بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رَبِّ يَسِّرْ بِرَحْمَتِكَ وَلَا تُعَسِّرْ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَآلِهِ [ وَصَحْبِهِ ] أَجْمَعِينَ .
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ جَمَالُ الْإِسْلَامِ
أَبُو الْمُظَفَّرِ أَسْعَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ
النَّيْسَابُورِيُّ الْكَرَابِيسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : هَذِهِ
الْمَسَائِلُ الْتَقَطْتُهَا مِنْ الْكُتُبِ لَيْسَ فِيهَا قِيَاسٌ
وَاسْتِحْسَانٌ إلَّا خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ - وَسَمِعْتُ الْقَاضِيَ الْإِمَامَ أَبَا الْعُلَا
صَاعِدَ بْنَ مُحَمَّدٍ - أَنَارَ اللَّهُ بُرْهَانَهُ وَثَقَّلَ
بِالْخَيْرَاتِ مِيزَانَهُ - أَظْهَرَ الْفُرْقَانَ بَيْنَهَا
فَاسْتَحْسَنْتُهَا ، وَأَرَدْتُ أَنْ أُفْرِدَهَا لِيَسْهُلَ حِفْظُهَا ،
وَاسْتَعَنْتُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى إتْمَامِهَا ،
فَنِعْمَ الْمُعِينُ ، وَنِعْمَ النَّصِيرُ .
كِتَابُ الطَّهَارَةِ
وَالصَّلَاة 1 - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا خَرَجَ
الدُّودُ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ ؛ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ .
وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجُرْحِ لَمْ يُنْتَقَضْ .
الْفَرْقُ
: أَنَّ الدُّودَ لَا يَخْلُو مِنْ قَلِيلِ بَلَّةٍ تَكُونُ مَعَهَا
وَتَصْحَبُهَا ، وَتِلْكَ الْبَلَّةُ قَلِيلُ نَجَاسَةٍ ، وَقَلِيلُ
النَّجَاسَةِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ ؛ يُنْتَقَضُ
الْوُضُوءُ .
وَأَمَّا فِي الْجُرْحِ فَالدُّودُ لَا يَخْلُو مِنْ
قَلِيلِ بَلَّةٍ ، وَتِلْكَ الْبَلَّةُ نَجَاسَةٌ قَلِيلَةٌ ، وَقَلِيلُ
النَّجَاسَةِ إذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ ؛ لَمْ يُنْتَقَضْ
الْوُضُوءُ .
وَلِأَنَّ الدُّودَ حَيَوَانٌ ، وَهُوَ طَاهِرٌ فِي
الْأَصْلِ ، وَالشَّيْءُ الطَّاهِرُ إذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ
السَّبِيلَيْنِ أَوْجَبَ نَقْضَ الْوُضُوءِ ، كَالرِّيحِ .
وَإِذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ ؛ لَمْ يُوجِبْ نَقْضَ الْوُضُوءِ ، كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ .
وَفَرَّقَ
مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ : بِأَنَّ الدُّودَ مِنْ الْجُرْحِ يَتَوَلَّدُ
مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ انْفَصَلَ قِطْعَةٌ مِنْ اللَّحْمِ مِنْ
بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ سَيَلَانٍ [ مِنْ غَيْرِ ] السَّبِيلَيْنِ ، وَلَوْ
كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ كَذَا هَذَا .
وَأَمَّا فِي
السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ النَّجَاسَةِ ، وَتِلْكَ
النَّجَاسَةُ لَوْ خَرَجَتْ بِانْفِرَادِهَا أَوْجَبَتْ نَقْضَ الْوُضُوءِ ،
فَكَذَلِكَ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا إذَا خَرَجَ .
2 - 2 - قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي " النَّوَادِرِ :
إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ ؛ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ .
وَإِذَا وَقَعَ الْبَوْلُ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ لَمْ يُنْتَقَضْ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ قَصَبَةَ الْأَنْفِ يَلْحَقُهَا حُكْمُ التَّطْهِيرِ ، بِدَلِيلِ
أَنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا فِي الْجَنَابَةِ ، وَيُسَنُّ
فِي الْوُضُوءِ ، فَهَذِهِ نَجَاسَةٌ سَالَتْ بِنَفْسِهَا إلَى طَاهِرٍ
يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَقَضَ بِهِ
الْوُضُوءُ ، كَمَا لَوْ زَايَلَ الدَّمُ رَأْسَ الْجُرْحِ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ قَصَبَةُ الذَّكَرِ ، لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا حُكْمُ
التَّطْهِيرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُفْرَضُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ
فِي الْجَنَابَةِ ، وَلَا يُسَنُّ فِي الْوُضُوءِ ، فَلَمْ تَصِلْ
النَّجَاسَةُ إلَى مَوْضُوعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ ، فَلَمْ
يُنْتَقَضْ الْوُضُوءُ بِهِ ، كَمَا لَوْ تَرَدَّدَ فِي الْعُرُوقِ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " نَوَادِرِ إبْرَاهِيمَ
بْنِ رُسْتُمَ " : إذَا مَسَحَ الرَّجُلُ خُفَّهُ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ
وَأَمَرَّهَا عَلَى خُفِّهِ لَمْ يُجِزْهُ حَتَّى يُعِيدَهَا فِي الْمَاءِ
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى حِينَ أَزَالَهَا
عَنْ مَوْضِعِهَا فَذَلِكَ مَاءٌ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ ، فَجَعَلَ الْمَاءَ
بِمُزَايَلَتِهِ الْمَوْضِعَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمَسْحِ .
وَلَوْ
مَسَحَ رَأْسَهُ أَوْ خُفَّهُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَأَمَرَّهَا إلَى
رُبْعِ رَأْسِهِ جَازَ وَلَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا .
وَلَوْ
أَنَّهُ صَبَّ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَنَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ
ثَانٍ جَازَ وَلَمْ يَصِرْ الْمَاءُ بِمُلَاقَاتِهِ مُسْتَعْمَلًا سَوَاءٌ
كَانَ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلَاثٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا
مَسَحَ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ فَالْمَاءُ الَّذِي عَلَيْهِ لَمْ يَصِلْ
بِنَفْسِهِ إلَى رُبْعِ رَأْسِهِ لِقِلَّتِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ مَدُّهَا
إلَى رُبْعِ الرَّأْسِ ، وَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ ، كَمَا لَا
يَجُوزُ مَدُّ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْيَدِ إلَى الْوَجْهِ
وَالرِّجْلِ .
وَأَمَّا فِي الْمَسْحِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ [ فَإِنَّهُ ]
بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصِلَ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ إلَى
رُبْعِ رَأْسِهِ بِأَنْ يَنْحَدِرَ الْمَاءُ إلَيْهِ فَجَازَ لَهُ أَنْ
يَمُرَّهَا عَلَيْهِ ، وَيَمُدَّهَا إلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ
الِاسْتِعْمَالِ ، كَالْجُنُبِ إذَا صَبَّ الْمَاءَ عَلَى عُضْوٍ ثُمَّ
مَدَّهُ إلَى عُضْوٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
يُوَضِّحُ
الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ قِلَّةَ الْمَاءِ يَمْنَعُ سَيَلَانَهُ
بِنَفْسِهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَمْ يَكُنْ سَيَلَانُهُ مِنْ مُقْتَضَى
وَصْفِهِ فَأُضِيفَ إلَى فَاعِلِهِ ، فَصَارَ هُوَ مُسْتَعْمَلًا لَهُ فِي
الْمَوْضِعِ الثَّانِي ، كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْمَوْضِعِ
الْأَوَّلِ ، ثُمَّ لَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعْمَلَ فَإِنَّهُ لَا
يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَاءُ فِي الْوُضُوءِ
لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمَاءِ أَوْجَبَتْ سَيَلَانَهُ بِنَفْسِهِ فَكَانَ
سَيَلَانُهُ مِنْ مُقْتَضَى وَصْفِهِ فَلَا يُضَافُ
إلَيْهِ وَلَمْ يُعْطَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ .
وَلِهَذَا قُلْنَا : اتَّفَقْنَا أَنَّهُ لَوْ رَمَى طَيْرًا فِي الْهَوَاءِ فَأَصَابَهُ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ ؛ حَلَّ .
وَلَوْ
وَقَعَ عَلَى سِنَانِ الرُّمْحِ أَوْ فِي الْمَاءِ ؛ لَمْ يَحِلَّ ؛
لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ مُقْتَضَى رَمْيِهِ فَكَأَنَّهُ
تَلِفَ بِالرَّمْيِ ، فَيُضَافُ مَوْتُهُ إلَى الرَّامِي ، وَمَوْتُهُ فِي
وُقُوعِهِ .
وَوُقُوعُهُ عَلَى سِنَانِ الرُّمْحِ أَوْ فِي الْمَاءِ
لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ الرَّمْيِ ؛ فَلَمْ يُضَفْ إلَى الرَّامِي ،
فَكَأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا
مَسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ ثُمَّ سَقَطَتْ الْجَبَائِرُ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ
مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ .
وَإِنْ كَانَ
السُّقُوطُ عَنْ بُرْءٍ لَزِمَهُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ، كَمَا
يَلْزَمُهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إذَا نَزَعَ الْخُفَّ بَعْدَ مَا مَسَحَ
عَلَيْهِمَا .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ
لَمْ يَجِبْ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِالْحَدَثِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى
شَدِّ الْجَبَائِرِ ، فَجَازَ لَهُ الْمُضِيُّ عَلَى صَلَاتِهِ ، كَمَا
لَوْ كَانَتْ الْجَبَائِرُ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ إذَا نَزَعَ خُفَّيْهِ أَوْ سَقَطَتْ الْجَبَائِرُ عَنْ بُرْءٍ ،
لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ بِالْحَدَثِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى
السُّقُوطِ ، وَإِنَّمَا رُخِّصَ لَهُ فِي تَرْكِهِ مَا دَامَ لَابِسًا
لِلْخُفَّيْنِ وَمَا دَامَتْ الْجَبَائِرُ عَلَى الْجُرْحِ فَإِذَا
سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ أَوْ نَزَعَ الْخُفَّ لَزِمَهُ غَسْلُهُمَا بِمَعْنًى
مُتَقَدِّمٍ عَلَى الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ الْحَدَثُ ، فَصَارَ
كَأَنَّهُ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ مَعَ
قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ ،
كَذَلِكَ هَذَا .
وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الْمُتَيَمِّمِ إذَا دَخَلَ
فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ ،
وَاسْتَأْنَفَ صَلَاتَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
5 - 5 - وَلِصَاحِبِ الْجُرْحِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ .
وَلَيْسَ
لِلْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنْ يَمْسَحَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ إذَا كَانَ مُقِيمًا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّا لَوْ
قُلْنَا إنَّهُ يُنْتَقَضُ مَسْحُهُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ لَعَادَ إلَى
مَسْحِ مِثْلِهِ ، وَالطَّهَارَةُ لَا تُنْتَقَضُ إلَى طَهَارَةٍ مِثْلِهَا
مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْحُ
عَلَى الْخُفَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُلْنَا أَنَّهُ يُنْتَقَضُ مَسْحُهُ
بِمُضِيِّ الْوَقْتِ لَرَجَعَ إلَى الْوُضُوءِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ
يُنْتَقَضَ الْمَسْحُ إلَى الْغَسْلِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ ، وَهَذَا جَائِزٌ
كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ .
6 - 6 - كَافِرٌ مَيِّتٌ غُسِّلَ ثُمَّ أُوقِعَ فِي مَاءٍ ؛ يُنَجِّسُهُ .
وَإِنْ غُسِّلَ مُسْلِمٌ مَيِّتٌ ثُمَّ أُوقِعَ فِي مَاءٍ ؛ لَمْ يُنَجِّسْهُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّا حَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ الْكَافِرِ بِمَوْتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا
يُوجِبُ الْحُكْمَ بِطَهَارَتِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ
الصَّلَاةُ عَلَيْهِ ، فَاسْتَوَى وُجُودُ الْغُسْلِ وَعَدَمُهُ فِي
حَقِّهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسْلِمُ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مَا
يُوجِبُ الْحُكْمَ بِطَهَارَتِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ،
فَصَارَ كَثَوْبٍ نَجِسٍ غُسِلَ ثُمَّ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّهُ لَا
يُفْسِدُهُ ، لِأَنَّا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ
عَلَيْهِ .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا إنَّهُ لَوْ صَلَّى وَهُوَ
حَامِلٌ شَهِيدًا عَلَى ثَوْبِهِ دَمٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّا
حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ،
فَجَازَتْ صَلَاتُهُ مَعَهُ كَذَلِكَ هَذَا .
7 - 7 - قَالَ فِي
الْأَصْلِ : إذَا كَانَ جُنُبًا وَلَا يَجِدُ مَاءً ، وَفِي الْمَسْجِدِ
عَيْنُ مَاءٍ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ ، ثُمَّ إذَا
لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقَعَ فِي الْعَيْنِ لِصِغَرِهَا وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ
مَا يَسْتَقِي بِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ ،
فَالتَّيَمُّمُ الَّذِي وَقَعَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ
الصَّلَاةِ بِهِ .
وَلَوْ تَيَمَّمَ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ جَازَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ السُّجُودَ
فِي الْجُمْلَةِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ، وَإِذَا وَقَعَ التَّيَمُّمُ
لِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ جَازَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ ، كَمَا
لَوْ وَقَعَ لِلتَّطَوُّعِ جَازَ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِهِ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ
وَلَا هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا فَلَمْ يَقَعْ التَّيَمُّمُ لِجِنْسِ
الصَّلَاةِ ، فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ
يَنْوِ أَصْلًا لَمْ يَجُزْ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ كَذَلِكَ هَذَا .
8 - 8 - وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ ، إذَا كَانَ مُسَافِرًا ، رَاكِبًا إنْ شَاءَ ، وَيَنْزِلُ لِلْإِقَامَةِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْأَذَانَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ
الْإِعْلَامُ ، وَلَمْ يُشْرَعْ مَوْصُولًا بِالصَّلَاةِ ، وَالْإِعْلَامُ
يَحْصُلُ إذَا كَانَ رَاكِبًا ، وَسُنَنُ الصَّلَاةِ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ
أَدَاؤُهَا رَاكِبًا ، كَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَأَرْبَعٍ
قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ
بِالنُّزُولِ لَا يُمْنَعُ جَوَازُهُ ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا
مَشْرُوعٌ ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ رَاكِبًا فِي السَّفَرِ .
وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فَسُنَنُ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا رَاكِبًا فِي الْمِصْرِ كَذَلِكَ الْأَذَانُ .
وَأَمَّا
الْإِقَامَةُ فَشُرِعَتْ مَوْصُولَةً بِالصَّلَاةِ ، فَإِذَا أَقَامَ
رَاكِبًا أَدَّى إلَى الْفَصْلِ بَيْنَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ
الْإِقَامَةِ بِالنُّزُولِ ، وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ ،
فَلَا يُقِيمُ رَاكِبًا .
9 - 9 - وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُسَافِرُ عَلَى الْإِقَامَةِ أَجْزَأَهُ ، وَإِنْ تَرَكَهَا كَانَ مُسِيئًا .
وَالْمُقِيمُ
إذَا تَرَكَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَصَلَّى وَحْدَهُ ، وَاكْتَفَى
بِأَذَانِ النَّاسِ وَإِقَامَتِهِمْ لَا يَكُونُ مُسِيئًا .
وَالْفَرْقُ
: أَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ تَقُومُ بِهَا الْجَمَاعَةُ ، فَإِذَا لَمْ
يُوجَدْ هَاهُنَا مَنْ يَقُومُ بِهَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ
وَجَدَ مَيِّتًا وَحْدَهُ فِي الْمَفَازَةِ فَعَلَيْهِ دَفْنُهُ ،
بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ ، وَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَ
عَلَيْهِ إنْسَانٌ لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الْمُقِيمُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ يَقُومُ بِهَا الْجَمَاعَةُ ، وَقَدْ
وُجِدَ هَاهُنَا مَنْ يَقُومُ بِهَا ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُؤَذِّنُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ وَيُقِيمُونَ ، فَلَا يَكُونُ هُوَ مَأْمُورًا بِهَا ، كَمَا
لَوْ وَجَدَ مَيِّتًا فِي الْمِصْرِ وَوَجَدَ مِنْ يُوَارِيهِ وَيَقُومُ
بِتَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِتَرْكِهِ آثِمًا
كَذَلِكَ هَذَا .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ أَذَانَ الْمُؤَذِّنِ فِي
الْمِصْرِ وَقَعَ لِجَمَاعَةٍ وَلِإِخْبَارِ النَّاسِ ، لِأَنَّهُ أُمِرَ
بِأَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ ، وَإِذَا وَقَعَ لَهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى
الْإِعَادَةِ ، كَمَا لَوْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ ، وَلَا يَقَعُ
لِجَمَاعَةٍ أُخْرَى ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمَرُونَ بِالْخُرُوجِ
إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ ، فَلَا يَقَعُ لَهُمْ فَأُمِرُوا بِهِ .
وَأَمَّا
الْمُسَافِرُ فَأَذَانُ أَهْلِ الْمِصْرِ لَمْ يَقَعْ لَهُ ، بِدَلِيلِ
أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ إلَى الْمِصْرِ لِيُصَلِّيَ مَعَ
النَّاسِ ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ لَهُ احْتَاجَ إلَى فِعْلِهِ
كَالْجَمَاعَةِ فِي الْمِصْرِ .
10 - 10 - وَإِذَا أَذَّنَتْ امْرَأَةٌ جَازَ ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ .
وَلَوْ أَذَّنَ السَّكْرَانُ أَوْ الْمَجْنُونُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعَادَ .
وَالْفَرْقُ
: أَنَّ الْأَذَانَ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ ، وَقَوْلُ السَّكْرَانِ
وَالْمَجْنُونِ لَا يَقَعُ بِهِ الْإِعْلَامُ ؛ إذْ النَّاسُ لَا
يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُمَا أَنْ يَأْتِيَا بِهِ عَلَى
نَظْمِهِ وَتَرْتِيبِهِ ، فَصَارَ كَأَذَانِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا
يَعْقِلُ .
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَأَذَانُهَا يَقَعُ بِهِ الْإِعْلَامُ
؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ أَنْ تَأْتِيَ بِالْحُرُوفِ عَلَى نَظْمِهَا
وَتَرْتِيبِهَا ، وَيُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ
قَوْلَهَا يُقْبَلُ فِي الشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَالْمُسْتَحَبُّ
أَنْ يُعَادَ فِي الْمَجْنُونِ وَلَا يُعَادَ فِي الْمَرْأَةِ ، لِأَنَّ
الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ
إلَى الْجُمُعَةِ وَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ جَازَ عَنْهَا فَجَازَ أَنْ
تَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْأَذَانِ كَالصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ وَالْبَالِغِ .
وَأَمَّا
الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ فَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ
لِأَنَّهُمَا يُجَنَّبَانِ الْمَسْجِدَ فَصَارَا كَالصَّبِيِّ الصَّغِيرِ .
11
- 11 - وَيَقْضِي الْفَوَائِتَ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَبَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، وَيُصَلِّي عَلَى
الْجِنَازَةِ ، وَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ .
وَلَا يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ، وَلَا يُصَلِّي الْمَنْذُورَةَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَقَضَاءَ الْفَوَائِتِ
وَسَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَا يَقِفُ عَلَى فِعْلِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ
يَسْمَعُ الْآيَةَ مِنْ غَيْرِهِ فَتَلْزَمُهُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ ،
كَذَلِكَ يَحْضُرُ الْجِنَازَةَ فَتَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا ،
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وُجُوبُهَا بِفِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ جَازَ أَدَاؤُهَا
فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ كَفَرْضِ الْوَقْتِ .
وَأَمَّا رَكْعَتَا
الطَّوَافِ وَالْمَنْذُورَةُ فَوُجُوبُهُمَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ ؛ إذْ
لَوْلَا طَوَافُهُ وَنَذْرُهُ لَمَا لَزِمَهُ فَصَارَ كَوُجُوبِهِمَا
بِشُرُوعِهِ فِيهِمَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْرَعَ فِي صَلَاةٍ
مُتَطَوِّعًا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِتَجِبَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ
أَدَاؤُهَا فِيهِمَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ
حَالَةَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَالِانْتِصَافِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا
لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَلَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ ،
وَالصَّلَاةُ إنَّمَا هِيَ أَرْكَانٌ مِثْلُ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ ، فَابْتِدَاءُ الِافْتِتَاحِ لَيْسَ بِصَلَاةٍ ، فَلَمْ
يُوجَدْ مَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ ، فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الصَّوْمُ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي صَوْمِ يَوْمِ
النَّحْرِ ، وَابْتِدَاءُ الصَّوْمِ صَوْمٌ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ
هُوَ إلَّا الْإِمْسَاكُ فَوُجِدَ الْفِعْلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ ، فَجَازَ
أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُهُ وَلَا يُؤْمَرُ بِإِتْمَامِهِ .
وَفَرْقٌ
آخَرُ : وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا وُجِدَ التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ
الْأَوْقَاتِ ، وَالتَّكْبِيرُ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ ، فَانْعَقَدَتْ
التَّحْرِيمَةُ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ ، فَجَازَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقَضَائِهِ
عِنْدَ الْإِفْسَادِ .
وَأَمَّا الصَّوْمُ فَابْتِدَاءُ الْإِمْسَاكِ
مِنْ الصَّوْمِ وَجُزْءٌ مِنْهُ ، فَوُجِدَ جُزْءٌ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ
الْفَسَادِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِقَطْعِهِ ، فَإِذَا قَطَعَ لَا يُؤْمَرُ
بِقَضَائِهِ .
وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ قَوْلٌ ، فَقَدْ أَوْجَبَ الصَّلَاةَ بِقَوْلِهِ ، فَصَارَ كَإِيجَابِهِ بِالنُّذُورِ .
وَالشُّرُوعُ
فِي الصَّوْمِ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ ، فَجَازَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ
حُكْمُهُ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ إذَا كَانَ مَأْمُورًا بِإِبْطَالِهِ ،
كَمَا لَوْ دَفَعَ دَرَاهِمَ إلَى إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ،
ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، فَارْتَجَعَ لَمْ يَضْمَنْ
كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِذَا أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ
فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ لَمْ يَجُزْ الِاعْتِدَادُ بِذَلِكَ الرُّكُوعِ أَوْ
السُّجُودِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ .
وَلَوْ ذَكَرَ فِي الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ فَخَرَّ سَاجِدًا لَهَا ثُمَّ رَفَعَ
رَأْسَهُ فَقَالَ : إنِّي احْتَسَبْتُ بِذَلِكَ الرُّكُوعِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ إتْمَامَ الرُّكُوعِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، وَإِتْمَامُهُ بِالْخُرُوجِ
مِنْهُ ، فَلَوْ قُلْنَا : إنَّهُ يُعْتَدُّ بِالِانْحِطَاطِ خُرُوجًا ،
صَارَ مُؤَدِّيًا جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، وَهُوَ
ظَاهِرٌ فَجَازَ .
وَأَمَّا إذَا ذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَإِتْمَامُ
الرُّكُوعِ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَاجِبٌ ، فَلَوْ قُلْنَا : إنَّهُ
يُعْتَدُّ بِذَهَابِهِ خُرُوجًا مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ
الْعَوْدُ إلَيْهِ لَجَعَلْنَاهُ مُتَمِّمًا لَهُ ، فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا
جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ ، وَأَدَاءُ جُزْءٍ مِنْ
الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ ، فَلَا نَجْعَلُهُ خَارِجًا ،
فَلَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ لِيَخْرُجَ مِنْهُ .
14 - 14 -
الْفَتْحُ عَلَى الْإِمَامِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَيُكْرَهُ ؛
لِأَنَّهُ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمُجَرَّدِ .
وَالْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ يُفْسِدُ الصَّلَاةِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمُؤْتَمِّ ، فَإِذَا فَتَحَ
عَلَيْهِ قَصَدَ بِقِرَاءَتِهِ اسْتِصْلَاحَ صَلَاتِهِ ، فَلَمْ تَبْطُلْ
صَلَاتُهُ كَالْمُنْفَرِدِ إذَا قَرَأَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا فَتَحَ
عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ لَيْسَتْ بِقِرَاءَةٍ لَهُ
فَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ حُكْمِ صَلَاتِهِ وَجَعَلَهُ جَوَابًا لَهُ
وَخَاطَبَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ أَوْ تَعَلَّمَ
مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَذَلِكَ هَذَا .
15
- 15 - وَإِذَا مَرَّ الْمُصَلِّي بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْمَوْتِ أَوْ
النَّارِ ، فَوَقَفَ عِنْدَهَا وَتَعَوَّذَ وَاسْتَغْفَرَ ، وَهُوَ
وَحْدَهُ فِي التَّطَوُّعِ ، فَذَلِكَ حَسَنٌ .
وَإِنْ كَانَ إمَامًا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ إذَا كَانَ إمَامًا فَهُوَ فِيمَا يَقِفُ يُشَكِّكُ الْقَوْمَ
لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا يَظُنُّونَ أَنَّهُ أُرْتِجَ عَلَيْهِ ،
فَيَفْتَحُونَ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ
عَلَيْهِمْ ، { وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمُعَاذٍ : صَلِّ
بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ } ، فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ .
وَأَمَّا فِي
التَّطَوُّعِ وَحْدَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى التَّطْوِيلِ عَلَى أَحَدٍ ،
وَلَا إلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْكِيكِ ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْقِرَاءَةِ
تَطَوُّعٌ ، وَالتَّدَبُّرُ تَطَوُّعٌ ، فَاسْتَوَيَا فَإِنْ شَاءَ وَقَفَ
وَتَدَبَّرَ ، وَإِنْ شَاءَ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ .
وَإِذَا صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا فَقَدْ تَشَبَّهَ بِعَبَدَةِ
الْأَوْثَانِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَوَجَّهُونَ إلَى الصُّورَةِ ،
وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ لَا يَجُوزُ ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ تَشَبَّهَ
بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } .
وَإِذَا كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَمْ
يَكُنْ مُتَشَبِّهًا بِهِمْ ، لِأَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ هَكَذَا
وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ صَغَارًا وَمَذَلَّةً وَاسْتِخْفَافًا فَجَازَ
لَهُ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ وَطِئَ صَنَمًا بِقَدَمِهِ ، وَلَوْ فَعَلَهُ
فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
17 - 17 - وَيَسْجُدُ
الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ
إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَهُ بِهِ ، وَلَا يُعِيدُهُ إذَا سَجَدَ مَعَ
الْإِمَامِ .
وَلَوْ لَحِقَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ ، ثُمَّ نَامَ أَوْ
أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ ، ثُمَّ انْتَبَهَ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي آخِرِ
صَلَاتِهِ ، فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ بِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ ، ثُمَّ
يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ ، وَلَوْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمَسْبُوقَ الْتَزَمَ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَمُتَابَعَتَهُ
فِي مِقْدَارِ مَا يُصَلِّي الْإِمَامُ ، وَأَوْجَبَ الِانْفِرَادَ
بِالْبَاقِي بَعْدَ فَرَاغِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَامَ إلَى قَضَاءِ
مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَأَدَّى رَكْعَةً لَمْ يَجُزْ
، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ
أَفْعَالِ صَلَاتِهِ ، وَسُجُودُ السَّهْوِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ ،
فَإِذَا انْفَرَدَ الْمَسْبُوقُ بِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ
السُّجُودِ ، صَارَ مُنْفَرِدًا فِي مَحَلٍّ الْتَزَمَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ
فِيهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ نَوَى فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ
الِانْفِرَادَ وَقَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ قَبْلَ قُعُودِ الْإِمَامِ
قَدْرَ التَّشَهُّدِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ اللَّاحِقُ لِأَنَّهُ لَمَّا
أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فَقَدْ عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةِ إمَامِهِ ،
وَأَوْجَبَ أَنْ يَفْعَلَهَا كَمَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ ، وَلَمْ يُوجِبْ
الِانْفِرَادَ بِشَيْءٍ ، وَالْإِمَامُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ
الْفَرَاغِ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِ صَلَاتِهِ كَذَلِكَ هُوَ يَجِبُ أَنْ
يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ، فَلَوْ قُلْنَا : إنَّهُ
يَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقْضِي ، لَصَارَ مُنَاقِضًا مَا
أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
18 - 18 - يَقْرَأُ الْمَسْبُوقُ فِيمَا يَقْضِي .
وَلَا يَقْرَأُ اللَّاحِقُ .
فَرْقٌ
لِأَنَّ اللَّاحِقَ مَجْعُولٌ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ ،
بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، وَإِنَّمَا يَسْجُدُ
لِسَهْوِ إمَامِهِ ، وَلَوْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ لَا يَقْرَأُ ،
كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْبُوقُ ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا
يَقْضِي مُنْفَرِدٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ ،
وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِ غَيْرِهِ ، وَالْمُنْفَرِدُ يَقْرَأُ فِي
صَلَاتِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ .
19 - 19 - وَالْمَسْبُوقُ يُشَارِكُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ .
وَلَا يُتَابِعُهُ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ وَتَلْبِيَةِ الْإِحْرَامِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَدْخُلُ فِي التَّحْرِيمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ
يَحْتَاجُ إلَى تَحَلُّلٍ مِنْ بَعْدُ ، وَهُوَ قَدْ الْتَزَمَ
الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ فِي مِقْدَارِ مَا يُصَلِّي ، وَأَوْجَبَ
الِانْفِرَادَ بِالْبَاقِي ، وَسُجُودُ السَّهْوِ مِنْ صَلَاتِهِ
وَلَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ
وَالتَّلْبِيَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا شُرِعَا بَعْدَ التَّحَلُّلِ خَارِجَ
التَّحْرِيمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحَلُّلِ مِنْ
بَعْدُ ، وَهُوَ إنَّمَا الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي
التَّحْرِيمَةِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ مُتَابَعَتُهُ .
20
- 20 - وَعَلَى الْمَسْبُوقِ أَنْ يَقْرَأَ فِيمَا يَقْضِي ، وَإِنْ كَانَ
قَدْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِيمَا صَلَّى ، وَلَا يَنْفَعُهُ قِرَاءَةُ
الْإِمَامِ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَرَأَ هَذَا الْمُؤْتَمُّ فِيمَا يُصَلِّي
مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يَنْفَعْهُ ، وَيَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِيمَا
يَقْضِي .
وَلَوْ اقْتَدَى الْمُقِيمُ بِالْمُسَافِرِ ثُمَّ سَلَّمَ
الْإِمَامُ فَقَامَ الْمُقِيمُ لِيَقْضِيَ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ ، فَإِنَّهُ
لَا يَقْرَأُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَمْ يَقْتَدِ
بِالْإِمَامِ فِيمَا تَعَيَّنَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ
الْقِرَاءَةَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ ،
وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ إمَّا فِي الْأُولَيَيْنِ
أَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ، وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَيَيْنِ
لَمْ يُعِدْ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ، فَلَمْ يَقْتَدِ
بِالْإِمَامِ فِي صَلَاةٍ تَعَيَّنَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ ، فَلَمْ
تَقَعْ قِرَاءَتُهُ لِلْمُؤْتَمِّ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَقْرَأْ
الْإِمَامُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَصَلَّى خَلْفَهُ ، فَيَجِبُ أَنْ
يَقْرَأَ فِيمَا يَقْضِي ، لِتَحْصُلَ لَهُ الْقِرَاءَةُ فِي إحْدَى
الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسَافِرُ
وَالْمُقِيمُ ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ تَعَيَّنَ عَلَى الْإِمَامِ ،
فَقَدْ اقْتَدَى الْمُقِيمُ بِهِ فِي صَلَاةٍ تَعَيَّنَتْ الْقِرَاءَةُ
عَلَيْهِ فِيهَا ، فَجُعِلَتْ قِرَاءَتُهُ قِرَاءَةً لَهُ ، فَحَصَلَتْ
لَهُ الْقِرَاءَةُ فِي رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِي
الْبَاقِي .
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ : قُلْت لِلْقَاضِي الْإِمَامِ :
فَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَرَأَ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ ، وَاقْتَدَى بِهِ هَذَا الْمَسْبُوقُ ، فَقَدْ
تَعَيَّنَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْإِمَامِ هَاهُنَا ، فَوَجَبَ أَلَّا
تَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِيمَا يَقْضِي ، قَالَ : لَا رِوَايَةَ هَاهُنَا .
وَأَمَّا
إذَا قَرَأَ هَذَا الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ لَمْ يَنْفَعْهُ
أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ ، وَسُكُوتُهُ كَقِرَاءَتِهِ
وَقِرَاءَتُهُ كَسُكُوتِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا حُكْمُهُ
كَذَلِكَ
هَاهُنَا .
وَإِذَا كَانَ فِي الظُّهْرِ فَتَوَهَّمَ
أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ وَطَالَ تَفَكُّرُهُ حَتَّى شَغَلَهُ عَنْ رَكْعَةٍ
أَوْ سَجْدَةٍ ، فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ .
وَإِنْ شَكَّ فِي
صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَهُوَ فِي هَذِهِ ،
وَشَغَلَهُ تَفَكُّرُهُ عَنْ السُّجُودِ أَوْ الرُّكُوعِ حَتَّى طَوَّلَهُ ،
فَلَيْسَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ غَيَّرَ
رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ سَاهِيًا بِمَا قَصَدَ بِهِ
اسْتِصْلَاحَ هَذِهِ الصَّلَاةَ ، فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ سُجُودُ
السَّهْوِ ، كَمَا لَوْ زَادَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ إذَا تَفَكَّرَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ لَمْ
يَقَعْ لِمَعْنًى قَصَدَ بِهِ اسْتِصْلَاحَ صَلَاتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا ،
فَلَمْ يَلْزَمْهُ سُجُودُ السَّهْوِ ، كَمَا لَوْ الْتَفَتَ سَاهِيًا .
22
- 22 - إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا وَسَهَا فِيهِمَا ، فَسَجَدَ
لِلسَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ
رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُ
رَكْعَتَيْنِ وَسَهَا فِيهِمَا ، فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ
ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ ، جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ
رَكْعَتَيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ سَلَامَ الْعَمْدِ وَقَعَ فِي
مَحَلِّهِ فِي التَّطَوُّعِ ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ التَّطَوُّعِ تَقَعُ
لِلرَّكْعَتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحْمَةُ
اللَّهِ عَلَيْهِمَا - وَالسَّلَامُ شُرِعَ عَقِيبَ الرَّكْعَتَيْنِ
فَوَقَعَ السَّلَامُ فِي مَحَلِّهِ ، وَسَلَامُ الْعَمْدِ إذَا وَقَعَ فِي
مَحَلِّهِ مُنِعَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ فَقَدْ قَارَنَ الْبِنَاءَ مَا
يَمْنَعُهُ فَلَا يُبْنَى عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ
سُجُودُ السَّهْوِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسَافِرُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا
نَوَى الْإِقَامَةَ صَارَتْ التَّحْرِيمَةُ لِلْأَرْبَعِ وَلَزِمَتْهُ
الرَّكْعَتَانِ الْأُخْرَيَانِ لِحَقِّ التَّحْرِيمَةِ ، فَصَارَ سَلَامُ
الْعَمْدِ وَاقِعًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ عَلَى ظَنِّ التَّمَامِ ، فَلَا
يَمْنَعُ الْبِنَاءَ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ سَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
مِنْ الظُّهْرِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ
صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، بَنَى عَلَيْهِمَا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ
كَذَلِكَ هَذَا .
23 - 23 - اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَصِحُّ .
وَاقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ يَصِحُّ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ
ابْتِدَاءً أَنْ يَنْتَقِلَ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ ، بِدَلِيلِ
أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ انْتَقَلَ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ
إمَامِهِ ، وَبِخُرُوجِ الْوَقْتِ اسْتَقَرَّ الْفَرْضُ عَلَيْهِ
اسْتِقْرَارًا لَا يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ حَالِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ
لَوْ أَقَامَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَنْتَقِلْ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ
الْمُقِيمِ ، فَكَذَلِكَ إذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ
، وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ أَبْلَغُ فِي إلْزَامِ الْإِتْمَامِ
مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُقِيمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا
اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ ثُمَّ أَفْسَدَ الْمُقِيمُ صَلَاتَهُ ، فَإِنَّهُ
لَا يَلْزَمُ الْمُسَافِرَ صَلَاةُ الْإِقَامَةِ ، وَلَوْ نَوَى
الْإِقَامَةَ ثُمَّ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ لَزِمَهُ صَلَاةُ الْإِقَامَةِ ،
ثُمَّ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَلْزَمْهُ
الْإِتْمَامُ ، فَلَأَنْ لَا يَلْزَمَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُقِيمِ
أَوْلَى وَأَحْرَى فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ اسْتَقَرَّ
الْفَرْضُ عَلَيْهِ اسْتِقْرَارًا لَا يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ حَالِهِ ،
فَبَقِيَ فَرْضُهُ رَكْعَتَيْنِ فَلَوْ جَوَّزْنَا اقْتِدَاءَهُ
بِالْمُقِيمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَجَوَّزْنَا أَنْ يَقْتَدِيَ مَنْ
فَرْضُهُ رَكْعَتَانِ بِمَنْ فَرْضُهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَهَذَا لَا
يَجُوزُ ، دَلِيلُهُ : مُصَلِّي الْفَجْرِ إذَا اقْتَدَى بِمُصَلِّي
الظُّهْرِ لَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى
بِالْمُسَافِرِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ
صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ أَنْ يَنْتَقِلَ فَرْضُهُ
إلَى فَرْضِ إمَامِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ
لَمْ يَنْتَقِلْ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِهِ ، فَصَارَ يَقْتَدِي مَنْ فَرْضُهُ
أَرْبَعٌ بِمَنْ فَرْضُهُ رَكْعَتَانِ فَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ
اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ .
فَإِنْ قِيلَ :
إذَا كَانَ
الْإِمَامُ مُسَافِرًا وَخَلْفَهُ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ ،
فَاسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مُقِيمًا ، فَإِنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ لَا
يَنْتَقِلُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ وَهُوَ فَرْضُ الْمُقِيمِينَ ،
فَانْتَقَضَ قَوْلُكُمْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ
بِالْمُقِيمِ أَنْ يَنْتَقِلَ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ الْمُقِيمِينَ .
الْجَوَابُ
: أَنَّا قَدْ احْتَرَزْنَا وَقُلْنَا : مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ
الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ ابْتِدَاءً أَنْ يَنْتَقِلَ فَرْضُهُ إلَى
فَرْضِ إمَامِهِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِابْتِدَاءٍ وَإِنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ
فَلَا يَلْزَمُنَا .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَنْ فَرْضَهُ
بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ ، فَبَقِيَ فَرْضُهُ
فِي حَقِّ الْمُسَافِرِينَ ، وَصَلَاةُ الْإِقَامَةِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى
صَلَاةِ السَّفَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ وَهِيَ
مَشْدُودَةٌ فَافْتَتَحَ صَلَاةَ الْإِقَامَةِ ثُمَّ سَارَتْ السَّفِينَةُ
وَنَوَى السَّفَرَ لَمْ يَبْنِ عَلَيْهَا صَلَاةَ السَّفَرِ وَإِنَّمَا
يُتِمُّهَا أَرْبَعًا ، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهِ لَمْ
يَجُزْ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ ، دَلِيلُهُ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ ،
وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْفَرْضِ لَمْ يَجُزْ بِنَاءُ
الْفَرْضِ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُقِيمُ
إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ
تَحْرِيمَةَ الْفَرْضِ يَجُوزُ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى التَّطَوُّعِ ، وَهُوَ
أَنْ يَفْتَتِحَ صَلَاةً يَظُنُّ أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ
أَنْ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ انْتَقَلَتْ تَطَوُّعًا ، وَإِذَا جَازَ أَنْ
يَنْتَقِلَ إلَيْهِ جَازَ أَنْ يَبْنِيَهُ عَلَيْهِ ، كَمُصَلِّي
التَّطَوُّعِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَوَجْهٌ
آخَرُ : لَا يَبْنِي صَلَاةَ السَّفَرِ عَلَى صَلَاةِ الْإِقَامَةِ مَنْ
عَقَدَ نَفْسَهُ ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ السَّفِينَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ،
فَلَا يَبْنِيهِ مَنْ عَقَدَ غَيْرَهُ ، كَمَا لَا يَجُوزُ بِنَاءُ
الْفَرْضِ عَلَى التَّطَوُّعِ .
وَيَبْنِي صَلَاةَ الْإِقَامَةِ عَلَى صَلَاةِ السَّفَرِ مَنْ عَقَدَ نَفْسَهُ ، فَجَازَ أَنْ يَبْنِيَهُ
مَنْ عَقَدَ غَيْرَهُ ، كَمَا يَجُوزُ بِنَاءُ التَّطَوُّعِ عَلَى الْفَرْضِ .
24
- 24 - وَإِذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ وَقَدْ سَهَا ،
فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا فَسَهَا أَيْضًا ، كَفَاهُ سَجْدَتَانِ لِسَهْوِهِ
وَلِسَهْوِ الْأَوَّلِ .
وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ قَرَأَ
آيَةَ السَّجْدَةِ وَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ أَحْدَثَ ، فَاسْتَخْلَفَ فَقَرَأَ
الثَّانِي تِلْكَ الْآيَةَ تَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ أُخْرَى .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ جُبْرَانٌ لِلتَّحْرِيمَةِ ، وَالْأَوَّلُ قَدْ
اسْتَخْلَفَ الثَّانِيَ فِي التَّحْرِيمَةِ ، فَقَامَ مَقَامَهُ وَصَارَ
كَسَهْوِهِ وَهُوَ لَوْ سَهَا لَزِمَهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ ، لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالتِّلَاوَةِ لَا
لِحَقِّ التَّحْرِيمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ خَارِجَ التَّحْرِيمَةِ
، إنَّمَا يَتَدَاخَلُ بِالتَّكْرَارِ وَلَمْ يُوجَدْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
تَسْبِقْ مِنْ الثَّانِي تِلَاوَةٌ فَجَازَ أَنْ تَلْزَمَهُ سَجْدَةٌ
أُخْرَى ، كَمَا لَوْ تَلَا آيَةً أُخْرَى .
25 - 25 - إذَا تَلَا
التَّالِي آيَةَ السَّجْدَةِ مَرَّاتٍ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى
الرَّاحِلَةِ ، وَالرَّاحِلَةُ تَسِيرُ كَفَاهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَإِنْ تَلَاهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ لَزِمَهُ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ سَجْدَةٌ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ التَّحْرِيمَةَ جَمَعَتْ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا فَجَعَلَهَا فِي
الْحُكْمِ كَمَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَإِنْ
كَانَتْ تَسِيرُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ ،
فَيَكُونُ مُعِيدًا مُكَرِّرًا وَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَةٍ ،
كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ
فَالتِّلَاوَةُ وُجِدَتْ فِي أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا
يَجْمَعُ حُكْمَ الْأَمَاكِنِ ، فَصَارَتْ كَالْمَجَالِسِ الْمُخْتَلِفَةِ
فَلَا يَكُونُ مُعِيدًا وَمُكَرِّرًا ؛ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَكُونُ
مُعِيدًا الشَّيْءَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ تَكْرَارًا ، لِمَا وُجِدَ مِنْهُ
فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ وَتَأْكِيدًا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ تَوْكِيدًا
لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ فِي مَجْلِسِهِ فَقَطْ ، فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى
وَاحِدٍ .
26 - 26 - إذَا تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ
وَسَمِعَهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ
وَاحِدَةٌ ، فَإِنْ سَجَدَهَا ثُمَّ أَحْدَثَ فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ
عَادَ إلَى مَكَانِهِ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ ثُمَّ قَرَأَ ذَلِكَ
الْأَجْنَبِيُّ تِلْكَ السَّجْدَةَ ، فَعَلَى هَذَا لِلْمُصَلِّي أَنْ
يَسْجُدَهَا إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ، فَجُعِلَ فِي حَقِّ غَيْرِ
الْمُصَلِّي كَالْمَجْلِسَيْنِ .
وَلَوْ سَمِعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آيَةَ
السَّجْدَةِ وَهُوَ عَلَى الدَّابَّةِ تَسِيرُ فَسَجَدَهَا ثُمَّ تَلَا
ثَانِيَةً لَمْ يَلْزَمْهُ سَجْدَةٌ أُخْرَى ، فَجَعَلَ الْأَمَاكِنَ
كَالْمَكَانِ الْوَاحِدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ
لِيَتَوَضَّأَ فَهُوَ غَيْرُ مُصَلٍّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّا
لَوْ جَعَلْنَاهُ مُصَلِّيًا وَهُوَ مُحْدِثٌ يَجِبُ أَنْ تَبْطُلَ
صَلَاتُهُ ، فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِمُصَلٍّ كَالنَّائِمِ ،
فَقَدْ فَصَلَ بَيْنَ السَّمَاعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مَا لَيْسَ
بِصَلَاةٍ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِقَطْعِ الصَّلَاةِ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مُصَلٍّ فِي حَالَةِ
السَّيْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا يَقَعُ بِهِ مِنْ أَفْعَالِهِ فِي تِلْكَ
الْحَالَةِ يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهَا ، فَقَدْ سَمِعَ وَهُوَ مُصَلٍّ
وَسَمِعَ ثَانِيًا وَهُوَ مُصَلٍّ تِلْكَ الصَّلَاةَ أَيْضًا ، فَلَمْ
يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِمَا لَيْسَ بِصَلَاةٍ ، فَجَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ
عَلَى سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ .
27 - 27 - الْوَاجِبُ فِي أَوَّلِ
الْوَقْتِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْوَقْتِ بَعْدَ الْفَائِتَةِ ، فَإِنْ
صَلَّى صَلَاةَ الْوَقْتِ أَوَّلًا لَمْ يُجْزِهِ .
وَالْوَاجِبُ فِي
آخِرِ الْوَقْتِ أَنْ يُصَلِّي صَلَاةَ الْوَقْتِ ثُمَّ الْفَائِتَةَ ،
فَإِنْ صَلَّى الْفَائِتَةَ أَجْزَأَتْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ النَّهْيَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ إذَا
كَانَتْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ
أَنَّهُ لَوْ تَنَفَّلَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا آخَرَ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ،
وَالنَّهْيُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ اقْتَضَى
الْفَسَادَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ آخِرُ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ
عَنْ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ
تَأْخِيرُ فَرْضِ الْوَقْتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ أَوْ
اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ آخَرَ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ ، وَالنَّهْيُ إذَا
كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادُ
كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ .
28 - 28 - الْمَرِيضُ إذَا لَمْ
يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَرِجْلَاهُ
إلَى الْقِبْلَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ وَلَا يَسْتَقْبِلُ
الْقِبْلَةَ مُضْجَعًا إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ .
وَأَمَّا تَوْجِيهُ الْمَيِّتِ فِي اللَّحْدِ ، وَالْمَرِيضِ الْمُحْتَضِرِ فَإِنَّهُ يُوَجَّهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ .
الْفَرْقُ
وَمَدَارُهُمَا عَلَى الْخَبَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ :
{ الْمَرِيضُ يُصَلِّي قَائِمًا إنْ اسْتَطَاعَ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَلِيُصَلِّ قَاعِدًا ، يَجْعَلُ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ ،
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَاعِدًا صَلَّى مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ ،
وَرِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : " يُصَلِّي الْمَرِيضُ مُسْتَلْقِيًا
عَلَى قَفَاهُ يَلِي قَدَمَاهُ الْقِبْلَةَ " وَفِي الْمَيِّتِ رُوِيَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { يَا
عَلِيُّ اسْتَقْبِلْ بِهِ الْقِبْلَةَ اسْتِقْبَالًا ، وَقُولُوا جَمِيعًا
بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَضَعُوهُ لِجَنْبِهِ
وَلَا تَكُبُّوهُ لِوَجْهِهِ وَلَا تُلْقُوهُ لِظَهْرِهِ } .
وَوَجْهٌ
آخَرُ : مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَرِيضَ يُؤْمَرُ بِالْإِيمَاءِ ،
وَمَتَى أَوْمَأَ خَفَضَ رَأْسَهُ فَجَعَلَ وَجْهَهُ إلَى غَيْرِ
الْقِبْلَةِ ، وَالِانْحِرَافُ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِبْلَةِ لَا
يَجُوزُ .
وَأَمَّا حَالَةُ الِاحْتِضَارِ وَالدَّفْنِ فَلَا يَحْتَاجُ
إلَى الْحَرَكَةِ ، وَقَدْ حَصَلَ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ فَجَازَ .
وَلِأَنَّ
الْمَرِيضَ يَعْرِضُ لَهُ الصِّحَّةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْقُعُودِ
فَمَتَى كَانَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ ، فَإِذَا قَعَدَ حَصَلَ
مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ فَجَازَ ،
وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى جَنْبِهِ مَادًّا رِجْلَيْهِ فَإِذَا قَعَدَ
حَصَلَ مُتَوَجِّهًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى
الِانْحِرَافِ إلَّا أَنْ يُوَجِّهَ رِجْلَيْهِ أَوَّلًا إلَى الْقِبْلَةِ
ثُمَّ يَقْعُدُ ، فَهَذِهِ حَالَةٌ تَقْرُبُ
إلَى الصِّحَّةِ وَالْقُعُودِ فَاعْتُبِرَ بِهِ .
وَأَمَّا
الْمُحْتَضَرُ فَهَذِهِ حَالَةٌ تَقْرُبُ مِنْ الْمَوْتِ فَاعْتُبِرَ
بِحَالَةِ الْمَوْتِ ، وَحَالَةِ الْقَتْلِ فِي الشَّاةِ تُضْجَعُ عَلَى
جَنْبِهَا عِنْدَ الذَّبْحِ ، لِأَنَّ اسْتِلْقَاءَهَا عَلَى ظَهْرِهَا
أَشَقُّ عَلَيْهَا كَذَلِكَ هَذَا .
29 - 29 - الْمَيِّتُ إذَا
وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَلَيْسَ بِهِ جُرْحٌ إلَّا أَنَّ الدَّمَ خَرَجَ
مِنْ عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ لَا يُغَسَّلُ وَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ
مِنْ ذَكَرِهِ وَأَنْفِهِ وَدُبُرِهِ غُسِّلَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ
الدَّمَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ ،
فَكَانَ وُجُودُهُ دَلِيلًا عَلَى الضَّرْبِ فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ
مِنْهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ عُلِمَ بِالضَّرْبِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الْأَنْفُ وَالذَّكَرُ ؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُمَا مِنْ
غَيْرِ عِلَّةٍ وَضَرْبٍ ، فَلَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ دَلِيلًا عَلَى
الضَّرْبِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ .
إذَا
أَحْدَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ ، فَأَمَرَ رَجُلًا يُصَلِّي
بِالنَّاسِ ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ شَهِدَ الْخُطْبَةَ جُنُبًا فَأَمَرَ
الْمَأْمُورُ رَجُلًا شَهِدَ الْخُطْبَةَ ، فَصَلَّى الْمَأْمُورُ
الثَّانِي بِهِمْ أَجْزَأَهُ .
وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ الْأَوَّلُ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ لَمْ يَجُزْ أَمْرُهُ لِغَيْرِهِ جُنُبًا كَانَ أَوْ طَاهِرًا .
فَفَرْقٌ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ الْأَوَّلُ جُنُبًا وَشَهِدَ الْخُطْبَةَ ، وَبَيْنَ مَا لَوْ لَمْ يَشْهَدْ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الِاغْتِسَالَ لَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ ، بِدَلِيلِ
أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَاهِدًا فَتَوَضَّأَ جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ ،
وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ
يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ، وَإِذَا كَانَ مِنْ شَرَائِطِ
الصَّلَاةِ لَمْ يُمْنَعْ انْعِقَادُ الْإِمَامَةِ لَهُ ، فَصَارَ إمَامًا
فَجَازَ أَمْرُهُ لِغَيْرِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ
الْخُطْبَةَ ، لِأَنَّ الْخُطْبَةَ مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ ، بِدَلِيلِ
أَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ ، فَوَجَبَ أَنْ
يُوجَدَ مِمَّنْ يُؤْمَرُ بِهَا لِتَنْعَقِدَ لَهُ الْإِمَامَةُ وَلَمْ
يُوجَدْ فَلَمْ تَنْعَقِدْ الْإِمَامَةُ لَهُ ، فَصَارَ يَأْمُرُ غَيْرَهُ
وَهُوَ لَيْسَ بِإِمَامٍ فَلَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ
الْأَوَّلُ صَبِيًّا .
31 - 31 - وَإِذَا افْتَتَحَ الْإِمَامُ
الصَّلَاةَ ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا لَمْ يَشْهَدْ
الْخُطْبَةَ ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ .
وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا أَدْرَكَ الْخُطْبَةَ انْعَقَدَتْ لَهُ
الْجُمُعَةُ فَصَارَ الثَّانِي يَبْنِي عَلَى تَحْرِيمِهِ صِحَّةَ
الْجُمُعَةِ فَجَازَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا افْتَتَحَ وَلَمْ
يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ وَالْخُطْبَةُ
شَرْطٌ فِي انْعِقَادِهَا ، وَإِذَا لَمْ يَشْهَدْ لَمْ يَنْعَقِدْ
ابْتِدَاؤُهَا لِلْجُمُعَةِ فَلَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا .
32 - 32 - وَمَنْ سَهَا عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ حَتَّى قَامَ لَمْ يَعُدْ .
وَإِنْ سَهَا عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ حَتَّى قَامَ عَادَ إلَى الْقُعُودِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ .
وَمَدَارُهُمَا
عَلَى الْخَبَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ
أَنَّهُ قَامَ مِنْ الثَّانِيَةِ إلَى الثَّالِثَةِ فَسُبِّحَ لَهُ فَلَمْ
يَعُدْ .
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَامَ مِنْ الرَّابِعَةِ إلَى الْخَامِسَةِ فَسُبِّحَ لَهُ فَعَادَ .
وَالْفَرْقُ
مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَرِيضَةٌ
وَالْقُعُودَ سُنَّةٌ ، وَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ وَقَعَ قِيَامُهُ
مُعْتَدًّا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ
رَفْضُهُ وَالْعَوْدُ إلَى مَا قَبْلَهُ لِأَدَاءِ مَسْنُونٍ ، فَأُمِرَ
بِالْمُضِيِّ عَلَى الصَّلَاةِ .
وَأَمَّا فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ
فَالْقِيَامُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ وَالْقُعُودُ مَفْرُوضٌ عَلَيْهِ ،
فَإِذَا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ لَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ ،
وَالْقُعُودُ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَالْعَوْدُ إلَى أَدَاءِ الْمَفْرُوضِ
أَوْلَى مِنْ الِاشْتِغَالِ بِمَا لَيْسَ بِمَسْنُونٍ ، فَأَمْكَنَهُ
رَفْضُهُ وَالْعَوْدُ إلَى مَا قَبْلَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَرْفُضَهُ
وَيَعُودَ .
33 - 33 - وَإِنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ وَلَمْ
يَتَشَهَّدْ ، ثُمَّ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى
الْقُعُودِ وَيَقْرَأُ التَّشَهُّدَ .
وَإِنْ قَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَقْرَأْ ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ إذَا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ
إلَى أَدَاءِ الْفَرْضِ عَلَيْهِ وَهُوَ السَّلَامُ ، فَإِذَا عَادَ إلَى
الْقُعُودِ فَمَحَلُّ التَّشَهُّدِ بَاقٍ فَلَزِمَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الْقَعْدَةُ فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ مَسْنُونٌ
وَالْقِيَامَ مَفْرُوضٌ ، فَلَا يَلْزَمُ تَرْكُ الْمَفْرُوضِ لِأَدَاءِ
الْمَسْنُونِ ؛ إذْ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى ، وَلَمْ يَتْرُكْ فَرْضًا
حَتَّى يَلْزَمَهُ الْعَوْدُ إلَى الْقُعُودِ ، فَمَحَلُّ التَّشَهُّدِ
قَدْ فَاتَ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ وَسَقَطَ كَمَا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ
الرُّكُوعِ ، وَلَمْ يُسَبِّحْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْعَوْدِ إلَيْهِ كَذَلِكَ
هُنَا .
34 - 34 - إذَا تَلَا الْجُنُبُ آيَةَ السَّجْدَةِ أَوْ سَمِعَهَا لَزِمَهُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ .
وَلَوْ تَلَتْهَا الْحَائِضُ لَمْ يَلْزَمْهَا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ ،
وَالْجُنُبُ يَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ دُخُولُ
الْوَقْتِ ، فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَجْزَاؤُهُ وَيُؤَدِّيهِ بَعْدَ
الِاغْتِسَالِ كَمَا يُؤَدِّي الصَّلَاةَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الْحَائِضُ ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ عِنْدَ وُجُودِ
سَبَبِهَا ، فَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهَا جُزْءٌ مِنْهَا ، وَسَجْدَةُ
التِّلَاوَةِ جُزْءٌ مِنْهَا فَلَا يَلْزَمُهَا .
35 - 35 - لَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّ النِّفَاسِ وَيَتَقَدَّرُ أَقَلُّ الْحَيْضِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ لِلنِّفَاسِ عِلْمًا ظَاهِرًا يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ
الرَّحِمِ ، وَهُوَ تَقَدُّمُ الْوَلَدِ عَلَيْهِ ، فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ
وَكَثِيرُهُ لِوُجُودِ عِلْمِهِ الدَّالِّ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ مَعَ
الْحَيْضِ عِلْمٌ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الرَّحِمِ ، فَإِذَا
امْتَدَّ فِي الْأَيَّامِ صَارَ الِامْتِدَادُ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ
دَمُ الْحَيْضِ الْمُعْتَادِ ، وَإِذَا لَمْ يَمْتَدَّ لَمْ يُوجَدْ
دَلَالَتُهُ فَلَا يُجْعَلُ حَيْضًا ، كَمَا قُلْنَا فِي دَمِ الرُّعَافِ .
36 - 36 - لَا يَجُوزُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ .
وَيَجُوزُ الْآيَةُ وَالْآيَتَانِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ السَّفَرِ مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ
فَيَسْتَخِفُّونَ بِهِ ، وَهُمْ إنَّمَا يَقْصِدُونَ الْمُصْحَفَ
بِالِاسْتِخْفَافِ .
وَلَا يَقْصِدُونَ مَا دُونَهُ .
فَمُنِعَ مِنْ الْمُصْحَفِ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْآيَةِ .
37
- 37 - ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ فِي صَلَاةِ الْجَالِسِ
إذَا تَشَهَّدَ فِي حَالَ الْقِيَامِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ .
وَإِذَا قَرَأَ فِي حَالِ التَّشَهُّدِ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ .
وَجْهُ
الْفَرْقِ أَنَّ حَالَ الْقُعُودِ مَحَلُّ التَّشَهُّدِ ، وَلَوْ كَانَ
قَادِرًا عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَصَلَّى ثُمَّ تَشَهَّدَ قَائِمًا
لَمْ يَلْزَمْهُ سُجُودُ السَّهْوِ ، فَإِذَا افْتَتَحَ قَاعِدًا أَوْلَى
أَنْ لَا يَلْزَمَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَرَأَ فِي حَالِ
التَّشَهُّدِ ؛ لِأَنَّ حَالَ الْقُعُودِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْقِرَاءَةِ
فِي صَلَاةٍ كَامِلَةٍ فَلِئَلَّا يَكُونَ مَحَلًّا فِي صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ
أَوْلَى ، فَقَدْ قَرَأَ فِي مَوْضِعِ التَّشَهُّدِ فَلَزِمَهُ سُجُودُ
السَّهْوِ .
38 - 38 - وَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ
فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَانْصَرَفَ لِيَتَوَضَّأَ ،
ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ الْحَدَثُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ
جَازَ لَهُ الْمُضِيُّ عَلَى صَلَاتِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ
قَدْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ .
وَلَوْ
ظَنَّ أَنَّ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
مُتَوَضِّئًا فَانْصَرَفَ لِيَتَوَضَّأَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ
مُتَوَضِّئًا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْبِنَاءُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا
ظَنَّ سَبْقَ الْحَدَثِ فَقَدْ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ انْصِرَافَ
اسْتِيفَاءٍ لَا انْصِرَافَ رَفْضٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا
ظَنَّهُ جَازَ لَهُ الْمُضِيُّ ، فَلَمْ يَعُدْ قَاصِدًا إلَى الْخُرُوجِ
مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ يُمْنَعْ الْبِنَاءَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَنَّ
أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَلَمْ يَنْصَرِفْ انْصِرَافَ رَفْضٍ ،
لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الصَّلَاةَ تَامَّةٌ ، وَلَوْ تَحَقَّقَ مَا ظَنَّهُ
لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ، فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ الرَّفْضَ لَمْ تَعُدْ
مَرْفُوضَةً ، كَمَا لَوْ سَلَّمَ سَاهِيًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا
ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَضَّأْ أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ ، لِأَنَّهُ
انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ انْصِرَافَ رَفْضٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ
تَحَقَّقَ مَا ظَنَّهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَزِمَهُ اسْتِقْبَالُهَا ،
فَقَدْ نَوَى الرَّفْضَ مُقَارَنًا بِفِعْلٍ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ
صَلَاتِهِ فَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، كَمَا لَوْ سَلَّمَ عَامِدًا .
39 -
39 - وَلَوْ ظَنَّ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ سَبْقَ الْحَدَثِ
فَانْصَرَفَ لِيَتَوَضَّأَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ الْحَدَثُ
، فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ .
وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْبِنَاءُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ بِقَاعَ الْمَسْجِدِ كُلَّهَا مَجْعُولَةٌ فِي الْحُكْمِ كَبُقْعَةٍ
وَاحِدَةٍ وَهِيَ كُلُّهَا مَحَلٌّ لِوَصْلِ بَعْضِ الصَّلَاةِ
بِالْبَعْضِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ
وَاقْتَدَى بِالْإِمَامِ وَالصُّفُوفُ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ جَازَتْ
صَلَاتُهُ ، وَإِذَا كَانَتْ بِقَاعُ الْمَسْجِدِ كُلُّهَا مَحَلًّا
لِوَصْلِ الصَّلَاةِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ صَارَتْ كَالْبُقْعَةِ
الْوَاحِدَةِ ، وَلَوْ كَانَ فِي مَحَلِّهِ وَتَحَقَّقَ أَنَّ الْحَدَثَ
لَمْ يَسْبِقْهُ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا
خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِوَصْلِ بَعْضِ الصَّلَاةِ
بِالْبَعْضِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى الْإِمَامَ خَارِجَ
الْمَسْجِدِ وَالصُّفُوفُ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ لَمْ يَجُزْ ، وَإِذَا لَمْ
يَكُنْ مَحَلًّا لِوَصْلِ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ
مَحَلًّا لِوَصْلِ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِبَعْضٍ ، فَصَارَ كَالْبِقَاعِ
الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَمَاكِنِ الْمُتَبَاعِدَةِ فَيُمْنَعُ الْبِنَاءَ .
40
- 40 - إذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ
أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ اقْتَدَى بِمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ ،
وَنَوَى بِهِ قَضَاءَ مَا أَفْسَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يُحْضِرْ
نِيَّةً حَتَّى فَرَغَ جَازَ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ افْتَتَحَ
التَّطَوُّعَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ
أَفْسَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ
رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ
بِمُصَلِّي الظُّهْرِ الْتَزَمَ تَحْرِيمَةَ ظُهْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ ،
وَهَذَا الثَّانِي يُؤَدِّي تِلْكَ التَّحْرِيمَةَ ، بِدَلِيلِ أَنَّ
الْإِمَامَ الْأَوَّلَ لَوْ جَاءَ وَاقْتَدَى بِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ
الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ
عَلَيْهِمَا وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وَدُخُولِ
الْوَقْتِ فَإِذَا قَضَى خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ بِتِلْكَ
التَّحْرِيمَةِ جَازَ ، كَمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ الْأَوَّلِ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ التَّطَوُّعُ ، لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْمُتَطَوِّعِ
الْتَزَمَ بِتَحْرِيمَةِ صَلَاتِهِ ، وَهَذَا الثَّانِي الَّذِي يُصَلِّي
تَطَوُّعًا يُؤَدِّي صَلَاةً أُخْرَى غَيْرَ تِلْكَ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ
سَبَبَ وُجُوبِهِمَا مُخْتَلِفٌ ، لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالشُّرُوعِ ،
وَشُرُوعُ هَذَا غَيْرُ شُرُوعِ ذَاكَ ، فَصَارَ كَفَرْضَيْنِ
مُخْتَلِفَيْنِ ، فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ أَحَدِهِمَا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي
لِآخَرَ .
41 - 41 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ
أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا ، وَقَالَ الْآخَرُ : لِلَّهِ
عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا ، ثُمَّ أَمَّ أَحَدُهُمَا
صَاحِبَهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ .
وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ
عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ، وَقَالَ الْآخَرُ : لِلَّهِ عَلَيَّ
أَنْ أُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَوْجَبْتَ عَلَى نَفْسِكَ ،
فَأَمَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَجْزَأَتْ صَلَاتُهُمَا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْوُجُوبَ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ
بِالنُّذُورِ ، وَنَذْرُ هَذَا غَيْرُ نَذْرِ ذَاكَ ، فَصَارَ
كَالْفَرْضَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا
بِالْآخَرِ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّي
الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَوْجَبْتَ عَلَى نَفْسِكَ ، فَالْوُجُوبُ
مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ عَيْنَ مَا
أَوْجَبَهُ الْآخَرُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَصَارَ كَالظُّهْرِ الْوَاحِدِ ،
وَلَوْ اقْتَدَى مُصَلِّي الظُّهْرِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ جَازَ
كَذَلِكَ هَذَا .
42 - 42 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ صَلَّيَا
الظُّهْرَ فِي مَنَازِلِهِمَا ثُمَّ جَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى
إمَامٍ يُصَلِّي الظُّهْرَ فَدَخَلَ مَعَهُ فَهِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ ، فَإِنْ
قَطَعَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، فَإِنْ أَمَّ
أَحَدُ الْمَأْمُومِينَ صَاحِبَهُ فِيهِمَا أَجْزَأَتْهُ .
وَلَوْ
دَخَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَلْفَ إمَامٍ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ عَلَى
حِدَةٍ ثُمَّ قَطَعَا صَلَاتَهُمَا ثُمَّ أَمَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ
يُرِيدَانِ قَضَاءَ مَا أَفْسَدَا لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ صَلَاتُهُ
وَأَجْزَأَتْ عَنْ الْإِمَامِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُجُوبَ سَبَبٌ
وَاحِدٌ وَهُوَ تَحْرِيمَةُ الظُّهْرِ ، وَالْإِمَامَانِ يُصَلِّيَانِ
ظُهْرًا وَاحِدًا ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ ائْتَمَّ بِالْآخَرِ
جَازَ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ اقْتَدَيَا بِإِمَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ
يَجُوزُ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّطَوُّعُ ، لِأَنَّ
لِلْوُجُوبِ سَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالشُّرُوعِ ،
وَشُرُوعُ هَذَا غَيْرُ شُرُوعِ ذَاكَ ، فَصَارَ كَالْفَرْضَيْنِ
الْمُخْتَلِفَيْنِ ، فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ أَحَدِهِمَا خَلْفَ مَنْ
يُصَلِّي الْآخَرَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الزَّكَاةِ 43 -
إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ : أَخَذَ الصَّدَقَةَ مُصَدِّقٌ آخَرُ وَحَلَفَ
وَجَاءَ بِالْبَرَاءَةِ أَوْ لَمْ يَجِئْ بِهَا ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ
مُصَدِّقٌ غَيْرُهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ صُدِّقَ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مُصَدِّقٌ آخَرُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ قَالَ : دَفَعْتُهَا إلَى الْمَسَاكِينِ لَمْ يُصَدَّقْ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ مَالَ الزَّكَاةِ حَصَلَ فِي يَدِهِ حُصُولَ أَمَانَةٍ ، بِدَلِيلِ
أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ ، فَهُوَ أَمِينٌ ادَّعَى الدَّفْعَ
إلَى مَنْ جُعِلَ لَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ،
كَالْمُودَعِ إذَا قَالَ : رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمُودِعِ أَوْ
إلَى وَلِيُّهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مُصَدِّقٌ
آخَرُ ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقٌ آخَرُ فَقَدْ ادَّعَى
الدَّفْعَ إلَى مَنْ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ ، فَوَجَبَ أَنْ
لَا يُصَدَّقَ ، كَالْمُودَعِ إذَا قَالَ : رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ إلَى
الْأَجْنَبِيِّ لَا يُصَدَّقُ ، كَذَا هَذَا .
44 - 44 - وَإِذَا
ظَهَرَ الْخَوَارِجُ عَلَى بَلَدٍ فِيهِ أَهْلُ الْعَدْلِ ، فَأَخَذُوا
مِنْهُمْ صَدَقَةَ أَمْوَالِهِمْ ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ
حَسِبَهَا لَهُمْ .
وَلَوْ مَرُّوا هُمْ عَلَى الْعَاشِرِ مِنْ أَهْلِ
هَذَا الْبَغْيِ ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ الْعُشْرَ ، لَمْ يَحْسِبْ لَهُمْ
عَاشِرَ أَهْلِ الْعَدْلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ
يَحْمِيَهُمْ وَيَذُبَّ عَنْهُ وَعَنْ حَرِيمِهِمْ ، فَإِذَا لَمْ
يَحْمِهِمْ حَتَّى غَلَبَ الْخَوَارِجُ عَلَيْهِمْ فَهُوَ الَّذِي ضَيَّعَ
حَقَّ نَفْسِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَيْهِمْ ، كَمَا
لَوْ أَقَامُوا حَدًّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُثَنِّيَ إقَامَتَهُ ،
كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَاشِرُ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ
الْمَالِ بِالْمُرُورِ عَلَيْهِ عَرَّضَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ لِلتَّلَفِ ،
فَصَارَ جَانِيًا وَإِذَا جَنَى غَرِمَ .
45 - 45 - رَجُلٌ لَهُ
أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ، فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا
لِلتِّجَارَةِ فَمَاتَ ، سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ لَمْ تَبْطُلْ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِهَا عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ فَقَدْ نَقَلَهَا إلَى
مَا يَثْبُتُ فِيهِ الْحَقُّ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ
ذَلِكَ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ يَبْنِي عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَكُنْ مُتْلِفًا
حَقَّ الْفُقَرَاءِ ، وَلَا نَاقِلًا فَقَامَ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ
، وَلَوْ بَقِيَ الْأَوَّلُ وَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ ، لِأَنَّهُ نَقَلَهُ إلَى مَا لَا
يَثْبُتُ فِيهِ الْحَقُّ الْأَوَّلُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ
ذَلِكَ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ لَمْ يَبْنِ عَلَيْهِ ، فَصَارَ مُفَوِّتًا
حَقَّ الْفُقَرَاءِ فَيَغْرَمُ ، كَمَا لَوْ وُهِبَهَا مِنْ إنْسَانٍ أَوْ
تَزَوَّجَ عَلَيْهَا امْرَأَةً .
46 - 46 - رَجُلٌ لَهُ عَلَى
إنْسَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَيْهِ ،
يَنْوِي أَنْ تَكُونُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ ، جَازَ عَنْ زَكَاةِ هَذَا
الدَّيْنِ .
وَلَا يَجُوزُ عَنْ زَكَاةِ دَيْنٍ آخَرَ وَلَا عَنْ عَيْنٍ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْعَيْنَ أَكْمَلُ مِنْ الدَّيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّيْءَ
يُشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُشْتَرَى بِالنَّقْدِ ،
فَصَارَ مُؤَدِّيًا نَاقِصًا عَنْ كَامِلٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَبَقِيَ
الْكَامِلُ عَلَيْهِ بِحَالِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ عِتْقُ
رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً كَافِرَةً ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ
عِتْقُ رَقَبَةٍ ، فَأَعْتَقَ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يُجْزِهِ
عَنْ الْفَرْضِ ، وَبَقِيَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ بِحَالِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا
.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَدَّى عَنْ هَذَا الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ
الْمُؤَدَّى نَاقِصٌ وَالْمُؤَدَّى عَنْهُ نَاقِصٌ ، فَقَدْ اتَّفَقَ
الْمُؤَدَّى وَالْمُؤَدَّى عَنْهُ فَجَازَ ، كَأَدَاءِ الْعَيْنِ عَنْ
الْعَيْنِ .
وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَيْنٍ آخَرَ ،
لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ أَخْرَجَهُ مِنْ أَنْ يَمْلِكَهُ غَيْرُ
مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا لَمْ
يَجُزْ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ
الدَّيْنُ لَمْ يَجُزْ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَا عَلَيْهِ ، دَلِيلُهُ
لَوْ دَبَّرَ عَبْدًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْ كَفَّارَةِ
يَمِينِهِ لَمْ يُجْزِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِهِ
مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِهِ مِنْ غَيْرِ
مَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ هَذَا .
47 - 47 - الْمُسْلِمُ إذَا مَرَّ
عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ مَرَّةً أَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ ، فَلَوْ مَرَّ
بِذَلِكَ الْمَالِ ثَانِيًا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ لَوْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ فِي سَنَةٍ مَرَّاتٍ أَخَذَ مِنْهُ كُلَّ مَرَّةٍ عُشْرًا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْمُسْلِمِ حَقُّ الْحَوْلِ وَهُوَ الزَّكَاةُ ،
وَحَقُّ الْحَوْلِ إذَا أُخِذَ مَرَّةً لَا يُؤْخَذُ ثَانِيَةً ، كَمَا
لَوْ كَانَ لَهُ إبِلٌ سَائِمَةٌ فَأَدَّى زَكَاتَهَا مَرَّةً فِي حَوْلٍ ،
فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ ، لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ حَقَّ
الْحَوْلِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ ، وَإِنَّمَا
الْمَأْخُوذُ مِنْهُ بِعَقْدِ الْأَمَانِ وَالْكَفِّ عَنْ تَغْنِيمِ مَا
فِي يَدِهِ ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ
فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَخْذًا جَدِيدًا .
48 - 48 - إذَا وَرِثَ مَالًا
أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ لِلْخِدْمَةِ فَنَوَى بِهَا
التِّجَارَةَ لَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ مَا لَمْ تُبَعْ .
وَلَوْ
كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَى الْقِنْيَةَ وَأَمْسَكَهَا
فَصَارَتْ مِهْنَةً ، وَلَا تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا كَانَتْ لِلْخِدْمَةِ فَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ
فَقَدْ نَوَى التِّجَارَةَ وَلَمْ يَفْعَلْهَا ، فَلَمْ يَبْطُلْ حُكْمُهَا
، فَتَبْقَى لِلْخِدْمَةِ وَلَمْ تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ ، كَمَا لَوْ كَانَ
مُقِيمًا فَنَوَى السَّفَرَ ، وَلَمْ يُسَافِرْ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا
وَيَبْقَى مُقِيمًا ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَوَى السَّفَرَ وَلَمْ
يَخْرُجْ فَبَقِيَ عَلَى الْإِقَامَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَى بِهَا الْخِدْمَةَ لِأَنَّهُ
نَوَى الْخِدْمَةَ وَفَعَلَهَا ، فَيَبْطُلُ حُكْمُ مَا نَوَى قَبْلَهُ ،
وَصَارَتْ لِلْخِدْمَةِ ، كَمَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ يَبْطُلُ حُكْمُ
السَّفَرِ ، وَيَصِيرُ مُقِيمًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ السَّفَرَ وَالتِّجَارَةَ عَمَلٌ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْعَمَلُ لَا يُحْكَمُ بِهِ .
وَالْإِقَامَةُ وَالْمِهْنَةُ تَرْكُ الْعَمَلِ وَالتَّرْكُ يَحْصُلُ مَعَ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ ، فَكَذَلِكَ افْتَرَقَا .
49
- 49 - إذَا وَهَبَ الْإِنْسَانُ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا
بَعْدَ مَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ ، سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْ
الْمَوْهُوبِ لَهُ .
وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ
الثَّمَنَ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ ، فَارْتَجَعَ الْأَلْفَ مِنْهُ
وَقَدْ كَانَ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ فِي يَدَيْهِ لَمْ تَسْقُطْ
الزَّكَاةُ عَنْهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ فِي الْهِبَةِ
تَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِالْقَبْضِ ،
وَالْقَبْضُ يُصَادِفُ عَيْنَهَا فَتَعَيَّنَتْ عِنْدَ الْعَقْدِ
فَتَعَيَّنَتْ عِنْدَ الرَّدِّ ، وَقَدْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عَيْنَهَا
مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ وُجُوبِ
الزَّكَاةِ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ فِي الْبَيْعِ لَا
تَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْعَقْدِ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ
بِمَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ ، ثُمَّ تَصِيرُ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ
عِنْدَ الْأَدَاءِ ، وَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ
تَتَعَيَّنْ عِنْدَ الرَّدِّ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا عَيْنَهَا ،
وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ مِثْلَهَا ، فَهَذَا دَيْنٌ
لَحِقَهُ بَعْدَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ عَلَيْهِ وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ ،
وَإِذَا لَحِقَهُ دِينٌ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ
الزَّكَاةُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ .
50 - 50 - يَجُوزُ دَفْعُ خُمْسِ الرِّكَازِ إلَى أَوْلَادِهِ .
وَلَا
يَجُوزُ دَفْعُ الْعُشْرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الرِّكَازِ لَمْ يَسْبِقْ
لَهُ مِلْكٌ فِيهِ ، وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ ، فَلَمْ يَثْبُتْ
لَهُ حَقٌّ فِي عَيْنِهِ ، فَكَمَا أَخَذَهُ مُشْتَرَكًا أَرْبَعَةُ
أَخْمَاسِهِ لَهُ وَخُمْسُهُ لِلْفُقَرَاءِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا
: هَذَا مَالٌ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مِلْكٌ فِيهِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي
عَيْنِهِ فَيُؤْمَرُ بِقَطْعِهِ ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ
فَإِذَا صَرَفَهُ إلَى وَلَدِهِ جَازَ ، دَلِيلُهُ اللُّقَطَةُ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الْعُشْرُ وَالزَّكَاةُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِلْكٌ فِي
الْحَبِّ قَبْلَ الزَّرْعِ ، فَثَبَتَ لَهُ حَقٌّ فِي الْخَارِجِ مِنْهُ ،
فَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ الْمِلْكُ وَالْحَقُّ فِيهِ ، وَفِي بَابِ
الْعُشْرِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَقَطْعِ الْحَقِّ
عَنْهُ ، فَإِذَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ فَقَدْ أَزَالَ مِلْكَهُ
عَنْهُ وَبَقِيَ الْحَقُّ لَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي مَالِ
ابْنِهِ ، فَقَدْ فَعَلَ بَعْضَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلَمْ يُجْزِهِ .
وَإِنْ
شِئْتَ قُلْتَ : لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ
يُمْسِكَ الْجَمِيعَ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ ، فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى
وَلَدِهِ .
وَأَمَّا الْعُشْرُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى
نَفْسِهِ ، وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يَصْرِفَهُ إلَى وَلَدِهِ ، فَكَذَلِكَ افْتَرَقَا .
51 - 51 -
وَإِذَا نَوَى بِالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ التِّجَارَةَ ،
مِثْلَ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى دَارٍ أَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَبْدٍ
صَارَ لِلتِّجَارَةِ .
وَلَوْ وَرِثَ دَارًا وَنَوَى التِّجَارَةَ لَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْخُلْعَ وَالصُّلْحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ يَحْصُلُ
الْمِلْكُ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ ؛ إذْ لَوْلَا عَقْدُهُ لَمَا مَلَكَهُ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ سَبَبٌ يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ ،
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ كَانَ لِلتِّجَارَةِ ،
كَالشِّرَاءِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ ،
فَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ ، كَانَ لِلتِّجَارَةِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الْإِرْثُ ، لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ بِسَبَبٍ يَحْصُلُ بِهِ
الْمِلْكُ مِنْ جِهَتِهِ ، لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمَوْرُوثَ يَدْخُلُ فِي
مِلْكِهِ شَاءَ أَوْ أَبَى مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ ، وَإِذَا
لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبٌ صَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ
لِلْمِهْنَةِ فَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ
، كَذَلِكَ هَذَا .
52 - 52 - وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى
أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ مَا
حَالَ الْحَوْلُ ، فَارْتَجَعَ مِنْهَا نِصْفَهَا لَمْ تَسْقُطْ عَنْهَا
الزَّكَاةُ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرَضٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا ، سَقَطَتْ زَكَاةُ نِصْفِهِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْأَلْفَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهَا لَا تَتَعَيَّنُ عِنْدَ
الْعَقْدِ ، وَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عِنْدَ الْعَقْدِ تَتَعَيَّنُ عِنْدَ
الْفَسْخِ وَالرَّدِّ وَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عِنْدَ الرَّدِّ كَانَ
لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ
يَسْتَحِقَّ عَلَيْهَا عَيْنَ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ
عَلَيْهَا مِثْلَهَا ، فَصَارَ كَدَيْنٍ لَحِقَهَا بَعْدَ وُجُوبِ
الزَّكَاةِ ، وَلَوْ لَحِقَهَا دَيْنٌ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَمْ
يَسْقُطْ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ ، كَذَلِكَ هَذَا وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الْعُرُوض ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْعَقْدِ
فَتَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْفَسْخِ ، فَقَدْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهَا عَيْنَ
تِلْكَ الْعُرُوضِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ
سَقَطَ عَنْهَا بَعْدَ الْحَوْلِ ، وَلَوْ هَلَكَ نِصْفُهُ سَقَطَ عَنْهَا
زَكَاةُ نِصْفِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
53 - 53 - الْمُضَارِبُ إذَا
اشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ طَعَامًا لِلْعَبِيدِ ، فَحَالَ الْحَوْلُ
عَلَيْهِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ .
وَلَوْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ طَعَامًا لِعَبِيدِهِ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمُضَارِبَ مَأْمُورٌ بِالتِّجَارَةِ فَكَانَ مَا يَشْتَرِيهِ
لِلتِّجَارَةِ ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ مَا يَشْتَرِيهِ لِلتِّجَارَةِ
لَصَارَ مُخَالِفًا وَيَكُونُ ضَامِنًا ، فَإِذَا لَمْ نَجْعَلْهُ ضَامِنًا
فَقَدْ جَعَلْنَا مَا اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ ، وَإِذَا كَانَ
مَأْمُورًا بِالتِّجَارَةِ فَكَانَ مَا يَشْتَرِيهِ لِلتِّجَارَةِ لَمْ
يَحْتَجْ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ ؛
لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالتِّجَارَةِ ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ
لِلتِّجَارَةِ وَلِغَيْرِهِ ، وَشِرَاؤُهُ يَصْلُحُ لَهُمَا جَمِيعًا ،
فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ لِلْمِهْنَةِ وَإِنَّمَا يُصْرَفُ إلَى
التِّجَارَةِ بِقَرِينَةٍ وَهِيَ النِّيَّةُ ، فَإِنْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ
كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ ، وَإِلَّا فَلَا .
54 - 54 - الزَّكَاةُ تَجِبُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يَنْوِي بِهَا التِّجَارَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ .
وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْعُرُوضِ إلَّا بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْمَالِ لِكَوْنِهِ مُعَرَّضًا لِلنَّمَاءِ ،
وَالنَّمَاءُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ ، إمَّا السَّوْمُ
أَوْ التِّجَارَةُ ، فَمَا لَمْ يَعْرِضْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ تَجِبْ
الزَّكَاةُ ، وَلَا يَكُونُ مُعَرَّضًا لَهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلنَّمَاءِ
بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِيمَا شَاءَ لِيَحْصُلَ
بِهِ الرِّبْحُ ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا شَاءَ كُلَّ
وَقْتٍ فَصَارَ كَالْمُعَدِّ بِالنِّيَّةِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ إلَى
نَقْلِهِ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِأَنْ نَوَى التِّجَارَةَ تَجِبُ
الزَّكَاةُ فِي الْعُرُوضِ فَلَأَنْ تَجِبَ إذَا تَحَقَّقَ الْقَصْدُ
انْتَقَلَ أَوْلَى وَأَحَقُّ .
55 - 55 - الصَّبَّاغُ إذَا اشْتَرَى
الْعُصْفُرَ وَالزَّعْفَرَانَ لِيَصْبُغَ بِهِ ثِيَابَ النَّاسِ
بِالْأُجْرَةِ ، وَالسَّمْنَ لِيَدْبَغَ بِهِ الْجِلْدَ ، فَحَال الْحَوْلُ
عِنْدَهُ لَزِمَهُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ .
وَالْقَصَّارُ إذَا اشْتَرَى الْأُشْنَانَ وَالصَّابُونَ وَالْحَطَبَ لِلتَّنُّورِ وَالْمِلْحَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الصَّبْغَ مُعَدٌّ لِلِاعْتِيَاضِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ
مِنْ الْأَجْرِ يَكُونُ فِي الْحُكْمِ كَالْعِوَضِ عَنْ هَذِهِ
الْأَعْيَانِ ، فَوَجَبَ الزَّكَاةُ فِيهَا كَالسِّلَعِ الْمُعَدَّةِ
لِلْبَيْعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَصَّارُ ، لِأَنَّ الْأُشْنَانَ
وَالصَّابُونَ لَا يُعَدُّ لِلِاعْتِيَاضِ عَنْ عَيْنِهَا ؛ لِأَنَّهَا
تَتْلَفُ وَلَا يَقَعُ التَّسْلِيمُ فِي عَيْنِهَا إلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ ،
فَصَارَ كَأَدَاةِ الْقَصَّارِينَ مِنْ الْمِدَقَّةِ وَالْقِدْرِ وَمَا
أَشْبَهَهَا وَلَا زَكَاةَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَقَعُ
فِيهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
56 - 56 - عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ قَتَلَهُ عَبْدٌ آخَرُ خَطَأً فَدُفِعَ مَكَانَهُ فَالثَّانِي لِلتِّجَارَةِ .
وَلَوْ قَتَلَ عَمْدًا فَصَالَحَ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى عَبْدٍ وَعَرَضٍ فَلَيْسَ لِلتِّجَارَةِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الْوَاجِبَ مَالٌ وَهُوَ الْقِيمَةُ ، فَصَارَ
الْمَأْخُوذُ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ
بِالثَّانِي .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَالْوَاجِبُ
الْقِصَاصُ ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يَكُنْ الْمَأْخُوذُ بَدَلًا
عَنْ مَالِ التِّجَارَةِ ، فَلَمْ يَنْتَقِلْ حُكْمُ الْأَوَّلِ إلَيْهِ ،
فَصَارَ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْإِرْثِ ابْتِدَاءً ،
فَلَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالتِّجَارَةِ .
57 - 57 -
هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ لَهُ مَالٌ نَوَى أَنْ يُؤَدِّيَ
الزَّكَاةَ عَنْهَا ، وَجَعَلَ يَتَصَدَّقُ إلَى آخِرِ السَّنَةِ ، وَلَا
تَحْضُرُهُ النِّيَّةُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ .
وَلَوْ أَخْرَجَ
دَرَاهِمَ فَصَرَّهَا فِي كِنٍّ وَقَالَ : هَذَا مِنْ الزَّكَاةِ ،
فَجَعَلَ يَتَصَدَّقُ مِنْهَا وَلَا تَحْضُرُهُ النِّيَّةُ .
قَالَ : أَرْجُو أَنْ يُجْزِيَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ عَنْ الزَّكَاةِ شَرْطٌ ، وَلَمْ يُوجَدْ إذَا فَرَّقَ الدَّفْعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ إذَا جَمَعَهَا فِي صُرَّةٍ ، لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا لِهَذِهِ
الْجِهَةِ وَعَرَضَهَا لَهَا وَإِحْضَارُ النِّيَّةِ مَعَ كُلِّ جُزْءٍ
لَيْسَ بِشَرْطٍ ، فَمَتَى أَخَّرَهُ إلَى مَا عَرَضَهُ لَهُ وَقَعَ عَمَّا
قَصَدَهُ .
هَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الرَّجُلِ إذَا اشْتَرَى شَاةً
لِلْأُضْحِيَّةِ ، فَذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ صَحَّ ، وَلَوْ
لَمْ يَشْتَرِ لِلْأُضْحِيَّةِ وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لِهَذِهِ الْجِهَةِ ،
فَذَبَحَهَا غَيْرُهُ لَمْ يُجْزِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
58 - 58 -
ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا لَا يَعْرِفُهُ
مَالًا ، ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَ سِنِينَ قَالَ : لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ
فِيهِ .
وَإِنْ أَوْدَعَهُ رَجُلًا يَعْرِفُهُ فَنَسِيَهُ سِنِينَ ثُمَّ ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ إذَا أَوْدَعَهُ إلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فَهُوَ مُضَيِّعٌ ،
بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ارْتِجَاعِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ
دَفَنَهُ فِي مَغَارَةٍ وَنَسِيَهُ .
وَإِذَا أَوْدَعَ إلَى مَنْ
يَعْرِفُهُ فَهُوَ لَيْسَ بِمُضَيِّعٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ
يَرْتَجِعَهُ مَتَى شَاءَ ، وَيَدُ الْمُودِعِ كَيَدِ الْمُودَعِ فَصَارَ
كَمَا لَوْ كَانَ فِي صُنْدُوقِهِ وَنَسِيَهُ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ
وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ، كَذَا هَذَا .
59 - 59 - إذَا ادَّعَى
الْمُسْلِمُ حِينَ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ أَنَّ حَوْلَهُ لَمْ يَتِمَّ ،
أَوْ عَلَيْهِ دِينٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ ، أَوْ هَذَا مَالُ غَيْرِهِ ، أَوْ
أَنَّهُ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ ، وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ صُدِّقَ .
وَلَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْمُسْلِمِ زَكَاةٌ ، وَالزَّكَاةُ لَا تَجِبُ
إلَّا لِوُجُودِ شَرَائِطِهَا ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ يُقِرُّ بِهِ لَمْ
يَلْزَمْهُ فَالْمُصَدِّقُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْحَقَّ وَهُوَ يُنْكِرُ
فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، كَمَا لَوْ حَضَرَ
الْمُصَدِّقُ وَقَالَ : لَكَ سَوَائِمُ فَأَدِّ زَكَاتَهَا فَجَحَدَ ،
فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ
فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الزَّكَاةِ ، فَلَا تُعْتَبَرُ
فِيهِ شَرَائِطُ الزَّكَاةِ : مِنْ الْمِلْكِ وَحَوَلَانِ الْحَوْلِ ،
وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِلْكَفِّ عَنْ الْغَنِيمَةِ وَتَغْنِيمِ مَا
فِي يَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْمُجَازَاةِ ، وَالْمُكَافَأَةِ ، وَمَالُ
غَيْرِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْأَمَانِ كَمَالِهِ ، وَكَوْنُ الدَّيْنِ
عَلَيْهِ يُوجِبُ نُقْصَانَ مِلْكِهِ ، وَالْحَرْبِيُّ نَاقِصُ الْمِلْكِ
فِي الْأَصْلِ ، فَلَا يُمْنَعُ جَوَازُ الْأَخْذِ مِنْهُ فَيُؤْخَذُ .
60
- 60 - إذَا قَالَ الْحَرْبِيُّ الَّذِي فِي يَدِهِ مَمَالِيكُ
لِلْعَاشِرِ : إنَّ هَذَا الْغُلَامَ وَلَدِي ، أَوْ هُوَ مُدَبَّرِي ،
أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِي ، يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا
يُؤْخَذُ مِنْهُ الْحَقُّ .
وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - فِي الْحَرْبِيِّ إذَا قَالَ
لِرِجَالٍ [ فِي ] يَدِهِ : وَهَؤُلَاءِ بَنِيَّ .
وَمِثْلُهُمْ لَا
يُولَدُونَ لِمِثْلِهِ ، قَالَ : يُعْشَرُونَ وَيُعْتَقُونَ عَلَيْهِ
وَحُكِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ : هَذَا كَانَ عَبْدِي
أَعْتَقْتُهُ ، أَوْ قَالَ : هَذَا مُدَبَّرِي لَا يُصَدَّقُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لَهُ ، فَإِذَا قَالَ :
هَذَا وَلَدِي أَوْ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي ، وَالنَّسَبُ مِمَّا يَصِحُّ
ثُبُوتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يَصِحُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ
فَأَثْبَتْنَا نَسَبَهُ مِنْهُ فِي الْحَالِ ، وَهُوَ عَلَى إثْبَاتِ
النَّسَبِ بِدَعْوَاهُ فَنَفَّذْنَا دَعْوَاهُ ، فَصَارُوا وَلَدًا لَهُ
مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ .
وَإِذَا
كَانَ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْهُ لَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ النَّسَبِ ، فَصَارَ
مُقِرًّا بِإِعْتَاقِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَعِتْقُهُ فِي دَارِ
الْحَرَبِ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّهُ
لَمْ يَكُنْ مِلْكًا إلَّا أَنَّهُ أَقَرَّ بِعِتْقِهِ فِي الْحَالِ
فَنَفَّذْنَاهُ وَأَعْتَقْنَاهُ ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ فِي
دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ
دَارَ الْإِسْلَامِ بِمَالٍ لَهُ تَحَقَّقَ لَهُ مِلْكٌ الْآنَ ؛
لِأَنَّهُ لَا يَغْنَمُهُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا قَالَ : هَذَا ابْنِي ، أَوْ
هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي ، فَإِذَا أَنْفَذْنَا إقْرَارَهُ أَنْفَذْنَا
اسْتِيلَاءً مِنْهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي مِلْكٍ يَحْدُثُ فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ ، وَالِاسْتِيلَادُ الْمُتَقَدِّمُ يَسْرِي فِي الْمِلْكِ
الْمُتَأَخِّرِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ ؛ لِأَنَّهُ
إنَّمَا تَحَقَّقَ لَهُ مِلْكٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِدُخُولِهِ ،
فَقَدْ حَدَثَ ، لَهُ مِلْكٌ جَدِيدٌ وَأَقَرَّ بِعِتْقٍ مُتَقَدِّمٍ
عَلَيْهِ ،
فَلَوْ صَدَّقْنَاهُ لَنَفَّذْنَاهُ فِي مِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ ، وَالْعِتْقُ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَسْرِي فِي الْمِلْكِ الْمُتَأَخِّرِ ، فَلَا يُنَفَّذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ ، فَبَقِيَ رَقِيقًا وَقْتَ الدُّخُولِ فَأُخِذَ مِنْهُ الْحَقُّ ، فَإِذَا لَمْ يُولَدْ لِمِثْلِهِ لَا يُنَفَّذُ اسْتِيلَادُهُ وَالْعِتْقُ أَيْضًا ، إلَّا أَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ عَلَيْهِ فَصَدَّقْنَاهُ فِي حَقِّهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ .
61 - 61 - إذَا اسْتَخْرَجَ الْحَرْبِيُّ
الْمُسْتَأْمَنُ مَعْدِنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ إذْنِ
الْإِمَامِ ، كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا شَيْءَ لَهُ .
وَإِنْ عَمِلَ فِي الْمَعْدِنِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أُخِذَ مِنْهُ الْخُمُسُ وَالْبَاقِي لَهُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ ، وَهُوَ لِعَقْدِ
الْأَمَانِ الْتَزَمَ الْكَفَّ عَنْ أَخْذِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَيَدُ
الْمُسْلِمِينَ ثَابِتَةٌ عَلَى الدَّارِ ، فَقَدْ أَخَذَ مَالًا مِمَّا
فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَاسْتُرِدَّ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْ
يَدِ مُسْلِمٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ ؛ لِأَنَّ
الْإِمَامَ لَمَّا أَذِنَ لَهُ فَقَدْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلِ
الْمُسْلِمِينَ ، لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ، وَجَعَلَ مَا
يَخْرُجُ عِمَالَةً لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لَهُمْ
لِاسْتِصْلَاحِ قَنْطَرَةٍ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَذَلِكَ هَذَا .
62 -
62 - وَإِذَا دَفَنَ مَالَهُ فِي أَرْضِهِ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْهِ
مَوْضِعُهُ ، وَمَضَتْ عَلَيْهِ سُنُونَ ثُمَّ وَجَدَهُ فَلَا زَكَاةَ
عَلَيْهِ .
وَلَوْ دَفَنَهُ فِي بَيْتِهِ فَنَسِيَ مَوْضِعَهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ سِنِينَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ أَرْضَهُ لَيْسَتْ بِحِرْزٍ لَهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ
مِنْهَا نِصَابًا لَمْ يُقْطَعْ ، فَصَارَ الْمَالُ خَارِجًا عَنْ يَدِهِ
وَتَصَرُّفِهِ ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ ، كَالْمَالِ الْمَنْصُوبِ
وَالدَّيْنِ الْمَجْحُودِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَدْفُونُ فِي
بَيْتِهِ ؛ لِأَنَّ بَيْتَهُ حِرْزٌ لَهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ
مِنْهُ نِصَابًا يُقْطَعُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ نَسِيَ فِي صُنْدُوقِهِ
أَوْ جَيْبِهِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ هَذَا .
63 - 63 -
إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ بِدَرَاهِمَ عَبْدًا وَلَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ ،
لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدٍ كَانَ
لِلتِّجَارَةِ كَانَ الثَّانِي لِلتِّجَارَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ
الْعَبْدَ لِلتِّجَارَةِ بَدَلُ مَالٍ لِلتِّجَارَةِ ، وَالْبَدَلُ يَسْرِي
حُكْمُ الْأَصْلِ إلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَدَلَ مَالِ
الْمُضَارَبَةِ وَبَدَلَ مَالِ الشَّرِكَةِ وَبَدَلَ جَارِيَةِ الْمَهْنَةِ
حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْلُفُهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ ،
فَصَارَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ ، وَالْأَوَّلُ لِلتِّجَارَةِ كَذَا
الثَّانِي .
وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ فَلَيْسَتْ هِيَ مَالَ التِّجَارَةِ ؛
لِأَنَّ مَالَ التِّجَارَةِ إذَا أُعِدَّ لِلْمَهْنَةِ لَا تَجِبُ
الزَّكَاةُ ، وَلَوْ اُتُّخِذَ مِنْ الدَّرَاهِمِ حُلِيٌّ وَجَبَتْ
الزَّكَاةُ ، دَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالِ التِّجَارَةِ وَإِنَّمَا
هِيَ مَالُ الزَّكَاةِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَدَلَ مَالِ التِّجَارَةِ
لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ .
وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ ، فَالشِّرَاءُ لَا
يَقَعُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ ، لِأَنَّهَا لَا
تَتَعَيَّنُ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِمَضْمُونٍ فِي ذِمَّتِهِ ، وَمَا فِي
الذِّمَّةِ لَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَحُكْمُ بَدَلِهِ حُكْمُ أَصْلِهِ وَلَا
زَكَاةَ فِي الْأَصْلِ ، كَذَلِكَ فِي بَدَلِهِ .
64 - 64 - إذَا وَجَبَ فِي مَالِهِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ ، فَأَدَّى ثَلَاثًا سِمَانًا تُسَاوِي أَرْبَعًا وَسَطًا جَازَ .
وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أُضْحِيَّتَانِ ، فَذَبَحَ وَاحِدًا مِنْهُمَا سَمِينًا يُسَاوِي وَسَطَيْنِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الزَّكَاةِ سَدُّ الْخَلَّةِ وَدَفْعُ الْحَاجَةِ
، بِدَلِيلِ أَنَّهَا وَجَبَتْ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ ، وَسَدُّ الْخَلَّةِ
يَحْصُلُ بِالثَّلَاثِ السِّمَانِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْأَرْبَعِ
الْأَوْسَاطِ فَجَازَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ ؛ لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ مِنْهَا إرَاقَةُ الدَّمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ
بِالْعَيْنِ قَبْلَ الذَّبْحِ لَمْ يُجْزِهِ ، وَإِرَاقَةُ دَمَيْنِ لَا
يَكُونُ مُعَادِلًا لِدَمٍ وَاحِدٍ ، فَمَعْنَى الِاثْنَيْنِ لَمْ يُوجَدْ
فِي الْوَاحِدِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ رَجُلٌ عَلَيْهِ عِتْقُ
رَقَبَتَيْنِ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً قِيمَتُهَا قِيمَةُ رَقَبَتَيْنِ
وَسَطَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ كَذَلِكَ هَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ
الصَّوْمِ 65 - لَوْ أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَفْطَرَتْ
بِالْأَكْلِ مُتَعَمِّدَةً ، ثُمَّ حَاضَتْ أَوْ مَرِضَتْ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا ، وَلَوْ أَنَّهَا سَافَرَتْ فِي
ذَلِكَ الْيَوْمِ فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ
الْحَيْضَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُؤْمَرُ بِهِ
وَلَا تُنْهَى عَنْهُ ، فَعُرِفَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ آدَمِيٍّ ،
أَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا ، فَلَا
تَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ ، كَمَا لَوْ أَصْبَحَتْ صَائِمَةً ثُمَّ
أَفْطَرَتْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ ، فَإِنَّهُ لَا
يَلْزَمُهَا شَيْءٌ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سَافَرَتْ
؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مِنْ فِعْلِهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ
تُؤْمَرَ بِهِ وَتُنْهَى عَنْهُ ، فَاتُّهِمَتْ فِي إنْشَائِهِ ، فَصَارَتْ
بِقَصْدِ السَّفَرِ تُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ عَنْ نَفْسِهَا ، وَالسَّفَرُ
لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَبَقِيَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهَا .
وَمَنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إنْ فِي الْحَيْضِ لَا كَفَّارَةَ ، وَإِنْ فِي الْمَرَضِ الْكَفَّارَةُ .
66
- 66 - إذَا احْتَجَمَ الصَّائِمُ فَظَنَّ أَنَّ ذَاكَ أَفْسَدَ صَوْمَهُ
فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ
إذَا لَمْ يَتَأَوَّلْ الْخَبَرَ وَلَمْ يُفْتَ بِالْإِفْطَارِ ، وَلَوْ
أَكَلَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّ ذَاكَ يُفْطِرُهُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَاكَ
مُتَعَمِّدًا ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ
يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَكَلَ نَاسِيًا
فَقَدْ أَفْطَرَ عَلَى شُبْهَةٍ ، فَظَنَّ فِي مَوْضِعِ تَلْبِيسٍ
وَتَشْبِيهٍ لِأَنَّ مَا يُفْسِدُ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ لَا يَخْتَلِفُ
النَّاسِي وَالْعَامِدُ فِيهِ ، كَالْجِمَاعِ يُفْسِدُ الْحَجَّ نَاسِيًا
كَانَ أَوْ عَامِدًا ، وَالْحَدَثُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ نَاسِيًا كَانَ
أَوْ عَامِدًا ، فَإِذَا ظَنَّ فِي مَوْضِعِ تَلْبِيسٍ وَتَشْبِيهٍ فَصَارَ
إفْطَارًا عَلَى شُبْهَةٍ وَالْإِفْطَارُ عَلَى الشُّبْهَةِ لَا يُوجِبُ
الْكَفَّارَةَ ، كَمَا لَوْ تَسَحَّرَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ وَهُوَ لَا
يَعْلَمُ بِهِ .
وَأَمَّا فِي الْحِجَامَةِ فَقَدْ أَفْطَرَ عَلَى
غَيْرِ شُبْهَةٍ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا يَفْسُدُ بِمَا يَدْخُلُ لَا
بِمَا يَخْرُجُ ، فَإِذَا ظَنَّ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ فَسَدَ فَقَدْ ظَنَّ
فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الظَّنِّ ، فَلَمْ يَصِرْ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ
الْكَفَّارَةِ فَبَقِيَتْ الْكَفَّارَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ ، فَإِذَا
بَلَغَهُ الْخَبَرُ أَوْ أَفْتَاهُ فَقِيهٌ صَارَ ذَلِكَ عُذْرًا
فَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ .
67 - 67 - إذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ
أَنْ أَصُومَ شَهْرًا ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا ، وَلَوْ
قَالَ : لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا ، يَلْزَمُهُ
مُتَتَابِعًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ ذَكَرَ الشَّهْرَ وَالشَّهْرُ اسْمٌ
لِلْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَالِاعْتِكَافُ يَصِحُّ بِاللَّيْلِ كَمَا
يَصِحُّ بِالنَّهَارِ ، فَقَدْ ذَكَرَ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ
وَقَرَنَهُمَا بِمَا يَصِحُّ فِيهِمَا ، فَيَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا
اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ
فُلَانًا شَهْرًا ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ
مُتَتَابِعًا ، كَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ
نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } ثُمَّ يَدْخُلُ فِيهِ
الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الصَّوْمُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ ذَكَرَ جَمْعًا مِنْ الْأَيَّامِ
وَاللَّيَالِي وَقَرَنَهُمَا بِمَا لَا يَصِحُّ فِيهِمَا لِأَنَّ الصَّوْمَ
لَا يَصِحُّ بِاللَّيْلِ ، فَكَانَ التَّفْرِيقُ مِنْ مُوجِبِ نَذْرِهِ ،
فَصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ ، فَالتَّتَابُعُ زِيَادَةُ صِفَةٍ لَمْ
يُوجِبْهُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ كَزِيَادَةِ الْعَدَدِ .
68
- 68 - إذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبَ مُتَتَابِعًا ،
لَا يَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهُ
لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَحْدَهُ ، وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ
أَصُومَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا ، لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ رَجَبَ اسْمٌ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ ، وَالشَّهْرُ لَا يَكُونُ إلَّا
مُتَتَابِعًا ، فَلَنَا ذِكْرُ التَّتَابُعِ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ :
لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ رَجَبَ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا ثُمَّ
أَفْطَرَ مِنْهُ يَوْمًا لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَحْدَهُ كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا
إذَا قَالَ شَهْرًا ، فَالشَّهْرُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ،
فَصَارَ قَوْلُهُ مُتَتَابِعًا زِيَادَةَ صِفَةٍ فَقَدْ أَوْجَبَ بِصِفَةِ
التَّتَابُعِ ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بَقِيَ الْوُجُوبُ
عَلَيْهِ بِحَالِهِ كَقَوْلِهِ : { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ
شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } .
69 - 69 - إذَا قَالَ : لِلَّهِ
عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا ، فَصَامَهُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ
لَمْ يُجْزِهِ ، وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ غَدًا ،
فَصَامَهُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِمَا
أَوْجَبَهُ بِنَذْرِهِ مُعَيِّنًا مِثَالًا مِنْ الشَّرْعِ فَانْصَرَفَ
إلَى مَا لَهُ مِثَالٌ مِنْ صَوْمِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ ، جَازَ بِنِيَّةٍ
قَبْلَ الزَّوَالِ وَهُوَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ كَذَلِكَ مَا أَوْجَبَهُ
بِنَذْرِهِ مُعَيِّنًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ ؛
لِأَنَّ لِمَا أَوْجَبَهُ مِثَالًا مِنْ الشَّرْعِ ، وَمَا أَوْجَبَ
اللَّهُ تَعَالَى مِنْ صَوْمِ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَجُوزُ إلَّا
بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ ، وَهُوَ صَوْمُ الظِّهَارِ كَذَلِكَ هَذَا .
70 - 70 - جِمَاعُ النَّاسِي ، يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ وَلَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الصَّوْمَ مَخْصُوصٌ مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَاسِ بِالْخَبَرِ ، فَلَا
يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، فَبَقِيَ
الِاعْتِكَافُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ .
وَجْهٌ آخَرُ : وَذَلِكَ
لِأَنَّ الْجِمَاعَ حَالَةَ الِاعْتِكَافِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الِاعْتِكَافِ
لَا مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُوجَدُ بِاللَّيْلِ
فَيُفْسِدُهُ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ لَكَانَ إذَا
وُجِدَ بِاللَّيْلِ لَا يُفْسِدُهُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ،
وَمَحْظُورَاتُ الِاعْتِكَافِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ ، النَّاسِي
وَالْعَامِدُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّوْمُ ؛
لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ
جَامَعَ بِاللَّيْلِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ ، وَمَحْظُورَاتُ الصَّوْمِ
يَخْتَلِفُ فِيهِ النَّاسِي وَالْعَامِدُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ .
71
- 71 - إذَا قَالَ قَائِلٌ : لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا ،
أَوْ يَصُومَ شَهْرًا ، فَإِنَّهُ يَفْتَتِحُهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ ،
وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا ، فَإِنَّهُ
يَلْزَمُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْكَلَامِ عَقِيبَ الْحَلِفِ ، وَكَذَلِكَ
لَوْ أَجَّرَ دَارِهِ شَهْرًا ، انْعَقَدَ عَلَى شَهْرٍ عَقِيبَ يَمِينِهِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الصَّوْمَ إذَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ يُسَمَّى الْوَقْتُ بِهِ ؛
لِأَنَّهُ يُقَالُ : هَذَا شَهْرُ صَوْمِي ، فَكَانَ ذِكْرُهُ
لِلتَّقْدِيرِ لَا لِلتَّعْيِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ } وَأَمَّا فِي الْكَلَامِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ
لَا يُسَمَّى الْوَقْتُ بِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ : هَذَا شَهْرُ
كَلَامِي ، وَكَلَّمْتُ فُلَانًا شَهْرًا ، فَصَارَ ذِكْرُ الشَّهْرِ
لِلتَّعْيِينِ لَا لِلتَّقْدِيرِ ، فَلَزِمَهُ عَقِيبَ السَّبَبِ
الْمُوجِبِ لَهُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ
نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } فَإِنَّ الْمُدَّةَ تَكُونُ
عَقِيبَ الْإِيلَاءِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَجْهٌ آخَرُ : إنَّهُ وَجَبَ
الْحَقُّ فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ بِوَقْتٍ
، فَكَانَ الْخِيَارُ فِي التَّعْيِينِ إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ :
لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ ، فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ
بِأَيِّ دِرْهَمٍ شَاءَ .
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ شَرَعَ
فِي مُوجِبِ يَمِينِهِ عَقِيبَ الْيَمِينِ ، وَهُوَ السُّكُوتُ
وَالِامْتِنَاعُ عَنْ مُكَالَمَتِهِ ، فَصَارَ بِالشُّرُوعِ فِيهِ
كَالْمُعَيِّنِ لِذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَلَوْ عَيَّنَ صَحَّ تَعْيِينُهُ ،
كَذَلِكَ إذَا شَرَعَ فِيهِ .
72 - 72 - إذَا قَالَتْ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ حَيْضِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا .
وَلَوْ
قَالَتْ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ غَدًا ، أَوْ رَجَبَ ، فَحَاضَتْ
فِي الْغَدِ أَوْ وَلَدَتْ قَبْلَ رَجَبَ وَنَفِسَتْ فِي رَجَبَ ،
لَزِمَهَا قَضَاؤُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّوْمَ فِي حَالِ الْحَيْضِ
لَا يَصِحُّ ، فَلَمَّا أَضَافَتْ إلَى أَيَّامِ الْحَيْضِ عَلِمْنَا
أَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْ الْإِيجَابَ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِنَذْرِهَا
حُكْمٌ ، كَمَا لَوْ أَكَلَتْ ثُمَّ قَالَتْ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ
أَصُومَ الْيَوْمَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَتْ غَدًا ؛ لِأَنَّهَا
أَضَافَتْ الصَّوْمَ إلَى الْوَقْتِ ، وَقَصَدَتْ بِهِ الْإِيجَابَ ،
لِأَنَّ الْوَقْتَ قَابِلٌ لِلصَّوْمِ وَيَجُوزُ أَنْ تَحِيضَ فِيهِ
وَيَجُوزُ أَلَّا تَحِيضَ فَصَحَّ الْإِيجَابُ وَعَجَزَتْ عَنْ الْأَدَاءِ ،
فَلَزِمَهَا الْقَضَاءُ .
وَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ النُّذُورَ
مَحْمُولَةٌ عَلَى أُصُولِهَا فِي الشَّرْعِ ، وَالشَّرْعُ قَدْ وَرَدَ
بِإِيجَابِ الصَّوْمِ الْمُضَافِ إلَى الْوَقْتِ مُطْلَقًا ، فَجَازَ لَهَا
أَنْ تُوجِبَهُ بِنَذْرِهَا ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِيهِ لِعُذْرِ
الْحَيْضِ قَضَتْ ، كَشَهْرِ رَمَضَانَ .
وَإِذَا قَالَتْ : لِلَّهِ
عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ حَيْضِي فَقَدْ أَوْجَبَتْ مَا لَا مِثَالَ
لَهُ فِي الشَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِإِيجَابِ الصَّوْمِ
مُضَافًا إلَى وَقْتٍ لَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ فِيهِ ، فَقَدْ نَذَرَتْ مَا
لَا مِثَالَ لَهُ فِي الشَّرْعِ ، فَلَا يَلْزَمُهَا ، كَمَا لَوْ نَذَرَتْ
عِيَادَةَ الْمَرِيضِ .
73 - 73 - إذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ ، فَقَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ يَوْمَ يَدْخُلُ عَبْدِي الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ .
فَدَخَلَ
لَيْلًا عَتَقَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْيَوْمَ حَقِيقَةٌ لِبَيَاضِ
النَّهَارِ ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
{ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } وَالصَّوْمُ لَا يَصِحُّ
إلَّا بِالنَّهَارِ ، فَقَدْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ
أَرَادَ بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ ، وَهُوَ إيجَابُ الصَّوْمِ ، فَإِذَا
قَدِمَ لَيْلًا لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ وُجُوبِهِ ، فَلَا يَلْزَمُ
بِالنَّهَارِ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الدُّخُولُ يَصِحُّ لَيْلًا
وَنَهَارًا ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجَبُ بِالنَّهَارِ ، فَصَارَ
مَحْمُولًا عَلَى الْوَقْتِ ، وَقَدْ وُجِدَ الدُّخُولُ فِي الْوَقْتِ
فَحَنِثَ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُذْكَرَ هَاهُنَا .
وَجْهٌ آخَرُ يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
كِتَابُ
الْمَنَاسِكِ 74 - إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عُرْيَانٌ لَزِمَهُ دَمٌ
، وَلَوْ طَافَ وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ ، لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ،
عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّوَافَ مِنْ
مُقْتَضَى عَقْدِ الْإِحْرَامِ ، وَعَقْدُ الْإِحْرَامِ مِمَّا لَا
يَسْتَوِي وُجُودُ اللِّبْسِ وَعَدَمُهُ فِيهِ ، لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ
وَهُوَ لَابِسٌ لَزِمَهُ دَمٌ ، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ عَدَمُ
اللِّبْسِ كَوُجُودِهِ فِي مُقْتَضَاهُ وَهُوَ الْإِحْرَامُ ، وَلَوْ
قُلْنَا : إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ جَعَلْنَا وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ
سَوَاءً وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّجَاسَةُ ؛
لِأَنَّ الطَّوَافَ مِنْ مُقْتَضَى ، عَقْدِ الْإِحْرَامِ ، وَعَقْدُ
الْإِحْرَامِ مِمَّا لَا تُؤَثِّرُ النَّجَاسَةُ فِيهِ ، وَيَسْتَوِي
وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ ، وَعَلَيْهِ
نَجَاسَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَجْعَلَ وُجُودَ
النَّجَاسَةِ وَعَدَمَهَا بِمَنْزِلَةٍ فِي مُقْتَضَى الطَّوَافِ ، جَازَ
أَنْ يَجْعَلَ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ بِمَنْزِلَةٍ فِي نَفْسِ الطَّوَافِ ،
كَالنَّجَاسَةِ حَالَ الْوُقُوفِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْإِحْرَامَ
يُوجِبُ نَوْعَ سَتْرٍ ، وَهُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ حَالَ الطَّوَافِ ،
وَيُحْظِرُ نَوْعَ سَتْرٍ وَهُوَ لِبْسُ الْمَخِيطِ ، ثُمَّ الْمَحْظُورُ
بِعَقْدِ الْإِحْرَامِ يَسْتَوِي فِيهِ الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ ، كَذَلِكَ
الْمَأْمُورُ بِهِ يَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ ،
وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبًا طَاهِرًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، كَذَلِكَ إذَا
كَانَ نَجِسًا .
وَأَمَّا الْعُرْيَانُ إذَا طَافَ فَالْإِحْرَامُ
يُوجِبُ نَوْعَ كَشْفٍ وَهُوَ كَشْفُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ ، وَيُحْظِرُ
نَوْعَ كَشْفٍ وَهُوَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ ، ثُمَّ لَوْ سَتَرَ الرَّأْسَ
لَزِمَهُ دَمٌ ، وَلَا يَسْتَوِي وُجُودُ السَّتْرِ وَعَدَمُهُ ، كَذَلِكَ
إذَا كَشَفَ الْعَوْرَةَ حَالَ الطَّوَافِ وَجَبَ أَنْ لَا يَسْتَوِيَ
وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ ، فَلَوْ قُلْنَا : لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ
لَسَوَّيْنَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
75 - 75 - الطَّوَافُ
لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَالصَّلَاةُ
لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ .
[ وَالْفَرْقُ ] لِأَنَّ
الصَّلَاةَ يُمْكِنُ أَدَاؤُهَا فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ وَالْغَرِيبُ
يُمْكِنُهُ ذَلِكَ وَيَقْدِرُ عَلَى اسْتِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ
بِالْبَيْتِ بِأَنْ يُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ فَتَكُونُ قَائِمَةً مَقَامَ
رَكْعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، فَلْيَسْتَدْرِكْ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ فِيمَا
يُؤَدِّي إلَى اسْتِدْرَاكِ الْفَضِيلَتَيْنِ ، وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ
بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ : { إنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يُنَزِّلُ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ رَحْمَةً ،
سِتِّينَ لِلْمُصَلِّينَ وَأَرْبَعِينَ لِلطَّائِفِينَ ، وَعِشْرِينَ
لِلنَّاظِرِينَ إلَى الْكَعْبَةِ } ، وَلِأَنَّ الطَّوَافَ مُشَبَّهٌ
بِالصَّلَاةِ ، وَمَا يُشَبَّهُ بِهِ أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ مِنْ
الْمُشَبَّهِ فَكَانَ اشْتِغَالُهُ بِالْأَفْضَلِ أَفْضَلَ .
76 - 76
- وَإِذَا طَافَ الْحَاجُّ ، لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا ، وَسَعَى عَقِيبَهُ ،
وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ يَوْمَ النَّحْرِ ، لَزِمَهُ دَمٌ وَلَوْ طَافَ
مُحْدِثًا ، وَسَعَى عَقِيبَهُ ، وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ فَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّقْصَ الَّذِي يَقَعُ بِالْحَدَثِ
أَقَلُّ مِنْ النَّقْصِ الَّذِي يَقَعُ بِالْجَنَابَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ
لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا لَزِمَهُ بَدَنَةٌ ، وَلَوْ طَافَ
مُحْدِثًا لَزِمَهُ دَمٌ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْجُنُبَ مَمْنُوعٌ مِنْ
مَسِّ الْمُصْحَفِ ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ،
وَالْمُحْدِثَ بِخِلَافِهِ ، فَكَثُرَ النَّقْصُ ، وَالْجَنَابَةُ إذَا
كَثُرَتْ جَازَ أَنْ يَتَعَدَّى مَحَلَّهَا ، كَالنَّجَاسَةِ الْكَثِيرَةِ
فِي الْمَاءِ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا ، وَكَالْجَنَابَةِ إذَا
وَجَبَتْ مِقْدَارَ الْمُوضِحَةِ تَعَدَّتْ مَحَلَّهَا حَتَّى يَجِبَ عَلَى
الْعَاقِلَةِ ، كَذَا هَذَا ، وَإِذَا تَعَدَّى النَّقْصُ مَحَلَّهَا
أَوْجَبَ نُقْصَانًا فِي السَّعْيِ ، فَصَارَ السَّعْيُ نَاقِصًا ،
فَلَزِمَهُ دَمٌ ، وَأَمَّا إذَا طَافَ مُحْدِثًا فَقَدْ قَلَّ النَّقْصُ ،
وَالْجَنَابَةُ إذَا قَلَّتْ لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهَا ، كَمَا دُونَ
أَرْشِ الْمُوضِحِ لَا يَتَعَدَّى الْجَانِيَ ، حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى
الْعَاقِلَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَدَّ مَحَلًّا لَمْ
يَسْرِ إلَى السَّعْيِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نُقْصَانٌ ، فَلَمْ
يَلْزَمْهُ دَمٌ .
77 - 77 - إذَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَزِمَهُ دَمٌ .
وَلَوْ طَافَ جُنُبًا ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ إذَا لَمْ يُعِدْهَا .
الْفَرْقُ
أَنَّ الْجِنَايَةَ بِالْجَنَابَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْجِنَايَةِ
بِالْحَدَثِ ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا ، وَطَوَافُهُ جُنُبًا يُوجِبُ
نُقْصَانًا فِيهِ ، وَتَرْكُهُ أَصْلًا يُوجِبُ دَمًا ، فَالنُّقْصَانُ
فِيهِ أَوْلَى أَلَّا يُوجِبَ أَكْثَرَ مِنْ دَمٍ .
وَإِذَا كَانَ
مُحْدِثًا فَقَدْ قَلَّ النَّقْصُ فَقَلَّ الْجَبْرُ وَكَثِيرُ
الْجِنَايَةِ يُجْبَرُ بِدَمٍ ، فَقَلِيلُهُ يُجْبَرُ بِصَدَقَةٍ .
78
- 78 - طَوَافُ الصَّدْرِ وَاجِبٌ عَلَى الْحَاجِّ ، وَلَيْسَ عَلَى
الْمُعْتَمِرِ طَوَافُ الصَّدْرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعُمْرَةَ رُكْنُهَا
الطَّوَافُ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا طَوَافَ الصَّدْرِ ، لَصَارَ
تَبْعُ النُّسُكِ مِثْلَهُ ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الْحَاجُّ ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ وَالطَّوَافَ رُكْنَانِ فِيهِ ، بِدَلِيلِ
مَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا طَوَافَ الصَّدْرِ ، لَصَارَ
تَبْعُ النُّسُكِ دُونَهُ ، وَهَذَا جَائِزٌ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ
الْمُعْتَمِرَ لَا يَلْزَمُهُ طَوَافُ الْقُدُومِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ
طَوَافُ الصَّدْرِ وَأَمَّا الْحَاجُّ فَيَلْزَمُهُ طَوَافُ الْقُدُومِ ،
فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ طَوَافُ الصَّدْرِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
طَوَافٌ ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ .
79 - 79 - إذَا وَقَفَ الْحَاجُّ
بِعَرَفَةَ وَلَمْ يَنْوِ الْوُقُوفَ وَلَا الْعِبَادَةَ ، أَجْزَأَهُ ،
وَلَوْ عَدَا خَلْفَ غَرِيمٍ لَهُ حَوْلَ الْبَيْتِ ، لَمْ يَقَعْ عَنْ
الطَّوَافِ مَا لَمْ يَنْوِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنٌ
يَقَعُ فِي نَفْسِ الْإِحْرَامِ ، فَنِيَّةُ الْحَجِّ تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ
فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ كَالرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ ،
وَأَمَّا الطَّوَافُ فَيَقَعُ خَارِجَ الْعِبَادَةِ فَلَا يَشْتَمِلُ
عَلَيْهِ نِيَّةُ الْإِحْرَامِ ، فَلِذَلِكَ افْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ .
80
- 80 - إذَا تَرَكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ،
فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ ، وَفِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إذَا تَرَكَهُ ،
لَزِمَهُ دَمٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَا
يَرْمِي إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَرْمِهَا ، فَقَدْ
تَرَكَ جَمِيعَ الرَّمْيِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، فَلَزِمَهُ دَمٌ .
وَفِي
الْيَوْمِ الثَّانِي شَرَعَ ثَلَاثَ رَمَيَاتٍ ، فَإِذَا تَرَكَ وَاحِدًا
تَرَكَ أَقَلَّهَا ، وَفِي جَمِيعِهَا دَمٌ ، فَفِي أَقَلِّهَا صَدَقَةٌ .
81
- 81 - إذَا رُمِيَ عَنْ الْمَرِيضِ وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرَ الرَّمْيِ
جَازَ ، وَلَوْ طِيفَ عَنْهُ ، وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا ، لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ الْحَجَرَ فِي يَدِهِ
وَحَرَّك يَدَهُ حَتَّى رَمَاهَا ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَالْفِعْلُ هُنَا
يَكُونُ لِلْمُحَرِّكِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ إنْسَانًا
فَشَجَّهُ ضَمِنَ الْمُحَرِّكُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ
يَقَعَ فِعْلُ غَيْرِهِ عَنْهُ ، وَحُضُورُ الْمَرِيضِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ
بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ وَأَوْقَعَ الْحَصَى فِي
الْمَرْمَى جَازَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حُضُورُ الْمَرْمِيِّ عَنْهُ
وَاجِبًا فِي فِعْلِ غَيْرِهِ وَقَعَ لَهُ فَجَازَ ، كَمَا لَوْ حَضَرَ
وَرَمَى غَيْرُهُ عَنْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّوَافُ ؛ لِأَنَّ
حُضُورَ الْمَطَافِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ دَارَ حَوْلَ
مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ ، فَإِذَا طِيفَ عَنْهُ وَجَبَ أَلَا يَجُوزَ .
82 - 82 - لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ وَلَا رَمَلٌ ، وَيُؤْمَرُ الرِّجَالُ بِالْحَلْقِ وَالرَّمَلِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْحَلْقَ فِي النِّسَاءِ مُثْلَةٌ ، وَفِي الرَّمَلِ لَا يُؤْمَنُ
إظْهَارُ عَوْرَتِهَا ، وَالْعِبَادَةُ لَا تُبِيحُ الْمُثْلَةَ
وَإِظْهَارَ الْعَوْرَةِ .
وَأَمَّا الْحَلْقُ فِي الرِّجَالِ لَيْسَ
بِمُثْلَةٍ ، وَلَا يُؤَدِّي فِعْلُهُ إلَى مَحْظُورٍ ، وَهُوَ كَشْفُ
الْعَوْرَةِ ، فَجَازَ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُجَافِي
عُضْوَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ حَالَةَ الرُّكُوعِ ، وَلَا يُلْصِقُ بَطْنَهُ
بِفَخِذِهِ حَالَةَ السُّجُودِ ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ هَذَا .
83
- 83 - مُحْرِمٌ حَفَرَ بِئْرًا لِلْمَاءِ فِي مَفَازَةٍ ، فَوَقَعَ فِيهِ
صَيْدٌ لَا يَغْرَمُ ، وَلَوْ حَفَرَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لِلصَّيْدِ ،
غَرِمَ ، وَلَوْ حَفَرَ لَا لِلصَّيْدِ ، فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ ، لَا
يَغْرَمُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَفْرُ الْبِئْرِ
لِإِتْلَافِ الصَّيْدِ ، لِأَنَّهُ سَبَبٌ إلَى إتْلَافِهِ فَصَارَ
مُتَعَدِّيًا ، فَقَدْ تَعَدَّى فِي السَّبَبِ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى
إتْلَافِ الصَّيْدِ فَغَرِمَ ، كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَى صَيْدٍ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ إذَا حَفَرَ لِلْمَاءِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِي السَّبَبِ
؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ الْبِئْرَ لِلْمَاءِ ، وَإِذَا لَمْ
يَتَعَدَّ فِي السَّبَبِ لَمْ يَضْمَنْ مَا يَتْلَفُ بِهِ ، كَمَا لَوْ
بَنَى فِي مِلْكِهِ بِنَاءً فَوَقَعَ عَلَى صَيْدٍ فَتَكَسَّرَ وَمَاتَ
لَمْ يَضْمَنْ ، كَذَلِكَ هُنَا .
84 - 84 - الْمُحْرِمُ إذَا قَتَلَ
قَمْلَةً ، تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ وَلَوْ تَمْرَةً ، وَلَوْ قَتَلَ
بُرْغُوثًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبُرْغُوثَ يَتَوَلَّدُ مِنْ الْأَرْضِ ، فَهُوَ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ ، فَصَارَ كَالْعَقْرَبِ .
وَأَمَّا
الْقَمْلَةُ فَإِنَّهَا تَتَوَلَّدُ مِنْ الْبَدَنِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ
أَزَالَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ ، لِيُزِيلَ بِهِ الْأَذَى أَوْ أَزَالَ
الشَّعَثَ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
85 -
85 - إذَا رَمَى طَائِرًا عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ
أَوْ فِي الْحَرَمِ ، لَمْ يُنْظَرْ إلَى أَصْلِهِ ، وَيَنْظُرُ إلَى
مَوْضِعِ الطَّائِرِ فَإِنْ كَانَ الْغُصْنُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ
الْجَزَاءُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحِلِّ لَا يَجِبُ .
وَبِمِثْلِهِ لَوْ
قَطَعَ غُصْنًا مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ ، إنْ كَانَ
أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ لَمْ
يَضْمَنْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّائِرَ حَيْثُ اعْتِمَادُهُ ،
وَاعْتِمَادُهُ عَلَى الْغُصْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الْغُصْنَ
بَقِيَ هُوَ فِي الْحِلِّ وَسَقَطَ فِيهِ ، وَيَجُوزُ بَقَاؤُهُ فِي
الْهَوَاءِ أَيْضًا بَعْدَ قَطْعِ الْغُصْنِ ، فَإِذَا كَانَ الْغُصْنُ فِي
الْحِلِّ صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ صَارَ
مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ .
وَأَمَّا الْغُصْنُ فَلِأَنَّ الْغُصْنَ حَيْثُ
اعْتِمَادُهُ ، وَاعْتِمَادُهُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرَةِ ، بِدَلِيلِ
أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ أَصْلَ الشَّجَرِ سَقَطَ الْغُصْنُ أَيْضًا ، فَلَا
يَجُوزُ بَقَاؤُهُ فِي الْهَوَاءِ بَعْدَ قَطْعِ أَصْلِهِ ، فَاعْتُبِرَ
الْأَصْلُ ، إنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْحَرَمِ ، صَارَ مِنْ شَجَرِ
الْحَرَمِ ، فَغَرِمَ وَإِنْ كَانَ فِي الْحِلِّ ، صَارَ مِنْ شَجَرِ
الْحِلِّ ، فَلَا يَغْرَمُ .
86 - 86 - إذَا أَدْخَلَ صَيْدًا فِي
الْحَرَمِ مِنْ الْحِلِّ ، صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ ، وَلَوْ أَدْخَلَ
شَجَرًا مِنْ الْحِلِّ وَأَنْبَتَهُ ، لَمْ يَصِرْ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا فِي الشَّجَرِ الْجَزَاءَ لَأَوْجَبْنَا
تَحْرِيمَهُ بِفِعْلِهِ ، وَهُوَ إدْخَالُهُ فِي الْحَرَمِ ، وَفِعْلُهُ
لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي تَحْرِيمِ الشَّجَرِ كَمَا لَوْ
أَحْرَمَ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُ الشَّجَرِ ، كَذَلِكَ
هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّيْدُ ؛ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا
عَلَيْهِ الْجَزَاءَ إذَا أَدْخَلَهُ فِي الْحَرَمِ وَقَتَلَهُ
لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ ، وَفِعْلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
سَبَبًا فِي تَحْرِيمِ الصَّيْدِ ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ فَإِنَّ الصَّيْدَ
يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَذَا هَذَا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ النَّبِيَّ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَضَافَ الشَّجَرَ إلَى الْحَرَمِ فَقَالَ : { لَا
يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا } فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ
تَكُونَ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ لِإِنْبَاتِ الْحَرَمِ إيَّاهُ ، أَوْ
لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إضَافَتُهُ
لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ
أَدْخَلَ الشَّجَرَ فِي الْحَرَمِ وَأَخْرَجَهَا وَلَمْ يَغْرِسْهَا لَمْ
يَجِبْ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِضَافَةِ
كَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ ، وَإِنَّمَا هُوَ إضَافَةُ إنْبَاتِ الْحَرَمِ
وَهَذَا إذَا غَرَسَهَا ، فَلَمْ يُوجَدْ إنْبَاتُ الْحَرَمِ ، فَلَا
يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ .
وَأَمَّا الصَّيْدُ فَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - أَضَافَ الصَّيْدَ إلَى الْحَرَمِ فَقَالَ : { لَا يُنَفَّرُ
صَيْدُهَا } فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ
لِوِلَادَتِهِ فِي الْحَرَمِ ، أَوْ لِكَوْنِهِ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ لِوِلَادَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُلِدَ فِي الْحَرَمِ ثُمَّ خَرَجَ
بِنَفْسِهِ إلَى الْحِلِّ لَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ ، فَدَلَّ أَنَّ
النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا أَضَافَهُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ
الْحَرَمَ حَوَاهُ ، فَإِذَا أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ فَقَدْ حَوَاهُ
الْحَرَمُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ
مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ .
فَإِذَا قَتَلَهُ وَجَبَ الْجَزَاءُ .
87 - 87 - مُحْرِمٌ قَتَلَ بَازِيًا مُعَلَّمًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ غَيْرَ مُعَلَّمٍ .
وَلَوْ
قَتَلَ بَازِيًا مُعَلَّمًا لِإِنْسَانٍ ، غَرِمَ قِيمَتَهُ لَهُ
مُعَلَّمًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ مُصَوِّتَةً ، غَرِمَ قِيمَتَهَا
لِصَاحِبِهَا مُصَوِّتًا .
وَلَوْ قَتَلَهَا فِي الْحَرَمِ ، غَرِمَ قِيمَتَهُ غَيْرَ مُصَوِّتٍ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إنَّمَا يُضْمَنُ كَفَّارَةً لِحَقِّ اللَّهِ
تَعَالَى ، وَالتَّعْلِيمُ لَا يَتَقَوَّمُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ،
كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدًا كَاتِبًا أَوْ عَالِمًا فَإِنَّهُ لَا يَغْرَمُ
إلَّا كَفَّارَةَ عَبْدٍ غَيْرِ عَالَمٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا
إذَا كَانَ لِآدَمِيٍّ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْمِثْلُ مِنْ حَيْثُ
الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ ، وَالتَّعْلِيمُ يَتَقَوَّمُ فِي حَقِّ
الْآدَمِيِّينَ ، كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدًا كَاتِبًا أَوْ عَالِمًا
لِإِنْسَانٍ ، غَرِمَ قِيمَتَهُ عَالِمًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
88 - 88
- لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخْرَجَ ظَبْيَةً مِنْ الْحَرَمِ ، فَوَلَدَتْ
أَوْلَادًا ، ثُمَّ مَاتَتْ هِيَ وَأَوْلَادُهَا فِي الْحِلِّ ، غَرِمَ
قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ أَوْلَادِهَا ، وَلَوْ أَدَّى جَزَاءَهَا بَعْدَ مَا
أَخْرَجَهَا مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ ، ثُمَّ وَلَدَتْ ،
فَمَاتَتْ هِيَ وَأَوْلَادُهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي
الْأَوْلَادِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهَا مِنْ الْحَرَمِ
وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهَا ، فَتَعَيَّنَ حَقُّ وُجُوبِ الْإِرْسَالِ فِي
الْأُمِّ ، فَسَرَى إلَى الْوَلَدِ ، كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ ،
فَصَارَ مُطَالَبًا مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ لَحْظَةٍ
بِالْإِرْسَالِ ، فَصَارَ مَانِعًا بَعْدَ الطَّلَبِ ، فَدَخَلَتْ الْأُمُّ
وَأَوْلَادُهَا فِي ضَمَانِهِ .
كَمَا لَوْ غَصَبَ جَارِيَةً ،
فَوَلَدَتْ فَطَلَبَهَا صَاحِبُهَا ، فَمُنِعَ ، ضَمِنَ قِيمَتَهَا
وَقِيمَةَ وَلَدِهَا عِنْدَ التَّلَفِ ، كَذَا هَذَا .
وَأَمَّا إذَا
كَفَّرَ فَقَدْ بَرِئَ عَنْ ضَمَانِ الْأُمِّ ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْأُمِّ
حَقُّ الضَّمَانِ ، فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ ، كَمَا لَوْ رَدَّهَا
إلَى الْحَرَمِ ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ فِي الْحَرَمِ ، فَإِنَّهُ لَا
يَغْرَمُ شَيْئًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
حَلَالٌ أَخْرَجَ ظَبْيًا مِنْ
الْحَرَمِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ ، فَلَوْ بَاعَهُ جَازَ بَيْعُهُ ،
وَبِمِثْلِهِ رَجُلٌ غَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ عَبْدًا وَجَبَ رَدُّهُ عَلَى
صَاحِبِهِ ، فَلَوْ بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ
وُجِدَ مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ
فِي الْحِلِّ وَحُصُولُ الْمِلْكِ ، فَقَدْ وُجِدَ قَبْلَ وُجُودِ الرَّدِّ
إلَى الْحَرَمِ مَعْنًى أَوْجَبَ الْمِلْكَ ، فَصَادَفَ بَيْعُهُ مِلْكَهُ
فَجَازَ ، وَإِنْ كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ ثَابِتًا ، كَمَا
لَوْ اكْتَسَبَ عَلَى وَجْهٍ مَحْظُورٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ
وَجَبَ التَّصَرُّفُ بِهِ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَصْبُ
لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْ يَدِهِ مَا يُوجِبُ لَهُ
مِلْكًا فِيهِ فَصَادَفَ بَيْعَهُ مِلْكُ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ
الْبَيْعُ .
90 - 90 - الْمُعْتَمِرُ إذَا جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ
أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَالْحَاجُّ إذَا طَافَ أَرْبَعَةَ
أَشْوَاطٍ بَعْدَ مَا قَصَّرَ ثُمَّ جَامَعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ لَمَّا طَافَ لِلْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَقَدْ أَتَى
بِمُعْظَمِهِ ، وَمُعْظَمُ الطَّوَافِ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ ، فَصَارَ
كَمَا لَوْ أَتَى بِالْكُلِّ ، فَوَقَعَ الْجِمَاعُ فِي حَالِ التَّحَلُّلِ
فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَلَا يَحِلُّ إلَّا
بَعْدَ الْحَلْقِ ، وَالْحَلْقُ يَكُونُ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ،
فَصَادَفَ وَطْؤُهُ حَالَ بَقَاءِ الْإِحْرَامِ ، فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ
دَمٌ .
91 - 91 - إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَأَهْدَى جَزُورًا
، ثُمَّ جَامَعَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَعَلَيْهِ شَاةٌ ، وَلَا يَجِبُ
بَدَنَةٌ ، وَلَوْ جَامَعَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ كَفَّرَ ، ثُمَّ
جَامَعَ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْجِمَاعَ الْأَوَّلَ لَا يَهْتِكُ حُرْمَةَ الْإِحْرَامِ ،
وَإِنَّمَا صَارَ جَانِيًا فِيهِ مَعَ بَقَاءِ حُرْمَتِهِ ، بِدَلِيلِ
أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ ، فَلَمْ يَنْجَبِرْ ذَلِكَ النَّقْصُ
بِالْكَفَّارَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يُكَفِّرْ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الصَّوْمُ ، لِأَنَّ الْجِمَاعَ الْأَوَّلَ هَتَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ ،
بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ ، فَالْكَفَّارَةُ تَجْبُرُ ذَلِكَ
النَّقْصَ ، فَعَادَتْ الْحُرْمَةُ كَامِلَةً ، فَأَوْجَبَ مِنْ
الْكَفَّارَةِ مِثْلَ مَا أَوْجَبَهُ الْأَوَّلُ .
92 - 92 - إذَا
قَبَّلَ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ ،
وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ دَمٌ ، وَلَوْ قَبَّلَ الصَّائِمُ
وَلَمْ يُنْزِلْ ، لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ
التَّقْبِيلَ لِلشَّهْوَةِ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ ، فَإِذَا بَاشَرَهُ
الْمُحْرِمُ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ كَالطِّيبِ ، وَإِذَا بَاشَرَهُ
الصَّائِمُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَالطِّيبِ ، وَلِأَنَّ
التَّقْبِيلَ لِلشَّهْوَةِ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الْأَصْلَيْنِ ، شَبَهَ
الْجِمَاعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ ، وَشَبَهَ
النَّظَرِ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَقْضُ الطَّهَارَةِ ،
فَتَوَفَّرَ حَظُّهُ مِنْ الشَّبَهَيْنِ ، فَلِشَبَهِهِ بِالْجِمَاعِ ،
قُلْنَا : تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ ، وَلِشَبَهِهِ النَّظَرَ قُلْنَا :
لَا يَفْسُدُ الْحَجُّ لِيَكُونَ فِيهِ تَوْفِيرُ حَظِّهِ مِنْ
الشَّبَهَيْنِ ، وَكَفَّارَاتُ الْحَجِّ لَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ ،
وَلَا يُحْتَالُ لِإِبْطَالِهَا فَأَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا ،
أَلَا تَرَى أَنَّهُ بِالدَّلَالَةِ يَغْرَمُ مَا يَغْرَمُ
بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ آكَدَ فِي الْجِنَايَةِ
مِنْهَا .
وَأَمَّا فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَحْتَالُ فِي عَدَمِ
إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ ، فَجَعَلْنَا حُكْمَهُ آكَدَ
فَقُلْنَا : مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْإِنْزَالِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ .
93
- 93 - إذَا ادَّهَنَ الْمُحْرِمُ شِقَاقَ رِجْلَيْهِ أَوْ جُرْحِهِ
بِزَيْتٍ ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَلَوْ ،
دَاوَى جُرْحَهُ وَأَلْزَقَ عَلَيْهِ طِيبًا ، فَعَلَيْهِ أَيُّ
الْكَفَّارَاتِ شَاءَ إذَا فَعَلَ مِرَارًا ، وَفِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ
صَدَقَةٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ شِقَاقَ الرِّجْلِ لَيْسَ بِمَحَلِّ
الطِّيبِ ، وَالزَّيْتُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ ، وَلَا يُقْصَدُ
هَذَا الْمَوْضِعُ بِالطِّيبِ ، فَلَمْ يَكُنْ مُتَطَيِّبًا ، وَصَارَ
مُتَدَاوِيًا .
وَأَمَّا الطِّيبُ فِي نَفْسِهِ طَيِّبٌ فَلَا يُرَاعَى
قَصْدُهُ إلَى التَّطَيُّبِ ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ وُجِدَ فَقَدْ
تَطَيَّبَ فَصَارَ مُتَطَيِّبًا ، فَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ .
94 -
94 - إذَا بَعَثَ الْمُتَطَوِّعُ هَدْيًا يُهْدِيهِ مُقَلَّدًا ثُمَّ
خَرَجَ لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ صَارَ مُحْرِمًا وَإِنْ
لَمْ يَنْوِ الْإِحْرَامَ ، وَالْقَارِنُ يَصِيرُ مُحْرِمًا حِينَ
يَخْرُجُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِخُرُوجِهِ تَأْثِيرًا فِي وُجُوبِهِ ،
بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ لَا
يَلْزَمُهُ الدَّمُ ، فَإِذَا أَثَّرَ خُرُوجُهُ فِي وُجُوبِهِ أَثَّرَ
وُجُوبُهُ فِي إحْرَامِهِ ، كَمَا لَوْ سَاقَهُ مَعَ نَفْسِهِ ، وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الْمُتَطَوِّعُ ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ؛
لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ وَذَبَحَ وَقَعَ ذَلِكَ عَنْ الْمُتَطَوِّعِ
كَمَا لَوْ نَوَى ، وَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ خُرُوجُهُ فِي وُجُوبِهِ لَمْ
يُؤَثِّرْ وُجُوبُهُ فِي إحْرَامِهِ ، فَاسْتَوَى وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ ،
وَلَوْ عَدِمَ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا ، كَذَلِكَ إذَا وَجَدَ .
وَوَجْهٌ
آخَرُ : أَنَّ لِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ أَثَرًا فِي بَقَائِهِ
مُحْرِمًا فِي الِانْتِهَاءِ ، لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا فَرَغَ مِنْ
فِعْلِ الْعُمْرَةِ وَقَدْ سَاقَ الْهَدْيَ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ
فَجَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الِابْتِدَاءِ .
وَأَمَّا
الْمُتَطَوِّعُ فَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي بَقَائِهِ مُحْرِمًا فِي
الِانْتِهَاءِ فَكَذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا
أَدْرَكَهُ صَارَ كَأَنَّهُ سَاقَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَعَ نَفْسِهِ ،
فَيُجْعَلُ لِلْبَقَاءِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَيَصِيرُ مُحْرِمًا .
95 - 95 - ذَبْحُ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ أَفْضَلُ ، وَنَحْرُ الْجَزُورِ أَفْضَلُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عُرُوقَهُ فِي الْمَنْحَرِ أَجْمَعُ ، فَكَانَ قَطْعُهُ أَسْهَلَ وَأَيْسَرَ ، فَكَانَ أَفْضَلَ .
وَفِي
الشَّاةِ وَالْبَقَرِ عُرُوقُهَا فِي الْمَذْبَحِ أَجْمَعُ ، فَكَانَ فِي
نَحْرِهِ إيصَالُ أَلَمٍ زَائِدٍ إلَيْهِ فَكَانَ ذَبْحُهُ أَيْسَرَ
عَلَيْهِ ، فَكَانَ أَفْضَلَ .
96 - 96 - لَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ
عَنْهُ رَجُلٌ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، وَأَوْصَى لِأُنَاسٍ
كَثِيرٍ بِوَصَايَا أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ، قُسِمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ
بِالْحِصَصِ يُصْرَفُ فِيهِ لِلْحَجِّ بِأَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ نَفَقَةِ
الْحَجِّ ، وَلَوْ أَوْصَى فَقَالَ : أَحِجُّوا فُلَانًا حَجَّةً ، وَلَمْ
يَقُلْ عَنِّي وَلَمْ يُسَمِّ كَمْ يُعْطَى ، قَالَ : يُعْطَى قَدْرَ مَا
يَحُجُّ بِهِ ، وَهُوَ نَفَقَةٌ وَسَطٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا
أَوْصَى لِأُنَاسٍ كَثِيرٍ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِوُجُوبِ حِصَصِ أَرْبَابِ
الْوَصَايَا ، وَتَيَقَّنَّا بِوُجُوبِ أَدْنَى النَّفَقَةِ لِلْحَجِّ ،
وَشَكَكْنَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ ، فَلَوْ نَقَصْنَا مِنْ حِصَّةِ
أَرْبَابِ الْوَصَايَا بِالشَّكِّ لَأَبْطَلْنَا الْيَقِينَ بِالشَّكِّ ،
وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَحِجُّوا
فُلَانًا حَجَّةً وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي ، لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ
بِوُجُوبِ شَيْءٍ لِأَحَدٍ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ ، وَالْوَصِيَّةُ
بِالْحَجِّ وَصِيَّةٌ بِدَفْعِ مِقْدَارِ نَفَقَةِ الْحَجِّ إلَيْهِ ،
وَذَا يَكْثُرُ وَيَقِلُّ ، فَلَوْ أَخَذْنَا بِالْأَقَلِّ لَبَخَسْنَا
بِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ ، وَلَوْ أَخَذْنَا بِالْأَكْثَرِ لَبَخَسْنَا
بِحَقِّ الْوَرَثَةِ ، فَأَوْجَبْنَا الْوَسَطَ ، وَإِيجَابُ الْوَسَطِ لَا
يُؤَدِّي إلَى النُّقْصَانِ بِالشَّكِّ عَنْ مُوَاجَبَةِ مُتَيَقِّنٍ
بِثُبُوتِ حَقِّهِ ، فَجَازَ أَنْ يُوجَبَ .
97 - 97 - لَوْ أَوْصَى
وَقَالَ : أَحِجُّوا فُلَانًا حَجَّةً ، وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي وَلَمْ
يُسَمِّ كَمْ يُعْطَى ، قَالَ : يُعْطَى مِقْدَارَ مَا يَحُجُّ بِهِ
نَفَقَةَ حَجٍّ وَسَطٍ ، وَلَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ بِهِ .
وَلَوْ قَالَ :
أَحِجُّوا فُلَانًا عَنِّي حَجَّةً ، فَإِنَّهُ يُعْطَى مِقْدَارَ
نَفَقَةِ الْحَجِّ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ بِهِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ إذَا قَالَ : أَحِجُّوا فُلَانًا ، وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي كَانَ
هَذَا أَيْضًا بِدَفْعِ النَّفَقَةِ لِيَصْرِفَهُ إلَى الْحَجِّ ، فَقَدْ
أَوْصَى لَهُ بِنَوْعِ نَفَقَةٍ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِإِشَارَةٍ ،
فَاسْتَحَقَّ النَّفَقَةَ وَبَطَلَتْ الْإِشَارَةُ ، كَمَا لَوْ قَالَ :
ادْفَعُوا إلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِيُنْفِقَهُ عَلَى عِيَالِهِ
دُفِعَ إلَيْهِ لِيَفْعَلَ مَا شَاءَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا إذَا
قَالَ : عَنِّي ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَدْفَعَ النَّفَقَةَ إلَيْهِ
لِيَصْرِفَهُ فِي حَجِّهِ عَنْهُ وَيَعُودَ نَفْعُهُ إلَيْهِ ، فَإِذَا
لَمْ يَحُجَّ عَنْهُ لَمْ يَعُدْ نَفْعُهُ إلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ عَلَى
الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ .
98 - 98 - عَبْدٌ
دَخَلَ مَكَّةَ مَعَ مَوْلَاهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ
فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ ، فَإِنَّ عَلَيْهِ إذَا عَتَقَ دَمٌ لِتَرْكِ
الْوَقْتِ ، بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ ثُمَّ أَسْلَمَ
، وَالصَّبِيُّ إذَا دَخَلَهَا ثُمَّ بَلَغَ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِمَا
شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ مُخَاطَبٌ بِالْعِبَادَاتِ ،
فَكَذَلِكَ يُخَاطَبُ بِالْإِحْرَامِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ ،
فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ لَزِمَهُ دَمٌ ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ
إرَاقَةَ الدَّمِ فِي حَالِ الرِّقِّ فَتَأَخَّرَ إلَى وَقْتِ الْعِتْقِ ،
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْكَافِرُ ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ
مُخَاطَبَيْنِ بِالْعِبَادَاتِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ ، فَلَمْ
يَصِيرَا جَانِيَيْنِ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ ، فَلَا يَجِبُ
عَلَيْهِمَا الدَّمُ .
إذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ ثُمَّ بَلَغَ
فَجَدَّدَ إحْرَامَهُ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ ، يُجْزِئُهُ
حِينَئِذٍ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ .
وَالْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ ثُمَّ عَتَقَ فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ لَا يُجْزِئُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّا لَوْ مَنَعْنَا الصَّبِيَّ عَنْ الْفَسْخِ لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ
حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِعَقْدِهِ ، وَالصَّبِيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى بِعَقْدِهِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْزَمُهُ
الْكَفَّارَةُ بِحِنْثِهِ ، فَجَازَ فَسْخُهُ ، وَإِذَا صَحَّ فَسَخَهُ
فَإِذَا أَحْرَمَ ابْتِدَاءً عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقَعَ عَنْهُ ،
كَمَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الْعَبْدُ لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ عَنْ الْفَسْخِ لَأَوْجَبْنَا لِلَّهِ
تَعَالَى عَلَيْهِ حَقًّا بِعَقْدِهِ ، وَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ
حَلَفَ وَحَنِثَ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ ، كَذَا هَذَا ، فَلَمْ يَجُزْ
لَهُ فَسْخُ الْحَجِّ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ بِإِحْرَامِهِ شَيْءٌ ، فَبَقِيَ
الْإِحْرَامُ الْأَوَّلُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْتِقْ .
100 -
100 - إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَطَرَدَ
الْكَلْبُ الصَّيْدَ حَتَّى قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ
جَزَاؤُهُ ، وَلَوْ رَمَى فِي الْحِلِّ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ
فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الرَّمْيَ فِعْلُ مُبَاشَرَةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَّصِلُ
قُوتُهُ بِهِ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قُوتِهِ ، وَلَوْ رَمَى إنْسَانًا
فَمَاتَ ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاشَرَ
الْقَتْلَ بِيَدِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ ؛
لِأَنَّ فِعْلَ الْكَلْبِ لَيْسَ بِفِعْلِ مُبَاشَرَةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ
لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ لَا يُجْعَلُ
كَالْقَاتِلِ بِيَدِهِ حَتَّى يَجِبَ الْقِصَاصُ ، وَلَا يَتَّصِلُ قُوتُهُ
، وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِيهِ ، فَإِذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي ذَلِكَ
السَّبَبِ وَجَبَ الضَّمَانُ ، وَإِلَّا فَلَا ، كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا
، فَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي الْحَفْرِ ضَمِنَ ، وَإِلَّا فَلَا ،
كَذَا هَذَا .
كِتَابُ النِّكَاحِ 101 - قَالُوا فِي الَّتِي لَهَا
الْخِيَارُ فِي الْبُلُوغِ : إذَا اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ عِنْدَ
الْإِدْرَاكِ لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ إلَّا بِقَضَاءِ قَاضٍ .
وَالْمُخَيَّرَةُ
، وَالْمُعْتَقَةُ ، وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ ، مَتَى اخْتَارَتْ نَفْسَهَا
فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ، وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ لَيْسَ بِخِيَارِ تَمْلِيكٍ ، لِأَنَّهَا لَا
تَمْلِكُ بَعْدَ الْبُلُوغِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ ، بِدَلِيلِ
أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَتَوَقَّتُ بِالْمَجْلِسِ ، فَدَلَّ عَلَى
أَنَّهُ لَيْسَ بِخِيَارِ تَمْلِيكٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ خِيَارٌ ؛ لِأَنَّهُ
وَجَبَ لِنَقْصٍ فِي وِلَايَةِ الْعَاقِدِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ ،
وَالْخِيَارُ إذَا ثَبَتَ لِنَقْصٍ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ اخْتَصَّ
بِمَجْلِسِ الْقَاضِي أَوْ بِالرِّضَا ، كَالْمَبِيعِ إذَا وُجِدَ فِيهِ
عَيْبٌ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ
وَالْمُعْتَقَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْخِيَارَ إنَّمَا هُوَ خِيَارُ
تَمْلِيكٍ لَا خِيَارَ نَقْصٍ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى وَوِلَايَتَهُ
كَانَ تَامًّا وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَهِيَ تُمْلَكُ بَعْدَ الْعَقْدِ مَا
لَمْ تَكُنْ مَالِكَةً لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَهُوَ بَدَلُ بُضْعِهَا ،
وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ ، وَخِيَارُ التَّمْلِيكِ لَا
يَخْتَصُّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، كَخِيَارِ الْقَبُولِ .
وَإِنْ
زُوِّجَتْ الْبِكْرُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ فَبَلَغَتْ فَمَضَى بَعْدَ الْعِلْمِ
شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ ذَلِكَ
، وَلَا يَمْتَدُّ خِيَارُ الْبُلُوغِ مِقْدَارَ الْمَجْلِسِ ، وَخِيَارُ
الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ ، وَلَا يَبْطُلُ
بِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَجْلِسِ ، إذَا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ
بِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ
بِكْرًا فَبَلَغَتْ فَسَكَتَتْ فِي الْمَجْلِسِ ، فَسُكُوتُهَا رِضًا
مِنْهَا فِي الشَّرْعِ ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ : { صَمْتُهَا إقْرَارُهَا } وَرُوِيَ {
إذْنُهَا صُمَاتُهَا } .
وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَلَمْ يُجْعَلْ
سُكُوتُهَا بِمَنْزِلَةِ الرِّضَا ، فَوُقِفَ عَلَى وُجُودِ مَا يُوجِبُ
بُطْلَانَهَا مِنْ جِهَتِهَا فِي الْمَجْلِسِ ، وَمُفَارَقَةُ الْمَجْلِسِ
كَخِيَارِ الْقَبُولِ .
103 - 103 - وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْبِكْرِ : إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلَانًا ، فَقَالَتْ : غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا ، وَلَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ أَخْبَرَهَا ، فَقَالَتْ : قَدْ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ ، كَانَ إجَازَةً وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْمَرَهَا فِي الِابْتِدَاءِ ، فَقَدْ أَخْبَرَتْ أَنَّ مِنْ رَأْيِهَا غَيْرَ ذَلِكَ الْعَقْدِ ، فَلَمْ تَصِرْ رَاضِيَةً بِذَلِكَ الْعَقْدِ ، فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا عَقَدَ ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّ مِنْ رَأْيِهَا غَيْرَ ذَلِكَ الْعَقْدِ ، وَسَكَتَتْ عَنْ رَدِّ هَذَا الْعَقْدِ مَعَ انْعِقَادِهِ ، فَنَفَذَ عَلَيْهَا .
104 - 104 -
إذَا كَتَبَ الرَّجُلُ إلَى الْمَرْأَةِ بِأَنْ زَوِّجِينِي نَفْسَكِ ،
فَقَرَأَتْ الْكِتَابَ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ وَأَعْلَمَتْهُمْ بِمَا
فِي الْكِتَابِ ، وَقَالَتْ : زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْهُ ؛ جَازَ ، وَلَوْ
لَمْ تُعْلِمْهُمْ مَا فِي الْكِتَابِ لَمْ يَجُزْ .
وَفِي الْبَيْعِ
لَوْ كَتَبَ إلَى آخَرَ : بِأَنْ بِعْنِي عَبْدَكَ ، فَلَمْ يُعْلِمْهُمْ
مَا فِي الْكِتَابِ ، جَازَ إذَا قَالَ بِعْتُهُ مِنْكَ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ كِتَابَهُ يُعَبِّرُ عَنْهُ فَصَارَ كَحُضُورِهِ ، وَلَوْ كَانَ
حَاضِرًا فَقَالَتْ : زَوَّجْتُ وَلَمْ يَسْمَعْ الشُّهُودُ كَلَامَهُمَا
لَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشُهُودٍ ، وَلَوْ
قَالَ بِعْتُ وَلَمْ يَسْمَعْ الشُّهُودُ كَلَامَهُمَا جَازَ ؛ إذْ
الْبَيْعُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ ، وَكَذَلِكَ هَذَا .
105 -
105 - قَالَ فِي الْأَصْلِ : لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ : بِعْنِي عَبْدَكَ ،
فَقَالَ : اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ بِعْتُهُ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا ، وَلَمْ
يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا فَقَالَ : بِعْنِي عَبْدَكَ ،
فَقَالَ : بِعْتُهُ ؛ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقُولَ : قَبِلْتُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ قَوْلَهُ : بِعْنِي طَلَبٌ لِلْبَيْعِ ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ أَنَّ
الْإِنْسَانَ يُسَاوِمُ الشَّيْءَ ، لِيَتَرَوَّى فِيهِ ، وَيَنْظُرَ إذَا
كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ
قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : { الْمُتَبَايِعَانِ
بِالْخِيَارِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ } ، وَقَدْ دَلَّنَا أَنَّ
الْمُرَادَ بِهِ الْمُسَاوِمَانِ فَإِذَا قَالَ : بِعْتُ صَارَ
الْمَوْجُودُ أَحَدَ شِقَّيْ الْعَقْدِ ، فَمَا لَمْ يَقُلْ قَبِلْتُ لَا
يَصِيرُ عَقْدًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَتَبَ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ
جَرَتْ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُسَاوِمُ بِالْكِتَابِ ، وَإِنَّمَا
يَتَرَوَّى وَيَتَأَمَّلُ وَيَتَدَبَّرُ فِيهِ ثُمَّ يَشْتَرِي ، كَمَا
أَنْ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُسَاوِمُ فِي النِّكَاحِ
، وَإِنَّمَا يَتَرَوَّى وَيَتَفَكَّرُ وَيَتَدَبَّرُ ثُمَّ يَخْطُبُ ،
فَلَمْ يُجْعَلْ قَوْلُهُ طَلَبًا لِلْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ شِقًّا
لَهُ ، فَإِذَا قَالَ : بِعْتُ ؛ تَمَّ الْعَقْدُ وَجَازَ ، كَمَا لَوْ
قَالَ : زَوِّجِينِي ، فَقَالَتْ : زَوَّجْتُ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ
لَمْ يَقُلْ : قَبِلْتُ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَجُعِلَ الْكِتَابُ فِي
الْبَيْعِ كَالْخِطَابِ فِي النِّكَاحِ لِلْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا
إلَيْهِ .
سُكُوتُ الْبِكْرِ يَكُونُ رِضًا بِالْعَقْدِ .
وَسُكُوتُ الْغُلَامِ الْبِكْرِ وَالْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ لَا يَكُونُ رِضًا بِالْعَقْدِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا لِأَجْلِ الْحَيَاءِ
بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : { سُكُوتُهَا رِضَاهَا وَصَمْتُهَا
إقْرَارُهَا } لِأَنَّهَا تَسْتَحِي ، وَالْبِكْرُ تَسْتَحِي مِنْ
الْمُشَاوِرَةِ فِي أَمْرِ بُضْعِهَا ، فَجُعِلَ سُكُوتُهَا رِضَاهَا .
وَلَا
تَسْتَحِي الثَّيِّبُ مِنْ الْمَشُورَةِ وَلَا الْغُلَامُ ، فَلَمْ
يُجْعَلْ سُكُوتُهُمَا رِضًا ، وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى سُكُوتِهِمَا
لِعَدَمِ الْعِلَّةِ .
107 - 107 - إذَا كَانَ أَبُو الْبِكْرِ
كَافِرًا أَوْ عَبْدًا فَزَوَّجَهَا ، وَسَكَتَتْ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ ، لَا
يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضَاهَا .
وَلَوْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا كَانَ سُكُوتُهَا رِضًا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ ، فَلَوْ
نَفَّذْنَا عَقْدَهُ عِنْدَ سُكُوتِهَا لَكَانَتْ وَكَالَةً ،
وَالتَّوْكِيلُ لَا يَنْعَقِدُ بِالسُّكُوتِ ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا
أَجْنَبِيٌّ فَسَكَتَتْ ، وَأَمَّا الْأَبُ الْمُسْلِمُ فَلَهُ وِلَايَةٌ
عَلَيْهَا وَالتَّزْوِيجُ حَقٌّ لَهَا عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ
عَضَلَهَا أُجْبِرَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا أَوْفَاهَا حَقَّهَا الَّذِي لَهَا
عَلَيْهِ فَسَكَتَتْ كَانَتْ رَاضِيَةً بِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ
عَلَى رَجُلٍ آخَرَ دَيْنٌ فَأَوْفَاهُ ، وَسَكَتَ وَتَنَاوَلَ صَارَ
قَابِضًا ، كَذَا هَذَا .
108 - 108 - إذَا قَالَتْ الصَّغِيرَةُ
بَعْدَ الْبُلُوغِ : قَدْ كُنْتُ اخْتَرْتُ نَفْسِي حِينَ بَلَغْتُ ، لَمْ
تُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَزَوْجُ الْبِكْرِ إذَا قَالَ : قَدْ رَضِيتُ
، وَقَالَتْ هِيَ : لَمْ أَرْضَ ، فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِكْرِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَاهَا ، فَإِذَا
قَالَتْ : لَمْ أَرْضَ ، فَهُوَ يَدَّعِي عَلَيْهَا الرِّضَا وَهِيَ
تُنْكِرُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا بَيْعَ
شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا ، وَهِيَ تُنْكِرُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ
إذَا بَلَغَتْ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ نَفَذَ عَلَيْهَا ، وَالظَّاهِرُ
بَقَاءُ الْعَقْدِ ، فَهِيَ تَدَّعِي الْفَسْخَ خِلَافَ الظَّاهِرِ ،
فَلَمْ تُصَدَّقْ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
109 - 109 - إذَا
انْتَسَبَتْ الْمَرْأَةُ إلَى قَبِيلَةٍ ، فَوَجَدَهَا الزَّوْجُ دُونَهَا ،
لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ ، وَالزَّوْجُ إذَا
انْتَسَبَ إلَى قَبِيلَةٍ فَوَجَدَتْهُ دُونَهَا ، فَلَهَا الْخِيَارُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ نَسَبَ الزَّوْجِ مَقْصُودٌ وَمَرْغُوبٌ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ؛
لِأَنَّ الْوَلَدَ يَنْتَمِي إلَيْهِ ، فَإِذَا كَانَ دَنِيًّا لَحِقَتْهُ
الْغَضَاضَةُ وَقَدْ فَوَّتَ عَلَيْهَا غَرَضَهَا وَمَقْصُودَهَا ،
فَثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ ، كَمَا لَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا .
وَأَمَّا
الْمَرْأَةُ فَإِنَّ نَسَبَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ
الْوَلَدَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا ، وَلَا يُعَيَّرُ الرَّجُلُ بِكَوْنِ
امْرَأَتِهِ دُونَهُ فِي النَّسَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ
لِأَوْلِيَائِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ ، وَلَمْ تُفَوِّتْ مَقْصُودَهُ ،
فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ .
أَوْ تَقُولُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ
مَقْصُودًا فَفَوَّتَهُ عَيْبًا بِهَا ، وَوُجُودُ الْعَيْبِ
بِالْمَنْكُوحَةِ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ ، كَمَا لَوْ وَجَدَهَا شَوْهَاءَ
أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ عَفْلَاءَ .
110 - 110 - حَرْبِيَّةٌ كِتَابِيَّةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، صَارَتْ ذِمِّيَّةً .
وَالْحَرْبِيُّ إذَا تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي قَهْرِهِ وَتَحْتَ حُكْمِهِ وَلَزِمَهَا الْمَقَامُ
حَيْثُ هُوَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَقَدْ الْتَزَمَتْ
الْمُكْثَ مَعَهُ فِي دَارِنَا إلَى غَايَةٍ ، فَصَارَتْ ذِمِّيَّةً .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الرَّجُلُ ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمُكْثُ حَيْثُ تَكُونُ
الْمَرْأَةُ ، وَلَا هُوَ تَحْتَ قَهْرِهَا ، فَلَمْ يَلْتَزِمْ الْمُكْثَ
فِي دَارِنَا إلَى غَايَةٍ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيَذْهَبَ
حَيْثُ شَاءَ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ
يَتَزَوَّجْ وَلَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا ، كَذَا هَذَا
.
111 - 111 - لَيْسَ فِي الْمَهْرِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ .
الْفَرْقُ
: لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ بِالرَّدِّ ، بِدَلَالَةِ أَنَّهُ عِنْدَ
الرَّدِّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ، وَالْعَيْنُ أَعْدَلُ مِنْ
الْقِيمَةِ ، فَلَمْ يُسْتَدْرَكْ بِالرَّدِّ بَدَلًا ، فَلَا يَكُونُ لَهُ
الرَّدُّ .
وَأَمَّا فِي الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يُسْتَدْرَكُ بِالرَّدِّ
بَدَلًا لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ ، فَكَانَ فِي الرَّدِّ فَائِدَةٌ
فَجَازَ أَنْ يُرَدَّ .
112 - 112 - إذَا أَصَابَ الْمَهْرَ عَيْبٌ
فِي يَدَيْ الزَّوْجِ بِفِعْلِهِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ،
فَلَهَا الْخِيَارُ ، إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ نِصْفَهُ نَاقِصًا
وَضَمَّنَتْهُ النُّقْصَانَ وَإِنْ شَاءَتْ تَرَكَتْهُ وَضَمَّنَتْهُ
نِصْفَ الْقِيمَةِ .
وَلَوْ أَصَابَ الْمَهْرَ عَيْبٌ فِي يَدِ
الْمَرْأَةِ بِفِعْلِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ أَنْ
يَأْخُذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا وَلَمْ يُضَمِّنْهَا النُّقْصَانَ ، وَإِنْ
شَاءَ ضَمَّنَهَا نِصْفَ الْقِيمَةِ وَتَرَكَ فِي يَدِهَا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمَرْأَةَ مَلَكَتْ الْمَهْرَ فِي يَدِ الزَّوْجِ ، فَإِذَا جَنَى
فَقَدْ جَنَى عَلَى مِلْكِهَا ، وَهُوَ مَضْمُونٌ فِي يَدِهِ ضَمَانَ
عَقْدٍ ، وَالْأَوْصَافُ فِيمَا هُوَ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ يُضْمَنُ
بِالْإِتْلَافِ وَالْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُضْمَنْ بِالتَّلَفِ ،
كَالْمَبِيعِ إذَا جَنَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ،
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا جَنَتْ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ
الْمَهْرَ بِالْعَقْدِ وَتَمَّ مِلْكُهَا بِالْقَبْضِ ، فَإِذَا جَنَتْ
عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَهَذِهِ جِنَايَةٌ مِنْهَا عَلَى مِلْكِهَا ،
وَجِنَايَتُهَا عَلَى مِلْكِهَا هَدَرٌ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ،
وَكَذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الرَّدِّ مِلْكُهَا بَاقٍ فِي
الْمَهْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَعَتَقَتْهُ نَفَذَ عِتْقُهَا ،
وَالزَّوْجُ لَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَنْفُذْ ، فَصَادَفَتْ جِنَايَتُهَا
مِلْكَهَا فَكَانَتْ هَدَرًا ، وَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ أَوْ فَاتَ
بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ .
113 - 113 - إذَا قَبَضَتْ الْمَهْرَ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَالْمَهْرُ فِي يَدِهَا ، فَأَعْتَقَ الزَّوْجُ نِصْفَ الْمَهْرِ لَمْ يُعْتَقْ ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الزَّوْجِ ، فَإِذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا نَفَذَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَرْأَةِ ، وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ يُفْسِدُ مِلْكَهَا فِيهِ ، وَلَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فُسِخَ الْعَقْدُ لَوَجَبَ أَنْ يَعُودَ جَمِيعُهُ إلَيْهِ - كَالْبَيْعِ إذَا فُسِخَ - فَلَمَّا لَمْ يَعُدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يُفْسِدُ مِلْكَهَا ، وَلِأَنَّ مِلْكَهَا تَامٌّ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، وَالْمِلْكُ التَّامُّ لَا يُفْسَخُ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ بِرِضًا ، كَالْمَبِيعِ إذَا وَجَدَهُ الْمُشْتَرِي مَعِيبًا فَبَقِيَ مِلْكُهُ فِيهِ ، إلَّا أَنَّهُ فَسَدَ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ يَقْدِرُ عَلَى ارْتِجَاعِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا ، فَصَارَ نِصْفُهُ فِي يَدِهَا عَلَى مِلْكٍ فَاسِدٍ ، فَصَارَ كَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا ، فَإِذَا أَعْتَقَتْ نَفَّذْنَا عِتْقَهَا فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَالْمِلْكُ لَهَا ، وَبِالطَّلَاقِ فَسَدَ مِلْكُهَا فَزَالَتْ يَدُهَا فَصَارَ كَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا ، إذَا حَصَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ زَالَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَقَدْ أَعْتَقَ مَا لَا يَمْلِكُ فَلَمْ يَجُزْ .
114
- 114 - إذَا قَالَ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى هَذِهِ الدَّارِ عَلَى أَنْ
أَشْتَرِيَهَا فَأُسَلِّمَهَا لَكِ كَانَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ بِهَا
حَتَّى يُسَلِّمَهَا لَهَا فَإِذَا اشْتَرَاهَا أُجْبِرَ عَلَى
تَسْلِيمِهَا إلَيْهَا .
وَبِمِثْلِهِ لَوْ بَاعَ دَارَ الْغَيْرِ
بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فَيُسَلِّمَهَا لَهُ فَمَلَكَهَا لَا يُجْبَرُ
عَلَى تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا نِكَاحٌ
وَشَرْطٌ ، وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - { إنَّ أَحَقَّ مَا
أَوْفَيْتُمْ بِهِ مِنْ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ }
وَهَذَا الشَّرْطُ قَدْ اسْتَحَلَّ بِهِ الْفَرْجَ ، فَلَزِمَهُ
الْوَفَاءُ بِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَشَرْطٌ ، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ .
وَجْهٌ
آخَرُ : أَنَّ مُوجَبَ التَّسْلِيمِ فِي بَابِ النِّكَاحِ يَبْقَى مَعَ
اسْتِحْقَاقِهِ وَفَوْتِ التَّسْلِيمِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ
لِتَسْلِيمِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ لَا يَبْطُلُ
بِاسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ وَفَوْتِ التَّسْلِيمِ فِيهِ .
أَلَا تَرَى
أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ فَمَاتَ لَزِمَهُ تَسْلِيمُ
قِيمَتِهِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ فِيهِ ، فَفَوْتُهُ لَمْ يَمْنَعُ بَقَاءَ
الْعَقْدِ ، وَوُجُوبُ تَسْلِيمِهِ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ تَسْمِيَتِهِ ،
وَوُجُوبَ تَسْلِيمِهِ ابْتِدَاءً ؛ فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ فَإِنْ قَدَرَ
عَلَى تَسْلِيمِهِ سَلَّمَ ، وَإِلَّا غَرِمَ قِيمَتَهُ ، كَمَا لَوْ
هَلَكَ الْمَهْرُ فِي يَدِهِ .
وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَالْمُوجِبُ
لِتَسْلِيمِهِ يَبْطُلُ بِاسْتِحْقَاقِهِ وَفَوْتِ التَّسْلِيمِ فِيهِ ،
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ بَطَل الْعَقْدُ ، وَإِذَا كَانَ
فَوْتُ التَّسْلِيمِ مُوجِبًا بُطْلَانَ التَّسْلِيمِ فِيهِ مُنِعَ
انْعِقَادُهُ ، وَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ ابْتِدَاءً ، وَكَوْنُهُ مِلْكًا
لِلْغَيْرِ يُفَوِّتُ التَّسْلِيمَ فِيهِ ، فَمُنِعَ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ
ابْتِدَاءً فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ فِي بَابِ
الْمَهْرِ لَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ يَرْجِعُ إلَى
قِيمَتِهِ ، وَالْعَيْنُ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ ، فَجَازَ أَنْ يُجْبَرَ
عَلَى تَسْلِيمِهِ .
وَفِي
الْبَيْعِ لَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى قِيمَتِهِ
، فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ قِيمَتِهِ عِنْدَ فَوَاتِهِ لَمْ
يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ إذَا مَلَكَهُ ، كَمَا لَوْ وَهَبَ لِإِنْسَانٍ
شَيْئًا مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ، لَا يُجْبَرُ
عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ ، كَذَا هَذَا .
115 - 115 - إذَا قَالَ :
زَوِّجِينِي نَفْسَكِ ، فَقَالَتْ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ : زَوَّجْتُ ؛
انْعَقَدَ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ قَبِلْتُ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْنِي فَقَالَ : بِعْتُ ، لَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقُلْ قَبِلْتُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُسَاوَمَةِ فِي الْبَيْعِ ، فَجُعِلَ
قَوْلُهُ بِعْنِي ، طَلَبًا لِلْعَقْدِ وَسَوْمًا ، فَإِذَا قَالَ : بِعْتُ
، فَالْمَوْجُودُ أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ ، فَمَا لَمْ يَقُلْ :
قَبِلْتُ ، لَا يَنْعَقِدُ .
وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلَمْ تَجْرِ
الْعَادَةُ بِالْمُسَاوَمَةِ [ فِيهِ ] ، فَلَا يَخْطُبُ إلَّا بَعْدَ
التَّرَوِّي وَالتَّفَكُّرِ وَإِنْفَاذِ الرُّسُلِ ، فَلَمْ يَكُنْ
قَوْلُهُ زَوِّجِينِي مُسَاوَمَةً ، فَصَارَ شِقًّا لِلْعَقْدِ ، فَإِذَا
قَالَتْ : زَوَّجْتُ ، وُجِدَ الشِّقَّانِ فَتَمَّ الْعَقْدُ .
وَجْهٌ
آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ زَوِّجِينِي ، طَلَبُ الْعَقْدِ ، فَقَدْ
أَمَرَهَا بِأَنْ تَعْقِدَ ، وَالْوَاحِدُ مِمَّا يَتَفَرَّدُ بِشِقَّيْ
الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ ، فَإِذَا قَالَتْ : زَوَّجْتُ ، صَارَ
الْمَوْجُودُ عَقْدًا .
وَفِي الْبَيْعِ قَوْلُهُ : بِعْنِي ، طَلَبُ
الْعَقْدِ ، وَالْوَاحِدُ مِمَّا لَا يَنْفَرِدُ بِشِقَّيْ عَقْدِ
الْبَيْعِ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ أَحَدَ شِقَّيْ الْعَقْدِ ، فَمَا لَمْ
يَقُلْ : قَبِلْتُ ، لَا يَنْعَقِدُ .
116 - 116 - إذَا تَزَوَّجَ
الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ ، ثُمَّ بَاعَهُ الْمَوْلَى ،
فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي النِّكَاحَ كَانَ جَائِزًا ، وَلَوْ زَوَّجَتْ
أَمَةٌ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ بَاعَهَا ، ثُمَّ
أَجَازَ الْمُشْتَرِي النِّكَاحَ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ
عَقْدَ النِّكَاحِ لَا يَقَعُ عَلَى عَيْنِ الْعَبْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ
لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى ، وَلَوْ كَانَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ لَمْ
يَجُزْ أَنْ يَمْلِكَهُ غَيْرُهُ ، فَهُوَ عَاقِدٌ ، وَعَقْدُ الْبَيْعِ
تَنَاوَلَ عَيْنَ الْعَبْدِ ، فَلَمْ يَجُزْ تَمْلِيكٌ فِيمَا انْعَقَدَ
عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ فَجَازَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمَةُ
، لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ تَنَاوَلَ عَيْنَ الْأَمَةِ ، بِدَلِيلِ
أَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ مِنْ إنْسَانٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَتَزَوَّجَ
بِآخَرَ ، فَالْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى عَيْنِ بُضْعِهَا ، وَالْمُشْتَرِي
يَمْلِكُ ، عَيْنَهَا بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَبِيحُ بُضْعَهَا
فَقَدْ جَرَى تَمْلِيكٌ فِيمَنْ انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ
، فَبَطَلَ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا مِنْ
إنْسَانٍ لَا يَمْلِكُهُ ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَهُ ،
فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
117 - 117 - عَبْدٌ
مَحْجُورٌ عَلَيْهِ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ
أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ، لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ، جَازَ النِّكَاحُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ أَوْجَبَ الْحِلَّ لِلْعَبْدِ ، بِدَلِيلِ
أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَحَصَلَ الْحِلُّ لَهُ ،
وَعَقْدُهُ كَانَ نَافِذًا فِي حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نَفَاذُهُ
لِحَقِّ الْمَوْلَى ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ فَلَوْ نَفَّذْنَاهُ لَكَانَ
تَقْرِيرًا لِمَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ فَجَازَ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَلَى
أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ، ثُمَّ أَسْقَطَ الْخِيَارَ ، نَفَذَ ، لِأَنَّهُ
قَرَّرَ الْمِلْكَ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ
لِلْمَوْلَى ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَقَعَ
لَهُ ، وَبَعْدَ الْعَقْدِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ لِلْعَبْدِ ، فَلَوْ
نَفَّذْنَاهُ بِالْعِتْقِ لَكَانَ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِمَا أَوْجَبَهُ
الْعَقْدُ ، وَنَقْلُ الْعَقْدِ عَمَّا أَوْجَبَ الْعَقْدُ لَا يَجُوزُ ،
كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ،
ثُمَّ وَكَّلَهُ آخَرُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ، فَأَجَازَ الْعَقْدَ
وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ ، كَذَا هَذَا .
118
- 118 - أَمَةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا ،
فَبَاعَهَا ، بَطَلَ النِّكَاحُ وَلَوْ أَعْتَقَهَا جَازَ النِّكَاحُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ بِالْعِتْقِ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهَا ، وَإِنَّمَا زَالَتْ
وِلَايَةُ الْمَوْلَى عَنْهَا ، كَالصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَتْ ، وَإِذَا
لَمْ يَمْلِكْ بُضْعَهَا ، لَمْ يَجُزْ تَمْلِيكٌ فِيمَا انْعَقَدَ
عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، فَلَمْ يَبْطُلْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
إذَا بَاعَهَا ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ مَلَكَهَا ، فَقَدْ جَرَى
التَّمْلِيكُ فِيمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، فَلَمْ
يَجُزْ .
119 - 119 - إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا ، وَجَازَ النِّكَاحُ .
وَلَوْ زَوَّجَهَا الْمَوْلَى ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ ، لَهَا الْخِيَارُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ عَقْدَهَا عَلَى نَفْسِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لَمْ يَتِمَّ
فِي حَالِ الرِّقِّ ، وَإِنَّمَا تَمَّ الْعَقْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ ،
فَلَمْ يَجْرِ عِتْقٌ عَلَيْهَا بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ ، وَإِنَّمَا
نَفَذَ الْعَقْدُ فِي حَالِ الْعِتْقِ ، فَلَا خِيَارَ لَهَا .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ إذَا زَوَّجَهَا الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ فِي حَالِ
الرِّقِّ ، فَهَذَا عِتْقٌ جَرَى فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ ، فَكَانَ لَهَا
الْخِيَارُ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ خَبَرُ بَرِيرَةَ .
عَبْدٌ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَأَجَازَ الْمَوْلَى ، جَازَ .
وَالْعَبْدُ إذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً أَوْ مُكَاتَبَةً عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَأَجَازَ الْمَوْلَى النِّكَاحَ ، لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا
أَجَازَ النِّكَاحَ صَارَتْ رَقَبَتُهُ مَهْرًا لَهَا ، فَمَلَكَتْ
الْمَرْأَةُ رَقَبَةَ زَوْجِهَا ، فَبَطَلَ النِّكَاحُ .
وَكَذَلِكَ
الْمُكَاتَبَةُ ثَبَتَتْ لَهَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ حَقُّ مِلْكٍ فِيهِ ؛
لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبَةِ حَقَّ الْمِلْكِ ، وَحَقُّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ
مِنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ ، كَالْعِدَّةِ ، فَقَدْ اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ
مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ ، فَصِرْنَا مِنْ حَيْثُ نُجَوِّزُ الْعَقْدَ
نُبْطِلُهُ ، فَلَا يَجُوزُ .
وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَلَمْ يَقْتَرِنْ
بِالْعَقْدِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ ، لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ الْعَقْدَ
صَارَتْ رَقَبَتُهُ مِلْكًا لِمَوْلَى الْأَمَةِ ، فَلَا يَفْسُدُ
النِّكَاحُ ، فَلَمْ يَقْتَرِنْ بِالْعَقْدِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ ،
فَمِنْ حَيْثُ نُجَوِّزُهُ لَا نُبْطِلُهُ فَجَوَّزْنَاهُ .
121 - 121 - لِلرَّجُلِ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَةَ ابْنِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَ ابْنِهِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ فِي الْعَبْدِ يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ وَهُوَ الْمَهْرُ مِنْ غَيْرِ
بَدَلٍ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الِابْنِ ، فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ
تَبَرَّعَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِ .
وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ
فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ ، وَهُوَ التَّسْلِيمُ بِبَدَلٍ يَثْبُتُ
حَقُّ الِابْنِ فِيهِ ، فَجَازَ ، كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَهُ .
122 - 122 - إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ، فَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ، لَا يَجُوزُ .
وَلَوْ
أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا ، فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ
عَبِيدًا ، وَيَصِيرُ مَأْذُونًا فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمَأْذُونَ يَتَصَرَّفُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِفَكِّ
الْحَجْرِ ، وَقَدْ فُكَّ الْحَجْرُ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ فَعَمَّ
جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ ، لِأَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ ،
كَفَكِّ الْحَجْرِ بِالْبُلُوغِ .
وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلَيْسَ
يَتَصَرَّفُ بِفَكِّ الْحَجْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ بَقَاءِ
الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لِلْبَيْعِ إذَا تَزَوَّجَ
جَازَ ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ ، فَصَارَ تَصَرُّفُهُ بِالْأَمْرِ ،
وَالْأَمْرُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ ، فَلَا يَعْدُو مَا أُمِرَ بِهِ
كَالْوَكِيلِ ، وَلِأَنَّ تَزَوُّجَ جَمِيعِ النِّسَاءِ لَا يَجُوزُ ،
فَصَارَ قَوْلُهُ : تَزَوَّجْ لَفْظَ عُمُومٍ لَا إطْلَاقٍ وَالْمُرَادُ
بِهِ الْخُصُوصُ ، فَانْصَرَفَ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ ، وَأَخُصُّهُ
الْوَاحِدَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ، لِأَنَّ شِرَاءَ
الْعَبِيدِ الْكَثِيرَةِ بِالْعَقْدِ يَجُوزُ ، فَصَارَ هَذَا لَفْظَ
إطْلَاقٍ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصَ ، فَلَا يَجِبُ حَمْلُهُ
عَلَى الْوَاحِدِ .
123 - 123 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ
مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ : هَذِهِ ابْنَتِي ، وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ ، لَا
تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ قَوْلَهُ : هَذِهِ ابْنَتِي ، لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي إيقَاعِ
التَّحْرِيمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَمْ يَقَعْ
شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ جَحْدٌ لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ
الْعَقْدُ عَلَى ابْنَتِهِ ، فَصَارَ كِنَايَةً عَنْ ارْتِفَاعِ
الزَّوْجِيَّةِ ، وَالْكِنَايَةُ لَا تَعْمَلُ إلَّا بِقَرِينَةٍ ، فَإِذَا
لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ ، فَقَدْ وُجِدَتْ
الْقَرِينَةُ ، وَهِيَ الْإِصْرَارُ ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَذِّبُهُ
فَوَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ
مَشْهُورَةَ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كِنَايَةٌ وَلَا يَعْمَلُ
إلَّا بِقَرِينَةٍ ، وَلَمْ تُوجَدْ الْقَرِينَةُ ، لِأَنَّ الْقَرِينَةَ
هَاهُنَا الْإِصْرَارُ ، فَظَاهِرُ ثُبُوتِ نَسَبِهَا مِنْ الْغَيْرِ
يُبْطِلُ الْإِصْرَارَ ، فَصَارَ تَكْذِيبُ الظَّاهِرِ إيَّاهُ
كَتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ ، وَلَوْ قَالَ : كَذَبْتُ ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ
التَّحْرِيمُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : هِيَ
أُخْتِي أَوْ ابْنَتِي ، وَهِيَ غَيْرُ مَشْهُورَةِ النَّسَبِ ، ثُمَّ
قَالَ : أَوْهَمْت ؛ صُدِّقَ ، وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ .
وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ : هَذِهِ ابْنَتِي أَوْ أُخْتِي ، ثُمَّ قَالَ : أَوْهَمْت ، لَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ قَوْلَهُ لِامْرَأَتِهِ : هَذِهِ ابْنَتِي ، جَحْدٌ لِلْعَقْدِ ؛
لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الِابْنَةِ لَا يَجُوزُ ، وَجَحْدُ الْعَقْدِ لَا
يَرْفَعُ الْعَقْدَ ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنَّمَا هُوَ
كِنَايَةٌ فِي التَّحْرِيمِ ، فَإِذَا قَالَ : أُوهِمْتُ ، لَمْ تُوجَدْ
قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ ، فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ ، كَمَا لَوْ
قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ .
وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ
فَقَوْلُهُ : هَذِهِ ابْنَتِي ، لَيْسَ بِجَحْدٍ لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ
كَوْنَهَا بِنْتًا لَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ عَقْدِهِ ، وَإِذَا لَمْ
يَكُنْ جَحْدًا لِلْعَقْدِ لِأَنَّ كَوْنَهَا أَمَةً لَهُ صَارَ
مُتَصَرِّفًا فِيهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْعَقْدِ بِمَا لَا يَجُوزُ
بَقَاءُ الْعَقْدِ مَعَهُ أَوْجَبَ رَفْعَهُ ، فَوَقَعَ الْعِتْقُ
بِقَوْلِهِ ، فَإِذَا قَالَ : أَوْهَمْتُ ، بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ ،
لَمْ يُصَدَّقْ .
125 - 125 - إذَا أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ
الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ ، وَتَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ فَسَدَ النِّكَاحُ ،
وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْكَبِيرَةِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ .
وَلَوْ
زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا فَغَرِمَ الْمَهْرَ ،
لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الَّذِي غَيَّرَهَا وَزَفَّهَا إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْكَبِيرَةَ تَعَمَّدَتْ فِي النَّسَبِ ، وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى
إلْزَامِهِ نِصْفَ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَرْتَدَّ
الصَّغِيرَةُ بَعْدَ بُلُوغِهَا ، فَيَفْسُدُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا
قَبْلَ الدُّخُولِ بِرِدَّتِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، فَهِيَ لَمَّا
أَرْضَعَتْهَا فَقَدْ قَرَّرَتْ هَذَا النِّصْفَ مِنْ الْمَهْرِ عَلَيْهِ
فَغَرِمَتْ لَهُ ذَلِكَ النِّصْفَ ، كَشَاهِدَيْ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعَا
قَبْلَ الدُّخُولِ .
وَأَمَّا فِي الزِّفَافِ فَلَمْ يُتَعَمَّدْ
إلْزَامُهُ الْمَهْرَ ، لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِالْوَطْءِ لَا
بِالزِّفَافِ ، وَهُوَ لَمْ يَتَعَمَّدْ فِي الْوَطْءِ ، فَصَارَتْ
الْجِنَايَةُ حَاصِلَةً مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ
شَيْءٌ .
أَوْ نَقُولُ إنْ كَانَ جَانِيًا فِي الزِّفَافِ وَالْوَطْءِ ،
إلَّا أَنَّهُ سَلَّمَ لِلْوَاطِئِ بَدَلَ مَا ضَمِنَ وَهُوَ الْوَطْءُ ،
فَلَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّا لَوْ ضَمَّنَّاهُ
لَأَدَّى إلَى أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ بَدَلَ مَا ضَمِنَ مَرَّتَيْنِ مِنْ
غَيْرِ شَيْءٍ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
126 - 126 - النَّاشِزَةُ بَعْدَ مَا قَبَضَتْ مَهْرَهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ النُّشُوزِ .
وَلَوْ لَمْ تَقْبِضْ مَهْرَهَا فَمَنَعَتْ نَفْسَهَا ، اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهَا قَدْ اسْتَوْفَتْ الْمَهْرَ ، فَلَزِمَهَا تَسْلِيمُ النَّفْسِ ،
فَإِذَا نَشَزَتْ فَقَدْ تَعَدَّتْ فِي مَنْعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ
فَمُنِعَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْبَدَلِ ، كَالْمُشْتَرِي إذَا امْتَنَعَ
مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ يُمْنَعُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْمَبِيعِ ،
كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ تَقْبِضْ الْمَهْرَ ،
لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَدَّ فِي الْمَنْعِ ، وَالْمَنْعُ إذَا كَانَ بِحَقٍّ
لَا يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ ، كَالْمَنْعِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ .
وَجْهٌ
آخَرُ : أَنَّهُ عُدِمَ تَسْلِيمَ الْمُنْتَفَعِ بِالْعَقْدِ مِنْ
النَّاشِزَةِ ، فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ
صَغِيرَةً .
وَأَمَّا الْمَانِعَةُ لِأَجْلِ الْمَهْرِ فَلَا يُعْدَمُ
التَّسْلِيمُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقُولُ : سَلِّمْ الْمَهْرَ
لِأُسَلِّمَ الْبُضْعَ ، وَالْعَجْزُ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فِي
الِاسْتِيفَاءِ ، حَيْثُ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ ، فَصَارَ
عَجْزُهُ عَنْ تَسْلِيمِ بَدَلِهِ كَعَجْزِهِ عَنْ اسْتِيفَائِهِ ، وَلَوْ
كَانَ عِنِّينًا أَوْ مَرِيضًا لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ النَّفَقَةُ ،
كَذَلِكَ هَذَا .
127 - 127 - إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ ، لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا .
وَبِمِثْلِهِ لَوْ تَنَزَّهَ عَنْ تَزَوُّجِهَا فِي الِابْتِدَاءِ بِقَوْلِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمِلْكَ قَدْ حَصَلَ فِي الظَّاهِرِ ، فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ
إلَّا بِمَا يَبْطُلُ بِهِ الْإِمْلَاكُ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا
فَجَاءَ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهُ لَهُ ، يُسْتَحَبُّ لَهُ تَسْلِيمُهُ
إلَيْهِ ، وَلَا يُؤْمَرُ بِهِ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
فِي الِابْتِدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِلْكٌ فِي الظَّاهِرِ ،
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صَادِقَةً فَلَا يَحْصُلُ ، وَيَكُونُ الْوَطْءُ
حَرَامًا ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَاذِبَةً فَأَوْرَثَ قَوْلُهَا
شُبْهَةً ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : { دَعْ مَا
يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ } ، فَهَاهُنَا يَرِيبُهُ الْقَوْلُ ،
فَيَجِبُ أَنْ يَدَعَهُ .
128 - 128 - إذَا أُعْتِقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ .
وَإِذَا طَلُقَتْ الْحُرَّةُ فَلَهَا النَّفَقَةُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ عِدَّةُ مَاءٍ ، لَا عِدَّةُ فِرَاشٍ ،
بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ مَتَى شَاءَ
مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ ، وَلِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ بِالْمَوْتِ كَانَتْ
بِالْأَشْهُرِ ، وَإِذَا كَانَتْ عِدَّةَ مَاءٍ صَارَ كَالنِّكَاحِ
الْفَاسِدِ ، وَالْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ
النَّفَقَةَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا عِدَّةُ الْحُرَّةِ فَإِنَّهَا
عِدَّةُ زَوَالِ الْمِلْكِ وَالْفِرَاشِ وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ الْفِرَاشِ ،
فَصَارَ كَنَفْسِ الْفِرَاشِ ، وَنَفْسُ الْفِرَاشِ يُوجِبُ النَّفَقَةَ ،
كَذَلِكَ هَذَا .
129 - 129 - تَجِبُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ مَعَ الْإِعْسَارِ .
وَنَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِإِزَاءِ تَسْلِيمِ النَّفْسِ
، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ نَشَزَتْ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ، وَمَا
كَانَ وُجُوبُهَا - لَا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ - لَا يَخْتَلِفُ
بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ، وَكَذَلِكَ
الْوَلَدُ مُسَلَّمٌ إلَيْهِ حُكْمُ الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَالزَّوْجَةِ .
وَأَمَّا
سَائِرُ الْأَقْرِبَاءِ فَإِنَّمَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى طَرِيقِ
الْمُوَاسَاةِ وَالْبِرِّ وَالصِّلَةِ ، فَلَا يُخَاطَبُ الْمُعْسِرُ
بِذَلِكَ ؛ إذْ هُوَ تَبَرُّعٌ ، وَالْمُعْسِرُ لَا يُخَاطَبُ
بِالتَّبَرُّعَاتِ .
130 - 130 - إذَا أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَةَ
شَهْرٍ فَلَمْ تُنْفِقْهَا ، ثُمَّ جَاءَ الشَّهْرُ الثَّانِي وَهُوَ
مَعَهَا ، فَلَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِنَفَقَةِ الشَّهْرِ الثَّانِي .
وَلَوْ
أَخَذَ وَاحِدٌ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَلَمْ
يُنْفِقْهَا حَتَّى جَاءَ الشَّهْرُ الثَّانِي ، لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ
يَأْخُذَ نَفَقَةَ الشَّهْرِ الثَّانِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا
اسْتَغْنَتْ بِمَا عِنْدَهَا عَنْ مَالِ الزَّوْجِ ، وَنَفَقَةُ
الزَّوْجَةِ تَجِبُ مَعَ الْغِنَى ، فَجَازَ أَنْ تَجِبَ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ نَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِمَا
عِنْدَهُ عَنْ مَالِ الْقَرِيبِ ، وَنَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا
تَجِبُ مَعَ الْغِنَى ، كَمَا لَوْ كَانَ غَنِيًّا فِي الْأَصْلِ .
131 - 131 - نَفَقَةُ الْعِدَّةِ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا وَنَفَقَةُ الزَّوْجِيَّةِ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ سُقُوطَ نَفَقَةِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ مُوجَبِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ،
بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ
تَسْقُطُ ، وَمَا كَانَ مِنْ مُوجَبِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ صَحَّ تَعْجِيلُهُ
بِالشَّرْطِ ، كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا عُجِّلَ قَبْلَ الْأَجَلِ
صَحَّ ، كَذَا هَذَا .
وَأَمَّا الْمَنْكُوحَةُ فَسُقُوطُ نَفَقَتِهَا
لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَضَتْ
فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَسْقُطُ ، فَصَارَ هَذَا إبْرَاءً عَمَّا
سَيَجِبُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ ، فَلَا يَجُوزُ ،
كَمَا لَوْ قَالَ : أَبْرَأْتُكِ عَنْ كُلِّ دَيْنٍ يَجِبُ لِي عَلَيْكِ
فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، كَذَا هَذَا .
132 - 132 - إذَا أَخْرَجَ
الْمَوْلَى الْأَمَةَ مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ ثُمَّ
طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا إلَى بَيْتِهِ لِيُطَالِبَ
بِالنَّفَقَةِ .
وَالنَّاشِزَةُ إذَا طَلَّقَهَا جَازَ لَهَا أَنْ تَعُودَ وَتَأْخُذَ النَّفَقَةَ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَى الْمَوْلَى ، بِدَلِيلِ
أَنَّ الْمَوْلَى لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِحَالٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ
تَسْلِيمُ نَفْسٍ مُنْتَفَعٍ بِهَا وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا
يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحُرَّةُ ؛ لِأَنَّ
التَّسْلِيمَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى
التَّسْلِيمِ وَهِيَ ، مِنْ أَهْلِ التَّسْلِيمِ ، فَقَدْ عَادَتْ إلَى
تَسْلِيمِ نَفْسٍ مُنْتَفَعٍ بِهَا ، فَاسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ ، وَإِنْ
كَانَ النَّفْسُ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهَا ، كَمَا لَوْ مَرِضَتْ الْحُرَّةُ
.
133 - 133 - إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ الزَّوْجَ مُوسِرٌ ،
وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَيَلْزَمُهُ
نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ .
وَإِنْ ادَّعَتْ فِي دَيْنٍ لَهَا عَلَيْهِ
مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَقَالَ : أَنَا مُعْسِرٌ ،
فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى كَوْنِهِ مُعْسِرًا وَيُحْبَسُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ
الْمَرْأَةِ ، وَفِي الْمَهْرِ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي
النَّفَقَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِدُخُولِ بَدَلِهِ فِي مِلْكِهِ
؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ ، وَإِنَّمَا
تَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الصِّلَةِ بَدَلًا عَنْ تَسْلِيمِ النَّفْسِ ،
وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَلَمْ يَكُنْ بِالشُّرُوعِ فِي الْعَقْدِ
مُقِرًّا بِحُصُولِ مَالٍ لَهُ بِإِزَاءِ مَا يُوجَبُ عَلَيْهِ ، فَصَارَتْ
تَدَّعِي الْيَسَارَ ، وَهُوَ يُنْكِرُ ، وَالْأَصْلُ فِي النَّاسِ
الْإِعْسَارُ ، فَمَنْ ادَّعَى مَا يُوَافِقُ الظَّاهِرَ ، فَالْقَوْلُ
قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ
وُجُوبُهَا بِحَقِّ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ يَقْتَضِي بَدَلًا عَمَّا هُوَ
مَالٌ ، فَصَارَ بِالشُّرُوعِ فِي الْعَقْدِ مُقِرًّا بِأَنَّهُ مَالِكٌ
لِمُبْدَلِهِ وَهُوَ مَالٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْيَسَارَ ،
فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : أَنَا مُعْسِرٌ ، لَمْ يُصَدَّقْ ،
وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ هُوَ بَدَلٌ عَمَّا
لَيْسَ بِمَالٍ ، فَلَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ بِإِزَاءِ
مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مَالٌ ، فَصَارَتْ تَدَّعِي عَلَيْهِ الْيَسَارَ ،
وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ
مَالًا مِنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
ظَاهِرُ دُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ إقْرَارٌ بِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى
تَسْلِيمِ بَدَلِهِ ، فَصَارَ بِقَوْلِهِ : أَنَا مُعْسِرٌ ، مُدَّعِيًا
خِلَافَ الظَّاهِرِ ، فَلَا يُصَدَّقُ .
134 - 134 - الْمُعْتَدَّةُ إذَا طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فِي الْعِدَّةِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا .
وَلَوْ ارْتَدَّتْ سَقَطَتْ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهَا قَدْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا مُنْتَفَعًا بِهَا عَلَى حُكْمِ
الْعَقْدِ وَذَلِكَ التَّسْلِيمُ بَاقٍ فِي الْعَقْدِ ، وَبِالْمُطَاوَعَةِ
لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ التَّسْلِيمُ ، فَبَقِيَ حُكْمُ ذَلِكَ التَّسْلِيمِ
فَبَقِيَتْ النَّفَقَةُ .
وَأَمَّا إذَا ارْتَدَّتْ فَقَدْ أَبْطَلَتْ
ذَلِكَ التَّسْلِيمَ ؛ لِأَنَّهَا تُخْرَجُ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ ،
وَتُحْبَسُ لِتَتُوبَ ، وَإِذَا عُدِمَ التَّسْلِيمُ الْمُنْتَفَعُ بِهِ
مُنِعَتْ النَّفَقَةُ .
135 - 135 - إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ فِي
بَيْتِ الزَّوْجِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا الْمَوْلَى ،
ثُمَّ عَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ ، اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ .
وَلَوْ
كَانَتْ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي بَيْتِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ أَرَادَ
أَنْ تَعُودَ ابْتِدَاءً إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ لَمْ تَسْتَحِقَّ
النَّفَقَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَنْزِلِ
الزَّوْجِ وَقْتَ الطَّلَاقِ فَأُخْرِجَتْ ثُمَّ عَادَتْ ، فَهَذَا
التَّسْلِيمُ بِنَاءً عَلَى التَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ وَاسْتِدَامَةً لَهُ ،
بِدَلِيلِ أَنَّ مَا تَسْتَحِقُّ هَاهُنَا مِنْ النَّفَقَةِ مِثْلُ مَا
تَسْتَحِقُّهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ، فَصَارَ كَأَنَّ ذَلِكَ
التَّسْلِيمَ لَمْ يَزُلْ كَذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ التَّسْلِيمُ
اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ ، كَذَا هَذَا .
وَإِذَا كَانَتْ فِي وَقْتِ
الطَّلَاقِ فِي مَنْزِلِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ أَرَادَتْ الْعَوْدَ إلَى
مَنْزِلِهِ ، فَهَذَا التَّسْلِيمُ لَمْ يُبْنَ عَلَى تَسْلِيمٍ آخَرَ ،
فَصَارَ هَذَا ابْتِدَاءَ تَسْلِيمٍ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ فِي نَفْسٍ غَيْرِ
مُنْتَفَعٍ بِهَا ، فَلَا يُسْتَحَقُّ لَهُ النَّفَقَةُ ، كَمَا لَوْ
كَانَتْ نَاشِزَةً ثُمَّ عَادَتْ فِي الْعِدَّةِ .
136 - 136 - إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ أُعْتِقَ ، نَفَذَ ذَلِكَ الْعَقْدُ .
وَلَوْ
أَذِنَ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ ، لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ الْعَقْدُ مَا لَمْ
يُجِزْ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْعَبْدِ يَنْفُذُ
فِي حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نَفَاذُهُ ، لِحَقِّ الْمَوْلَى
فَإِذَا أُعْتِقَ فَقَدْ زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى فَصَارَ الْحَقُّ لَهُ
فَنَفَذَ ذَلِكَ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ .
وَأَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي
التَّزْوِيجِ ، فَالْإِذْنُ لَمْ يُزِلْ حَقَّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ
الْحَقَّ لِلْمَوْلَى فِي الْحَالَيْنِ قَبْلَ الْإِذْنِ وَبَعْدَهُ ،
فَلَمْ يَصِرْ الْحَقُّ لِلْعَبْدِ ، فَلَمْ يَنْفُذْ ، إلَّا أَنَّهُ
بِالْإِذْنِ مَلَكَ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ فَمَلَكَ الْإِجَازَةَ كَالْحُرِّ
.
137 - 137 - إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَتَزَوَّجَ حُرَّةً لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ
زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ رَجُلٍ ، ثُمَّ خَالَعَ عَلَى رَقَبَتِهَا مِنْ
زَوْجِهَا صَحَّ الْخُلْعُ ، وَلَا تَدْخُلُ الرَّقَبَةُ فِي مِلْكِ
الزَّوْجِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى أَمَرَهُ بِالْعَقْدِ عَلَى
رَقَبَتِهِ ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ لَا يُعَرَّى عَنْ بَدَلٍ ، فَإِذَا
تَزَوَّجَ حُرَّةً ، فَلَوْ جَوَّزْنَا الْعَقْدَ ، لَمْ يَخْلُ إمَّا أَنْ
يَجُوزَ عَلَى رَقَبَتِهِ ، أَوْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، أَوْ بِالْقِيمَةِ ،
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بِالرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَارِنُ الْعَقْدَ
مَا يُبْطِلُهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مَعْقُودًا
عَلَيْهَا ، وَلَا مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ
يَعْقِدَ بِهِ ، وَمُخَالَفَةُ الْمَوْلَى فِي الْبَدَلِ الَّذِي أَمَرَ
بِهِ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ
امْرَأَةً عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَتَزَوَّجَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ
فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخُلْعُ ،
لِأَنَّ عَقْدَ الْخُلْعِ يَجُوزُ أَنْ يُعَرَّى عَنْ بَدَلٍ ، فَإِذَا
خَلَعَهَا عَلَى رَقَبَتِهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقَعَ عَلَى
رَقَبَتِهَا ، أَوْ الْقِيمَةِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى
رَقَبَتِهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُهَا فَيَفْسُدُ النِّكَاحُ ؛
فَيَفْسُدُ الْخُلْعُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقِيمَةِ ؛
لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مُخَالَفَةِ الزَّوْجِ فِيمَا قَبْلَ عَقْدِ
الْخُلْعِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : خَلَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ ، فَقَالَتْ :
قَبِلْتُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَعُرِّيَ عَقْدُ الْخُلْعِ عَنْ الْبَدَلِ ،
وَخُلُوُّ الْعَقْدِ عَنْ الْبَدَلِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ ،
وَهُوَ الْخُلْعُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : خَلَعْتُكِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ
خِنْزِيرٍ .
138 - 138 - إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ أَمَةً عَلَى
رَقَبَتِهِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَلْفُ
دِرْهَمٍ ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ الْعَبْدُ فَيَضْرِبُ الْأَمَةَ بِمَهْرِهَا
وَالْغُرَمَاءَ بِدَيْنِهِمْ فِي الثَّمَنِ .
وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ
رَجُلًا عَمْدًا ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَصَالَحَهُمْ
الْمَوْلَى مِنْ الدَّمِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِثَمَنِ
الْعَبْدِ ، وَسَقَطَ الْقِصَاصُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ دَمَ الْعَمْدِ
فِي خُرُوجِهِ عَنْ حَقِّ الْمَوْلَى ، لَيْسَ بِمَالٍ يُطْلَبُ ؛
لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ ، وَلِأَنَّ شُهُودَ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ إذَا
رَجَعُوا لَا يُغَرَّمُونَ ، وَالْمَرِيضُ إذَا عَفَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ
لَا يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ ، فَصَارَ وُجُوبُ حَقِّ الْمَوْلَى بِبَدَلٍ
غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ ، فَكَأَنَّهُ وَهَبَ رَقَبَتَهُ مِنْهُ ، فَلَا
يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ .
وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَالْبُضْعُ فِي
دُخُولِهِ فِي الْمِلْكِ مُتَقَوِّمٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَبَ إنْ
زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا يَجُوزُ عَلَيْهِ
.
فَقَدْ وَجَبَ الْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ بِبَدَلٍ مُتَقَوِّمٍ دَخَلَ
فِي حَقِّهِ ، فَصَارَ وُجُوبُ الْحَقِّ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ مُتَقَوِّمٍ ،
فَجَازَ أَنْ يَضْرِبُوا بِهِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ الْعَبْدِ شَيْئًا .
فَإِنْ
قِيلَ : الْمَرِيضُ لَوْ صَالَحَ مِنْ دَمِ نَفْسِهِ عَلَى مَالٍ لَا
يُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ دَمَ الْعَمْدِ مَالٌ مِنْ
وَجْهٍ ، كَمَا أَنَّ الْبُضْعَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ .
وَالصَّوَابُ أَنْ
يُغَيِّرَ الْعِبَارَةَ ، فَيُقَالُ فِي دَمِ الْعَمْدِ : لَمَّا صَالَحَ
الْمَوْلَى عَلَى رَقَبَتِهِ صَارَ الْقَتْلُ مُوجِبًا مَالًا ، فَصَارَ
كَمَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَدُفِعَ بِهِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ
مَنَعَهُ الدَّيْنَ ، وَيَكُونُ الْغَرِيمُ أَوْلَى بِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا ،
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ وَاجِبًا عَلَى الْعَبْدِ فِي الْحُكْمِ ،
بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِمَا بَيَّنَّا .
139 - 139 - وَلَوْ أَنَّ
رَجُلًا تَزَوَّجَ مُكَاتَبَةً عَلَى جَارِيَةٍ ، وَدَفَعَهَا إلَيْهَا
ثُمَّ طَلَّقَ الْمُكَاتَبَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ تِلْكَ الْجَارِيَةَ قَبْلَ
الرَّدِّ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَ الْمُكَاتَبَةَ ، لَمْ يَفْسُدْ نِكَاحُ الْجَارِيَةِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ ، وَيَعُودُ نِصْفُ
الْمَهْرِ إلَى الزَّوْجِ ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ فَسَادَ مِلْكِهَا فِي
نِصْفِهِ ، وَثَبَتَ لَهُ حَقُّ الِارْتِجَاعِ ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا
قَبْلَ الطَّلَاقِ ، فَقَدْ صَحَّ الْعَقْدُ ، وَبِالطَّلَاقِ طَرَأَ لَهُ
حَقُّ مِلْكٍ عَلَى امْرَأَتِهِ ، وَحَقُّ الْمِلْكِ إذَا طَرَأَ عَلَى
الْعَقْدِ لَا يَرْفَعُهُ ، كَالْعِدَّةِ إذَا قَارَنَتْ ابْتِدَاءَ
الْعَقْدِ يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ وَلَا يَمْنَعُ بَقَاءَهُ عَلَى
الصِّحَّةِ إذَا طَرَأَتْ عَلَيْهِ .
140 - 140 - وَلَوْ زَوَّجَ
الْمَوْلَى أَمَتَهُ بِرِضَاهَا مِنْ رَجُلٍ بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ ،
وَخَاطَبَ عَنْ الزَّوْجِ مُخَاطِبٌ ، فَأُعْتِقَتْ ، فَلَمْ تَنْقُضْ
الْعَقْدَ حَتَّى أَجَازَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ ، جَازَ وَلَا خِيَارَ
لَهَا .
وَلَوْ زَوَّجَهَا الْمَوْلَى بِغَيْرِ رِضَاهَا ، فَأُعْتِقَتْ
، فَأَجَازَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ لَمْ يَجُزْ مَا لَمْ تَرْضَ هِيَ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ إنَّمَا يَجُوزُ تَنْفِيذُهُ فِي الْحَالَةِ
الَّتِي تَقْبَلُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ فِيهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ
بَاعَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ ، ثُمَّ مَاتَ ، ثُمَّ أَجَازَ صَاحِبُهُ
الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِغَيْرِ إذْنِ
مَوْلَاهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ حُرَّةً ، ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى ، لَا
يَجُوزُ ، فَإِذَا كَانَ الْمَوْلَى زَوَّجَهَا بِرِضَاهَا فَيَجُوزُ
ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ بِرِضَاهَا ، فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ الْعَقْدُ
الْمَوْقُوفُ ، فَتَمَّ الْعَقْدُ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا خِيَارَ
لَهَا .
وَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ رِضَاهَا فَلَا يَجُوزُ
ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا ، فَلَا يَنْفُذُ
الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ فِيهَا ، وَصَارَ الزَّوْجُ بِالْإِجَازَةِ
مُبْتَدِئًا عَقْدًا ، فَإِذَا أَجَازَتْهُ جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا .
141 - 141 - الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً فَأُعْتِقَ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْفَسْخِ .
وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَعَتَقَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ يَمْلِكُ الْبُضْعَ قَبْلَ الْعِتْقِ ، فَيَمْلِكُ بَعْدَ
الْعِتْقِ ، بِدَلِيلِ انْفِرَادِهِ بِالطَّلَاقِ ، فَلَمْ يَسْتَفِدْ
بِالْإِعْتَاقِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ مِنْ قَبْلُ ، فَلَا
خِيَارَ لَهُ .
وَفِي الْأَمَةِ اسْتَفَادَتْ بُضْعَهَا بِالْعِتْقِ ،
بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : مَلَكْتُ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي ، وَلِأَنَّهَا
تَقْدِرُ أَنْ تَخْلَعَ نَفْسَهَا ، وَتَمْلِكُ بَدَلَ بُضْعِهَا ، وَلَمْ
تَكُنْ مَالِكَةً قَبْلَ الْعِتْقِ فَجَازَ لَهَا أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ
.
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ
تَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ ، فَقَدْ أَلْزَمَهُ الْمَوْلَى تَسْلِيمَ
النَّفْسِ فِي حَالَةٍ لَهُ الْوِلَايَةُ ، فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ
التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمٌ مُبْتَدَأٌ ،
فَصَارَ كَالْأَبِ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ .
وَفِي
الْأَمَةِ : حُقُوقُ الْعَقْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا ، وَإِنَّمَا
تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْلَى ، لِأَنَّ الْمَهْرَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ ،
وَهُوَ الَّذِي يُطَالِبُ بِالتَّسْلِيمِ مَا دَامَتْ رَقِيقَةً ، وَبَعْدَ
الْعِتْقِ هِيَ الَّتِي تُطَالِبُ بِالتَّسْلِيمِ ، فَصَارَ يَلْزَمُهَا
تَسْلِيمُ النَّفْسِ فِي حَالٍ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً
فَثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ ، كَالْعَمِّ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ .
لَا يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ وَالْأَمَةِ خِيَارُ الْبُلُوغِ .
بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْعَمُّ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَوْلَى ابْتِدَاءَ تَمْلِيكِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا
بَعْدَ الْبُلُوغِ ، فَلَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ ؛ إذْ لَا
تَمْلِكُ بِالْبُلُوغِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ .
وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ
فَلَا يَمْلِكُ الْعَمُّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ ، فَجَازَ
أَنْ يَثْبُتَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا لَزِمَهَا تَسْلِيمُ النَّفْسِ
بِعَقْدِهِ ، كَالْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ .
143 - 143 - الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ مُكَاتَبَهُ امْرَأَةً بِغَيْرِ رِضَاهُ ثُمَّ عَجَزَ ، فَأَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ .
وَلَوْ زَوَّجَ مُكَاتَبَتَهُ ، ثُمَّ عَجَزَتْ فِي الْكِتَابِ يَبْطُلُ النِّكَاحُ ، وَفِي الْمُكَاتَبِ لَا يَبْطُلُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْأَمَةِ أَوْجَبَ تَحْرِيمَ بُضْعِهَا
عَلَيْهِ ، وَبِالْعَجْزِ مَلَكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِبُضْعِهَا ، وَعَقْدُ
النِّكَاحِ عَقْدٌ عَلَى بُضْعِهَا ، وَقَدْ جَرَى ، التَّمْلِيكُ فِيمَا
انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، فَبَطَلَ ، كَمَا لَوْ بَاعَ
عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ ،
فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَيَبْطُلُ ، كَذَلِكَ هَذَا
وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ إذَا عَجَزَ فَالْمَوْلَى يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ
بِالْعَقْدِ إلَّا الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ أَوْجَبَ
الْبَدَلَ فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَلَمْ
يَجُزْ تَمْلِيكٌ فِيمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ،
وَالْمَوْلَى يَمْلِكُ الْعَقْدَ ، وَمَنْ مَلَكَ الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ
عَقْدُهُ الْمَوْقُوفُ إلَّا بِالْإِجَازَةِ .
144 - 144 - إذَا
عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ ، فَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ لَهَا
الْخِيَارَ ، فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا حَتَّى تَعْلَمَ ، فَإِذَا عَلِمَتْ
فَلَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا .
وَفِي خِيَارِ
الْبُلُوغِ وَالْمُخَيَّرَةِ وَالشُّفْعَةِ لَوْ بَلَغَتْ أَوْ خُيِّرَتْ
أَوْ بِيعَتْ بِجَنْبِ دَارِهِ دَارٌ فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ لَهُ
الشُّفْعَةَ وَلَمْ يَطْلُبْ ، بَطَلَ خِيَارُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ
هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ فِي الْأَمَةِ لَيْسَ فِي لَفْظِ الزَّوْجِ مَا
يُوجِبُ لَهَا خِيَارًا ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ ثَبَتَ لَهَا مِنْ طَرِيقِ
الْحُكْمِ ، وَالْأَمَةُ لَا تَعْلَمُ فُرُوعَ الْفِقْهِ فِي الْعَادَةِ ،
وَالْمَوْلَى لَا يُمَكِّنُهَا مِنْ التَّعَلُّمِ ؛ إذْ مَنْفَعَتُهَا
مَمْلُوكَةٌ لَهُ ، فَعُذِرَتْ فِي جَهْلِ حُكْمِ الْعِتْقِ ، فَصَارَ
جَهْلُهَا بِثُبُوتِ الْخِيَارِ كَجَهْلِهَا بِالْعِتْقِ ، وَلَوْ لَمْ
تَعْلَمْ بِالْعِتْقِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ فَالتَّخْيِيرُ فِي لَفْظِ الزَّوْجِ ، لِأَنَّهُ يَقُولُ : خَيَّرْتُكِ .
فَإِذَا عَلِمَتْ بِالتَّخْيِيرِ فَقَدْ عَلِمَتْ وُجُوبَ الْخِيَارِ لَهَا ، فَبَطَلَ خِيَارُهَا إذَا لَمْ تَخْتَرْ .
وَأَمَّا
الشُّفْعَةُ فَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْحَاجَةُ
إلَيْهَا مَاسَةٌ وَهُوَ حُرٌّ مُمَكَّنٌ مِنْ تَعَلُّمِهِ ، وَتَعَرُّفِ
حُكْمِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ لَمْ يَكُنْ
مَعْذُورًا ، فَبَطَلَ حَقُّهُ .
كَذَلِكَ الْخِيَارُ بِالْبُلُوغِ هِيَ
حُرَّةٌ وَمُمَكَّنَةٌ مِنْ التَّعَلُّمِ وَالتَّعَرُّفِ فَإِذَا لَمْ
تَتَعَلَّمْ لَمْ تَكُنْ مَعْذُورَةً .
أَوْ تَقُولُ : الشَّرْعُ جَعَلَ
سُكُوتَ الْبِكْرِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا : رَضِيتُ ، وَكَذَلِكَ سُكُوتُ
الشَّفِيعِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : رَضِيتُ
بِالْبَيْعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى الْمَجْلِسِ ،
وَكَذَلِكَ الْمُخَيَّرَةُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالُوا : رَضِينَا ،
وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ لَهُمْ الْخِيَارَ ، وَلَوْ قَالُوا هَكَذَا
بَطَلَ خِيَارُهُمْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي الْأَمَةِ لَمْ يُجْعَلْ سُكُوتُهَا رِضًا ، بِدَلِيلِ أَنَّ
خِيَارَهَا يَتَوَقَّفُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَ خِيَارِهَا فَلَمْ يَبْطُلْ .
145 - 145 -
إذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ أَمَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا عَلَى مِائَةِ
دِرْهَمٍ بِغَيْرِ شُهُودٍ ، فَقَالَ الْمَوْلَى : أَجَزْتُ النِّكَاحَ
بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا وَرَضِيَ بِذَلِكَ الزَّوْجُ
وَحَضَرَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ شُهُودٌ ؛ كَانَ بَاطِلًا .
وَلَوْ قَالَ :
جَعَلْتُ ذَلِكَ النِّكَاحَ نِكَاحًا بِمِائَةٍ أَوْ خَمْسِينَ دِينَارًا ،
وَقَبِلَ الزَّوْجُ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ نِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ إذَا
حَضَرَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ شُهُودٌ ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَصْلَ
النِّكَاحِ الْأَوَّلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لَفْظَ الْجَعْلِ يُذْكَرُ
وَيُرَادُ بِهِ ابْتِدَاءُ الشَّيْءِ ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّا
جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا } ، فَإِذَا قَالَ جَعَلْتُ
ذَلِكَ النِّكَاحَ نِكَاحًا كَانَ ذَلِكَ ابْتِدَاءَ عَقْدٍ ، وَلَمْ
يَكُنْ مُجِيزًا لِعَقْدٍ قَبْلَهُ ، وَإِذَا صَارَ هَذَا ابْتِدَاءَ
عَقْدٍ فَإِنْ حَضَرَهُ الشُّهُودُ جَازَ ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الْإِجَازَةُ ، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَمْ تُوضَعْ لِابْتِدَاءِ
الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَسَلُّطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ
الْعَقْدِ ، وَلَمْ يَكُنْ تَنْفِيذًا لِعَقْدٍ مَوْقُوفٍ ، فَلَحِقَ
الْإِجَازَةَ عَقْدٌ مُبْتَدَأٌ بَيْنَهُمَا ، فَجُعِلَ كَمَا لَوْ أَذِنَ
لَهَا ابْتِدَاءً فَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ لَمْ يَجُزْ كَذَلِكَ
هَاهُنَا .
146 - 146 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ رَجُلًا
أُخْتَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، فَقَالَ :
أَجَزْتُ نِكَاحَ هَذِهِ ، وَهَذِهِ ، وَوَصَلَ الْكَلَامَ لَمْ يَجُزْ
نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، فَجَعَلَ قَوْلَهُ : أَجَزْتُ نِكَاحَ
هَذِهِ وَهَذِهِ ، وَقَوْلَهُ : أَجَزْتُ نِكَاحَهُمَا سَوَاءً ، فَجَعَلَ
الْوَاوَ هَاهُنَا لِلْجَمْعِ ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {
إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ
إلَى الْمَرَافِقِ } الْآيَةَ جَعَلَ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ .
وَإِذَا
تَزَوَّجَ رَجُلٌ أَمَتَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، فَقَالَ :
أَعْتَقْتُ هَذِهِ وَهَذِهِ ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ ،
حَتَّى قَالُوا : إنَّهُ يَبْطُلُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ وَجَازَ نِكَاحُ
الْأُولَى ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ ،
لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِالْأُولَى وَلَا يَقَعُ
بِالثَّانِيَةِ فَجَعَلَ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ
الْكَلَامَ إنَّمَا يَقِفُ عَلَى مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ
الِاسْتِثْنَاءَ لَمَّا كَانَ مُؤَثِّرًا فِي الْكَلَامِ تَغَيَّرَ
حُكْمُهُ ، وَوَقَفَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الشَّرْطُ ، فَإِذَا
قَالَ فِي الْأُخْتَيْنِ : أَجَزْتُ هَذِهِ وَهَذِهِ ، فَنِكَاحُ كُلِّ
وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُؤَثِّرُ فِي نِكَاحِ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ مَهْمَا
جَازَ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُخْرَى ، فَجَازَ أَنْ يَقِفَ
نِكَاحُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ ، فَكَأَنَّهُ أَجَازَهُمَا مَعًا ،
وَلَمْ يَسْبِقْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ، وَكَذَلِكَ الْأَعْضَاءُ
الْأَرْبَعَةُ فِي الْغَسْلِ لِكُلِّ عُضْوٍ تَأْثِيرٌ فِي الْآخَرِ ؛
لِأَنَّهُ لَوْ غَسَلَ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ ،
فَصَارَ كَالْمَجْمُوعِ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : هَذِهِ حُرَّةٌ ،
وَهَذِهِ فَلَيْسَ لِعِتْقِ إحْدَاهُمَا تَأْثِيرٌ فِي عِتْقِ الْأُخْرَى ؛
لِأَنَّ الْعِتْقَ إذَا أُضِيفَ إلَى إحْدَاهُمَا عَتَقَتْ ، سَوَاءٌ
أُعْتِقَتْ الْأُخْرَى أَوْ لَمْ تُعْتَقْ فَلَمْ يَقِفْ الْأَوَّلُ عَلَى
الثَّانِي ، وَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ ، لَيْسَ لِلطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ
تَأْثِيرٌ
فِي الطَّلْقَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ سَوَاءٌ أَوْقَعَ الثَّانِيَ أَوْ لَمْ يُوقِعْ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْأُولَى ، فَلَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ ، فَسَبَقَ نُفُوذُهُ نُفُوذَ الثَّانِي فَلَا يَقَعُ الثَّانِي .
147 - 147 - رَجُلٌ تَزَوَّجَ أَمَةً بِإِذْنِ
مَوْلَاهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى رَقَبَةِ تِلْكَ الْأَمَةِ
فَأَجَازَ مَوْلَاهَا ، أَوْ تَزَوَّجَ عَلَى رَقَبَتِهَا بِإِذْنِ
مَوْلَاهَا جَازَ ، وَصَارَتْ الْأَمَةُ مَهْرَ الْحُرَّةِ ، وَلَا
يَفْسُدُ نِكَاحُ الْأَمَةِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ ، ثُمَّ
قَالَ لِمَوْلَاهَا : أَعْتِقْهَا عَنِّي عَلَى أَلْفٍ ، فَفَعَلَ فَسَدَ
النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ قَارَنَ الْعَقْدَ مَا
يَمْنَعُ دُخُولَ الْأَمَةِ فِي مِلْكِهِ ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ
الْمَرْأَةِ الْمِلْكَ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ لِلْمَرْأَةِ ،
فَلَمْ يَمْلِكْهُ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى أَمَةً وَهِيَ
زَوْجَةٌ لِلْوَكِيلِ ، فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ ، لِأَنَّهُ
قَارَنَ الْعَقْدَ مَا يَمْنَعُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَارِنْ الْعِتْقَ مَا
يَمْنَعُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ ، بَلْ قَارَنَ مَا يُوجِبُ دُخُولَهُ فِي
مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عَنْهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَنْ
يَكُونَ الْمِلْكُ لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : مَلِّكْنِيهَا
وَأَعْتِقْهَا عَنِّي .
فَإِنْ قِيلَ : يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا لِلْمَرْأَةِ ، وَلَا يَكُونُ مِلْكًا لِلزَّوْجِ .
قُلْنَا
: يَجُوزُ أَلَّا يَكُونَ مِلْكًا لَهُ وَيَكُونُ مَهْرًا ، كَمَا رُوِيَ
أَنَّ النَّجَاشِيَّ زَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ مِنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ
السَّلَامُ ، وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ بِغَيْرِ
إذْنِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا عَلَى رَقَبَةِ الْأَمَةِ
فَقَدْ عَقَدَ عَلَيْهَا عَقْدَ الْقَضَاءِ ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَ قَضَاءَ
مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَهْرِ مِنْ رَقَبَتِهَا ، فَإِذَا أَجَازَ
الْمَوْلَى فَقَدْ أَجَازَ الْقَضَاءَ ، وَالْقَضَاءُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ مِلْكًا لِلْمُقْضَى عَنْهُ ، كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ
بِقَضَاءِ دَيْنِ آخَرَ أَوْ مَهْرٍ عَلَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ
لَمْ تَصِرْ ، مِلْكًا لِلزَّوْجِ لَوَجَبَ أَلَّا يَعُودَ نِصْفُهَا إلَى
الزَّوْجِ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ .
قُلْنَا : الْعَقْدُ يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَهْرِ فِي مِلْكِهِ ،
لِأَنَّ
فِي ضِمْنِهِ إيجَابَ الْمِلْكِ لَهَا ، فَإِذَا طَلَّقَهَا ارْتَفَعَ
الْعَقْدُ ، فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ ، فَعَادَ
الْمِلْكُ إلَيْهِ فَبَطَل النِّكَاحُ إذَا قَبَضَهَا مِنْهَا ، كَمَا
قُلْنَا فِي الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا وَجَدَ الْآمِرُ بِالْمُشْتَرَى
عَيْبًا ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ ، فَرَضِيَ بِهِ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ
يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِ
الْوَكِيلِ إيجَابُ الْمِلْكِ لِلْمُوَكِّلِ وَقَدْ زَالَ ، فَعَادَ
الْمِلْكُ إلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
فَإِنْ قِيلَ : الزَّوْجُ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ ، فَدَلَّ أَنَّهَا صَارَتْ مِلْكًا لَهُ .
قُلْنَا
: يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمِلْكِ
لَهُ كَمَا لَوْ ضَمِنَ دَيْنًا عَلَى إنْسَانٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ
الضَّمَانَ يَلْزَمُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ ، بِإِزَائِهِ شَيْئًا
كَذَلِكَ هَذَا .
148 - 148 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَحْتَهُ أَمَةٌ
لِرَجُلٍ ، فَأَمَرَ الزَّوْجُ الْمَوْلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً
حُرَّةً وَلَمْ يَقُلْ بِأَمَتِك ، فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً عَلَى الْأَمَةِ
الَّتِي تَحْتَهُ جَازَ ، وَالْأَمَةُ لِلْحُرَّةِ ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ ،
وَلَا شَيْءَ لِلْمَوْلَى عَلَى الزَّوْجِ .
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً
أَمَرَتْ رَجُلًا أَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا ، فَخَلَعَهَا
الْوَكِيلُ بِمَالٍ مِنْ عِنْدِهِ وَقَضَاهُ ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى
الْمَرْأَةِ ، وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ لَا يُعَرَّى عَنْ ضَمَانٍ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ
، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ فَإِنَّهُ
يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُعَرَّى عَنْ ضَمَانٍ
يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ ، فَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ :
زَوِّجْنِي امْرَأَةً عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ عَلَيَّ ، فَإِذَا زَوَّجَهُ
وَجَبَ الْمَهْرُ عَلَى الزَّوْجِ ، وَصَارَ هُوَ قَاضِيًا بِغَيْرِ
أَمْرِهِ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الْخُلْعُ ، وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ
الْعُقُودَ تُعَرَّى عَنْ ضَمَانٍ يَجِبُ عَلَى الْمَعْقُودِ لَهُ ؛
لِأَنَّ الصُّلْحَ وَالْخُلْعَ مِنْ بَدَلٍ جَائِزٍ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ
قَالَتْ : اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ إنْ شِئْتَ عَلَيَّ ، وَإِنْ شِئْتَ
عَلَيْكَ ، وَلَوْ قَالَتْ ذَلِكَ فَخَالَعَهَا الْوَكِيلُ عَلَى مَالٍ ،
وَأَدَّاهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا كَذَلِكَ هَذَا .
149 - 149 - لَوْ
أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا ،
فَزَوَّجَهُ أُخْتَيْنِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا .
وَلَوْ
أَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ ، فَزَوَّجَهَا مَعَ
أُخْتِهَا مِنْهُ فِي عَقْدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ جَازَ ، هَكَذَا ذَكَرَهُ
أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي رَوَاهُ بِشْرٌ عَنْهُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الدَّاخِلَ فِي الْإِذْنِ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ
فِي نِكَاحِ الْأُخْرَى فَاسِدٌ ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ فِي جَوَازِ أَنْ
يَكُونَ هِيَ الَّتِي فَسَدَ نِكَاحُهَا لِصَاحِبَتِهَا فَاسْتَوَيَا ،
فَفَسَدَ نِكَاحُهُمَا ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : تَزَوَّجْ
امْرَأَةً ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ ؛ لَمْ يَجُزْ ،
كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً ؛ لِأَنَّ
الدَّاخِلَ فِي الْإِذْنِ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا وَهِيَ مَعْلُومَةٌ
وَالْأُخْرَى لَا تُزَاحِمُهَا فِي الْعَقْدِ ؛ إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ ،
فَصَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهَا بِالْعَقْدِ ، وَكَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ
حَمَارٍ وَتِلْكَ الْمَرْأَةِ وَتَزَوَّجَهَا جَازَ نِكَاحُهَا ، كَذَلِكَ
هَذَا .
وَهَكَذَا لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِرَجُلٍ : زَوِّجْنِي مِنْ
رَجُلٍ ، فَزَوَّجَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ قَالَتْ :
زَوِّجْنِي مِنْ فُلَانٍ ، فَزَوَّجَهَا مِنْهُ وَمِنْ آخَرَ فِي عَقْدٍ
جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَقَالَ أَيْضًا : لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً ، فَزَوَّجَهُ حُرَّةً وَأَمَةً فِي عَقْدٍ جَازَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ .
وَلَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَيْنِ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْأَمَةَ لَا تُزَاحِمُ الْحُرَّةَ فِي الْعَقْدِ ؛ إذْ لَا
مُجِيزَ لِنِكَاحِهَا فَبَقِيَتْ مُنْفَرِدَةً بِالْعَقْدِ ،
وَالْمُوَكِّلُ لَوْ عَقَدَ مِثْلَ هَذَا الْعَقْدِ جَازَ نِكَاحُ
الْحُرَّةِ ، كَذَلِكَ الْوَكِيلُ .
وَفِي الْأُخْتَيْنِ كُلُّ
وَاحِدَةٍ تُزَاحِمُ الْأُخْرَى ؛ إذْ لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ
صَاحِبَتِهَا بِالْجَوَازِ ، وَالْمُوَكِّلُ لَوْ عَقَدَ مِثْلَ هَذَا
الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ ، كَذَلِكَ الْوَكِيلُ .
151 - وَقَالَ : عَلَى
هَذَا الْأَصْلِ لَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ رَجُلًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ حُرَّةً
وَأَمَةً فِي عَقْدٍ فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَ الْحُرَّةِ ، وَلَوْ
زَوَّجَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ أُخْتَيْنِ أَوْ خَمْسَ نِسْوَةٍ لَمْ يَجُزْ
لَهُ أَنْ يُجِيزَ شَيْئًا مِنْهُنَّ ، وَقَالَ أَيْضًا : لَوْ زَوَّجَ
الْوَلِيُّ امْرَأَةً مِنْ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أُخْتُهَا تَحْتَهُ
جَازَ لَهَا أَنْ تُجِيزَ نِكَاحَ الْآخَرِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُخْتُهَا
تَحْتَهُ فَزَوَّجَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ
نِكَاحَ أَحَدِهِمَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا بَيَّنَّا .
152
- 152 - رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَةً صَغِيرَةً ، فَأَمَرَ
رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا وَالْأَبُ حَاضِرٌ يَجُوزُ
شَهَادَةُ الْمُزَوِّجِ عَلَى النِّكَاحِ .
وَإِنْ كَانَ الْأَبُ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ حَاضِرًا فَالْعَقْدُ تَمَّ بِحُضُورِهِ
وَرَأْيِهِ ، فَصَارَ كَتَوَلِّيهِ بِنَفْسِهِ ، فَالْوَكِيلُ صَارَ
سَفِيرًا ، فَجَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِ ، الدَّلِيلُ
عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ وَكِيلًا بِأَنْ يَبِيعَ شَيْئًا ،
فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا فَبَاعَ بِحَضْرَتِهِ جَازَ ، وَجُعِلَ
حُضُورُهُ كَتَوَلِّيهِ بِنَفْسِهِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِذَا كَانَ
الْأَبُ غَائِبًا فَلَمْ يَتِمَّ الْأَمْرُ بِحُضُورِهِ فَلَا يُجْعَلُ
كَالْمُتَوَلِّي الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ ، فَصَارَ هُوَ الْعَاقِدَ ، فَإِذَا
شَهِدَ صَارَ يَشْهَدُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ
وَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا ، وَغَابَ الْأَوَّلُ فَبَاعَ الثَّانِي لَمْ
يَجُزْ ، وَلَمْ يُجْعَلْ بَيْعُهُ كَتَوَلِّيهِ بِنَفْسِهِ ، كَذَلِكَ
هَذَا .
153 - 153 - قَالَ فِي الْمُنْتَقَى : رَجُلٌ فَجَرَ
بِامْرَأَةِ أَبِيهِ ، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَأَرَادَ الْفَسَادَ ،
فَغَصَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ عَلَى الْأَبِ ،
وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الِابْنِ .
وَلَوْ قَبَّلَهَا الِابْنُ
بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا ، فَإِنَّهُ غَصَبَ نَفْسَهَا عَلَى ذَلِكَ
وَصَدَّقَهُ الْأَبُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ فِي الْوَطْءِ قَدْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا
الْعُقْرَ لَأَوْجَبْنَا بِالْوَطْءِ الْوَاحِدِ عُقُوبَةً فِي بَدَنِهِ
وَغُرْمًا فِي مَالِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ إذْ الْمَهْرُ وَالْحَدُّ
لَا يَجْتَمِعَانِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّقْبِيلُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَجِبْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ عُقُوبَةٌ فِي بَدَنِهِ وَلَا حَدٌّ ، فَجَازَ
أَنْ يَجِبَ بِتَقْرِيرِ مَالٍ عَلَى غَيْرِهِ ضَمَانًا كَالشُّهُودِ إذَا
رَجَعُوا .
154 - 154 - رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ اسْتَدِنْ عَلَيَّ
لِامْرَأَتِي كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَأَنْفِقْ عَلَيْهَا ،
فَقَالَ : قَدْ أَنْفَقْتُهُ ، وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَ : لَا
تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَإِذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ
مَفْرُوضَةً عَلَيْهِ صُدِّقَتْ ، وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الصِّغَارِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ النَّفَقَةَ بِالْفَرْضِ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ ، فَقَدْ
أَمَرَهُ بِقَضَاءٍ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ لِيُبَرِّئَهُ عَنْ ذَلِكَ
الضَّمَانِ ، فَإِذَا أَقَرَّتْ بِالِاسْتِيفَاءِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ
ذَلِكَ الضَّمَانِ ، فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ بِالْأَمْرِ ، فَرَجَعَ بِهِ
عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ آخَرَ .
وَلَوْ لَمْ
تَكُنْ مَفْرُوضَةً ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا عَنْهُ
لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَيْهِ ، فَإِذَا قَالَ : أَدَّيْتُ وَصَدَّقَتْهُ ،
فَهِيَ تُرِيدُ أَنْ تُوجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانًا بِقَوْلِهَا ، فَلَا
تُصَدَّقُ .
155 - 155 - وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ
فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا فَوَطِئَهَا مِرَارًا ،
فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهِ عُقْرٌ وَاحِدٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ
اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا مِرَارًا ، فَاسْتُحِقَّتْ فَعَلَيْهِ
عُقْرٌ وَاحِدٌ ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ نِصْفُهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ
الْمَهْرِ ، وَلَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَةً مِرَارًا فَعَلَيْهِ عُقْرٌ وَاحِدٌ
، وَالْأَبُ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ مِرَارًا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ
وَاحِدٌ .
وَلَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ مِرَارًا
فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِنِصْفِهِ ، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ
نِصْفُ مَهْرٍ لِلنِّصْفِ الْآخَرِ ، وَيَكُونُ لِلْمُكَاتَبَةِ ، وَلَوْ
كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَطِئَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ
مِرَارًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَلَوْ وَطِئَ
الرَّجُلُ جَارِيَةَ أَبِيهِ مِرَارًا وَادَّعَى شُبْهَةً أَوْ جَارِيَةَ
امْرَأَتِهِ وَادَّعَى شُبْهَةً فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا ، أَوْ الْمُشْتَرَاةَ
مُسَلَّمَةٌ إلَيْهِ عَلَى حُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَالتَّسْلِيمُ عَلَى
حُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ يُوجِبُ حَقًّا قَبْضًا فِي الْعَيْنِ ، وَيُفِيدُ
مِنْ الْمِلْكِ مَا يُفِيدُهُ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ .
أَلَا تَرَى أَنَّ
الْمَقْبُوضَ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ عِنْدَنَا مَمْلُوكٌ ، فَقَدْ
اسْتَوْفَى الْوَطْءَ عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ فَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ
عُقْرٍ وَاحِدٍ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شِرَاءٍ صَحِيحًا ، أَوْ
تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبَةِ ،
مِلْكُهُ فِي الْحَقِيقَةِ بَاقٍ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهَا أَحَقَّ بِبَدَلِ
بُضْعِهَا ، فَوَقَعَ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، فَصَارَتْ
كَالْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا صَحِيحًا ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ إذَا وَطِئَ
جَارِيَةَ ابْنِهِ ، فَقَدْ وَطِئَهَا عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ لِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ { هُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إذَا احْتَجْتُمْ
إلَيْهِمْ } فَصَارَتْ كَالْمَنْكُوحَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .
وَأَمَّا مُكَاتَبَةُ الْغَيْرِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا ، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ
الْمُشْتَرَكَةُ ، فَقَدْ وَطِئَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ لَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ كَوْنَ الْمِلْكِ لِلْغَيْرِ ، وَجَارِيَةُ الْأَبِ لَا مِلْكَ لِلِابْنِ فِيهَا ، وَلَا حَقَّ مِلْكٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِيلَادُهُ ، فَقَدْ وَطِئَهَا لَا عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ ، فَصَارَ كُلُّ وَطْءٍ مُسْتَوْفِيًا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ صَاحِبِهَا ، فَصَارَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ ، وَالْأَوَّلُ مُوجِبٌ الْعُقْرَ كَذَلِكَ الثَّانِي .
156 - 156 - رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا
فَاسِدًا عَلَى جَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا ، فَدَفَعَ الْجَارِيَةَ ،
فَأَعْتَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ، فَإِنَّ الْعِتْقَ بَاطِلٌ .
وَلَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا جَازَ الْعِتْقُ .
وَالْفَرْقُ
لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْمَهْرِ إلَّا
إذَا اتَّصَلَ بِالدُّخُولِ ، كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يُفِيدُ
الْمِلْكَ إلَّا إذَا اتَّصَلَ بِالْقَبْضِ ، فَإِذَا أَعْتَقْتَهَا قَبْلَ
الدُّخُولِ بِهَا فَقَدْ أَعْتَقْتَ مَا لَا تَمْلِكُ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَقَدْ أَعْتَقْتَ مَا تَمْلِكُ فَنَفَذَ الْعِتْقُ .
157
- 157 - إذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِ أَبٌ كَافِرٌ ذِمِّيٌّ ، أَوْ
لِلْكَافِرِ أَبٌ مُسْلِمٌ يَجِبُ نَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ .
" وَلَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ كَافِرٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْكُفْرَ لَمْ يَقْطَعْ الرَّحِمَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ ؛
لِأَنَّ تِلْكَ الْقَرَابَةَ مُتَأَكِّدَةٌ ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى :
{ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } ،
وَالذِّمِّيُّ يُجَاهَدُ عَلَى الشِّرْكِ وَمَعَ ذَلِكَ أُمِرَ
بِمُصَاحَبَتِهِ ، فَجَازَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ؛ إذْ
هُوَ نَوْعُ مُصَاحَبَةٍ بِمَعْرُوفٍ وَبِرٍّ .
وَأَمَّا فِي غَيْرِ
الْوَالِدَيْنِ فَوُجُوبُ النَّفَقَةِ لِأَجْلِ الصِّلَةِ ، وَالْكُفْرُ
قَطَعَ الصِّلَةَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْقَرَابَةَ ضَعِيفَةٌ
فَقَطَعَهَا الْكُفْرُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَا
تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ
مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وَفِي إيجَابِ النَّفَقَةِ نَوْعُ
مَوَدَّةٍ وَصِلَةٍ ، فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ مَعَ الْكُفْرِ ، وَلِهَذَا
الْمَعْنَى ، قُلْنَا : يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِ
أَخِيهِ الْحَرْبِيِّ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِ أَبِيهِ
الْحَرْبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ صِلَةُ الرَّحِمِ مَعَ الْوَالِدِ ، وَلَا
يَجِبُ صِلَةُ رَحِمِ مَنْ سِوَاهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ .
158 - 158 - وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْأَبِ الْحَرْبِيِّ عَلَى الِابْنِ الْمُسْلِمِ .
وَتَجِبُ نَفَقَةُ الْأَبِ الذِّمِّيِّ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ وَصْلَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ مَمْنُوعٌ مِنْهَا فَلِذَلِكَ لَا
يَجُوزُ أَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّمَا
يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إخْرَاجِكُمْ أَنْ
تَوَلَّوْهُمْ } وَفِي إيجَابِ النَّفَقَةِ نَوْعُ مُوَالَاةٍ ، وَهَذَا
لَا يَجُوزُ .
وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَمُوَاصَلَتُهُ غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ
، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ
لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ } وَفِي إيجَابِ النَّفَقَةِ نَوْعُ بِرٍّ ، فَجَازَ أَنْ
يُوجَبَ .
كِتَابُ الطَّلَاقِ 159 - قَالَ أَصْحَابُنَا ( رَحْمَةُ
اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) : يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ الْحَامِلَ وَالْآيِسَةَ
وَالصَّغِيرَةَ عَقِيبَ جِمَاعِهِ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْوَطْءَ فِي الْآيِسَةِ ، وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ لَا
يُفِيدُ حَبَلًا ، فَأُمِنَ النَّدَمُ عَقِيبَ الْوَطْءِ ، لِحُدُوثِ
الْحَبَلِ .
فَجَازَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا لَوْ مَضَتْ حَيْضَةٌ فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ .
وَأَمَّا
فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُؤْمَنُ مَعَهُ وُجُودُ
الْحَبَلِ مِنْ الْوَطْءِ ، فَلَمْ يُؤْمَنْ النَّدَمُ ، فَلَا يَنْبَغِي
لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا تَدْرِي لَعَلَّ
اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } .
160 - 160 - رَجُلٌ
خَلَا بِامْرَأَتِهِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فِي رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمَةٌ ،
فَتِلْكَ الْخَلْوَةُ لَا تَكُونُ مُوجِبَةً لِكَمَالِ الْمَهْرِ .
وَلَوْ خَلَا بِهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ صَوْمَ التَّطَوُّعِ كَانَتْ خَلْوَةً صَحِيحَةً .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُصُولِ إلَيْهَا حَائِلًا مِنْ جِهَةِ
الشَّرْعِ لَا يُمْكِنُهُ رَفْعُهُ ، وَهُوَ صَوْمُ الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ
لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ صَوْمَهَا ، وَفَسْخُ الْإِحْرَامِ لَا
يُمْكِنُ رَفْعُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثَالِثٌ ، أَوْ
كَانَتْ حَائِضًا ، فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ بِهِ كَذَلِكَ هَذَا
.
وَأَمَّا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ
يَقْطَعَ صَوْمَهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَشْرَعَ
ابْتِدَاءً فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَبَيْنَهُمَا حَائِلٌ يُمْكِنُ
رَفْعُهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً ، أَوْ كَانَتْ فِي
الصَّلَاةِ .
161 - 161 - لِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا أَنْ تَخْرُجَ بِالنَّهَارِ مِنْ مَنْزِلِهَا .
وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ أَنْ تَخْرُجَ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ الطَّلَاقِ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ
، فَقَدْ اسْتَغْنَتْ بِالنَّفَقَةِ عَنْ الْكَسْبِ ، فَلَمْ تَجُزْ لَهَا
أَنْ تَخْرُجَ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ ، وَكَمَا لَوْ
أَرَادَتْ الْخُرُوجَ لِلَّعِبِ .
وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا
لَا نَفَقَةَ لَهَا ، فَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى التَّكَسُّبِ ، فَلَوْ
مَنَعْنَاهَا مِنْ الْخُرُوجِ لَأَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِهَا وَهَذَا
لَا يَجُوزُ ، فَقُلْنَا : لَهَا أَنْ تَخْرُجَ .
162 - 162 - لِلْمُطَلَّقَةِ الصَّغِيرَةِ أَنْ تَخْرُجَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنِ .
وَلَيْسَ لِلْبَالِغَةِ أَنْ تَخْرُجَ فِي حَقِّ النِّكَاحِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْخُرُوجِ فِي الْعِدَّةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ،
بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى إسْقَاطِهِ لَا
يَسْقُطُ ، وَالصَّبِيَّةُ غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ،
وَفِيهِ تَحْصِينُ مَاءِ الزَّوْجِ ، وَهِيَ لَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ ،
فَجَازَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ .
بِخِلَافِ الْبَالِغَةِ ، وَلَا يَلْزَمُ
عَلَى مَا قُلْنَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ
النِّكَاحَ ، فَبَقِيَتْ الزَّوْجِيَّةُ ، فَلَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ
تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ كَغَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ .
163 -
163 - الْكَبِيرَةُ إذَا كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ فَطَلَّقَهَا
زَوْجُهَا وَاعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، وَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ
الْعِدَّةِ ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ
لَزِمَ الزَّوْجَ .
وَالصَّغِيرَةُ إذَا كَانَتْ عِدَّتُهَا
بِالشُّهُورِ فَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ،
ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ
يَلْزَمُ الزَّوْجَ ، وَلَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ
فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَمَّا
حُبِّلَتْ تَبَيَّنَّا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً ؛ إذْ الْآيِسَةُ لَا
تُحَبَّلُ ، وَأَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَكُنْ بِالشُّهُورِ ، فَلَمْ
تَنْقَضِ الْعِدَّةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَإِقْرَارُهَا رُدَّ
لِوُجُودِ الْحَبَلِ ، لِأَنَّ الْحَبَلَ أَكْذَبَهُ فَصَارَ كَإِكْذَابِ
الزَّوْجِ ، فَبَقِيَتْ مُعْتَدَّةً فَصَارَ هَذَا عُلُوقًا وُجِدَ عَلَى
فِرَاشِ الزَّوْجِ ، فَلَزِمَهُ كَمَا لَوْ لَمْ تُقِرَّ وَكَانَتْ مِنْ
ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ لِأَنَّهَا إذَا
أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَمْكَنَ حُدُوثُهُ
بَعْدَ الْإِقْرَارِ ، فَلَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهَا فِي الْإِقْرَارِ
بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ بِوُجُودِ الْحَبَلِ لَا يَتَبَيَّنُ
أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ صَغِيرَةً يَبْطُلُ إقْرَارُهَا فَصَارَ هَذَا
عُلُوقًا بَعْدَ زَوَالِ الْفِرَاشِ ، فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ ، فَإِذَا
أَتَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ
كَانَ عَلَى فِرَاشِهِ ، وَأَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَكُنْ بِالْأَشْهُرِ ،
فَتَبَيَّنَ غَلَطُهَا فِي الْإِقْرَارِ فَرُدَّ إقْرَارُهَا ، فَصَارَ
كَمَا لَوْ لَمْ تُقِرَّ .
164 - 164 - إذَا قَبَضَتْ الْمَرْأَةُ
الْمَهْرَ مِنْ زَوْجِهَا وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ وُهِبَتْهَا
مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهَا أَنْ
تَغْرَمَ لَهُ نِصْفَ الْأَلْفِ .
وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ عَرَضًا فَوَهَبَتْهُ لَهُ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ لَمْ يُوصِلْ تَبَرُّعُهَا إلَيْهِ مَا يَسْتَحِقُّ الزَّوْجُ
عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا ، لِأَنَّ
الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ
لَهَا أَنْ تَعْدِلَ إلَى غَيْرِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ فَتَرُدَّهَا
عَلَيْهِ عِنْدَ الطَّلَاقِ ، وَلِلزَّوْجِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنْ
يُسَلِّمَ غَيْرَهَا إلَيْهَا أَيْضًا فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عِنْدَ
الْعَقْدِ لَمْ تَتَعَيَّنْ عِنْدَ الْفَسْخِ ، فَلَمْ يُوصِلْ إلَيْهِ
تَبَرُّعُهَا مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ،
فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ تُهَبْ
مِنْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَهْرُ عَرَضًا لِأَنَّهُ
يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَرَادَ أَنْ
يُسَلِّمَ عَرَضًا آخَرَ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِذَا
تَعَيَّنَتْ عِنْدَ الْعَقْدِ تَعَيَّنَتْ عِنْدَ الْفَسْخِ ، فَقَدْ
أَوْصَلَتْ إلَيْهِ بِتَبَرُّعِهَا عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهَا
بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهَا الضَّمَانَ
لَأَوْجَبْنَا عَلَى الْمُتَبَرِّعِ ضَمَانًا بِتَبَرُّعِهِ فِيمَا
تَبَرَّعَ بِهِ لِمَنْ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا
لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْهِبَةُ لَا يَرْجِعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى
الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَذَا هَذَا .
165 - 165 -
لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَمَتَاعِ فُلَانٍ ، يَنْوِي
بِهِ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ يَقَعُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمَتَاعَ يَحِلُّ لَهُ بِالْعَقْدِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ :
أَنْتِ تَحِلِّينَ لِي بِالْعَقْدِ ، وَهِيَ حَلَالٌ لَهُ بِالْعَقْدِ ،
فَلَا يَقَعُ .
وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ
اسْتِعْمَالُهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ ، فَقَدْ شَبَّهَهَا بِمَا
لَا يَحِلُّ لَهُ بِالْعَقْدِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ
حَرَامٌ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ ، كَذَلِكَ
هَذَا .
166 - 166 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : وَهَبْتُكِ
لِأَهْلِكِ أَوْ لِأُمِّكِ أَوْ لِأَبِيكِ ، أَوْ لِلْأَزْوَاجِ وَنَوَى
بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - هَكَذَا .
وَلَوْ أَنَّهُ
قَالَ : وَهَبْتُكِ لِأُخْتِكِ أَوْ لِخَالَتِكِ أَوْ لِعَمَّتِكِ أَوْ
لِفُلَانٍ ، أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ
الْهِبَةَ تَقْتَضِي إزَالَةَ الْمِلْكِ وَالْمَرْأَةُ تُرَدُّ إلَى
الْأُمِّ وَالْأَبِ بِالطَّلَاقِ وَيَمْلِكُهَا الْأَزْوَاجُ بَعْدَ
وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : طَلَّقْتُكِ
وَرَدَدْتُكِ إلَى أَهْلِكِ ، وَأَمَّا الْأُخْتُ وَالْخَالَةُ
وَالْعَمَّةُ وَالْأَجْنَبِيَّةُ فَالْمَرْأَةُ لَا تُرَدُّ بِالطَّلَاقِ
عَلَى هَؤُلَاءِ ، فَقَدْ نَوَى الطَّلَاقَ بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ
، فَلَمْ يَقَعْ .
167 - 167 - لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ
طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ
عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَلَوْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَقَعَتْ ثَلَاثًا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهَا بِالطَّلْقَةِ الْأُولَى حُرِّمَتْ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ،
فَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الْمَدْخُولُ بِهَا لِأَنَّهَا بِالتَّطْلِيقَةِ الْأُولَى
حُرِّمَتْ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فَصَارَ بَقَاءُ الْعِدَّةِ
كَبَقَاءِ أَصْلِ النِّكَاحِ فَلَمْ تَصِرْ بَائِنَةً فَتَلْحَقُهَا
الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ .
168 - 168 - إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ اثْنَتَيْنِ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ ثَلَاثًا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً ، فَقَدْ
اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا نَطَقَ بِهِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مَعَ الْمُسْتَثْنَى
أَحَدُ اسْمَيْ مَا بَقِيَ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ
اثْنَتَيْنِ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً .
فَقَدْ
اسْتَثْنَى جَمِيعَ مَا نَطَقَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِالْوَاحِدَةِ
وَاسْتَثْنَى الْوَاحِدَةَ وَإِذَا عَقَدَ ثَلَاثَ عُقُودٍ ، وَاسْتَثْنَى
أَحَدَ الْعُقُودِ لَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : عَمْرَةُ طَالِقٌ
إلَّا عَمْرَةَ .
فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
169
- 169 - وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقٌ فَأَنْتِ
طَالِقٌ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ، صَارَتْ طَالِقًا أُخْرَى ، ثُمَّ
صَارَتْ طَالِقًا أُخْرَى فَيَقَعُ ثَلَاثًا .
وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا
طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كُلَّمَا قُلْتُ : أَنْتِ طَالِقٌ
فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ طَالِقٌ بِالْيَمِينِ
الْأُولَى ، فَلَا يَقَعُ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ
عَلَيْهَا ، وَالْأُولَى قَدْ وَقَعَتْ بِإِيقَاعِهِ ، فَوُجِدَ شَرْطُ
حِنْثِهِ فِي الثَّانِيَةِ ، فَوَقَعَتْ أُخْرَى وَوُجِدَ شَرْطُ حِنْثِهِ
فِي الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ بِوُقُوعِ الطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ
فَوَقَعَتْ الثَّالِثَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : كُلَّمَا
طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ إيقَاعُ طَلَاقِهِ
عَلَيْهَا ، لَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ ، وَالْإِيقَاعُ فِعْلُهُ ، وَقَدْ
وُجِدَ الْإِيقَاعُ مَرَّةً ، فَوَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَوُجِدَ شَرْطُ
حِنْثِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ ، وَشَرْطُ حِنْثِهِ
فِي الطَّلَاقِ الثَّالِثِ إيقَاعُ الثَّانِيَةِ لَا وُقُوعُهَا وَلَمْ
يُوجَدْ فَلَا يَقَعُ .
فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ عِنْدَ وُجُودِ
الشَّرْطِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِيقَاعِهِ فَيَكُونُ مُطَلِّقًا فَيَجِبُ
أَنْ تَقَعَ الثَّالِثَةُ .
قُلْنَا : قَوْلُهُ " كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ "
يَمِينٌ وَالْيَمِينُ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ
بِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَى
الِامْتِنَاعِ مِنْهُ ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ عَلَى
إيقَاعٍ مُبْتَدَأٍ أَوْ يَمِينٍ يَعْقِدُهُ مُبْتَدَأً حَتَّى يُوصَفَ
بِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ ، وَإِذَا حَمَلْنَا
عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ لَمْ يَقَعْ .
170 - 170 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنَا بَائِنٌ ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْكِ ، وَنَوَى الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ بَائِنٌ ، وَلَمْ يَقُلْ " مِنِّي " وَقَعَ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ بَائِنًا مِنْ غَيْرِهَا بِأَنْ يُطَلِّقَ
أُخْرَى ، وَلَمَّا لَمْ يَقُلْ مِنْكِ فَلَمْ يُضِفْ التَّحْرِيمَ
إلَيْهَا فَلَا يَقَعُ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : أَنْتِ بَائِنٌ
فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ بَائِنَةً إلَّا مِنْهُ ، فَاسْتَغْنَى عَنْ
إضَافَةِ الْبَيْنُونَةِ إلَى نَفْسِهِ فَوَقَعَ .
171 - 171 - لَوْ
قَالَ : يَوْمٌ لَا أُطَلِّقُكِ فِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَمَضَى يَوْمٌ
وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ طَلُقَتْ ، وَإِنْ مَضَتْ لَيْلَةٌ لَا تَطْلُقُ
وَلَوْ قَالَ : يَوْمَ أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ
وَلَا نِيَّةَ لَهُ ، فَدَخَلَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْيَوْمَ حَقِيقَةٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِهِ
عَنْ مُطْلَقِ الْوَقْتِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :
{ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } وَيُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ
وَيُقَالُ : أَيَّامُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَبَنِي أُمَيَّةَ ، وَيُقَالُ :
لَا أَرَانِي اللَّهُ يَوْمَكَ ، يَعْنِي وَقْتَ وَفَاتِكَ ، وَقَوْلُهُ .
لَا
أُطَلِّقُكِ نَفَى الْفِعْلَ ، وَنَفْيُ الْفِعْلِ لَا يَحْتَاجُ إلَى
ظَرْفٍ يَقَعُ فِيهِ فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَقْتِ لَحَمَلْنَاهُ
عَلَى مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي حَمْلِهِ عَلَى
الْوَقْتِ ، وَاللَّفْظُ إذَا كَانَ يَصْلُحُ لِشَيْئَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ
حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْآخَرِ ،
وَحَمْلُهُ عَلَى النَّهَارِ حَمْلٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ قَوْلُهُ : يَوْمَ أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ
الْفِعْلِ ، وَإِثْبَاتُ الْفِعْلِ يَقْتَضِي ظَرْفًا مِنْ مَكَان أَوْ
زَمَانٍ يَقَعُ ، فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَقْتِ حَمَلْنَاهُ عَلَى
مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ اللَّفْظُ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ ؛ إذْ هُوَ
أَعَمُّ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَيُّ وَقْتٍ دَخَلْتُ دَارَ فُلَانٍ
فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَكُلُّ وَقْتٍ دَخَلَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا
طَلُقَتْ وَكَذَا هَذَا .
وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقَرِّرُ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ .
ثُمَّ
قَرَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ : إنَّ قَوْلَهُ : يَوْمٌ لَا
أُطَلِّقُكِ فِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، إيجَابٌ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ ؛
لِأَنَّهُ عَاقَبَ نَفْسَهُ عَلَى تَرْكِ الْإِيقَاعِ ، فَصَارَ مُوجِبًا
لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ مَنْ عَاقَبَ نَفْسَهُ عَلَى تَرْكِ
شَيْءٍ صَارَ مُوجِبًا فِعْلَ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَإِيجَابُ الْفِعْلِ
يَقْتَضِي ظَرْفًا مِنْ
مَكَان أَوْ زَمَانٍ يَقَعُ فِيهِ ، فَلَوْ
حَمَلْنَاهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لَأَلْغَيْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ
لَمْ يَقُلْ : يَوْمٌ ، لَكَانَ أَيْضًا هَكَذَا ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى
بَيَاضِ النَّهَارِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَحْنَثُ
بِمُضِيِّ اللَّيْلِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : يَوْمَ أَدْخُلُ
الدَّارَ ، لِأَنَّهُ نَافٍ لِلْفِعْلِ ؛ لِأَنَّهُ عَاقَبَ نَفْسَهُ عَلَى
الْفِعْلِ وَهُوَ الدُّخُولُ ، فَصَارَ نَافِيًا لَهُ وَنَفْيُ الْفِعْلِ
لَا يَقْتَضِي ظَرْفًا مِنْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ يَقَعُ فِيهِ ، فَلَوْ
حَمَلْنَاهُ عَلَى النَّهَارِ لَحَمَّلْنَاهُ مَا لَا يَحْتَاجُ اللَّفْظُ
إلَيْهِ ، فَلَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ
الْيَوْمَ ، فَفِي أَيِّ وَقْتٍ وُجِدَ الدُّخُولُ حَنِثَ .
وَوَجْهٌ
آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : يَوْمٌ لَا أُطَلِّقُكِ نَفْيٌ لِلْفِعْلِ
، وَشَرْطُ حِنْثِهِ أَنْ لَا يُوقِعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ ، فَلَوْ
حَمَلْنَاهُ عَلَى عُمُومِ الْأَوْقَاتِ لَأَدَّى إلَى مَنْعِ لُزُومِ
الطَّلَاقِ أَبَدًا ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ تَمْضِ جَمِيعُ الْأَوْقَاتِ لَا
يَقَعُ ، وَهُوَ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الطَّلَاقَ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ
يَبْطُلَ ، فَإِذَا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى عُمُومِ الْأَوْقَاتِ حُمِلَ عَلَى
بَيَاضِ النَّهَارِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : يَوْمَ أَدْخُلُ
دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ إيقَاعُ
الطَّلَاقِ ، وَهُوَ إثْبَاتٌ لِلْفِعْلِ وَإِثْبَاتُ الْفِعْلِ يَقْتَضِي
ظَرْفًا مِنْ زَمَانٍ يَقَعُ فِيهِ ، فَفِي حَمْلِهِ عَلَى عُمُومِ
الْأَوْقَاتِ لَا يَكُونُ إلْغَاءً لِلَّفْظِ ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ
يُوجَدُ الدُّخُولُ يَقَعُ ، فَجَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ فَصَارَ
كَأَنَّهُ قَالَ : فِي كُلِّ وَقْتٍ أَدْخُلُ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ،
فَأَيَّ وَقْتٍ دَخَلَهَا وَقَعَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا قَالَ : زَيْنَبُ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : نَوَيْتُ بِهِ امْرَأَةً أُخْرَى أَجْنَبِيَّةً تُسَمَّى زَيْنَبَ لَمْ يُصَدَّقْ .
وَلَوْ قَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَلِامْرَأَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : نَوَيْتُ بِهِ الْأَجْنَبِيَّةَ يُصَدَّقُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ : زَيْنَبُ طَالِقٌ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ إيقَاعَ
الطَّلَاقِ ، وَقَوْلُهُ : زَيْنَبُ اسْمُ عَلَمٍ ، وَأَسْمَاءُ
الْأَعْلَامِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ تَجْرِي مَجْرَى الْإِشَارَةِ ، وَلَوْ
أَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهَا ، وَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ :
نَوَيْتُ أُخْرَى لَمْ يُصَدَّقْ ، وَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى مَا يُفِيدُ
، وَلَا يَلْغُو ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ :
إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : إحْدَاكُمَا لَيْسَ بِاسْمِ
عَلَمٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمُ جِنْسٍ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي
دُخُولِهِ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ كَالْأُخْرَى ، فَكَأَنَّهُ قَالَ :
هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ ، وَلَوْ قَالَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى
امْرَأَتِهِ ، كَذَا هَذَا .
173 - 173 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا ، فَهِيَ طَالِقٌ الْيَوْمَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ ، فَهِيَ طَالِقٌ مَتَى طَلَعَ الْفَجْرُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي وَقْتٍ ، وَوَقَّتَ ذَلِكَ الْوَقْتَ
بِوَقْتٍ آخَرَ ، وَالْوَقْتُ لَا يَتَوَقَّتُ بِوَقْتٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ
الْيَوْمَ لَا يَكُونُ غَدًا ، فَلَمْ يَصِحَّ التَّوْقِيتُ فَوَقَعَ
الطَّلَاقُ وَبَطَلَ الْوَقْتُ الثَّانِي .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ :
إذَا جَاءَ غَدٌ ؛ لِأَنَّهُ وَقَّتَ الطَّلَاقَ بِوَقْتٍ ، وَعَلَّقَهُ
بِشَرْطٍ ، فَبَطَلَ التَّوْقِيتُ وَتَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ ، فَمَا لَمْ
يُوجَدْ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا
دَخَلْتُ الدَّارَ ، فَمَا لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ لَا تَطْلُقُ ، كَذَلِكَ
هَذَا .
174 - 174 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي
مَكَّةَ ، أَوْ فِي ثَوْبِ كَذَا ، طَلُقَتْ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ ،
وَإِنْ نَوَى إذَا قَدِمَ مَكَّةَ .
وَلَوْ قَالَ : فِي ذَهَابِكِ إلَى مَكَّةَ أَوْ دُخُولِكِ دَارَ فُلَانٍ أَوْ فِي مَرَضِكِ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يَقَعُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي ظَرْفٍ وَهُوَ مَكَّةُ ، وَالظَّرْفُ
مَوْجُودٌ فَوَقَعَ فِي الْحَالِ ، كَمَا لَوْ أَوْقَعَهُ فِي وَقْتٍ
مَوْجُودٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ
يَقَعُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : فِي مَرَضِكِ ؛
لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي ظَرْفٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ ، فَمَا لَمْ
يُوجَدْ لَا يَقَعُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ، فَمَا
لَمْ يُوجَدْ لَا يَقَعُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
أَوْ يَقُولُ : الذَّهَابُ
وَالدُّخُولُ وَالْمَرَضُ فِعْلٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا ،
فَصَارَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُقَارَنَةَ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " فِي "
تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا " مَعَ " ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي .
وَادْخُلِي جَنَّتِي } أَيْ : مَعَ عِبَادِي ،
فَقَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ مُقَارِنًا لِلذَّهَابِ ، فَلَمَّا لَمْ
يُوجَدْ لَا يَقَعُ .
إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ غُلَامٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَقَعَ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ كَانَ حَمْلُكِ غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً لَا يَقَعُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْحَمْلَ عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ ، بِدَلِيلِ
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ
أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ، فَمَا لَمْ تَضَعْ جَمِيعَ مَا فِي
الْبَطْنِ لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ
عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ ، فَشَرْطُ حِنْثِهِ أَنْ
يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً وَلَمْ يُوجَدْ
فَلَا يَقَعُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ
غُلَامٌ ؛ لِأَنَّ فِي لِلظَّرْفِ ، فَيَقْتَضِي كَوْنُ بَطْنِهَا ظَرْفًا
لِلْغُلَامِ ، وَقَدْ وُجِدَ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ
يَكُونَ ظَرْفًا لِلْغُلَامِ ، فَقَدْ وُجِدَ فَوُجِدَ شَرْطُ حِنْثِهِ
فَيَقَعُ .
176 - 176 - وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ
وَاحِدَةً ، لَا بَلْ اثْنَتَيْنِ ، وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا طَلُقَتْ
ثَلَاثًا .
وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ : كُنْتُ طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً لَا بَلْ اثْنَتَيْنِ ، طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، ابْتِدَاءُ الْإِيقَاعِ ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا إخْبَارًا
عَنْهُ ، فَوَقَعَتْ وَاحِدَةً ، وَقَوْلُهُ : لَا ، رُجُوعٌ وَالرُّجُوعُ
عَنْ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ يَصِحُّ ، وَبَلْ اسْتِدْرَاكٌ ،
وَالِاسْتِدْرَاكُ يَصِحُّ فَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ قَوْلُهُ : كُنْتُ طَلَّقْتُكِ ؛ لِأَنَّ هَذَا إخْبَارٌ عَنْ
إيقَاعٍ سَابِقٍ ، فَإِذَا قَالَ : لَا ، صَارَ رَاجِعًا عَمَّا أَقَرَّ
بِهِ وَرُجُوعُهُ لَا يَصِحُّ ، وَبَلْ اسْتِدْرَاكٌ ، وَقَدْ سَبَقَ مَا
يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَ رَاجِعًا إلَيْهِ وَإِخْبَارًا عَنْهُ ،
فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : كُنْتُ طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً لَا بَلْ كُنْتُ
طَلَّقْتُكِ تِلْكَ الْوَاحِدَةَ ، وَأُخْرَى مَعَهَا ، فَلَا يَقَعُ .
177
- 177 - إذَا قَالَ : أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ،
فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا .
وَلَوْ قَالَ : إذَا تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِلسَّابِقِ الْمُنْفَرِدِ الَّذِي لَمْ
يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يُشَارِكْهُ فِي الِاسْمِ سِوَاهُ ، وَلَمْ
يُوجَدْ فِي الْمَرْأَتَيْنِ هَذِهِ الصِّفَةُ فَلَمْ يَقَعْ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ
حِنْثِهِ تَزَوُّجُ امْرَأَةٍ وَانْضِمَامُ أُخْرَى إلَيْهَا ، لَا
يَمْنَعْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ
كَلَّمْتُ زَيْدًا ، وَكَلَّمَ زَيْدًا وَعَمْرًا وَقَعَ الطَّلَاقُ ،
كَذَلِكَ هَذَا .
178 - 178 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ قَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَهِيَ قَاعِدَةٌ ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ الدَّارَ لَا تَطْلُقُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ اسْتِدَامَةَ الْقُعُودِ قُعُودٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ :
قَعَدْتُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلَى آخِرِهِ ، فَقَدْ وُجِدَ مَا نَفَاهُ
بِعَقْدِهِ فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ .
وَأَمَّا الدُّخُولُ فَالْبَقَاءُ
عَلَى الدُّخُولِ لَا يَكُونُ دُخُولًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ :
دَخَلْتُ الدَّارَ شَهْرًا ، وَالدُّخُولُ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ
مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ يَمِينِهِ فَلَا
يَقَعُ .
179 - 179 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : فُلَانَةُ طَالِقٌ ،
وَذَلِكَ اسْمُ امْرَأَتِهِ طَلُقَتْ ، وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي صَرْفِ
الطَّلَاقِ عَنْهَا فِي الْقَضَاءِ ، وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ .
وَلَوْ
قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِذَلِكَ
الِاسْمِ ، فَادَّعَاهُ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِ إذَا
أَنْكَرَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِإِيقَاعِ
الطَّلَاقِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَةٍ
تُنْسَبُ إلَيْهِ ، وَهَذِهِ الْمَعْرُوفَةُ هِيَ الْمَنْسُوبَةُ إلَيْهِ
بِالزَّوْجِيَّةِ ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الْإِقْرَارُ ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إيجَابٌ لِلْحَقِّ عَلَى نَفْسِهِ ،
وَلَا ظَاهِرَ يَقْتَضِي صَرْفَهُ إلَى هَذَا دُونَ هَذَا ؛ إذْ
الْإِقْرَارُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَكُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ هَذَا الْمَالِ كَصَاحِبِهِ ، فَصَارَ إقْرَارَ
الْمَجْهُولِ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى أَيِّهِمَا
شَاءَ .
180 - 180 - إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الطَّلَاقِ
وَاخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي
النِّكَاحِ فِي الْوَقْتِ لَمْ تُقْبَلْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ
الطَّلَاقَ قَوْلٌ ، وَالْقَوْلُ يُحْكَى وَيُعَادُ ، فَيَكُونُ الثَّانِي
هُوَ الْأَوَّلُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُرْآنَ يُتْلَى مَرَّةً بَعْدَ
أُخْرَى فَيَكُونُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ ، فَلَمْ يَتَبَيَّنْ
اخْتِلَافٌ فِي الشَّهَادَةِ ، فَقُبِلَتْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي صِحَّتِهِ إلَى الشَّهَادَةِ ،
وَحُضُورِ الشُّهُودِ ، وَالْحُضُورُ فِعْلٌ ، وَالْفِعْلُ لَا يُحْكَى
وَلَا يُعَادُ وَيَكُونُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ ، فَقَدْ شَهِدَا
عَلَى مُعَيَّنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَحْتَاجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
إلَى شَاهِدَيْنِ ، وَالْقَائِمُ بِهِ وَاحِدٌ فَلَمْ يَثْبُتْ لَا هَذَا
وَلَا ذَاكَ .
181 - 181 - وَلَوْ قَالَ مَرِيضٌ لِأَمَتِهِ : أَنْتِ
حُرَّةٌ غَدًا ، وَقَالَ الزَّوْجُ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ غَدٍ
، وَهُوَ يَعْلَمُ بِمَقَالَةِ الْأَوَّلِ فَهُوَ فَارٌّ ، وَإِنْ لَمْ
يَعْلَمْ فَلَا يَكُونُ فَارًّا .
وَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَهَا
ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْعِتْقِ
كَانَ فَارًّا وَلَهَا الْمِيرَاثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ حِينَ عَقَدَ
لَمْ يَكُنْ حَقُّهَا مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ ، وَلَمْ يَقْصِدْ قَطْعَ
حَقِّهَا بِيَمِينِهِ أَيْضًا ؛ إذْ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهَا بِمَالِهِ ،
فَكَيْفَ يَقْصِدُ قَطْعَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا فَإِذَا عَلِمَ كَانَ
قَاصِدًا قَطْعَهُ فَكَانَ فَارًّا .
وَأَمَّا إذَا نَجَزَ الْعِتْقُ
فَحِينَ طَلَّقَ كَانَ حَقُّهَا مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ إلَّا أَنَّهُ
جَهِلَ وَبِجَهْلِهِ يَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ ، لَا يُوجَدُ
انْقِطَاعُ حَقِّهَا لِوُجُودِ الطَّلَاقِ ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ
لَا يَعْلَمُ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْمَرَضِ لَا يُوجِبُ قَطْعَ
الْمِيرَاثِ فَإِنَّهَا تَرِثُ ، وَجَهْلُهُ لَا يَقْطَعُ حَقَّهَا ،
كَذَلِكَ هَذَا .
182 - 182 - إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ
ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَهِيَ
فِي الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا .
وَبِمِثْلِهِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فَطَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا ، ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَرِثُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الرِّدَّةَ مَعْنًى يُوجِبُ قَطْعَ الْإِرْثِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ
يُقْطَعُ إرْثُهَا عَنْ سَائِرِ الْأَقْرِبَاءِ ، فَهِيَ بِالرِّدَّةِ
صَارَتْ رَاضِيَةً بِانْقِطَاعِ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ فَانْقَطَعَ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُطَاوَعَةُ ، لِأَنَّ نَفْسَ الْمُطَاوَعَةِ لِابْنِ
الزَّوْجِ لَا يُوجِبُ قَطْعَ الْإِرْثِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ
إرْثُهَا عَنْ سَائِرِ الْأَقْرِبَاءِ ، وَالْفُرْقَةُ لَمْ تَقَعْ
بِالْمُطَاوَعَةِ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ بِالطَّلَاقِ ، فَلَمْ تَصِرْ
رَاضِيَةً بِقَطْعِ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ فَلَا يَنْقَطِعُ .
183 -
183 - إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ فِي مَرَضِ
الزَّوْجِ ، بِأَنْ طَاوَعَتْ ابْنَهُ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا مِيرَاثَ
لَهَا مِنْهُ .
وَلَوْ طَاوَعَتْهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِي مَرَضِ الزَّوْجِ ، وَالطَّلَاقُ كَانَ فِي الْمَرَضِ لَمْ يُقْطَعْ إرْثُهَا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِمُطَاوَعَتِهَا ابْنَ زَوْجِهَا ، لَمَّا
جَامَعَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ ، فَصَارَتْ رَاضِيَةً بِانْقِطَاعِ حَقِّهَا
عَنْ مَالِهِ فَلَا تَرِثُ ، كَمَا لَوْ سَأَلَتْ الطَّلَاقَ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ إذَا طَاوَعَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ
تَقَعْ بِالْمُطَاوَعَةِ ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ بِالطَّلَاقِ ، وَقَدْ
بَيَّنَّا أَنَّ الْمُطَاوَعَةَ لَا تُوجِبُ قَطْعَ الْإِرْثِ ، فَلَمْ
تَصِرْ رَاضِيَةً بِانْقِطَاعِ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ فَلَمْ يَنْقَطِعْ .
184
- 184 - إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ
شَهْرَيْنِ : أَخْبَرَتْنِي أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ ،
فَكَذَّبَتْهُ ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ،
أَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَالْمِيرَاثُ لَهَا إنْ
مَاتَ ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ نَفَقَتِهَا وَمِيرَاثِهَا إنْ
جَاءَتْ بِوَلَدٍ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَوْ قَضَى لَهَا
بِالْإِرْثِ بَطَلَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ نِسْوَةٍ ، وَالْأُخْتِ .
وَلَوْ قَضَى لَهَا بِالنَّفَقَةِ لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهُنَّ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْإِرْثِ فَقَدْ
ظَهَرَ كَذِبُ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِمَعْنًى
مُتَقَدِّمٍ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَهِيَ حَالَةُ الْعُلُوقِ ،
وَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ ، فَصَارَ
الْحُكْمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ حُكْمًا بِبَقَاءِ
الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَاضِي ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ
ظَهَرَ كَذِبُ الزَّوْجِ فَقَدْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَهِيَ تَحْتَهُ ،
وَكَذَلِكَ أَرْبَعًا سِوَاهَا فَلَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَضَى
بِالنَّفَقَةِ ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ ، لِمَعْنًى مُسْتَقْبَلٍ ؛
لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ ، فَلَمْ يَكُنْ الْقَضَاءُ
بِالنَّفَقَةِ قَضَاءً بِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَاضِي
فَصَارَ مُتَزَوِّجًا أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا بَعْدَ
انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ فَكَانَ
الْمِيرَاثُ لَهُنَّ دُونَهَا .
امْرَأَةٌ أَيَّامُ حَيْضِهَا
تَارَةً خَمْسَةٌ ، وَتَارَةً سَبْعَةٌ ، فَطَلُقَتْ فِي الْمَرَضِ
فَاسْتُحِيضَتْ ، أَخَذَتْ فِي الْمِيرَاثِ وَالصَّلَاةِ بِخَمْسَةٍ .
وَفِي التَّزْوِيجِ بِسَبْعَةٍ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّنَا تَشَكَّكْنَا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ حَيْضِهَا ، وَيَجُوزُ
أَنَّهَا قَدْ طَهُرَتْ وَوَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا ، وَيَجُوزُ
أَنَّهَا لَمْ تَطْهُرْ وَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا ، فَلَأَنْ تُصَلِّيَ فِي
وَقْتٍ لَا صَلَاةَ عَلَيْهَا فِيهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَدَعَهَا فِي
وَقْتٍ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَكَذَلِكَ
شَكَكْنَا فِي وُجُوبِ الْإِرْثِ لَهَا فَلَا تَرِثُ بِالشَّكِّ .
وَشَكَكْنَا
فِي إبَاحَتِهَا لِلْأَزْوَاجِ ، وَالْإِبْضَاعُ يُحْتَاطُ فِيهَا وَلَا
تُبَاحُ بِاللَّبْسِ وَالْإِشْكَاكِ ، فَلَأَنْ تَدَعَ التَّزَوُّجَ فِي
وَقْتٍ يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ فِيهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَتَزَوَّجَ
فِي وَقْتٍ لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ .
186 - 186 - إذَا طَلَّقَ
الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ ، فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ
تَخْرُجَ بِالْوَلَدِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إلَى مِصْرِهَا إنْ
كَانَ النِّكَاحُ وَقَعَ هُنَاكَ .
وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ وَقَعَ فِي
غَيْرِ مِصْرِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُخْرِجَهُ إلَى مِصْرِهَا ،
وَلَا حَيْثُ وَقَعَ النِّكَاحُ هُنَاكَ .
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي الْمِصْرِ وَالطَّلَاقُ فِي
ذَلِكَ الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِالْوَلَدِ إلَى مِصْرٍ
آخَرَ ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي مِصْرِهَا وَالطَّلَاقُ فِي غَيْرِ
مِصْرِهَا فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِالْوَلَدِ إلَى مِصْرِهَا ، وَإِنْ
كَانَ النِّكَاحُ فِي غَيْرِ مِصْرِهَا وَالطَّلَاقُ فِي مِصْرٍ غَيْرِهَا ،
مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِمَكَّةَ وَقَدْ خَرَجَتْ حَاجَّةً ، ثُمَّ
نَقَلَهَا إلَى بَلَدِهِ فَطَلَّقَهَا فَلَا تَخْرُجُ بِالْوَلَدِ إلَى
بَلَدِهَا وَلَا إلَى الْبَلَدِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِيهِ .
وَالْفَرْقُ
بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ : أَنَّ الْوَلَدَ مُسْتَفَادٌ عَلَى مِلْكِ
الْفِرَاشِ ، وَذَلِكَ الْعَقْدُ أَوْجَبَ تَسْلِيمَ الْأُمِّ فِي ذَلِكَ
الْمِصْرِ ، فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ الْمُسْتَفَادُ عَلَيْهِ ، فَصَارَ
كَوْنُ الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُوجِبًا لِلْعَقْدِ ، وَفِي
الْخُرُوجِ عَنْ الْمِصْرِ ضَرَرٌ بِالصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ يَغِيبُ عَنْ
الْوَالِدِ فَلَا يَخْرُجُ ، وَيُرَاعَى حَقُّ الْعَقْدِ وَحَقُّ الْوَلَدِ
، فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فِي مِصْرِهَا وَالطَّلَاقُ فِي مِصْرٍ آخَرَ
فَالْعَقْدُ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ فِي مِصْرِهَا ، فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ
الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ ، فَصَارَ نَقْلُهَا إلَى بَلَدِهَا مِنْ مُوجَبِ
الْعَقْدِ ؛ فَيَجِبُ أَنْ يُنْقَلَ .
وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فِي
غَيْرِ مِصْرِهَا وَالطَّلَاقُ فِي غَيْرِ مِصْرِهَا فَلَا تَخْرُجُ
بِالْوَلَدِ إلَى مِصْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُوجِبُ تَسْلِيمًا
فِي مِصْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا فِيهِ ، فَلَا يَجِبُ
تَسْلِيمُ الْوَلَدِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ ، وَلَا يَنْقُلُهَا إلَيْهِ ،
وَلَا يَنْقُلُهَا إلَى الْبَلَدِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ
فِيهِ إضْرَارًا بِالْوَلَدِ
لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَحَدٌ مِنْ أَقْرِبَائِهِ وَأَقْرِبَاءِ أَبِيهِ ، وَمُوجَبُ الْعَقْدِ إنَّمَا يُرَاعَى إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِالصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ مِنْ حَقِّ الصَّبِيِّ ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِهِ فَلَا يُرَاعَى مُوجَبُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي الْوَلَدِ كَذَلِكَ هَاهُنَا ، فَالْحَاصِلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ : أَنْ يُرَاعَى مُوجَبُ الْعَقْدِ فِي التَّسْلِيمِ ، وَيُصَانَ الصَّبِيُّ عَنْ الضَّرَرِ .
رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَائِعًا ، ثُمَّ قَالَ : عَنَيْتُ بِهِ طَلَاقًا مِنْ وَثَاقٍ ، لَا يُصَدَّقُ .
وَالْمُكْرَهُ لَوْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ يُصَدَّقُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ حَالَةَ الطَّوْعِ لَمْ يَقْتَرِنْ بِاللَّفْظِ مَا دَلَّ عَلَى
أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ غَيْرَهُ ، وَالظَّاهِرُ فِي اللَّفْظِ الْإِيقَاعُ ،
فَإِذَا قَالَ : نَوَيْتُ بِهِ غَيْرَهُ لَمْ يُصَدَّقْ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ حَالَةُ الْإِكْرَاهِ ؛ لِأَنَّهُ اقْتَرَنَ بِاللَّفْظِ مَا
دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ ؛ إذْ لَوْ كَانَ
قَاصِدًا لِلطَّلَاقِ لَمَا احْتَاجَ إلَى الْإِكْرَاهِ ، فَقَدْ ادَّعَى
وَالظَّاهِرُ مَعَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ .
188 - 188 - إذَا
خَلَعَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوْ الْكَبِيرَةَ مِنْ زَوْجِهَا
عَلَى صَدَاقِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَضَمَّنَهُ الْأَبُ وَقَعَ
الطَّلَاقُ .
وَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْهُ الْأَبُ لَمْ يَقَعْ ، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الزَّوْجَ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ بَعْضِهَا بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ
الْبَدَلَ لَهُ ، فَإِذَا ضَمِنَ فَقَدْ سَلَّمَ لَهُ الْبَدَلَ ،
فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ بِالْعَقْدِ فَوَقَعَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ
يَضْمَنْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ بِالْعَقْدِ ، وَهُوَ
إنَّمَا رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْبُضْعِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ
الْبَدَلَ لَهُ ، وَلَمْ يُسَلِّمْ فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ .
فَإِنْ
قِيلَ : أَلَيْسَ لَوْ خَلَعَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَبِلَتْ
وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ ؟ وَكَذَلِكَ
الصَّغِيرَةُ إذَا اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَالطَّلَاقُ
وَاقِعٌ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ عَلَيْهَا .
قُلْنَا :
يَسْتَحِيلُ وُجُوبُ الْخَمْرِ بِالْعَقْدِ لِلْمُسْلِمِ ، وَكَذَلِكَ
يَسْتَحِيلُ وُجُوبُ الْجُعْلِ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِعَقْدِهَا ، فَقَدْ
ذُكِرَ الْبَدَلُ فِي عَقْدٍ يَسْتَحِيلُ ثُبُوتُهُ فِيهِ ، فَكَانَ
الشَّرْطُ فِيهِ الْقَبُولَ دُونَ اللُّزُومِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ :
إنْ قَبِلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِذَا قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ
وَلَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ لِاسْتِحَالَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا ، وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الْبَالِغُ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ وُجُوبُ الْبَدَلِ بِعَقْدِهِ ،
فَإِذَا ذَكَرَ الْبَدَلَ كَانَ قَاصِدًا اسْتِيجَابَهُ ، فَإِذَا لَمْ
يَجِبْ الْبَدَلُ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الْمُبْدَلَ .
189 - 189
- إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ : طَلَّقْتُكِ أَمْسِ بِأَلْفٍ
فَلَمْ تَقْبَلِي ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ ، وَقَالَتْ : كُنْتُ قَبِلْتُ ،
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ .
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ :
بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الشَّيْءَ أَمْسِ فَلَمْ تَقْبَلْ ، وَقَالَ
الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَدَلٍ ، فَإِذَا أَقَرَّ
بِالْبَيْعِ فَقَدْ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْبَدَلِ ، وَوُجُوبُ الْبَدَلِ لَا
يَكُونُ إلَّا بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : بِعْتُ
وَقَبِلْتَ ، ثُمَّ قَالَ : لَمْ تَقْبَلْ فَلَمْ يُصَدَّقْ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَكُونُ
بِغَيْرِ بَدَلٍ ، فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ بِالطَّلَاقِ إقْرَارًا
بِوُجُوبِ الْبَدَلِ لَهُ ، وَإِذَا لَمْ يُقِرَّ بِوُجُوبِ الْبَدَلِ لَمْ
يَكُنْ مُقِرًّا بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ الْبَدَلَ ، فَصَارَتْ تَدَّعِي
عَلَيْهِ الْقَبُولَ ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ
يَمِينِهِ .
190 - 190 - إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِ
الْمَرْأَةِ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَخْلَعَهَا ، وَلَا تَزِيدُ عَلَى مَا
أَعْطَاهَا .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا كُرِهَ لَهُ
أَنْ يَخْلَعَهَا ، وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا لَا قَلِيلًا وَلَا
كَثِيرًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَدِي فِي السَّبَبِ ،
لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعَاشِرَهَا بِالْمَعْرُوفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ، فَإِذَا أَسَاءَ فِي الْعِشْرَةِ
فَقَدْ تَعَدَّى فِي السَّبَبِ ، فَكُرِهَ لَهُ أَخْذُ الْبَدَلِ .
وَإِنْ
كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا فَهِيَ الْمُعْتَدِيَةُ فِي السَّبَبِ ،
فَصَارَتْ كَالْمُلْجِئَةِ إيَّاهُ إلَى الْخُلْعِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ
يَأْخُذَ عَلَيْهِ بَدَلًا ، وَيُكْرَهُ الزِّيَادَةُ لِلْخَبَرِ { أَنَّ
امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَا
أَنَا وَلَا ثَابِتٌ مَا مَعَهُ إلَّا كَهُدْبَةِ ثَوْبِي هَذَا ، فَقَالَ
: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ، قَالَتْ : نَعَمْ وَزِيَادَةً ،
فَقَالَ : أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا } ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْخُلْعِ
عَلَيْهِ وَكَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ .
191 - 191 - إذَا قَالَ لَهَا :
أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ، أَوْ قَالَ :
عَلَى أَلْفٍ ، فَهُوَ سَوَاءٌ ، فَإِنْ قَبِلَتْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ
وَقَعَ الطَّلَاقُ وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ : إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا
فَأَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ إذَا أَعْطَيْتِنِي ، أَوْ مَتَى أَعْطَيْتِنِي
فَقَبِلَتْ ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَدْفَعْ
لَهُ الْأَلْفَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ يُطْلَقُ
وَيُرَادُ بِهِ الْمُنَاوَلَةُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ : أَعْطَيْتُهُ
كَذَا يَعْنِي نَاوَلْتُهُ ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ ،
لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالْعَطِيَّةَ عِبَارَتَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ
وَهُوَ التَّمْلِيكُ ، فَإِذَا قَالَ : إنْ أَعْطَيْتِنِي أَوْ إذَا
أَعْطَيْتِنِي أَوْ مَتَى أَعْطَيْتِنِي لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى
التَّمْلِيكِ ، لِأَنَّ تَعْلِيقَ التَّمْلِيكِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ ،
فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُنَاوَلَةِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إنْ
نَاوَلْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ
لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ إلَّا بِالْمُنَاوَلَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تُعْطِينِي أَلْفًا ؛ لِأَنَّ هَاهُنَا
يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّمْلِيكِ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ ،
فَكَأَنَّهُ قَالَ : إنْ مَلَّكْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ،
وَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْقَبُولِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
فَإِنْ
قِيلَ : أَلَيْسَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ
قَالَتْ : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا
وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَلَا يُجْعَلُ بِمَعْنَى
الْمُعَاوَضَةِ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ هَذَا جُعِلَ
هَاهُنَا كَذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ .
قُلْنَا :
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَوْلَهَا : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى
أَلْفِ دِرْهَمٍ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ لِلطَّلَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةُ
الطَّلَاقِ ، وَعَلَى إذَا أُدْخِلَ عَلَى غَيْرِ مَعْقُودٍ فَكَانَ
بِمَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِهِ ، وَيَجُوزُ
تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ ، وَفِي
مَسْأَلَتِنَا عَقْدُ الطَّلَاقِ وَتَعْلِيقُ الْعُقُودِ بِالشُّرُوطِ لَا يَجُوزُ ، فَلَا نَحْمِلُهُ عَلَى الشَّرْطِ لَا يُؤَدِّي إلَى الْغَايَةِ .
192 - 192 - إذَا وُكِّلَ رَجُلَيْنِ بِالْخُلْعِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْخُلْعِ .
وَلَوْ وُكِّلَ رَجُلَيْنِ بِالطَّلَاقِ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ .
وَالْفَرْقُ
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِعَقْدِ الْخُلْعِ الْمَالُ ، فَصَارَ كَالْبَيْعِ ،
وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ بِالْبَيْعِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ ،
كَذَلِكَ هَذَا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ أَشْرَكَ بَيْنَهُمَا فِي
الرَّأْيِ وَالِاخْتِيَارِ وَالشَّيْءُ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى
الرَّأْيِ وَالِاخْتِيَارِ ، فَلَمْ يَكُنْ رِضَاهُ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا
رِضًا بِرَأْيِ الْآخَرِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ الْمَالَ ، فَقَدْ
أَمَرَهُمَا بِتَنْفِيذِ قَوْلِهِ ، وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ فِيمَا لَا
يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالِاخْتِيَارِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ
أَمَرَهُمَا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ ، فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ
بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
193 - 193 - إذَا خَلَعَهَا عَلَى دَرَاهِمَ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا .
وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى جَارِيَةٍ فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً عَيْبًا يَسِيرًا لَا يَرُدُّهَا .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ يَسْتَدْرِكُ بِالرَّدِّ فِي الدَّرَاهِمِ بَدَلًا ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ رَدَّهَا لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا جِيَادًا ، فَكَأَنَّ لَهُ
أَنْ يَرُدَّهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَارِيَةُ ، لَأَنْ لَا
يَسْتَدْرِكَ بِالرَّدِّ بَدَلًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا لَرَجَعَ
بِقِيمَتِهَا ، وَالْمُقَوِّمُونَ يَخْتَلِفُونَ فِيهَا ، فَإِذَا لَمْ
يَسْتَدْرِكْ بِالرَّدِّ بَدَلًا لَمْ يَكُنْ فِي الرَّدِّ فَائِدَةٌ فَلَا
يَرُدُّ .
194 - 194 - وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : طَلِّقِي نَفْسَكِ ، فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ .
وَلَوْ قَالَ : لِأَجْنَبِيٍّ طَلِّقْ امْرَأَتِي ، فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَقَبْلَهُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ قَوْلَهُ : طَلِّقِي نَفْسَكِ تَمْلِيكُ الرَّأْيِ وَالِاخْتِيَارِ ،
وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّصَرُّفِ ، وَيَسْتَحِيلُ
أَنْ تَكُونَ وَكِيلَةً بِالتَّصَرُّفِ لِنَفْسِهَا ؛ لِأَنَّ مَنْ
اشْتَرَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا لَا يُجْعَلُ وَكِيلًا فَصَارَ تَمْلِيكًا
لِلرَّأْيِ وَالِاخْتِيَارِ ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ، كَمَا لَوْ
قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ ، وَكَخِيَارِ الْقَبُولِ فِي
الْبَيْعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ ؛ لِأَنَّ هَذَا
تَوْكِيلٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ
الْأَجْنَبِيُّ وَكِيلًا بِالتَّصَرُّفِ فَلَا يُجْعَلُ تَمْلِيكًا إلَّا
بِقَرِينَةٍ ، وَلَمْ تُوجَدْ فَبَقِيَ تَوْكِيلًا ، وَالتَّوْكِيلُ لَا
يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ .
195 - 195 - وَلَوْ قَالَ : أَبْرِئْ نَفْسَكَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْكَ ؛ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ .
وَلَوْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَكِ ؛ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ قَوْلَهُ : أَبْرِئْ نَفْسَكَ ، يَحْتَمِلُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ؛
لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ ، وَيَحْتَمِلُ مَعْنَى التَّوْكِيلِ ؛
لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْإِبْرَاءِ ، وَفِي
التَّمْلِيكِ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ
كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ قَبِلْتِ فِي الْمَجْلِسِ وَأَبْرَأْتِ نَفْسَكِ
بَرِئْتِ ، وَتَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ لَا يَجُوزُ ، فَلَا
يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَمْلِيكًا فَصَارَ تَوْكِيلًا ، وَالتَّوْكِيلُ
لَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : طَلِّقِي
نَفْسَكِ ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ ،
وَفِي التَّمْلِيكِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ ، وَالطَّلَاقُ
يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ ، فَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى أَنْ
يَجْعَلَهُ تَوْكِيلًا فَبَقِيَ تَمْلِيكًا ، فَيَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ .
196
- 196 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْتِ ،
وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا ، فَقَالَتْ : قَدْ شِئْت وَاحِدَةً
وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ؛ طَلُقَتْ ثَلَاثًا .
وَلَوْ قَالَتْ : شِئْتُ وَاحِدَةً وَسَكَتَتْ ، ثُمَّ قَالَتْ : شِئْتُ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ؛ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ .
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : إنْ شِئْتِ شَرْطٌ ، وَالْجَزَاءُ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ كَمَالِ الشَّرْطِ .
أَلَا
تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ
وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ؛ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ حَتَّى
تَدْخُلَ الدَّارَ ، ثُمَّ يَقَعُ ثَلَاثًا عِنْدَ الدُّخُولِ وَلَا
يَسْبِقُ الْأَوَّلُ الثَّانِيَةَ ، كَذَلِكَ هَذَا وَقَفَ الطَّلَاقَ
الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ ، فَإِذَا عَطَفْتَ الثَّانِيَ
عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَ عَلَى الثَّانِي صَارَ الْجَمِيعُ جَوَابًا
لَهُ فَوَقَعَ الْكُلُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَتْ : شِئْتُ
وَاحِدَةً ، وَسَكَتَتْ ، ثُمَّ قَالَتْ : شِئْتُ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ؛
لِأَنَّهَا لَمْ تَعْطِفْ بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَى بَعْضٍ ، وَقَدْ عَلَّقَ
الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ ، وَإِذَا قَالَتْ : شِئْتُ وَاحِدَةً ،
وَسَكَتَتْ ، فَقَدْ أَعْرَضَتْ عَمَّا جَعَلَ إلَيْهَا ، فَخَرَجَ
الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا ؛ فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، كَمَا لَوْ قَامَتْ مِنْ
الْمَجْلِسِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ
وَطَالِقٌ ، لِأَنَّ هَذَا إيقَاعٌ ، وَالْإِيقَاعُ لَا يَقِفُ بَعْضُهُ
عَلَى بَعْضٍ فَبَانَتْ بِالْأُولَى ، فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ
وَالثَّالِثَةُ .
197 - 197 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : طَلِّقِي
نَفْسَكِ ، ثُمَّ نَهَاهَا فِي الْمَجْلِسِ ، ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا
وَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ : طَلِّقْ امْرَأَتِي ثُمَّ نَهَاهُ ، ثُمَّ طَلَّقَ لَمْ يَقَعْ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ : طَلِّقْ فَهَذَا تَوْكِيلٌ ؛
لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ ، فَكَانَ تَوْكِيلًا
فَيَبْطُلُ بِالنَّهْيِ كَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الْمَرْأَةُ لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهَا فَلَا تَكُونُ وَكِيلَةً ،
لِأَنَّهَا يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ وَكِيلَةً فِيمَا تَتَصَرَّفُ
لِنَفْسِهَا ، فَصَارَ تَمْلِيكًا ، وَالنَّهْيُ بَعْدَ التَّمْلِيكِ لَا
يَصِحُّ .
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ فِيمَا إذَا جَرَى
لَا يُفْسَخُ ، فَلَمْ يَكُنْ لِمُوجَبِهِ إبْطَالُهُ ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ
أَمَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ، فَقَالَ قَدْ أَبْطَلْتُ خِيَارَكِ لَمْ
يَصِحَّ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ : طَلِّقِي فِيهِ مَعْنَى
الشَّرْطِ ، وَمَعْنَى التَّمْلِيكِ ، فَلَمَّا كَانَ فِيهِ مَعْنَى
الشَّرْطِ قُلْنَا : لَا يَكُونُ لِمُوجَبِهِ إبْطَالُهُ ، كَمَا لَوْ
قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لَمْ
يَكُنْ لَهُ إبْطَالُهُ ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ قُلْنَا
: يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ، فَيَكُونُ فِيهِ تَوْفِيرُ حَظِّهِ مِنْ
الشَّبَهَيْنِ .
198 - 198 - إذَا كَانَ الرَّجُلُ مَعَ امْرَأَتِهِ عَلَى دَابَّةٍ فِي مَحْمَلٍ وَاحِدٍ فَسَارَتْ الدَّابَّةُ بَطَلَ خِيَارُهَا .
وَإِذَا تَعَاقَدَا عَقْدَ الصَّرْفِ وَهُمَا عَلَى دَابَّةٍ فَسَارَتْ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا
يَقْدِرَانِ عَلَى إمْسَاكِهَا ، وَلَوْ وَطِئَتْ الدَّابَّةُ رَجُلًا أَوْ
شَيْئًا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا ، فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُمَا مَا
يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَبَطَلَ الْخِيَارُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الْمُتَصَارِفَانِ ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ
الْقَبْضِ ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ لَا يُبْطِلُ
الْعَقْدَ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : لَا أَقْبِضُ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ .
199 - 199 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : اخْتَارِي ، فَقَالَتْ : طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَلَوْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَكِ ، فَقَالَتْ : اخْتَرْتُ نَفْسِي ؛ لَا يَقَعُ شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ قَوْلَهَا : اخْتَرْتُ ، لَا يُوجِبُ إيقَاعَ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ
مِنْ فِعْلِ الْقَلْبِ ، كَقَوْلِهِ : أَحِبِّي أَوْ ارْتَدِّي ، إلَّا
أَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى أَنَّهَا إذَا قَالَتْ عَقِيبَ
قَوْلِهِ : اخْتَارِي ، فَإِنَّهُ يَقَعُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ ، وَالْبَاقِي
بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهَا : طَلَّقْتُ آكَدُ
مِنْ قَوْلِهَا : اخْتَرْتُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ
وَيَعْمَلُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ ، وَالِاخْتِيَارُ لَا يَعْمَلُ مِنْ
غَيْرِ قَرِينَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَيَّرَهَا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ
الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ
وَقَعَ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مُوجِبٌ لِلْفُرْقَةِ ، فَكَانَ الْأَضْعَفُ فِي
ضِمْنِ الْآكَدِ ، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ : طَلَّقْتُ نَفْسِي ، وَزَادَتْ
عَلَيْهِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَإِذَا قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَكِ
فَقَالَتْ : اخْتَرْتُ ، فَالْآكَدُ لَا يَكُونُ فِي ضِمْنِ الْأَضْعَفِ ،
فَإِذَا جَعَلَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ ، فَاخْتَارَتْ ، فَلَمْ تَفْعَلْ مَا
جَعَلَ الزَّوْجُ إلَيْهَا فَلَا يَقَعُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : سَلِي
الطَّلَاقَ ، فَقَالَتْ : اخْتَرْتُ نَفْسِي .
200 - 200 - إذَا
قَالَ لِامْرَأَتِهِ : فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَالَ :
أَشْرَكْتُ فُلَانَةَ مَعَهَا فِي الطَّلَاقِ ، طَلُقَتْ الْأُخْرَى
مَعَهَا ثَلَاثًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ، ثُمَّ
قَالَ : أَشْرَكْتُ فُلَانَةَ مَعَهَا فِي الظِّهَارِ ؛ كَانَ مُظَاهِرًا
مِنْهُمَا .
وَلَوْ آلَى مِنْهَا ، ثُمَّ قَالَ : أَشْرَكْتُ فُلَانَةَ مَعَهَا لَمْ يَكُنْ مُوَلِّيًا مِنْ الْأُخْرَى .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ الثَّلَاثُ
فَقَوْلُهُ : أَشْرَكْتُ فُلَانَةَ ، يَقْتَضِي إيجَابَ التَّسَاوِي
بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ ، وَلَا يُوجِبُ تَغْيِيرَ مُوجَبِ
الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، فَجَازَتْ الْمُشَارَكَةُ ، وَكَذَلِكَ فِي
الظِّهَارِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْإِيلَاءِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ
الْإِيلَاءِ عِنْدَ الْمُشَارَكَةِ بَيْنَهُمَا تَغْيِيرُ مُوجَبِ عَقْدِهِ
؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الِابْتِدَاءِ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ
فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِوَطْئِهِمَا جَمِيعًا ،
وَوَقَفَ قُرْبَانَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَتَغْيِيرُ مُوجَبِ
الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ ، فَلَمْ يُمْكِنْ اشْتِرَاكُهُمَا
إيَّاهُ فَأُلْغِيَ قَوْلُهُ أَشْرَكْتُ .
201 - 201 - إذَا طَلَّقَ
امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَالَ : أَشْرَكْتُ فُلَانَةَ مَعَهَا فِي
الطَّلَاقِ ، وَقَعَ عَلَى الْأُخْرَى الثَّلَاثُ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : بَيْنَكُمَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ؛ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَتَيْنِ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ أَوْقَعَ عَلَى الْأُولَى الثَّلَاثَ ، وَأَشْرَكَ الثَّانِيَةَ
مَعَهَا ، فَظَاهِرُ الشَّرِكَةِ يُوجِبُ التَّسَاوِي ، وَالْمُسَاوَاةُ
أَنْ تَنْقُلَ نِصْفَ مَا وَجَبَ لِلْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ ، وَلَا
يَقْدِرُ عَلَى نَقْلِ نِصْفِ مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ الطَّلَاقِ إلَى
الثَّانِيَةِ ، وَيَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ لَهَا مِنْ الْخَيْرِ مِثْلَ مَا
وَجَبَ لِلْأُولَى ، فَوَقَعَ عَلَى الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : بَيْنَكُمَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ عَلَى وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا وَإِنَّمَا أَشْرَكَ فِي
الْإِيقَاعِ ، وَظَاهِرُ الشَّرِكَةِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فَيَنْقَسِمُ
الثَّلَاثُ بَيْنَهُمَا ، فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ ،
وَالطَّلَاقُ لَا يَتَبَعَّضُ ، فَإِذَا وَقَعَ بَعْضُهُ كَمُلَ .
202
- 202 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَفُلَانَةُ
أَوْ فُلَانَةُ ، فَالْأُولَى طَالِقٌ ، وَالْخِيَارُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ .
أَلَا
تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَقَدْ
اسْتَقْرَضَتْ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ فُلَانَةَ ؛ كَانَ
الطَّلَاقُ وَاقِعًا ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأَلْفِ ، يُقِرُّ بِهَا
لِأَحَدِهِمَا وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ مَا اسْتَقْرَضَ مِنْهُ شَيْئًا .
وَلَوْ
قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا أَوْ خَالِدًا
فَإِنَّهُ يَكُونُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ وَالْأَخِيرِ .
وَحُكِيَ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ كَمَسْأَلَةِ الْكَلَامِ .
وَالْوَجْهُ
لَهُ : أَنَّ الْوَاوَ فِي الِاسْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ تَعْمَلُ
عَمَلَ التَّثْنِيَةِ مِنْ الِاسْمَيْنِ الْمُتَّفِقَيْنِ ، فَيَقُولُ فِي
مُخْتَلِفِي الِاسْمِ : لَقِيتُ زَيْدًا وَعَمْرًا ، وَأَعْطَيْتُهُ
دِرْهَمًا وَدِينَارًا ، وَإِذْ اتَّفَقَ الِاسْمَانِ يَثْبُتُ بِقَوْلِ
لَقِيتُ الزَّيْدَيْنِ وَأَعْطَيْتُهُمَا دِرْهَمَيْنِ وَالتَّثْنِيَةُ
تُوجِبُ الْجَمْعَ ، كَذَلِكَ الْوَاوُ تُوجِبُ الْجَمْعَ ، فَصَارَ
كَأَنَّهُ قَالَ : فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ طَالِقَتَانِ أَوْ فُلَانَةُ ،
فَيَكُونُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ وَالْأَخِيرَةِ ، كَذَلِكَ
هَذَا ، دَلِيلُهُ مَسْأَلَةُ الْكَلَامِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِضْمَارَ مَحَلُّ الْإِظْهَارِ ، وَمَا لَا يَجُوزُ إظْهَارُهُ لَا يَجُوزُ إضْمَارُهُ .
أَلَا
تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ : جَاءَتْ ، وَيُرَادُ بِهِ زَيْدٌ ، كَمَا لَا
يُصَرَّحُ فَيُقَالُ : جَاءَتْ زَيْدٌ ، وَلَوْ أَظْهَرَ وَقَالَ : أَنْتِ
وَفُلَانَةُ طَالِقٌ ؛ كَانَ خَطَأً وَلَا يَجُوزُ ، فَكَذَلِكَ إذَا
أَضْمَرَ وَلَمْ يَقُلْ : طَالِقٌ طَالِقٌ ، وَجَبَ أَلَّا يَجُوزَ ،
وَإِذَا لَمْ يَجُزْ إضْمَارُهُ لَمْ تَدْخُلْ الثَّانِيَةُ فِي حَيِّزِ
الْأُولَى فَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَيِّزٍ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ
: أَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ طَالِقٌ أَوْ فُلَانَةُ ، وَلَوْ قَالَ :
هَكَذَا أُخْرِجَتْ الْأُولَى عَنْ التَّخَيُّرِ ، وَالْخِيَارُ بَيْنَ
الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
مَسْأَلَةُ
الْكَلَامِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَظْهَرَ صَحَّ إظْهَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ
إذَا قَالَ : لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا صَحَّ ، وَلَمْ يَكُنْ
خَطَأً فَإِذَا جَازَ إظْهَارُهُ جَازَ إضْمَارُهُ ، فَصَارَ جَامِعًا
بَيْنَهُمَا ، فَدَخَلَ الثَّانِي فِي حَيِّزِ الْأَوَّلِ فَخُيِّرَ بَيْنَ
الْأُولَتَيْنِ وَالثَّالِثَةِ .
وَلِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى
الْمُطَلَّقَةِ يَقْتَضِي إفْرَادَ الْمَعْطُوفِ بِالطَّلَاقِ أَيْضًا ،
بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : زَيْنَبُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ ؛ وَقَعَتْ
عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ ، فَإِذَا قَالَ : عَمْرَةُ طَالِقٌ
وَزَيْنَبُ ؛ وَجَبَ إفْرَادُ زَيْنَبَ عَنْ الْأَوَّلِ ، فَكَأَنَّهُ
قَالَ : عَمْرَةُ طَالِقٌ وَزَيْنَبُ طَالِقٌ ، لَوْ قَالَ هَكَذَا
أُخْرِجَ الْأَوَّلُ عَنْ التَّخْيِيرِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْمَنْفِيِّ
كَلَامُهُ لَا يَقْتَضِي إفْرَادَهُ بِالنَّفْيِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ :
لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا ، فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَحْنَثْ
فِي يَمِينِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْرَدًا
بِالنَّفْيِ ، فَإِذَا لَمْ يَقْتَضِ إفْرَادَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
لِحَيِّزِ الْأَوَّلِ دَخَلَ الثَّانِي فِي حَيِّزِ الْأَوَّلِ ،
فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا أُكَلِّمُهُمَا أَوْ فُلَانَةَ ؛ فَيَكُونُ
الْخِيَارُ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ وَالثَّالِثَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
لِأَنَّ
قَوْلَهُ : هَذَا أَوْ هَذَا ، هَذَا الِاسْمُ لِأَحَدِهِمَا ، فَصَارَ
كَأَنَّهُ قَالَ : فُلَانَةُ وَاحِدُ هَذَيْنِ ، فَخَرَجَتْ الْأُولَى عَنْ
التَّخْيِيرِ وَبَقِيَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ .
وَفِي
مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ : هَذَا أَوْ هَذَا اسْمٌ لِأَحَدِهِمَا ،
فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ أَحَدَ هَذَيْنِ ؛ فَلَا
يَحْنَثُ بِمُكَالَمَةِ أَحَدِهِمَا .
إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ ؛ لَمْ يَقَعْ فِي الْقَضَاءِ شَيْءٌ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ ؛ وَقَعَ فِي الْقَضَاءِ ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا يَقَعُ .
وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْمَرْأَةَ تُوصَفُ بِأَنَّهَا طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا مُعْتَادًا ، فَإِذَا صَرَّحَ بِهِ حُمِلَ عَلَيْهِ .
وَلَا
يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ فِي الِانْطِلَاقِ مِنْ الْعَمَلِ حَقِيقَةً
وَلَا مَجَازًا ، فَوَقَعَ فِي الْحُكْمِ ، وَلَكِنْ فِيمَا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ اللَّهِ نَوَى مُحْتَمِلًا وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ ؛
فَصُدِّقَ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق