قوله
" وقصروا " أمرهم بالتقصير
لانهم يهلون بعد قليل باحج فأخر الحلق له لان بين دخولهم وبين يوم التروية أربعت
أيام فقط : قوله " متعة " أي ؟ أجعلوا الحجة المفردة التي أهللتم بها
عمرة تحللوا منها فتصيروا ومتمتيعين فأطلق على العمرة أنها متعة مجازا والعلاقة
بينهما ظاهرة وفي رواية لمسلم " فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة
" ونحوه في رواية البتقر عن جابر وفي الحديث الطويل عن مسلم : قوله "
قال أفعلوا ما أمرتكم " فيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وآله وسلم من
لطفه بأصحابه وحلمه عنهم : قوله " لا يحل مني الحرام " بكسر الحاء من
يحل والمعنى لا يحل مني ما حرم علي . ووقع في مسلم لا يحل مني حراما بالنصب على
المفعولية وعلى هذا فيقرأ يحل بضم أوله والفاعل محذوف تقديره لا يحل طول المكث أو
نحو ذلك مني شيئا حراما حتىيبلغ الهدى محله أي إذا نحرته يوم مني واستدل به على أن
أعتمر فساق هديا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر ومثله ما في البخاري
من حديث عائشة بلفظ منآحرم بعمرة فأهدي فلا يحل حتى ينحر وت ؟ أول ذلك المالكية والشافعية
على أن معناه ومن أحرم بعمرة فأهد فأهل بالحج فلا يحل حتى يحل هديه ولا يخفي مافيه
من التعسف : قوله " أن نحرم إذا توجهنا إلى منى " فيه الدليل على من حل
من إحرامه يحرم بالحج إذا توجه إلى منى
4 - وعن معاوية " قصرت من رأس النبي صلى
الله عليه وآله وسلم عند المروة بمشقص "
- متفق عليه ولفظ أحمد " أخذت من أطراف
شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أيام العشر بمشقص وهو محرم "
- قوله " قصرت " أي أخذت من شعر
رأسه وهو يشعر بأن ذلك كان في نسك أو في حج أو عمرة وقد ثبت أنه حلق في حجته فتعين
أن يكون في عمرة ولا سيما وقد روى مسلمأنذلك كان في المروة وهذا يحتمل أن
يكون في عمرة القضية أو الجعرانة ولكن
قوله في الرواية الأخرى في أيام العشر يدل على أن ذلك كان في حجة الوداع لأنه لم
يحج غيرها وفيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله
كماتقدم في الأحاديث الثابتة في الصحيحين غيرها وقد بالغ النووي في الرد على من
زعم أن ذلك كان في حجة الوداع فقال هذا الحديث محمول على أن معاوية قصر عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
في حجة الوداع كان قارن وثبت أنه حلق بمنى وفرق أو طرحة شعره بين الناس فلا يصح
حمل تقصير معاوية على حجة الوداع ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة
سبع لأن معاوية لم يكن حينئذ مسلما إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان على الصحيح المشهور
ولا يصح قوله من حمله على حجة الوداع وزعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان
متمتعا لأن هذا غلط فاحش فقد تظافرت الأحاديث في مسلم وغيرهم أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم " قيل لهم ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك
فقال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر " قال الحافظ متعقبا
لقوله لا يصح حمله على عمرة القضاء ما لفظه قلت يمكن الجمع بينهما بأنه كان أسلم
خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح . وقد أخرج ابن عساكر في
تاريخ دمشق في ترجمة معاوية تصريحا بأنه أسلم بين الحديبية والقضية وأنه كان يخفي
إسلامه خوفا من أبويه ولا يعارضه قول سعد المتقدم فعلناها يعني العمرة وهذا يعني
معاوية كافر بالعروش لأنه أخبر بما استصحبه من حاله ولم يطلع على إسلامه لكونه كان
يخفيه ولا ينافيه أيضا ما رواه الحاكم في الإكليل أن الذي حلق رأس النبي صلى الله عليه
وآله وسلم في عمرته التي اعتمرها من الجعرانة أبو هند عبد بني بياضة لأنه يمكن
الجمع بأن يكون معاوية قصيرة عنه أولا وكان الحلاق غائبا في بعض حاجاته ثم حضر
فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق لإنه أفضل ففعل ولا يعكر على كون ذلك في عمرة
الجعرانة إلا رواية أحمد المذكورة في الباب إن ذلك كان في أيام العشر إلا أنها كما
قال ابن القيم معلولة أو وهم من معاوية وقد قال قيس بن سعد راويها عن عطاء عن ابن
عباس عنه والناس ينكروا هذه على معاوية . قال ابن القيم وصدق قيس فنحن نحلف بالله
أن هذا ما كان في العشر قط . وقال في الفتح أنها شاذة قال وأظن بعض رواتها حدث بها
بالمعنى فوقع له ذلك انتهى وأيضا قد ترك ابن الجوزي في جامع المسانيد رواية أحمد
هذه وقد ذكر أنه لم يترك فيه من مسند أحمد إلا ما لم يصح وقال بعضهم يحتمل أن يكون
في قول معاوية قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذف تقديره قصرت أنا
شعري عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعقب بأنه يرد ذلك قوله في رواية
أحمد قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند المروة . وقال ابن حزم
يحتمل أن يكون معاوية قصر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقية شعر لم يكن
الحلاق استوفاه يوم النحر وتعقبه صاحب الهدى بأن الحالق لا يبقي شعرا يقصر منه ولا
سيما قد قسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم شعره بين أصحابه الشعرة والشعرتين وقد
وافق النووي على ترجيح كون ذلك في عمرة الجعرانة المحب الطبري وابن القيم قال
الحافظ وفيه نظر لأنه جاء أنه حلق في الجعرانة ويجاب عنه بأن الجمع ممكن كما سلف
قوله :
" بمشقص " بكسر الميم
وسكون المعجمة وفتح القاف وآخرح صاد مهملة قال القزاز هو نصل عريض يرمى به الوحش
وقال صاحب المحكم هو الطويل من النصال وليس بعريض وكذا قال أبو عبيد
5 - وعن ابن عمر " أنه كان يحب إذا استطاع
أن يصلي الظهر بمنى من يوم التروية وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى
الظهر بمنى
"
- رواه أحمد
6 - وعن ابن عباس قال " صلى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . وللأحمد
في رواية " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى خمس صلوات "
7 - وعن عبد العزيز بن رفيع قال " سئلت
أنسا فقلت أخبرني بشيء عقلته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أين صلى الظهر
يوم التروية قال بمنى قلت فأين صلى العصر يوم النفر قال بالأبطخ ثم قال افعل كما
يفعل أمراؤك "
- متفق عليه
- حديث ابن عمر أخرجه أيضا في الموطأ لكن
موقوفا على ابن عمر وحديث ابن عباس أخرجه أيضا الترمذي والحاكم وأخرج ابن خزيمة
والحاكم عن ابن الزبير قال من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما بعدها والفجر
بمنى ثم يغدون إلى عرفة . قولهه " من يوم التروية " بفتح المثناة وسكون
الراء وكسر الواو وتخفيف التحتانية وإنما سمي بذلك لأنهم كانوا يروون إبلهم فيه
ويتروون من الماء لأن تلك الأماكن لم يكن فيها إذ ذاك آبار ولا عيون وأما الآن فقد
كثرت جدا واستغنوا عن حمل الماء قوله " يوم النفر " بفتح النون وسكون
الفاء .
والأبطح البطحاء التي بين مكة ومنى وهي ما
انبطح من الوادي واتسع وهي التي يقال لها المحصب والمعرس . وحدها ما بين الجبلين
إلى المقبرة : قوله " افعل كما يفعل أمراؤك
" لما بين له المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم خشى عليه أن
يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع الجماعة فأمره بأن يفعل كما
يفعل أمراؤه إذ كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين فأشار إلى
أن الذي يفعلونه جائز وإن الاتباع أفضل ( وأحاديث الباب ) تدل على أن السنة أن
يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى وهو قول الجمهور . وروى لثوري في جامعه عن عمر
وبن دينار قال رأيت ابن الزبير صلى الظهر يوم التروية بمكة وقد تقدم عنه إن السنة
أن يصليها بمنى فلعله صلى بمكة للضرورة أو لبيان الجواز . وروى ابن المنذر من طريق
ابن عباس قال إذا زاغت الشمس فليرح إلي مني قال ابن المنذر أيضا بعد أن ذكر حديث
ابن الزبير السابق به علماء الأمصار قال ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب
على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئا ثم روى عن عائشة أنها لم تخرج من مكة يوم
التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه قال أيضا والخروج إلى منى في كل وقت مباح إلا ان
الحسن وعطاء قالا لابأس ان يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم او يومين
وكرهه مالك وكره الاقامة بمكة يوم التروية حتى يمس إلا أن أدركه وقت الجمعة فعليه
أن يصليها قبل أن يخرج وفي الحديث الآخر أيضا متابعة أولى الأمر والأحتراز عن
مخالفة الجماعة
8 - وفي حديث جابر قال " لما كان يوم
التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى
بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقية
من شعر تضرب له منمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تشك انه واقف
عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر
بالقصوا فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم
كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا "
- مختصر من مسلم
- قوله " لما كان يوم التروية " الخ
قد تقدم الكلام على هذا قوله : " وركب " الخ قال النووي فيه
بيان سنن . أحدها ان الركوب في تلك المواضع أفضل من المشي كما أنه في جملة الطريق
أفضل من المشي هذا هو الصحيح في الصورتين ان الركوب أفضل وللشافعي قول آخر ضعيف ان
المشي أفضل وقال بعض أصحاب الشافعي الأفضل في جملة الحج الركوب الا في مواطن
المناسك وهي مكة ومنى ومزد لفة وعرفات والتردد بينها . السنة الثانية ان يصلي بمنى
هذه الصلوات الخمس . السنة الثالثة أن يبيت بمنى
هذه الليلة وهي ليلة التاسع من ذي الحجة وهذا المبيت سنة ليس بركن ولا واجب فلو
تركه فلا دم عليه بالإجماع انتهى . قوله " ثم مكث قليلا "
الخ فيه دليل على أن السنة ان لا يخرجوا من منى حتى تطلع الشمس وهذا متفق عليه
قوله : " وأمر بقبة " فيه استحباب النزول بنمرة إذا ذهبوا من منى لان
السنة ان لا يدخلوا عرفات إلا بعد زوال الشمس وبعد صلاتي الظهر والعصر جميعا فإذا
زوال الشمس ساربهم الامام إلى مسجد إبراهيم وخطب بهم خطبتين خفيفتين وتخلف الثانية
جدا فإذا فرغ منهما صلى بهم الظهر والعصر جامعا فإذا فرغوا من الصلاة ساروا إلى
الموقف . قوله " بنمرة " بفتح النون وكسر الميم ويجوز اسكان الميم وهي
موضع بجنب عرفات وليست من عرفات : قوله " ولا تشك قريش "
الخ يعني ان قريشا كانت تقف في الجاهلية بالمشعر الحرام وهو جبل بالمزاد لفة يقال
له قزح فظنوا ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيوافقهم قوله " فاجاز "
أي جاوز المزد لفة ولم يقف بها بل توجه إلى عرفات : قوله " أمر بالقصوا
" بفتح القاف والقصر ويجوز المد قال ابن الاعرابي القصوا التي قطع اذنها
والجدع أكبر منه . وقال أبو عبيدة القصوا المقطوعة الاذن عرضا وهو اسم لناقته صلى
الله عليه وآله وسلم : قوله " فرحلت " بتخفيف الحاء المهملة
أي جعل عليها الرحل قوله بطن الوادي هو وادي عرفة بضم العين وفتح الراء بعدها نون
. قوله " فخطب " الخ فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة في هذا
الموضع وهوسنة باتفاق جماهير العلماء وخالف في ذلك المالكية : قوله " ان
دماءكم " الخ قد تقدم شرح هذا في باب استحباب الخطبة يوم النحر من أبواب
العيد
باب المسير من منى إلى عرفة والوقوف بها
وأحكامه
1 - عن محمد بن أبي بكر بن عوف قال "
سألت أنسا ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية كيف كنتم تصنعون مع النبي صلى
الله عليه وآله وسلم قال كان يلبي الملبى فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر
عليه "
- متفق عليه
2 - وعن ابن عمر قال " غدا رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من منى حين صلى الصبح في صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل
بنمرة وهي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح
فوقف على الموقف من عرفة "
- رواه أحمد وأبو داود
3 - وعن عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام
الطائي قال " أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى
الصلاة فقلت يا رسول الله إني جئت من جبلي طيئ أكللت راحتي واتعبت نفسي والله
ماتركت من جبل غلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا ونهارا فقد تم
حجه وقضى تفثه "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي وهو حجة في أن
نهار عرفة كله وقت للوقوف
- حديث ابن عمر في إسناده محمد بن إسحاق
وفيه كلام معروف قد تقدم ولكنه قد صرح هنا بالتحديث وبقية رجلا إسناده ثقات وحديث
عروة بن مضرس أخرجه ايضا ابن حبان والحاكم والدارقطني وصححه الحاكم والدارقطني
والقاضي أبو بكر بن العربي على شرطهما : قوله " ونحن غاديان أي ذاهبان غدوة :
قوله " كيف كنتم تصنعون " أي من الذكر . وفي رواية لمسلم ما يقول في
التلبية في هذا اليوم قوله " فلا ينكر عليه " بضم أوله على البناء
للمجهول وفي رواية للبخاري لا يعيب أحدنا على صاحبه والحديث يدل على التخيير بين
التكبير والتلبية لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم لهم على ذلك : قوله غدا بالغين
المعجمة أي سار غدوة : قوله حين صلى الصبح ظاهره انه توجه من منى حين صلى الصبح
بها ولكن قد تقدم في حديث جابر المذكور في الباب الذي قبل هذا انه كان بعد طلوع الشمس
. قوله وهي منزل الامام الخ قال ابن الحاج المالكي وهذا الموضع يقال له الاراك قال
الماوردي يستحب أن ينزل بنمرة حيث نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عند
الصخرة الساقطة بأصل الجبل على يمين الذاهب إلى عرفات : قوله " راح " أي
بعد زوال الشمس : قوله " مهجرا " بتشديد الجيم المكسورة قال الجوهري
التهجير والتهجير السير في الهاجرة والهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر والتوجه
وقت الهاجرة في ذلك اليوم سنة لما يلزم من تعجيل الصلاة ذلك اليوم وقد اشار
البخاري إلى هذا الحديث في صحيحه فقال باب التهجير بالرواح يوم عرفة أي من نمرة :
قوله " فجمع بين الظهر والعصر " قال ابن المنذر اجمع
أهل العلم على ان الامام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة وكذلك من صلى مع الامام وذكر
أصحاب الشافعي انه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه شتة عشر فرسخا الحاقا له
بالقصر قال وليس بصحيح فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع فجمع معه من حضره من
المكيين وغيرهم ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر فقال أتموا فانا سفر
ولوحرم الجمع لبينه لهم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة قال ولم يبلغنا عن
أحد من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة والمزدلفة بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره
. قوله " ثم خطب الناس " فيه دليل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم خطب
بعد الصلاة . قوله " ابن مضرس " بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء
المكسورة ثم سين مهملة . قوله " ابن لام " هو بوزن جام قوله " من جبلي
طييء " هما جبل سلمى وجبل اجا قاله المنذري . وطيئ بفتح الطاء وتشديد الياء
بعدها همزة . قوله " أكللت " أي أعييت . قوله " من حبل " بفتح
الحاء المهملة واسكان الموحدة أحد حبال الرمل وهو ما اجتمع فاستطال وارتفع قاله الجوهري
: قوله " صلاتنا هذه " يعني صلاة الفجر . قوله " ليلا أو نهارا فقد
تم حجه " تمسك بهذا بن حنبل فقال وقت الوقوف لا يختص بما بعد الزوال بل وقته
ما بين طلوع الفجر يوم عرفة وطلوعه يوم العيد لأن لفظ الليل والنهار مطلقان وأجاب
الجمهور عن الحديث بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال بدليل أنه صلى الله عليه وآله
وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله
فكأنهم جعلوا هذا الفعل مقيدا لذلك المطلق ولا يخفى ما فيه : قوله " وقضى
تفثه " قيل المراد به أنه أتى بما عليه من المناسك والمشهور أن التفث ما
يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر أو حلقه وحلق العانة ونتف الأبط وغيره من خصال
الفطرة ويدخل في ضمن ذلك نحر البدن وقضاء جميع المناسك لأنه لا يقضي التفث إلا بعد
ذلك وأصل التفث الوسخ والقذر
4 - وعن عبد الرحمن بن يعمر " أن ناسا من
أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقف بعرفة فسألوه فأمر
مناديا ينادي الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك أيام منى ثلاثة أيام
فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه ومن تأخر فلا أثم عليه وأردف رجلا ينادي بهن "
- رواه الخمسة
5 - وعن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قال نحرت ههنا ومني كلها منحر فانحروا في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها
موقف ووقفت ههنا وجمع كلها موقف "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود . ولابن ماجه
وأحمد أيضا نحوه وفيه " وكل فجاج مكة طريق ومنحر "
- حديث عبد الرحمن بن يعمر أخرجه أيضا ابن
حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي : قوله " فسألوه " أي قالوا كيف حج من
لم يدرك يوم عرفة كما بوب عليه البخاري : قوله " الحج عرفة " أي الحج
الصحيح حج من أدرك يوم عرفة قال الترمذي قال سفيان الثوري والعمل على حديث عبد
الرحمن بن يعمر عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم أن
من لم يقف بعرفات قبل الفجر فقد فاته الحد ولا يجزئ عنه أن جاء بعد طلوع الفجر ويجعلها
عمرة وعليه الحج من قال وهو قول الشافعي وأحمد وغيرهما . قوله " من جاء ليلة
جمع " أي
ليلة المبيت بالمزدلفة ظاهره أنه يكفي الوقوف في جزء من أرض عرفة ولو في لحظة
لطيفة في هذا الوقت وبه قال الجمهور وحكى النووي قولا أنه لا يكفي الوقوف ليلا ومن
اقتصر عليه فقد فاته الحج والأحاديث الصحيحة ترده : قوله " أيام منى " مرفوع
على الابتداء وخبره قوله ثلاثة أيام وهي الأيام المعدودات وأيام التشريق وأيام رمي
الجمار وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر منها لاجماع الناس على أنه لا يجوز النفر
يوم ثاني النحر ولو كان يوم النحر من الثلاث لجاز أن ينفر من شاء في ثانية قوله
" فمن تعجل في يومين " أي من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني منها
فلا أثم عليه في تعجيله ومن تأخيره . وقيل المعنى ومن تأخر عن الثالث إلى الرابع
ولم ينفر مع العامة فلا إثم عليه والتخيير ههنا وقع بين التفاضل والأفضل لأن
المتأخر أفضل فإن قيل إنما يخاف الإثم المتعجل فما بال المتأخر الذي أتى بالأفضل
ألحق به فالجواب أن المراد من عمل بالرخصة وذهب بعضهم إلى المراد وضع الإثم عن المتعجل
دون المتأخر ولكن ذكرا معا والمراد أحدهما . قوله " ينادي بهن " أي بهذه
الكلمات : قوله " نحرت ههنا ومنى كلها منحر " يعني كل بقعة منها يصح النحر
فيها وهو متفق عليه لكن الأفضل النحر في المكان الذي نحر فيه صلى الله عليه وآله
وسلم كذا قال الشافعي ومنحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو عند الجمرة الأولى
التي تلي مسجد منى كذا قال ابن التين . وحد منى من وادى محسر إلى العقبة : قوله
" في رحالكم " المراد بالرجال المنازل قال أهل اللغة رحل الرجل منزل
سواء كان من حجر أو مدرأ وشعر أو وبر : قوله " ووقفت ههنا " يعني عند
الصخرات وعرفة كلها موقف يصح الوقوف فيها ( وقد أجمع العلماء ) على أن من وقف في
أي جزء كان من عرفات صح وقوفه ولها أربعة حدود . حد إلى جادة طريق المشرق .
والثاني إلى حافات الجبل الذي وراء أرضها . والثالث إلى البساتين التي
تلي قرنيها على اليسار مستقبل الكعبة . والرابع وادي عرنة بضم العين وبالنون وليست
هي ولا نمرة من عرفات ولا من محرم : قوله " وجمع كلها موقف
" وجمع بإسكان الميم هي المزدلفة كما تقدم وفيه دليل على أنها كلها موقف كما
أن عرفات كلها موفق : قوله " وكل فجاج مكة طريق " الفجاج بكسر الفاء جمع
فج وهو الطري الواسعة والمراد أنها طريق من سائر الجهات والأقطار التي يقصدها
الناس للزيادرة والإتيان إليها من كل طريق واسع وهذا متفق عليه ولكن الأفضل الدخول
إليها من الثنية العليا التي دخل منها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم
وهذه الزيادة روارها أبو داود كما رواه أحمد وابن ماجة
6 - وعن أسامة بن زيد قال " كنت ردف
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناول
الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى "
- رواه النسائي
7 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال
" كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير "
- رواه أحمد والترمذي ولفظه " أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا
والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل
شيء قدير
"
- حديث أسامة إسناده في سنن النسائي هكذا أخبرنا
يعقوب بن إبراهيم عن هشيم حدثنا عبد الملك عن عطاء قال قال أسامة فذكره هؤلاء كلهم
رجال الصحيح وعبد الملك هو ابن عبد العزيز المعروف بابن جريح . وحديث عمرو بن شعيب
في إسناده حماد بن أبي حميد وهو ضعيف ( وفي الباب ) عن ابن عمر بنحوه عن العقيلي
في الضعفاء وفي إسناده فرج بن فضاله وهو ضعيف وقال البخاري منكر الحديث . وعن علي
عليه السلام عند الطبراني في المناسك بنحوه وفي إسناده قيس بن الربيع وأخرجه
البيهقي عنه بزيادة " اللهم اجعل ي قلبي نورا وفي بصري نورا اللهم اشرح لي
صدري ويسر لي أمري " وفي إسناده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف وتفرد به عن
أخيه عبد الله عن علي عليه السلام قال البيهقي ولم يدرك عبد الله عليا . وعن طلحى
بن عبد الله بن كريز بفتح الكاف وآخره زاي عند مالك في الموطأ مرسلا ورواه البيهقي
عن مالك موصولا وضعفه وكذا " ابن عبد البر في التمهيد قوله " فرفع يديه
" فيه دليل على أن عرفة من المواطن التي يشرع فيها رفع اليدين عند الدعاء
فيخصص به العموم حديث انس المتقدم في صلاة الاستسقاء قوله " وهو رافع يده
الأخرى
" فيه دليل على أن رفع إحدى
اليدين عند الدعاء إذا منع من رفع الأخرى عذر لا بأس به . قوله " دعاء يوم
عرفة " رجح المزي جر دعاء ليكون قوله لا إله إلا الله خبرا لخير الدعاء ولخير
ما قلت أنا والنبيون ويؤيده ما وقع في الموطأ من حديث طلحة بلفظ " أفضل
الدعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله " وما
وقع عند العقيلي من حديث ابن عمر بلفظ " أفضل دعائي ودعاء الأنبياء قبلي عشية
عرفة لا إله إلا الله " ( وأحاديث ) الباب تدل على مشروعية الاستكثار من هذا
الدعاء يوم عرفة وأنه خير ما يقال في ذلك اليوم
8 - وعن سالم بن عبد الله " أن عبد الله
بن عمر جاء إلى الحجاج بن يوسف يوم عرفة حين زالت الشمس وأنا معه فقال الرواح إن
كنت تريد السنة قال هذه الساعة قال نعم قال سالم فقلت للحجاج إن كنت تريد تصيب
السنة فاقصر الخطبة وعجل الصلاة فقال عبد الله بن عمر صدق "
- رواه البخاري والنسائي
9 - وعن جابر قال " راح النبي صلى الله
عليه وآله وسلم إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الأولى ثم أذن بلال ثم أخذ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الأذان
ثم أقام بلال فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر "
- رواه الشافعي
- حديث جابر أخرجه أيضا لبيهقي وقال تفرد به
إبراهيم بن أبي يحيى . وفي حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم ما يدل على أنه صلى
الله عليه وآله وسلم خطب ثم أذن بلال ليس فيه ذكر أخذ النبي صلى الله عليه وآله
وسلم في الخطبة الثانية وهو أصح ويترجح بأمر معقول هو أن المؤذن قد أمر بالإنصات
للخطبة فكيف يؤذن ولا يستمع الخطبة . قال المحب الطبري وذكر الملافي سيرته أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من خطبته اذن بلال وسكت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فلما فرغ بلال من الأذان تكلم بكلمات ثم أناخ راحلته وأقام بلال الصلاة
وهذا أولى مما ذكره الشافعي إذ لا يفوت به سماع الخطبة من المؤذن قوله "
فأقصر الخطبة " الخ قال ابن عبد البر هذا الحديث يدخل عندهم في المسند لأن
المراد بالسنة سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أطلقت ما لم تضف إلى
صاحبها كسنة العمرين انتهى . والكلام على ذلك مستوفي في الأصول وقد تقدم حديث ابن
عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يروح عند صلاة الظهر "
وقدمنا أن ظاهره يخالف حديث جابر الطويل عند النبي أن توجهه صلى الله عليه وآله
وسلم من نمرة كانت حين زاغت الشمس والمصنف رحمه الله تعالى اختصر هذه القصة
الواقعة بين ابن عمر والحجاج وهي في البخاري أطول من هذا المقدار وكذلك في سنن
النسائي
باب الدفع إلى مزدلفة ثم منها إلى منى وما
يتعلق بذلك
1 - عن أسامة بن زيد " أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم حين أفاض من عرفات كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص "
- متفق عليه
2 - وعن الفضل بن عباس وكان رديف النبي صلى
الله عليه وآله وسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في عشية
عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا عليكم السكينة هو كاف ناقته حتى دخل محسرا وهو من
منى وقال عليكم بحصى الخذف الذي يرمي به الجمرة "
- رواه أحمد ومسلم
3 - وفي حدبث جابر " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم
يسبح بينهما شيئا ثم إضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفججر حين تبين له الصبح بأذان
وإقامة ثم ركب القصوا حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله
ووحده فلم يزل واقفا حتى اسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسر فحرك
قليلا ثم سلك الطريق الوسطي التي خرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند
الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصي الخذف رمى من بطن الوادي ثم
انصرف إلى المنحر "
- رواه مسلم
- قوله " العنق " بفتح المهملة
والنون وهو السير الذي بين الإبطاء والإسراع . وفي المشارق أنه سير سهل في سرعة . وقال
القزاز هو سير سريع وقال في القاموس هو الخطوة الفسيح وانتصب العنق على الصدر
المؤكد للفظ الفعل . قوله " فجوة " بفتح الفاء وسكون الجيم المكان
المتسع . قوله " نص " بفتح النون وتشديد المهملة أي أسرع قال ابن عبد
البر في هذا الحديث كيفية السير في الدفع من عرفة إلى المزدلفة لأجل الاستعجال
للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة فيجمع بين المصلحتين من الوقار
والسكينة عند الزحمة ومن الإسراع عند عدم الزحام : قوله " وهو كاف ناقته
" الخ هذا محمول على حال الزحام دون غيره بدليل حديث أسامة المتقدم وكذلكيحمل
حديث ابن عباس عن أسامة عند أبي داود وغيره " أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم أردفه حين أفاض من عرفة وقال أيها الناس عليكم بالسكينة أن البر ليس بالإيجاف
قال فما رأيت ناقة رافعة يدها حتى أتى جمعا " وقد حمله علة مثل ما ذكر ابن
خزيمة قوله " الخذف " بخاء معجمة مفتوحة وذال معجمة ساكنة ثم فاء . قال
العلماء حصى الحذف كقدر حبة الباقلا : قوله " فصلى بها المغرب
والعشاء " استدل به على جمع التأخير بمزدلفة . قال في الفتح وهو إجماع لكنه
عند الشافعية وطائفة بسبب السفر انتهى . وقد قدمنا الجواب عن هذا : قوله "
ولم يسبح بينهما " أي لم يتنفل وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ترك التطوع
بين الصلاتين بالمزدلفة قال لأنهم اتفقوا على أن السنة الجمع بين المغرب والعشاء
بالمزدلفة ومن تنفل بينهما لم يصح أنه جمع انتهى . ويشكل على ذلك ما في البخاري عن
ابن مسعود أنه صلى بعد المغرب ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى ثم صلى العشاء : قوله
" القصوا " قد تقدم ضبطها : قوله " فاستقبل القبلة " الخ فيه
استحباب استقبال القبلة بالمشعر الحرام والدعاء والتكبير والتهليل والتوحيد
والوقوف به إلى الأسفار والدفع منه قبل طلوع الشمس وقد ذهب جماعة من أهل العلم
منهم مجاهد وقتادة والزهري والنوري إلى أن من لم يقف بالمشعر فقد ضيع نسكا وعليه
دم وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور وروى عن عطاء والأوزاعي أنه لا دم
عليه وإنما هو منزل من شاء نزل به ومن شاء لم ينزل به . وذهب ابن بنت الشافعي وابن
خزيمة إلى أن الوقوف به ركن لا يتم الحج إلا به وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه وروى
عن علقمة والنخعي واحتج الطحاوي بأن الله عز و جل لم يذكر الوقوف بها بغير ذكر أن
حجه تام فإذا كان الذكر المذكور في القرآن ليس من تمام الحج فالمواطن الذي يكون
فيه الحج الذكر أحري أن لا يكون فرضا : قوله " حتى أسفر جدا "
بكسر الجيم أي أسفارا بليغا وهذا يرد إلى ما ذهب إليه مالك من أن الدفع قبل
الإسفار . قوله " محسر " الخ بكسر السين المهملة قبلها حاء مهملة وليس
هو من مزدلفة ولا منى بل هو مسيل بينهما وقيل أنه من منى وفيه دليل على أنه يستحب
لمن بلغ وادي محسر إن كان راكبا أن يحرك دابته وإن كان ماشيا أسرع في مشيه : قوله
" فرماها " الخ سيأتي الكلام على الرمي
4 - وعن عمر قال " كان أهل الجاهلية لا
يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس ويقولون أشرق ثبير فخالفهم النبي ؟ ؟ فأفاض قبل طلوع
الشمس "
- رواه الجماعة إلا مسلما لكن في رواية أحمد
وابن ماجة " أشرق ثبير كيما نغير "
- قوله " لا يفيضون " بضم أوله أي
من المزدلفة . قوله " اشرق " بفتح الهمزة فعل أمر من الإشراق أي أدخل في
الشروق وظن بعضهم أنه ثلاثي فضبطه بكسر الهمزة من شرق وليس بواضح والمعنى لتطلع
عليك الشمس . قوله " ثبير " بفتح المثلثة وكسر
الموحدة وسكون التحتية بعدها راء مهملة وهو جبل معروف بمكة وهو أعظم جبالها . قوله
" فأفاض قبل طلوع الشمس " الإفاضة الدفعة كما قال الأصمعي . ولفظ أبي
داود فدفع قبل طلوع الشمس . قوله " كيما نغير " قال الطبري معناه كيما
ندفع وهو من قولهم أغار الفرس إذا أسرع ( والحديث ) فيه مشروعية الدفع من الموقف
بالمزدلفة قبل طلوع الشمس عند الأسفار وقد نقل الطبري الإجماع على أن من لم يقف
فيها حتى طلعت الشمس فاته الوقوف . قال ابن المنذر وكان الشافعي وجمهور أهل العلم
يقولون بظاهر هذا الحديث وما ورد في معناه وكان مالك يرى أن يدفع قبل الإسفار وهو
مردود بالنصوص
5 - وعن عائشة " قالت كانت سودة امرأة
ضخمة ثبطة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تفيض من جمع بليل فأذن
لها "
- متفق عليه
6 - وعن ابن عباس قال " أنا ممن قدم
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المزدلفة في ضعفه أهله "
- رواه الجماعة
7 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أذن لضعفه الناس من المزدلفة بليل "
- رواه أحمد
8 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أوضع في واد محسر وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الحذف "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي
- قوله " ثبطة " بفتح المثلثة
وكسر الموحدة بعدها مهملة خفيفة أي بطيءة الحركة لعظم جسمها . قوله " في ضعفة
أهله " الضعفة بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة جمع ضعيف وهم النساء
والصبيان والخدم : قوله " أوضع " أي أسرع السير بإبله يقال وضع البعير
وأوضعه راكبه أي أسرع به السير . قوله " بمثل حصى الحذف "
تقدم ضبطه وتفسيره وحديث عائشة وابن عباس وابن عمر فيها دليل على جواز الإفاضة قبل
طلوع الشمس وفي بقية جزء من الليل لمن كان من الضعفة . وحديث جابر يدل على أنه
يشرع الإسراع بالمشي في واد محسر . قال الأزرقي وهو خمسمائة ذراع وخمسة وأربعون
ذراعا وإنما شرع افسراع فيه لأن العرب كانوا يقفون فيه ويذكرون مفاخر آبائهم فاستحب
الشارع مخالفتهم وحكى الرافعي وجها ضعيفا أنه لا يستحب الإسراع للماشي
باب رمي جمرة العقبة يوم النحر وأحكامه
1 - عن جابر قال " رمى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم الجمرة يوم النحر ضحي وأما بعد فإذا زالت الشمس "
- أخرجه الجماعة
2 - وعن جابر قال " رأيت النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول لتأخذوا عني مناسككم فأني
لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
3 - وعن ابن مسعود " أنه انتهى إلى
الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع وقال هكذا رمى الذي
انزلت عليه سورة البقرة "
- متفق عليه ولمسلم في رواية جمرة العقبة
وفي رواية لأحمد " انه انتهى إلى جمرة العقبة فرماها من بطن الوادي بسبع
حصيات وهو راكب يكبر مع كل حصاة وقال اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا ثم قال
ههنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة "
- قوله " الجمرة " يعني جمرة
العقبة . قوله " يوم النحر ضحي " لاخلاف أن هذا الوقت هو الأحسن لرميها
واختلف فيمن رماها قبل الفجر فقال الشافعي يجوز تقدمه من نصف الليل وبه قال عطاء
وطاوس والشعبي وقالت الحنفية وأحمد وإسحاق والجمهور أنه لا يرمي جمرة العقبة إلا
بعد طلوع الشمس ومن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جازو أن رماها قبل الفجر
أعاد وحكى المهدي في البحر عن العترة والشافعي أن وقت الرمي من ضحى يوم النحر
واستدل القائلون بأن وقت الرمي من وقت الضحى بحديث الباب وبحديث ابن عباس الآتي
قالوا وإذا كان من رخص له النبي صلى الله عليه وآله وسلم منعه أن يرمي قبل طلوع
الشمس فمن لم يرخص له أولى ( واحتج المجوزون ) للرمي قبل الفجر أسماء الآتي ولكنه
مختص بالنساء كما سيأتي ولا حاجة إلى الجمع بينه وبين حديث ابن عباس بحمل حديث ابن
عباس على الندب كما ذكره صاحب الفتح . قال ابن المنذر السنة أن لا يرمي إلا بعد
طلوع الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر
لأن فاعله مخالف للسنة ومن رماها حينئذ فلا اعادة عليه إذ لا أعلم أحدا قال لا
يجزئه انتهى . والأدلة تدل على أن وقت الرمي من بعد طلوع الشمس لمن كان لا رخصة له
ومن كان له رخصة كالنساء وغيرهن من الضعفة جاز قبل ذلك ولكنه لا يجزئ في أول ليلة
النحر اجماعا وسيأتي بقية الكلام على هذا ( واعلم ) أنه قد قيل أن الرمي واجب
بالإجماع كما حكى ذلك في البحر واقتصر صاحب الفتح على حكاية الوجوب عن الجمهور وقال
انه عند المالكية سنة وحكى عنهم أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه وحكى ابن
جرير عن عائشة وغيرها أن الرمي إنما شرع حفظا للتكبير فإن تركه وكبر اجزأه والحق
أنه واجب لما قدمنا من أن أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم بيان لمجمل واجب هو قوله
تعالى { ولله على الناس حج البيت } وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا
عني مناسككم " . قوله " على راحلته " استدل به على أن رمي الراكب لجمرة
العقبة أضل من رمي الراجل وبه قالت الشافعية والحنفية والناصر والإمام يحيى وقال
الهادي والقاسم إن رمي الراجل أفضل وأجابوا عن الحديث بأنه صلى الله عليه وآله
وسلم كان راكبا لعذر الأزدحام . قوله " لتأخذوا " بكسر اللام قال النووي
هي لام ومعناه خذوا مناسككم قال وهكذا وقع في رواية غير مسلم وتقدير الحديث أن هذه
الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته
والمعنى اقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس . قال النووي وغيره هذا
الحديث أصل عظيم في مناسك الحج وهو نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة
كما رأيتموني أصلي . قال القرطبي ويلزم من هذين الأصلين أن الأصل في أفعال الصلاة
والحج الوجوب إلا ما خرج بدليل كما ذهب إليه أهل الظاهر وحكى عن الشافعي انتهى وقد
قدمنا في الصلاة أن مرجع واجباتها إلى حديث المسيء فلا يجب غير ما اشتمل عليه إلا بدليل
يخصه وقد قدمنا أن افعال الحج وأقواله الظاهر فيها الوجوب إلا ما خرج بدليل كما
قالت الظاهرية وهو الحق قال القرطبي روايتنا لهذا الحديث بلام الجر المفتوحة
والنون هي مع الألف ضمير أي يقول لنا خذوا مناسككم فيكون قوله لنا صلة للقول قال
وهو الأفصح وقد روى لتأخذوا ماسككم بكسر اللام للامر وبالتاء المثناة من فوق وهي
لغة شاذة قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى { فبذلك
فلتفرحوا } انتهى
والأولى أن يقال انها قليلة لاشاذة
لورودها في كتاب الله تعالى وفي كلام نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وفي كلام فصحاء
العرب وقد قرأ بها عثمان بن عفان وأبي وأنس والحسن وأبو رجاء وابن هرمز وابن سيرين
وأبو جعفر المدني والسلمي وقتادة والجحدري وهلال بن يساف والأعمش وعمرو بن قائد
والعباس بن الفضل الأنصاري قال صاحب اللوامح وقد جاء عن يعقوب كذلك قال ابن عطية
وقرأ بها ابن القعقاع وابن عامر وهي قراءة جماعة من المسلمين كثيرة وما نقله ابن
عطية عن ابن عامر هوخلاف قراءته المشهورة : قوله " لعلي لا أحج بعد حجتي هذه
" فيه اشارة إلى توديعهم واعلامهم بقرب وفاته صلى الله عليه وآله وسلم ولهذا
سميت حجة الوداع . قوله " إلي الجمرة الكبرى " هي جمرة العقبة . قوله
" فجعل البيت عن يساره " فيه أنه يستحب لمن وقف عند الجمرة أن يجعل مكة
عن يساره وله " ومنى عن يمينه " فيه أنه يستحب أن يجعل منى على جهة
يمينه ويستقبل الجمرة بوجهه قوله " ورمى بسبع " فيه دليل على أن رمي
الجمرة يكون سبع حصيات وهو يرد قول ابن عمر ما أبالي رميت الجمرة بست أو بسبع
وسيأتي في باب المبيت بمنى متمسك لقوله وروى عن مجاهد أنه لاشيء على من رمى بست
وعن طاوس يتصدق بشيء وعن مالك والأوزاعي من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم
وعن الشافعية في ترك حصاة مد وفي ترك حصاتين مدان وفي ثلاثة فأكثر دم وعن الحنفية
أن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع والاقدم : قوله " سورة
البقرة " خصها بالذكر لان معظم أحكام الحج فيها : قوله " سورة البقرة " خصها
بالذكر لأن معظم أحكام الحج فيها : قوله " يكبر مع كل حصاة وقد استدل بهذا
على اشتراط رمي الجمرات بواحدة بعد واحدة من الحصى لأن التكبير مع كل حصاة يدل على
ذلك وروى عن عطاء أنه يجزيء ويكبر لكل حصاة تكبيرة وقال الأصم يجزى مطلقا وقال
الحسن البصري يجزىء الجاهل فقط وقال الناصر والحنفية يجزىء عن واحدة مطلقى وقالت
الهادوية لا يجزىء بل يستأنف . قوله " وقال اللهم " الخ فيه استحباب هذا
الدعاء مع التكبير قال في الفتح وأجمعوا على أن من لم يكبر لا شيء عليه انتهى
4 - وعن ابن عباس قال " قدمنا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم اغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع فجعل يلطح
أفخاذنا ويقول أبيني لا ترموا حتى تطلع الشمس "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي ولفظه "
قدم ضعفة أهلة وقال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس "
5 - وعن عائشة قالت " أرسل النبي صلى
الله عليه وآله وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت
وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني عندها "
- رواه أبو داود
6 - وعن عبد الله مولى أسماء عن أسماء "
أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت يا بني هل غاب القمر قلت لا فصلت ساعة ثم
قالت يابني غاب القمر قلت نعم قالت فارتحلوا فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم
رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا قالت يابني ان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذن للظعن "
- متفق عليه
7 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم بعث به مع أهله إلى منى يوم النحر فرموا الجمرة مع الفجر "
- رواه أحمد
- حديث ابن عباس الأول أخرجه أيضا الطحاوي
وابن حبان وصححه وحسنه الحافظ في الفتح وله طرق وحديث عائشة أخرجه أيضا الحاكم
والبيهقي ورجاله رجال الصحيح . وحديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضا النسائي والطحاوي
ولفظه " بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أهله وأمرني ان أرمي مع
الفجر " وهو في الصحيحين بلفظ " كنت فيمن قدم رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى " . قوله " أغيلمة "
منصوب على الاختصاص أو على الندب قال في النهاية تصغير أغلمة بسكون الغين وكسر
اللام جمع غلام وهو جائز في القياس ولم يرد في جمع الغلام أغلمة وإنما ورد غلمة
بكسر الغين والمراد بالأغيلمة الصبيان ولذلك صغرهم : قوله " على جمرات "
بضم الحاء المهملة والميم جمع لحمر وحمر جمع لحمار . قوله " فجعل يلطح "
بفتح الياء التحتية والطاء المهملة وبعدها حاء مهملة . قال الجوهري اللطح الضرب
اللين على الظهر ببطن الكف انتهى . وإنما فعل ذلك ملاطفة لهم . قوله " أبينى " بضم
الهمزة وفتح الباء الموحدة وسكون ياء التصغير وبعدها نون مكسورة ثم ياء النسب
المشددة كذا قال ابن رسلان في شرح السنن . وقال في النهاية الا بيني بوزن الأعيمي
تصغير الابنا بوزن الأعمى وهو جمع ابن . قوله " حتى تطلع الشمس " استدل
بهذا من قال إن وقت رمي جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس وقد تقدم الكلام على ذلك .
وأما وقت رمي غيرها فسيأتي في باب المبيت بمنى . قوله " فبل الفجر "
هذا مختص بالنساء كما أسلفنا فلا يصلح للتمسك به على جواز الرمي لغيرهن من هذا
الوقت لورود الأدلة القاضية بخلاف ذلك كما تقدم ولكنه يجوز لمن بعث معهن من الضعفة
كالعبيد والصبيان أن يرمي في وقت رميهن كما في حديث أسماء وحديث ابن عباس الآخر :
قوله " فأفاضت " أي ذهبت لطواف الإفاضة ثم رجعت إلى منى : قوله "
يعني " هو من تفسير أبي داود قوله " عندها " يعني أم
سلمة أي في نوبتها من القسم : قوله " فارتحلوا " في رواية مسلم فارحل بي
: قوله " ياهنتاه " بفتح الهاء والنون وقدتسكن النون بعدها مثناة فوقية
وآخرها هاء ساكنة هذا اللفظ كناية عن شيء لا تذكره باسممه وهو بمعنى يا هذه : قوله
" ما أرانا " بضم الهمزة بمعنى الظن وفي رواية مسلم لقد غلسنا بالجزم
وفي رواية الموطأ " لقد جئنا بغلس " وفي رواية أبي داود " انا
رمينا الجمرة بليل وغلسنا " قوله " اذن للظعن " بضم الظاء المعجمة
جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج ثم أطلق على المرأة مطلقا ( وفي هذا الحديث ) دليل
على أنه يجوز للنساء الرمي لجمرة العقبة في النصف الأخير من الليل وقد تقدم الخلاف
في ذلك واستدل به على اسقاط المرور وبالمشعر عن الظعينة ولا دلالة فيه على ذلك لأن
غاية ما فيه السكوت عن المرور بالمشعر وقد ثبت في البخاري وغيره عن ابن عمر أنه
كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل ثم يقدمون مني لصلاة
الفجر ويرمون : قوله " مع الفجر " فيه دليل على أنه يجوز للنساء ومن
معهن من الضعفة الرمي وقت الفجر كما تقدم
باب النحر والحلاق والتقصير وما يباح
عندهما
1 - عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزلة بمنى ونحر ثم قال للحلاق خذ
وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود
2 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال
اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا
يا رسول الله وللمقصرين قال وللمقصرين "
- متفق عليه
- قوله " إلى جانبه الأيمن " فيه استحباب
البداءة في حلق الرأس بالشق الأيمن من رأس المحلوق وهو مذهب الجمهور وقال أبو
حنيفة يبدأ بجانبه الأيسر لأنه على يمين الحالق والحديث يرد عليه والظاهر أن هذا
الخلاف يأتي في قص الشارب قوله " ثم جعل يعطيه الناس " فيه مشروعية
التبرك بشعر أهل الفضل ونحوه وفيه دليل على طهارة شعر الأدمي وبه قال الجمهور وقد
تقدم الكلام على ذلك في أبواب الطهارة قوله : " اللهم
اغفر للمحلقين " لفظ أبي داود " ارحم " كذا في رواية البخاري وفيه دليل
على الترحم على الحي وعدم اختصاصه بالميت " قوله " وللمقصرين " هو
عطف على محذوف تقديره قل وللمقصرين ويسمى عطف التلقين ( والحديث ) يدل على أن الحلق
أفضل من التقصير لتكريره صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء للمحلقين وترك الدعاء
للمقصرين في المرة الأولى والثانية مع سؤالهم له ذلك وظاهر صيغة المحلقين أنه يشرع
حلق جميع الرأس لانه الذي تقتضيه الصيغة إذ لا يقال لمن حلق بعض رأسه أنه حلقه الا
مجازا وقد قال بوجوب حلق الجميع أحمد ومالك واستحبه الكوفيون والشافعي ويجزىء
البعض عندهم واختلفوا في مقداره فعن الحنفية الربع الا أن أبا يوسف قال النصف وعن
الشافعي أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة وهكذا الخلاف
في التقصير ( وقد اختلف ) أهل العلم في الحلق هل هو نسك
أو تحليل محظور فذهب إلى الأول الجمهور وإلى الثاني عطاء وأبو يوسف ورواية عن أحمد
وبعض المالكية والشافعي في رواية عنه ضعيفة وخرجه أبو طالب للهادي والقاسم وقد
اختلف أيضا في الوقت الذي قال فيه رسول الله هذا القول فقيل إنه كان يوم الحديبية
وقيل في حجة الوداع وقد دلت على الأول أحاديث وعلى الثاني أحاديث أخر وقيل إنه كان
في الموضعين أشار إلى ذلك النووي وبه قال ابن دقيق العيد قال الحافظ وهو المتعين
لتظافر الروايات بذلك في الموضعين وهذا هو الراجح لأن الروايات القاضية بأن ذلك
كان في الحديبية لا تنافي الروايات القاضية بأن ذلك كان في حجة الوداع وكذلك العكس
فيتوجه العمل بها في جميعها والجزم بما دلت عليه وقد أطال صاحب الفتح الكلام في
تعيين وقت هذا القول فمن أحب الإحاطة بجميع ذيول هذا البحث فليرجع إليه
3 - وعن ابن عمر رضي الله عنه " أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم لبد رأسه وأهدى فلما قدم مكة أمر نساءه أن يحللن قلن مالك
أنت لم تحل أني قلدت هديى ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من حجتي وأحلق رأسي "
- رواه أحمد وهو دليل على وجوب الحلق
4 - وعن ابن عباس رضي الله عنه قال " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس على النساء الحلق إنما على النساء التقصير "
- رواه أبو داود والدارقطني
- حديث ابن عمر هو في البخاري عنه عن حفصة
ولكن ليس فيه وأحلق رأسي . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا
الطبراني وقد قوى إسناده البخاري في التاريخ وأبو حاتم في العلل وحسنه الحافظ
وأعله ابن قطان ورد عليه ابن المواق فأصابه ( وقد استدل ) بحديث ابن عمر على أنه
يتعين الحلق على من لبد رأسه وبه قال الجمهور كما نقله ابن بطال وقالت الحنفية لا
يتعين بل إن شاء قصر قال في الفتح وهذا قول الشافعي في الجديد قال وليس للأول دليل
صريح انتهى
. ولا يخفى أن الحديث الذي ذكره المصنف دليل
صريح ويؤيده أن الحلق معلوم من حالة صلى الله عليه وآله وسلم في حجه كم في صحيح
البخاري عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حلق في حجته "
قوله " ليس على النساء الحلق " الخ فيه دليل على أن
المشروع في حقهن التقصير وقد حكى الحافظ الإجماع على ذلك قال جمهور الشافعية فإن
حلقت حلقت أجزأها قال القاضي أبو الطيب والقاضي حسين لا يجوز وقد أخرج الترمذي من
حديث علي عليه السلام نهى أن تحلق المرأة رأسها
5 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم إذا رميت الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء فقال رجل
والطيب فقال ابن عباس أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضمخ رأسه
بالمسك أفطيب ذلك أم لا "
- رواه أحمد
6 - وعن عائشة قالت " كنت أطيب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك "
- متفق عليه . وللنساء " طيب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم لحرمه حين أحرم ولحله بعدما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف
بالبيت
"
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا أبو داود
والنسائي وابن ماجه من حديث الحسن العرب \ ني عنه قال في البدر المنير إسناده حسن
كما قال المنذري إلا أن يحيى بن معين وغيره قالوا يقال أن الحسن العرني لم يسمع من
ابن عباس ( وفي الباب ) عن عائشة غير حديث الباب عند أحمد وأبي داود والدارقطني
والبيهقي مرفوعا بلفظ " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء
إلا النساء " وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف وعن أم سلمة عند أبي داود والحاكم
والبيهقي بنحوه وفي إسناده محمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث : قوله
" فقد حل لكم كل شيء إلا النساء " استدلت به العترة والحنفية والشافعية
على أنه يحل بالرمي لجمرة العقبة كل محظور من محظورات الإحرام إلا الوطء للنساء
فإنه لا يحل به بالإجماع قال مالك والطيب . وروى نحوه عن عمر وابن عمر وغيرهما
وقال الليث إلا النساء والصيد وأحاديث الباب ترد عليهم ( وقد استدل ) المانعون من
الطيب بعد الرمي بما أخرجه الحاكم عن ابن الزبير أنه قال إذا رمى الجمرة الكبرى حل
له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت وقال إن ذلك من سنة الحج
وبما أخرجه النسائي عن ابن عرم أنه قال إذا رمى وحلق حل له كل شيء إلا النساء
والطيب ولا يخفى أن هذين الأثرين لا يصلحان لمعارضة أحاديث الباب وعلى فرض أن
الأول منهما مرفوع فهو أيضا لا يعتد به بجنب الأحاديث المذكورة ولا سيما وهي مثبتة
بحل الطيب قوله " أفطيب ذلك أم لا " هذا استفهام تقرير لأن السامع لا بد
أن يقول نعم وقد ثبت أن المسك أطيب الطيب كما سلف قوله " قبل أن يحرم "
قد تقدم الكلام على هذا مبسوطا . قوله " ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت
" أي لأجل إحلاله من إحرامه قبل أن يطوف طواف الإفاضة وذلك بعد أن رمى جمرة
العقبة كما وقع في الرواية الأخرى
باب الإفاضة من منى للطواف يوم النحر
1 - عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى "
- متفق عليه
2 - وفي حديث جابر " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم انصرف إلى المنحر فنحر ثم ركب فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر "
- مختصر من مسلم
- قوله " أفاض " أي طاف بالبيت
وفيه دليل على أنه يستحب فعل طواف الإفاضة يوم النحر أول النهار . قال النووي وقد
أجمع العلماء أن هذا الطواف وهو طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به
واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق فإن أخره عنه وفعله
في أيام التشريق وأتى به بعدها أجزأه ولا شئ عليه عند الجمور . وقال أبو حنيفة ومالك
إذا تطاول لزم معه دم أنتهى . وكذا حكى الإجماع على فرضية طواف الزيارة وأنه لا
يجبره وأن وقته من يوم النحر الإمام المهدي في البحر وطواف الإفاضة وهو المأمور به
في قوله تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق } وهو الذي يقال له طواف الزيادة قوله
" فصلى الظهر بمنى " وقوله في الحديث الآخر " فصلى بمكة الظهر
" ظاهر هذا التنافي وقد جمع النووي بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أفاض قبل
الزوال وطاف وصلى الظهر بمكة في أول النهار ثم رجع إلى منى وصلى بها الظهر مرة
أخرى إماما بأصحابه كما صلى بهم في بطن نخل مرتين مرة بطائفة ومرة بأخرى فروى ابن
عمر صلاته بمنى وجابر صلاته بمكة وهما صادقان . وذكر ابن المنذر نحوه ويمكن الجمع
بأن يقال أنه صلى بمكة ثم رجع إلى منى فوجد أصحابه يصلون الظهر فدخل معهم متنقلا
لأمره صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لمن وجد جماعة يصلون وقد صلى
باب ما جاء في تقديم النحر والحلق والرمي
والإفاضة بعضها على بعض
1 - عن عبد الله بن عمر " قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة فقال يا
رسول الله حلقت قبل أن أرمي قال أرم ولا حرج وأتاه آخر فقال أني ذبحت قبل أن أرمي
قال ارم ولا حرج وأتى آخر فقال أني أفضت إلى البيت قبل ان أرمي فقال ارم ولا حرج
" وفي رواية عنه " انه شهد كذا ثم قام آخر فقال كنت أحسب أن كذا قبل كذا
حلقت قبل أن أنحر نحرت قبل أن أرمي وأشباه ذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم
افعل ولا حرج لهن كلهن فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال افعل ولا حرج "
- متفق عليه . ولمسلم في رواية " فما
سمعته يسئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض
وأشباهها إلا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم افعلوا ولا حرج "
2 - وعن علي عليه السلام قال " جاء
رجل فقال يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر قال أنحر ولا حرج ثم أتاه آخر فقال يا
رسول الله أني أفضت قبل أن أحلق قال احلق أو قصر ولا حرج "
- رواه أحمد . وفي لفظ " قال أني أفضت
قبل أن أحلق قال احلق أو قصر ولا حرج قال وجاء آخر فقال يا رسول الله أني ذبحت قبل
أن أرمي قال ارم ولا حرج "
- رواه الترمذي وصححه
3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال لا حرج "
- متفق عليه . وفي رواية " سأله رجل
فقال حلقت قبل أذبح قال إذبح ولا حرج وقال رميت بعدما أمسيت فقال أفعل ولا حرج
" . رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه والنسائي . وفي رواية قال " قال
رجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم زرت قبل أن أرمي قال لا حرج قال حلقت قبل أن
أذبح قال لا حرج قال ذبحت قبل أن أرمي قال لا حرج "
- رواه البخاري
- قوله " في يوم النحر " في رواية
للبخاري إن ذلك كان في حجة الوداع وفي له يخطب يوم النحر كما في الباب وفي أخرى له
أيضا على راحلته قال القاضي عياض جمع بعضهم بين هذه الروايات بإنه موقف واحد على
أن معنى خطب أنه علم الناس لا أنا خطبة من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن يكون
ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر
بعد صلاة الظهر وذلك وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما
بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الاحتمال الثاني فإن قيل لامنافاة بين هذا
الذي صوبه وبين ما قبله فإنه ليس في شيء من طرق الأحاديث بيان الوقت الذي خطب فيه
الناس فيجاب بأن في رواية حديث ابن عباس التي ذكرها المصنف رميت بعد ما أمسيت وهي
تدل على إن هذه القصة كانت بعد الزوال لأن المساء إنما يطلق على ما بعد الزوال
وكأن السائل علم إن السنة للحجاج ان يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحي فلما أخرها إلى
بعد الزوال عن ذلك ( والحاصل ) أنه قد أجتمع من الروايات أن ذلك كان في حجة الوداع
يوم النحر بعد الزوال عند الجمرة والرجل المذكور في هذه الأحاديث قال الحافظ في
الفتح لم نقف بعد البحث الشديد على أثم أحد ممن سأل في هذه القصة قوله " حلقت
قبل أن أرمي " في هذه الرواية قدم السؤال عن الحلق قبل الرمي وفي الرواية
الثانية قدم السؤال عن الحلق قبل النحر وكذلك في حديث علي عليه السلام وفي الرواية
الأخرى منه قدم الإفاضة قبل الحلق وفي الرواية الثالثة منه قدم الذبح قبل الرمي
وفي رواية ابن عباس قدم الحلق قبل الذبح وفي الرواية الأخرى منه قدم الزيارة قبل الرمي
( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على جواز تقديم بعض الأمور المذكورة فيها على
بعض وهي الرمي والحلق والتقصير والنحر وطواف الإفاضة وهو إجماع كما قال ابن قدامة
في المغني قال في الفتح إلا أنهم أختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع قال القرطبي
روي عن ابن عباس ولم يثبت عنه أن من قدم شيئا على شيء فعليه دم وبه قال سعيد بن
جبير وقتادة والحسن والنخعي وأصحاب الرأي وتعقبه الحافظ بأن نسبة ذلك إلى النخعي
أصحاب الرأي فيها نظر وقال أنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع وإنما أوجبوا
الدم لأن العلماء قد أجمعوا على أنها مترتبة أولها رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي
أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة ولم يخالف في ذلك أحد إلا أن ابن جهم
المالكي استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف ورد عليه النووي بالإجماع فالمراد
بإجابهم الدم على من قدم شيئا على شيء يعنون من الأشياء المذكورة في هذا الترتيب
المجمع عليه بأن فعل ما يخالفه . وقد روى إيجاب الدم عن الهادي والقاسم
وذهب جمهور العلماء من الفقهاء وأصحاب
الحديث إلى الجواز وعدم وجوب الدم قالوا لأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا حرج
يقتضي رفع الأثم والفدية معا لأن المراد بنفي الحرج نفي الضيق وإيجاب أحدهما فيه
ضيق وأيضا لوكان الدم واجبا لبينه صلى الله عليه وآله وسلم لأن تأخير البيان عن
وقت الحاجة لا يجوز وبهذا يندفع ما قاله الطحاوي من أن الرخصة مختصة بمن كان جاهلا
أو ناسيا لا من كان عامدا فعليه الفدية . قال الطببري لم يسقط النبي صلى الله عليه
وآله وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لم يجزئ لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان
لا يضيعان غير أثم الحكم الذي يلزمه بالحج كما لو ترك الرمي ونحوه فإنه لا يأثم
بتركه ناسيا أو جاهلا لكن يجب عليه الإعادة قال والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على
نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك بعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبا يجب بتركه دم
فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض من تعميم الشارع الجميع بنفي
الحرج انتهى . وذهب بعضهم إلى تخصيص الرخصة بالناس والجاهل دون العامد واستدل على
ذلك لقوله في حديث ابن عمرو فما سمعته يومئذ يسأل عن أمر ينسى أو يجهل الخ وبقوله
في رواية للشيخين من حديثه " إن رجلا قال له صلى الله عليه وآله وسلم لم أشعر
فنحرت قبل أن أرمي فقال أرم ولا حرج " وذهب أحمد إلى التخصص المذكور كما حكى
ذلك عنه الأثرم وقد قوى ذلك ابن دقيق العيد فقال ما قاله أحمد قوي منجهة أن الدليل
دل على وجوب إتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحج بقوله " خذوا عني
مناسككم " وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول
السائل لم أشعر فيختص هذا الحكم بهذه الحالة وتبقى صورة العمد على أصل وجوب
الإتباع في الحج وأيضا الحكم إذاىرتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز أطراحه
ولا شك أن عدم الشعور مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يجوز إطراحه
بالحاق العمد إذ لا يساويه . وأما التمسك بقول الراوي فما سئل عن شئ الخ لاشعاره
بأن الترتيب مطلقا غير المراعة فجوابه أن الأخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال
عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه فلا
يبقى حجة في حال العمد كذا بالفتح . ولا يخفاك أن السؤال له صلى الله عليه وآله
وسلم وقع من جماعة كما في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب
يسألونه ولفظ حديثه عند أبي داود قال " خرجت مع النبي صلى الله عليه وآله
وسلم حاجا فكان الناس يأتونه فمن قائل يا رسول الله سعيت قبل أن أطواف أوقدمت شيئا
فكان يقول لا حرج لا حرج ويدل على تعدد السائل قول ابن عمرو في حديثه المذكور في
الباب وأتاه آخر فقال أني أفضت الخ وقول علي علىه السلام في حديثه المذكور وأتاه
آخر : قوله " وجاء أخر " وتعليق سؤال بعضهم
بعدم الشعور لا يستلزم سؤال غيره به حتى يقال أنه يختص الحكم بحالة عدم الشعور ولا
يجوز إطراحها بالحاق العمد بها ولهذا يعلم أن التعويل في التخصيص على وصف عدم
الشعور المذكور في سؤال بعض السائلين غير مفيد للمطلوب نعم إخبار ابن عمرو عن أعم
العام وهو قوله " فما سأل يومئذ عن شيء " مخصص بإخباره مرة أخرى عن أخص
منه مطلقا وهو قوله فما سمعته يومئذ يسئل عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل ولكن عند
من جوزالتخصيص بمثل هذا المفهوم . قوله " رميت بعدما أمسيت " فيه دليل
على أن من رمى بعد دخول وقت المساء وهو الزوال صح رميه ولا حرج عليه في ذلك
باب استحباب الخطبة يوم النحر
1 - عن الهرماس بن زياد قال " رأيت النبي
صلى الله عليه وآله وسلم يخطب على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى "
- رواه أحمد وأبو داود
2 - وعن أبي أمامة قال سمعت خطبة النبي صلى
الله عليه وآله وسلم بمنى يوم النحر "
- رواه أبو داود
3 - وعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال "
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن بمنى ففتحت اسماعنا حتى كنا نسمع ما
يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السبابتين
ثم قال بحصي الخذف ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد وأمر الأنصار فنزلوا من
وراء المسجد ثم نزل الناس بعد ذلك "
- رواه أبو داود والنسائي بمعناه
4 - وعن أبي بكر قال " خطبنا النبي صلى
الله عليه وآله وسلم يوم النحر فقال أتدرون أي يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت
حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال أي شهر هذا قلنا
الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليست البدلة قلنا بلى
قال فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرم يوم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى
يوم تلقون ربكم ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم أشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرب
مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض "
- رواه أحمد والبخاري
- الأحاديث المذكورة في هذا الباب قد قدمها
المصنف رحمه الله تعالى في كتاب العيدين بالفاظها المذكورة ههنا من دون زيادة ولا
نقصان ولم تجر له عادة بمثل هذا وقد شرحناها هنالك وذكرنا ما في الباب من الأحاديث
التي لم يذكرها وسنذكرها ههنا فوائد لم نتعرض لذكرها هنالك تتعلف بالفاظ هذه
الأحاديث . فقوله " العضباء " هي مقطوعة الأذن . قال الأصمعي كل قطع في الأذن
جدع فإن جاوز الربع فهي عضباء . وقال أبو عبيدة أن الغضباء التي قطع نصف أذنها فما
فوق وقال الخليل هي مشقوقة الأذن قال الحربي الحديث يدل على أن العضباء اسم لها
وإن كانت عضباء الأذن فقد جعل اسمها هذا . قوله " يوم الأضحى بمنى "
وهذه هي الخطبة الثالثة بعد صلاة الظهر فعلها ليعلم الناس بها المبيت والرمي في
أيام التشريق وغير ذلك مما بين أيديهم . قوله " ففتحت " بفتح الثانية وكسر
الفوقية بعدها أي اتسع سمع اسماعنا وقوى من قولهم قارورة فتح بضم الفاء والتاء أي
واسعة الرأس قال الكسائي ليس لها صمام ولا غلاف وهكذا صارت أسماعهم لما سمعوا صوت
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا من بركات صوته إذا سمعه المؤمن قوى سمعه واتسع
مسلكه حتى صار يسمع الصوت من الأماكن البعيدة ويسمع الأصوات الخفية . قوله " ونحن
في منازلنا " فيه دليل على أنهم لم يذهبوا لسماع الخطبة بل وقفوا في رحالهم
وهم يسمعونها ولعل هذا كان فيمن له عذر منعه من الحضور لاستماعها وهو الائق بحال
الصحابة رضي الله عنهم . قوله " فطفق يعلمهم " هذا انتقال من التكلم إلى
الغيبة وهو اسلوب من أساليب البلاغة مستحسن . قوله حتى بلغ الجمار يعني المكان
الذي ترمى الجمار والجمار هي الحصى الصغار التي يرمي بها الجمرات : قوله "
فوضع أصبعيه السبابتين " زاد في نسخة لأبي داود في أذنيه وإنما فعل ذلك ليكون
أجمع لصوته في اسماع خطبته ولهذا كان بلال يضع أصبعيه في صماخ أذنيه في الأذان
وعلى هذا ففي الكلام تقديم وتأخير وتقديره فوضع أصبعيه السبابتين في أذنيه حتى بلغ
الجمار قوله " ثم قال " يحتمل أن يكون المراد بالقول القول النفسي كما
قال تعالى { ويقولون في أنفسهم } ويكون المراد به هنا النية
للرمي . قال أبو حبان تراكيب القول الست تدل على معنى الخفة والسرعة فلهذا عبر هنا
بالقول . قوله " بحصي الخذف " قد قدمنا في كتاب العيدين أنه بالخاء
والذال المعجمتين قال الأزهري حصي الخذف صغار مثل النوى يرمى بها بين أصبعين قال
الشافعي حصي الخذف أصغر من الأنملة طولا وعرضا ومنه من قال بقدر الباقلا . وقال
النووي بقدر النواة وكل هذه المقادير متقاربة لأن الخذف بالمعجمتين لا يكون إلا
بالصغير . قوله " في مقدم المسجد " أي مسجد الخيف الذي بمنى ولعل المراد
بالمقدم بالجهة قوله " ثم نزل الناس "
برفع الناس على أنه فاعل وفي نسخة من سنن أبي داود ثم نزل الناس بتشديد الزاي ونصب
الناس وقد قدمنا شرح حديث أبي بكرة في كتاب العيدين مستكملا
باب إكفاء القارن لنسكيه بطواف واحد وسعي
واحد
1 - عن ابن عمر " قال قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من قرن بين حجة وعمرته أجزأ لهما طواف واحد "
- رواه أحمد وابن ماجه . وفي لفظ " من
أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعا "
رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب وفيه دليل على وجوب السعي ووقوف التحلل عليه
2 - وعن عروة عن عائشة قالت " خرجنا مع النبي
صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما
جميعا فقدمت وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إليه فقال
انقضى رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعى العمرة قالت ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني مع
عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال هذه مكان عمرتك قالت فطاف الذين
كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا طوافا آخر واحدا "
- متفق عليه
3 - وعن طاوس عن عائشة " أنها أهلت
بالعمرة بالحج فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم النفر يسعك طوافك
وعمرتك فأبت فعثلا بها مع عبد الرحمن إلى تنعيم فاعتمرت بعد الحج "
- رواه أحمد مسلم
4 - وعن مجاهد عن عائشة " أ ها حاضت بسرف
فتطهرت بعرفة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجزي عنك طوافك بالصفا
والمروة عن حجك وعمرتك "
- رواه مسلم وفيه تنبيه على وجوب السعي
- حديث ابن عمر أخرجه أيضا سعيد بن منصور
مرفوعا بلفظ " من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد " وأعله
الطحاوي بأن الدراوردي أخطأ فيه وأن الصواب أنه موقوف وتمسك في تخطئته بما رواه
أيوب والليث وموسى ابن عقبة وغير واحد من نافع نحو سياق ما في الباب من أن ذلك وقع
لابن عمر وأنه قال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك لأن روى هذا اللفظ عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الفتح وهو تعليل مردود فالدراوردي صدوق وليس
ما رواه مخالفا لما رواه غير فلا مانع من أن يكون الحديث عن نافع على الوجهين . وفي
الباب عن جابر عند مسلم وأبي داود بلفظ " لم يطف النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة وإلا طوافا واحد " وأخرج عبد الرزاق عن
طاوس بإسناد صحيح نه حلف ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لحجته وعمرته إلا طوافا واحدا وأخرج البخاري عن ابن عمر أنه طاف لحجته وعمرته
طوافا واحدا وأخرج البخاري عن ابن عمر أنه طاف لحجته وعمرته طوافا واحدا بعد أن
قال إنه سيفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخرج عنه من وجه آخر
أنه رأى أن يقضي طواف الحج والعمرة بطوافه الأول يعني الذي طاف يوم النحر للإفاضة
وقال كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( وبهذه الأدلة ) تمسك من قال
أنه يكفي القارن لحجته وعمرته واحدوسعي واحد وهو مالك والشافعي وإسحاق وداود وهو
محكىعن ابن عمر وجابر وعائشة كذا قال النووي وقال زيد بن علي وابو حنيفة وأصحابه
والهادي والناصرقال النووي وهومحكى عن ابن أبي طالب عليه السلام وابن مسعود
والشعبي والنخفي انه يلزم القارن طوافان وسعيان واجابواعن حديث ابن عمر . ومنها جوابه
عن حديث عائشة بأنها أرادت بقولها جمعوا بين الحج والعمرة جمع متعة لا جمع قران
وهذا مما يتعجب منه فإن حديث عائشة مصرح بفصل من تمتع ممن قرن وما يفعله كل واحد
منهما كما في حديث الباب المذكور فإنها قالت فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة ثم
قالت وأما الذين جمعوا الخ واستدلوا علي ما ذهبوا بما أخرجه عبد الرزاق والدار
قطني وغيرهما عن علي عليه السلام أنه جمع بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافين وسعي
لهما سعيين ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الحافظ وطرفة
ضعيفة وكذا روى نحوه من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف ومن حديث ابن عمر بإسناد فيه
الحسن بن عمارة وهو متروك قال ابن حزم لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ولا عن أحد من الصحابة في ذلك أصلا وتعقبه في الفتح بأنه قد روى الطحاوي وغيره
مرفوعا عن علي وابن مسعود ذلك باسانيد لا بأس بها انتهى فينبغي ان يصار إلى الجمع
كما قال البيهقي ان ثبتت الرواية انه طاف طوافين فيحمل على الطواف القدوم وطواف
الإفاضة واما السعي مرتين فلم يثبت انتهى على انه يضعف ماروي عن علي عليه السلام
مافي الفتح من انه قد روي آل بيته عنه مثل الجماعة قال جعفر بن محمد الصادق عن
ابيه انه كان يحفظ عن علي للقارن طوافا واحدا خلاف مالقول أهل العراق ومما يضعف ما
روى عنه من تكرار الطواف ان مثل طرقه عنه رواية عبد الرحمن ابن اذنية عنه وقد ذكر
فيها أنه يمنع من ابتداء الاهلال بالحج بان يدخل علبه عمرة وان القارن يطوف طوافين
ويسعى سعيين والذين احتجوا بحديثه لا يقولون بامتناع ادخال العمرة على الحج فإن
كان الطريق صحيحة عندهم لزمهم العمل بما دلت عليه والافلا حجة فيها ويضعف ايضا ما
روى عن ابن عمر من تكرار الطواف انه قد ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما من طرق كثيرة
الا كتفاء بطواف واحد أبو ثور على الاكتفاء بطواف واحد للقارن بحجة نظرية فقال قد
أجزنا للحج والعمرة معا سفرا واحدا واحراما واحد وتلبية واحدة فكذلك يجزى عنهما
طواف واحدوسعي واحد حكى هذا عنه ابن المنذر ومن جملة ما يحتج به على انه لهما طواف
واحد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وهو صحيح وقد تقدم وذلك لانها بعد
دخولها فيه لا تحتاج إلى عمل آخر غير عمله والسنة الصحيحة الصريحة أحق بالاتباع
فلا يلتفت إلى ما خالفها : قوله " وامتشطى " فيه دليل على انه لا
يكره الامتشاط للمحرم . وقيل انه مكروه قال النووي وقد تأول العلماء فعل عائشة هذا
على أنها كانت معذورة بأن كان برأسها أذى فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن
عجرة الحلق للأذى وقيل ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الأمتشاط بالمشط بل تسريح
الشعر بالأصابع عند الفعل للإحرام بالحج لا سيما ان كانت لبدت رأسها كما هو السنة
وكما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يصح غسلها إلا بإيصال إلى جميع شعرها
ويلزم من هذا نقضه . قوله " يسعك " الخ المراد بالوسع هنا الأجزاء كما
في الرواية الأخرى
باب المبيت بمعنى ليالي منى ورمي الجمار
في أيامها
1 - عن عائشة " قالت أفاض رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من أخر يوم حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام
التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع حصاة ويقف عند
الأولى وعند الثانية فيطيل القيام ويتضرع ويرمي الثالثة لا يقف عندها "
- رواه أحمد وابو داود
2 - وعن ابن عباس " قال استأذن العباس
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيت بمكة مني من أجل سقايته فأذن له "
- متفق عليه ولهم مثله من حديث ابن عمر
3 - وعن ابن عباس قال " رمى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم الجمار حين زالت الشمس رمينا "
- رواه البخاري وابن ماجه والترمذي
4 - و عن ابن عمر قال " كنا نتحين فإذا
زالت الشمس رمينا "
- رواه البخاري وابن داود
5 - وعن ابن عمر " ان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كان إذا رمى الجمار مشى اليها ذاهبا وراجعا "
- رواه الترمذي وصححه . وفي لفظ عنه "
أنه كان يرمي الجمرة يوم النحر راكبا ةسائر ذلك ماشيا ويخبرهم أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك " رواه أحمد
- حديث عائشة اخرجه أيضا ابن حبان والحاكم
وحديث ابن عباس الثاني حسنه الترمذي وأخرج نحوه مسلم في صحيحه من حديث جابر ويؤيده
حديث ابن عمر المذكور في الباب عند البخاري وحديث ابن عمر الثاني باللفظ الآخر أخرج
نحوه أبو داود عنه بلفظ أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر
ماشيا ذاهبا وراجعا ويخبر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك وقد أخرج
الترمذي نحوه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ أنه كان بمشي إلى
الجمار قوله " فمكث بها ليال أيام التشريق " هذا من جملة ما استدل
به الجمهور على أن المبيت بمنى واجب وأنه من جملة مناسك الحج ومن أدلتهم على ذلك
حديث ابن عباس المذكور في أذنه صلى الله عليه وآله وسلم للعباس . ومنها ما أخرجه
أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم عن عاصم بن عدي " إن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم رخص للرعاء أن يتركوا المبيت بمنى " وسيأتي والتعبير بالرخصة
يفضي أن مقابلها عزيمة وأن الأذن وقع للعلة المذكورة وإذ لم توجد أو مافي معناها
لم يحصل وقد اختلف في وجوب الدم لتركه فقيل يجب عن كل ليلة دم روى ذلك عن المالكية
وقيل صدقة بدرهم وقيل إطعام وعن الثلاث دم هكذا روي عن الشافعي وهو رواية عن أحمد
والمشهور عنه وعن الحنفية لا شيء عليه . قوله " يكبر مع كل حصاة " حكى الماوردي
عن الشافعي أن صفته الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر ولله الحمد . قوله " ويقف عند الأولى " الخ فيه استحباب
الوقوف عند الجمرة الأولى والثانية وهي الوسطى والتضرع عندها وترك القيام عند
الثالثة وهي جمرة العقبة : قوله " استأذن العباس " الخ قيل أن جواز ترك
المبيت يختص بالعباس وقيل يدخل معه بنو هاشم وقيل كل من أحتاج إلى السقاية وهو جمود
يرده حديث عاصم بن العدي الآتي . وقيل يجوز الترك لكل من له عذر يشابه الأعذار
التي رخص لأهلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو قول الجمهور وقيل يختص
بأهل السقاية ورعاة الأبل وبه قال أحمد وأختاره ابن المنذر : قوله " حين زالت
الشمس " وكذا قوله في حديث عائشة " إذا زالت الشمس " وقوله في حديث
ابن عمر " فإذا زالت الشمس رمينا " هذه الروايات تدل على أنه لا يجزي
رمي الجمار في غير يوم الأضحى قبل زوال الشمس بل وقته بعد زوالها كما في البخاري
وغيره من حديث جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم رمى يوم النحر ضحى ورمى بعد ذلك
بعد الزوال وإلى هذا ذهب الجمهور وخالف في ذلك عطاء وطاوس فقالا يجوز الرمي قبل
الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزيه والأحاديث المذكورة ترد على الجميع : قوله
" نتحين " نتفعل من الحين وهو الزمان أي نراقب الوقت المطلوب : قوله
" مشى إليها " أجمعوا على أن اتيان الجمار ماشيا وراكبا جائز ولكن
أختلفوا في الأفضل وقد تقدم الخلاف في ذلك في رمي جمرة العقبة وفي غيرها قال
الجمهور المستحب المشي وذهب البعض إلى استحباب الركوب يوم النحر والمشي في غيره والذي
ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم الركوب لرمي جمرة العقبة يوم النحر والمشي بعد
ذلك مطلقا
6 - وعن سالم عن ابن عمر " انه كان يرمي
الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يتقدم فيسهل فيقوم مستقبل القبلة
طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرى الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل فيقوم مستقبل
القبلة ثم يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي
ولا يقف عندها ثم ينصرف ويقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعله "
- رواه أحمد والبخاري
7 - وعن عاصم بن عدي " ان رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم رخص لرعاء الأبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ثم يرمون
الغداة ومن بعد الغد ليومين ثم يرمون يوم النفر "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وفي رواية
" رخص للرعاء ان يرموا يوما ويدعوا يوما " رواه أبو داود والنسائي
8 - وعن سعد بن مالك قال " رجعنا في
الحجة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعضنا يقول رميت بسبع حصيات وبعضنا يقول
رميت بست حصيات ولم يعب بعضهم على بعض "
- رواه أحمد والنسائي
- حديث عاصم بن عدي أخرجه مالك والشافعي
وابن حبان والحاكم وفي الباب عن ابن عمرو بن العاص عند الدارقطني بإسناد ضعيف
ولفظه " رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للرعاء أن يرموا بالليل واية
ساعة شاؤا من النهار " وعن ابن عمر عند البزار والحاكم والبيهقي بإسناد حسن .
وحديث سعد بن مالك سياقه في سنن النسائي هكذا أخبرني يحيى بن موسى البلخي حدثنا
سفيان بن عيينه عن ابن أبي نجيح قال مجاهد قال سعد فذكره ورجاله رجال الصحيح . وقد
أخرج نحوه النسائي من حديث ابن عباس وأخرج أبو داود عن ابن عباس " أنه سئل عن
أمر الجمار فقال ما أدري رماها رسول الله بست أو بسبع " قوله " الجمرة
الدنيا " بضم الدال وبكسرها أي القريبة إلى جهة مسجد الخيف وهي أولى الجمرات
التي ترمي ثاني يوم النحر : قوله " فيسهل " بضم
التحتية وسكون المهلمة أي يقصد السهل من الأرض وهو المكان المستوي الذي لا ارتفاع
فيه . قوله " ويرفع يديه " فيه استحباب رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة
وروي عن مالك أنه مكروه قال ابن المنذر لا أعلم أحدا أنكر رفع اليدين في الدعاء
عند الجمرة إلا ماحكى عن مالك : قوله " ثم يرمي الوسطى ثم
يأخذ ذات الشمال أي يمشي إلى جهة الشمال " وفي رواية للبخراي " ثم ينحدر
ذات الشمال مما يلي الوادي " قوله " ويقوم طويلا " فيه مشروعية
القيام عند الجمرتين وتركه عند جمرة العقبة ومشروعية الدعاء عندهما قال ابن قدامة
لا نعلم لما تضمنه حديث ابن عمر هذا مخالفا إلا ما روى عن مالك من ترك رفع اليدين
عند الدعاء : قوله " ويدعوا يوما " أي يجوز لهم أن يرموا اليوم الأول من
أيام التشريق ويذهبوا إلى أبلهم فيبيتوا عندها ويدعوا يوم النفر الأول ثم يأتوا في
اليوم الثالث فيرموا ما فاتهم في اليوم الثاني مع رمي اليوم الثالث وفيه تفسير ثان
وهو أنهم يرمون جمرة العقبة ويدعون رمي ذلك اليوم ويذهبون ثم يأتون في اليوم
الثاني من التشريق فيرمون ما فاتهم ثم يرمون عن ذلك اليوم كما تقدم وكلاهما جائز
وإنما رخص للرعاء لأن عليهم رعي الأبل وحفظها لتشاغل الناس بنسكهم عنها ولا يمكنهم
الجمع بين رعيها وبين الرمي والمبيت فيجوز لم ترك المبيت للعذر والرمي على الصفة المذكورة
وقد تقدم الخلاف في الحاق بقية المعذورين بهم في أول الباب : قوله " ولم
يعب بعضهم على بعض " استدل به من قال أنه يجوز الاقتصار على أقل من سبع حصيات
وقد تقدم ذكر القائلين بذلك في باب رمي جمرة العقبة ولكن هذا الحديث لا يكون دليلا
بمجرد ترك إنكار الصحابة على بعضهم بعضا إلا أن يثبت أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم أطلع على شيء من ذلك وفرره
باب الخطبة أوسط أيام التشريق
1 - عن سراء بنت نبهان قالت " خطبنا رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الرؤوس فقال أي يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم
قال أليس أوسط أيام التشريق "
- رواه أبو داود . وقال وكذلك قال عم أبي
حرة الرقاشي أنه خطب أوسط أيام التشريق
2 - وعن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجلين من بني
بكر قالا " رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب بين أوسط أيام
التشريق ونحن عند راحلته وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي خطب
بمنى "
- رواه أبي داود
3 - وعن أبي نضرة " قال حدثني من سمع
خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أوسط أيام التشريق فقال يا أيها الناس إلا
أن أباكم واحد ألا لافضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود
ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم "
- رواه أحمد
- حديث سراء بنت نبهان سكت عنه أبو داود
والمنذري وقال في مجمع الزوائد رجاله ثقات وحديث الرجلين من بني بكر سكت عنه أيضا
أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله رجال الصحيح . وحديث أبي نضرة قال في
مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح . قوله " سراء " بفتح السين المهملة
وتشديد الراء والمد والقيل القصر بنت نبهان الغنوية صحابية لها حديث واحدقاله صاحب
التقريب : قوله " يوم الرؤوس " بضم الراء والهمزة بعدها وهو اليوم
الثاني من أيام التشريق سمى بذلك لأنهم كانوا يأكلون فيه رؤوس الأضاحي : قوله
" أي يوم هذا " سأل عنه وهو عالم به لتكون الخطبة أوقع في قلوبهم وأثبت
قوله "
أي يوم هذا " سأل عنه وهو عالم به
لتكون الخطبة أوقع في قلوبهم وأثبت قوله " الله ورسوله أعلم
" هذا من حسن الأدب في الجواب للأكابر والاعتراف بالجهل ولعلهم قالوا ذلك
لانهم ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه كما وقع في حديث أبي بكرة المتقدم : قوله "
عم أبي حرة " بضم الحاء المهملة وتشديد الراء واسم أبي حرة حنيفة وقيل حكيم .
والرقاشي بفتح الراء وتخفيف القاف وبعد الألف شين معجمة قوله " أوسط أيام
التشريق " هو اليوم الثاني من أيام التشريق : قوله " ألا ان ربكم واحد
" الخ هذه مقدمة لنفي فضل البعض على البعض بالحسب والنسب كما كان في زمن
الجاهلية لأنه إذا كان الرب واحدا وأبو الكل واحدا لم يق لدعوى الفضل بغير التقوى
موجب وفي هذا الحديث حصر الفضل في التقوى ونفيه عن غيرها وانه لافضل لعربي على
عجمي إلا بالتقوى ولا لأسود على أحمر إلا بها ولكنه قد ثبت في الصحيح ان الناس
معادن كمعادن الذهب خيارهمه في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ففيه إثبات
الخيار في الجاهلية ولا تقوى هناك وجعلهم الخيار في الإسلام بشرط الفقه في الدين
وليس مجرد الفقه في الدين سببا لكونهم خيارا في الإسلام وإلا لما كان لاعتبار كونهم
خيارا في الجاهلية معنى ولكان كل فقيه في الدين من الخيار وان لم يكن من الخيار في
الجاهلية وليس أيضا سبب كونهم خيارا في الإسلام مجرد التقوى وإلا لما كان لذكر
كونهم خيارا في الجاهلية معنى ولكان كل متق من الخيار من غير نظر إلى كونه من خيار
الجاهلية فلا شك ان هذا الحديث يدل على ان لشرافة الانساب وكرم النجار مدخلا في
كون أهلها خيارا وخيار القوم افاضلهم وان لم يكن لذلك مدخل باعتبار أمر الدين
والجزاء الأخروي فينبغي أن يحمل حديث الباب على الفضل الأخروي ( وأحاديث الباب )
تدل على مشروعية الخطبة في أوسط أيام التشريق وقد قدمنا في كتاب العيدين ان من
الخطب المستحبة في الحج وبينا هنالك كم يستحب من الخطب في الحج
باب نزول المحصب إذا نفر من منى
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت
فطاف به
"
- رواه البخاري
2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع هجعة ثم دخل مكة
وكان ابن عمر يفعله "
- رواه أحمد وأبو داود والبخاري بمعناه
3 - وعن الزهري عن سالم " أن أبا بكر
وعمر وابن عمر وكانوا ينزلون الأبطح قال الزهري وأخبرني عروة عن عائشة إنها لم تكن
تفعل ذلك وقالت إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان منزلا اسمح
لخروجه
"
- رواه مسلم
4 - وعن عائشة قالت " نزول الأبطح ليس
بسنة إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان اسمح لخروجه إذا خرج "
5 - وعن ابن عباس قال " التحصيب ليس بشيء
إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفع عليهما
- قوله : " بالمحصب " بمهملتين
وموحدة على وزن محمد وهو اسم لمكان متسع بين جبلين وهو إلى منى أقرب من مكة سمي
بذلك لكثرة ما به من الحصا من جر السيول ويسمى بالأبطح وخيف بني كنانة : قوله
" ثم هجع هجعة " أي اضطجع ونام يسيرا قوله " اسمح لخروجه " أي
أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي البطىء والمقتدر ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر
ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة : قوله " ليس التحصيب بشيء
" أن من المناسك التي يلزم فعلها . وقد نقل ابن المنذر الخلاف في استحباب
نزول المحصب مع الاتفاق انه ليس من المناسك وقد روى أحمد عن عائشة أنها قالت
" والله ما نزلها يعني الحصبة إلا من أجلي " وروى مسلم وأبو داود
وغيرهما عن أبي رافع قال " لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن
أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل " انتهى أن النزول
مستحب لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وفعله وقد فعله الخلفاء بعده كما
رواه مسلم عن ابن عمر ومما يدل على استحباب التحصيب ما أخرجه البخاري ومسلم وأبو
داود والنسائي وابن ماجه من حديث أسامة بن زيد " أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قال نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريشا على الكفر " يعني المحصب
وذلك أن بني كنانة حالفة قريشا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يؤوهم ولا
يبايعوهم قال الزهري والخيف الوادي . وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من
حديث أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال حين أراد أن ينفر من
منى نحن نازلون غدا " فذكر نحوه وحكى النووي عن القاضي عياض أنه مستحب عند جميع
العلماء قال في الفتح والحاصل ان من نفى انه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من
المناسك فلا يلزم بتركه شيء ومن اثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله
صلى الله عليه وآله وسلم لا الإلزام بذلك ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب
والعشاء ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث أنس وابن عمر
باب ما جاء في دخول الكعبة والتبرك بها
1 - عن عائشة قالت " خرج رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من عندي وهو قرير العين طيب النفس ثم رجع إلي وهو حزين فقلت
له فقال اني دخلت الكعبة ووددت أن لم أكن فعلت أني أخاف أن أكون أتعبت أمتي من
بعدي "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي
2 - وعن أسامة بن زيد قال " دخلت مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم البيت فجلس فحمد الله واثنى عليه وكبر وهلل ثم قام
إلى ما بين يديه من البيت فوضع صدره عليه وخده ويديه ثم هلل وكبر ودعا ثم فعل ذلك
بالأركان كلها ثم خرج فأقبل على القبلة وهو على الباب فقال هذه القبلة هذه القبلة مرتين
أو ثلاثة
"
- رواه أحمد والنسائي
3 - وعن عبد الرحمن بن صفوان قال " لما
فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة انطلقت فوافقته قد خرج من الكعبة
وأصحابه قد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وسطهم "
- رواه أحمد وأبو داود
4 - وعن إسماعيل بن أبي خالد قال قلت "
لعبد الله بن أبي أوفى أدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم البيت في عمرته قال لا "
- متفق عليه
- حديث عائشة أخرجه أيضا وصححه ابن خزيمة
والحاكم . وحديث أسامة رجاله رجال الصحيح وأصله في صحيح مسلم بلفظ " أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل في البيت ولكنه كبر في نواحيه " وحديث عبد
الرحمن بن صفوان في إسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج بحديثه وقد ذكر الدارقطني أن
يزيد بن أبي زياد تفرد به عن مجاهد ولكنه ذكر الذهبي أنه صدوق من ذوي الحفظ وذكر
في الخلاصة أنه كان من الأئمة الكبار وقد تقدم الكلام فيه في غير موضع : قوله " وودت
أني لم أكن فعلت " فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل الكعبة
في غير عام الفتح لأن عائشة لم تكن معه فيه ايما كانت معه في غيره وقد جزم جمع من
أهل العلم أنه لم يدخل إلا في عام الفتح وهذا الحديث يرد عليهم وقد تقرر ان النبي
صلى الله عليه وآله وسلم لم يدخل البيت في عمرته كما في حديث ابن أبي أوفى المذكور
في الباب فتعين أن يكون دخله في حجته وبذلك جزم البيهقي . وقد أجاب البعض عن هذا
الحديث بأنه يحتمل أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد
رجوعه من غزوة الفتح وهو بعيد جدا . وفيه أيضا دليل على أن دخول الكعبة ليس من
مناسك الحج وهو مذهب الجمهور وحكى القرطبي عن بعض العلماء إن دخولها من المناسك
وقد ذهب جماعة من اهل العلم إلى أن دخولها مستحب ويدل على ذلك ما أخرج ابن خزيمة والبيهقي
من حديث ابن عباس من دخل البيت دخل في جنة وخرج مغفورا له وفي إسناده عبد الله بن
المؤمل وهو ضعيف ومحل استحبابه مالم يؤذ أحدا بدخوله ويدل على الاستحباب أيضا حديث
أسامة وعبد الرحمن بن صفوان المذكوران في الباب : قوله " وخده ويديه "
فيه استحباب وضع الخد والصدر على البيت وهو ما بين الركن والباب ويقال له الملتزم
كما روى الطبراني عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال الملتزم ما بين الركن والباب .
وأخرجه البيهقي في شعب الأيمان من طريق أبي الزبير عن ابن عباس مرفوعا ورواه عبد
الرزاق بإسناد يصح عنه وقوفا وسمى بذلك لأن الناس يلتزمونه : قوله " ثم فعل
ذلك بالأركان كلها " فيه دليل على مشروعية وضع الصدر والخد على جميع الأركان
مع الهليل والتكبير والدعاء قوله " من الباب إلى الحطيم " هذا تفسير
للمكان الذي استلموه من البيت والحطيم هو ما بين الركن والباب كما ذكره محب الدين
الطبري وغيره وقال مالك في المدونة الحطيم ما بين الباب إلى المقام وقال ابن حبيب
هوما بين الحجر الأسود إلى الباب إلى المقام وقيل هو الشاذروان وقيل هو الحجر الأسود
كما يشعر به سياق الحديث وسمى حطيما لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالإيمان
ويستجاب فيه الدعاء المظلوم على الظالم وقل من حلف هنالك كاذبا غلا عجلت له
العقوبة . وفي كتب الحنفية إن الحطيم هو الموضع الذي فيه الميزاب : قوله "
وسطهم " قال الجوهري تقول جلست وسط القوم بالتسكين لأنه ظرف وجلست وسط الدار
بالفتح لأنه اسم قال وكل وسط يصلح فيه بين فهو وسط بالاسكان وإن لم يصلح بين فهو
وسط بالفتح قال الأزهري كل ما بين بعضه من بعض كوسط الصف والقلادة والسبحة وحلقه
الناس فهو بالاسكان وما كان منضما لا يبين بعضه من بعض كالساحة الدار والراحبة فهو
وسط بالفتح . قال وقد اجازوا في المفتوح الاسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح :
قوله " أدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم البيت في عمرته " بهمزة
الاستفهام قال النووي قال العلماء سبب ترك دخوله ما كان في البيت من الأصنام
والصور ولم يكن المشركون يتركونه ليغيرها فلما كان في الفتح أمر بإزالة الصور ثم
دخلها يعني كما ثبت في حديث ابن عباس عند البخاري وغيره ويحتمل أن يكون دخوله
البيت لم يقع في الشرط فلو أراد دخوله لمنعوه كما منعوه من الإقامة بمكة فوق ثلاث
باب ما جاء في ماء زمزم
1 - عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ماء زمزم لما شرب له "
- رواه أحمد وابن ماجه
2 - وعن عائشة " أنها كانت تحمل من ماء
زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحمله "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب
3 - وعن ابن عباس " ان رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس يا فضل اذهب إلى أمك فأت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشراب من عندها فقال اسقني يا رسول الله انهم
يجعلون أيديهم فيه قال اسقني فشرب ثم أتى زمزم وهو يستقون ويعملون فيها فقال
اعملوا فإنكم على عمل صالح ثم قال لولا ان تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل يعني على
عاتقه وأشار إلى عاتقه "
- رواه البخاري
4 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قال ان آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من ماء زمزم "
- رواه ابن ماجه
5 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ماء زمزم لما شرب له ان شربته تستشفي به شفاك الله وان
شربته يشبعك أشبعك الله به وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله وهي هزمة جبريل وسقيا
إسماعيل
"
- رواه الدارقطني
- حديث جابر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة
والبيهقي والدارقطني والحاكم وصححه المنذري والدمياطي وحسنه الحافظ وفي إسناده عبد
الله بن المؤمل وقد تفرد به كما قال البيهقي وهو ضعيف واعله ابن القطان به وقد
رواه البيهقي من طريق اخرى عن جابر وفيها سويد بن سعيد وهو ضعيف جدا وان كان مسلم
قد أخرجه له فإنما أخرج له في المتابعات قال الحافظ وأيضا فكان أخذه عنه قبل أن
يعمى ويفسد حديثه وكذلك أمر أحمد ابن حنبل ابنه بالأخذ عنه كان قبل عماه ولما عمي
صار يلقن فيتلقن وقال يحيى بن معين لو كان لي فرس ورمح لغزوت سويدا من شدة ما كان
يذكر له عنه من المناكير وأخرجه الطبراني من طريق ثالثة . وحديث عائشة أخرجه
البيهقي والحاكم وصححه . وحديث ابن عباس الأول أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم من
طريق ابن أبي مليكة قال " جاء رجل إلى ابن عباس فقال من أين جئت قال شربت من
ماء زمزم قال ابن عباس أشربت منها كما ينبغي قال وكيف ذاك يا ابن عباس قال إذا
شربت منا استقبل القبلة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثا وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد
الله فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال آية بيننا وبين المنافقين انهم لا
يتضلعون من زمزم " وحديثه الثاني أخرجه أيضا الحاكم وزاد الدارقطني على ما
ذكره المصنف " وان شربته مستعيذا أعادك الله قال فكان ابن عباس إذا شرب ماء
زمزم قال اللهم أني سألت علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء " . وهذا
الحديث هو من طريق محمد بن سعيد الجارودي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن
مجاهد عن ابن عباس قال في التلخيص والجارودي صدوق الا ان روايته شاذة فقد رواه
حفاظ أصحاب ابن عيينة كالحميدي وابن أبي عمر وغيرهما عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد من قول ابن عباس ومما يقوي الرفع ما أخرجه الدينوري في المجالسة قال كنا
عند ابن عيينة فجاء رجل فقال يا أبا محمد الحديث الذي حدثتنا به عن ماء زمزم صحيح قال
نعم قال فأني شربته الآن لتحدثني مائة حديث قال اجلس فحدثه مائة حديث ( وفي الباب
) عن أبي ذر مرفوعا عند أبي داود الطيالسي في مسنده قال زمزم مباركة إنها طعام طعم
وشفاء سقم وهو بهذا اللفظ في صحيح مسلم . وعن جابر غير حديث الباب عند
مسلم " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم شرب منه " قوله " ماء
زمزم لما شرب له " فيه دليل على أن ماء زمزم ينفع الشارب لأي أمر ضربه لاجله
سواء كان من أمور الدنيا أو الأخرة لأن ما في قوله لما شرب له من صيغ العموم :
قوله " كان يحمله " فيه دليل على أنه لابأس بحمل ماء زمزم إلى المواطن
الخارجة عن مكة : قوله " لولا أن تغلبوا " وذلك بأن يظن الناس أن النزع
سنة فينزع كل رجال لنفسه فيغلب اهل السقاية عليها وفي هذا الحديث استحباب الشرب من
ماء زمزم وما قيل من أن الشرب جبلي فلا يدل على الاستحباب إذا تأسى في الجبلي
مدفوع بأن القصد إلى ذلك المحل والأمر بالنزع وإعطاء أسامة الفضلة ليشربها من غير
أن يستدعي الماء كما في صحيح مسلم مما يدل على أن الشرب للفضيلة لا للحاجة . قوله
" لا يتصلعون " أي لا يرون من ماء زمزم قال في القاموس وتضلع امتلأ شبعا
أوريا حتى بلغ الماء أضلاعه انتهى . قوله " هزمه " بالزاي أي حفرة جبريل
لأنه ضربها برجله فنبع الماء قال في القاموس هزمه يهزمه غمزه بيده فصارت فيه حفرة
ثم قال والهزائم البئار الكبيرة الغزر الماء . قوله " وسقيا اسمعيل " أي
أظهره الله ليسقى به اسمعيل في أول الأمر
باب طواف الوداع
1 - عن ابن عباس قال " كان الناس ينصرفون
في كل وجه فقال " رسول الله لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه .
وفي رواية " أمر الناس أن كون آخر عهدهم بالبيت لا أنه خفف عن المرأة الحائض
" . متفق عليه
2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم رخص للحائض أن تصدر قبل أن تطوف بالبيت إذا كانت قد طافت في
الإفاضة
"
- رواه أحمد
3 - عن عائشة " قالت حاضت صفية حيى بعدما
أفاضت قالت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحابستنا هي قلت يا
رسول الله إنها قد أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة قال فلتنفر إذن "
- متفق عليه
- قوله " لا ينفر أحد " الخ فيه
دليل على وجوب طواف الوداع قال النووي وهو قول أكثر العلماء ويلزم بتركه دم . وقال
مالك وداود وابن المنذر هو سنة لا شيء في تركه . قال الحافظ والذي رأيته لابن
المنذر في الأوسط أنه واجب للأمر به إلا إنه لا يجب بتركه شيء انتهى . وقد اجتمع
في طواف الوداع أمره صلى الله عليه وآله وسلم به وتهيه عن تركه وفعله الذي هو بيان
للمجمل الواجب ولا شك إن ذلك يفيد الوجوب : قوله " أمر الناس " بالبناء
على مالم يسم فاعله وكذا قوله حفف : قوله " إذا كانت قد طافت طواف الإفاضة
" قال ابن المنذر قال عامة الفقهاء بالأمصار ليس على الحائض التي أفاضت طواف
وداع وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت
حائضا لطواف الوداع فكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت
قبله لم يسقط عنها قال وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك وبقي عمر
فخالفناه لثبوت حديث عائشة . وروى ابن أبي شيبة من طريق القاسم ابن محمد كان
الصحابة يقولون إذا أفاضت قبل أن تحيض فقد فرغت الا عمر . وقد روى أحمد وأبو داود
والنسائي والطحاوي عن عمر أه قال ليكن آخر عهدها بالبيت وفي رواية كذلك حدثني رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم . واستدل الطحاوي بحديث عائشة
على نسخ حديث عمر في حق الحائض : وكذلك استدل على نسخه بحديث أم سلمة عند أبي داود
الطالسي أنها قالت حضت بعدما طفت بالبيت فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أن انفر وحاضت صفية فقالت لها عائشة حبستنا فأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أن تنفر . ورواه سعيد بن منصور في كتاب المناسك وإسحاق في مسنده والطحاوي وأصله في
البخاري ويؤيد ذلك ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه الحاكم عن ابن عمر قال "
من حج فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض لهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قوله
فاتنفر اذن أي فلا حبس علينا حينئذ لانا قد أفاضت فلامانع من التوجه والذي يجب
عليها قد فعلته وفي رواية للبخاري فلا بأس انفري وفي رواية له أخرجي وفي رواية
فلتنفر ومعانيها متقاربة والمراد بها الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة
وتعقب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم أراد بتأخير الرحيل اكرام صفية كما
احتبس بالناس على عقد عائشة . وأما ما أخرجه البزار من حديث جابر والثقفي في
فوائده من حديث أبي هريرة مرفوعا أميران وليسا باميرين من تبع جنازة فليس ينصرف
حتى تدفن أو يأذن أهلها والمرأة تحج أو تعتمر مع قوم فتحيض قبل الطواف الركن فليس
لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم ففي إسناد كل واحد منا ضعيف شديد الضعيف كما
قال الحافظ
باب ما يقول إذا قدم من حج أو غيره
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم كان إذا قفل من غزو أوحج أو عمرة يكبرعلى كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات
ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون . صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب
وحده "
- متفق عليه
- قوله " شرف " هو المكان العالي
كما في القاموس وغيره وفي رواية لمسلم " كان إذا أوفى على ثنية أوفدفد كبر
" قوله " آيبون " أي راجعون وهو وما
بعده اخبار لمبتدأ مقدر أي نحن آيبون الخ : قوله " صدق الله وعده " أي
في إظهار الدين وكون العاقبة للمتقين وغير ذلك مما وعد به سبحانه أن الله لا يخلف
الميعاد : قوله " وهزم الأحزاب وحده " أي من غير قتال من الآدمين
والمراد بالأحزاب الذي اجتمعوا يوم الخندق وتحزبوا على صلى الله عليه وآله وسلم
كما تقدم فأرسل الله عليهم ريحا وجنودا وهذا هو المشهور إن المراد بالأحزاب أحزاب
يوم الخندق . قال القاضي عياض ويحتمل ان المراد أحزاب الكفر في جميع الأيام
والمواطن ( والحديث ) فيه استحباب التكبير والتهليل والدعاء المذكور عند كل شرف من
الأرض يعلوه الراجع إلى وطنه من حج أو عمرة أو غزو
باب الفوات والاخصار
1 - عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو قال "
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى
قال فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا صدق "
- رواه الخمسة . وفي رواية لأبي داودوابن
ماجه " من عرج أو كسر أومرض " فذكر معناه . وفي رواية ذكرها أحمد في
رواية المروزي " من حبس بكسر أو مرض "
2 - وعن ابن عمر " أنه كان يقول اليس
حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت
والصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم ان لم يجد هديا "
- رواه البخاري والنسائي
3 - وعن عمر بن الخطاب " أنه أمر أبا
أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهبار بن الأسود حين فلهما الحج
فاتيا يوم النحر بعمرة ثم يرجعا حلالا ثم يحجا عاما قابلا ويهديا فمن لم يجد فصيام
ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله "
4 - وعن سليمان بن يسار " إن ابن حزابة المخزومي
صرع ببعض طرق مكة وهومحرم بالحج فسأل عن الماء الذي كان فوجد عبد الله بن عمر وعبد
الله بن الزبير ومروان ابن الحكم فذكر لهم الذي عرض له وكلهم امره أن يتداوى
بمالابد منه ويفتدي فإذا صح اعتمر فحل من احرامه ثم عليه ان يحج قابلا ويهدي
" ز
5 - وعن ابن عمر " أنه قال من حبس دون
البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت "
- وهذه الثلاثة لمالك في الموطأ
6 - وعن ابن عباس قال " لاحصر الا حصر
العدو "
- رواه الشافعي في مسنده
- حديث الحجاج بن عمر سكت عنه أبو داود
والمنذري وحسنه الترمذي . وأخرجه أيضا ابن خزيمة والحاكم والبيهقي . وأثر عمر بن
الخطاب أخرجه أيضا البيهقي وأخرج عن عمر أنه أمر من فاته الحج أن يهل بعمرة وعليه
الحج من قابل وأخرج أيضا عن زيد بن ثابت مثله . وأخرج نحوه عن عمر من طريق أخرى .
والأثر الذي رواه سليمان بن يسار رواه مالك عن يحيى بن سعيد عنه ولكن سليمان بن
يسار لم يدرك القصة . وأثر ابن عمر الحافظ إسناده . قوله " من كسر " بضم
الكاف وكسر السين . قوله " أو عرج " بفتح المهملة والراء أي أصابه شيء
في رجله وليس يخلقة فإذا كان خلقة قيل عرج بكسر الراء . قوله " فقد حل "
تمسك بظاهر هذا أبو ثور وداود فقالا أنه يحل في مكانه بنفس الكسر والعرج وأجمع
بقية العلماء على انه يحل من كسر أو عرج ولكن اختلفوا فيما به يحل وعلام يحمل هذا
الحديث فقال أصحاب الشافعي أنه يحمل على ما إذا شرط التحلل به فإذا وجد الشرط صار
حلالا ولا يلزم الدم وقال مالك وغيره يحل بالطواف بالبيت لا يحله غيره ومن خالفه
من الكوفيين يقول يحل بالنية والذبح والحلق وسيأتي الكلام على ذلك . قوله "
أو مرض " الاحصار لا يختص بالأعذار المذكورة بل كل عذر حكمه حكمها كاعواز
النفقة والضلال في الطريق وبقاء السفينة في البحر وبهذا قال كثير من الصحابة قال
النخعي والكوفيون الحصر بالكسر والمرض والخوف وقال آخرون منهم مالك والشافعي وأحمد
لا حصر الا بالعدو وتمسكوا بقول ابن عباس المذكور في الباب وحكى ابن جرير قولا أنه
لا حصر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والسبب في هذا الاختلاف أنهم اختلفوا في
تفسير الاحصار فالمشهور عن أكثر أهل اللغة منهم الأخفش والكسائي والفراء وأبو عبيدة
وابن السكيت وثعلب وابن قتيبة وغيرهم ان الاحصار إنما يكون بالمرض وأما بالعدو فهو
الحصر وقال بعضهم ان احصر حصر بمعنى واحد : قوله " سنة نبيكم " قال عياض
ضبطناه سنة بالنصب على الاختصاص وعلى اضمار فعل أي تمسكوا وشبهه وخبر حسبكم طاف
بالبيت ويصح الرفع على ان سنة خبر حسبكم أو الفاعل وحسبكم بمعنى الفعل ويكون ما
بعدهما تفسيرا للسنة . وقال السهيلي من نصب سنة فهو باضمار الامر كانه قال الزموا
سنة نبيكم . قوله " طاف بالبيت " أي إذا أمكنه ذلك وقع في رواية عبد
الرزاق ان حبس أحدا منكم حابس عن البيت فإذا وصل طاف . قوله " حتى يحج عاما
قابلا " استدل به على وجوب الحج من القابل على من أحصر وسيأتي الخلاف فيه .
قوله " فيهدي " فيه دليل على وجوب الهدى على المحصر ولكن الاحصار الذي
وقع في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما في العمرة فقاس العلماء الحج على
ذلك وهو من الالحاق بنفي الفارق وإلى وجوب الهدى ذهب الجمهور وهو ظاهر الأحاديث
الثابتة عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه فعل ذلك في الحديبية ويدل عليه قوله
تعالى { فإن احصرتم فما استيسر من الهدى } وذكر الشافعي انه لا خلاف في ذلك في
تفسير الآية وخالف في ذلك مالك فقال أنه لا يجب الهدى على المحصر وعول على قياس
الاحصار على الخروج من الصوم للعذر والتمسك بمثل هذا القياس في مقابل ما يخالفه من
القرآن والسنة من الغرائب التي يتعجب من وقوع مثلها من أكابر العلماء . قوله
" ابن حزابة " بضم الحاء المهملة وبعدها زاي ثم بعد الألف موحدة . قوله
" فسأل على الماء " هكذا في بعض نسخ هذا الكتاب وفي بعضها عن الماء وفي
نسخة صححيحة من الموطأ على الماء ومنسخ ( 1 ) [ ( 1 ) هكذا الأصل ولا وعنى ولعله
ونسخ بعن أو في نسخة بعن فليحرر ] بعن : قوله " فوجد " هذه اللفظة ثابتة
في نسخة من هذا الكتاب وهي ثابتة في الوطأ . وقد استدل بالآثار المذكورة في الباب
على وجو ب الهدى وان الاحصار لا يكون الا بالخوف من العدو وقد تقدم البحث عن ذلك
وعلى وجوب القضاء وسيأتي
باب تحلل المحصر عن العمرة بالنحر ثم
الحلق حيث أحصر من حل أو حرم وإنه لاقضا عليه
1 - عن المسور ومروان في حديث عمرة الحديبية
والصلح " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ الكتاب قال لأصحابه قوموا
فانحروا ثم احلقوا "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود . وللبخاري
عن المسور " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحر قيل أن يحلق وأمر اصحابه
بذلك "
2 - وعن المسور ومروان قالا " قلد رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم الهدى وأشعره بذي الحليفة وأحرم منها بالعمرة وحلق
بالحديبية في عمرته وأمر أصحابه بذلك ونحر بالحديبية قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك "
- رواه أحمد
3 - وعن ابن عباس قال " إنما البدل على
من نقض حجة التلذذ فأما من حبسه عدو أو غير ذلك فإنه يحل ولا يرجع وإن كان معه هدى
وهو محصر نحره إن كان لا يستطيع أن يبعث به وإن استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ
الهدى محله
"
- أخرجه البخاري وقال مالك وغيره ينحر هديه
ويحلق في أي موضع كان ولا قضاء عليه لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه
بالحديبية نحروا وحلقوا وحلوا من كل شيء قبل الطواف وقبل أن يصل الهدى إلى البيت
ثم لم يذكروا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أحدا أن يقضوا شيئا ولا يعودوا
له والحديبية خارج الحرم " . كل هذا كلام البخاري في صحيحه
- قوله " فانحروا ثم احلقوا
" فيه دليل على أن المحصر يقدم النحر على الحلق ولا يعاض هذا ما وقع في رواية
للبخاري " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حلق وجامع نساءه ومحر هديه
" لأن العطف بالواو إنما هو لمطلق الجمع ولا يدل على الترتيب فإن قدم الحلق
على النحر فروى ابن أبي شيبة عن علقمة ان عليه دما وعن ابن عباس مثله والظاهر عدم
وجوب الدم لعدم الدليل . قوله " إنما البدل " الخ بفتح الباء
الموحدة والمهملة أي القضاء لما أحصر فيه من حج أو عمرة وهذا قول الجمهور كما في
الفتح وقال في البحر أن على المحصر القضاء اجماعا في الفرض العترة وأبو حنيفة
وأصحابه وكذا في النفل انتهى . وعن أحمد روايتان واحتج الموجبون للقضاء بحديث
الحجاج ابن عمر والسالف وهو نص في محل النزاع وبحديث ابن عمر المتقدم لقوله فيه
حتى يحج عاما قابلا فيهدى بعد قوله حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وبما تقدم من الآثار وقال الذين لم يوجبوا القضاء لم يذكر الله تعالى القضاء ولو
كان واجبا لذكره وهذا ضعيف لأن عدم الذكر لا يستلزم العدم قالوا ثانيا قول ابن
عباس يدل على عدم الوجوب ويجاب بأن قول الصحابي ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا عارض
المرفوع قالوا ثالثا لم يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدا ممن أحصر معه في
الحديبية بأن يقضي ولو لزمهم القضاء لأمرهم قال الشافعي إنما سميت عمرة القضاء
والقضية للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين قريش لا على
أنه أوجب عليهم قضاء تلك العمرة وهذا هو الدليل الذي ينبغي التعويل عليه ولكنه
يعارضه ما رواه الواقدي في المغازي من طريق الزهري ومن طريق أبي معشر وغيرهما
قالوا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه ان يعتمروا فلم يتخلف منهم إلا من
قتل بخيبر أو مات وخرج جماعة معه معتمرين ممن لم يشهد الحديبية فكانت عدتهم ألفين
قال في الفتح ويمكن الجمع بين هذا إن صح وبين الذي قبله بأن الأمر كان على طريق
الاستحباب لأن الشافعي جازم بأن جماعة تخلفوا لغير عذر . وقد روى الواقدي أيضا من
حديث ابن عمر قال لم تكن هذه العمرة قضاء ولكن كان شرطا على قريش أن يعتمر المسلمون
من قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه انتهى . ويمكن أن يقال أن ترك أمره صلى
الله عليه وآله وسلم لا ينتهض لمعارضة ماتقدم مما يدل على وجوب القضاء لان ترك
الأمر ربما كان لعلمهم بوجوب القضاء على من احصر بدليل آخر كحديث الحجاج بن عمرو
لأن حكم الحج والعمرة واحد بقي ههنا شيء هو إن قوله وعليه الحج من قابل وقوله
وعليه حجة أخرى يمكن أن يكون المراد به تأدية الحج المفروض أو ما كان يريد اداءه
في عام الاحصار لا أنه القضاء المصطلح عليه لأنه لم يسبق ما يوجبه بل غاية ما هناك
أنه منعه عن تأدية ما أراد فعله مانع فعليه فعله ولا يسقط بمجرد عروض المانع
وتعيين العام القابل يدل على أن ذلك على الفور : قوله " بالتلذذ "
بمعجمتين وهو الجماع . قوله " فأما من حبسه عدو
" هكذا في نسخ هذا الكتاب عدو بفتح العين المهملة وضم الدال المهملة أيضا
والواو وهي رواية أبي ذر في صحيح البخاري ورواه الأكثر بضم العين وسكون الذال
المعجمة والراء مكان الواو : قوله " نحره " قد وقع الخلاف بين الصحابة
فمن بعدهم في محل نحر الهدى للمحصر فقال الجمهور وذبح الهدى حيث يحل سواء كان في
الحل أو الحرم وقال أبوحنيفة لا يذبحه إلا في الحرم وبه قال جماعة من أهل البيت
منهم الهادي وفصل آخرون كما قال ابن عباس قال في الفتح وهو المعتمد قال وسبب
اختلافهم في ذلك اختلافهم هل نحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية في
الحل أو في الحرم وكان عطاء يقول لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم ووافقه ابن
إسحاق وقال غيره من أهل المغازي إنما نحر في الحل
( فائدة ) لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى في
كتابه هذا زيارة قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان الموطن الذي يحسن ذكرها
فيه كتاب الجنائز ولكنها لما كانت تفعل في سفر الحج في الغالب ذكرها جماعة من أهل
العلم في كتاب الحج فاحببنا ذكرها ههنا تكميلا للفائدة ( وقد اختلفت ) فيها أقوال أهل
العلم فذهب الجمهور إلى أنها مندوبة وذهب بعض المالكية وبعض الظاهرية إلى أنها
واجبة وقالت الحنفية إنها قريبة من الواجبات . وذهب ابن تيمية الحنبلي حفيد المصنف
المعروف بشيخ الإسلام إلى أنها غير مشروعة وتبعه على ذلك بعض الحنابلة وروى ذلك عن
مالك والجوبني والقاضي عياض كما سيأتي ( احتج القائلون ) بإنها مندوبة بقوله تعالى
{ ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول } الآية ووجه الاستدلال
بها أنه صلى الله عليه وآله وسلم حي في قبره بعد موته كما في حديث " الأنبياء
أحياء في قبورهم " وقد صححه البيهقي وألف في ذلك جزأ قال الأستاذ أو منصور
البغدادي قال المتكلمون المحققون من أصحابنا إن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم حي
بعد وفاته انتهى . ويؤيد ذلك ما ثبت إن الشهداء أحياء يرزقون في قبورهم والنبي صلى
الله عليه وآله وسلم منهم وإذا ثبت أنه حي في قبره كان المجئ إليه بعد الموت
كالمجئ إليه قبله ولكنه قد ورد إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم فوق ثلاث وروى فوق
أربعين فإن صح ذلك قدع في الاستدلال بالآية ويعارض القول بدوام حياتهم في قبورهم
ما سيأتي من أنه صلى الله عليه وآله وسلم ترد إليه روحه عند التسليم عليه نعم حديث
" من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي " الذي سيأتي إن شاء الله
تعالى إن صح فهو الحجة في المقام واستدلوا ثانيا بقوله تعالى { ومن يخرج من بيته
مهاجرا إلى الله ورسوله } الآية والهجرة إليه في حياته الوصول إلى حضرته كذلك
الوصول بعد موته ولكنه لا يخفى إن الوصول إلى حضرته في حياته فيه فوائد لا توجد في
الوصول إلى حضرته بعد موته منها النظر إلى ذاته الشريفة وتعلم أحكام الشريعة منه
والجهاد بين يديه وغير ذلك واستدلوا ثالثا بالأحاديث الواردة في ذلك منها الأحاديث
الواردة في مشروعية زيارة القبور على العموم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم داخل
في ذلك دخولا أوليا وقد تقدم ذكرها في الجنائز
وكذلك الأحاديث الثابتة من فعله صلى الله
عليه وآله وسلم في زيارتها . ومنها أحاديث خاصة بزيارة قبره الشريف أخرج الدارقطني
عن رجل من آل حاطب عن حاطب قال قال صلى الله عليه وآله وسلم " من زارني بعد
موتي فكأنما زارني في حياتي " وفي إسناده الرجل المجهول وعن ابن عمر عند الدارقطني
أيضا قال قال فذكر نحوه ورواه أبو يعلى في مسنده وابن عدي في كامله وفي إسناده حفص
بن أبو داود وهو ضعيف الحديث وقال أحمد فيه أنه صالح . وعن عائشة عند الطبراني في
الأوسط عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله قال الحافظ وفي طريقه من لا يعرف
وعن ابن عباس عند العقيلي مثله وفي إسناده فضالة بن سعد المازني وهو ضعيف . وعن
ابن عمر حديث آخر عند الدارقطني بلفظ " من زار قبري وجبت له
شفاعتي " وفي إسناده موسى بن هلال العبدي قال أبو حاتم مجهور أي العدالة
ورواه ابن خزيمة في صحيحه من طريقه وقال إن صح الخبر فإن في القلب من إسناده شيئا
وأخرجه أيضا البيهقي وقال العقيلي لا يصح حديث موسى ولا يتابع عليه ولا يصح في هذا
الباب شيء وقال أحمد لا بأس به وأيضا قد تابعه عليه مسلمة بن سالم كما رواه
الطبراني من طريقه وموسى بن هلال المذكور رواه عن عبيد الله بن عمر عن نافع وهوثقة
من رجال الصحيح وجزم الضياء المقدسي والبيهقي وابن عدي وابن عساكر بأن موسى رواه
عن عبد الله بن عمر المكبر وهوضعيف ولكنه قد وثقه ابن عدي وقال ابن معين لا بأس به
وروى له مسلم مقرونا بآخر . وقد صحح هذا الحديث ابن السكن وعبد الحق وتقي الدين السبكي
. وعن ابن عمر عند ابن عدي والدارقطني وابن حبان في ترجمة النعمان بلفظ " من
حج ولم يزرني فقد جفاني " وفي إسناده النعمان بن شبل وهو ضعيف جدا ووثقه
عمران بن موسى . وقال الدارقطني الطعن في هذا الحديث على ابن النعمان لا عليه
ورواه أيضا البزار وفي إسناده إبراهيم الغفاري وهو ضعيف ورواه البيهقي عن عمر قال
وإسناده مجهول وعن أنس عند ابن أبي الدنيا بلفظ " من زارني بالمدينة
محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة " وفي إسناده سليمان بن زيد الكعبي
ضعفه ابن حبان الدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات . وعن عمر عند أبي داود
الطيالسي بنحوه وفي إسناده مجهول وعن عبد الله بن مسعود عن أبي الفتح الأزدي بلفظ
" من حج حجة الأسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى في بيت المقدس لم يسأله الله
فيما افترض عليه " وعن أبي هريرة بنحو حديث حاطب المتقدم . وعن ابن عباس عند
العقيلي بنحوه وعنه في مسند الفردوس بلفظ " من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي
كتبت له حجتان مبرورتان " وعن علي بن أبي طالب عليه السلام عن ابن عساكر
" من زار قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في جواره " وفي
إسناده عبد الملك بن هرون بن عنبرة وفيه مقال
قال الحافظ وأصح ما ورد في ذلك ما رواه
أحمد وأبو داود عن أبي هريرة مرفوعا " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي
روحي حتى أرد عليه السلام " وبهذا الحديث صدر البيهقي الباب ولكن ليس فيه ما
يدل على اعتبار كون المسلم عليه على قبره بل ظاهره أعم من ذلك وقال الحافظ أيضا
أكثر متون هذه الأحاديث موضوعة وقد رويت زيارته صلى الله عليه وآله وسلم عن جماعة
من الصحابة منهم بلال عن ابن عساكر بسند جيد وابن عمر عند مالك في الموطأ وأبو أيوب
عند أحمد وأنس ذكره عياض في الشفاء وعمر عند البزار وعلي عليه السلام عند
الدارقطني وغير هؤلاء ولكنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لذلك إلا عن بلال
لأنه روى نه أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بداريا يقول يقول له ما
هذه الفجوة يا بلال أما آن لك أن تزورني روى ذلك ابن عساكر واستدل القائلون
بالوجوب بحديث " من حج ولم يزرني فقد جفاني " وقد تقدم قالوا والجفاء
للنبي صلى الله عليه وآله وسلم محرم فتجب الزيارة لءلا يقع في المحرم وأجاب عن ذلك
الجمهور بأن الجفاء يقال على ترك المندوب كما في ترك البر والصلة وعلى غلط الطبع
كما في حديث " من بدا فقد جفا " وأيضا الحديث على إنفراد مما لا تقوم به
الحجة لما سلف واحتج من قال بأنها غير مشروعة بحديث " لا تشد الرحال إلا إلى
ثلاث مساجد " وهو في الصحيح وقد تقدم وحديث لا تتخذوا قبري عيدا رواه عبد
الرزاق قال النووي في شرح مسلم اختلف العلماء في شد الرحل لغير الثلاثة كالذهاب
إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة فذهب الشيخ أبو محمد الجويني إلى حرمته
وأشار عياض إلى اختياره والصحيح عند أصحابنا أنه لا يحرم ولا يكره قالوا والمراد
أن الفضيلة الثابتة إنما هي شد الرحل إلى هذه الثلاثة خاصة انتهى . وقد أجاب
الجمهور عن حديث شد الرحل بأن القصر فيه إضافي باعتبار المساجد لا حقيقي قالوا والدليل
على ذلك أنه قد ثبت بإسناد حسن في بعض ألفاظ الحديث " لا ينبغي للمطي أن يشدر
حالها إلى مسجد تبتغي فيه الصلاة غير مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى
" فالزيارة وغيرها خارجة عن النهي وأجابوا ثانيا بالإجماع على جواز شد الرحال
للتجارة وسائر مطالب الدنيا وعلى وجوبه إلى عرفة للوفوق وغلى منى للمناسك التي
فيها والي مزدلفة وإلى الجهاد والهجرة من دار الكفر وعلى استحبابه لطلب العلم
وأجابوا عن الحديث " لا تتخذوا قبري عيدا " بأنه يدل على الحث على كثرة
الزيارة لا على منعها وأنه لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيدين
ويؤيده قوله " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " أي لا تتركوا الصلاة فيها كذا
قال الحافظ المنذري وقال السبكي معناه أنه لا تتخذوا لها وقتا خصوصا لا تكون
الزيارة إلا فيه أو لا تتخذوا كالعيد في العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع للهو
وغيره كما يفعل في الأعياد بل لا يؤتى إلا للزيارة والدعاء والسلام والصلاة ثم
ينصرف عنه وأجيب عما روى عن مالك من القول بكراهة زيارة قبره صلى الله عليه وآله
وسلم بأنه إنما قال بكراهة زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم قطعا للذريعة وقيل
إنما كره إطلاق لفظ الزيارة لأن الزيارة من شاء نعلها ومن شاء تركها وزيارة قبره
صلى الله عليه وآله وسلم من السنن الواجبة كذا قال عبد الحق واحتج أيضا من قال
بالمشروعية بأنه لم يزل دأب المسلمين القاصدين للحج في جميع الأزمان على تباين
الديار واختلاف المذاهب لوصول إلى المدينة المشرفة لقصد زيارته ويعدون ذلك من أفضل
الأعمال ولم ينقل أن أحدا أنكر ذلك عليهم فكان إجماعا . ( 1 ) ب ( 1 ) أقول
وللعلامة ابن تيمية حفيد المثنف هنا كلام حصل له محن في زمنه لأجله وسجن هو رضي
الله عنه وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى ومنع شد الرحال لزيارة قبور
الأنبياء والصالحين مستد لابقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا تشد الرحال الا إلى
ثلاثة مساجد ) الحديث وبين ضعف احاديث ( من زارنيبعد مماتي فكأنما زارني في حياتي
) ورد عليه العلامة تقي الدين السبكي في مؤلف وأتى بأحاديث الزيارة مروية بسنده
إلى اصولها من غير ورد عليه العلامة المقدسى في مؤلف كبير بين ضعف سندها ومتنها بما
يكفي ويشفي وسماه الصارم المنكى في الرد على السبكى ( وحاصل ) ما قاله الامام ابن
تيمية في رد أحاديث الزيارة ان الاحاديث الواردة في زيارة النبي صلى الله عليه
وآله وسلم
كلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث بل
هي موضوعة لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منها ولم يحنج أحد من الإئمة
بشيء منها بل مالك أمام أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة
كره أن يقول الرجل زرت قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه ولو كان هذا اللفظ
معروفا عندهم أو مشروعا أو مأثورا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكرهه عالم
المدينة . والإمام أحمد بن حنبل رضي اللع عنه أعلم الناس في زمانه بالسنة لما سئل
عن ذلك لم يكن عنده ما يعتمد عليه في ذلك إلا حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم " قال ما من رجل يسلم على إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه
السلام " وعلى هذا اعتمد أبو داود في سننه وكذلك مالك في الموطأ . روى عبد
الله بن عمر انه كان إذا دخل المسجد قال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا
أبا بكر السلام عليك يا أبت ثم ينصرف وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم انه قال ( لاتتخذوا قبري عيدا وصلوا على أينما كنتم فان صلاتكم تبلغني )
وفي سنن سعيد بن منصور أن عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب رأى رجلا
يختلف إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويدعو عنده فقال يا هذا أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تتخذوقبري عيدا وصلوا على أينما كنتم فإن صلاتكم
تبلغني فما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء . ولما كره الصحابة أن يتخذ قبر النبي
صلى الله عليه وآله وسلم مسجدا دفنوه في حجرة عائشة بخلاف ما اعتادوه من الدفن في
الصحراء لئلا يصلى أحد على قبره ويتخذه مسجدا فيتخذ قبره وثنا . ولما كانت الحجرة
النبوية منفصلة عن المسجد إلى زمن الوليد بن عبد الملك كان الصحابة والتابعون لا
يدخل أحد منهم لا لصلاة هناك ولا لتمسح بالقبر ولا دعاء هناك بل هذا جميهع إنما يفعلونه
في المسجد وكان السلف من الصحابة والتابعين إذا سلموا عليه أو أرادوا الدعاء دعوا
مستقبليه القبلة ما لم يستقبل القبر وقال أكثر الأئمة بل يستقبل القبر عند السلام
خاصة ولم يقل أحد من الإئمة أنه كان يستقبل القبر ند الدعاء الأحكاية مكذوبة تروى
عن مالك ومذهبه بخلافها واتفق اللإئمة على أنه لا يتمسح بقبر صلى الله عليه وآله
وسلم ولا قال طائفة من السلف في قوله تعالى { وقالوا لا تذرن إلهتكم ولا تذرن ودا
ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } قال هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما
ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا على شصورهم تماثيل ثم طال عليهم الأبد فعبدوها من
وضع الأحاديث في السفر لزيتارة المشاهد التي على القبور أهل البدع الرافضة ونحوهم الذين
يعطلون المساجد ويعظمون المشاهد يشرك فيها ويكذب فيها ويبتدع فيها دين لم ينزل
الله به سلطانا فإن الكتاب والسنة إنما فيهما ذكر المساجد دون المشاهد والله أعلم
اه من الفتاوى ببعض تصرف وهذا كله في شد الرجال وأما الزيارة فمشروعة بدونه
أبواب الهدايا والضحايا
باب في إشعار البدن وتقليد الهدي كله
1 - عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن
وسلن الدم عنها وقلدها نعلين ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
2 - وعن المسور بن مخرمة ومروان " قالا
خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا
كانوا بذي الحليفة قلد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الهدى وأشعره وأحرم بالعمرة "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود
3 - وعن عائشة قالت " فتلت قلائد بدن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم أشعرها وقلدها ثم بعث بها إلى البيت فما حرم
عليه شيء كان له حلال "
- متفق عليه
4 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أهدى مرة إلى البيت غنما فقلدها "
- رواه الجماعة
- قوله " فأشعرها " الإشعار هو أن
يكشط جلد البدنة حتى يسيل دم ثم يسلته فيكون ذلك علامة على كونها هدايا وبكون ذكل
في صفحة سنامها الأيمن وقد ذهب إلى مشروعيته الجمهور من السلف والخلف وروى الطحاوي
عن أبي حنيفة كراهته والاحاديث ترد عليه وقد خالف الناس في ذلك حتى خالفه صاحبه
أبو يوسف ومحمد واحتج على الكراهة بأنه من المثلة . وأجاب الخطابي بمنع كونه منها
بل هو باب آخر كالكي وشق أذن الحيوان فيصير علامة وغير ذلك من الوسم وكالختان والحجامة
انتهى . على أنه لو كان على المثلة لكان ما فيه من الأحاديث مخصصا له من عموم
النهي عنها . وقد روى الترمذي عن النخعي أنه قال بكراهة الإشعار وبهذا يتعقب على
الخطابي وابن حزم في جزمهما بأنه لم يقل بالكراهة أحد غير أبي حنيفة : قوله "
وقلدها نعلين " فيه دليل على مشروعية تقليد الهدى وبه قال الجمهور قال ابن
المنذر أنكر مالك وأصحاب الرأي التقليد للغنم زاد غيره وكأنه لم يبلغهم الحديث
انتهى واحتجوا على عدم المشروعية بأنها تضعف عن التقليد وهي حجة أو هي من بيوت
العنكبوت فإن مجرد تعليق القلادة مما لا يضعف به الهدي وأيضا أن فرض ضعفها عن بعض
القلائد قلدت بما لا يضعفها وأيضا قد وردت السنة بالإشعار وهو لا يترك لكونه مظنة
للضعف فيكون بترك ما ليس بمظنة لذلك مع ورود السنة به ( قيل الحكمة ) في تقليد الهدى
النعل أن فيه إشارة إلى السفر والجد فيه وقال ابن المنير الحكمة فيه أن العرب تعد
النعل مركوبة لكونها تقي صاحبها وتحمل عنه وعر الطريق فكأن الذي أهدى خرج عن
مركوبه لله تعالى حيوانا وغيره كما خرج حين أحرم عن ملبوسه ومن ثم استحب تقليد
نعلين لا واحدة وقد اشترط الثوري ذلك وقال غيره تجزيء الواحدة وقال آخرون لا تتعين
النعل بل كل ما قام مقامها أجزأ . قوله " فتلت قلائد بدون رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم " زاد البخاري في رواية عهن كان عندي وفيه رد
على من كره القلائد من الأوبار واختار من نبات الأرض وهو منقول عن ربيعة ومالك وقد
ترجم البخاري على هذا الحديث باب القلائد عن العهن وهو الصوف . قوله " ثم بعث
بها إلى البيت " المهدي له حالان إما أن يقصد النسك ويسوق الهدي معه فيكون
التقليد والإشعار عند الإحرام وأما أن يبعث بها ويقيم فيكونان عند البعث بها من
المكان الذي هو مقيم به كما في هذا الحديث ولا يحرم عليه بعد البعث بها ما يحرم
على المحرم لقولها فما حرم عليه شيء كان له حلا : قوله " غنما فقلدها "
فيه دليل على الجواز ان يكون الهدى من الغنم وهو يرد على الحنفية ومن وافقهم ان
الهدى لا يجزئ من الغنم ويرد على مالك ومن وافقه حيث قال ان الغنم لا تقلد
باب النهي عن ابدال الهدى المعين
1 - ان ابن عمر قال " أهدى عمر نجيبا
فاعطى بها ثلثمائة دينار فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله
اني أهديت نجيبا ثلثمائة دينار فأبيعها واشتري بثمنها بدنا قال لا انحرها اياها "
- رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه
- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة في
صحيحهما : قوله " نجيبا " النجيب والنجيبة
الناقة والجمع نجائب . وفي النهاية النجيب الفاضل من كل حيوان والحديث يدل على أنه
لا يجوز بيع الهدى لإبدال مثله أو أفضل ثم قال وقد تكررفي الحديث ذكر النجيب من
الإبل مفردا ومجموعا وهو القوي منها الخفيف السريع انتهى . وقد جوزت الهادوية ذلك
وأجاب صاحب البحر عن حديث الباب بأنه حكاية فعل لا يعلم وجهها فيحتمل أنه صلى الله
عليه وآله وسلم رأى نجيبه أفضل و لا يخفي ان رد السنن الفعلية بمثل هذا يستلزم رد
أكثر أفعاله يستلزم رد مالا يعلم وجهه من أقوال فيقضي ذلك إلى رد أكثر السنة باطل
مخالف للآيات القرأنية القاضية باتباع الرسول والتأمي به والأخذ بما أتى به لانها
لم تفرق بين ما علم وجهه وما جهل فمن ادعى العلم فعليه الدليل على ان هذه المقالة
قد صارت عصي يتوكأ بها من رام صيانة مذهبه إذا خالفت الثابت من فعله صلى الله عليه
وآله وسلم وان كان له وجه أوضح من الشمس ثم انهم يحتجون بأفعاله إذوافقت المذاهب و
لا يقيدون الاحتجاج بمثل هذا القيد وما أكثر هذا الصنع في تصرفاتهم لمن اتبع
فليأخذ المنصف من ذلك حذره فإن المعذرة الباردة في طرح سنة صحيحة مما ينفق عند
اللله و لاسيما إذا كان ذلك لقصد الذب عن محض الرأي . وأما الاحتجاج على الجواز
باشراكه صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام في هديه وتصرفه عن العمرة إلى
الإحصار فخارج عن محل النزاع لأن ذلك تصرف لا يخرج العين عن كونها ولا يبطل به
الحق الذي قد تعلق بها للمصرف وأيضا صحة الاحتجاج بالأشتراك متوقفة على معرفة صلى الله
عليه وآله وسلم ساق جميع الهدى الذي أشك علي فيه عن نفسه وهو ممنوع والسند أنه لم
يقلد ويشعر من ذلك الهدى الذي وقع فيه الإشراك الاناقة واحدة وأيضا ثبت أنه كان
يسوق عن أهله جميعا وعلي عليه السلام منهم نعم ان صح ما إدعاه صاحب ضوء النهار من
الاجماع على جواز بدال الأدون بأفضل كان حجة عند من يرى حجية الاجماع على جواز
مجرد الإبدال بالأفضل ولكنه ينبغي ان يبحث عن صحة ذلك فأن الشفعي وبعض الحنفية قد
احتجوا بالحديث على المنع من مطلق التصرف ولو كان للابدال بأفضل كما حكاه صاحب
البحر وأما دعوى أن الواحد النجيب أظهر في تعظيم الشعائر من غيرها وإن كان كثيرا
فممنوع والسند ظاهر
باب أن البدنة من الأبل والبقر عن سبع
شياه وبالعكس
1 - عن ابن عباس " ان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم أتاه رجل فقال إن على بدنة وأنا موسر ولا أجدها فاشتريها فأمره صلى
الله عليه وآله وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن "
- رواه أحمد وابن ماجه
2 - وعن جابر " قال أمرنا رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم أن نشترك في الأبل والبقر كل سبعة منا في بدنة "
- متفق عليه . وفي لفظ قال " لنا رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتركوا في الأبل والبقر كل سبعة في بدنة "
رواه البرقاني على شرط الصحيحين . وفي رواية قال " اشتركنا
مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة فقال رجل
لجابر ايشترك في البقر ما يشترك في الجزور فقال ما هي إلا من البدن " رواه
مسلم
3 - وعن حذيفة قال " شرك رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في حجته بين المسلمين في البقرة عن سبعة "
- رواه أحمد . وعن ابن عباس قال " كنا
مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فحضر الأضحى فذبحنا البقر عن سبعة
والبعير عن عشرة " رواه الخمسة إلا أبا داود
- حديث ابن عباس الأول سياق إسناده في سنن
ابن ماجه هكذا حدثنا محمد بن عمر حدثنا محمد بن بكر البرساني قال أخبرنا ابن جريج
قال قال عطاء الخرساني عن ابن عباس فذكره ورجاله رجال الصحيح ولكن عطاء لم يسمع من
ابن عباس ويشهد لصحته ما في صحيح مسلم من حديث جابر " قال نحرنا مع رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " وهو
يشهد أيضا لحديث حذيفة المذكور وقد أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وقال في
مجمع الزوائد رواه أحمد ورجاله ثقات . وحديث ابن عباس الثاني حسنه الترمذي ويشهد
له مافي الصحيحين من حديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وآله وسلم قسم فعدل عشرا
من الغنم ببعير : قوله " سبع شياه " وكذا قوله " كل
سبعة منا في بدنة " استدل به من قال عدل البدنة سبع شياه وهو قول الجمهور
وادعى الطحاوي وابن رشد أنه إجماع ويجاب عنهما بأن الخلاف في ذلك مشهور حكاه
الترمذي في سننه عن إسحاق بن راهويه . وكذا في الفتح وقال هو إحدى الروايتين عن
سعيد بن المسيب وإليه ذهب ابن خزيمة واحتج له في صحيحه وقواه واحتج له ابن حزم
بحديث رافع المتقدم وحكاه في البحر عن العترة وزفر واحتجوا بحديث ابن عباس الثاني
المذكور في الباب ويجاب عنه بأنه خارج عن محل النزاع لانه في الاضحية فأن قالوا
يقاس الهدى عليها قلنا هوقياس فاسد الاعتبار لمصادمته النصوص واحتجوا أيضا بحديث
رافع ويجاب عنه أيضا بمثا هذا الجواب لان ذلك التعديل كان في القسمة وهي غير محل
النزاع ويؤيد كون البدنة عن سبعة فقط أمره صلى الله عليه وآله وسلم لمن لم يجد البدنه
ان يشتري سبعا فقط ولو كانت تعدل عشرا لأمره بأخراج عشر لان تأخير البيان عن وقت
الحاجة لا يجوز . وظاهر أحاديث الباب جواز الاشتراك في الهدى وهو قول الجمهور من
غير فرق بين أن يكون المشتركون مفترضون أو متطوعين أو بعضهم مفترضا وبعضهم متنفلا
أو مريدا للحم . وقال أبو حنيفة يشترط في الاشتراك أن يكونوا كلهم متقربين ومثله
عن زفر بزيادة أن تكون أسبابهم واحدة . وعن الهادوية بشرط أن يكونوا مفترضين . وعن
داود وبعض المالكية يجوز في هدى التطوع دون الواجب . وعن مالك لا يجوز مطلقا وروي
عن ابن عمر ذلك ولكنه روى عنه أحمد ما يدل على الرجوع : قوله " ما هي إلا من
البدن "
يعني البقرة فيه دليل على أنه يطلق على
البقرة أنها من البدن . وفي النعاية البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة هي
بالإبل أشبه . وفي القاموس والبدنة محركة من الإبل والبقرة . وفي الفتح أن أصل
البدن من الإبل والحقت بها البقر شرعا وحكى في البحر عن الهادي والشافعي والمؤيد
بالله ان البدنة تختص بالإبل وعن أبي حنيفة وأصحابه والناصر أنها تطلق على البقر
وعن بعض أصحاب الشافعي أنها تطلق على الشاة قال ولا وجه له وحكى فيه أيضا أن
البقرة عن سبعة والشاة عن واحد إجماعا . قوله " والبعير عن عشرة " فيه
دليل على أن البدنة تجزئ في الأضحية عن عشرة وسيأتي الكلام على ذلك
باب ركوب الهدي
1 - عن أنس قال " رأى رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم رجلا يسوق البدنة فقال أركبها فقال أنها بدنة قال إركبها قال نها
بدنة قال إركبها ثلاثا "
- متفق عليه : ولهم من حديث أبي هريرة نحوه
2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم رأى رجلا يسوق بدنة قد أجهده المشي فقال إركبها قال إنها بدنة قال
إركبها وإن كانت بدنة "
- رواه أحمد والنسائي
3 - وعن جابر " أنه سئل عن ركوب الهدي
فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إركبها بالمعروف إذا ألجئت
إليها حتى تجد ظهرا "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي
4 - وعن علي عليه السلام " أنه سئل يركب
الرجل هديه فقال لا بأس به قد كان النبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يمر بالرجال
يمشون فيأمرهم بركوب هديه قال لا تتبعون شيئا أفضل من سنة نبيكم صلى الله عليه
وآله وسلم
"
- رواه أحمد
- حديث أنس الثاني أخرجه أيضا الجوزقي من
طري حميد عن ثابت عن أنس وأبو يعلى من طريق الحسن عن أنس وزاد حافيا وهو عند
النسائي من طريق شعبة عن قتادة عن أنس وضعف هذه الطرق الحافظ في الفتح . وحديث علي
عليه السلام . قال في الفتح أيضا إسناده
صالح وقال في مجمع الزوائد في إسناده محمد بن عبيد الله بن أبي رافع وثقه ابن حبان
وضعفه جماعة . وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه المصنف لفظه لفظ حديث أنس ولكنه زاد
في آخره " اركبها ويلك " قوله " رأى رجلا
" قال الحافظ لم أقف على إسمه بعد طول البحث . قوله " يسوق بدنة "
في رواية لمسلم مقلدة وكذا في رواية للبخاري وله أيضا من طريق أبي هريرة "
فلقد رأيته راكبها يساير النبي صلى الله عليه وآله وسلم والنعل في عنقها "
قوله " إنها بدنة " أراد أنها بدنة مهداة إلى البيت الحرام ولو كان مراده
الإخبار عن كونها بدنة لم يكن الجواب مفيد الآن كونها من الإبل معلوم فالظاهر أن
الرجل ظن أنه خفي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كونها هديا فقال أنها بدنة .
قال في الفتح والحق أنه لم يخف ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكونها كانت
مقلدة ولهذا قال لما زاد في مراجعته ويلك ( وأحاديث الباب ) تدل على جواز ركوب
الهدى من غير فرق بين ما كان منه واجبا أو تطوعا لتركه صلى الله عليه وآله وسلم
للاستفصال وبه قال عروة بن الزبير ونسبه ابن المنذر إلى أحمد وإسحاق وبه قال أهل
الظاهر وجزم به النووي وجماعة من أصحاب الشافعي كالقفال والماوردي وحكى ابن عبد
البر عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء كراهة ركوبه لغير حاجة وحكاه الترمذي
أيضا عن أحمد وإسحاق والشافعي وقيد الجواز بعض الحنفية بالاضطرار ونقله بن أبي
شيبة عن الشعبي وحكى ابن منذر عن الشافعي أنه يركب إذا اضطر ركوب غير فادح وحكى
ابن العربي عن مالك أنه يركب للضرورة فإذا استراح نزل يعني إذا انتهت ضرورته
والدليل على اعتبار الضرورة ما في حديث جابر المذكور في الباب من قوله صلى الله
عليه وآله وسلم " إركبها بالمعروف إذا لجئت إليها " ونقل ابن العربي عن
أبي حنيفة أنه لا يجوز ركوب الهدي مطلقا وكذا نقله المهدي في البح عنه ولكن نقل عن
الطحاوي الجواز منع الحاجة ويضمن ما نقص منها بالركوب والطحاوي أقعد بمعرفة مذهب
أمامه فقد وافق أبا حنيفة الشافعي على ضمان النقص في الهدي الواجب . ونقل ابن عبد
البر عن بعض أهل الظاهر وجوب الركوب تمسكا بظاهر الإمام ولمخالفة ما كانوا عليه في
الجاهلية من البحيرة والسائبة ورده بأن الذين ساقوا الهدي في عهد النبي صلى الله عليه
وآله وسلم كانوا كثيرا ولم يأمرأحد منهم بذلك انتهى . فتعقبه الحافظ بحديث علي
عليه السلام المذكور في الباب قال وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح
رواه أبو داود في المراسيل عن عطاء قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يأمر بالهدي إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها أو يركبها غير منهكها ( واختلف )
من أجاز الركوب هل يجوز أن يحمل عليها متاعه فمنعه مالك وأجازه الجمهور وهل يحمل
عليها غيره أجازه الجمهور أيضا على التفصيل المتقدم ونقل عياض الإجماع على أ ه لا
يؤجرها واختلفوا أيضا في اللبن إذا أحتلب منه شيئا فعند العترة والشافعية والحنفية
يتصدق به فإن أكله تصدق بثمنه وقال مالك لا يشرب من لبنه فإن شرب لم يغرم
باب الهدى يعطب قبل المحل
1 - عن أبي قبيصة ذوئب بن حلحلة قال "
كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبعث معه بالبدن ثم يقول ان عطب منها شيء فخشيت
عليها موتا فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا
أحد من أهل رفقتك "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه
2 - وعن ناجية الخزاعي وكان صاحب بدن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " قلت كيف أصنع بما عطب من البدن قال انحره
وأغمس نعله في دمه واضرب صفحته وخل بين الناس وبينه فليأكلوه "
- رواه الخمسة إلا النسائي
3 - وعن هشام بن عروة عن أبيه " ان صاحب
هدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من
الهدى فقال كل بدنة عطبت من الهدى فانحرها ثم ألق قلائدها في دمها ثم خل بين الناس
وبينها يأكلوها "
- رواه مالك في الموطأ عنه
- حديث ناجية قال الترمذي حسن صحيح قال
والعمل على هذا عند أهل العلم في هدء التطوع إذا عطب لا يأكل هو ولا أحد من أهل
زفقته ويخلى بينه وبين الناس يأكلونه وقد أجزأ عنه وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق
وقالوا ان أكل منه شيئا غرم بقدر ما أكل منه انتهى . قوله " ثم اغمس نعلها
" الخ إنما يفعل ذلك لأجل أن يعلم من مر به انه هدى فيأكله . قوله " من
أهل رفقتك " قال النووي وفي المراد بالرفقة وجهان لاصحابنا أحدهما أنهم الذي
يخالطون المهدي في الاب وغيره دون باقي القافلة والثاني وهو الأصح الذي يقتضيه
ظاهر نص الشافعي وجمهور اصحابه ان المراد بالرفقة جميع القافلة لان السبب لذي منعت
به الرفقة هو خوف تعطيبهم إياه وهذا موجود في جميع القافلة ( فإن قيل ) إذا لم
تجوز والأهل القافلة أكله وقلتم بتركه في البرية كان طعمة للسباع وهذا اضاعة مال
قلنا ليس فيه أضاعة بل العادة الغالبة ان سكان البوادي يتتبعون منازل الحجيج
لالتقاط ساقطة ونحو ذلك وقد تأتي قافلة في أثر قافلة والرفقة بضم الراء وكسرها
لغتان مشهورتان . قوله " وخل بين الناس وبينه " هذا مقيد بمن عدا المالك
والرفقة كما في الحديث الأول . قوله " ان صاحب هدى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم " هو ناجية الخزاعي المذكور سابقا وظاهر أحاديث الباب أن الهدى إذا
عطب جاز نحره والتخلية بينه وبين الناس يأكلونه غير الرفقة قطعا للذريعة وهي أن
يتوصل بعضهم إلى نحره قبل أوانه والظاهر عدم الفرق بين هدى التطوع والفرض وخصصه من
تقدم بهدى التطوع ولعل الوجه في ذلك ان الهدى الذي هو السبب هو هدى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم الذي بعث به وهو هدى تطوع قال النووي ولا يجوز للأغنياء الأكل منه
. مطلقا لأن الهدي مستحق للمساكين فلا يجوز لغيرهم انتهى . وقد اختلفت الروايات في
مقدار البدن التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففي رواية من حديث
ابن عباس عند مسلم أنها ست عشرة بدنة . وفي رواية أخرى أنها ثماني عشرة ويمكن
الجمع بتعدد القصة أو يصار إلى ترجيح الرواية المشتملة على الزيادة ان كانت القصة
واحدة
باب الأكل من دم التمتع والقران والتطوع
1 - في صفة حديث جابر " حج النبي صلى
الله عليه وآله وسلم قال " ثم انصرف إلى المنحر ثلاثا وستين بدنه بيده ثم
اعطي عليا عليه السلام فنحر ماغير وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت
في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها "
- رواه أحمد ومسلم
2 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم حج ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر ومعها عمرة فساق ثلاثا
وثلاثين بدنة وجاء علي عليه السلام من اليمن ببقيتها فيها جمل لأبي لهب في أنفه
برة من فضة فنحرها وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كل بدنة ببضعة فطبخت
وشرب من مرقها "
- رواه الترمذي وابن ماجه . وقال فيه "
جمل لابي جهل "
3 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت "
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخمس بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا
الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لم يكن معه هدي
إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحل قالت فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت
ماهذا فقيل نحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أزواجه "
- متفق عليه . وهو دليل على الأكل من دم
القران لأن عائشة كانت قارنة
- حديث جابر الثاني رواه الترمذي من طريق
عبد الله بن أبي زياد الكوفي في زيد بن حبان عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن
جابر . وقال هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه الا من حديث زيد بن حبان ورأيت
عبد الله ابن عبد الرحمن روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله ابن أبي زياد قال
وسألت محمدا عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ورأيته لا يعد هذا الحديث محفوظا . وقال إنما يروي عن الثوري
عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسل ثم قال حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال حدثنا
همام حدثنا قتادة قلت لانس " كم حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال حجة
واحجة واعتمر أربع عمر " ثم قال هذا حديث حسن صحيح وحبان بن هلال هو أبو حبيب
البصري وثقه يحيى بن سعيد القطان . قوله " فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده "
في مسند أحمد وسنن أبي داود " أنه صلى الله عليه وآله وسلم نحر ثلاثين بيده
وأمره عليها فنحر سائرها " وقد قدمنا الترجيح بين الروايتين : قوله "
وأشركه " ظاهره أنه اشركه في نفس الهدى قال القاضي عياض وعندي أنه لم يكن
شريكا حقيقة بل أعطاه قدرا يذبحه قال والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
نحر البدن التي جاءت معه من المدينة وكانت ثلاثا وستين كما جاء في رواية الترمذي
وأعطى عليا عليه السلام البدن التي جاءت معه من اليمن وهو تمام المائة . قوله
" ببضعة " بفتح الباء لاغير وهي القطعة من اللحم . قوله " برة
" بضم الباء وفتح الراء مخففة وهي حلقة تجعل في أنفي البعير . قوله "
ولانرى إلا الحج " بضم النون أي نظن . قوله " بلحم بقر " قد استدل
بهذه الأحاديث على أنه يجوز الأكل للمهد من الهدى الذي يسوقه قال النووي وأجمع
العلماء على أن الاكل من هدى التطوع وأضحيته سنة انتهى . والظاهر أن يجوز الاكل
منالهدي من غير فرق ما كان تطوعا وما كان فرضا لعموم قوله تعالى { فكوا منا } ولم
يفصل التمسك بالقياس على الزكاة في عدم جواز الأكل من الهدى الواجب لا ينتهض
لتخصيص هذا العموم لان شرع الزكاة لمواساة الفقراء إلى المالك اخراج لها عن
موضوعها وليس شرع الدماء كذلك لأنها اما الجبر نقص أو لمجرد التبرع فلا قياس مع
الفارق فلا تخصيص : قوله " لان عائشة كانت
قارنة " قد اختلف فيما احرمت به عائشة أولا فقيل أنها عمرة مفردة لما ثبت
عنها في الصحيح انها قالت فكنت ممن أهل بعمرة . وقيل انها احرمت بالحج أولا
وكانت مفردة لما ثبت عنها في الصحيح " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم لا نرى إلا أنه الحج " وقد اطال ابن القيم الكلام على هذا وبين الراجح
من القولين ودليل من قال أنها كانت قارنة الحديث المتقدم " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال لها يسعك غير قارنة لما ثبت في الصحيحين " أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم قال لها وأهلي بالحج ودعى العمرة " وأجاب الجمهور بأنها
لم ترفض العمرة لما في صحيح مسلم عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال لها بعد أن أمرها أن تهل بالحج ففعلت ووقفت المواقف كلها حتى إذا طهرت طافت
بالكعبة وبالصفا والمروة " وكذلك قوله " يسعك طوافك لحجك وعمرتك "
وقد قدمنا تأويل قوله دعى العمرة وقد استدل بقول عائشة المذكور " نحر رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أزواجه " أن البقرة تجزى عن أكثر من سبعة
وقد ثبت في رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحر عن أزواجه بقرة
" أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما وكذا في صحيح مسلم والظاهر أنه لم يتخلف
أحد من زوجاته يومئذ وهن تسع ولكن لا يخفى ان مجرد هذا الظاهر لا تعارض به
الأحاديث الصريحة الصحيحة السالفة المجمع على مدلولها
باب أن من بعث بهدى لم يحرم عليه شيء بذلك
1 - عن عائشة قالت " كان رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يهدي من المدينة فافتل قلائد هديه ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنب
المحرم
"
- رواه الجماعة . وفي رواية " ان زياد
بن أبي سفيان كتب إلى عائشة ان عبد الله بن عباس قال من أهدى هديا حرم عليه ما
يحرم على الحاج حتى ينحر هديه فقالت عائشة ليس كما قال ابن عباس أنا فعلت قلائد
هدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي ثم قلدها بيده ثم بعث بها مع أبي فلم
يحرم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدى
" اخرجاه
- قوله " ان زياد بن أبي سفيان وقع
التحديث بهذا في زمن بني أمية وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد بن أبيه وقبل
استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد وكانت امه سمية مولاة الحرث بن كلدة
الثقفي وهي تحت عبيد المذكور فولدت زيادا على فراشه فكان ينسب إليه فلما كان أيام
معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بان زيادا ولده فاستلحقه معاوية بذلك وخالف الحديث
الصحيح " أن الولد للفراش وللعاهر الحج " وذلك لغرض دنيوين وقد انكر هذه
الواقعة على معاوية من انكرها حتى قيلت فيها الاشعار منها قول القائل
ألا بلغ معاوية بن حرب مغلغلة من الرجل
اليماني
أتغضب أن يقال أبوك عف وترضى أن يقال ابوك
زاني
وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته إلى
أبي سفيان وماوقع من أهل العلم في زمان بني أمية هوتقية وذكر أهل الأمهات نسبته
إلى أبي سفيان في كتبهم مع كونهم لم يألفوها إلا بعد انقراض عصر بني أمية محافظة
منهم على الألفاظ التي وقعت من الرواة في ذلك الزمان كما هو دأبهم . وقد وقع في
صحيح مسلم ابن زياد مكان زياد وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه والصواب زياد .
وكذا قال النووي وجميع من تكلم على صحيح مسلم . قوله " بيدي " فيه دفع
التجوز بأن يظن ان الفتل وقع باذنها لو قالت فتلت فقط : قوله " مع أبي "
بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة يعني أبا بكر الصديق رضي الله عنه واستفيد من ذلك
ان وقت البعث كان في سنة تسع عام حجة أبي بكر بالناس ( وقد استدل ) بالحديثين
على انه لا يحرم على من بعث بهدي شيء من الأمور التي تحل له وبه قال الجمهور . قال
ابن عبد البر خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء وتعقب بأنه قد قال بمقالته جماعة
من الصحابة كانب عمر رواه عنه ابن أبي شيبة وابن المنذر وقيس بن سعد رواه عنه سعيد
بن منصور وابن المنذر أيضا وعلي عليه السلام وعمر رضي الله عنه رواه عنهما ابن أبي
شيبة وابن المنذر أيضا . ومن غير الصحابة النخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون كما قال
ابن المنذر ونقل الخطابي عن أصحاب الرأي مثل قول ابن عباس وهو خطأ عنهم ما قال
الحافظ وإلى مثل قول ابن عباس ذهبت الهادوية وليس في قول ابن عباس ولا قول غيره من
الصحابة حجة ولاسيما إذا عارض الثابت عنه صلى الله عليه وآله وسلم نعم احتجوا بما
أخرجه أحمد والطحاوي والبزار من حديث جابر قال " كنت جالسا عند النبي صلى
الله عليه وآله وسلم فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال أني أمرت ببدني
التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا فليست فميصي ونسيت فلم أكن لأخرج
قميصي من رأسي " قال في الفتح وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده ويجاب عنه بأنه
قال في مجمع الزوائد بعد أن ذكره رجال أحمد ثقات وذكره من طريق أخرى وقال رواه
أحمد ورجاله رجال الصحيح وإنما قال هكذا لان أحمد رواه عن عبد الرحمن بن عطاء أنه
سمع ابني جابر يحدثان عن أبيهما فذكره . وعبد الرحمن وثقه النسائي وقواه أبو حاتم
. وقال البخاري فيه نظر وبهذا يرد على المقبلي حيث قال إن هذا الحديث أخرجه ابن
النجار وغالب أحاديثه الضعف والظاهر أنه لا أصل لهذا الحديث انتهى . وقد أخرج
النسائي من حديث جابر أنهم كانوا إذا كانوا حاضرين مع رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم بالمدينة بعث الهدى فمن شاء أحرم ومن شاء ترك هكذا في جامع الأصول وبه يحصل
الجمع بين الأحاديث
باب الحث على الأضحية
1 - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال " ماعمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من هرافة دم
وأنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها وان الدم ليقع من الله عز و جل
بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا "
- رواه ابن ماجه والترمذي وقال هذا حديث حسن
غريب
2 - وعن زيد بن أرقم قلت " أوقالوا يا
رسول الله ماهذه الأضاحي قال سنة أبيكم إبراهيم قالوا مالنا منا قال بكل شعرة حسنة
قالوا فالصوف قال بكل شعرة من الصوف حسنة "
- رواه أحمد وابن ماجه
3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا "
- رواه أحمد وابن ماجه
4 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ما أنفقت الورق في شئ أفضل من نحيره في يوم عيد "
رواه الدار قطني
- حديث عائشة رواه الترمذي عن ابن عمر ومسام
بن عمر والحذاء المديني عن عبد الله بن نافع الصائغ عن ابن المثنى عن هشام بن عروة
عن أبيه عنها . وقال بعد ان أذكر أن هذا
الحديث حسن غريب أنه لا يعرف من حديث هشام بن عروة من هذا الوجه . وحدبث زيد بن
أرقم أخرجه أيضا الترمذي فقال ويروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في
الأضحية لصاحبها بكل شعرة حسنة ويروى بقرونها انتهى وحديث أبي هريرة صححه الحاكم
قال الحافظ في بلوغ المرام لكن رجح الأئمة غيره وقفه . وقال في الفتح رجاله ثقات
لكن اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره ( وفي الباب )
عن أبي سعيد عند الحاكم " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة رضي
الله عنها قومي إلى ضحيتك فاشهد بها فإنه بأول قطرة منها يغفر لك ما سلف من ذنوبك
" ؤفي إسناده عطية . وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه حديث منكر . وعن
عمران بن حصين عند الحاكم أيضا مثل حديث أبي سعيد وفي إسناده أبو حمزة الثمالي وهو
ضعيف جدا . وعلي رضي الله عنه عند الحاكم والبيهقي مثله وفي إسناده عمرو بن خالد
الواسطى وهو متروك . وعن علي رضي الله عنه ايضا من طريق أبي داود النخفى عن علي
عنه ايضا من طريق أبي داود النخفى عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده عند
الطبراني بلفظ " من ضحية طيبة بها نفسه محتسبا بأضحيته كانت له حجابا من
النار " وأبو داود النخفي كذاب قال أحمد كان يضع الحديث . قوله " ما هذه
الأضاحي " هي جمع أضحية قال الجوهري قال الأصمعي فيها أربع لغات أضحة بضم
الهمزة وكسرها وجمعها أضاحي بتشديد الياء وتخفيفها واللغة الثالثة ضحية وجمعها
أضاحي والرابعة أضحاة بفتح الهمزة والجمع أضحى كأرطاة وأرطى وبها سمي يوم الأضحى .
قال القاضي وقيل سميت بذلك لأنها تغفل في الضحى وهو ارتفاع النهار . قال النووي
وفي الأضحى لغتان التذكير لغة قيس والتأنيث لغة تميم : قوله " فلا يقربن
مصلانا " هذا الحديث من جملة ما استدل به القائلون بوجوب الضحية وسيأتي
الكلام على ذلك ( وأحاديث الباب ) تدل على
مشروعية الضحية ولا خلاف في ذلك كما في البحر وأنها أحب الأعمال إلى الله يوم
النحر وأنها تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها ويقع دمها بمكان من
القبول قبل أن يقع على الأرض وانها سنة إبراهيم لقوله تعالى { وفديناه بذبح عظيم }
وأن للمضحي بكل شعرة من شعرات أضحيته حسنة وأنه يكره لمن كان ذا سعة تركها وأن
الدراهم لم تنفق في عمل صالح افضل من الأضحية ولكن إذا وقعت لقصد التسنن وتجردت عن
المقاصد الفاسدة وكانت على الوجه المطابق للحكمة في شرعها وسيأتي إن شاء الله
تعالى
باب ما احتج به في عدم وجوبها بتضحية رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمته
1 - عن جابر قال " صليت مع رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم عيد الأضحى فلما انصرف اتى بكبش فذبحه فقال بسم الله والله
أكبر اللهم هذا عني وعمن لم يضحي لم يضحي من أمتي "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي
2 - وعن علي بن الحسين عن أبي رافع " إن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أو قرنين أو ملحين
فإذا صلى وخطب الناس أتى باحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم بقول
اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ثم يؤتى بالأخر
فيذبحه بنفسه ويقول هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعا المساكين ويأكل هو وأهله
منهما فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المؤنة برسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم والغرم "
- رواه أحمد
- الحديث الأول قال الترمذي هذا الحديث غريب
من هذا الوجه وقال المطلب بن عبد الله بن حنطب يقال أنه لم يسمع من جابر . وقال
أبو حاتم الرازي يشبه أن يكون أدركه . والحديث الثاني سكت عنه الحافظ في التلخيص
وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير والبزار قال في مجمع الزوائد وإسناد أحمد والبزار
حسن . وأخرج نحوه أحمد أيضا وابن ماجه والحاكم والبيهقي من حديث أبو هريرة وسيأتي
في باب التضحية بالخصى : قوله " أملحين "
الأملح هو الأبيض الخالص قال ابن الأعرابي وقال الأصمعي هو الأبيض المشوب بشيء من
السواد وقال أبو حاتم هو الذي يخالط بياضه حمرة وقيل الأسود الذي يعلوه حمرة .
وقال الكسائي هو الذي فيه بياض وسواد والبياض أكثر وقال الخطابي هو الأبيض الذي في
خلل صوفه طبقات سود : قوله " أقرنين " قال
النووي أي لكل واحد منهما قرنان حسنان وفيه دليل على استحباب التضحية بالأملح
الأقرن . قال النووي وأجمع العلماء على جواز التضحية بالأجم وهو الذي لم يخلق الله
له قرنين وأما المكسور فسيأتي الكلام فيه ( والحديثان ) يدلان على أنه
يجوز للرجل أن يضحي عنه وعن أتباعه وأهله ويشركهم معه في الثواب وبه قال الجمهور
وكرهه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحديثان يردان عليهم . وقد أخرج مسلم من حديث
انس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " كان يقول اللهم تقبل من محمد وآل
محمد وعن أمة محمد " وسيأتي في باب الذبح بالمصلى . وأخرج وأيضا ابن ماجه
والترمذي وصححه من حديث أبي أيوب ان الرجل كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته في
عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيأتي في باب الاجتزاء بالشاة . وقد تمسك
بحديثي الباب وما ورد في معناها من قال أن الأضحية غير واجبة بل سنة وهم الجمهور
قال النووي وممن قال بهذا أبو بكر وعمر وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وعلقمة
والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وابن المنذر وداود
وغيرهم انتهى . وحكاه في البحر أيضا عمن ذكر من الصحابة . وعن ابن مسعود وابن عباس
وحكاه أيضا عن العترة الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة
والليث وبعض المالكية أنها واجبة على الموسر وحكاه في البحر عن مالك وقال النخعي
واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى وقال محمد بن الحسن واجب على المقيم بالأمصار
والمشهور عن أبي حنيفة أنه قال إنما توجيهها على مقيم يملك نصابا كذا قال النووي
قال ابن حزم لا يصح على أحد من الصحابة أنها واجبة وصح أنها غير واجبة عن الجمهور
ولا خلاف في كونها من شرائع الدين
( ووجه ) دلالة الحديثين وما في معناهما على
عدم الوجوب أن الظاهر إن تضحيته صلى الله عليه وآله وسلم عن أمته وعن أهله تجزأ كل
من لم يضح سواء كان متمكنا من الأضحية أو غير متمكن ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حديث
" على أهل كل بيت أضحية " وسيأتي في باب ما جاء في الفرع العتيرة ما يدل
على وجوبها على أهل كل بيت يجدونها فيكون قرينة على أن تضحية رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم عن غير الواجدين من أمته ولو سلم الظهور المدعي فلا دلالة له على
عدم الوجوب لأن محل النزاع من لم يضح عن نفسه ولا ضحى عنه غيره فلا يكون عدم
وجوبها على من كان في عصره من الأمة مستلزما لعدم وجوبها على من كان في غير عصره
منهم ( فإن قيل ) هذا يستلزم أن تجزأ الشاة الواحدة عن جميع الأمة قلنا هذه
المسألة أخرى خارجة عن محل النزاع سيأتي بيانها
ومن أدلة القائلين بعد الوجوب ما أخرجه
أحمد عن ابن عباس مرفوعا " أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها وأمرت بالأضحى
ولم تكتب عليكم " وأخرجه ايضا البزار وابن عدي والحاكم عنه بلفظ " ثلاث
هن على فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى " وأخرجه أيضا أبو يعلى
عنه بلفظ " كتب علي النحر ولم يكتب عليكم وأمرت بصلاة الضحى ولم تؤمروا بها " ويجاب
عنه بأن في إسناد أحمد وأبو يعلي جابر الجعفى وهو ضعيف جدا في إسناد البزار وابن
عدي والحاكم أن جناب الكلبي وقد صرح الحافظ ضعيف من جميع طرقه : وقد
أخرجه الدارقطني بلفظ " ثلاث هن على فريضة وهن لكم تطوع الوتر وركعتا الفجر
وركعتا الضحى " وأخرجه البزار بلفظ " أمرت بركعتي الفجر والوتر وليس عليكم
" ورواه الدارقطني أيضا وابن شاهين في ناسخه عن أنس مرفوعا " أمرت بالوتر
والأضحى ولم يعزم على " وفي إسناده عبد الله بن محرر وهو متروك واستدلوا أيضا
بما أخرجه البيهقي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يظن من رآهما
أنها واجبة وكذلك أخرج عن ابن عباس وبلال وأبي مسعود وابن عمر ولا حجة في شيء من
ذلك واستدل من قال بالوجوب بقول الله تعالى { فصل لربك وانحر } والأمر
للوجوب وأجيب بأن المراد تخصيص الرب بالنحر له لا للأصنام فالأمر متوجه إلى ذلك
لأنه القيد الذي يتوجه إليه الكلام ولا شك في وجوب تخصيص الله بالصلاة والنحر على
أنه قد روي أن المراد بالنحر وضع اليدين حال الصلاة على الصدر كما سلف في الصلاة
واستدلوا أيضا بحديث " من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا " وقد تقدم
ووجه الاستدلال به انه لما نهى من كان ذا سعة عن قربان المصلى إذا لم يضح دل على
أنه قد ترك واجبا فكأنه لا فائدة في التقرب مع ترك هذا الواجب قال في الفتح وليس
صريحا في الإيجاب واستدلوا أيضا بحديث مخنث بن سليم أنه صلى الله عليه وآله وسلم
قال بعرفات " يا أيها الناس على أهل كل بيت أضحية في كل عام وعتيرة "
أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه وسيأتي ما عليه من الكلام وأجيب عنه
بأنه منسوخ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا فرع ولاعتيرة " ولا يخفى
أن نسخ العتيرة على فرض صحته لا يستلزم نسخ الأضحية . واستدلوا أيضا بقوله صلى
الله عليه وآله وسلم " من كان ذبح قبل أن يصلي فليذح مكانها أخرى ومن لم يكن
ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله " وهو متفق عليه من حديث جندب بن سفيان
البجلي . وبما روى من حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من
كان ذبح قبل الصلاة فليعد " وسيأتي هو وحديث جندب في باب بيان وقت الذبح
والأمر ظاهر في الوجوب ولم يأت من قال بعدم الوجوب بما يصلح للصرف كما عرفت نعم
حديث أم سلمة الآتي قريبا ربما كان صالحا للصرف لقوله " وأراد أحدكم أن يضحي
" لأن التفويض إلى الأرادة يشعر بعدم الوجوب
باب ما يجتنبه في العشر من أراد التضحية
1 - عن أم سلمة " أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره
وأظافره
"
- رواه الجماعة إلا البخاري . ولفظ أبي داود
وهو لمسلم والنسائي أيضا " من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا
يأخذن من شعره وأظافره حتى يضحي "
- قوله " ذبح " بكسر الذال أي
حيوان يريد ذبحه فهو فعل بمعنى مفعول كحمل بمعنى محمول ومنه قوله تعالى { وفديناه
بذبح عظيم } الحديث استدل به على مشروعية ترك أخذ الشعر والأظافر بعد دخول عشر ذي
الحجة لمن أراد أن يضحي ( وقد اختلف العلماء ) في ذلك فذهب سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد
وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى
يضحي في وقت الأضحية وقال الشافعي وأصحابه هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام وحكى
الإمام المهدي في البحر عن الإمام يحيى والهادوية والشافعي إن ترك الحلق والتقصير
لمن أراد التضحية لمن أراد التضحية مستحب . وقال أبو حنيفة لا يكره
والحديث يرد عليه . وقال مالك في رواية لا يكره وفي رواية يكره وفي رواية يحرم في
التطوع دون الواجب ( وأحتج ) من قال بالتحريم بحديث الباب لأن النهي ظاهر في ذلك
واحتج الشافعي بحديث عائشة المتقدم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان
يبعث بهديه ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر هديه " فجعل هذا الحديث
مقتضيا لحمل حديث الباب على كراهة التنزيه ولا يخفى أن حديث الباب أخص منه مطلقا
فيبنى العام على الخاص ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم ولكن على من أراد التضحية
قال أصحاب الشافعي والمراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهي عن إزالة الظفر بقلم
أو كسر أو غيره والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذه بنورة
أو غير ذلك من شعور بدنه . قال إبراهيم المروزي وغيره من أصحاب الشافعي حكم أجزاء
البدن كلها حكم الشعر والظفر ودليله ما ثبت في رواية لمسلم " فلا يمسن من
شعره وبشره شيئا " ( والحكمة ) في النهي أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار
. وقيل للتشبه بالمحرم حكي هذين الوجهين النووي وحكي عن أصحاب الشافعي أن الوجه
الثاني غلط لأنه لا يعتزر النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه
المحرم
باب السن الذي يجزئ في الأضحية وما لا
يجزئ
1 - عن جابر قال " قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لا تذبحوا الأمسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن "
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي
2 - وعن البراء بن عازب قال " ضحى خال لي
يقال له أبو بردة قبل الصلاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاتك شاة
لحم فقال يا رسول الله إن عندي داجنا جذعة من المعز قال إذبحها ولا تصلح لغيرك ثم
قال من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة
المسلمين
"
- متفق عليه
- قوله " الأمسنة " قال العلماء
المسنة هي الثنية من كل شئ من الأبل والبقر و الغنم فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز
الجذع ولا يجزئ إلا إذا عسر على المضحى وجودالمسنة . الجذع من الضأن ولا من غير
مطلقا . قال النووي و مذهب العلماء كافة
إنه لا يجزئ سواء وجد غيره أم لا وحملوا هذا الحديث على الاستحباب والأفضل وتقديره
يستحب لكم أن لا تذبحوا الأمسنة فأن عجزتم فجذعه ضأن وليس فيه تصريح بمنع جذعة
الضأن وأنها لا تجزئ بحال وقد أجمعت الأمة على أنه ليس على ظاهره لأن الجمهور يجوزون
الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه
فيتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب كذا قال النووي ولا يخفي أن قوله
" لاتذبحوا " نهى عن التضحية بما عدا المسنة مما دونها وذبح الجذعة مقيد
بتعسر المسنة فلا يجزئ مع عدمه ولا بد من مقتض للتأويل المذكور وحديث أبي هريرة
وما بعده من الأحاديث المذكورة في هذا الباب تصلح لجعلها قرينة مقتضية للتأويل
فيتعين المصير إليه لذلك . قوله " جذعة من الضأن "
الجذع من الضأن ماله سنة تامة هذا الأشهر عن أهل اللغة وجمهور أهل العلم من غيرهم
. وقيل ماله ستة أشهر . وقيل سبعة . وقيل ثمانية . وقيل عشرة . وقيل أن كان
متولدا بين شاتين فستة أشهر وأن كان بين هرمين فثمانية : قوله " شاتك شاة لحم
" أي ليست اضحية ولا ثواب فيها بل هو لحم لك تنتفع به : قوله " أن عندي
داجنا " الخ الداجن ما يعلف في البيت من الغنم والمعز . وفي رواية لمسلم
" أن عندي جذعا " وفيه دليل على ان الجذعة المعز لا تجزئ في الأضحية قال
النووي وهذا متفق عليه قوله " من ذبح قبل الصلاة " يأتي شرح هذا أن شاء
الله في باب بيان وقت الذبح
3 - وعن أبي هريرة قال " سمعت رسول اللله
صلى الله عليه وآله وسلم يقول " نعم أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن "
- رواه أحمد والترمذي
4 - عن أم بلال بنت هلال عن أبيها " أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يجوز الجذع من الضأن الضحية "
- رواه أحمد وابن ماجه
5 - وعن مجاشع بن سليم " ان النبي صلى
الله عليه وآله وسلم كان يقال أن الجذع يوفي مما توفي منه الثنية "
- رواه أبو داود وابت ماجه
6 - وعن عقبة بن عامر " قال ضحينا مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجذع من الضأن "
- رواه النسائي
7 - وعن عقبة بن عامر قال قسم رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقلت يا رسول الله أصابني
جذع فقال ضح به "
- متفق عليه . وفي رواية للجماعة إلا أبا
داود " أن النبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه غنما يقسمها على
صحابته ضحايا فبقي عتود فذكره للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ضح به أنت
" قلت العتود من ولد المعز مارعى وقوى وأتى عليه حول
- حديث أبو هريرة رواه الترمذي من طريق يوسف
بن عيسى عن وكيع عن عثمان بن واقد بن كدمان بن عبد الرحمن بن كبا ش قال " جلبت
غنما جذعانا الى المدينة فكسدت علي فلقيت أبا هريرة فسألته فقال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم " الحديث . وقال غريب وقد روى موقوفا وذكره الحافظ
في التلخيص ولم يزد علي هذا ويشهد له حديث عبادة بن الصامت عند أبي داود وابن ماجه
والحاكم والبيهقي مرفرعا بلفظ " خير الصحية الكبش الأقرن " وأخرجه أيضا
الترمذي وزاد " وخير الكفن الحلة " وأخرجه بنحو اللفظ الأول أيضا ابن
ماجه والبيهقي من حديث أبي أمامة وفي إسناده عفير بن معدان وهو ضعيف قال الترمذي (
وفي الباب ) عن أم بلال بنت هلال عن أبيها وجابر وعقبة بن عامر ورجل من أصحاب
النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتهى . وحديث أم بلال أخرجه أيضا ابن جربر الطبري
والبيهقي وأشار إاليه الترمذي كما سلف ورجال إسناده كلهم بعضهم ثقة وبعضهم صدوق
وبعضهم مقبول . وحديث مجاشع بن سليم في إسناده عاصم بن كليب قال ابن المديني لا
يحتج به إذا انفرد . وقال الإمام أحمد لا بأس به وقال أبو حاتم الرازي صالح وأخرج
له مسلم . وحديث عقبة الأول أخرجه أيضا ابن وذكره الحافط في التلخيص وسكت ورجاله
إسناده ثقات : قوله " نعمت الاضحية الجذع من الضأن " فيه الدليل على ان
التضحية بالضأن أفضل وبه قال مالك وعلل ذلك بأنها أطيب لحما . وذهب الجمهور إلى أفضل
الانواع للمنفرد البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز واحتجوا بأن البدنة تجزئ عن
سبعة أو عشرة على الخلاف والبقرة تجزئ عن سبعة . وأما الشاة فلا تجزئ إلا واحد
بالاتفاق وما كان يجزئ عن الجماعة إذا ضحى به الواحد كان ما يجزئ عن الواحد فقط
هكذا حكى النووي الاتفاق على أن الشاى لا تجزئ إلا عن واحد وحكى المهدي في البحر
عن الهادي والقاسم أنها تجزئ عن ثلاثة واحتج لهما بتضحيته صلى الله عليه وآله وسلم
بالشاة عن محمد وآل محمد وأورد عليه أنه يلزم أن تجزئ عن أكثر من ثلاثة وأجاب بأنه
منع من ذلك الإجماع وحكى الترمذي في سننه عن بعض أهل العلم أنها تجزئ الشاة عن أهل
البيت وقال وهو قول أحمد وإسحاق واختلف أصحاب مالك فيما بعد الغنم فقبل الإبل أفضل
وقيل البقر وهو الأشهر عندهم : قوله " يوفى " الخ أي يجزئ كما تجزئ
الثنية
. قوله " عتود " بفتح المهملة وضم
الفوقية وسكون الواو وقد فسره أهل اللغة بما فسره به المصنف كما نقله النووي عنهم
. قال الجوهري وخيره ما بلغ سنة وجمعه أعتدة وعتدان بادغام التاء في الدال . قال
البيهقي وغيره من أصحاب الشافعي وغيرهم كانت هذه رخصة لعقبة ابن عامر كما كان
مثلها رخصة لأبي بردة بن نيار في الحديث المتقدم ثم روى ذلك بإسناده صحيح عن عقبة
قال " أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غنما أقسمها ضحايا بين
أصحابي فبقى عتود منها فقال ضح بها أنت ولا رخصة لأحد فيها بعدك " قال وعلى
هذا يحمل أيضا ما رويناه عن زيد بن خالد قال " قسم رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم في أصحابه غنما فأعطاني عتودا جذعا فقال ضح به فضحيت به " وقد أخرج
هذا الحديث أيضا أبو داود بإسناد حسن وليس فيه من المعز ذهب الجمهور . وعن عطاء والأوزاعي
تجوز مطلقا وهو وجه لبعض الشافعية حكاه الرافعي . وقال النووي هو شاذ أو غلط وأغرب
عياض فحكى الاجماع على عدم الأجزاء ( وأحاديث ) الباب تدل على أنها تجوز التضحية
بالجذع من الضأن كما ذهب إليه الجمهور فيرد بها على ابن عمرو الزهري حيث قالا أنه
لا يجزئ وقد تقدم الكلام في ذلك
باب مالا يضحى به لعيبه وما يكره ويستحب
1 - عن علي عليه السلام قال " نهى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يضحي باعضب القري والأذن قال قتادة فذكرت ذلك
لسعيد بن المسيب فقال العضب النصف فأكثر من ذلك "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي لكن ابن ماجه
لم يذكر قول قتادة إلى آخره
2 - وعن البراء بن عازب قال " قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها
والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والكسير التي لا تبقي "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي
3 - وروى يزيد ذو مصر قال " أتيت عتبة بن
عبد السلمي فقلت يا أبا الوليد أني خرجت التمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبني غير
ثرمافما تقول قال ألا جئتني أضحي بها قال سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني قال
نعم إنك تشك ولا أشك إنما نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المصفرة
والمستأصلة والبخقاء والمشيعة والكسراء فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو
صماخها
. والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله
والبخقاء التي تبخق عينها والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفا وضعفا والكسراء التي
لا تنقي
"
- رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه
ويزيد ذو مصر بكسر الميم وبالصاد المهملة الساكنة
- حديث علي عليه السلام صححه الترمذي كما
ذكر المصنف وسكت عنه أبو داود والمنذري وحديث البراء أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم
والبيهقي وصححه النووي وادعى الحاكم في كتاب الضحايا ان مسلما أخرجه وأنه مما أخذ
عليه لأنه من رواية سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز وقد اختلف الناقلون فيه
انتهى .
وهذا خطأ منه فان مسلما لم يخرجه في صحيحه
وقد ذكره علي الصواب في أواخر كتاب الحج فقال صحيح ولم يخرجاه وحديث عتبة بن عبد
السلمي أخرجه أيضا الحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري : قوله " نهى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أن يضحى باعضب القرن " الخ فيه دليل على أنها لا
تجزئ التضحية باعضب القرن والأذن وهو ما ذهب نصف قرنه أو أذنه وذهب أبو حنيفة
والشافعي والجمهور إلى أنها تجزئ التضحية بمكسور القرن مطلقا وكرهه مالك إذا كان مدمي
وجعله عيبا وقال في البحر أن أعضب القرن المنهى عنه هو الذي كسر قرنه أوعضب من
أصله حتى يرى الدماغ لا دون ذلك فيكره فقط ولا يعتبر الثلث فيه بخلاف ألاذن وفي
القاموس أن العضباء الشاة المكسورة القرن الداخل فالظاهر ان مكسورة القرن لا تجوز
التضحية بها الا أن يكون الذاهب من القرن مقدارا يسيرا بحيث لا يقال لها عضباء
لأجله أو يكون دون النصف أن صح ان التقدير بالنصف المروى عن سعيد بن المسيب لغوي
أو شرعي ولا يلزم تقييد هذا الحديث بما في حديث عتبة من النهي عن المستأصلة وهي
ذاهبة القرن من أصله لان المستأصلة عضباء وزيادة وكذلك لا تجزى التضحية باعضب
الأذن وهو ما صدق عليه اسم العضب لغة أو شرعا ولكن تفسير المصفرة المذكورة في حديث
عتبة بالتي تستأصل أذنها كما ذكره المصنف ومثلة ذكر صاحب النهاية يدل على أن عضب
الأذن المانع من الأجزاء هو ذلك لا دونه وهذا بعد ثبوت اتحاد مدلول عضباء الأذن والمصفرة
والظاهر أنهما مختلفان فلا تجزئ عضباء الأذن وهو ذاهبة نصف الأذن أو مشقوقتها أو
التي جاوز القطع ربعها على حسب الخلاف فيها بين أهل اللغة ولا المصفرة وهي ذاهبة
جميع الأذن لانها عضباء وزيادة وقد قيل أن المصفرة هي المهزولة حكى ذلك صاحب
النهاية واقتصر عليه صاحب التلخيص . ووجه التفسير الأول أن صماخها صار صفرا من
الأذن . ووجه الثاني انها صارت صفرا من السمن أي خالية منه : قوله " أربع لا
تجوز " الخ فيه دليل على أن متبينة العور والعرج والمرض لا يجوز التضحية بها
إلا ما كان من ذلك يسيرا غير بين وكذلك الكثير التي لا تنقى بضم الفوقية واسكان
النون وكسر القاف أي التي لا نفي لها بكسر النون واسكان القاف وهو المخ وفي رواية
الترمذي والنسائي والعجفاء بدل الكسير . قال النووي وأجمعوا على ان العيوب الأربعة
المذكورة في حديث البراء وهي المرض العجف والعور والعرج البينات لا تجزئ التضحية
وكذا ما كان في معناها أو أقبح منا كالعمى وقطع الرجل وشبهه انتهى : قوله "
عن المصفرة " بضم الميم واسكان
الصاد المهملة وفتح الفاء وقد تقدم تفسيرها : قوله " والبخقاء " بفتح
الموحدة وسكون الخاء العجمة بعدها قاف قال في النهاية البخق أن يذهب البصر وتبقى
العين قائمة وفي القاموس البخق محرك أقبح العور وأكثره غمصا أو أن لا يلتقي شفر
عينه على حدقته بخق كفرح وكنصر والعين البخقاء والباخقة والبخيق والبخيقة العوراء
ورجل بخيق كامير وباخق العين ومبخوقها ابخق وبخق عينه كمنع عورها وابخقها فقأها
والعين نذرت انتهى . قوله " والمشيعة "
قال في القاوس ونهى صلى الله عليه وآله وسلم عن المشيعة في الأضاحي بالفتح أي التي
تحتاج إلى من يشيعها أي يتبعها الغنم وبالكسر وهي التي تشيع الغنم أي تتبعها
لعجفها انتهى ( وهذه الأحاديث ) تدل على أنه لا يجزئ في الأضحية ما كان في أحد
العيوب المذكورة ومن ادعى أنه يجزئ مطلقا أو يجزئ مع الكراهية احتاج إلى إقامة
دليل يصرف النهى عن معناه الحقيقي وهو التحريم المستلزم لعدم الأجزاء ولا سيما بعد
التصريح في حديث البراء الجواز
4 - وعن أبي سعيد قال " اشتريت كبشا اضحى
به نعدا الذئب فأخذ الالية قال فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ضح به "
- رواه أحمد . وهو دليل علي ان العيب الحادث
بعد التعين لا يضر
5 - وعن علي عليه السلام قال " أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة
ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي
6 - وعن أبي أمامة ابن سهل قال " كما
نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون بسنون "
- أخرجه البخاري
7 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال دم عفراء أحب إلى الله من دم سوادين "
- رواه أحمد والعفراء التي بياضها ليس بناصع
8 - وعن أبي سعيد قال " ضحى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد ويمشي في سواد وينظر في سواد "
- رواه أحمد وصححه الترمذي
- حديث أبي سعيد الأول أخرجه ابن ماجه
والبيهقي وفي إسناده جابر الجعفى وهو ضعيف جدا وفيه أيضا محمد بن قرظة بفتح القاف
والراء قال في التلخيص غير معروف وقال في التقريب مجهول وقد قيل أنه وثقه ابن حيان
ويقال انه لم يسمع من أبي سعيد قال البيهقي ورواه حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة
عن عطية عن أبي سعيد " أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شاة قطع
ذنبه يضحى بها قال ضح بها " والحجاج ضعيف . وحديث علي عليه السلام أخرجه أيضا
البزار وابن حيان والحاكم والبيهقي وأعله الدار قطني . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا
الحاكم والبيهقي ورواه الطبراني فب الكبير من حديث ابن عباس بلفظ " دم الشاة
البيضاء عند الله أزكى من دم السواوين " وفيه حمزة النصيبي قد اتهم بوضع
الحديث ورواه الطبراني أيضا وأبو نعيم من حديث كبيرة بنت سفيان نحو الأول . ورواه
موقوفا على أبي هريرة ونقل عن البخاري ان رفعه لا يصح . وحديث أبي سعيد الثاني
صححه ابن حيان أيضا وهوعلى شرط مسلم قاله صاحب الاقتراح وأخرج مسلم من حديث عائشة
" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بكبش اقرن يطأ في سواد وينظر في سواد
ويبرك في سواد فأتى به ليضحي به فقال يا عائشة هلمي المدية ثم قال اشحذيها بحجر
ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه الحديث : قوله " فقال ضح به "
فيه دليل على ذهاب الالية ليس عيبا في الضحية من غير فرق بين أن يكون ذلك بعد
التعيين أو قبله كما يدل على ذلك رواية البيهقي التي ذكرناها وقالت الهادوية
الامام يحيى أن ذهاب الالية عيب وتمسكوا بالقياس على ذهاب الأذن والقرن وفي فاسد
الاعتبار
: قوله " أن نستشرف العين والأذن
" أي نشرف عليهما ونتأملهما كي لا يقع فيهما نقص وعيب . وقيل ان ذلك مأخوذ من
الشرف بضم الشين وهو خيار المال أي أمرنا أن نتخيرهما . وقال الشافعي معناه أن
نضحي بواسع العينين طويل الأذنين قوله " بمقابلة " بفتح الموحدة قال في
القاموس هي شاة قطعت أنها من قدام وتركت معلقة ومثله في النهاية إلا أنه لم يقيد
بقدام . قوله " ولا مدابرة " بفتح الموحدة أيضا هي
التي قطعت أنها من جانب . وفي القاموس ما لفظه وهو مقابل ومدابر محض من أبويه
وأصله من الإقبالة والإدبارة وهو شق في الأذن ثم يفتل ذلك فإن أقبل به فهو إقبالة
وإن أدبر به فإدبارة والجلدة المعلقة من الأذن هي الإقبالة والإدبارة كأنها زنمة
والشاة مدابرة ومقابلة وقد دابرها وقابلها انتهى : قوله " ولا شرقاء "
هي مشقوقة الأذن طولا كما في القاموس . قوله " ولاخرقاء "
قال في النهاية الخرقاء التي في اذنها خرق مستدير . قوله " كنا نسمن "
الخ فيه استحباب تسمين الأضحية لأن الظاهر إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم
على ذلك وحكى القاضي عياض عن بعض أصحاب مالك كراهة ذلك يتشبه باليهود قال النووي
وهذا قول باطل : قوله " دم عفراء " الخ فيه استحباب التضحية بالأعفر من
الظباء ما يعلوا بيضه حمرة وأقرانه بيض والأبيض ليس بالشديد البياض انتهى . وحكي
في البحر عن الإمام يحيى أنه قال الأفضل الأبيض ثم الأعفر ثو الأملح والأشمر الأطيب
إجماعا لقوله { ومن يعظم شعائر الله } وما غلا لنفاسته أفضل مما رخص انتهى : قوله
" بكبش أقرن " قد تقدم الكلام على ذلك " قوله " فحيل "
فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضحى بالفحيل كما ضحى بالخصي : قوله "
يأكل في سواد " الخ معناه أن فمه أسود وقوائمه وحول عينيه وفيه دليل على أنها
تستحب التضحية بما كان على هذه الصفة
باب التضحية بالخصي
1 - عن أبي رافع قال " ضحى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم بكبشين أملحين موجوأين خصيين "
2 - وعن عائشة قالت " ضحى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم بكبشين سمينين عظيمين أملحين أقرنين موجوأين "
- رواهما أحمد
3 - وعن أبي سلمة عن عائشة وعن أبي هريرة
" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين
عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين فذبح أحدهما عن أمته فلمن شهد بالتوحيد وشهد
له بالبلاغ وذبح الآخر عن محمد وىل محمد "
- رواه ابن ماجه
- حديث أبي رافع أخرجه أيضا الحاكم قال في
مجمع الزوائد وإسناده حسن . وحديث عائشة أيضا أخرجه ابن ماجة والبيهقي والحاكم من
حديثهما وحديث أبي هريرة ومدار طرقه كلها على عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه مقال
وفي إسناده حديث أبي هريرة وعائشة عيسى بن عبد الرحمن بن فروة وهو ضعيف ( وفي
الباب ) عن جابر عند الحاكم من طريق ابنعقيل وله شاهد من حديث جابر أيضا من طريق
أخرى عند أبي داود والبيهقي وعن أبي الدرداء عند أحمد والطبراني . قوله "
أملحين " قد تقدم تفسير الأملح والأقرن . والموجوء المنزوع الأنثيين كما ذكره
الجوهري وغيره . وقيل هو المشقوق عرق الأنثيين والخصيتان بحالهما . قوله " :
سمينين " فيه استحباب التضحية بالأقرن الأملح وقد حكى النووي الاتفاق على ذلك
وقد تقدم حديث دم عفراء أحب عند الله من دم سوداوين وقد تقدم أن الأملح خالص البياض
أو المشوب بحمرة والأعفر كذلك وتقدم أن مسلوب القرن لا تجوز التضحية به ( واستدل
) بأحاديث الباب على استحباب التضحية بالموجوء به قالت الهادوية والظاهر أنه لا
مقتضى للاستحباب لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم التضحية بالفحيل كما مر
في حديث أبي سعيد فيكون الكل سواء . واستدل بحديث أبي هريرة على أنها تجزئ الشاة
عن العدد الكثير وسيأتي الخلاف في ذلك
باب الاجتزاء بالشاة لأهل البيت الواحد
1 - عن عطاء بن يسار قال " سألت أبا أيوب
الأنصاري كيف كانت الضحايا فيكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال كان
الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون
ويطعمون حتى تباهي الناس فصار كما ترى "
- رواه ابن ماجه والترمذي وصححه
2 - وعن الشعبي عن أبي سريحة قال " حملني
أهلي على الجفاء بعد ما علمت من السنة كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والآن
يبخلنا جيراننا " ( 1 ) [ من التبخيل أي البخل والشح أن أكتفينا بالواحدة
وبالإثنتين
]
- رواه ابن ماجه
- الحديث الأول أخرجه أيضا مالك في الموطأ
وأخرجه الترمذي من طريق يحيى بن موسى عن أبي بكر الحنفي عن الضحاك بن عثمان عن
عمارة بن عبد الله قال سمعت عطاء بن يسار يقول سألت أبا أيوب فذكره وقال هذا حديث
حسن صحيح وعمارة بن عبد الله هو مديني وقد رواه عنه مالك بن أنس والعمل على هذا
عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق واحتجا بحديث أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ضحى بكبش فقال هذا عمن لم يضح من أمتي . وقال بعض أهل العلم لا تجزئ الشاة إلا
عن نفس واحدة وهو قول عبد اله بن المبارك وغيره من أهل العلم انتهى . وحديث
أبي سريحة إسناده في سنن ابن ماجه إسناد صحيح . قوله " يضحي بالشاة عنه وعن
أهل بيته " فيه دليل على أن الشاة تجزئ عن أهل البيت لأن الصحابة كانوا يفعلون
ذلك في عهده صلى الله عليه وآله وسلم والظاهر إطلاعه فلا ينكر عليهم ويدل على ذلك
أيضا حديث " على كل أهل بيت في كل عام أضحية " وسيأتي في باب ما جاء في
الفرع والعتيرة وبه قال من تقدم ذكره . وقال الهادي والقاسم تجزئ الشاة عن ثلاثة
وقيل تجزئ عن واحد فقط وبه قال من السلف . وقد زعم النووي أنه متفق عليه وهو غلط
وقد وافقه على دعوى الإجماع ابن رشد وكذلك زعم المهدي في البحر أنه لا قائل بأن
الشاة تجزئ عن أكثر من ثلاثة وهو أيضا غلظ والحق أنها تجزئ عن أهل البيت وإن كانوا
مائة نفس أو أكثر كما قضت بذلك السنة ولعل متمسك من قال أنها تجزئ عن واحد فقط
القياس على الهدي وهو فاسد الاعتبار وأما من قال أنها تجزئ عن ثلاثة فقط فقدج
استدل لهم صاحب البحر بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " عن محمد وآل محمد
" ثم قال ولا قائل بأكثر من ثلاثة فاقتصر عليهم انتهى . ولا يخفاك أن الحديث
حجة عليه لا له وأن نفي القائل بأكثر من ثلاثة ممنوع والسند ما سلف وقد اختلف في البدنة
فقالت الشافعية والحنفية والجمهور أنها تجزئ عن سبعة وقالت العترة وإسحاق بن
راهويه وابن خزيمة أنها تجزئ عن عشرة وهذا هو الحق هنا لحديث ابن عباس المتقدم في
باب أن البدنة من الإبل والبقر عن سبع شياه والأول هو الحق في الهدي للأحاديث
المتقدمة هنالك . وأما البقر فتجزئ عن سبعة فقط اتفاقا في الهدي والأضحية : قوله
" فصار كما ترى " في نسخة من هذا الكتاب فصاروا كما ترى ولفظ الترمذي
فصارت كما ترى
باب الذبح بالمصلى والتسمية والتكبير على
الذبح والمباشرة له
1 - عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم " أ ه كان يذبح وينحر بالمصلى "
- رواه البخاري والنسائي وابن ماجه وأبو
داود
2 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتى به ليضحي
به فقال لها يا عائشة هلمي المدية ثم قال إشحذيها على حجر ففعلت ثم أخذها وأخذ
الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد
ثم ضحى
"
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود
3 - وعن أنس قال " ضحى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم بكبشين أملحين أقرنين فرأيته واضعا قدميه على صفاحهما يسمي
ويكبر فذبحهما بيده "
- رواه الجماعة
4 - وعن جابر " قال ضحى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يوم عيد بكبشين فقال حين وجههما وجهت وجهي للذي فطر السموات
والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللهم منك ولك عن محمد وأمته "
- رواه ابن ماجه
- حديث جابر أخرجه أيضا أبو داود والبيهقي
وفي إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال تقدم وفي إسناده أيضا أبو عياش قال في التلخيص
لا يعرف : قوله " كان يذبح وينحر بالمصلى " فيه استحباب أن يكون الذبح
والنحر بالمصلى وهو الجبانة ( والحكمة ) في ذلك أن يكون بمرأى من الفقراء فيصيبون
من لحم الأضحية : قوله " يطأ في سواد " الخ أي بطنه وقوائمه وما حول
عينيه سواد كما تقدم : قوله " هلمي المدية " أي هاتيها والمدية بضم
الميم وكسرها وفتحها وهي السكين . قوله " اشحذيها " بالشين المعجمة
والحاء المهملة المفتوحة وبالذال المعجمة أي حدديها وفيه استحباب إحسان الذبح
وكراهة التعذيب كأن يذبح بما في حده ضعف . قوله " وأخذ الكبش " الخ هذا
الكلام فيه تقديم وتأخير وتقديره فأضجعه ثم أخذ في ذبحه قائلا بسم الله الخ مضحيا وفيه
استحباب إضجاع الغنم في الذبح وأنها لا تذبح قائمة ولا باركة بل مضجعة لأنه أرفق
بها وبهذا جاءت الأحاديث وأجمع عليه المسلمون كما قال النووي واتفق العلماء على أن
إضجاعها يكون على جانبها الأيسر حكي ذلك النووي أيضا لأنه أسهل على الذابح في أخذ
السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار . وفيه استحباب قولا لمضحي بسم الله زكذلك
تستحب التسمية في سائر الذبائح وهو مجمع عليه ولكن وقع الخلاف في وجوبها . قوله
" ويكبر " فيه دليل على استحباب التكبير مع التسمية فيقول بسم الله
والله أكبر . والصفحة جانب العنق وإنما فعل ذلك ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب
الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تؤذيه قال النووي وهذا أصح من الحديث
الذي جاء بالنهي عن ذلك . قوله " فذبحهما بيده
" فيه استحباب تولي الإنسان ذبح أضحيته بنفسه فإن استناب قال النووي جاز بلا
خلاف وإن استناب كتابيا كره كراهة تنزيه وأجزأه ووقعت التضحية عن الموكل هذا
مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا مالكا في إحدى الروايتين عنه فلم يجوزها ويجوز أن
يستنيب صبيا وامرأة حائضا لكن يكره توكيل الصبي وفي كراهة توكيل الجائض وجهان
انتهى . ومذهب الهادوية اشترط أن يكون الذابح مسلما فلا تحل عندهم ذبيحة الكافر
ولا يجوز توكيله بالذبح : قوله " فقال حين وجههما
وجهت " الخ فيه استحباب تلاوة هذه الآية عند توجيه الذبيحة للذبح وقد تقدم
ذكرها في دعاء الاستفتاح في الصلاة
باب نحر الإبل قائمة معقوله يدها اليسرى
1 - قال الله تعالى { فاذكروا اسم الله عليها
صواف } قال البخاري قال ابن عباس صواف قياما . وعن ابن عمر " أنه أتى على رجل
قد أناخ بدنته ينحرها فقال ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه
2 - وعن عبد الرحمن بن سابط " أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما
بقي من قوائمها "
- رواه أبو داود وهو مرسل
- حديث عبد الرحمن بن سابط هو في سنن أبي
داود من حديث جابر بن عبد الله فلا إرسال وهكذا ذكره الحافظ في الفتح من حديث جابر
وعزاه إلى أبي داود وقد سكت عنه هو والمنذري ورجاله رجال الصحيح وتفسير ابن عباس
الذي ذكره البخاري معلقا قد وصله سعيد بن منصور وعبد بن حميد : قوله " صواف " بالتشديد
جمع صاف أي مصطفة في قيامها ووقع في مستدرك الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله
صواف صوافن أي قياما على ثلاث قوائم معقولة وهي قراءة ابن مسعود والصوافن جمع
صافنة وهي التي رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب : قوله " إبعثها " أي
أثرها يقال بعثت الناقة أي أثرتها : وقوله " قياما " مصدر بمعنى قائمة ووقع
في رواية الإسماعيلي " انحرها قائمة " : قوله " سنة محمد "
بنصب سنة بعامل مضمر كالاختصاص أو التقدير متبعا سنة محمد ويجوز الرفع وفي رواية
الحربي فإنه سنة محمد وفي هذا الحديث والذي بعده استحباب نحر افبل على الصفة
المذكورة . وعن الحنفية يستوي نحرها قائمة وباركة في الفضيلة وفي الباب عن أنس عند
البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحر بيده سبع بدن قياما
باب بيان وقت الذبح
1 - عن جندب بن سفيان البجلي " أنه صلى
الله عليه وآله وسلم يوم أضحى قال فانصرف فإذا هو باللحم وذبائح الأضحى تعرف فعرف
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه ذبحت قبل أن يصلي فقال من كان ذبح قبل أن
يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله "
- متفق عليه
2 - وعن جابر قال " صلى بنا رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قد نحر فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كان نحر قبله أن
يعيد بنحر آخر ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد ومسلم
3 - وعن أنس قال " قال النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يوم النحر من كان ذبح قبل الصلاة فليعد "
- متفق عليه . وللبخاري " من ذبح قبل
الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصحاب سنة المسلمين "
- وفي الباب عن البراء عند الجماعة كلهم
بلفظ " من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء
" وقد تقدم بنحو هذا اللفظ : قوله " من ذبح قبل أن يصلى
" في مسلم " قبل أن يصلي أو نصلي " الأولى بالياء التحتية والثانية
بالنون وهو شك من الراوي . ورواية النون موافقة لقوله في أول الحديث " أنها
ذبحت قبل أن يصلي " فإن المراد صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وموافقة
أيضا لقوله في آخر الحديث " ومن لم يكن ذبح حتى صلينا " وهذا
يدل على أن وقت الأضحية بعد صلاة الإمام لا بعد صلاة غيره فيكون المراد بقوله في
حديث أنس " من كان ذبح قبل الصلاة " الصلاة المعهودة وهي صلاة النبي صلى
الله عليه وآله وسلم وصلاة الأئمة بعد إنقضاء عصر النبوة ويؤيد هذا ما أخرجه
الطحاوي من حديث جابر وصححه ابن حبان " أن رجلا ذبح قبل أن يصلي رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فنهي أن يذبح أحد قبل الصلاة " وظاهر قوله في حديث
جابر " فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نحر " الخ أن
الاعتبار بنحر الأمام وأنه لا يدخل وقت التضحية إلا بعد نحره ومن نحره ومنفعل قبل
ذلك أعاد كما هو صريح الحديث ويجمع بين الحديثين بأن وقت النحر يكون لمجموع صلاة
الامام ونحره . وقد ذهب إلى أن مالك فقال لا يجوز ذبحها قبل صلاة الامام وخطبته
وذبحه وقال أحمد لا يجوز قبل صلاة الامام ويجوز بعدها قبل ذبح الامام وسواء عنده
أهل القري والأمصار ونحوه عن الحسن والأوزاعي وإسحاق . وقال الثوري يجوز بعد صلاة
المام قبل خطبته وفي أثنائها . وقال الشافعي وداود وآخرون ان وقت التضحية من طلوع
الشمس فإذا طلعت ومضى قدر صلاة العيد وخطبته أجزأ الذبح بعد ذلك سواء صلى أم لا
وسواء صلى المضحي أم لا وسواء كان من أهل القرى والبوادي أو منأهل الأمصار أو من المسافرين
. وقال أبو حنيفة يدخل وقتها في حق أهل القرى والبوادي إذا طلع الفجر ولا يدخل في
حق أهل الأمصار حتى يصلي الإمام ويخطب فإذا ذبح قبل ذلك لم يجزه . وقالت الهادوية
ان وقتها يدخل بعد صلاة المضحي سواء صلى الإمام أم لا فإذا لم يصلي المضحى وكانت
الصلاة واجبة عليه كان وقتها من الزوال وان كانت الصلاة غير واجبة عليه لعذر من
الأعذار أو كان ممن لا تلزمه صلاة العيد فوقتها من فجر النحر ولا يخفى أن مذهب
مالك هو الموافق لأحاديث الباب وبعضها يرد على بعضها . قال ابن المنذر وأجمعوا على
أنها لا تجوز التضحية قبل طلوع الفجر وأما إذا لم يكن ثم إمام فالظاهر أنه يعتبر
لكل مضح بصلاته . وقالربيعة فمن لا إمام له ان
ذبح قبل طلوع الشمس لا تجزئه وبعد طلوعها تجزئه وآما أخر وقت التضحية فسيأتي بيانه
. وقد تأول أحاديث الباب ولم يعتبر صلاة الامام وذبحه بان المراد بها الزجر عن
التعجيل الذي يؤدي إلى فعلها قبل وقتها وبأنه لم يكن في عصره صلى الله عليه وآله
وسلم من يصلى قبل صلاته فالتعليق بصلاته في هذه الأحاديث ليس المراد به إلا
التعليق بصلاة المضحي نفسه لكنها لما كانت تقع صلاتهم مع النبي صلى الله عليه وآله
وسلم غير متقدمة ولا متأخرة وقع التعليق بصلاته صلى الله عليه وآله وسلم بخلاف العصر
الذي بعد عصره فإنها تصلى صلاة العيد في المصر الواحد جماعات متعدة ولا يخفى بعد
هذا فإنه لم يثبت أن أهل المدينة ومن حولهم كانوا لا يصلون العيد الا مع النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ولا يصلح للتمسك لمن جوز الذبح من طلوع الشمس أو من طلوع
الفجر ما ورد من أن يوم النحر يوم ذبح لأنه كالعام وأحاديث الباب خاصة فيبنى العام
على الخاص : قوله " فليذبح باسم الله " والجار والمجرور متعلق بمحذوف أي
قائلا باسم الله
4 - وعن سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " كل أيام التشريق ذبح "
- رواه أحمد وهو للدارقطني من حديث سليمان
ابن موسى عن عمرو بن دينار . وعن نافع بن جبير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه
- حديث جبير بن مطعم أخرجه ابن حبان في
صحيحه والبيهقي وذكر الأختلاف في إسناده . ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة وفي
إسناده معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف وذكره ابن أبي حاتم من حديث أبي سعيد وذكر
عن أبيه أنه موضوع . قال ابن القيم في الهدى إن حديث جبير بن مطعم منقطع لا يثبت
وصله ويجاب عنه بأن ابن حبان وصله وذكره في صحيحه كما سلف ( وقد استدل ) الحديث على
أن أيام التشريق كلها أيام ذبح وهي يوم النحر وثلاثة أيام بعده وقد تقدم الخلاف
فيها في كتاب العيدين وكذلك روى في الهدى عن علي عليه السلام أنه قال أيام النحر
يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده وكذا حكاه النووي عنه في شرح مسلم وحكاه أيضا عن جبير
ابن مطعم وابن عباس وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى
الأسدي فقيه أهل الشام ومكحول والشافعي وداود الظاهري وحكاه صاحب الهدى عن عطاء
والأوزاعي وابن المنذر ثم قال وروى من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " كل مني منحر وكل أيام التشريق ذبح "
وروى من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع . ومن حديث أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر
قال يعقوب بن سفيان أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون انتهى . وقال أبو
جنيفة ومالك وأحمد إن وقت الذبح يوم النحر ويومان بعده . قال النووي وروى هذا عمر
بن الخطاب رضي الله عنه وعلي عليه السلام وابن عمر وانس وحكى ابن القيم عن أحمد
أنه قال هو قول غير واحد م أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورواه الاثرم عن
ابن عباس وكذا حكاه عنه في البحر واليه ذهبت الهادوية والناصر . وقال ابن سيرين ان
وقته يوم النحر خاصة وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيدان وقته يوم النحر فقط لاهل
الأمصار وأيام التشريق لاهل القرى . وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن وقته في
جميع ذي الحجة فهذه خمسة مذاهب أرجحها المذهب الأول للأحاديث المذكورة في الباب
وهي تقوى بعضه بعضا وقد أجاب عن ذلك صاحب البحر بجواب في عابة السقوط فقال قلنا لم
يعمل به يعني حديث جبير أحد من الصحابة وقد عرفت أنه قول جماعة من الصحابة على أن
مجرد ترك الصحابة من غير تصريح منهم بعدم الجواز لا يعد قادحا وأشف ما جاء به من
منع من الذبح في اليوم الرابع الحدث الآتي في النهي عن ادخار لحوم الأضاحي فوق
ثلاث قالوا فيه دليل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط لانه لا يجوز الذبح في وقت لا
يجوز فيه الأكل ونسخ تحريم الأكل لا يستلزم نسخ وقت الذبح وقد أجاب عنه ابن القيم
بأنه لا يدل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط لأن الحديث دليل على نهي الذابح أن يؤخر
شيئا فوق ثلاثة أيام من يوم ذبحه فلو أخر الذبح إلى اليوم الثالث لجاز له الأدخار
ما بينه وما بين ثلاثة أيام وسيأتي بقية الكلام على الحديث ( ووقع الخلاف ) في
جواز التضحية في ليالي أيام الذبح . فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو
ثور والجمهور أنه يجوز مع كراهة . وقال مالك في المشهور عنه وعامة أصحابه ورواية
عن أحمد أنه لا يجزئ بل يكون شاة لحم ولا يخفى أن لقول بعدم الاجزاء وبالكراهية
يحتاج إلى دليل ومجرد ذكر الأيام في حديث الباب وان دل على اخراج الليالي بمفهوم
اللقب لكن التعبير بالأيام عن مجموع الأيام والليالي والعكس مشهور متداول بين أهل
اللغة لا يكاد يتبادر غيره عن الإطلاق وأما ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس أنه صلى
الله عليه وآله وسلم نهى عن الذبح ليلا ففي إسناده سليمان الخبايري وهو متروك
وذكره عبد الحق من حديث عطاء يسار مرسلا وفيه مبشرين عبيد وهو أيضا متروك وفي
البيهقي عن الحسن نهى عن جذاذ الليل وحصاده والأصحى بلليل وهو وأن كانت الصيغة
مقتضية للرفع مرسل
باب الأكل والاطعام بالأضحية وجواز ادخار
لحمها ونسخ النهي عنه
1 - عن عائشة قالت " دف أهل أبيات من أهل
البادية حضرة الأضحى زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ادخروا ثلاثا ثم
تصدقوا بما بقي بعد ذلك قالوا يا رسول الله ان الناس يتخذون الاسقية من ضحاياهم
يحملون فيها الودك فقال وما ذاك قالوا نهيت أن تؤكل الأضاحي بعد ثلاث فقال إنما
بينكم من أجل الدافة فكلوا وادخروا وتصدقوا "
- متفق عليه
2 - وعن جابر قال " كنا لا نأكل كل من
لحوم بدننا فوق ثلاث منى فرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال كلوا
وتزودوا
"
- متفق عليه . وفي لفظ " كنا نتزود
لحوم الأضاحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة أخرجاه
" وفي لفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا
بعد ثلاث ثم قال بعد كلوا وتزودوا وادخروا " رواه مسلم والنسائي
3 - وعن سلمة بن الأكوع قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم من ضحى منكم فلا يصحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء فلما
كان في العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا في عام الماضي قال كلوا
واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فاردت أن تعينوا فيها "
- متفق عليه
4 - وعن ثوبان قال " ذبح رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم أضحيته ثم قال يا ثوبان اصلح لي لحم هذه فلم أزل أطعمه حتى
قدم المدينة "
- رواه أحمد ومسلم
5 - وعن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال يا أهل المدينة لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام فشكوا
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لهم عيالا وحشما وخدما فقال كلوا
وأطعموا واحبسوا وادخروا "
- رواه مسلم
6 - وعن بريدة قال " قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة لتسع ذوو الطول على من
لا طول له فكلوا ما بدالكم وأطعموا وادخروا "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه
- وفي الباب عن نبيشة الهذلي عند أحمد وأبي
داود وزاد بعد قوله " وادخروا وائتجروا " أي اطلبوا الأجر
بالصدقة . قوله " دف " بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء أي جاء قال أهل
اللغة الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جميعا سيرا خفيفا ودافة الاعراب من يريد
منهم المصر والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة . قوله
" حضرة " بفتح الحاء وضمها وكسرها والضاد ساكنة فيها كلها وحكى فتحها
وهو ضعيف وإنما تفتح إذا حذفت الهاء يقال يحضر فلان كذا قال النووي . قوله
" ويجعلون " بفتح الياء وسكون الجيم مع كسر الميم وضمها ويقال بضم الياء
مع كسر الميم يقال جملت الدهن اجمله بكسر الميم واجمله بضمها جملا واجملته أجمله
اجمالا أي أذبته : قوله " بعد ثلاث " قال القاضي عياض يحتمل أن يكون
ابتداء الثلاث من يوم ذبح الأضحية وان ذبحت بعد يوم النحر ويحتمل أن يكون من يوم
النحر وان تأخر الذبح عنه قال وهذا اظهر ورجع ابن القيم الأول وهذا الخلاف لا
يتعلق به فائدة عند من قال بالنسح الا باعتبار ما سلف من الاحتجاج بذلك إلى يوم
الرابع ليس من أيام الذبح . قوله " إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا "
الخ هذا وما بعده تصريح بالنسخ لتحريم أكل لحوم الأضاحي بعد الثلاث وادخارها وإليه
ذهب الجماهير من علماء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم . وحكى النووي عن
علي عليه السلام وابن عمر أنهما قالا يحرم للحوم الأضاحي بعد ثلاث وان حكم التحريم
باق وحكاه الحازمي في الاعتبار عن علي عليه السلام أيضا والزبير وعبد الله بن واقد
بن عبد الله بن عمر ولعلهم لم يعلموا بالناسخ ومن علم حجة علي من لم يعلم وقد أجمع
على جواز الأكل والادخار بعد الثلاث من بعد عصر المخالفين في ذلك ولا أعلم أحدا
بعدهم ذهب إلى ما ذهبوا إليه . قوله " كلوا " استدل بهذا الأمر ونحوه من
الأوامر المذكورة في الباب من قال بوجوب الأكل من الأضحية وقد حكاه النووي عن بعض
السلف وأبي الطيب بن سلمة من أصحاب الشافعي ويؤيد قوله تعالى { فكلوا
منها } وحمل الجمهور هذه الأوامر على الندب والأباحة لورودها بعد الحظر وهو عند
الجماعة للإباحة . وحكى النووي عن الجمهور أنه للوجوب والكلام في ذلك مبسوط في
الأصول : قوله " وأطعموا " وفي حديث عائشة " وتصدقوا " فيه
دليل على وجوب التصدق من الأضحية وبه قالت الشافعية إذا كانت أضحية تطوع قالوا
والواجب ما يقع اسم الاطعام والصدقة ويستحب أن يكون بمعظمها قالوا وأدنى الكمال أن
يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدى الثلث وفي قول لهم يأكل النصف ويتصدق بالنصف ولهم
وجه أنه لا يجب التصدق بشيء وقال القاسم بن إبراهيم أنه يتصدق بالبعض غير مقدر قال
في البحر وفي جواز أكلها جميعها وجهان عن الأمام يحيى أصحهما لا يجوز اذ يبطل به
القربة وهي المقصود وقيل يجوز والقربة تعلقت باهراق الدم فان فعل لم يضمن شيئا عند
الجميع إذ لا دليل قلت وفي كلام الامام يحيى نظر مع القول بأنها سنة انتهى . قوله " فأردت
أن تعينوا فيها " بالعين المهملة من الاعانة هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم
" أن يفش فيهم " بالفاء والشين المعجمة أي يشيع لحم الأضاحي في الناس وينتفع
به المحتاجون . قال القاضي عياض في شرح مسلم الذي في مسلم أشبه وقال في المشارق
كلاهما صحيح والذي في البخاري أوجه . والجهد هنا بفتح الجيم وهو المشقة والفاقة .
قوله " أصلح لي لحم هذه " الخ فيه تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق
ثلاث وجواز التزود منه وان التزود منه في الأسفار لا يقدح في التوكل ولا يخرج
المتزود عنه وان الأضحية مشروعة للمسافر كما تشرع للمقيم وبه قال الجمهور . وقال
النخعي وأبو حنيفة لا ضحية على المسافر قال النووي وروى هذا عن علي رضي الله عنه .
وقال مالك وجماعة لا تشرع للمسافر بمنى ومكة والحديث يرد عليهم . قوله " حشما
" قال أهل اللغة الحشم بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة هم اللائذون
بالانسان يخدمونه ويقومون باموره . وقال الجوهري هم خدم الرجل
ومن يغضب له سموا بذلك لانهم يغضبون له والحشمة الغضب ويطلق على الاستحياء ومنه
قولهم فلان لا تحتشم أي لا يستحي ويقال حشمته وأحشمته إذا أغضبته وإذا أخجلته
فاستحي لخجله قال النووي وكأن الحشم أعم من الخدم فلهذا جمع بينهما في هذا الحديث
وهو من باب ذكر الخاص بعد العام . وفي القاموس الحشمة بالكسر والحياء والانقباض
احتشم منه وعنه وحشمه و أحشمه وكفرح وغضب وكسمعه أغضبه كاحشمه وحشمه . وحشمة الرجل
وحشمة محركتين واحشامه خاصته الذي يغضبون له من أهل وعبيد أو جيرة والحشم محركة للواحد
وهو العيال والقرابة أيضا انتهى : قوله " فكلوا ما بدا لكم " فيه دليل
على عدم تقدير الأكل بمقدار وان للرجل أن يأكل من أضحيته ما شاء وان كثر مالم
يستغرق بقرينة قوله وأطعموا
باب الصدقة بالجلود والجلال والنهي عن
بيعها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق