كتاب:الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِر الشَّيْخ زَيْنُ الْعَابِدِيْنَ بْنِ إِبْرَاهِيْمِ بْنِ نُجَيْمٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْمُقَدِّمَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ .وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ. وَبَعْدُ!
فَإِنَّ الْفِقْهَ أَشْرَفُ الْعُلُومِ قَدْرًا
،وَأَعْظَمُهَا أَجْرًا ،وَأَتَمُّهَا عَائِدَةً ، وَأَعَمُّهَا فَائِدَةً
،وَأَعْلَاهَا مَرْتَبَةً،وَأَسْنَاهَا مَنْقَبَةً ،يَمْلَأُ الْعُيُونَ نُورًا ، وَالْقُلُوبَ
سُرُورًا ، وَالصُّدُورَ انْشِرَاحًا،وَيُفِيدُ الْأُمُورَ اتِّسَاعًا
وَانْفِتَاحًا.
هَذَا لِأَنَّ مَا بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ مِنْ
الِاسْتِقْرَارِ عَلَى سُنَنِ النِّظَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى وَتِيرَةِ
الِاجْتِمَاعِ وَالِالْتِئَامِ ،إنَّمَا هُوَ بِمَعْرِفَةِ الْحَلَالِ مِنْ
الْحَرَامِ ،وَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْجَائِزِ وَالْفَاسِدِ فِي وُجُوهِ
الْأَحْكَامِ ،بُحُورُهُ زَاخِرَةٌ ،وَرِيَاضُهُ نَاضِرَةٌ ،وَنُجُومُهُ
زَاهِرَةٌ،وَأُصُولُهُ ثَابِتَةٌ وَفُرُوعُهُ نَابِتَةٌ ، لَا يَفْنَى بِكَثْرَةِ
الْإِنْفَاقِ كَنْزُهُ ،وَلَا يَبْلَى عَلَى طُولِ الزَّمَانِ عِزُّهُ.
وَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ كُنْهَ صِفَاتِهِ*** وَلَوْ
أَنَّ أَعْضَائِي جَمِيعًا تَكَلَّمُ
وَأَهْلُهُ قِوَامُ الدِّينِ وَقُوَّامُهُ ،وَبِهِمْ
ائْتِلَافُهُ وَانْتِظَامُهُ ،وَإِلَيْهِمْ الْمَفْزَعُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ،وَالْمَرْجِعُ فِي التَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى،خُصُوصًا أَنَّ
أَصْحَابَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَهُمْ خُصُوصِيَّةُ السَّبَقِ فِي هَذَا
الشَّأْنِ،وَالنَّاسُ لَهُمْ أَتْبَاعٌ ؛وَالنَّاسُ فِي الْفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى
أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
حَيْثُ قَالَ : مِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحَّرَ فِي الْفِقْهِ فَلْيَنْظُرْ إلَى
كُتُبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ" كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ وَهْبَانَ
عَنْ حَرْمَلَةَ ،وَهُوَ
كَالصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،لَهُ أَجْرُهُ
وَأَجْرُ مِنْ دَوَّنَ الْفِقْهَ وَأَلَّفَهُ وَفَرَّعَ أَحْكَامَهُ عَلَى
أُصُولِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَإِنَّ الْمَشَايِخَ الْكِرَامَ قَدْ أَلَّفُوا مَا بَيْنَ
مُخْتَصَرٍ وَمُطَوَّلٍ مِنْ مُتُونٍ وَشُرُوحٍ وَفَتَاوَى ،وَاجْتَهَدُوا فِي
الْمَذْهَبِ وَالْفَتْوَى وَحَرَّرُوا وَنَقَّحُوا ، شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُمْ ،
إلَّا أَنِّي لَمْ أَرَ لَهُمْ كِتَابًا يَحْكِي كِتَابَ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ
السُّبْكِيّ الشَّافِعِيّ مُشْتَمِلًا عَلَى فُنُونٍ فِي الْفِقْهِ. وَقَدْ كُنْت
لَمَّا وَصَلْت فِي شَرْحِ الْكَنْزِ إلَى تَبْيِيضِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ،
أَلَّفْت كِتَابًا مُخْتَصَرًا فِي الضَّوَابِطِ وَالِاسْتِثْنَاءَات مِنْهَا ،سَمَّيْته
بِـ"الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ فِي الْفِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ" وَصَلَ إلَى
خَمْسِمِائَةِ ضَابِطَةٍ ، فَأُلْهِمْتُ أَنْ أَصْنَعَ كِتَابًا عَلَى النَّمَطِ
السَّابِقِ مُشْتَمِلًا عَلَى سَبْعَةِ فُنُونٍ.
يَكُونُ هَذَا الْمُؤَلَّفُ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْهَا :
الْأَوَّلُ : مَعْرِفَةُ الْقَوَاعِدِ الَّتِي تُرَدُّ
إلَيْهَا وَفَرَّعُوا الْأَحْكَامَ عَلَيْهَا
وَهِيَ أُصُولُ الْفِقْهِ فِي الْحَقِيقَةِ ،وَبِهَا
يَرْتَقِي الْفَقِيهُ إلَى دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ وَلَوْ فِي الْفَتْوَى
،وَأَكْثَرُ فُرُوعِهَا ظَفِرْت بِهِ فِي كُتُبٍ غَرِيبَةٍ أَوْ عَثَرْت بِهِ فِي
غَيْرِ مَظِنَّةٍ إلَّا أَنِّي بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ لَا أَنْقُلُ إلَّا
الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ،وَ إِنْ كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ
أَوْ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا .
وَحُكِيَ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا طَاهِرٍ الدَّبَّاسَ
جَمَعَ قَوَاعِدَ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَبْعَ عَشْرَةَ
قَاعِدَةً وَرَدَّهُ إلَيْهَا .
وَلَهُ حِكَايَةٌ مَعَ أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيِّ الشَّافِعِيِّ
رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ سَافَرَ إلَيْهِ وَكَانَ
أَبُوطَاهِرٍ ضَرِيرًا ، يُكَرِّرُ كُلَّ لَيْلَةٍ
تِلْكَ الْقَوَاعِدِ بِمَسْجِدِهِ بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ النَّاسُ مِنْهُ ،
فَالْتَفَّ الْهَرَوِيُّ بِحَصِيرٍ وَخَرَجَ النَّاسُ وَأَغْلَقَ أَبُو طَاهِرٍ
بَابَ الْمَسْجِدِ وَسَرَدَ مِنْهَا سَبْعَةً فَحَصَلَتْ لِلْهَرَوِيِّ سَعْلَةٌ
فَأَحَسَّ بِهِ أَبُو طَاهِرٍ فَضَرَبَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ ،ثُمَّ
لَمْ يُكَرِّرْهَا فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَرَجَعَ الْهَرَوِيُّ إلَى أَصْحَابِهِ
وَتَلَاهَا عَلَيْهِمْ.
الثَّانِي : الضَّوَابِطُ وَمَا دَخَلَ فِيهَا وَمَا
خَرَجَ عَنْهَا
وَهُوَ أَنْفَعُ الْأَقْسَامِ لِلْمُدَرِّسِ
وَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي ، فَإِنَّ بَعْضَ الْمُؤَلَّفِينَ يَذْكُرُ ضَابِطَهُ
وَيَسْتَثْنِي مِنْهُ أَشْيَاءَ ، فَأَذْكُرُ فِيهَا أَنِّي زِدْت عَلَيْهِ
أَشْيَاءَ أُخَرَ ، فَمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمَزِيدِ ظَنَّ الدُّخُولَ
وَهِيَ خَارِجَةٌ كَمَا سَتَرَاهُ
وَلِهَذَا وَقَعَ مَوْقِعًا حَسَنًا عِنْدَ ذَوِي
الْإِنْصَافِ ، وَابْتَهَجَ بِهِ مَنْ هُوَ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ.
الثَّالِثُ : مَعْرِفَةُ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ
الرَّابِعُ : مَعْرِفَةُ الْأَلْغَازِ .
الْخَامِسُ : الْحِيَلُ
السَّادِسُ : الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ
السَّابِعُ :
مَا حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَصَاحِبِيهِ
وَالْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُطَارَحَاتِ وَالْمُكَاتَبَاتِ
وَالْمُرَاسَلَاتِ وَالْغَرِيبَاتِ
وَأَرْجُو مِنْ كَرَمِ اللَّهِ الْفَتَّاحِ أَنَّ هَذَا
الْكِتَابَ إذَا تَمَّ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ
يَصِيرُ نُزْهَةً لِلنَّاظِرِينَ ،وَمَرْجِعًا
لَلْمُدَرِّسِينَ ، وَمَطْلَبًا لِلْمُحَقِّقِينَ ، وَمُعْتَمَدًا لِلْقُضَاةِ
وَالْمُفْتِينَ ،وَغَنِيْمَةً
لِلْمُحَصِّلِينَ وَكَشْفًا لِكَرْبِ الْمَلْهُوفِينَ.
هَذَا لِأَنَّ الْفِقْهَ أَوَّلُ فُنُونِي ، طَالَ مَا
أَسْهَرْتُ فِيهِ عُيُونِي وَأَعْمَلْت بَدَنِي إعْمَالَ الْجِدِّ مَا بَيْنَ
بَصَرِي وَيَدِي وَظُنُونِي ،
وَلَمْ أَزَلْ مُنْذُ زَمَنِ الطَّلَبِ أَعْتَنِي بِكُتُبِهِ
قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، وَأَسْعَى فِي تَحْصِيلِ مَا هُجِرَ مِنْهَا سَعْيًا
حَثِيثًا ،إلَى أَنْ وَقَفْت مِنْهَا عَلَى الْجَمِّ الْغَفِيرِ ، وَأَحَطْتُ
بِغَالِبِ الْمَوْجُودِ فِي بَلَدِنَا
( الْقَاهِرَةِ ) مُطَالَعَةً وَتَأَمُّلًا بِحَيْثُ
لَمْ يَفُتْنِي مِنْهَا إلَّا النَّزْرُ الْيَسِيرُ ،َمَا سَتَرَاهُ عِنْدَ
سَرْدِهَا ، مَعَ ضَمِّ الِاشْتِغَالِ وَالْمُطَالَعَةِ لَكُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ
ابْتِدَاءِ أَمْرِي ، كَـ:
كِتَابِ الْبَزْدَوِيِّ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ ، وَالتَّقْوِيمُ
لِأَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ ، وَالتَّنْقِيحُ وَشَرْحُهُ وَشَرْحُ شَرْحِهِ
وَحَوَاشِيهِ ، وَشُرُوحُ الْبَزْدَوِيِّ مِنْ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ
وَالتَّقْرِيرُ ، حَتَّى اخْتَصَرْتُ تَحْرِيرَ الْمُحَقِّقِ ابْنَ الْهُمَامِ وَسَمَّيْته"
لُبَّ الْأُصُولِ" .
ثُمَّ شَرَحْت الْمَنَارَ شَرْحًا جَاءَ ، بِحَوْلِ
اللَّهِ وَقُوَّتِهِ ، فَائِقًا عَلَى نَوْعِهِ فَنَشْرَعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ ، فِيمَا قَصَدْنَاهُ مِنْ هَذَا التَّأْلِيفِ
بَعْدَ تَسْمِيَتِهِ( بِالْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ ) تَسْمِيَةً لَهُ بِاسْمِ
بَعْضِ فُنُونِهِ ،سَائِلًا اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ
مُؤَلِّفَهُ وَمَنْ نَظَرَ فِيهِ إنَّهُ خَيْرُ مَأْمُولٍ وَإِنَّهُ يَدْفَعُ
عَنْهُ كَيْدَ الْحَاسِدِينَ وَافْتِرَاءَ الْمُتَعَصِّبِينَ .
وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا الْفَنَّ لَا يُدْرَكُ
بِالتَّمَنِّي ،وَلَا يُنَالُ ، بِسَوْفَ وَلَعَلَّ ،وَلَوْ أَنِّي ،وَلَا
يَنَالُهُ إلَّا مَنْ كَشَفَ عَنْ سَاعِدِ الْجِدِّ ،وَشَمَّرَ وَاعْتَزَلَ
أَهْلَهُ ،وَشَدَّ الْمِئْزَرَ ، وَخَاضَ الْبِحَارَ ، وَخَالَطَ الْعَجَاجَ
،يَدْأَبُ فِي التَّكْرَارِ وَالْمُطَالَعَةِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ،وَيُنَصِّبُ
نَفْسَهُ لِلتَّأْلِيفِ وَالتَّحْرِيرِ بَيَانًا وَمَقِيلًا ، لَيْسَ لَهُ هِمَّةٌ
إلَّا مُعْضِلَةً وَبِحِلِّهَا ،أَوْ مُسْتَصْعَبَةً عَزَّتْ عَلَى الْقَاصِرِينَ إلَّا
وَيَرْتَقِي إلَيْهَا وَ يَحِلُّهَا ،عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ كَسْبِ
الْعَبْدِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ.
[مَصَادِرُ كِتَابِ الْأَشْبَاهِ والنَّظَائِرِ]
وَهَأَنَذَا أَذْكُرُ الْكُتُبَ الَّتِي نَقَلْت
مِنْهَامُؤَلَّفَاتِي الْفِقْهِيَّةَ الَّتِي اجْتَمَعَتْ عِنْدِي فِي أَوَاخِرِ
سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَةٍ .
فَمِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ : النِّهَايَةُ وَغَايَةُ الْبَيَانِ
، وَالْعِنَايَةُ ، وَمِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ وَالْبِنَايَةُ ، وَالْغَايَةُ ،
وَفَتْحُ الْقَدِيرِ .
وَمِنْ شُرُوحِ الْكَنْزِ : الزَّيْلَعِيُّ
وَالْعَيْنِيُّ وَمِسْكِينٌ .
وَمِنْ شُرُوحِ الْقُدُورِيِّ : السِّرَاجُ الْوَهَّاجُ
، وَالْجَوْهَرَةُ ، وَالْمُجْتَبَى وَالْأَقْطَعُ .
وَمِنْ شُرُوحِ الْمَجْمَعِ : لِلْمُصَنِّفِ وَابْنِ
الْمَلِكِ ، وَرَأَيْت شَرْحًا لِلْعَيْنِيِّ
وَقْفًا ،وَشَرْحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِابْنِ أَمِيرِ
الْحَاجِّ ، وَشَرْحُ الْوَافِي لِلْكَافِي ، وَشَرْحُ الْوُقَايَةِ
وَالنُّقَايَةِ ، وَإِيضَاحُ الْإِصْلَاحِ ، وَشَرْحُ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ
الْكَبِيرِ لِلْعَلَّامَةِ الْفَارِسِيِّ ، وَتَلْخِيصُ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ
الشَّهِيدِ وَالْبَدَائِعُ لِلْكَاسَانِيِّ ، وَشَرْحُ التُّحْفَةِ وَالْمَبْسُوطُ
شَرْحُ الْكَافِي ، وَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَشَرْحُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ
لِمُلَّا خُسْرو وَالْهِدَايَةُ ، وَشَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ
، وَشَرْحُ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَالِاخْتِيَارُ .
وَمِنْ الْفَتَاوَى : الْخَانِيَّةُ ، وَالْخُلَاصَةُ ،
وَالْبَزَّازِيَّةُ ، وَالظَّهِيرِيَّةُ ، وَالْوَلْوالِجِيَّة ، وَالْعُمْدَةُ ،
وَالْعُدَّةُ ، وَالصُّغْرَى ، وَالْوَاقِعَاتُ لِلْحُسَامِ الشَّهِيدِ ،
وَالْقُنْيَةُ ، وَالْمُنْيَةُ وَالْغُنْيَةُ ، وَمَآلُ الْفَتَاوَى ،
وَالتَّلْقِيحُ لِلْمَحْبُوبِيِّ ،وَالتَّهْذِيبُ لِلْقَلَانِسِيِّ ، وَفَتَاوَى
قَارِي الْهِدَايَةِ ، وَالْقَاسِمِيَّةُ وَالْعِمَادِيَّةُ ، وَجَامِعُ الْفُصُولَيْنِ
وَالْخَرَاجُ لِأَبِي يُوسُفَ ، وَأَوْقَافُ الْخَصَّافِ ، وَالْإِسْعَافُ
وَالْحَاوِي الْقُدْسِيُّ ، وَالْيَتِيمَةُ وَالْمُحِيطُ الرَّضَوِيُّ ،
وَالذَّخِيرَةُ وَشَرْحُ مَنْظُومَةِ النَّسَفِيِّ ، وَشَرْحُ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ
لَهُ وَلِابْنِ الشِّحْنَةِ ، وَالصَّيْرَفِيَّةُ ، وَخِزَانَةُ الْفَتَاوَى ،
وَبَعْضُ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ ، وَبَعْضُ السِّرَاجِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّة
، وَالتَّجْنِيسُ ، وَخِزَانَةُ الْفِقْهِ ، وَحَيْرَةُ الْفُقَهَاءِ ،
وَمَنَاقِبُ الْكَرْدَرِيِّ ، وَطَبَقَاتُ عَبْدِ الْقَادِرِ
الْفَنُّ الْأَوَّلُ:الْقَوَاعِدُ الْكُلِّيَّةُ
النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى : لَا ثَوَابَ إلَّا
بِالنِّيَّةِ
صَرَّحَ بِهِ الْمَشَايِخُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْفِقْهِ
أَوَّلُهَا فِي الْوُضُوءِ ، سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا شَرْطُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي
الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ أَوْ لَا كَمَا فِي الْوُضُوءِ
وَالْغُسْلِ .
وَعَلَى هَذَا قَرَّرُوا حَدِيثَ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ
بِالنِّيَّاتِ } أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى ، إذْ لَا يَصِحُّ بِدُونِ
التَّقْدِيرِ لِكَثْرَةِ وُجُودِ الْأَعْمَالِ بِدُونِهَا ، فَقَدَّرُوا مُضَافًا
أَيْ حُكْمَ الْأَعْمَالِ .
وَهُوَ نَوْعَانِ أُخْرَوِيٌّ ، وَهُوَ الثَّوَابُ
وَاسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ ،وَدُنْيَوِيٌّ ، وَهُوَ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ .
وَقَدْ أُرِيدَ الْأُخْرَوِيُّ بِالْإِجْمَاعِ ،
لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ ،
فَانْتَفَى الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا ،إمَّا لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا
عُمُومَ لَهُ ، أَوْ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ مِنْ صِحَّةِ الْكَلَامِ بِهِ
، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْآخَرِ
.
وَالثَّانِي أَوْجَهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُسَلِّمُهُ
الْخَصْمُ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ ، فَحِينَئِذٍ لَا يَدُلُّ
عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي الْوَسَائِلِ لِلصِّحَّةِ وَلَا عَلَى الْمَقَاصِدِ
أَيْضًا
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ الْوُضُوءَ الَّذِي لَيْسَ
بِمَنْوِيٍّ ، لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ وَلَكِنَّهُ مِفْتَاحٌ لِلصَّلَاةِ.
وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِبَادَاتِ
بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِآيَةِ{ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}
وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهَا
بِمَعْنَى التَّوْحِيدِ بِقَرِينَةِ عَطْفِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ،
فَلَا تُشْتَرَطُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَمَسْحِ
الْخُفَّيْنِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ عَنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ
وَالْمَكَانِ وَالْأَوَانِي لِلصِّحَّةِ .
وَأَمَّا اشْتِرَاطُهَا فِي التَّيَمُّمِ فَلِدَلَالَةِ
آيَتِهِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ الْقَصْدُ ،
وَأَمَّا غَسْلُ الْمَيِّتِ ، فَقَالُوا لَا تُشْتَرَطُ
لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَحْصِيلِ طَهَارَتِهِ ، وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ
لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِينَ .
وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ : أَنَّ الْغَرِيقَ يُغَسَّلُ ثَلَاثًا
فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ نُوِيَ
عِنْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْمَاءِ يُغَسَّلْ مَرَّتَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يُنْوَ
فَثَلَاثًا ، وَعَنْهُ يُغَسَّلُ مَرَّةً وَاحِدَةً ، كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ .
وَأَمَّا فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا فَهِيَ شَرْطُ
صِحَّتِهَا إلَّا الْإِسْلَامَ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهَا بِدَلِيلِ
قَوْلِهِمْ : إنَّ إسْلَامَ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ .
وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ
الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْكُفْرِ ،
كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي بَحْثِ التُّرُوكِ
وَأَمَّا الْكُفْرُ فَيُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ
لِقَوْلِهِمْ : إنَّ كُفْرَ الْمُكْرَهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ :
إنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ هَازِلًا يُكَفَّرُ .
إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عَيْنَهُ كُفْرٌ ،
كَمَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ مِنْ بَحْثِ الْهَزْلِ .
فَلَا تَصِحُّ صَلَاةٌ مُطْلَقًا ، وَلَوْ صَلَاةَ
جِنَازَةٍ ، إلَّا بِهَا ، فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا .
وَإِذَا نَوَى قَطَعَهَا لَا يَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا
بِمُنَافٍ ، وَلَوْ نَوَى الِانْتِقَالَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا ، فَإِنْ كَانَتْ
الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى وَشَرَعَ بِالتَّكْبِيرِ ، صَارَ مُنْتَقِلًا
وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامٍ إلَّا بِنِيَّةٍ وَتَصِحُّ الْإِمَامَةُ
بِدُونِ نِيَّتِهَا خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ ، كَمَا فِي
الْبِنَايَةِ إلَّا إذَا صَلَّى خَلْفَهُ نِسَاءٌ ، فَإِنَّ اقْتِدَاءَهُنَّ بِهِ
بِلَا نِيَّةِ الْإِمَامِ لِلْإِمَامَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ .
وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ ، وَهُوَ
الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا
فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ .
وَهَلْ يَحْنَثُ ؟ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ : يَحْنَثُ
قَضَاءً لَا دِيَانَةً إلَّا إنْ أَشْهَدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَا يَحْنَثُ
قَضَاءً ، وَكَذَا لَوْ أَمَّ النَّاسَ هَذَا الْحَالِفُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
صَحَّتْ وَحَنِثَ قَضَاءً ، وَلَا يَحْنَثُ أَصْلًا إذَا أَمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ
وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ
وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ فُلَانًا فَأَمَّ
النَّاسَ نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّهُ وَيَؤُمَّ غَيْرَهُ فَاقْتَدَى بِهِ فُلَانٌ
حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ( انْتَهَى ) .
وَلَكِنْ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى الْإِمَامَةِ .
وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ كَالصَّلَاةِ
وَكَذَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ عَلَى قَوْلِ مِنْ يَرَاهَا
مَشْرُوعَةً .
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي نِيَّتِهَا لَا
فِي الْجَوَازِ
وَكَذَا سُجُودُ السَّهْوِ ،وَلَا تَضُرُّهُ نِيَّةُ
عَدَمِهِ وَقْتَ السَّلَامِ .
وَأَمَّا النِّيَّةُ لِلْخُطْبَةِ فِي الْجُمُعَةِ
فَشَرْطٌ لِصِحَّتِهَا ، حَتَّى لَوْ عَطَسَ بَعْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْعُطَاسِ غَيْرُ قَاصِدٍ لَهَا لَمْ تَصِحُّ ، كَمَا فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ
وَخُطْبَةُ الْعِيدَيْنِ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ : يُشْتَرَطُ
لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ، سِوَى تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ .
وَأَمَّا الْأَذَانُ فَلَا تُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ
وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ لِلثَّوَابِ عَلَيْهِ
وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ ، فَشَرْطُ
الْجُرْجَانِيِّ لِصِحَّتِهِ النِّيَّةَ ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ كَمَا فِي
الْمَبْسُوطِ ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي
الصَّحْرَاءِ ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَانَ يُصَلِّي إلَى مِحْرَابٍ ، كَذَا
فِي الْبِنَايَةِ .
وَأَمَّا سِتْرُ الْعَوْرَةِ فَلَا تُشْتَرَطُ
لِصِحَّتِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا .
وَلَا تُشْتَرَطُ لِلثَّوَابِ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ ،
بَلْ يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِغَيْرِ تَعَمُّدِهِ
كَمَا لَوْ صَلَّى مُحْدِثًا عَلَى ظَنِّ طَهَارَتِهِ ،وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ
وَأَمَّا الزَّكَاةُ ؛ فَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا إلَّا
بِالنِّيَّةِ ، وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ :
أَنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ كَرْهًا وَوَضَعَهَا
فِي أَهْلِهَا ، وَتُجْزِيهِ لِأَنَّهُ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ أَخْذِهَا ، فَقَامَ
أَخْذُهُ مَقَامَ دَفْعِ الْمَالِكِ بِاخْتِيَارِهِ .
فَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ
كَرْهًا .
قَالَ فِي الْمُحِيطِ : وَمَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ
الزَّكَاةِ فَالسَّاعِي لَا يَأْخُذُ مِنْهُ الزَّكَاةَ كَرْهًا ، وَلَوْ أَخَذَ
لَا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ لِكَوْنِهَا بِلَا اخْتِيَارٍ ، وَلَكِنْ يُجْبِرُهُ بِالْحَبْسِ
لِيُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ ( انْتَهَى ) وَخَرَجَ عَنْ اشْتِرَاطِهَا لَهَا . ، مَا إذَا
تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ النِّصَابِ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ عَنْهُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ زَكَاةِ الْبَعْضِ إذَا
تَصَدَّقَ بِهِ ، وَقَالُوا وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فِي الْعُرُوضِ
وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلتِّجَارَةِ ، فَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا
لِلْقَنِيَّةِ نَاوِيًا أَنَّهُ إنْ وَجَدَ رِبْحًا بَاعَهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ نَوَى التِّجَارَةَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ
الْعُشْرِيَّةُ أَوْ الْخَرَاجِيَّةُ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةُ أَوْ
الْمُسْتَعَارَةُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِوَلَوْ قَارَنَتْ مَا لَيْسَ بَدَلَ مَالٍ
بِمَالِ ، كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْخَلْعِ وَالْمَهْرِ وَالْوَصِيَّةِ ،
لَا تَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَفِي السَّائِمَةِ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ إسَامَتِهَا لِلدَّرِّ
وَالنَّسْلِ أَكْثَرُ الْحَوْلِ ، فَإِنْ قُصِدَ بِهِ التِّجَارَةُ فَفِيهَا
زَكَاةُ التِّجَارَةِ إنْ قَارَنَتْ الشِّرَاءَ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ الْحَمْلُ
وَالرُّكُوبُ أَوْ الْأَكْلُ فَلَا زَكَاةَ أَصْلًا .
وَأَمَّا النِّيَّةُ فِي الصَّوْمِ فَشَرْطُ صِحَّتِهِ لِكُلِّ
يَوْمٍ وَلَوْ عَلَّقَهَا بِالْمَشِيئَةِ صَحَّتْ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُبْطِلُ
الْأَقْوَالَ ، وَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ مِنْهَا ، وَالْفَرْضُ وَالسُّنَّةُ
وَالنَّفَلُ فِي أَصْلِهَا سَوَاءٌ
.
وَأَمَّا النِّيَّةُ فِي الْحَجِّ فَهِيَ شَرْطُ
صِحَّتِهِ أَيْضًا فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا وَالْعُمْرَةُ كَذَلِكَ ، وَلَا
تَكُونُ إلَّا سُنَّةً
وَالْمَنْذُورُ كَالْفَرْضِوَلَوْ نَذَرَ حَجَّةَ
الْإِسْلَامِ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ نَذَرَ
الْأُضْحِيَّةَ .
وَالْقَضَاءُ فِي الْكُلِّ كَالْأَدَاءِ مِنْ جِهَةِ
أَصْلِ النِّيَّةِ .
وَأَمَّا الِاعْتِكَافُ فَهِيَ شَرْطُ صِحَّتِهِ
وَاجِبًا كَانَ أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا . أَمَّا الْكَفَّارَاتُ فَالنِّيَّةُ
شَرْطُ صِحَّتِهَا عِتْقًا أَوْ صِيَامًا أَوْ إطْعَامًا . وَأَمَّا الضَّحَايَا فَلَا
بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ ، لَكِنْ عِنْدَ الشِّرَاءِ لَا عِنْدَ الذَّبْحِ .
وَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ
فَذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِلَا إذْنٍ ، فَإِنْ أَخَذَهَا مَذْبُوحَةً وَلَمْ يَضْمَنْهُ
أَجْزَأَتْهُ ، وَإِنْ ضَمِنَهُ لَا تُجْزِيهِ
كَمَا فِي أُضْحِيَّةِ الذَّخِيرَةِ ، وَهَذَا إذَا ذَبَحَهَا
عَنْ نَفْسِهِ ، وَأَمَّا إذَا ذَبَحَهَا عَنْ مَالِكِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
وَهَلْ تَتَعَيَّنُ الْأُضْحِيَّةُ بِالنِّيَّةِ ؟ قَالُوا
: إنْ كَانَ فَقِيرًا وَقَدْ اشْتَرَاهَا بِنِيَّتِهَا تَعَيَّنَتْ فَلَيْسَ لَهُ
بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ تَتَعَيَّنْ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ مُطْلَقًا
فَيَتَصَدَّقُ بِهَا الْغَنِيُّ بَعْدَ أَيَّامِهَا حَيَّةً .
وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا ،
كَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ .
قَالُوا :
وَالْهَدَايَا كَالضَّحَايَا وَأَمَّا الْعِتْقُ
فَعِنْدَنَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَضْعًا بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ
وَلَا عِبَادَةَ لَهُ .
فَإِنْ نَوَى وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ عِبَادَةً
مُثَابًا عَلَيْهَا ، وَإِنْ أَعْتَقَ بِلَا نِيَّةٍ صَحَّ وَلَا ثَوَابَ لَهُ إنْ
كَانَ صَرِيحًا . وَأَمَّا الْكِنَايَاتُ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ النِّيَّةِ
فَإِنْ أَعْتَقَ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ صَحَّ وَأَثِمَ .
وَإِنْ أَعْتَقَ لِأَجْلِ مَخْلُوقٍ صَحَّ ، وَكَانَ
مُبَاحًا لَا ثَوَابَ وَلَا إثْمَ
.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّصَ الْإِعْتَاقُ لِلصَّنَمِ
بِمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ كَافِرًا ، أَمَّا الْمُسْلِمُ إذَا أَعْتَقَ لَهُ
قَاصِدًا تَعْظِيمَهُ كَفَرَ ، كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ
لِمَخْلُوقٍ مَكْرُوهًا .
وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِنَايَةُ كَالْعِتْقِ . وَأَمَّا الْجِهَادُ
، فَمِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ خُلُوصِ النِّيَّةِ
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَكَالْعِتْقِ إنْ قَصَدَ
التَّقَرُّبَ فَلَهُ الثَّوَابُ ، وَإِلَّا فَهِيَ صَحِيحَةٌ فَقَطْ .
وَأَمَّا الْوَقْفُ فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَضْعًا
بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ ، فَإِنْ نَوَى الْقُرْبَةَ فَلَهُ
الثَّوَابُ ، وَإِلَّا فَلَا
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَقَالُوا إنَّهُ أَقْرَبُ إلَى
الْعِبَادَاتِ حَتَّى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي
لِمَحْضِ الْعِبَادَةِ ، وَهُوَ عِنْدَ الِاعْتِدَالِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى
الصَّحِيحِ ، فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ ؛ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ
إعْفَافَ نَفْسِهِ وَتُحْصِينَهَا وَحُصُولَ وَلَدٍ .
وَفَسَّرْنَا الِاعْتِدَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ
شَرْحِ الْكَنْزِ ، لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ فِيهِ شَرْطُ صِحَّتِهِ ، قَالُوا :
يَصِحُّ النِّكَاحُ مَعَ الْهَزْلِ ، لَكِنْ قَالُوا حَتَّى لَوْ عَقَدَ بِلَفْظٍ
لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ فَفِيهِ خِلَافٌ .
وَالْفَتْوَى عَلَى صِحَّتِهِ ، عَلِمَ الشُّهُودُ أَوْ
لَا ، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
.
وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْقُرُبِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ
النِّيَّةِ ، بِمَعْنَى تَوَقُّفِ حُصُولِ الثَّوَابِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ
بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَشْرِ الْعِلْمِ تَعْلِيمًا وَإِفْتَاءً وَتَصْنِيفًا
. وَأَمَّا الْقَضَاءُ ، فَقَالُوا إنَّهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ ، فَالثَّوَابُ
عَلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا
وَكَذَلِكَ إقَامَةُ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ ،
وَكُلِّ مَا يَتَعَاطَاهُ الْحُكَّامُ
وَالْوُلَاةُ ، وَكَذَا تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ
وَأَدَاؤُهَا وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ صِفَتُهَا
بِاعْتِبَارِ مَا قُصِدَتْ لِأَجْلِهِ
.
فَإِذَا قُصِدَ بِهَا التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَاتِ
أَوْ التَّوَصُّلُ إلَيْهَا كَانَتْ عِبَادَةً ، كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ
وَاكْتِسَابِ الْمَالِ وَالْوَطْءِ وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَأَنْوَاعٌ :
فَالْبَيْعُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا ، وَكَذَا الْإِقَالَةُ وَالْإِجَارَةُ ،
لَكِنْ قَالُوا : إنْ عَقَدَ بِمُضَارِعٍ لَمْ يُصَدَّرْ بِسَوْفَ أَوْ السِّينِ تَوَقَّفَ
عَلَى النِّيَّةِ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِيجَابَ لِلْحَالِ كَانَ بَيْعًا ،
وَإِلَّا لَا .
بِخِلَافِ صِيغَةِ الْمَاضِي فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا
يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ ،
وَأَمَّا الْمُضَارِعُ الْمُتَمَحِّضُ لِلِاسْتِقْبَالِ
فَهُوَ كَالْأَمْرِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِهِ وَلَا بِالنِّيَّةِ .
وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ .
وَقَالُوا لَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ لِعَدَمِ الرِّضَى
بِحُكْمِهِ مَعَهُ . وَأَمَّا الْهِبَةُ ، فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ .
قَالُوا لَوْ وَهَبَ مُمَازِحًا صَحَّتْ ، كَمَا فِي
الْبَزَّازِيَّةِ ، وَلَكِنْ لَوْ لُقِّنَ الْهِبَةَ وَلَمْ يَعْرِفْهَا لَمْ
تَصِحَّ ، لَا لِأَجْلِ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطُهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ لِفَقْدِ
شَرْطِهَا وَهُوَ الرِّضَى .
وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهَا لَمْ تَصِحَّ ،
بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ؛ فَإِنَّهُمَا يَقَعَانِ بِالتَّلْقِينِ
مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهُمَا ، لِأَنَّ الرِّضَى لَيْسَ شَرْطَهُمَا وَلِذَا لَوْ أُكْرِهَ
عَلَيْهِمَا يَقَعَانِ . وَأَمَّا الطَّلَاقُ ، فَصَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ .
فَالْأَوَّلُ لَا يَحْتَاجُ فِي وُقُوعِهِ إلَيْهَا ؛ فَلَوْ
طَلَّقَ غَافِلًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ مُخْطِئًا وَقَعَ ، حَتَّى قَالُوا .
إنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ
قَضَاءً ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَهَا بِاللَّفْظِ .
قَالُوا لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ
بِحَضْرَتِهَا وَيَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ : أَنْتِ طَالِقٌ ، لَمْ يَقَعْ وَلَوْ
كَتَبْت امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ لَهُ اقْرَأْ عَلَيَّ
فَقَرَأَ عَلَيْهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا لِعَدَمِ قَصْدِهَا بِاللَّفْظِ .
وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ : إنَّ الصَّرِيحَ لَا
يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ . وَقَالُوا : لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ؛ نَاوِيًا الطَّلَاقَ
مِنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ دِيَانَةً وَوَقَعَ قَضَاءً ، وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِ الْكُتُبِ
أَنَّ طَلَاقَ الْمُخْطِئِ وَاقِعٌ قَضَاءً لَا دِيَانَةً ، فَظَهَرَ بِهَذَا
أَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا قَضَاءً وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا دِيَانَةً
، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا هَازِلًا يَقَعُ
قَضَاءً وَدِيَانَةً ، لِأَنَّ الشَّارِعَ ، جَعَلَ هَزْلَهُ بِهِ جِدًّا .
وَقَالُوا لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي أَنْتِ
طَالِقٌ ، وَلَا نِيَّةُ الْبَائِنِ ،
وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي الْمَصْدَرِ ؛
أَنْتِ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً ، وَتَصِحُّ نِيَّةُ
الثَّلَاثِ . وَأَمَّا كِنَايَاتُهُ فَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَةِ دِيَانَةً ، سَوَاءً
كَانَ مَعَهَا مُذَاكَرَةُ الطَّلَاقِ أَوْ لَا .
وَالْمُذَاكَرَةُ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ
فِي الْقَضَاءِ إلَّا فِي لَفْظِ الْحَرَامِ ، فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ وَلَا
يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَيَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مِنْ
قَوْمٍ يُرِيدُونَ بِالْحَرَامِ الطَّلَاقَ وَأَمَّا تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ
وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ ، فَمَا كَانَ مِنْهُ صَرِيحًا لَا
تُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ ، وَمَا كَانَ كِنَايَةً اُشْتُرِطَتْ لَهُ .
وَأَمَّا الرَّجْعَةُ فَكَالنِّكَاحِ لِأَنَّهَا
اسْتِدَامَتُهُ ، لَكِنْ مَا كَانَ مِنْهَا صَرِيحًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا ،
وَكِنَايَتُهَا تَحْتَاجُ إلَيْهَا
وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ ؛ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا
فَيَنْعَقِدُ إذَا حَلَفَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ مُخْطِيًا أَوْ مُكْرَهًا .
وَكَذَا إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ . وَأَمَّا
نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فِي الْيَمِينِ فَمَقْبُولَةٌ دِيَانَةً اتِّفَاقًا ،
وَقَضَاءً عِنْدَ الْخَصَّافِ ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ الْحَالِفُ
مَظْلُومًا . وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ هَلْ الِاعْتِبَارُ لِنِيَّةِ الْحَالِفِ أَوْ
لِنِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفْ ؟ وَالْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْحَالِفِ
إنْ كَانَ مَظْلُومًا خُصُوصًا ، لَا إنْ كَانَ ظَالِمًا ، كَمَا فِي
الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ
.
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ وَالْوَكَالَةُ فَيَصِحَّانِ بِدُونِهَا
، وَكَذَا الْإِيدَاعُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِجَازَةُ وَكَذَا الْقَذْفُ
وَالسَّرِقَةُ
وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَمُتَوَقِّفٌ عَلَى قَصْدِ
الْقَاتِلِ الْقَتْلَ ، قَالُوا : لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ أَمْرًا بَاطِنِيًّا
أُقِيمَتْ الْآلَةُ مَقَامَهُ ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ
عَادَةً كَانَ عَمْدًا وَوَجَبَ الْقِصَاصُ ، وَإِلَّا فَإِنْ قَتَلَهُ بِمَا لَا
يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ عَادَةً ، لَكِنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَهُوَ شِبْهُ
عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ .
وَأَمَّا الْخَطَأُ بِأَنْ يَقْصِدَ مُبَاحًا فَيُصِيبُ
آدَمِيًّا كَمَا عُلِمَ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ . وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ،
قَالُوا : إنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ بِالْقَصْدِ ، فَجَوَّزُوا
لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَةَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَذْكَارِ بِقَصْدِ
الذِّكْرِ ، وَالْأَدْعِيَةِ بِقَصْدِ الدُّعَاءِ ، لَكِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ
قَوْلُهُمْ : لَوْ قَرَأَ بِقَصْدِ الذِّكْرِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ .
وَأَجَبْنَا عَنْهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بِأَنَّهُ فِي
مَحِلِّهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ . وَقَالُوا : إنَّ الْمَأْمُومَ إذَا
قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِنِيَّةِ الذِّكْرِ لَا تَحْرُمُ
عَلَيْهِ ، مَعَ أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ .
وَأَمَّا الضَّمَانُ ؛ فَهَلْ يَتَرَتَّبُ فِي شَيْءٍ
بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ ؟ فَقَالُوا فِي الْمُحْرِمِ : إذَا
لَبِسَ ثَوْبًا ثُمَّ نَزَعَهُ وَمِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لَا يَتَعَدَّدُ
الْجَزَاءُ ، وَإِنْ قَصَدَ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ
بِلُبْسِهِ .
وَقَالُوا فِي الْمُودَعِ إذَا لَبِسَ ثَوْبَ
الْوَدِيعَةِ ثُمَّ نَزَعَهُ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَعُودَ إلَى لُبْسِهِ لَمْ
يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ .
وَأَمَّا التُّرُوكُ ؛ كَتَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ
فَذَكَرُوهُ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ ، مَا تُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ ،
عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ
بِالنِّيَّاتِ } فَذَكَرُوهُ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ ؛ وَحَاصِلُهُ أَنَّ
تَرْكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ
النَّهْيِ ،وَأَمَّا لِحُصُولِ الثَّوَابِ .
فَإِنْ كَانَ كَفًّا ، وَهُوَ أَنْ تَدْعُوَهُ النَّفْسُ
إلَيْهِ قَادِرًا عَلَى فِعْلِهِ فَيَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ رَبِّهِ
فَهُوَ مُثَابٌ ،وَإِلَّا فَلَا ثَوَابَ عَلَى تَرْكِهِ ، فَلَا يُثَابُ عَلَى
تَرْكِ الزِّنَا وَهُوَ يُصَلِّي ،وَلَا يُثَابُ الْعِنِّينُ عَلَى تَرْكِ
الزِّنَا ، وَلَا الْأَعْمَى عَلَى تَرْكِ النَّظَرَ إلَى الْمُحَرَّمِ .
وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي الزَّكَاةِ : لَوْ نَوَى مَا
لِلتِّجَارَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْخِدْمَةِ كَانَ لِلْخِدْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ
بِخِلَافِ عَكْسِهِ ، وَهُوَ مَا إذَا نَوَى فِيمَا كَانَ لِلْخِدْمَةِ أَنْ
يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَعْمَلَ لِأَنَّ التِّجَارَةَ
عَمَلٌ ، فَلَا تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ،وَالْخِدْمَةُ تَرْكُ
التِّجَارَةِ فَتَتِمُّ بِهَا . قَالُوا وَنَظِيرُهُ الْمُقِيمُ وَالصَّائِمُ
وَالْكَافِرُ وَالْمَعْلُوفَةُ وَالسَّائِمَةُ .
حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا وَلَا مُفْطِرًا وَلَا مُسْلِمًا
وَلَا سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ، وَيَكُونُ مُقِيمًاوَصَائِمًا
وَكَافِرًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّهَا تَرْكُ الْعَمَلِ ،كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
،
وَمِنْ هُنَا وَمِمَّا قَدَّمْنَاهُ يَعْنِي فِي الْمُبَاحَاتِ
، وَمِمَّا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْمَشَايِخِ ، صَحَّ لَنَا وَضْعُ قَاعِدَةٍ
لِلْفِقْهِ ؛
هِيَ الثَّانِيَةُ :
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا
كَمَا عَلِمْت فِي التُّرُوكِ . وَذَكَرَ قَاضِي خَانَ
فِي فَتَاوَاهُ
إنَّ بَيْعَ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا إنْ
قَصَدَ بِهِ التِّجَارَةَ فَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ لِأَجْلِ
التَّخْمِيرِ حَرُمَ وَكَذَا غَرْسُ الْكَرْمِ عَلَى هَذَا ( انْتَهَى ) .
وَعَلَى هَذَا عَصِيرُ الْعِنَبِ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ
أَوْ الْخَمْرِيَّةِ
وَالْهَجْرُ فَوْقَ ثَلَاثٍ دَائِرٌ مَعَ الْقَصْدِ ،
فَإِنْ قَصَدَ هَجْرَ الْمُسْلِمِ
حَرُمَ وَإِلَّا لَا
وَالْإِحْدَادُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى مَيِّتٍ غَيْرِ
زَوْجِهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ دَائِرٌ مَعَ الْقَصْدِ ، فَإِنْ قَصَدَتْ تَرْكَ
الزِّينَةِ وَالتَّطَيُّبِ لِأَجْلِ الْمَيِّتِ حَرُمَ عَلَيْهَا ، وَإِلَّا فَلَا . وَكَذَا
قَوْلُهُمْ إنَّ الْمُصَلِّيَ
إذَا قَرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ جَوَابًا لِكَلَامٍ
بَطُلَتْ صَلَاتُهُ .
وَكَذَا إذَا أُخْبِرَ الْمُصَلِّي بِمَا يَسُرُّهُ
فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ قَاصِدًا الشُّكْرَ بَطُلَتْ ، أَوْ بِمَا يَسُوءُهُ
فَقَالَ : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ، أَوْ بِمَوْتِ إنْسَانٍ
فَقَالَ : إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ، قَاصِدًا لَهُ بَطَلَتْ
صَلَاتُهُ وَكَذَا قَوْلُهُمْ بِكُفْرِهِ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي مَعْرِضِ كَلَامٍ
النَّاسِ ، كَمَا إذَا اجْتَمَعُوا فَقَرَأَ { فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } ،
وَكَذَا إذَا قَرَأَ { وَكَأْسًا دِهَاقًا } عِنْدَ رُؤْيَةِ كَأْسٍ .
وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ
، كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى قَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ بِهِ
وَقَالَ قَاضِي خَانْ : الْفُقَّاعِيُّ إذَا قَالَ
عِنْدَ فَتْحِ الْفُقَّاعِ لِلْمُشْتَرِي : صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ : قَالُوا
يَكُونُ آثِمًا ، وَكَذَا الْحَارِسُ إذَا قَالَ فِي الْحِرَاسَةِ : لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ يَعْنِي لِأَجْلِ الْإِعْلَامِ ، بِأَنَّهُ مُسْتَيْقِظٌ بِخِلَافِ الْعَالِمِ
إذَا قَالَ فِي الْمَجْلِسِ : صَلَّوْا عَلَى النَّبِيِّ .
فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ
وَكَذَا الْقَارِئُ إذَا قَالَ : كَبَّرُوا يُثَابُ .
لِأَنَّ الْحَارِسَ وَالْفُقَّاعِيَّ يَأْخُذَانِ
بِذَلِكَ أَجْرًا .
رَجُلٌ جَاءَ إلَى بَزَّازٍ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ ثَوْبًا
فَلَمَّا فَتَحَ الْمَتَاعَ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، أَوْ قَالَ اللَّهُمَّ
صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ .
إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ إعْلَامَ الْمُشْتَرِي جَوْدَةَ ثِيَابِهِ
وَمَتَاعِهِ كُرِهَ ( انْتَهَى ) وَفِيهَا أَيْضًا إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ
: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك .
قَالُوا إنْ نَوَى بِقَلْبِهِ أَنْ يُطِيلَ اللهُ
بَقَاءَهُ
.
لَعَلَّهُ أَنْ يُسْلِمَ أَوْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ
عَنْ ذُلٍّ وَصَغَارٍ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا دُعَاءٌ لَهُ إلَى
الْإِسْلَامِ أَوْ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ .
ثُمَّ قَالَ ( انْتَهَى ) .
رَجُلٌ أَمْسَكَ الْمُصْحَفَ فِي بَيْتِهِ وَلَا
يَقْرَأُ قَالُوا إنْ نَوَى بِهِ الْخَيْرَ وَالْبَرَكَةَ لَا يَأْثَمُ وَيُرْجَى
لَهُ الثَّوَابُ . ثُمَّ قَالَ : رَجُلٌ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ
قَالُوا إنْ نَوَى أَنَّ الْفَسَقَةَ يَشْتَغِلُونَ بِالْفِسْقِ وَأَنَا
أَشْتَغِلُ بِالتَّسْبِيحِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَأَحْسَنُ وَإِنْ سَبَّحَ فِي
السُّوقِ نَاوِيًا أَنَّ النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا ، وَأَنَا أُسَبِّحُ
اللَّهَ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، فَهُوَ أَفْضَلُ وَأَحْسَنُ مِنْ أَنْ
يُسَبِّحَ وَحْدَهُ فِي غَيْرِ السُّوقِ .
وَإِنْ سَبَّحَ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ يُؤْجَرُ
عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ سَبَّحَ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ يَعْمَلُ الْفِسْقَ كَانَ
آثِمًا .
ثُمَّ قَالَ
:
إنْ سَجَدَ لِلسُّلْطَانِ فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ
التَّحِيَّةَ وَالتَّعْظِيمَ دُونَ الصَّلَاة لَا يَكْفُرُ .
أَصْلُهُ أَمْرُ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ
وَسُجُودُ إخْوَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِلْمَلِكِ
بِالْقَتْلِ فَإِنْ أَمَرُوهُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ
فَالْأَفْضَلُ الصَّبْرُ ، كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى
الْكُفْرِ وَإِنْ كَانَ لِلتَّحِيَّةِ فَالْأَفْضَلُ السُّجُودُ ( انْتَهَى )
وَقَالُوا :
الْأَكْلُ فَوْقَ الشِّبَعِ حَرَامٌ بِقَصْدِ
الشَّهْوَةِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّقَوِّي عَلَى الصَّوْمِ أَوْ مُؤَاكَلَةَ
الضَّيْفِ فَمُسْتَحَبٌّوَقَالُوا : الْكَافِرُ إذَا تَتَرَّسَ بِمُسْلِمٍ فَإِنْ رَمَاهُ
مُسْلِمٌ فَإِنْ قَصَدَ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَرُمَ ، وَإِنْ قَصَدَ قَتْلَ
الْكَافِرِ لَا .
وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَأَوْرَدْنَا فُرُوعًا
كَثِيرَةً شَاهِدَةً لِمَا أَسَّسْنَاهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ الْأُمُورُ
بِمَقَاصِدِهَا .
وَقَالُوا فِي بَابِ اللُّقَطَةِ ؛ إنْ أَخَذَهَا
بِنِيَّةِ رَدِّهَا حَلَّ رَفْعُهَا وَإِنْ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ نَفْسِهِ كَانَ
غَاصِبًا آثِمًاوَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ : إذَا
تَوَسَّدَ الْكِتَابَ فَإِنْ قَصَدَ الْحِفْظَ لَا يُكْرَهُ وَإِلَّا كُرِهَ
وَإِنْ غَرَسَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ قَصَدَ الظِّلَّ
لَا يُكْرَهُ وَإِنْ قَصَدَ مَنْفَعَةً أُخْرَى يُكْرَهُ . وَكِتَابَةُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى
عَلَى الدَّرَاهِمِ ، وَإِنْ كَانَ يُقْصَدُ الْعَلَامَةُ لَا يُكْرَهُ
وَلِلتَّهَاوُنِ يُكْرَهُوَالْجُلُوسُ عَلَى جَوَالِقَ فِيهِ مُصْحَفٌ ، إنْ
قَصَدَ الْحِفْظَ لَا يُكْرَهُ وَإِلَّا يُكْرَهُ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَشْمَلُهُمَا
الْكَلَامُ عَلَى النِّيَّةِ .
وَفِيهَا مَبَاحِثُ عَشَرَةُ:
الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ حَقِيقَتِهَا
الثَّانِي فِي بَيَانِ مَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ
الثَّالِثُ فِي بَيَانِ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ وَعَدَمِ
تَعْيِينِهِ
الرَّابِعُ فِي بَيَانِ التَّعَرُّضِ لِصِفَةِ
الْمَنْوِيِّ مِنْ الْفَرْضِيَّةِ وَالنَّفْلِيَّةِ وَالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ
الْخَامِسُ فِي بَيَانِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا
السَّادِسُ فِي بَيَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ
بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ
السَّابِعُ فِي بَيَانِ وَقْتِهَا
الثَّامِنُ فِي بَيَانِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ
اسْتِمْرَارِهَا وَفِيهِ حُكْمُهَا فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْ الْأَرْكَانِ
التَّاسِعُ فِي مَحِلِّهَا
الْعَاشِرُ فِي شُرُوطِهَا .
أَمَّا الْأَوَّلُ:(في بيان حقيقة النية)
فَهِيَ ، فِي اللُّغَةِ ، الْقَصْدُ .
كَمَا فِي الْقَامُوسِ نَوَى الشَّيْءَ يَنْوِيهِ
نِيَّةً
مُشَدَّدَةٌ وَتُخَفَّفُ قَصَدَهُ .
وَفِي الشَّرْعِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قَصْدُ
الطَّاعَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إيجَادِ الْفِعْلِ .
وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ النِّيَّةَ فِي التُّرُوكِ
لِأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَا يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَّا إذَا صَارَ التَّرْكُ
كَفًّا وَهُوَ فِعْلٌ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْي لَا التَّرْكِ
بِمَعْنَى الْعَدَمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ الْقُدْرَةِ لِلْعَبْدِ
كَمَا فِي التَّحْرِيرِ وَعَرَّفَهَا الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ بِأَنَّهَا
شَرْعًا الْإِرَادَةُ الْمُتَوَجِّهَةُ نَحْوَ الْفِعْلِ ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللَّهِ
تَعَالَى وَامْتِثَالًا لِحُكْمِهِ
.
وَلُغَةً انْبِعَاثُ الْقَلْبِ نَحْوَ مَا يَرَاهُ
مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرٍّ حَالًا أَوْ مَآلًا
الثَّانِي: فِي بَيَانِ مَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ
قَالُوا الْمَقْصُودُ مِنْهَا تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ
مِنْ الْعَادَاتِ وَتَمْيِيزُ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ عَنْ بَعْضٍ كَمَا فِي
النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ كَالْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ .
قَدْ يَكُونُ حِمْيَةً أَوْ تَدَاوِيًا
أَوْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْجُلُوسُ فِي
الْمَسْجِدِ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَقَدْ يَكُونُ قُرْبَةً .
وَدَفْعُ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ هِبَةً أَوْ لِغَرَضٍ
دُنْيَوِيٍّ وَقَدْ يَكُونُ قُرْبَةً ، زَكَاةً أَوْ صَدَقَةً وَالذَّبْحُ قَدْ
يَكُونُ لِأَكْلٍ فَيَكُونُ مُبَاحًا
أَوْ مَنْدُوبًا
أَوْ لِلْأُضْحِيَّةِ فَيَكُونُ عِبَادَةً أَوْ
لِقُدُومِ أَمِيرٍ فَيَكُونُ حَرَامًا أَوْ كُفْرًا عَلَى قَوْلٍ ثُمَّ
التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ بِالْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْوَاجِبِ .
فَشُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ
فَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ
عِبَادَةً أَوْ مَا لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ كَالْإِيمَانِ
بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ
وَالنِّيَّةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
وَالْأَذْكَارِ لِأَنَّهَا مُتَمَيِّزَةٌ لَا تَلْتَبِسُ
بِغَيْرِهَا
وَمَا عَدَا الْإِيمَانَ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا
وَلَكِنَّهُ يُخَرَّجُ عَلَى الْإِيمَانِ الْمُصَرَّحِ بِهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ
وَهْبَانَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ قَالَ إنَّ مَا لَا يَكُونُ إلَّا عِبَادَةً
لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَحْتَاجُ
إلَى نِيَّةٍ
وَنَقَلَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ التِّلَاوَةَ وَالْأَذْكَارَ وَالْآذَانَ لَا تَحْتَاجُ
إلَى النِّيَّةِ
الثَّالِثُ فِي بَيَانِ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ
وَعَدَمِهِ
الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَنْوِيَّ أَنْ يَكُونَ
مِنْ الْعِبَادَاتِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ عِبَادَةً فَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا
ظَرْفًا لِلْمُؤَدِّي بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسَعَهُ وَغَيْرَهُ
فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ كَالصَّلَاةِ كَأَنْ
يَنْوِيَ الظُّهْرَ فَإِنْ قَرَنَهُ بِالْيَوْمِ كَظُهْرِ الْيَوْمِ صَحَّ وَإِنْ
خَرَجَ الْوَقْتُ
أَوْ بِالْوَقْتِ وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ الْوَقْتُ .
فَإِنْ خَرَجَ وَنَسِيَهُ لَا يُجْزِيهِ فِي الصَّحِيحِ
وَفَرْضُ الْوَقْتِ كَظُهْرِ الْوَقْتِ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا بَدَلٌ
لَا أَصْلٌ
إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادَهُ أَنَّهَا فَرْضُ
الْوَقْتِ فَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ لَا غَيْرَ اُخْتُلِفَ فِيهِ .
وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ قَالُوا وَعَلَامَةُ التَّعْيِينِ
لِلصَّلَاةِ أَنْ نَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ أَيُّ صَلَاةٍ تُصَلِّي يُمْكِنُهُ
أَنْ يُجِيبَ بِلَا تَأَمُّلٍ
وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا مِعْيَارًا لَهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ
لَا يَتَّسِعُ غَيْرَهَا كَالصَّوْمِ فِي يَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنَّ التَّعْيِينَ
لَيْسَ بِشَرْطٍ إنْ كَانَ الصَّائِمُ صَحِيحًا مُقِيمًا فَيَصِحُّ بِمُطْلَقِ
النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ وَوَاجِبٌ آخَرُ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي
الْمُتَعَيَّنِ لَغْوٌ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ
وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ سَوَاءٌ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ أَوْ نَفْلًا وَأَمَّا
الْمُسَافِرُ فَإِنْ نَوَى عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَقَعَ عَمَّا نَوَاهُ لَا عَنْ
رَمَضَانَ .
وَفِي النَّفْلِ رِوَايَتَانِ .
وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ
وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا مُشْكِلًا كَوَقْتِ الْحَجِّ
يُشْبِهُ الْمِعْيَارَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي السَّنَةِ إلَّا
حَجَّةً وَاحِدَةً .
وَالظَّرْفُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَفْعَالَهُ لَا
تَسْتَغْرِقُ وَقْتَهُ فَيُصَابُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ نَظَرًا إلَى
الْمِعْيَارِيَّةِ .
وَإِنْ نَوَى نَفْلًا وَقَعَ عَمَّا نَوَى نَظَرًا إلَى
الظَّرْفِيَّةِ وَلَا يَسْقُطُ التَّعْيِينُ فِي الصَّلَاةِ لِضِيقِ الْوَقْتِ
لِأَنَّ السَّعَةَ بَاقِيَةٌ ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ مُتَنَفِّلًا صَحَّ .
وَإِنْ كَانَ حَرَامًا وَلَا يَتَعَيَّنُ جُزْءٌ مِنْ
أَجْزَاءِ الْوَقْتِ بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ قَوْلًا وَإِنَّمَا
يَتَعَيَّنُ بِفِعْلِهِ كَالْحَانِثِ فِي الْيَمِينِ لَا
يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ إلَّا فِي ضِمْنِ فِعْلِهِ هَذَا
فِي الْأَدَاءِ ؛
وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ
صَلَاةً وَصَوْمًا
أَوْ حَجًّا وَأَمَّا إنْ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ
فَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِتَمْيِيزِ الْفُرُوضِ الْمُتَّحِدَةِ
مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ
رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَصَامَ يَوْمًا نَاوِيًا عَنْهُ وَلَكِنْ لَمْ يُعَيِّنْ
أَنَّهُ عَنْ يَوْمِ كَذَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ ،
وَلَا يَجُوزُ فِي رَمَضَانَيْنِ مَا لَمْ يُعَيِّنْ
أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا وَأَمَّا قَضَاءُ الصَّلَاةِ فَلَا
يَجُوزُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا
بِأَنْ يُعَيِّنَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا
وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ
عَلَيْهِ جَازَ وَهَذَا هُوَ الْمَخْلَصُ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوْقَاتَ
الْفَائِتَةَ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ
أَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ .
وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي
الصَّلَاةِ لَمْ تُشْتَرَطْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَاجِبَ مُخْتَلِفٌ مُتَعَدِّدٌ
بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ
مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ إلَّا بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ
التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ تَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ لَا غَيْرُ
وَهَذَا مُشْكِلٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا كَقَاضِي
خَانْ وَغَيْرُهُ خِلَافَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
كَذَا فِي التَّبْيِينِ
وَقَالُوا فِي التَّيَمُّمِ لَا يَجُوزُ التَّمْيِيزُ
بَيْنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ يُرِيدُ بِهِ
الْوُضُوءَ جَازَ خِلَافًا لِلْخَصَّافِ لِكَوْنِهِ يَقَعُ لَهُمَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ
فَيُمَيَّزُ بِالنِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ .
قَالُوا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا
لِيَقَعَ طَهَارَةً وَإِذَا وَقَعَ طَهَارَةً جَازَ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ مَا شَاءَ
لِأَنَّ الشُّرُوطَ يُرَاعَى وُجُودُهَا لَا غَيْرُ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْعَصْرِ جَازَ
لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ غَيْرُهُ
.
الضَّابِطُ فِي هَذَا الْبَحْثِ:التَّعْيِينُ
لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ
فَنِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ
؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ .
وَالتَّصَرُّفُ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ كَانَ
لَغْوًا
وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ
وَالصَّلَاةُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ
يَوْمَيْنِ أَوْ الْعَصْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ بِخِلَافِ أَيَّامِ رَمَضَانَ
فَإِنَّهُ يَجْمَعُهَا شُهُودُ الشَّهْرِ فَتَفَرَّعَ
عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ
فَصَامَ بِنِيَّةِ يَوْمٍ آخَرَ
أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ
أَكْثَرَ فَصَامَ يَوْمًا عَنْ قَضَاءِ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ
مَا إذَا نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ
كَمَا إذَا نَوَى ظُهْرَيْنِ أَوْ ظُهْرًا عَنْ عَصْرٍ أَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِ السَّبْتِ
وَعَلَيْهِ ظُهْرُ يَوْمِ الْخَمِيسِ
وَعَلَى هَذَا أَدَاءُ الْكَفَّارَاتِ لَا يُحْتَاجُ
فِيهِ إلَى التَّعْيِينِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَوْ عَيَّنَ لُغِيَ .
وَفِي الْأَجْنَاسِ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا حَقَّقْنَاهُ
فِي الظِّهَارِ مِنْ كِتَابِنَا شَرْحِ الْكَنْزِ وَأَمَّا فِي الزَّكَاةِ
فَقَالُوا لَوْ عَجَّلَ خَمْسَةَ سُودٍ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ سُودٍ فَهَلَكَتْ
السُّودُ قَبْلَ الْحَوْلِ
وَعِنْدَهُ نِصَابٌ آخَرُ كَانَ الْمُعَجَّلُ عَنْ
الْبَاقِي .
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي الصَّوْمِ : وَلَوْ وَجَبَ
عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ
أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّمَضَانِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّن
جَازَ
وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى
الْمُخْتَارِ
حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ وَلَوْ
وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ فِطْرٍ فَصَامَ وَاحِدًا وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ
الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يُعَيَّنْ يَوْمَ الْقَضَاءِ جَازَ
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ
أَحَدِ الْمَالَيْنِ فَاسْتُحِقَّ مَا عَجَّلَ عَنْهُ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ
يَكُنْ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْبَاقِي وَكَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْحَوْلِ .
لِأَنَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ عَجَّلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ
مِلْكَهُ فَبَطَلَ التَّعْجِيلُ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ
الْحَوَامِلِ يَعْنِي الْحَبَالَى فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ عَنْهَا وَعَمَّا فِي
بُطُونِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ خَمْسٌ قَبْلَ الْحَوْلِ أَجْزَأَهُ عَمَّا
عَجَّلَ وَإِنْ عَجَّلَ عَمَّا تَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجُوزُ .
هَذَا كُلُّهُ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ
كَالْمَنْذُورِ وَالْوِتْرِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَالْعِيدِ عَلَى الصَّحِيحِ
وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَيَنْوِي الْوِتْرَ لَا الْوِتْرَ
الْوَاجِبَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ.
وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ
تَعَالَى وَالدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ
وَلَا يَلْزَمُهُ التَّعْيِينُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ
لِأَيِّ تِلَاوَةٍ سَجَدَ لَهَا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ
وَأَمَّا النَّوَافِلُ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّهَا
تَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ
وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَاخْتَلَفُوا فِي
اشْتِرَاطِ تَعْيِينِهَا .
وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ
لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَتَفَرَّعَ
عَلَيْهِ لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهَا تَهَجُّدٌ بِظَنِّ
بَقَاءِ اللَّيْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا بَعْدَ
طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَتْ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى
الصَّحِيحِ فَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَهُ لِلْكَرَاهَةِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ إذَا
صَلَّى رَكْعَةً قَبْلَ الطُّلُوعِ وَأُخْرَى بَعْدَهُ كَانَتَا عَنْ السُّنَّةِ
فَبَعِيدٌ
لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا بُدَّ مِنْ الشُّرُوعِ فِيهَا
فِي الْوَقْتِ ؛ وَلَمْ يُوجَدْ . وَقَالُوا لَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فِي
الظُّهْرِ سَاهِيًا بَعْدَ مَا قَعَدَ لِلْأَخِيرَةِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ سَادِسَةً
وَتَكُونُ الرَّكْعَتَانِ نَفْلًا
وَلَا تَكُونَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ عَلَى الصَّحِيحِ
وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ
لِكَوْنِ السُّنَّةِ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا بِتَحْرِيمِهِ مُبْتَدَئِهِ وَلَمْ
تُوجَدْ
وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي التَّرَاوِيحِ هَلْ تَقَعُ
التَّرَاوِيحُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ ؟
فَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ الِاشْتِرَاطَ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَالسُّنَنِ
الرَّوَاتِبِ وَتَفَرَّعَ أَيْضًا عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِلسُّنَنِ
الرَّوَاتِبِ وَعَدَمِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى هِيَ : لَوْ صَلَّى بَعْدَ
الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا فِي مَوْضِعٍ يَشُكُّ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ نَاوِيًا
آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ أَوَّلَ
.
أَدْرَكَ وَقْتَهُ وَلَمْ يُؤَدِّهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ
صِحَّةَ الْجُمُعَةِ .
فَعَلَى الصَّحِيحِ الْمُعْتَمَدِ تَنُوبُ عَنْ سُنَّةِ
الْجُمُعَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ فَائِتٌ وَعَلَى الْقَوْلِ
الْآخَرِ لَا ؛ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ؛ وَهُوَ أَيْضًا يَتَفَرَّعُ عَلَى
أَنَّ الصَّلَاةَ إذَا بَطَلَ وَصْفُهَا لَا يَبْطُلُ أَصْلُهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَنْبَغِي أَنْ
يُقَالَ فِيهَا إنَّهَا تَكُونُ عَنْ السُّنَّةِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ
رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تُلْحَقَ الصِّيَامَاتُ الْمَسْنُونَةُ
بِالصَّلَاةِ الْمَسْنُونَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا التَّعْيِينُ وَلَمْ أَرَ
مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ
تَكْمِيلُ
السُّنَن الرَّوَاتِب فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ
اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً .
رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ
الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ قَبْلَهَا
وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا
وَالتَّرَاوِيحُ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ
تَسْلِيمَاتٍ
بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ وَصَلَاةُ
الْوِتْرِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ وَصَلَاةُ الْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ
عَلَى قَوْلٍ
وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ:
فَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ
وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدِهَا وَرَكْعَتَانِ
بَعْدَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْعِشَاءِ وَسِتٌّ
بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ
وَسُنَّةُ الْوُضُوءِ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ
وَيَنُوبُ عَنْهَا كُلُّ صَلَاةٍ أَدَّاهَا عِنْدَ
الدُّخُولِ وَقِيْلَ:وبَعْدَ الْقُعُودِ وَرَكْعَتَا الْإِحْرَامِ ،
كَذَلِكَ
تَنُوبُ عَنْهَا كُلُّ صَلَاةٍ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ
نَفْلًا .
وَصَلَاةُ الضُّحَى وَأَقَلُّهَا أَرْبَعٌ وَأَكْثَرُهَا
ثِنْتَا عَشَرَ رَكْعَةٍ
وَصَلَاةُ الْحَاجَةِ وَصَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ كَمَا
فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَتَمَامِهَا مَعَ الْكَلَامِ عَلَى صَلَاةِ
الرَّغَائِبِ وَلَيْلَةُ الْبَرَاءَةِ مَذْكُورَةٌ فِيهِ لِابْنِ أَمِيرِ
الْحَاجِّ الْحَلَبِيِّ.
ضَابِطٌ فِيمَا إذَا عَيَّنَ وَأَخْطَأَ
الْخَطَأَ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ لَهُ لَا
يَضُرُّ كَتَعْيِينِ مَكَانِ الصَّلَاةِ وَزَمَانِهَا وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ
فَلَوْ عَيَّنَ عَدَدَ رَكَعَاتٍ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا صَحَّ لِأَنَّ
التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَالْخَطَأُ فِيهِ لَا يَضُرُّهُ قَالَ فِي
النِّهَايَةِ وَنِيَّةُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالسَّجَدَاتِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ
وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ ثَلَاثًا وَخَمْسًا صَحَّتْ وَتَلْغُو نِيَّةُ التَّعْيِينِ .
وَكَمَا إذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ مَنْ يُصَلِّي بِهِ فَبَانَ
غَيْرُهُ وَمِنْهُ مَا إذَا عَيَّنَ الْأَدَاءَ فَبَانَ أَنَّ الْوَقْتَ خَرَجَ
أَوْ الْقَضَاءَ فَبَانَ أَنَّهُ بَاقٍ وَعَلَى هَذَا الشَّاهِدِ إذَا ذَكَرَ مَا
لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَالْخَطَأُ فِيهِ لَا يَضُرُّهُ وَقَالَ فِي
الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ لَوْنِ الدَّابَّةِ فَذَكَرُوا
لَوْنًا
ثُمَّ شَهِدُوا عِنْدَ الدَّعْوَى وَذَكَرُوا لَوْنًا
آخَرَ تُقْبَلُ .
وَالتَّنَاقُضُ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَا
يَضُرُّ .
وَأَمَّا فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ
كَالْخَطَأِ مِنْ الصَّوْمِ إلَى الصَّلَاةِ وَعَكْسِهِ وَمَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ
إلَى الْعَصْرِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ
.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ
فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو ، الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُعَيَّنَ الْإِمَامُ عِنْدَ كَثْرَةِ
الْجَمَاعَةِ كَيْ لَا يَظْهَرَ كَوْنُهُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَجُوزُ .
فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الْقَائِمَ فِي الْمِحْرَابِ
كَائِنًا مَنْ كَانَ وَلَوْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ
أَنَّهُ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو
جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ
بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ عَمْرٌو صَحَّ
اقْتِدَاؤُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا نَوَى لَا لِمَا رَأَى .
وَهُوَ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ .
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة :
صَلَّى الظُّهْرَ وَنَوَى أَنَّ هَذَا ظُهْرُ يَوْمِ
الثُّلَاثَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ جَازَ ظُهْرُهُ
فَالْغَلَطُ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ لَا يَضُرُّ .
وَمِثْلُهُ فِي الصَّوْمِ لَوْ نَوَى قَضَاءَ يَوْمِ
الْخَمِيسِ فَإِذَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ
لَا يَجُوزُ ،
وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ
وَهُوَ يَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَهُوَ غَيْرُهُ جَازَ ، وَلَوْ كَانَ يَرَى
شَخْصَهُ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا
هُوَ خِلَافُهُ جَازَ لِأَنَّهُ عَرِفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ .
وَكَذَا لَوْ كَانَ آخِرُ الصُّفُوفِ لَا يَرَى شَخْصَهُ
فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ فِي الْمِحْرَابِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ
فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ جَازَ أَيْضًا
.
وَمِثْلُه
مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَطَأِ فِي تَعْيِينِ الْمَيِّتِ
فَعِنْدَ الْكَثْرَةِ يَنْوِي الْمَيِّتَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ .
كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ . وَفِي الْفَتَاوَى
الْعُمَدِ لَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّابِّ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ لَمْ يَصِحَّ
وَلَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّيْخِ
فَإِذَا هُوَ شَابٌّ صَحَّ
لِأَنَّ الشَّابَّ يُدْعَى شَيْخًا لِعِلْمِهِ بِخِلَافِ
عَكْسِهِ .
وَالْإِشَارَةُ هُنَا لَا تَكْفِي لِأَنَّهَا لَمْ
تَكُنْ إشَارَةً إلَى الْإِمَامِ إنَّمَا هِيَ إلَى شَابٍّ أَوْ شَيْخٍ فَتَأَمَّلْ
وَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ
الذَّكَرِ فَبَانَ أَنَّهُ أُنْثَى لَوْ عَكَسَهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ
مَا إذَا يَضُرُّ إلَّا إذَا بَانَ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَمْ
يَنْوِ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَهُوَ الزَّائِدُ.
مَسْأَلَةٌ
لَيْسَ لَنَا وَأَنْ يَنْوِيَ خِلَافَ مَا يُؤَدِّي
إلَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجُمُعَةِ ، فَإِنَّهُ إذَا
أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ نَوَاهَا
جُمُعَةً وَيُصَلِّيهَا ظُهْرًا ، عِنْدَهُ .
وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا جُمُعَةً فَلَا اسْتِثْنَاءَوَأَمَّا
إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَنْوِيُّ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةِ وَإِنَّمَا هُوَ
مِنْ الْوَسَائِلِ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ ؛ قَالُوا فِي
الْوُضُوءِ لَا يَنْوِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ .
وَاعْتَرَضَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى الْكَنْزِ
فِي قَوْلِهِ وَنِيَّةَ بِنَاءً عَلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى الْوُضُوءِ وَكَذَا
اعْتَرَضُوا عَلَى الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ يَنْوِي الطَّهَارَةَ .
وَالْمَذْهَبُ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا
بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْعِبَادَاتِ ، أَوْ رَفْعُ الْحَدَثِ .
وَعِنْدَ الْبَعْضِ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ تَكْفِي
وَأَمَّا فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا إنَّهُ يَنْوِي عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا
تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِثْلَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ
قَالُوا لَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَا
تُؤَدَّى بِهِ الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا
هِيَ اتِّبَاعٌ لِغَيْرِهَا وَفِي التَّيَمُّمِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
رِوَايَتَانِ
فَعِنْدَ الْعَامَّةِ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي
الْخَانِيَّةِ .
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُحْدِثًا .
وَأَمَّا إذَا كَانَ جُنُبًا فَتَيَمَّمَ لَهَا جَازَ
لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي شَرْحِ
الْكَنْزِ
الرَّابِعُ ، فِي صِفَةِ الْمَنْوِيِّ مِنْ الْفَرِيضَةِ
وَالنَّافِلَةِ وَالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ
أَمَّا الصَّلَاةُ فَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ
يَنْوِي الْفَرِيضَةَ فِي الْفَرْضِ فَقَالَ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى لَا
بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الصَّلَاة وَنِيَّةِ الْفَرْضِ وَنِيَّةِ التَّعْيِينِ .
حَتَّى لَوْ نَوَى الْفَرْضَ يُجْزِيهِ
وَالْوَاجِبَاتُ كَالْفَرَائِضِ كَمَا فِي
التَّتَارْخَانِيَّة وَأَمَّا النَّافِلَةُ وَالسُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ .
فَقَدَّمْنَا أَنَّهَا تَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ ،
وَبِنِيَّةٍ مُبَايِنَة وَتَفَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ
أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ افْتِرَاضَ الْخَمْسِ إلَّا أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي
أَوْقَاتِهَا لَا تَجُوزُ وَكَذَا لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ مِنْهَا فَرْضًا وَنَفْلًا
وَلَا يُمَيِّزُ وَلَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ فِيهَا فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ فِي
الْكُلِّ جَازَ
وَلَوْ ظَنَّ الْكُلَّ فَرْضًا جَازَ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ
ذَلِكَ فَكُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ جَازَ إنْ نَوَى صَلَاةَ
الْإِمَامِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَفِي الْقُنْيَةِ الْمُصَلُّونَ سِتَّةٌ
الْأَوَّلُ مَنْ عَلِمَ الْفُرُوضَ مِنْهَا وَالسُّنَنَ
مِنْهَاوَعَلِمَ مَعْنَى الْفَرْضِ أَنَّهُ مَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ بِفِعْلِهِ
وَالْعِقَابَ بِتَرْكِهِ .وَالسُّنَّةُ مَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ بِفِعْلِهَا
وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا فَنَوَى الظُّهْرَ أَوْ الْفَجْرَ أَجْزَأَتْهُ وَأَغْنَتْ
نِيَّةَ الظُّهْرِ عَنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ
وَالثَّانِي مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَيَنْوِي الْفَرْضَ
فَرْضًا .
وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ مِنْ الْفَرَائِضِ
وَالسُّنَنِ تُجْزِيهِ
وَالثَّالِثُ يَنْوِي الْفَرْضَ وَيَعْلَمُ مَعْنَاهُ
لَا تُجْزِيهِ
وَالرَّابِعُ عَلِمَ أَنَّ فِيمَا يُصَلِّيهِ النَّاسُ
فَرَائِضَ وَنَوَافِلَ فَيُصَلِّي كَمَا يُصَلِّي النَّاسُ وَلَا يُمَيِّزُ
الْفَرَائِضَ مِنْ النَّوَافِلِ لَا تُجْزِيهِ ، لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ فِي
الْفَرْضِ شَرْطٌ وَقِيلَ يُجْزِيهِ مَا صَلَّى فِي الْجَمَاعَةِ وَنَوَى
الصَّلَاةَ الْإِمَامُ .
وَالْخَامِسُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكُلَّ فَرْضٌ جَازَتْ
صَلَاتُهُ
وَالسَّادِسُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى
عِبَادِهِ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ وَلَكِنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا لِأَوْقَاتِهَا لَمْ
يُجْزِهِ وَأَمَّا فِي الصَّوْمِ فَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّهُ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ
مُبَايِنَةٍ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ ، فَلَا يُشْتَرَطُ لِصَوْمِ رَمَضَانَ
أَدَاءُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ حَتَّى قَالُوا لَوْ نَوَى لَيْلَةَ الشَّكِّ صَوْمَ
آخِرَ شَعْبَانَ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ الصَّوْمِ أَنَّهُ أَوَّلُ رَمَضَانَ
أَجْزَأَهُ وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَتُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ
لِأَنَّ الصَّدَقَةَ مُتَنَوِّعَةٌ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ نِيَّةِ الزَّكَاةِ
الْمُعَجَّلَةِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ
الْفَرْضِ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ أَصْلِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ سَبَبَهُ
هُوَ النِّصَابُ النَّامِي .
وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ
الْأَدَاءِ بِخِلَافِ تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا فَإِنَّهُ غَيْرُ
جَائِزٍ لِكَوْنِ وَقْتِهَا سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَشَرْطًا لِصِحَّةِ الْأَدَاءِوَأَمَّا
الْحَجُّ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَكِنْ عَلَّلُوهُ
بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ نَوَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ
الْفَرِيضَةَ ؛ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ الْمَشَاقَّ الْكَثِيرَةَ إلَّا
لِأَجْلِ الْفَرْضِ .
فَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ
رَحِمَهُ اللَّهُ ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ
لَمْ يُجْزِهِ .
لِأَنَّ صَرْفَهُ إلَى الْفَرْضِ حَمْلًا لَهُ عَلَيْهِ
عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا .
فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ
لَوْ نَوَى النَّفَلَ فِيهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ كَانَ نَفْلًا
وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ فِي الْكَفَّارَاتِ
وَلِذَا قَالُوا أَنَّ صَوْمَ الْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءَ رَمَضَانَ يَحْتَاجُ إلَى
تَبْيِيتِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْوَقْتَ صَالِحٌ لِصَوْمِ
النَّفْلِ ؛ وَأَمَّا الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فَلَا دَخْلَ لَهُمَا فِي هَذَا الْمَبْحَثِ .
لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِمَا وَأَمَّا التَّيَمُّمُ
فَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَسَائِلِ .
وَقَدَّمْنَا أَنَّ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ كَافِيَةٌ وَعَلَى
هَذَا الشُّرُوطِ كُلِّهَا لَا تُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ
لِقَوْلِهِمْ إنَّمَا يُرَاعَى حُصُولُهَا لَا تَحْصِيلِهَا .
وَكَذَا الْخُطْبَةُ لَا تُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ
الْفَرْضِيَّةِ وَإِنْ شَرَطْنَا لَهَا النِّيَّةَ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ
بِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ
إلَّا فَرْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلِذَا لَا تُعَادُ نَفْلًاوَلَمْ أَرَ
حُكْمَ صَلَاةِ الصَّبِيِّ فِي نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا
تُشْتَرَطَ لِكَوْنِهَا غَيْرَ فَرْضٍ فِي حَقِّهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ
صَلَاةَ كَذَا الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي هَذَا
الْوَقْتِ .
وَلَمْ أَرَ أَيْضًا حُكْمَ نِيَّةِ فَرْضِ الْعَيْنِ
فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ
وَأَمَّا الصَّلَاةُ الْمُعَادَةُ لِارْتِكَابِ
مَكْرُوهٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ ، فَلَا شَكَّ إنَّهَا جَائِزَةٌ لَا فَرْضَ .
لِقَوْلِهِمْ بِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِالْأُولَى ، فَعَلَى
هَذَا يَنْوِي كَوْنَهَا جَائِزَةً لِنَقْضِ الْفَرْضِ عَلَى أَنَّهَا نَفْلٌ
تَحْقِيقًا وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَسْقُطُ بِهَا فَلَا
خَفَاءَ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ .
وَأَمَّا نِيَّةُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فَفِي
التَّتَارْخَانِيَّة إذَا عَيَّنَ الصَّلَاةَ الَّتِي يُؤَدِّيَهَا صَحَّ .
نَوَى الْأَدَاءَ أَوْ الْقَضَاءَ وَقَالَ فَخْرُ
الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ :
أَنَّ أَحَدَهُمَا يُسْتَعْمَلُ مَكَانَ الْآخَرِ حَتَّى يَجُوزُ الْأَدَاءُ
بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَبِالْعَكْسِ ؛ وَبَيَانُهُ أَنَّ مَا لَا يُوصَفُ بِهِمَا
لَا تُشْتَرَطُ لَهُ كَالْعِبَادَةِ الْمُطْلَقَةِ عَنْ الْوَقْتِ كَالزَّكَاةِ
وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْكَفَّارَاتِ
وَكَذَا مَا لَا يُوصَفُ بِالْقَضَاءِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ
فَلَا الْتِبَاسَ لِأَنَّهَا إذَا فَاتَتْ مَعَ الْإِمَامِ يُصَلِّي الظُّهْرَ ،
وَأَمَّا مَا يُوصَفُ بِهِمَا كَصَلَاةِ الْخَمْسِ فَقَالُوا لَا تُشْتَرَطُ
أَيْضًا .
قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ نَوَى الْأَدَاءَ .
عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ خُرُوجَهُ
أَجْزَأَهُ وَكَذَا عَكْسُهُ .
وَفِي الْبِنَايَةِ لَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ بَعْدَ
مَا خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ فَنَوَى فَرْضَ
الْوَقْتِ جَازَ وَفِي الْجُمُعَةِ يَنْوِيَهَا وَلَا يَنْوِيَ فَرْضَ الْوَقْتِ لِلِاخْتِلَافِ
فِيهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة
كُلُّ وَقْتٍ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ فَنَوَى ظُهْرَ
الْوَقْتِ مَثَلًا ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ .
الْمُخْتَارُ الْجَوَازُ وَاخْتَلَفُوا أَنَّ
الْوَقْتِيَّةَ هَلْ تَجُوزُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ ؟ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ
إذَا كَانَ فِي قَلْبِهِ فَرْضُ الْوَقْتِ وَكَذَا الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ
الْأَدَاءِ هُوَ الْمُخْتَارُ .
وَذَكَرَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ وَشَرْحِ أُصُولِ
فَجْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَدَاءَ يَصِحُّ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ حَقِيقَةً .
كَنِيَّةِ مَنْ نَوَى أَدَاءَ ظُهْرِ الْيَوْمِ بَعْدَ
خُرُوجِ الْوَقْتِ عَلَى ظَنٍّ أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ
وَكَنِيَّةِ الْأَسِيرِ الَّذِي اشْتَبَهَ عَلَيْهِ
شَهْرُ رَمَضَانَ فَتَحَرَّى شَهْرًا وَصَامَهُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ فَوَقَعَ
صَوْمُهُ بِشَهْرِ رَمَضَانَ .
وَعَكْسُهُ كَنِيَّةِ مَنْ نَوَى قَضَاءَ الظُّهْرِ
عَلَى ظَنٍّ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ خَرَجَ وَلَمْ يَخْرُجْ بَعْدُ .
وَكَنِيَّةِ الْأَسِيرِ الَّذِي صَامَ رَمَضَانَ
بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهُ قَدْ مَضَى .
وَالصِّحَّةُ فِيهِ بِاعْتِبَارَاتِهِ الَّتِي بِأَصْلِ
النِّيَّةِ ، وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي الظَّنِّ وَالْخَطَأُ فِي مِثْلِهِ
مَعْفُوٌّ ( انْتَهَى ) .
وَأَمَّا الْحَجُّ
فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ فِيهِ نِيَّةُ
التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ
َالْخَامِسُ فِي بَيَانِ الْإِخْلَاصِ:
صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَحْتَاجُ
إلَى نِيَّةِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَهُ .
لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ
لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ ؛ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ
شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِخْلَاصِ ثُمَّ خَالَطَهُ الرِّيَاءُ فَالْعِبْرَةُ
لِلسَّابِقِ وَلَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ .
ثُمَّ قَالَ
:
الصَّلَاةُ
لِإِرْضَاءِ الْخُصُومِ لَا تُفِيدُ بَلْ يُصَلِّي
لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ خَصْمَهُ لَمْ يَعْفُ يُؤْخَذُ مِنْ
حَسَنَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
جَاءَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ
يُؤْخَذُ لِدَانَقٍ ثَوَابُ سَبْعِ مِائَةِ صَلَاةٍ
بِالْجَمَاعَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ عَفَا
فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فَمَا الْفَائِدَةُ حِينَئِذٍ .
وَقَدْ أَفَادَ الْبَزَّازِيُّ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّ
سُقُوطِ الْوَاجِبِ أَنَّ الْفَرَائِضَ مَعَ الرِّيَاءِ صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ
لِلْوَاجِبِ
وَلَكِنْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ بِأَنَّ
الْبَدَنَةَ تَجْزِي عَنْ سَبْعَةٍ إنْ كَانَ الْكُلُّ مُرِيدًا الْقُرْبَةَ
وَإِنْ اخْتَلَفَ جِهَاتُهَا مِنْ ضَحِيَّةٍ وَقِرَانٍ وَمُتْعَةٍ قَالُوا فَلَوْ
كَانَ أَحَدُهُمْ مُرِيدًا لَحْمًا لِأَهْلِهِ أَوْ كَانَ نَصْرَانِيًّا لَمْ يُجْزِ
عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَعَلَّلُوا بِأَنَّ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً
خَرَجَ الْكُلُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً
لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَعَلَى هَذَا
لَوْ ذَبَحَهَا أُضْحِيَّةً لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَا تُجْزِيهِ
بِالْأُولَى .
وَيَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّمَ . وَصَرَّحَ فِي
الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ أَنَّ الذَّبْحَ لِلْقَادِمِ مِنْ
حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَجْعَلُ الْمَذْبُوحَ مَيْتَةً .
وَاخْتَلَفُوا فِي كُفْرِ الذَّابِحِ فَالشَّيْخُ
السفكردري وَعَبْدُ الْوَاحِدِ الدَّرَقِيُّ الْحَدِيدِيُّ وَالنَّسَفِيُّ
وَالْحَاكِمُ عَلَى أَنَّهُ يُكَفَّرُ وَالْفَضْلِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ
عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ افْتَتَحَ خَالِصًا
لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ دَخَلَ فِي قَلْبِهِ الرِّيَاءُ فَهُوَ عَلَى مَا
افْتَتَحَ .
وَالرِّيَاءُ أَنَّهُ لَوْ خَلَّى عَنْ النَّاسِ لَا
يُصَلِّي وَلَوْ كَانَ مَعَ النَّاسِ يُصَلِّي ، فَأَمَّا لَوْ صَلَّى مَعَ
النَّاسِ يُحْسِنُهَا وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لَا يُحْسِنُهَا فَلَهُ ثَوَابُ
أَصْلِ الصَّلَاةِ دُونَ الْإِحْسَانِ
وَلَا يَدْخُلُ الرِّيَاءُ فِي الصَّوْمِ وَفِي
الْيَنَابِيعِ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ صَلَّى
رِيَاءً فَلَا أَجْرَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْوِزْرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّرُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا وِزْرَ عَلَيْهِ .
وَهُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ . وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ
وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَيَخَافُ أَنْ يَدْخُلَ
عَلَيْهِ الرِّيَاءُ .
فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ
مَوْهُومٌ وَصَرَّحُوا فِي كِتَابِ السِّيَرِ بِأَنَّ السُّوقِيَّ لَا سَهْمَ لَهُ
لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا التِّجَارَةَ لَا إعْزَازَ
الدِّينِ وَإِرْهَابَ الْعَدُوِّ
.
فَإِنْ قَاتَلَ اسْتَحَقَّهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِالْمُقَاتَلَةِ
أَنَّ قَصْدَهُ الْقِتَالُ ، وَالتِّجَارَةُ تَبَعٌ فَلَا تَضُرُّهُ كَالْحَاجِّ
إذَا أَتْجَرَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ
لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ .
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ .
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَاجَّ إذَا خَرَجَ تَاجِرًا فَلَا
أَجْرَ لَهُ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ طَافَ غَرِيمُهُ لَا يُجْزِيهِ وَلَوْ
وَقَفَ بِعَرَفَةَ طَالِبًا غَرِيمَهُ أَجْزَأَهُ .
وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَقَالُوا لَوْ فَتَحَ الْمُصَلِّي
عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ .
لِقَصْدِ التَّعْلِيمِ .
وَرَأَيْت فَرْعًا فِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ
حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِيمَنْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ صَلِّ الظُّهْرَ وَلَك دِينَارٌ
فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ أَنَّهُ تُجْزِيهِ صَلَاتَهُ .
وَلَا يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ .
وَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ لِأَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ
وَيَنْبَغِي عَلَى قَوَاعِدِنَا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ
أَمَّا الْإِجْزَاءُ فَلَمَّا قَدَّمْنَا أَنَّ
الرِّيَاءَ لَا يَدْخُلُ الْفَرَائِضَ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ أَمَّا عَدَمُ
اسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ فَلِأَنَّ أَدَاءَ الْفَرْضِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ عَقْدِ
الْإِجَارَةِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَبُ ابْنَهُ
لِلْخِدْمَةِ لَا أَجْرَ لَهُ .
ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ
عَلَيْهِ وَاجِبَةً بَلْ أَفْتَى الْمُتَقَدِّمُونَ بِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا
تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا كَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَتَعْلِيمِ
الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ
مِنْ الْجَوَازِ
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا نَوَى الْإِعْتَاقَ لِرَجُلٍ
كَانَ مُبَاحًا
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا نَوَى الصَّوْمَ
وَالْحِمْيَةَ وَيَشْمَلُهَا مَا إذَا أَشْرَكَ بَيْنَ عِبَادَةٍ وَغَيْرِهَا
فَهَلْ تَصِحُّ الْعِبَادَةُ ؟ وَإِذَا صَحَّتْ فَهَلْ يُثَابُ بِقَدْرِهِ أَوْ
لَا ثَوَابَ لَهُ أَصْلًا ؟
وَأَمَّا الْخُشُوعُ فِيهَا بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ
فَمُسْتَحَبٌّ
وَفِي الْقُنْيَةِ شَرَعَ فِي الْفَرْضِ وَشَغَلَهُ
الْفِكْرُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى أَتَمَّ صَلَاتَهُ لَا
تُسْتَحَبُّ إعَادَتُهُ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ لَا يُعِيدُ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ
يَنْقُصْ أَجْرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ تَقْصِيرٍ مِنْهُ
السَّادِسُ فِي بَيَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي
الْوَسَائِلِ أَوْ فِي الْمَقَاصِدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْوَسَائِلِ فَالْكُلُّ
صَحِيحٌ .
قَالُوا لَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
لِلْجُمُعَةِ وَلِرَفْعِ الْجَنَابَةِ ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُ وَحَصَلَ لَهُ
ثَوَابُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ .
وَإِنْ كَانَ فِي الْمَقَاصِدِ
فَإِمَّا أَنْ يَنْوِيَ فَرْضَيْنِ أَوْ نَفَلَيْنِ أَوْ
فَرْضًا وَنَفْلًا .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي
الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا
فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ وَاحِدَةٌ
مِنْهُمَا .
قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ نَوَى صَلَاتَيْ
فَرْضٍ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لَمْ تَصِحَّا اتِّفَاقًا
وَلَوْ نَوَى فِي الصَّوْمِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ
كَانَ عَنْ الْقَضَاءِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا
وَإِنْ نَوَى كَفَّارَةَ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ يَجْعَلُهُ لِأَيِّهِمَا
شَاءَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا
وَلَوْ نَوَى الزَّكَاةَ وَكَفَّارَةَ الظِّهَارِ
جَعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ
وَلَوْ نَوَى الزَّكَاةَ وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ فَهُوَ
عَنْ الزَّكَاةِ
وَلَوْ نَوَى مَكْتُوبَةً وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ فَهِيَ
عَنْ الْمَكْتُوبَةِ وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُ إذَا نَوَى فَرْضَيْنِ
فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى انْصَرَفَ إلَيْهِ ،
فَصَوْمُ الْقَضَاءِ أَقْوَى مِنْ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُوَّةِ
فَإِنْ كَانَ فِي الصَّوْمِ فَلَهُ الْخِيَارُ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ
وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ
وَكَذَا الزَّكَاةُ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَأَمَّا
الزَّكَاةُ مَعَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، فَالزَّكَاةُ أَقْوَى وَأَمَّا فِي
الصَّلَاةِ فَيُقَدِّمُ الْأَقْوَى أَيْضًا
وَلِذَا قَدَّمْنَا الْمَكْتُوبَةَ عَلَى صَلَاةِ
الْجِنَازَةِ
وَلِذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ نَوَى
مَكْتُوبَتَيْنِ
فَهِيَ لِلَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا وَلَوْ نَوَى
فَائِتَتَيْنِ فَهِيَ لِلْأُولَى مِنْهُمَا وَلَوْ نَوَى فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً
فَهِيَ لِلْفَائِتَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَوْ نَوَى
الظُّهْرَ وَالْفَجْرَ وَعَلَيْهِ الْفَجْرُ مِنْ
يَوْمِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَهِيَ عَنْ الْفَجْرِ
وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَهِيَ عَنْ الظُّهْرِ
وَنَفَى مَا إذَا كَبَّرَ نَاوِيًا لِلتَّحْرِيمَةِ
وَلِلرُّكُوعِ وَمَا إذَا طَافَ لِلْفَرْضِ وَلِلْوَدَاعِ ، وَإِنْ نَوَى فَرْضًا
وَنَفْلًا فَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ وَالتَّطَوُّعَ ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللَّهُ تُجْزِيهِ عَنْ الْمَكْتُوبَةِ وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا تُجْزِيهِ
عَنْ الْمَكْتُوبَةِ وَلَا التَّطَوُّعَ وَإِنْ نَوَى الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ
يَكُونُ عَنْ الزَّكَاةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ التَّطَوُّعِ
وَلَوْ نَوَى نَافِلَةً وَجِنَازَةً فَهِيَ عَنْ النَّافِلَةِ كَذَا فِي
السِّرَاجِ
وَأَمَّا إذَا نَوَى نَافِلَتَيْنِ كَمَا إذَا نَوَى
بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ التَّحِيَّةَ وَالسُّنَّةَ أَجْزَأَتْ عَنْهُمَا وَلَمْ
أَرَ حُكْمَ مَا إذَا نَوَى سُنَّتَيْنِ كَمَا إذَا نَوَى فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ
صَوْمَهُ عَنْهُ وَعَنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَهُ فَإِنَّ نَافِلَةَ
التَّحِيَّةِ إنَّمَا كَانَتْ ضِمْنًا لِلسُّنَّةِ
لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَأَمَّا التَّعَدُّدُ فِي
الْحَجِّ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْإِحْرَامِ :
لَوْ أَحْرَمَ نَذْرًا وَنَفْلًا كَانَ نَفْلًا أَوْ
فَرْضًا ، وَتَطَوُّعَا كَانَ تَطَوُّعًا عِنْدَهُمَا فِي الْأَصَحِّ وَمِنْ بَابِ
إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ
وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ مَعًا ، أَوْ عَلَى
التَّعَاقُبِ لَزِمَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا
اللَّهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَعِيَّةِ يَلْزَمُهُ
إحْدَاهُمَا وَفِي التَّعَاقُبِ الْأُولَى فَقَطْ ، وَإِذَا لَزِمَاهُ عِنْدَهُمَا
ارْتَفَضَتْ إحْدَاهُمَا بِاتِّفَاقِهِمَا ،
لَكِنْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الرَّفْضِ ، فَعِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَقِيبَ صَيْرُورَتِهِ مُحْرِمًا بِلَا مُهْلَةٍ ،
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْأَعْمَالِ ،
وَقِيلَ : إذَا تَوَجَّهَ سَائِرًا ، وَنَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى أَنَّهُ
ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ .
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَنَى قَبْلَ
الشُّرُوعِ ، فَعَلَيْهِ دَمَانِ لِلْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامَيْنِ ، وَدَمٌ
وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَوْ جَامَعَ قَبْلَ
الشُّرُوعِ ، فَعَلَيْهِ دَمَانِ لِلْجِمَاعِ وَدَمٌ ثَالِثٌ لِلرَّفْضِ ،
فَإِنَّهُ يَرْفُضُ إحْدَاهُمَا وَيَمْضِي فِي الْأُخْرَى وَيَقْضِي الَّتِي مَضَى
فِيهَا
وَحَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ مَكَانَ الَّتِي رَفَضَهَا ،
وَلَوْ قَتَلَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ ، أَوْ أُحْصِرَ ، فَدَمَانِ وَعَلَى
هَذَا الْخِلَافِ ، إذَا أَهَلَّ بِعُمْرَتَيْنِ مَعًا ، أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ
بِلَا فَصْلٍ ، وَأَمَّا إذَا نَوَى عِبَادَةً ، ثُمَّ نَوَى ، فِي أَثْنَائِهَا الِانْتِقَالَ
عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا ، فَإِنْ كَبَّرَ نَاوِيًا لِلِانْتِقَالِ عَنْهَا إلَى
غَيْرِهَا ، صَارَ خَارِجًا عَنْ الْأُولَى ، وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُكَبِّرْ لَا
يَكُونُ خَارِجًا ،
كَمَا إذَا نَوَى تَجْدِيدَ الْأُولَى وَكَبَّرَ ،
وَتَمَامُهُ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ فِي شَرْحِنَا عَلَى الْكَنْزِ
فَائِدَةٌ:
يَتَفَرَّعُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي
النِّيَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعِبَادَاتِ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ :
أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ نَاوِيًا الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ ، أَوْ قَالَ
لِزَوْجَتَيْهِ : أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ نَاوِيًا فِي إحْدَاهُمَا
الطَّلَاقَ وَفِي الْأُخْرَى الظِّهَارَ .
وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ مِنْ شَرْحِ
الْكَنْزِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ
السَّابِعُ: فِي وَقْتِهَا
الْأَصْلُ أَنَّ وَقْتَهَا أَوَّلُ الْعِبَادَاتِ ،
وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ حَقِيقِيٌّ وَحُكْمِيٌّ ، فَقَالُوا فِي الصَّلَاةِ : لَوْ
نَوَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ
الْوُضُوءِ أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ ، أَوْ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ ، وَلَمْ
يَشْتَغِلْ بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إلَّا ،
أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَتْ
صَلَاتُهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي
يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ، وَفِي التَّجْنِيسِ إذَا
تَوَضَّأَ فِي مَنْزِلِهِ لِيُصَلِّيَ الظُّهْرَ ، ثُمَّ حَضَرَ الْمَسْجِدَ
وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِتِلْكَ النِّيَّةِ ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِعَمَلٍ
آخَرَ يَكْفِيهِ ذَلِكَ
هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
الرُّقَيَّاتِ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الشُّرُوعِ تَبْقَى
إلَى وَقْتِ الشُّرُوعِ حُكْمًا كَمَا فِي الصَّوْمِ ، إذَا لَمْ يُبَدِّلْهَا
بِغَيْرِهَا .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ : إنْ كَانَ
عِنْدَ الشُّرُوعِ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ : أَيَّةُ
صَلَاةٍ تُصَلِّي يُجِيبُ عَلَى الْبَدَاهَةِ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ ، فَهِيَ
نِيَّةٌ تَامَّةٌ ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى التَّأَمُّلِ لَا تَجُوزُ ، وَفِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ فَقَدْ شَرَطُوا عَدَمَ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ لِصِحَّةِ تِلْكَ
النِّيَّةِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ
يَتَخَلَّلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّرُوعِ الْمَشْيُ إلَى مَقَامِ الصَّلَاةِ ،
وَهُوَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا ، فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِمَا لَيْسَ
مِنْ جِنْسِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَعْرَاضِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَغَلَ
بِكَلَامٍ ، أَوْ أَكْلٍ ، أَوْ تَقُولُ : عُدَّ الْمَشْيُ إلَيْهَا مِنْ
أَفْعَالِهَا غَيْرَ قَاطِعٍ لِلنِّيَّةِ ، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعَ
أَصْحَابُنَا ، أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلشُّرُوعِ ، وَلَا
يَكُونُ شَارِعًا بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يَقَعُ عِبَادَةً
لِعَدَمِ النِّيَّةِ ، فَكَذَا الْبَاقِي لِعَدَمِ التَّجَزِّي ، وَنَقَلَ ابْنُ
وَهْبَانَ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ خَارِجًا عَنْ الْمَذْهَبِ مُوَافِقًا
لِمَا نُقِلَ عَنْ الْكَرْخِيِّ مِنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ ،
فَقِيلَ : إلَى الثَّنَاءِ ، وَقِيلَ
: إلَى التَّعَوُّذِ ، وَقِيلَ : إلَى الرُّكُوعِ
وَقِيلَ إلَى الرَّفْعِ ، وَالْكُلُّ ضَعِيفٌ ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ
مِنْ الْقِرَانِ حَقِيقَةً ، أَوْ حُكْمًا ،
وَفِي الْجَوْهَرَةِ : وَلَا مُعْتَبَرَ بِقَوْلِ
الْكَرْخِيِّ .
، وَأَمَّا
النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ فَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ : إنَّ مَحَلَّهَا عِنْدَ
غَسْلِ الْوَجْهِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي أَوَّلِ السُّنَنِ عِنْدَ
غَسْلِ الْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغَيْنِ ؛ لِيَنَالَ ثَوَابَ السُّنَنِ
الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ ، وَقَالُوا : الْغُسْلُ كَالْوُضُوءِ
فِي السُّنَنِ وَفِي التَّيَمُّمِ يَنْوِي عِنْدَ الْوَضْعِ عَلَى الصَّعِيدِ
وَلَمْ أَرَ وَقْتَ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ
لِلثَّوَابِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ وَقْتَ
اقْتِدَاءِ أَحَدٍ بِهِ لَا قَبْلَهُ كَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ وَقْتَ
نِيَّةِ الْجَمَاعَةِ أَوَّلَ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ
الْإِمَامِ ، هَذَا لِلثَّوَابِ وَأَمَّا لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ
فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ : وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ
عِنْدَ افْتِتَاحِ الْإِمَامِ ، فَإِنْ نَوَى حِينَ وَقَفَ .
عَالِمًا بِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ ، جَازَ ، وَإِنْ
نَوَى ذَلِكَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ شَرَعَ وَلَمْ يَشْرَعْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قِيلَ
: لَا يَجُوزُ
، وَأَمَّا
نِيَّةُ التَّقَرُّبِ لِصَيْرُورَةِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا فَوَقْتُهَا عِنْدَ
الِاغْتِرَافِ ، وَأَمَّا وَقْتُهَا فِي الزَّكَاةِ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ :
وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ ، أَوْ
مُقَارِنَةٍ لِعَزْلِ مِقْدَارِ مَا وَجَبَ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ
فَكَانَتْ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الِاقْتِرَانُ إلَّا
أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ ، فَاكْتُفِيَ بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ تَيْسِيرًا
كَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ ، وَقَدْ جَوَّزُوا التَّقْدِيمَ
عَلَى الْأَدَاءِ لَكِنْ عِنْدَ الْعَزْلِ ، وَهَلْ
تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ الْأَدَاءِ ؟
فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ دَفَعَهَا بِلَا
نِيَّةٍ ، ثُمَّ نَوَى بَعْدَهُ ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا فِي يَدِ
الْفَقِيرِ جَازَ ، وَإِلَّا ، فَلَا ، وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ .
فَكَالزَّكَاةِ نِيَّةً وَمَصْرِفًا قَالُوا : إلَّا
الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ لِلْفِطْرِ دُونَ الزَّكَاةِ
، وَأَمَّا
الصَّوْمُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا ، أَوْ نَفْلًا فَإِنْ كَانَ
فَرْضًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَدَاءَ رَمَضَانَ ، أَوْ غَيْرَهُ ،
فَإِنْ كَانَ أَدَاءَ رَمَضَانَ جَازَ نِيَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ مِنْ غُرُوبِ
الشَّمْسِ وَبِمُقَارِنَةٍ ، وَهُوَ الْأَصْلُ
وَبِمُتَأَخِّرَةٍ عَنْ الشُّرُوعِ إلَى مَا قَبْلَ
نِصْفِ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ تَيْسِيرًا عَلَى الصَّائِمِينَ ، وَإِنْ كَانَ
غَيْرَ أَدَاءِ رَمَضَانَ مِنْ قَضَاءٍ ، أَوْ نَذْرٍ ، أَوْ كَفَّارَةٍ فَيَجُوزُ
بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ
وَيَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ ؛
لِأَنَّ الْأَصْلَ الْقِرَانُ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ، وَإِنْ كَانَ
نَفْلًا فَرَمَضَانُ أَدَاءً
وَأَمَّا الْحَجُّ فَالنِّيَّةُ فِيهِ سَابِقَةٌ عَلَى
الْأَدَاءِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ ، وَهُوَ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ ، أَوْ
مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِرَانُ
وَالتَّأْخِيرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ أَفْعَالُهُ إلَّا إذَا تَقَدَّمَ
الْإِحْرَامُ ، وَهِيَ رُكْنٌ فِيهِ ، أَوْ شَرْطٌ عَلَى قَوْلَيْنِ .
فَائِدَةٌ
:
هَلْ تَصِحُّ نِيَّةُ عِبَادَةٍ ، وَهِيَ فِي عِبَادَةٍ
أُخْرَى ؟ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ : نَوَى فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ، أَوْ
نَافِلَةٍ الصَّوْمَ
تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ .
الثَّامِنُ فِي بَيَانِ عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا فِي
الْبَقَاءِ
وَحُكْمِهَا مَعَ كُلِّ رُكْنٍ قَالُوا : فِي الصَّلَاةِ
لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي الْبَقَاءِ لِلْحَرَجِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ،
فَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَا تَلْزَمُ نِيَّةُ
الْعِبَادَةِ فِي كُلِّ جُزْءٍ إنَّمَا تَلْزَمُ فِي جُمْلَةِ مَا يَفْعَلُهُ فِي
كُلِّ حَالٍ ، وَفِي الْبِنَايَةِ افْتَتَحَ الْمَكْتُوبَةَ
وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الْمُجْتَبَى : وَلَا بُدَّ
مِنْ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ ، وَهِيَ التَّذَلُّلُ ، وَالْخُضُوعُ عَلَى أَبْلَغِ
الْوُجُوهِ وَنِيَّةِ الطَّاعَةِ ، وَهِيَ فِعْلُ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى
مِنْهُ وَنِيَّةِ الْقُرْبَةِ ، وَهِيَ طَلَبُ الثَّوَابِ بِالْمَشَقَّةِ فِي
فِعْلِهَا وَيَنْوِي أَنَّهُ يَفْعَلُهَا مَصْلَحَةً
لَهُ فِي دِينِهِ
وَأَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ إلَى مَا وَجَبَ عِنْدَهُ
عَقْلًا مِنْ الْفِعْلِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَأَبْعَدَ عَمَّا حُرِّمَ
عَلَيْهِ مِنْ الظُّلْمِ وَكُفْرَانِ النِّعْمَةِ ، ثُمَّ هَذِهِ النِّيَّاتُ مِنْ
أَوَّلِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا خُصُوصًا عِنْدَ الِانْتِقَال مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ
، وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ فِي كُلِّ رُكْنٍ ، وَالنَّفَلُ
كَالْفَرْضِ فِيهَا إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ فِي
النَّوَافِلِ أَنَّهَا لُطْفٌ فِي الْفَرَائِضِ وَتَسْهِيلٌ لَهَا وَالْحَاصِلُ
أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْعِبَادَةَ الَّتِي هِيَ ذَاتُ أَفْعَالٍ
يَكْتَفِي بِالنِّيَّةِ فِي أَوَّلِهَا ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ
فِعْلٍ اكْتِفَاءً بِانْسِحَابِهَا عَلَيْهَا ، إلَّا إذَا نَوَى بِبَعْضِ
الْأَفْعَالِ غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ ، قَالُوا لَوْ طَافَ طَالِبًا لِغَرِيمٍ لَا
يُجْزِيهِ ، وَلَوْ وَقَفَ كَذَلِكَ بِعَرَفَاتٍ أَجْزَأَهُ
وَقَدَّمْنَاهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّوَافَ عَهْدُ قُرْبَةٍ
مُسْتَقِلَّةٍ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ ، وَفَرَّقَ الزَّيْلَعِيُّ بَيْنَهُمَا
بِفَرْقٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ تَضَمَّنَتْ
جَمِيعَ مَا
يَفْعَلُ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى
تَجْدِيدِ النِّيَّةِ ، وَالطَّوَافُ يَقَعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِوَفِي
الْإِحْرَامِ مِنْ وَجْهٍ فَاشْتُرِطَ فِيهِ أَصْلُ النِّيَّةِ لَا تَعْيِينُ
الْجِهَةِ ، وَقَالُوا : لَوْ طَافَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فِي أَيَّامِ
النَّحْرِ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ ، وَلَوْ طَافَ بَعْدَ مَا حَلَّ النَّفْرُ ،
وَنَوَى التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّدْرِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الْعِبَادَةِ
تَنْسَحِبُ عَلَى أَرْكَانِهَا
وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنْ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ فِي
بَعْضِ الْأَرْكَانِ لَا تُبْطِلُهُ ، وَفِي الْقُنْيَةِ : وَإِنْ تَعَمَّدَ أَنْ
لَا يَنْوِيَ الْعِبَادَةَ بِبَعْضِ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الصَّلَاةِ لَا
يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِعْلًا لَا تَتِمُّ الْعِبَادَةُ
بِدُونِهِ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا ، وَقَدْ أَسَاءَ ( انْتَهَى )
قِيلَ عَلَيْهِ : لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَذْكُورَ
كَوْنُ طَوَافِ الرُّكْنِ يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ ، فَإِنْ أَرَادَ
بِقَوْلِهِ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ فِي بَعْضِ الْأَرْكَانِ ، أَيْ فِي حَقِّ بَعْضِ
الْأَرْكَانِ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ ، فَهُوَ
الْمُصَرَّحُ بِهِ كَمَا تَرَى ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ فِي
خِلَالِ بَعْضِ الْأَرْكَانِ ، فَفِي اسْتِفَادَتِهِ مِنْهُ نَظَرٌ قَدْ أَسَاءَ
التَّاسِعُ فِي مَحَلِّهَا :
مَحَلُّهَا الْقَلْبُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَقَدَّمْنَا
حَقِيقَتَهَا ، وَهُنَا أَصْلَانِ
:
الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّلَفُّظُ
بِاللِّسَانِ دُونَهُ
وَفِي الْقُنْيَةِ ، وَالْمُجْتَبَى ، وَمَنْ لَا
يَقْدِرُ أَنْ يُحْضِرَ قَلْبَهُ لِيَنْوِيَ بِقَلْبِهِ ، أَوْ يَشُكُّ فِي
النِّيَّةِ يَكْفِيهِ التَّكَلُّمُ بِلِسَانِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا ( انْتَهَى
) .
ثُمَّ قَالَ فِيهَا: وَلَا يُؤَاخَذُ بِالنِّيَّةِ حَالَ
سَهْوِهِ ؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيمَا يَسْهُو مَعْفُوٌّ
عَنْهُ وَصَلَاتُهُ مُجْزِيَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهَا ثَوَابًا (
انْتَهَى ) .
وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ
اللِّسَانُ ، وَالْقَلْبُ فَالْمُعْتَبَرُ مَا فِي الْقَلْبِ ، وَخَرَجَ عَنْ هَذَا
الْأَصْلِ الْيَمِينُ لَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِ الْيَمِينِ بِلَا قَصْدٍ
إنْ عُقِدَتْ الْكَفَّارَةُ ، أَوْ قَصَدَ الْحَلِفَ
عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ ، هَذَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ
تَعَالَى ، وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ فَيَقَعُ قَضَاءً لَا
دِيَانَةً
وَمِنْ فُرُوعِهِ ، لَوْ قَصَدَ بِلَفْظٍ غَيْرَ
مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ
وَإِنَّمَا قَصَدَ مَعْنًى آخَرَ كَلَفْظِ الطَّلَاقِ
إذَا أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يُقْبَلْ قَضَاءً وَيُدَيَّنُ
وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ وَقَالَ : قَصَدْت بِهِ عَنْ
عَمَلِ كَذَا لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً ، وَقَدْ حَكَى فِي الْبَسِيطِ أَنَّ بَعْضَ الْوُعَّاظِ
طَلَبَ مِنْ الْحَاضِرِينَ شَيْئًا فَلَمْ يُعْطُوهُ ، فَقَالَ مُتَضَجِّرًا
مِنْهُمْ : طَلَّقْتُكُمْ ثَلَاثًا ، وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ فِيهِمْ ، وَهُوَ لَا
يَعْلَمُ فَأَفْتَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ (
انْتَهَى )
قُلْت يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
مِنْ الْعِتْقِ .
رَجُلٌ قَالَ : عَبِيدُ أَهْلِ بَلْخِي أَحْرَارٌ ،
وَقَالَ : عَبِيدُ أَهْلِ بَغْدَادَ أَحْرَارٌ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدَهُ ، وَهُوَ
مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ ، وَقَالَ : كُلُّ عَبِيدِ أَهْلِ بَلْخِي ، أَوْ قَالَ :
كُلُّ عَبِيدِ أَهْلِ بَغْدَادَ أَحْرَارٌ ، أَوْ قَالَ : كُلُّ عَبْدٍ فِي الْأَرْضِ
، أَوْ قَالَ : كُلُّ عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللَّهُ : لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : يُعْتَقُ
، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الطَّلَاقِ ، وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللَّهُ أَخَذَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ ، وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَخَذَ شَدَّادٌ .
،
وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ،
وَلَوْ قَالَ : كُلُّ عَبْدٍ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ
وَعَبْدُهُ فِي السِّكَّةِ ، أَوْ قَالَ : كُلُّ عَبْدٍ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ
حُرٌّ ، وَهُوَ فِيهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ،
وَلَوْ قَالَ : كُلُّ عَبْدٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ حُرٌّ
وَعَبِيدُهُ فِيهَا يُعْتَقُ عَبِيدُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ، وَلَوْ قَالَ :
وَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَا يُعْتَقُ عَبِيدُهُ فِي قَوْلِهِمْ (
انْتَهَى ) .
فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوَاعِظَ إذَا كَانَ فِي دَارٍ
طَلُقَتْ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْجَامِعِ ، أَوْ السِّكَّةِ فَعَلَى الْخِلَافِ ،
وَالْأَوْلَى تَخْرِيجُهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ
زَيْدًا فَسَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ قَالُوا حَنِثَ ، وَإِنْ نَوَاهُمْ
دُونَهُ دُيِّنَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ( انْتَهَى ) .
فَعِنْدَ عَدَمِ نِيَّةِ الْوَاعِظِ يَحِقُّ الطَّلَاقُ
عَلَيْهَا ، فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ
يَعْلَمُ أَنَّ زَيْدًا فِيهِمْ ، أَوْ لَا
وَتَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا فُرُوعٌ لَوْ قَالَ لَهَا :
يَا طَالِقُ ، وَهُوَ اسْمُهَا وَلَمْ يَقْصِدْ
الطَّلَاقَ قَالُوا : لَا يَقَعُ كَيَا حُرُّ ، وَهُوَ
اسْمُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفَرَّقَ الْمَحْبُوبِيُّ فِي التَّلْقِيحِ
بَيْنَ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ ، وَبَيْنَ الْعِتْقِ فَيَقَعُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ .
وَلَوْ نَجَّزَ الطَّلَاقَ ، وَقَالَ : أَرَدْت بِهِ
التَّعْلِيقَ عَلَى كَذَا لَمْ يُقْبَلُ
قَضَاءً وَيَدِينُ ، وَلَوْ قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ لِي
طَالِقٌ ، وَقَالَ : أَرَدْت غَيْرَك فُلَانَةَ لَمْ يُقْبَلْ كَذَلِكَ، وَفِي
الْكَنْزِ لَوْ قَالَتْ : تَزَوَّجْتَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ لِي
طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُحَلِّفَةُ ، وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ وَعَنْ
أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا
، وَفِي الْمَبْسُوطِ : وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصَحُّ عِنْدِي
وَلَوْ قِيلَ لَهُ : أَلَكَ امْرَأَةٌ غَيْرُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ : كُلُّ
امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ هَذِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
مَسْأَلَةِ الْكَنْزِ مَذْكُورٌ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ .
وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَائِلًا : لَعَلَّ
الْفَرْقَ أَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ نَصٌّ فِي الْعُمُومِ
وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ
الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ أَلَكَ امْرَأَةٌ غَيْرُ هَذِهِ ؟
اشْتَمَلَ عَلَى الصَّارِفِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : غَيْرُ هَذِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ
: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرَهَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ دُخُولِ
الزَّوْجَةِ الْمُخَاطَبَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَنْزِ غَيْرَ بَعِيدٍ ؛ لِأَنَّ
الْكَلَامَ يَتَقَيَّدُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ كَمَا فِي يَمِينِ الْفَوْرِ ،
وَهِيَ مَسْأَلَةٌ يُقَالُ : تَغَدَّ مَعِي ؛ فَقَالَ : إنْ
تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ مَثَلًا حَيْثُ يَتَقَيَّدُ
بِقَرِينَةِ الْحَالِ ، أَوْ جَعَلَ الْمُرَادَ مِنْهُ إنْ تَغَدَّيْت مَعَك
لِيَحْصُلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي جَوَابِ قَوْلِهَا : تَزَوَّجْت عَلَيَّ
امْرَأَةً ، فَقَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك طَالِقٌ ، فَلَا
تَطْلُقُ الْمُخَاطَبَةُ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ لَهُ
وَجْهٌ وَجِيهٌ . وَفِي الْكَنْزِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ ، عَتَقَ عَبْدُهُ
الْقِنُّ وَأُمَّهَاتُ ، أَوْلَادِهِ وَمُدَبِّرُوهُ ، وَفِي شَرْحِ
الزَّيْلَعِيِّ : وَلَوْ قَالَ : أَرَدْت بِهِ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ
دِينَ ، وَكَذَا لَوْ نَوَى غَيْرَ الْمُدَبِّرِ ، وَلَوْ قَالَ : نَوَيْت
السُّودَ دُونَ الْبِيضِ ، أَوْ عَكْسَهُ لَا يَدَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ
تَخْصِيصُ الْعَامِّ وَالثَّانِيَ تَخْصِيصُ الْوَصْفِ ،
وَلَا عُمُومَ لِغَيْرِ اللَّفْظِ ، فَلَا تَعْمَلُ
فِيهِ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ
وَلَوْ نَوَى النِّسَاءَ دُونَ الرِّجَالِ لَمْ
يُدَيَّنْ وَفِي الْكَنْزِ : إنْ لَبِسْت ، أَوْ أَكَلْت ، أَوْ شَرِبْتُ وَنَوَى
مُعَيَّنًا لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا ، أَوْ طَعَامًا ، أَوْ
شَرَابًا دُيِّنَ ، وَفِي الْمُحِيطِ : لَوْ نَوَى جَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ فِي لَا يَأْكُلُ
طَعَامًا وَجَمِيعَ مِيَاهِ الْعَالَمِ فِي : لَا يُشْرِبُ شَرَابًا
يُصَدَّقُ قَضَاءً ( انْتَهَى )
وَفِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ يُصَدَّقُ دَيَّانَةً لَا
قَضَاءً وَقِيلَ قَضَاءً أَيْضًا
.
وَفِي الْكَنْزِ وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَتِهِ : أَنْتِ
طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعَتْ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ ، وَإِنْ نَوَى أَنْ
يَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ
لَوْ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ صَحَّتْ نِيَّتُهُ (
انْتَهَى ) ، وَفِي شَرْحِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَنَوَى ثَلَاثًا ، أَوْ
مُتَفَرِّقَةً عَلَى الْأَطْهَارِ صَحَّ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي
النِّيَّةِ الْجُمْلَةِ .
وَفِي الْخَانِيَّةِ :وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ
مَنْكُوحَتِهِ وَرَجُلٍ فَقَالَ
: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ
فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللَّهُ أَنَّهُ يَقَعُ .
، وَلَوْ
جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ وَقَالَ :
طَلَّقْت أَحَدَيْكُمَا طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ
وَلَوْ قَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ
شَيْئًا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَعَنْهُمَا أَنَّهَا تَطْلُقُ ، وَلَوْ جَمَعَ
بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَمَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ كَالْبَهِيمَةِ ، وَالْحَجَرِ
وَقَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا
تَطْلُق
وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ الْحَيَّةِ ،
وَالْمَيِّتَةِ ، وَقَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ الْحَيَّةُ (
انْتَهَى )
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا نَوَى عَدَمَهُ فِيمَا
قُلْنَا بِالْوُقُوعِ فِيهِ أَنَّهُ يُدَيَّنُ .
، وَفِيهَا
لَوْ قَالَ لَهَا : يَا مُطَلَّقَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ طَلَّقْتهَا
قَبْلَهُ
أَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ لَكِنْ مَاتَ وَقَعَ الطَّلَاقُ
عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ ، إنْ لَمْ يَنْوِ
الْإِخْبَارَ طَلُقَتْ
وَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِخْبَارَ صُدِّقَ دِيَانَةً
وَقَضَاءً عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ نَوَى بِهِ الشَّتْمَ دِينَ فَقَطْ .
الْأَصْلُ الثَّانِي مِنْ التَّاسِعِ: وَهُوَ أَنَّهُ
لَا يُشْتَرَطُ مَعَ نِيَّةِ الْقَلْبِ التَّلَفُّظُ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ ؛
وَلِذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ : وَلَا مُعْتَبَرَ بِاللِّسَانِ ، وَهَلْ
يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ ، أَوْ يُسَنُّ ، أَوْ
يُكْرَهُ ؟ أَقُولُ : اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَوَّلَ لِمَنْ لَمْ تَجْتَمِعْ
عَزِيمَتُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ لَا فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ
وَلَا فِي ضَعِيفٍ
وَزَادَ ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ
عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ، وَفِي الْمُفِيدِ كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا النُّطْقَ
بِاللِّسَانِ ، وَرَآهُ الْآخَرُونَ سُنَّةً ، وَفِي الْمُحِيطِ الذِّكْرُ
بِاللِّسَانِ سُنَّةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ
صَلَاةَ كَذَا فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي ، وَنَقَلُوا فِي كِتَابِ
الْحَجِّ أَنَّ طَلَبَ التَّيْسِيرِ لَمْ يُنْقَلْ إلَّا فِي الْحَجِّ بِخِلَافِ
بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ ، وَقَدْ حَقَقْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَفِي
الْقُنْيَةِ ، وَالْمُجْتَبَى ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَخَرَجَ عَنْ
هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ : مِنْهَا النَّذْرُ لَا تَكْفِي فِي إيجَابِهِ
النِّيَّةُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ بِهِ صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ
الِاعْتِكَافِ .
وَمِنْهَا الْوَقْفُ وَلَوْ مَسْجِدًا لَا بُدَّ مِنْ
اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا تَوَقُّفُ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ ،
وَالْإِحْرَامِ عَلَى الذِّكْرِ وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ ؛ فَلِأَنَّهُ مِنْ
الشَّرَائِطِ لِلشُّرُوعِ ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ فَلَا يَقَعَانِ
بِالنِّيَّةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ فِي فَتَاوَى
قَاضِي خَانْ هِيَ : رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ عَمْرَةُ
وَزَيْنَبُ فَقَالَ : يَا زَيْنَبُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَقَالَ : أَنْتِ
طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الَّتِي أَجَابَتْ إنْ كَانَتْ
امْرَأَتَهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ امْرَأَتَهُ بَطَلَ ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ
الْجَوَابَ جَوَابًا لِكَلَامِ الَّتِي أَجَابَتْهُ ، وَإِنْ قَالَ : نَوَيْت
زَيْنَبَ "طُلِّقْت زَيْنَبُ
فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى زَيْنَبَ بِمُجَرَّدِ
النِّيَّةِ
وَمِنْهَا حَدِيثُ النَّفْسِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ مَا
لَمْ تَتَكَلَّمْ ، أَوْ تَعْمَلْ بِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ ، وَحَاصِلُ
مَا قَالُوهُ أَنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ قَصْدِ الْمَعْصِيَةِ ،
أَوْ الطَّاعَةِ عَلَى خَمْسِ مَرَاتِبَ ، الْهَاجِسُ ، وَهُوَ مَا يُلْقَى فِيهَا
ثُمَّ جَرَيَانُهُ فِيهَا ، وَهُوَ الْخَاطِرُ ، ثُمَّ
حَدِيثُ النَّفْسِ ، وَهُوَ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ التَّرَدُّدِ هَلْ يَفْعَلُ ،
أَوْ لَا ، ثُمَّ الْهَمُّ ، وَهُوَ تَرْجِيحُ قَصْدِ الْفِعْلِ ، ثُمَّ الْعَزْمُ
، وَهُوَ قُوَّةُ ذَلِكَ الْقَصْدِ ، وَالْجَزْمُ بِهِ ، فَالْهَاجِسُ لَا يُؤَاخَذُ
بِهِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَرَدَ
عَلَيْهِ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَا صُنْعَ ، وَالْخَاطِرُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ
كَانَ قَادِرًا عَلَى دَفْعِهِ بِصَرْفِ الْهَاجِسِ أَوَّلَ وُرُودِهِ ،
وَلَكِنَّهُ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ مَرْفُوعَانِ
بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، وَإِذَا ارْتَفَعَ حَدِيثُ النَّفْسِ ارْتَفَعَ مَا
قَبْلَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَهَذِهِ الثَّلَاثُ لَوْ كَانَتْ فِي
الْحَسَنَاتِ لَمْ يُكْتَبْ بِهَا أَجْرٌ لِعَدَمِ الْقَصْدِ ، وَأَمَّا الْهَمُّ
فَقَدْ بُيِّنَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْهَمَّ بِالْحَسَنَةِ يُكْتَبُ حَسَنَةً
وَأَنَّ الْهَمَّ بِالسَّيِّئَةِ لَا يُكْتَبُ سَيِّئَةً ، وَيُنْظَرُ ، فَإِنْ
تَرَكَهَا لِلَّهِ تَعَالَى كُتِبَتْ حَسَنَةً ، وَإِنْ فَعَلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً
وَاحِدَةً
وَالْأَصَحُّ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكْتَبُ عَلَيْهِ
الْفِعْلُ وَحْدَهُ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : وَاحِدَةً ، وَأَمَّا الْهَمُّ
فَمَرْفُوعٌ وَأَمَّا الْعَزْمُ فَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ
وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ الْهَمِّ الْمَرْفُوعِ ،
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ : هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ لَا
يَأْثَمُ إنْ لَمْ يُصَمِّمْ عَزَمَهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَزَمَ يَأْثَمُ إثْمَ
الْعَزْمِ لَا إثْمَ الْعَمَلِ بِالْجَوَارِحِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا يَتِمُّ
بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ كَالْكُفْرِ
.
اللُّغَوِيَّ لَا يَتَنَزَّلُ إلَى هَذِهِ الدَّقَائِقِ
، وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ { إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ
بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ ، وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قَالُوا : يَا
رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ : إنَّهُ كَانَ
حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ
} " .
فَعَلَّلَ بِالْحِرْصِ
الْعَاشِرُ فِي شُرُوطِ النِّيَّةِ
الْأَوَّلُ الْإِسْلَامُ ؛ وَلِذَا لَمْ تَصِحَّ
الْعِبَادَاتُ مِنْ كَافِرٍ ، صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ
قَوْلِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ ( فَلَغَا تَيَمُّمُ كَافِرٍ لَا وُضُوءُهُ ) ؛ لِأَنَّ
النِّيَّةَ شَرْطُ التَّيَمُّمِ دُونَ الْوُضُوءِ فَيَصِحُّ وُضُوءُهُ وَغُسْلُهُ
فَإِذَا أَسْلَمَ بَعْدَهُمَا صَلَّى بِهِمَا لَكِنْ : قَالُوا إذَا انْقَطَعَ دَمُ
الْكِتَابِيَّةِ لِأَقَلَّ مِنْ
عَشَرَةٍ حَلَّ وَطْؤُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ
وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْغُسْلِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ
وَإِنْ صَحَّ مِنْهَا لِصِحَّةِ طَهَارَةِ الْكَافِرِ
قَبْلَ إسْلَامِهِ .
فَائِدَةٌ
قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
رَحِمَهُ اللَّهُ : أَعْلِمْ النَّصْرَانِيَّ الْفِقْهَ ، وَالْقُرْآنَ لَعَلَّهُ
يَهْتَدِي وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ ، وَإِنْ اغْتَسَلَ ، ثُمَّ مَسَّ فَلَا
بَأْسَ بِهِ ،وَلَا تَصِحُّ الْكَفَّارَةُ مِنْ كَافِرٍ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ
؛ لِأَنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ وقَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}
أَيْ الصُّورِيَّةَ .
وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ أَنَّ نِيَّةَ
الْكَافِرِ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ،
وَالْخُلَاصَةِ هِيَ صَبِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ خَرَجَا إلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ
فَبَلَغَ الصَّبِيُّ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ قَصَرَ
الْكَافِرُ لِاعْتِبَارِ قَصْدِهِ لَا الصَّبِيُّ فِي الْمُخْتَارِ .
الثَّانِي التَّمْيِيزُ : فَلَا تَصِحُّ عِبَادَةُ
صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَلَا مَجْنُونٍ ، وَمِنْ فُرُوعِهِ عَمَلُ الصَّبِيِّ ،
وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ ،
وَلَكِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنُ الصَّبِيِّ مُمَيِّزًا
، أَوْ لَا
وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ السَّكْرَانِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ
وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالسُّكْرِ كَمَا فِي شَرْحِ
مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ
الثَّالِثُ:
الْعِلْمُ بِالْمَنْوِيِّ فَمَنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ
الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقُنْيَةِ )
إلَّا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ
الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحْرَمَ
بِمَا أَحْرَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّحَهُ
فَإِنْ عَيَّنَ حَجًّا ، أَوْ عُمْرَةً صَحَّ إنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ
، وَإِنْ شَرَعَ تَعَيَّنَتْ عُمْرَةً
.
الرَّابِعُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَافٍ بَيْنَ
النِّيَّةِ ، وَالْمَنْوِيِّ ، قَالُوا
: إنَّ النِّيَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى
التَّحْرِيمَةِ جَائِزَةٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بَعْدَهَا بِمُنَافٍ لَيْسَ
مِنْهَا
وَعَلَى هَذَا تَبْطُلُ الْعِبَادَةُ بِالِارْتِدَادِ
فِي أَثْنَائِهَا
وَتَبْطُلُ صُحْبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ بِالرِّدَّةِ إذَا مَاتَ عَلَيْهَا فَإِنْ
أَسْلَمَ بَعْدَهَا فَإِنْ كَانَ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَا مَانِعَ مِنْ عَوْدِهَا وَإِلَّا فَفِي عَوْدِهَا نَظَرٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّ
،
وَمَنْ الْمُنَافِي نِيَّةُ الْقَطْعِ
فَإِذَا نَوَى قَطْعَ الْإِيمَانِ صَارَ مُرْتَدًّا
لِلْحَالِ وَلَوْ نَوَى قَطْعَ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ ، وَكَذَا سَائِرُ
الْعِبَادَاتِ إلَّا إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ وَنَوَى الدُّخُولَ فِي أُخْرَى
فَالتَّكْبِيرُ هُوَالْقَاطِعُ لِلْأُولَى لَا مُجَرَّدُ
النِّيَّةِ ،
وَأَمَّا الصَّوْمُ الْفَرْضُ إذَا شَرَعَ فِيهِ بَعْدَ
الْعَجْزِ ، ثُمَّ نَوَى قَطْعَهُ وَالِانْتِقَالَ إلَى صَوْمِ النَّفْلِ
فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ فِي الصَّلَاةِ
جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي
التَّحْرِيمَةِ وَهُمَا فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي
الْمُحِيطِ
وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ
بِنِيَّةِ الْفَرْضِ ثُمَّ غَيَّرَ نِيَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ ، وَجَعَلَهَا
تَطَوُّعًا صَارَتْ تَطَوُّعًا وَلَوْ نَوَى الْأَكْلَ أَوْ الْجِمَاعَ فِي
الصَّوْمِ لَا يَضُرُّهُ ، وَكَذَا لَوْ نَوَى فِعْلًا مُنَافِيًا فِي الصَّلَاةِ
لَمْ تَبْطُلْ وَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ ، ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ قَبْلَ
الْفَجْرِ سَقَطَ حُكْمُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ مَا أَمْسَكَ بَعْدَ
الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ كَالْأَكْلِ بَعْدَ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ
لَا يُبْطِلُهَا وَلَوْ نَوَى قَطْعَ السَّفَرِ بِالْإِقَامَةِ صَارَ مُقِيمًا
وَبَطَلَ سَفَرُهُ بِخَمْسِ شَرَائِطَ
:
تَرْكِ السَّيْرِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ
سَائِرًا لَمْ تَصِحَّ ، وَصَلَاحِيَّةِ الْمَوْضِعِ لِلْإِقَامَةِ ، فَلَوْ
نَوَاهَا فِي بَحْرٍ ، أَوْ جَزِيرَةٍ لَمْ تَصِحَّ ، وَاتِّحَادِ الْمَوْضِعِ ،
وَالْمُدَّةِ ، وَالِاسْتِقْلَالِ بِالرَّأْيِ .
فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ التَّابِعِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ
الدِّرَايَةِ ، وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ
فِي الْوَقْتِ تَحَوَّلَ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ سَوَاءٌ نَوَاهَا فِي
أَوَّلِهَا ، أَوْ فِي وَسَطِهَا ، أَوْ فِي آخِرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا
، أَوْ مُقْتَدِيًا ، أَوْ مُدْرِكًا ، أَوْ مَسْبُوقًا
أَمَّا اللَّاحِقُ لَا يُتِمُّهَا بِنِيَّتِهَا بَعْدَ
فَرَاغِ إمَامِهِ لِاسْتِحْكَامِ فَرْضِهِ بِفَرَاغِ إمَامِهِ كَذَا فِي
الْخُلَاصَةِ . وَلَوْ نَوَى بِمَالِ التِّجَارَةِ الْخِدْمَةَ ، كَانَ
لِلْخِدْمَةِ بِالنِّيَّةِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ .
وَأَمَّا نِيَّةُ الْخِيَانَةِ فِي الْوَدِيعَةِ فَلَمْ
أَرَهَا صَرِيحَةً لَكِنَّ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ : مِنْ جِنَايَاتِ
الْإِحْرَامِ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا تَعَدَّى ، ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ ،
وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لَا يَزُولُ التَّعَدِّي .
فَرْعٌ
وَتَقْرُبُ مِنْ نِيَّةِ الْقَطْعِ نِيَّةُ الْقَلْبِ ،
وَهِيَ نِيَّةُ نَقْلِ الصَّلَاةِ إلَى أُخْرَى قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ
إلَّا بِالشُّرُوعِ بِالتَّحْرِيمَةِ لَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَلَا بُدَّ أَنْ
تَكُونَ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى كَأَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَصْرِ بَعْدَ
افْتِتَاحِ الظُّهْرِ فَيَفْسُدُ الظُّهْرُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ
وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَتَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ فَإِنْ تَلَفَّظَ بِهَا بَطَلَتْ
الْأُولَى مُطْلَقًا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَارِيعَهَا فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ
مِنْ شَرْحِ الْكَنْزِ
فَصْلٌ
وَمِنْ الْمُنَافِي التَّرَدُّدُ وَعَدَمُ الْجَزْمِ فِي
أَصْلِهَا وَفِي الْمُلْتَقَط ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ
اشْتَرَى خَادِمًا لِلْخِدْمَةِ ، وَهُوَ يَنْوِي إنْ أَصَابَ رِبْحًا بَاعَهُ لَا
زَكَاةَ عَلَيْهِ
وَقَالُوا : لَوْ نَوَى يَوْمَ الشَّكِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ
مِنْ شَعْبَانَ فَنَفْلٌ وَإِلَّا فَمِنْ رَمَضَانَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ كَمَا
بَيَّنَّاهُ فِي الصَّوْمِ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ
فَائِتَةٌ فَشَكَّ أَنَّهُ قَضَاهَا ، أَوْ لَا فَقَضَاهَا ، ثُمَّ تَبَيَّنَ
أَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ
لَا تُجْزِيهِ لِلشَّكِّ وَعَدَمِ الْجَزْمِ
بِتَعْيِينِهَا .
وَلَوْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الْعِبَادَةِ فَأَتَى
بِهَا فَبَانَ أَنَّهُ فَعَلَهَا فِي الْوَقْتِ لَمْ يُجْزِهِ أَخْذًا مِنْ
قَوْلِهِمْ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ : لَوْ صَلَّى الْفَرْضَ وَعِنْدَهُ أَنَّ
الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَظَهَرَ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ
لَا يُجْزِيهِ ، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ : أَدْرَكَ الْقَوْمَ فِي الصَّلَاةِ
، وَلَا يَدْرِي أَنَّهَا الْمَكْتُوبَةُ ، أَوْ التَّرْوِيحَةُ يُكَبِّرُ وَيَنْوِي
الْمَكْتُوبَةَ عَلَى أَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مَكْتُوبَةً يَقْضِيهَا يَعْنِي
الْعِشَاءَ
فَإِذَا هُوَ فِي الْعِشَاءِ صَحَّ ، وَإِنْ كَانَ فِي
التَّرْوِيحَةِ يَقَعُ نَفْلًا
.
فَرْعٌ
عَقَّبَ النِّيَّةَ بِالْمَشِيئَةِ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ
إنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّيَّاتِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَمْ
يَبْطُلْ ، وَإِنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَقْوَالِ كَالطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ بَطَلَ
تَكْمِيْل:
النِّيَّةُ شَرْطٌ عِنْدَنَا فِي كُلِّ الْعِبَادَاتِ
بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا رُكْنٌ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ
بَيْنَهُمْ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا شَرْطٌ
كَالنِّيَّةِ .
وَقِيلَ بِرُكْنِيَّتِهَا
قَاعِدَةٌ فِي الْأَيْمَانِ
تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالنِّيَّةِ مَقْبُولٌ دَيَّانَةً
لَا قَضَاءً وَعِنْدَ الْخَصَّافِ يَصِحُّ قَضَاءً أَيْضًا فَلَوْ قَالَ : كُلُّ
امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ، ثُمَّ : قَالَ نَوَيْت مِنْ بَلْدَةِ كَذَا
لَمْ يَصِحَّ .
مَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ إنْسَانٍ فَلَمَّا حَلَّفَهُ
الْخَصْمُ عَامًّا نَوَى خَاصًّا وَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ مُخَلِّصٌ لِمَنْ
حَلَّفَهُ ظَالِمٌ
وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، فَمَنْ وَقَعَ
فِي يَدِ الظَّلَمَةِ وَأَخَذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، كَذَا
فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ .
وَلَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ
وَقَالَ :
عَنَيْت بِهِ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ دِينَ
بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : نَوَيْت السُّودَ دُونَ الْبِيضِ ، أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ
يُصَدَّقْ دِيَانَةً أَيْضًا كَقَوْلِهِ : نَوَيْت النِّسَاءَ دُونَ الرِّجَالِ ، وَالْفَرْقُ
بَيِّنَاهُ فِي الشَّرْحِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ .
وَأَمَّا تَعْمِيمُ الْخَاصِّ بِالنِّيَّةِ فَلَمْ
أَرَهُ الْآنَ .
قَاعِدَةٌ فِيهَا أَيْضًا
الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إنْ كَانَ
مَظْلُومًا ، وَعَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ إنْ كَانَ ظَالِمًا كَمَا فِي
الْخُلَاصَةِ
قَاعِدَةٌ فِيهَا أَيْضًا
الْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى
الْأَغْرَاضِ ، فَلَوْ اغْتَاظَ مِنْ إنْسَانٍ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي
لَهُ شَيْئًا بِفَلْسٍ فَاشْتَرَى لَهُ شَيْئًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَحْنَثْ
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُهُ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ ، أَوْ
بِتِسْعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ مَعَ أَنَّ غَرَضَهُ الزِّيَادَةُ لَكِنْ لَا حِنْثَ
بِلَا لَفْظٍ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَحَدَ عَشَرَ
حَنِثَ
وَتَمَامُهُ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
وَشَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ
فُرُوعٌ
:
لَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا ، أَوْ حُرَّةً
فَنَادَاهَا إنْ قَصَدَ الطَّلَاقَ ، أَوْ الْعِتْقَ وَقَعَا ، أَوْ النِّدَاءَ
فَلَا ، أَوْ أَطْلَقَ فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُهُ وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ
فَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِئْنَافَ وَقَعَ الْكُلُّ ، أَوْ التَّأْكِيدَ فَوَاحِدَةٌ
دِيَانَةً ، وَالْكُلُّ قَضَاءً
وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ وَلَوْ : قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ
وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ
فَإِنْ نَوَى مَعَ ثِنْتَيْنِ دَخَلَ بِهَا أَوَّلًا
وَإِلَّا
فَإِنْ نَوَى وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ إنْ كَانَ دَخَلَ
بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ
كَمَا إذَا نَوَى الظَّرْفَ ، أَوْ أَطْلَقَ وَلَوْ
نَوَى الضَّرْبَ ، وَالْحِسَابَ فَكَذَلِكَ
وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ
مِثْلُ أُمِّي ، أَوْ كَأُمِّي رُجِعَ إلَى قَصْدِهِ لِيَنْكَشِفَ حُكْمُهُ ،
فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ الْكَرَامَةَ فَهُوَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّ التَّكْرِيمَ بِالتَّشْبِيهِ
فَاشٍ فِي الْكَلَامِ ، وَإِنْ قَالَ : أَرَدْتُ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ ؛
لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِجَمِيعِهَا ، وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ
بَائِنٌ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَهُمَا وَقَالَ
مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : هُوَ ظِهَارٌ وَإِنْ عَنَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ
فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إيلَاءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ
اللَّهُ ظِهَارٌ وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَنَوَى ظِهَارًا
، أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَى قَوْلِ
أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إيلَاءٌ
وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ظِهَارٌ.
وَمِنْهَا لَوْ قَرَأَ الْجُنُبُ قُرْآنًا فَإِنْ قَصَدَ
التِّلَاوَةَ حَرُمَ ، وَإِنْ قَصَدَ الذِّكْرَ فَلَا وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ
فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ إنْ قَصَدَ الدُّعَاءَ وَالثَّنَاءَ لَمْ
يُكْرَهْ وَإِنْ قَصَدَ التِّلَاوَةَ كُرِه
عَطَسَ الْخَطِيبُ : فَقَالَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ : إنْ
قَصَدَ الْخُطْبَةَ صَحَّتْ ، وَإِنْ قَصَدَ الْحَمْدَ لِلْعُطَاسِ لَمْ تَصِحَّ .
ذَبَحَ فَعَطَسَ وَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ فَكَذَلِكَ ،
ذَكَرَ الْمُصَلِّي آيَةً لَوْ ذَكَرَ ، أَوْ قَصَدَ بِهِ جَوَابَ الْمُتَكَلِّمِ
فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا
تَكْمِيلٌ فِي النِّيَابَةِ فِي النِّيَّةِ
قَالَ فِي تَيَمُّمِ الْقُنْيَةِ : مَرِيضٌ يَمَّمَهُ
غَيْرُهُ فَالنِّيَّةُ عَلَى الْمَرِيضِ دُونَ التَّيَمُّمِ ، وَفِي الزَّكَاةِ
قَالُوا الْمُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ ، فَلَوْ نَوَاهَا وَدَفَعَ
الْوَكِيلُ بِلَا نِيَّةٍ أَجْزَأَتْهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّرْحِ ، وَفِي الْحَجِّ
عَنْ الْغَيْرِ الِاعْتِبَارُ لِنِيَّةِ الْمَأْمُورِ ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ
النِّيَابَةِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ إنَّمَا صَدَرَتْ مِنْ الْمَأْمُورِ
فَالْمُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ
تَنْبِيهٌ
اشْتَمَلَتْ قَاعِدَةُ الْأُمُورِ بِمَقَاصِدِهَا عَلَى
عِدَّةِ قَوَاعِدَ كَمَا تَبَيَّنَ لَك وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى عُيُونِ
مَسَائِلِهَا وَإِلَّا فَمَسَائِلُهَا لَا تُحْصَى وَفُرُوعُهَا لَا تُسْتَقْصَى.
خَاتِمَةٌ
تَجْرِي قَاعِدَةُ الْأُمُورِ بِمَقَاصِدِهَا فِي عِلْمِ
الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا فَأَوَّلُ مَا اعْتَبَرُوا ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ فَقَالَ
سِيبَوَيْهِ ، وَالْجُمْهُورُ بِاشْتِرَاطِ الْقَصْدِ فِيهِ فَلَا يُسَمَّى
كَلَامًا مَا نَطَقَ بِهِ النَّائِمُ وَالسَّاهِي وَمَا تَحْكِيهِ الْحَيَوَانَاتُ
الْمُعَلَّمَةُ وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَشْتَرِطْهُ وَسَمَّى كُلَّ ذَلِكَ
كَلَامًا وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّانَ.
وَفُرِّعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِقْهِ مَا إذَا حَلَفَ
لَا يُكَلِّمُهُ فَكَلَّمَهُ نَائِمًا بِحَيْثُ يَسْمَعُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَفِي
بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ شَرَطَ أَنْ يُوقِظَهُ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا ؛
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَبِهْ كَانَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ ، وَهُوَ بِحَيْثُ
لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ
اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيهَا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الشَّرْحِ وَلَمْ أَرَ إلَى
الْآنَ حُكْمَ إذَا مَا كَلَّمَهُ مُغْمًى عَلَيْهِ ، أَوْ مَجْنُونًا ، أَوْ
سَكْرَانَ ، وَلَوْ سَمِعَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ حَيَوَانٍ صَرَّحُوا بِعَدَمِ
وُجُوبِهَا عَلَى الْمُخْتَارِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْقَارِئِ بِخِلَافِ مَا
إذَا سَمِعَهَا مِنْ جُنُبٍ ، أَوْ حَائِضٍ ، وَالسَّمَاعُ مِنْ الْمَجْنُونِ لَا
يُوجِبُهَا ، وَمِنْ النَّائِمِ يُوجِبُهَا عَلَى الْمُخْتَارِ .
وَكَذَا تَجِبُ بِسَمَاعِهَا مِنْ سَكْرَانَ ،
وَمِنْ ذَلِكَ الْمُنَادَى النَّكِرَةُ إنْ قَصَدَ
نِدَاءَ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ يُعَرَّفُ وَوَجَبَ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّمِّ ،
وَإِلَّا لَمْ يُعَرَّفْ وَأُعْرِبَ بِالنَّصْبِ ، وَمِنْ ذَلِكَ الْعَلَمُ
الْمَنْقُولُ مِنْ صِفَةٍ إنْ قُصِدَ بِهِ لَمْحُ الصِّفَةِ الْمَنْقُولِ مِنْهَا
أُدْخِلَ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَإِلَّا فَلَا ،
وَفُرُوعُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَتَجْرِي هَذِهِ
الْقَاعِدَةُ فِي الْعَرُوضِ أَيْضًا ، فَإِنَّ الشِّعْر عِنْدَ أَهْلِهِ كَلَامٌ
مَوْزُونٌ مَقْصُودٌ بِهِ ذَلِكَ ، أَمَّا مَا يَقَعُ مَوْزُونًا اتِّفَاقًا لَا
عَنْ قَصْدٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى شِعْرًا ، وَعَلَى ذَلِكَ
خُرِّجَ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ
حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَفِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ
:
هَلْ أَنْتَ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ
اللَّهِ مَا لَقِيتِ
الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: الْيَقِينُ لَا يَزُولُ
بِالشَّكِّ
وَدَلِيلُهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي
بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا
يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا ، أَوْ يَجِدَ رِيحًا }
" ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْأَنْجَاسِ مَا يُوَضِّحُهَا
فَنَسُوقُ عِبَارَتَهُ بِتَمَامِهَا
.
قَوْلُهُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ
الْإِمْكَانِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُتَمَكَّنْ مِنْ الْإِزَالَةِ لِخَفَاءِ خُصُوصِ
الْمَحَلِّ الْمُصَابِ مَعَ الْعِلْمِ بِتَنْجِيسِ الثَّوْبِ قِيلَ : الْوَاجِبُ
غَسْلُ طَرَفٍ مِنْهُ فَإِنْ غَسَلَهُ بِتَحَرٍّ ، أَوْ بِلَا تَحَرٍّ طَهُرَ
وَذِكْرُ الْوَجْهِ يُبَيِّنُ أَنْ لَا أَثَرَ
لِلتَّحَرِّي ، وَهُوَ
أَنْ يَغْسِلَ بَعْضَهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ
الثَّوْبِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي قِيَامِ النَّجَاسَةِ ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِ
الْمَغْسُولِ مَحَلَّهَا فَلَا يَقْضِي بِالنَّجَاسَةِ بِالشَّكِّ كَذَا ،
أَوْرَدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ :
وَسَمِعْت الْإِمَامَ تَاجَ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُهُ وَيَقِيسُهُ
عَلَى مَسْأَلَةٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ هِيَ : إذَا فَتَحْنَا حِصْنًا
وَفِيهِمْ ذِمِّيٌّ لَا يُعْرَفُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِقِيَامِ الْمَانِعِ
بِيَقِينٍ فَلَوْ قُتِلَ الْبَعْضُ ، أَوْ أُخْرِجَ حَلَّ قَتْلُ الْبَاقِي
لِلشَّكِّ فِي قِيَامِ الْمُحَرَّمِ ، كَذَا هُنَا ، وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ
مَا ذَكَرَهُ مُجَرَّدًا عَنْ التَّعْلِيلِ ، فَلَوْ صَلَّى مَعَهُ صَلَاةً ،
ثُمَّ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ فِي طَرَفٍ آخَرَ تَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّى (
انْتَهَى )
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ : ثَوْبٌ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا
يَدْرِي مَكَانَهَا يَغْسِلُ الثَّوْبَ كُلَّهُ
وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ ، وَذَلِكَ التَّعْلِيلُ مُشْكِلٌ
عِنْدِي ، فَإِنَّ غَسْلَ طَرَفٍ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي طُهْرِ الثَّوْبِ بَعْدَ
الْيَقِينِ بِنَجَاسَةٍ قَبْلُ
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ شَكٌّ فِي الْإِزَالَةِ بَعْدَ تَيَقُّنِ
قِيَامِ النَّجَاسَةِ ، وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ الْمُتَيَقَّنَ قَبْلَهُ ،
وَالْحَقُّ أَنَّ ثُبُوتَ الشَّكِّ فِي كَوْنِ الطَّرَفِ الْمَغْسُولِ وَالرَّجُلِ
الْمُخْرَجِ هُوَ مَكَانَ النَّجَاسَةِ ، وَالْمَعْصُومَ الدَّمِ يُوجِبُ أَلْبَتَّةَ
الشَّكَّ فِي طُهْرِ الْبَاقِي وَإِبَاحَةِ دَمِ الْبَاقِينَ
وَمَنْ ضَرُورَةِ صَيْرُورَتِهِ مَشْكُوكًا فِيهِ
ارْتِفَاعُ الْيَقِينِ عَنْ تَنَجُّسِهِ وَمَعْصُومِيَّتُهُ .
وَإِذَا صَارَ مَشْكُوكًا فِي نَجَاسَتِهِ جَازَتْ
الصَّلَاةُ مَعَهُ إلَّا أَنَّ هَذَا إنْ صَحَّ لَمْ يَبْقَ لِكَلِمَتِهِمْ
الْمَجْمَعِ عَلَيْهَا أَعْنِي قَوْلَهُمْ : الْيَقِينُ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ
مَعْنًى
فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ
لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ شَكٌّ فِي مَحَلِّ
ثُبُوتِ الْيَقِينِ لِيُتَصَوَّرَ ثُبُوتُ شَكٍّ فِيهِ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ ذَلِكَ
الْيَقِينُ.
فَمِنْ هَذَا حَقَّقَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ
الْمُرَادَ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ حُكْمُ
الْيَقِينِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَخْلُصُ
الْإِشْكَالُ فِي الْحُكْمِ لَا الدَّلِيلِ فَنَقُولُ : وَإِنْ ثَبَتَ الشَّكُّ
فِي طَهَارَةِ الْبَاقِي وَنَجَاسَتِهِ لَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ ذَلِكَ
الْيَقِينِ السَّابِقِ بِنَجَاسَتِهِ ، وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ ، فَلَا
تَصِحُّ بَعْدَ غَسْلِ الطَّرَفِ ؛لِأَنَّ الشَّكَّ الطَّارِئَ لَا يَرْفَعُ
حُكْمَ الْيَقِينِ السَّابِقِ ، عَلَى مَا حُقِّقَ مِنْ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ
قَوْلِهِمْ : الْيَقِينُ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ فَغَسْلُ الْبَاقِي ،
وَالْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الْبَاقِي مُشْكِلٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .انْتَهَى
كَلَامُ فَتْحِ الْقَدِيرِ .
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ : الْقِسْمَةُ فِي الْمِثْلِيِّ مِنْ
الْمُطَهِّرَاتِ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ بَعْضُ الْبُرِّ قُسِمَ،طَهُرَ
لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كُلِّ جُزْءٍ هَلْ هُوَ الْمُتَنَجِّسُ،أَوْ لَا؟
قُلْت:يَنْدَرِجُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوَاعِدُ:
مِنْهَا قَوْلُهُمْ :
الْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ
وَتَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا مَسَائِلُ مِنْهَا :
مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ
فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ ، وَمَنْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَهُوَ
مُحْدِثٌ ، كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا ، وَلَكِنْ ذُكِرَ عَنْ
مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ بَيْتَ الْخَلَاءِ وَجَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ
وَشَكَّ هَلْ خَرَجَ مِنْهُ ، أَوْ لَا كَانَ مُحْدِثًا ، وَإِنْ جَلَسَ
لِلْوُضُوءِ وَمَعَهُ مَاءٌ ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ تَوَضَّأَ أَمْ لَا كَانَ
مُتَوَضِّئًا عَمَلًا بِالْغَالِبِ فِيهِمَا وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ
اسْتَيْقَنَ بِالتَّيَمُّمِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ ،
وَكَذَا لَوْ اسْتَيْقَنَ بِالْحَدَثِ وَشَكَّ فِي التَّيَمُّمِ أَخَذَ
بِالْيَقِينِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ
وَلَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ ، وَالْحَدَثَ وَشَكَّ
فِي السَّابِقِ فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ
.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْ
عُضْوًا لَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِعَيْنِهِ غَسْلَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى ؛
لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَمَل
رَأَى الْبَلَّةَ بَعْدَ الْوُضُوءِ سَائِلًا مِنْ
ذَكَرِهِ يُعِيدُ ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِضُهُ كَثِيرًا وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ
بَوْلٌ ، أَوْ مَاءٌ لَا يَلْتَفِت إلَيْهِ وَيَنْضَحُ فَرْجَهُ وَإِزَارَهُ بِالْمَاءِ
قَطْعًا لِلْوَسْوَسَةِ ، وَإِذَا بَعُدَ عَهْدُهُ عَنْ الْوُضُوءِ ، أَوْ عَلِمَ
أَنَّهُ بَوْلٌ لَا تَنْفَعُهُ الْحِيلَةُ ( انْتَهَى )
وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو
أَلْفٌ مَثَلًا فَبَرْهَنَ عَمْرٌو عَلَى الْأَدَاءِ ، وَالْإِبْرَاءِ فَبَرْهَنَ
زَيْدٌ عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا لَمْ تُقْبَلْ ، حَتَّى يُبَرْهِنَ
أَنَّهَا حَادِثَةٌ بَعْدَ
الْأَدَاءِ ، أَوْ الْإِبْرَاءِ
شَكَّ فِي وُجُودِ النَّجَسَ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ
الطَّهَارَةِ ؛ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : حَوْضٌ تَمْلَأُ مِنْهُ
الصِّغَارُ ، وَالْعَبِيدُ بِالْأَيْدِي الدَّنِسَةِ ، وَالْجِرَارِ الْوَسِخَةِ
يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِهِ
نَجَاسَةٌ ؛ وَلِذَا أَفْتَوْا بِطَهَارَةِ طِينِ
الطُّرُقَاتِ ، وَفِي الْمُلْتَقَطِ فَأْرَةٌ فِي الْكُوزِ لَا يَدْرِي أَنَّهَا كَانَتْ
فِي الْجَرَّةِ لَا يَقْضِي بِفَسَادِ الْجَرَّةِ بِالشَّكِّ ، وَفِي خِزَانَةِ
الْأَكْمَلِ رَأَى فِي ثَوْبِهِ قَذَرًا وَقَدْ صَلَّى فِيهِ وَلَا يَدْرِي مَتَى
أَصَابَهُ يُعِيدُهَا مِنْ آخِرِ حَدَثٍ أَحْدَثَهُ وَفِي الْمَنِيِّ آخِرِ
رَقْدَةٍ ( انْتَهَى ) .
يَعْنِي احْتِيَاطًا وَعَمَلًا بِالظَّاهِرِ .
أَكَلَ آخِرَ اللَّيْلِ وَشَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ
صَحَّ صَوْمُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلُ بَقَاءُ اللَّيْلِ ، وَكَذَا فِي الْوُقُوفِ ،
وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَأْكُلَ مَعَ الشَّكِّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ
اللَّهُ أَنَّهُ أَمْسَى بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ إذَا كَانَ بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ
، أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً ، أَوْ مُتَغَيِّمَةً ، أَوْ كَانَ فِي
مَكَان لَا يَسْتَبِينُ فِيهِ الْفَجْرُ ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُهُ
لَا يَأْكُلُ ، فَإِنْ أَكَلَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ لَهُ شَيْءٌ
لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ
ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَهُ قَضَى وَلَا كَفَّارَةَ ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ
لَمْ يَأْكُلْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ فَإِنْ أَكَلَ وَلَمْ
يَسْتَبِنْ لَهُ شَيْءٌ قَضَى
وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَتَمَامُهُ فِي
الشَّرْحِ مِنْ الصَّوْمِ
ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَدَمَ وُصُولِ النَّفَقَةِ ،
وَالْكُسْوَةِ الْمُقَرَّرَتَيْنِ فِي مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ فَالْقَوْلُ لَهَا ؛
لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُمَا فِي ذِمَّتِهِ كَالْمَدْيُونِ إذَا ادَّعَى دَفْعَ
الدَّيْنِ وَأَنْكَرَ الدَّائِنُوَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي التَّمْكِينِ
مِنْ الْوَطْءِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكَرِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَوْ
اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ وَالرَّدِّ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرِّضَاء.
ِ وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعَةِ
فِيهَا فَالْقَوْلُ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً
فَالْقَوْلُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَيَمْلِكُ الْإِخْبَارَ .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الطَّوْعِ
فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِيهِ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، وَإِنْ بَرْهَنَا
فَبَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْإِكْرَاهَ ، أَوْلَى ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا
فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ اللَّحْمَ لَحْمُ مَيِّتَةٍ
، أَوْ ذَبِيحَةِ مَجُوسِيٍّ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ، لَمْ أَرَهُ الْآنَ
وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ : الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبُطْلَانِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا .
أَصْلُ الْبَيْعِ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي
وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ الشَّاةَ فِي حَالِ حَيَاتِهَا مُحَرَّمَةٌ فَالْمُشْتَرِي
مُتَمَسِّكٌ بِأَصْلِ التَّحْرِيمِ إلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ زَوَالُهُ ادَّعَتْ
الْمُطَلَّقَةُ امْتِدَادَ الطُّهْرِ وَعَدَمَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ صُدِّقَتْ
وَلَهَا النَّفَقَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا إلَّا إذَا ادَّعَتْ
الْحَبَلَ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ إلَى سَنَتَيْنِ فَإِنْ مَضَتَا ، ثُمَّ
تَبَيَّنَ أَنْ لَا حَبَلَ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ .
قَاعِدَةٌ :الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ
وَلِذَا لَمْ يُقْبَلْ فِي شُغْلِهَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ .
؛ وَلِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ
، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي لِدَعْوَةِ مَا خَالَفَ الْأَصْلَ ، فَإِذَا
اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفِ ، وَالْمَغْصُوبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ
الْغَارِمِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ عَمَّا زَادَ وَلَوْ أَقَرَّ
بِشَيْءٍ ، أَوْ حَقٍّ قَبْلَ تَفْسِيرِهِ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ ، فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ
مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ فَإِنَّهُمْ
قَالُوا : تَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ مَعَ
أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا فَقِيلَ
: أَقَلُّهُ اثْنَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ
عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الْمَشْهُورُ
أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْإِقْرَارِ .
قَاعِدَةٌ مَنْ شَكَّ هَلْ فَعَلَ شَيْئًا أَمْ لَا؟
فَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ
وَتَدْخُلُ فِيهَا قَاعِدَةٌ أُخْرَى: مَنْ تَيَقَّنَ
الْفِعْلَ وَشَكَّ فِي الْقَلِيلِ ، وَالْكَثِيرِ حَمَلَ عَلَى الْقَلِيلِ ؛
لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ إلَّا أَنْ تَشْتَغِلَ الذِّمَّةُ بِالْأَصْلِ فَلَا يَبْرَأُ
إلَّا بِالْيَقِينِ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى قَاعِدَةٍ ثَالِثَةٍ
هِيَ: مَا ثَبَتَ بِيَقِينٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ"وَالْمُرَادُ
بِهِ غَالِبُ الظَّنِّ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ : وَلَوْ لَمْ يَفُتْهُ
مِنْ الصَّلَاةِ شَيْءٌ ، وَاجِبٌ أَنْ يَقْضِيَ صَلَاةَ عُمْرِهِ مُنْذُ أَدْرَكَ
لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ
إلَّا إذَا كَانَ أَكْبَرُ ظَنِّهِ فَسَادَهَا بِسَلْبِ
الطَّهَارَةِ ، أَوْ تَرْكِ شَرْطٍ فَحِينَئِذٍ
يَقْضِي مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ
يُكْرَهُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ ( انْتَهَى ) . شَكَّ فِي صَلَاةٍ هَلْ
صَلَّاهَا أَمْ لَا ، أَعَادَ فِي الْوَقْتِ شَكَّ فِي رُكُوعٍ ، أَوْ سُجُودٍ ،
وَهُوَ فِيهَا أَعَادَ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَلَا ، وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ كَمْ
صَلَّى ، فَإِنْ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ اسْتَأْنَفَ ، وَإِنْ كَثُرَ تَحَرَّى ،
وَإِلَّا أَخَذَ بِالْأَقَلِّ وَهَذَا إذَا شَكَّ فِيهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ ،
وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ
الْفَرَاغ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا وَشَكَّ فِي تَعْيِينِهِ قَالُوا : يَسْجُدُ
سَجْدَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَقْعُدُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً ، ثُمَّ
يَسْجُدُ بِسَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ يَقْعُدُ ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَذَا فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بَعْدَ السَّلَامِ : إنَّك صَلَّيْت
الظُّهْرَ أَرْبَعًا ، وَشَكَّ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ
احْتِيَاطًا
؛ لِأَنَّ
الشَّكَّ فِي صِدْقِهِ شَكٌّ فِي الصَّلَاةِ . وَلَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ
الْإِمَامِ ، وَالْقَوْمِ
فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى يَقِينٍ لَا يُعِيدُ
وَإِلَّا أَعَادَ بِقَوْلِهِمْ ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .
وَلَوْ صَلَّى رَكْعَةً بِنِيَّةِ الظُّهْرِ ، ثُمَّ
شَكَّ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ ، ثُمَّ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ
أَنَّهُ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ شَكَّ فِي الرَّابِعَةِ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ
قَالُوا : يَكُونُ فِي الظُّهْرِ وَالشَّكُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ . وَلَوْ تَذَكَّرَ مُصَلِّي
الْعَصْرِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً وَلَمْ يَدْرِ هَلْ تَرَكَهَا مِنْ الظُّهْرِ ،
أَوْ الْعَصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهَا تَحَرَّى ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ
عَلَى شَيْءٍ يُتِمُّ الْعَصْرَ وَيَسْجُدُ سَجْدَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يُعِيدُ
الظُّهْرَ احْتِيَاطًا ، ثُمَّ يُعِيدُ الْعَصْرَ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ . ،
وَفِي الْمُجْتَبَى إذَا شَكَّ أَنَّهُ كَبَّرَ
لِلِافْتِتَاحِ أَوْ لَا ؟ أَوْ هَلْ أَحْدَثَ ، أَوْ لَا ، أَوْ هَلْ أَصَابَتْ
النَّجَاسَةُ ثَوْبَهُ ، أَوْ لَا ، أَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ، أَوْ لَا اسْتَقْبَلَ
إنْ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَّا فَلَا ( انْتَهَى ) .
وَلَوْ شَكَّ أَنَّهَا تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ ، أَوْ
الْقُنُوتِ لَمْ يَصِرْ شَارِعًا وَتَمَامُهُ فِي الشَّرْحِ مِنْ آخِرِ سُجُودِ
السَّهْوِ.
وَلَوْ شَكَّ فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ ، ذَكَرَ
الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَتَحَرَّى كَمَا فِي الصَّلَاةِ ، وَقَالَ عَامَّةُ
مَشَايِخِنَا : يُؤَدِّي ثَانِيًا ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الرُّكْنِ وَالزِّيَادَةَ
عَلَيْهِ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ ،
وَزِيَادَةُ الرَّكْعَةِ تُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَكَانَ
التَّحَرِّي فِي بَابِ الصَّلَاةِ أَحْوَطَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْحَجِّ
يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ،
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ :
شَكَّ فِي الْقِيَامِ فِي الْفَجْرِ أَنَّهَا الْأُولَى
، أَوْ الثَّانِيَةُ رَفَضَهُ
وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ ، ثُمَّ أَتَمَّ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ، فَإِنْ
شَكَّ فِي سَجْدَتِهِ أَنَّهَا عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ عَنْ الثَّانِيَةِ يَمْضِي
فِيهَا ، وَإِنْ شَكَّ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ إتْمَامَهَا
لَازِمٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ،
وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ
قَعَدَ ، ثُمَّ قَامَ وَصَلَّى رَكْعَةً وَأَتَمَّ بِسَجْدَةِ السَّهْوِ .
وَإِنْ شَكَّ فِي سَجْدَتِهِ أَنَّهُ صَلَّى الْفَجْرَ
رَكْعَتَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَ إنْ كَانَ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى يُمْكِنُ إصْلَاحُهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ
رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ إتْمَامَ الْمَاهِيَةِ بِالرَّفْعِ عِنْدَهُ
فَتَرْتَفِعُ السَّجْدَةُ بِالرَّفْضِ ارْتِفَاعُهَا بِالْحَدَثِ فَيَقُومُ
وَيَقْعُدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إلَى أَنْ قَالَ نَوْعٌ مِنْهُ، تَذَكَّرَ
أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا قَوِيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ تَرَكَ رُكْنًا
فِعْلِيًّا يُحْمَلُ عَلَى تَرْكِ الرُّكُوعِ فَيَسْجُدُ ثُمَّ يَقْعُدُ،ثُمَّ
يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْنِ .
صَلَّى صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ
تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَيَّةِ صَلَاةٍ أَعَادَ
الْفَجْرَ ، وَالْوِتْرَ ، وَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ فِي رَكْعَتَيْنِ
فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ تَذَكَّرَ التَّرْكَ فِي الْأَرْبَعِ فَذَوَاتُ الْأَرْبَعِ
كُلُّهَا ، ( انْتَهَى )
وَمِنْهَا:
شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا لَمْ يَقَعْ .
شَكَّ أَنَّهُ ؛ طَلَّقَ وَاحِدَةً ، أَوْ أَكْثَرَ ،
بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ إلَّا أَنْ
يَسْتَيْقِنَ بِالْأَكْثَرِ ، أَوْ يَكُونَ أَكْبَرُ ظَنِّهِ عَلَى خِلَافِهِ
وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ : عَزَمْت عَلَى أَنَّهُ ثَلَاثٌ
يَتْرُكُهَا ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ عُدُولٌ حَضَرُوا ذَلِكَ الْمَجْلِسَ بِأَنَّهَا
وَاحِدَةٌ
وَصَدَّقَهُمْ أَخَذَ بِقَوْلِهِمْ
إنْ كَانُوا عُدُولًا، وَعَنْ الْإِمَامِ الثَّانِي
حَلَفَ بِطَلَاقِهَا وَلَا يَدْرِي أَثَلَاثٌ أَمْ أَقَلُّ يَتَحَرَّى
وَإِنْ اسْتَوَيَا عَمِلَ بِأَشَدِّ ذَلِكَ عَلَيْهِ
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَمِنْهَا شَكَّ فِي الْخَارِجِ أَمَنِيٌّ أَوْ
مَذْيٌ وَكَانَ فِي النَّوْمِ فَإِنْ تَذَكَّرَ احْتِلَامًا وَجَبَ الْغُسْلُ
اتِّفَاقًا وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَلًا بِالْأَقَلِّ
، وَهُوَ الْمَذْيُ وَوَجَبَ عِنْدَهُمَا احْتِيَاطًا ؛
كَقَوْلِهِمَا بِالنَّقْضِ بِالْمُبَاشَرَةِ
الْفَاحِشَةِ
وَكَقَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْفَأْرَةِ الْمَيِّتَةِ
إذَا وُجِدَتْ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يَدْرِ مَتَى وَقَعَتْ
هُنَا فُرُوعٌ لَمْ أَرَهَا الْآنَ :
الْأَوَّلُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَشَكَّ فِي
قَدْرِهِ
يَنْبَغِي لُزُومُ إخْرَاجِ الْقَدْرِ الْمُتَيَقَّنِ .
، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْقَضَاءِ إذَا شَكَّ فِيمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ
يَنْبَغِي أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ وَلَا يَحْلِفُ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي
الْحَرَامِ ، وَإِنْ أَبَى خَصْمُهُ إلَّا حَلِفَهُ إنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ
أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُحِقٌّ لَا يَحْلِفُ ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ
أَنَّهُ مُبْطِلٌ سَاغَ لَهُ الْحَلِفُ ( انْتَهَى )
الثَّانِي :
لَهُ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ سَائِمَةٌ وَشَكَّ فِي
أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ كُلِّهَا ، أَوْ بَعْضِهَا يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ
زَكَاةُ الْكُلِّ
الثَّالِثُ شَكَّ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الصِّيَامِ
الرَّابِعُ شَكَّتْ فِيمَا عَلَيْهَا مِنْ الْعِدَّةِ
هَلْ هِيَ عِدَّةُ طَلَاقٍ ، أَوْ وَفَاةٍ
يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ الْأَكْثَرُ عَلَيْهَا وَعَلَى
الصَّائِمِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ تَرَكَ صَلَاةً وَشَكَّ أَنَّهَا أَيَّةُ
صَلَاةٍ تَلْزَمُهُ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ .
الْخَامِسُ شَكَّ فِي الْمَنْذُورِ هَلْ هُوَ صَلَاةٌ
أَمْ صِيَامٌ ، أَوْ عِتْقٌ ، أَوْ صَدَقَةٌ يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ كَفَّارَةُ
يَمِينٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ : لَوْ قَالَ : عَلَيَّ نَذْرٌ فَعَلَيْهِ
كَفَّارَةُ يَمِينٍ ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْمَنْذُورِ كَعَدَمِ تَسْمِيَتِهِ
السَّادِسُ: شَكَّ هَلْ حَلَفَ بِاَللَّهِ ، أَوْ
بِالطَّلَاقِ ، أَوْ بِالْعَتَاقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَلِفُهُ بَاطِلًا
، ثُمَّ
رَأَيْت الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي شَكِّ الْأَيْمَانِ : حَلَفَ وَنَسِيَ
أَنَّهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ بِالطَّلَاقِ ، أَوْ بِالْعَتَاقِ فَحَلِفُهُ
بَاطِلٌ ( انْتَهَى )
وَفِي الْيَتِيمَةِ إذَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُ حَلَفَ
مُعَلِّقًا بِالشَّرْطِ وَيَعْرِفُ الشَّرْطَ ، وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ
وَنَحْوُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْرِي إنْ كَانَ بِاَللَّهِ أَمْ كَانَ
بِالطَّلَاقِ فَلَوْ وَجَدَ الشَّرْطَ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَالَ : يُحْمَلُ
عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ الْحَالِفُ مُسْلِمًا ،
قِيلَ لَهُ : كَمْ يَمِينًا عَلَيْك ؟ قَالَ : أَعْلَمُ
أَنَّ عَلَيَّ أَيْمَانًا كَثِيرَةً غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْرِفُ عَدَدَهَا ،
مَاذَا يَصْنَعُ ؟
قَالَ : يَحْمِلُ عَلَى الْأَقَلِّ حُكْمًا ، وَأَمَّا
الِاحْتِيَاطُ فَلَا نِهَايَةَ لَهُ ( انْتَهَى ) .
قَاعِدَةٌ: الْأَصْلُ الْعَدَمُ
فِيهَا فُرُوعٌ
مِنْهَا :
الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ
الْعَدَمُ . لَكِنْ قَالُوا فِي الْعِنِّينِ لَوْ ادَّعَى الْوَطْءَ وَأَنْكَرَتْ وَقُلْنَ
: بِكْرٌ خُيِّرَتْ وَإِنْ قُلْنَ : ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ لَهُ لِكَوْنِهِ
مُنْكِرًا اسْتِحْقَاقَ الْفُرْقَةِ عَلَيْهِ ، وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ مِنْ
الْعُنَّةِ
، وَفِي
الْقُنْيَةِ افْتَرَقَا وَقَالَتْ :
افْتَرَقْنَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَالَ الزَّوْجُ
قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ سُقُوطَ نِصْفِ الْمَهْرِ (
انْتَهَى ) .
وَمِنْهَا الْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ
أَنَّهُ لَمْ يَرْبَحْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ : لَمْ
أَرْبَحْ إلَّا كَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزَّائِدِ ، وَفِي الْمَجْمَعِ
مِنْ الْإِقْرَارِ : وَجَعَلْنَا الْقَوْلَ لِلْمُضَارِبِ إذَا أَتَى بِأَلْفَيْنِ
وَقَالَ : هُمَا أَصْلٌ وَرِبْحٌ لَا لِرَبِّ الْمَالِ ( انْتَهَى ) لِأَنَّ الْأَصْلَ ،
وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الرِّبْحِ لَكِنْ عَارَضَهُ أَصْلٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ
الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَهُ .
، وَلَوْ
ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ فَرْضِهَا فَادَّعَى
الْوُصُولَ إلَيْهَا وَأَنْكَرَتْ ، فَالْقَوْلُ لَهَا كَالدَّائِنِ إذَا أَنْكَرَ
وُصُولَ الدَّيْنِ، وَلَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَةَ أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ
بَعْدَ فَرْضِهَا وَادَّعَى الْأَبُ الْإِنْفَاقَ ، فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ
كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالثَّانِيَةُ خَرَجَتْ عَنْ الْقَاعِدَةِ
فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَكَذَا فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ
عَدَمُ الزِّيَادَةِ ، وَكَذَا فِي أَنَّهُ مَا نَهَاهُ عَنْ شِرَاءِ كَذَا ؛
لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّهْيِ . وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهَا قَرْضٌ
وَالْآخِذُ أَنَّهَا مُضَارَبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِيهَا
قَوْلَ الْآخِذِ
لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ لَهُ
، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الضَّمَانِ
.
أَقُولُ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَالَ : أَعْطَيْتُك
الْمَالَ قَرْضًا وَقَالَ : بَلْ مُضَارَبَةً أَمَّا إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ : أَخَذْت
الْمَالَ قَرْضًا فَقَالَ : بَلْ أَخَذْته مُضَارَبَةً لَا ، وَكَذَا بَعْدَ هَلَاكِهِ
، فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمَالِكِ أَنَّهُ قَرْضٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ
وَغَيْرِهَا ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْكَنْزِ :وَإِنْ قَالَ : أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً
وَهَلَكَتْ ،وَقَالَ : أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ .
وَلَوْ قَالَ : أَعْطَيْتنِيهَا وَدِيعَةً ، وَقَالَ :
غَصَبْتهَا لَا ( انْتَهَى )
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ دَفَعَ لِآخَرَ عَيْنًا ، ثُمَّ
اخْتَلَفَ فَقَالَ الدَّافِعُ : قَرْضٌ وَقَالَ الْآخَرُ : هَدِيَّةٌ ،
فَالْقَوْلُ لِلدَّافِعِ ( انْتَهَى ) ؛ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْهِبَةِ يَدَّعِي الْإِبْرَاءَ
عَنْ الْقِيمَةِ مَعَ كَوْنِ الْعَيْنِ مُتَقَوِّمَةً بِنَفْسِهَا ،وَمِنْهَا لَوْ
أَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ حَلَمَةَ ثَدْيِهَا فِي فَمِ الرَّضِيعِ وَلَا يُدْرَى
أَدَخَلَ اللَّبَنُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا ، يَحْرُمُ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ فِي
الْمَانِعِ شَكًّا ، كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي
قَاعِدَةِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُوَمِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَا
فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ ، وَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ
كَمَا فِي إجَارَةِ التَّهْذِيبِ ،وَمِنْهَا لَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِإِقْرَارٍ
، أَوْ بَيِّنَةٍ فَادَّعَى الْأَدَاءَ ، أَوْ الْإِبْرَاءَ فَالْقَوْلُ
لِلدَّائِنِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ
وَمِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ
فَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ فَالْقَوْلُ لَهُ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ :
لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَقِيلَ : لِأَنَّ الْأَصْلَ لُزُومُ
الْعَقْدِوَمِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فَقِيلَ :
الْقَوْلُ لِمَنْ نَفَاهُ عَمَلًا بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ، وَقِيلَ : لِمَنْ
ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ ، وَقَدْ حَكَيْنَا الْقَوْلَيْنِ
فِي الشَّرْحِ ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ
وَمِنْهَا لَوْ قَالَ : غَصَبْت مِنْك أَلْفًا وَرَبِحْت
فِيهَا عَشْرَةَ آلَافٍ فَقَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ : بَلْ كُنْتُ أَمَرْتُك
بِالتِّجَارَةِ بِهَا فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ كَمَا فِي إقْرَارِ الْبَزَّازِيَّةِ
يَعْنِي لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ ، وَهُوَ عَدَمُ الْغَصْبِ،
وَمِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ
فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا ؛وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي
تَغْيِيرِ الْمَبِيعِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ عَدَمُ التَّغْيِيرِ
تَنْبِيهٌ:لَيْسَ الْأَصْلُ الْعَدَمَ مُطْلَقًا ،
وَإِنَّمَا هُوَ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ
وَأَمَّا فِي الصِّفَاتِ الْأَصْلِيَّةِ فَالْأَصْلُ
الْوُجُودُ وَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ
خَبَّازٌ ، أَوْ كَاتِبٌ وَأَنْكَرَ وُجُودَ ذَلِكَ الْوَصْفِ
فَالْقَوْلُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا
لِكَوْنِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ .
وَلَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ وَأَنْكَرَ
قِيَامَ الْبَكَارَةِ وَادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ وُجُودُهَا لِكَوْنِهَا صِفَةً أَصْلِيَّةً ، كَذَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ
لِي خَبَّازٌ فَهُوَ حُرٌّ فَادَّعَاهُ عَبْدٌ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ
لِلْمَوْلَى ، وَلَوْ قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ بِكْرٍ لِي فَهِيَ حُرَّةٌ ،
فَادَّعَتْ جَارِيَةٌ أَنَّهَا بِكْرٌ ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ لَهَا
وَتَمَامُ تَفْرِيعِهِ فِي شَرْحِنَا عَلَى الْكَنْزِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ
عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ.
قَاعِدَةٌ: الْأَصْلُ إضَافَةُ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ
أَوْقَاتِهِ
مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا لَوْ رَأَى فِي
ثَوْبِهِ نَجَاسَةً وَقَدْ صَلَّى فِيهِ وَلَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ
يُعِيدُهَا مِنْ آخِرِ حَدَثٍ أَحْدَثَهُ ، وَالْمَنِيُّ مِنْ آخِرِ رَقْدَةٍ
وَيَلْزَمُهُ الْغُسْلُ فِي الثَّانِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا .
وَفِي الْبَدَائِعِ يُعِيدُ مِنْ آخِرِ مَا احْتَلَمَ .
وَقِيلَ فِي الْبَوْلِ يَعْتَبِرُ مِنْ آخِرِ مَا بَالَ
، وَفِي الدَّمِ مِنْ آخِرِ مَا رَعَفَ . وَلَوْ فَتَقَ جُبَّةً فَوَجَدَ فِيهَا
فَأْرَةً مَيِّتَةً وَلَمْ يَعْلَمْ مَتَى دَخَلَتْ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لَهَا ثُقْبٌ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مُذْ يَوْمِ وَضَعَ الْقُطْنَ فِيهَا ، وَإِنْ كَانَ
فِيهَا ثُقْبٌ يُعِيدُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .
وَقَدْ عَمِلَ الشَّيْخَانِ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ ،
فَحَكَمَا بِنَجَاسَةِ الْبِئْرِ إذَا وُجِدَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ مِنْ
وَقْتِ الْعِلْمِ بِهَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا حَادِثٌ
فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ ، أَوْقَاتِهِ وَخَالَفَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ رَحِمَهُ
اللَّهُ فَاسْتَحْسَنَ إعَادَةَ صَلَاةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ كَانَتْ مُنْتَفِخَةً
أَوْ مُنْفَسِخَةً ، وَإِلَّا فَمُنْذُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَمَلًا بِالسَّبَبِ
الظَّاهِرَ دُونَ الْمَوْهُومِ ، احْتِيَاطًا كَالْمَجْرُوحِ إذَا لَمْ يَزَلْ
صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُحَالُ بِهِ عَلَى الْجُرْحِ ( وَمِنْهَا ) لَوْ
كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ عَبْدٌ فَقَالَ رَجُلٌ : فَقَأْت عَيْنَهُ ، وَهُوَ فِي
مِلْكِ الْبَائِعِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي : فَقَأْتهَا ، وَهُوَ فِي مِلْكِي
فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ، فَيَأْخُذُ أَرْشَهُ ، ( وَمِنْهَا ) : ادَّعَتْ
أَنَّ زَوْجَهَا أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ وَصَارَ فَارًّا فَتَرِثُ ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ
: أَبَانَهَا فِي صِحَّتِهِ فَلَا تَرِثُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فَتَرِثُ
( وَخَرَجَ ) عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَةُ الْكَنْزِ
مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ الْقَضَاءِ ، وَإِنْ مَاتَ ذِمِّيٌّ
فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ : أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ
وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ : أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ مَعَ أَنَّ
الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا وَبِهِ قَالَ زُفَرُ
رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا خَرَجُوا عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِيهَا لِأَجْلِ
تَحْكِيمِ الْحَالِ ، وَهُوَ أَنَّ سَبَبَ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ
فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى ( وَمِمَّا ) فَرَّعْته عَلَى الْأَصْلِ مَا فِي
الْيَتِيمَةِ وَغَيْرِهَا
وَلَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ ، ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ
الْمُقَرُّ لَهُ : أَقَرَّ فِي الصِّحَّةِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ فِي مَرَضِهِ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ
.
وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ
يُقِمْ بَيِّنَتَهُ وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُمْ فَلَهُ ذَلِكَ . وَمِمَّا فَرَّعْته
عَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَوْلُهُمْ : لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَحْتَهُ
نَصْرَانِيَّةٌ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ : أَسْلَمْت قَبْلَ
مَوْتِهِ ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ : أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ
لَهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى .
وَمِمَّا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ لَوْ قَالَ
الْقَاضِي بَعْدَ عَزْلِهِ لِرَجُلٍ : أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْتهَا إلَى زَيْدٍ
قَضَيْت بِهَا عَلَيْك ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَخَذْتهَا ظُلْمًا بَعْدَ الْعَزْلِ
فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَاضِي مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ حَادِثٌ ، فَكَانَ
يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى أَقْرَبِ ، أَوْقَاتِهِ ، وَهُوَ وَقْتُ الْعَزْلِ ،
وَبِهِ قَالَ الْبَعْضُ وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ
الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ .
وَكَذَلِكَ إذَا زَعَمَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَنَّهُ
دَفَعَ لَهُ قَبْلَ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ . وَخَرَجَ أَيْضًا عَنْهُ مَا لَوْ
قَالَ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ : قَطَعْت يَدَك وَأَنَا عَبْدٌ
وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : بَلْ قَطَعْتُهَا وَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ الْقَوْلُ لِلْعَبْدِ
، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ وَقَدْ أَعْتَقَهُ : أَخَذْتُ مِنْك
غَلَّةَ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَقَالَ الْمُعْتَقُ
أَخَذْتهَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى . وَكَذَا
الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ : بِعْت وَسَلَّمْت قَبْلَ الْعَزْلِ وَقَالَ
الْمُوَكِّلُ : بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ إنْ كَانَ الْبَيْعُ
مُسْتَهْلَكًا ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ . وَكَذَا
فِي مَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْغَلَّةِ الْقَائِمَةِ . ،
وَمِمَّا وَافَقَ الْأَصْلَ مَا فِي النِّهَايَةِ لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً ، ثُمَّ قَالَ
لَهَا : قَطَعْت يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي فَقَالَتْ هِيَ : قَطَعْتهَا وَأَنَا
حُرَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهَا ،
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَهُ قُبَيْلَ
الشَّهَادَاتِ ، وَتَحْتَاجُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ إلَى نَظَرٍ دَقِيقٍ لِلْفَرْقِ
بَيْنَهَا
وَفِي الْمَجْمَعِ مِنْ الْإِقْرَارِ : وَلَوْ أَقَرَّ
حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ ، بِأَخْذِ الْمَالِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، أَوْ بِإِتْلَافِ
خَمْرٍ بَعْدَهُ ، أَوْ مُسْلِمٌ بِمَالِ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ،
أَوْ بِقَطْعِ يَدِ مُعْتِقِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ
فَكَذَّبُوهُ فِي الْإِسْنَادِ ، أُفْتِيَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي الْكُلِّ (
انْتَهَى ) .
وَقَالَا : يَضْمَنُ
وَمِمَّا فُرِّعَ عَلَيْهِ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ،
ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا وَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا
يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ يَتَزَايَدُ فَيَحْصُلُ الْمَوْتُ
بِالزَّائِدِ فَلَا يُضَافُ إلَى السَّابِقِ لَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ
الْعَيْبِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَلَيْسَ مِنْ فُرُوعِهَا مَا لَوْ إذَا
تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ حَادِثًا بَعْدَ الشِّرَاءِ ، أَوْ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ
عِنْدَنَا فِي كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حَادِثٌ أُضِيفَ
إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ
لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ قَبْلَ الشِّرَاءِ مَلَكَهَا
فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ عِنْدَهَا
قَاعِدَةٌ:
هَلْ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ حَتَّى
يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ الْإِبَاحَةِ؟ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْ التَّحْرِيمُ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى
الْإِبَاحَةِ؟
وَنَسَبَهُ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ
رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي الْبَدِيعِ الْمُخْتَارِ أَنْ لَا حُكْمَ لِلْأَفْعَالِ
قَبْلَ الشَّرْعِ
وَالْحُكْمُ عِنْدَنَا ، وَإِنْ كَانَ أَزَلِيًّا
فَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا عَدَمُ تَعَلُّقِهِ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الشَّرْعِ
فَانْتَفَى التَّعَلُّقُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ ( انْتَهَى ) .
وَفِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِلْمُصَنِّفِ : الْأَشْيَاءُ
فِي الْأَصْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَمِنْهُمْ
الْكَرْخِيُّ
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ : الْأَصْلُ فِيهَا
الْحَظْرُ
وَقَالَ أَصْحَابُنَا : الْأَصْلُ فِيهَا التَّوَقُّفُ
بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ حُكْمٍ لَكِنَّا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ
بِالْعَقْلِ ( انْتَهَى )
.
وَفِي الْهِدَايَةِ مِنْ فَصْلِ الْحِدَادِ : إنَّ
الْإِبَاحَةَ أَصْلٌ ( انْتَهَى
)
وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي الْمَسْكُوتِ
عَنْهُ
وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا مَا أَشْكَلَ حَالُهُ فَمِنْهَا
الْحَيَوَانُ الْمُشْكِلُ أَمْرُهُ
وَالنَّبَاتُ الْمَجْهُولُ اسْمُهُ
( وَمِنْهَا ) إذَا لَمْ يَعْرِفْ حَالَ النَّهْرِ هَلْ
هُوَ مُبَاحٌ ، أَوْ مَمْلُوكٌ
( وَمِنْهَا ) لَوْ دَخَلَ بُرْجَهُ حَمَامٌ وَشَكَّ
هَلْ هُوَ مُبَاحٌ ، أَوْ مَمْلُوكٌ
( وَمِنْهَا ) مَسْأَلَةُ الزَّرَافَةِ مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَائِلِ بِالْإِبَاحَةِ " الْحِلُّ فِي
الْكُلِّ " ،
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الزَّرَافَةِ فَالْمُخْتَارُ
عِنْدَهُمْ حِلُّ أَكْلِهَا وَقَالَ السُّيُوطِيّ : وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ فِي
الْمَالِكِيَّةِ ،وَالْحَنَفِيَّةِ وَقَوَاعِدُهُمْ تَقْتَضِي حِلَّهَا وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
قَاعِدَةٌ: الْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ
وَلِذَا قَالَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ فَخْرِ
الْإِسْلَامِ الْأَصْلُ فِي النِّكَاحِ الْحَظْرُ وَأُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ (
انْتَهَى ) .
فَإِذَا تَقَابَلَ فِي الْمَرْأَةِ حِلٌّ وَحُرْمَةٌ
غَلَبَتْ الْحُرْمَةُ ( وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْفُرُوجِ ) .
وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مِنْ بَابِ
التَّحَرِّي : لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ أَرْبَعُ جَوَارٍ أَعْتَقَ وَاحِدَةً
مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا ، ثُمَّ نَسِيَهَا فَلَمْ يَدْرِ أَيَّتَهُنَّ أَعْتَقَ
لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَتَحَرَّى لِلْوَطْءِ وَلَا لِلْبَيْعِ وَلَا يَسَعُ
لِلْحَاكِمِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ حَتَّى تَبِينَ الْمُعْتَقَةُ
مِنْ غَيْرِهَا
وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا ثَلَاثًا
، ثُمَّ نَسِيَهَا وَكَذَلِكَ إنْ مَيَّزَ كُلَّهُنَّ إلَّا وَاحِدَةً لَمْ
يَسَعْهُ أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا غَيْرُ الْمُطَلَّقَةِ
وَكَذَلِكَ يَمْنَعُهُ الْقَاضِي عَنْهَا حَتَّى يُخْبِرَ أَنَّهَا غَيْرُ
الْمُطَلَّقَةِ فَإِذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ اسْتَحْلَفَهُ أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ مَا
طَلَّقَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا ثَلَاثًا ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ
حَلَفَ ، وَهُوَ جَاهِلٌ بِهَا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا
فَإِنْ بَاعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ثَلَاثًا مِنْ
الْجَوَارِي فَحَكَمَ الْحَاكِمُ فَإِنْ أَجَازَ بَيْعَهُنَّ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ
رَأْيِهِ وَجَعَلَ الْبَاقِيَةَ هِيَ الْمُعْتَقَةَ ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْضُ
مَا بَاعَ بِشِرَاءِ ، أَوْ هِبَةٍ ، أَوْ مِيرَاثٍ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ
يَطَأَهَا ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ
أَنْ يَطَأَ شَيْئًا مِنْهُنَّ بِالْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَحِينَئِذٍ
لَا بَأْسَ ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ ، أَوْ أَمَتُهُ ( وَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي
فِي الْفُرُوجِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا جَازَ لِلضَّرُورَةِ ) .
وَالْفُرُوجُ لَا تَحِلُّ بِالضَّرُورَةِ .
ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً مِنْ رَقِيقِهِ
، ثُمَّ نَسِيَهَا وَمَاتَ لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي التَّحَرِّي وَلَا بِقَوْلِهِ
لِلْوَرَثَةِ : أَعْتِقُوا أَيَّتُهُنَّ شِئْتُمْ ، أَوْ أَعْتِقُوا الَّتِي
أَكْبَرُ ظَنِّكُمْ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَلَكِنَّهُ يَسْأَلُهُمْ ، فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ
الْمَيِّتَ أَعْتَقَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا أَعْتَقَهَا وَاسْتَحْلَفَهُمْ عَلَى
عَمَلِهِمْ فِي الْبَاقِيَاتِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا
أَعْتَقَهُنَّ كُلَّهُنَّ
وَأَسْقَطَ عَنْهُنَّ قِيمَةَ إحْدَاهُنَّ وَسَعَيْنَ
فِيمَا بَقِيَ
وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَةٌ فِي فَتَاوَى
قَاضِي خَانْ : صَبِيَّةٌ أَرْضَعَهَا قَوْمٌ
كثير من أهل القرية؛أقلهم أوأكثرهم لا يدري من أرضعها و
أراد واحد من أهل تلك القرية أن يتزوجها قال: أبو القاسم الصفار : إذا لم تظهر له
علامة ولا يشهد أحد له بذلك يجوز نكاحها.
و هذا من باب الرخصة كيلا ينسد باب النكاح. فلو اختلطت
الرضيعة بنساء يحصون؟ لم أره.
الآن، ثم رأيت في الكافي للحاكم الشهيد ما يفيد الحل، و
لفظه: و لو أن قوما كان لكل منهم جارية فأعتق أحدهم جاريته وَلَمْ يَعْرِفُوا
الْمُعْتَقَةَ ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَطَأَ جَارِيَتَهُ حَتَّى
يَعْلَمَ أَنَّهَا الْمُعْتَقَةُ بِعَيْنِهَا
وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِ أَحَدِهِمْ أَنَّهُ هُوَ
الَّذِي أَعْتَقَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ
ذَلِكَ ، وَلَوْ قَرُبَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَرَامًا وَلَوْ اشْتَرَاهُنَّ رَجُلٌ
وَاحِدٌ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَقْرَبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ
حَتَّى يَعْرِفَ الْمُعْتَقَةَ
وَلَوْ اشْتَرَاهُنَّ إلَّا وَاحِدَةً حَلَّ لَهُ وَطْؤُهُنَّ
فَإِنْ فَعَلَ ، ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِيَةَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ شَيْءٍ
مِنْهُنَّ وَلَا بَيْعُهُ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُعْتَقَةَ مِنْهُنَّ ،
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ إنَّمَا هِيَ
فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْمَرْأَةِ سَبَبٌ مُحَقَّقٌ لِلْحُرْمَةِ فَلَوْ كَانَ
فِي الْحُرْمَةِ شَكٌّ لَمْ يُعْتَبَرْ ؛
وَلِذَا قَالُوا : لَوْ كَانَ فِي الْحُرْمَةِ شَكٌّ
لَمْ يُعْتَبَرْ
وَلِذَا قَالُوا : لَوْ أَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ حَلَمَةَ
ثَدْيِهَا فِي فَمِ رَضِيعَةٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي وُصُولِ اللَّبَنِ إلَى
جَوْفِهَا لَمْ تَحْرُمْ ؛لِأَنَّ فِي الْمَانِعِ شَكًّاكَمَا فِي
الْوَلْوَالِجيَّةِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ : امْرَأَةٌ كَانَتْ تُعْطِي
ثَدْيَهَا صَبِيَّةً وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ تَقُولُ لَمْ
يَكُنْ فِي ثَدْيِ لَبَنٌ حِينَ أَلْقَمْتهَا ثَدْيِي وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا
مِنْ جِهَتِهَا جَازَ لِابْنِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ ،
وَفِي الْخَانِيَّةِ : صَغِيرٌ وَصَغِيرَةٌ بَيْنَهُمَا
شُبْهَةُ الرَّضَاعِ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ حَقِيقَةً قَالُوا : لَا بَأْسَ
بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا لَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ أَحَدٌ
، فَإِنْ أَخْبَرَ
بِهِ عَدْلٌ ثِقَةٌ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ،
وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ بَعْدَ النِّكَاحِ وَهُمَا كَبِيرَانِ ، فَالْأَحْوَط أَنْ
يُفَارِقَهَا
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبُضْعَ ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ
فِيهِ الْحَظْرَ يُقْبَلُ فِي حِلِّهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ . قَالُوا لَوْ اشْتَرَى
أَمَةَ زَيْدٍ وَقَالَ بَكْرٌ :
وَكَّلَنِي زَيْدٌ بِبَيْعِهَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا ،
وَكَذَا لَوْ جَاءَتْ أَمَةٌ قَالَتْ لِرَجُلٍ : إنَّ
مَوْلَايَ
بَعَثَنِي إلَيْك هَدِيَّةً وَظَنَّ صِدْقَهَا حَلَّ
وَطْؤُهَا . ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا وَكَّلَ شَخْصًا فِي شِرَاءِ جَارِيَةٍ
وَوَصَفَهَا ، فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ جَارِيَةً بِالصِّفَةِ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهَا
لِلْمُوَكِّلِ ، فَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ حُرْمَتُهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ
لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ شِرَاءُ الْوَكِيلِ
الْجَارِيَةَ
بِالصِّفَاتِ الْمُعَيَّنَةِ ظَاهِرًا فِي الْحِلِّ
وَلَكِنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ وَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ الْوَارِثِ
؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْفِقْهِ .
وَلَمَّا كَانَ الْأَوْلَى الِاحْتِيَاطُ فِي الْفُرُوجِ
قَالَ فِي الْمُضْمَرَاتِ : إذَا عَقَدَ عَلَى أَمَتِهِ مُنَزَّهًا عَنْ وَطْئِهَا
حَرَامًا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ أَوْ مَحْلُوفًا عَلَيْهَا بِعِتْقِهَا
وَقَدْ حَنِثَ الْحَالِفُ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ لَا سِيَّمَا إذَا تَدَاوَلَتْهَا
الْأَيْدِي ، فَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَنَّ وَطْءَ
السَّرَارِي اللَّاتِي يُجْلَبْنَ الْيَوْمَ مِنْ الرُّومِ ، وَالْهِنْدِ
وَالتُّرْكِ حَرَامٌ ، إلَّا أَنْ يَنْتَصِبَ فِي الْمَغَانِمِ مِنْ جِهَةِ
الْإِمَامِ مَنْ يُحْسِنُ قِسْمَتَهَا فَيَقْسِمُهَا مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ وَلَا
ظُلْمٍ ، أَوْ تَحْصُلَ قِسْمَةٌ مِنْ مُحْكِمٍ ، أَوْ يَتَزَوَّجَ بَعْدَ
الْعِتْقِ بِإِذْنِ الْقَاضِي ، أَوْ الْمُعْتِقِ ، وَالِاحْتِيَاطُ
اجْتِنَابُهُنَّ مَمْلُوكَاتِ وَحَرَائِرَ (انتهى).
فُرُوعٌ لَهَا حُكْمٌ لَازِمٌ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ
الْمَجْهُولَةَ الْحَالِ الْمَرْجِعُ فِيهَا إلَى صَاحِبِ الْيَدِ إنْ كَانَتْ
صَغِيرَةً وَإِلَى إقْرَارِهَا إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً ، وَإِنْ عُلِمَ حَالُهَا
فَلَا إشْكَالَ
تَنْبِيهٌ
فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَظْرِ
وَالْإِبَاحَةِ إنَّ أَصْحَابَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ احْتَاطُوا فِي أَمْرِ
الْفُرُوجِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ : لَوْ كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ
وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْ شَرِيكِهِ وَطَلَبَ
أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ
كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا حِشْمَةً لِلْمِلِكِ ( انْتَهَى ) .
قَاعِدَةٌ: الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ
وَعَلَى ذَلِكَ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ :
مِنْهَا النِّكَاحُ لِلْوَطْءِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْله
تَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } فَحُرِّمَتْ
مَزْنِيَّةُ الْأَبِ كَحَلِيلَتِهِ ، وَكَذَا لَوْ قَضَى شَافِعِيٌّ بِحِلِّهَا
لَمْ يَنْفُذْ لِمُخَالَفَتِهِ الْكِتَابَ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِحِلِّ
مَمْسُوسَتِهِ ، وَالْفَرْقُ مَذْكُورٌ فِي ظِهَارِ شَرْحِنَا ، وَحُرْمَةِ
الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا بِلَا وَطْءٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ ،
أَوْ مَنْكُوحَتِهِ : إنْ نَكَحْتُك فَعَلَيَّ وَطْءٌ فَلَوْ عَقَدَ عَلَى
الْأَمَةِ بَعْدَ إعْتَاقِهَا ، أَوْ عَلَى الزَّوْجَةِ بَعْدَ إبَانَتِهَا لَمْ
يَحْنَثْ كَمَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ
وَمِنْهَا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ، أَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ
زَيْدٍ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ وَلَدِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ اسْتَحَقَّهُ
وَلَدُ الِابْنِ
وَاخْتُلِفَ فِي وَلَدِ الْبِنْتِ .
فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ وَصُحِّحَ
فَإِذَا وُلِدَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ رَجَعَ مِنْ وَلَدِ الِابْنِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ
اسْمَ الْوَلَدِ حَقِيقَةٌ فِي وَلَدِ الصُّلْبِ
، وَهَذَا
فِي الْمُفْرَدِ .
وَأَمَّا إذَا وَقَفَ ، أَوْلَادَهُ ، دَخَلَ النَّسْلُ
كُلُّهُ كَذِكْرِ الطَّبَقَاتِ الثَّلَاثِ لَفْظَ الْوَلَدِ كَمَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ وَكَأَنَّهُ لِلْعُرْفِ فِيهِ وَإِلَّا فَالْوَلَدُ مُفْرَدًا ، أَوْ جَمْعًا
حَقِيقَةٌ فِي الصُّلْبِ .
وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي ،
أَوْ لَا يُؤَجِّرُ ، أَوْ لَا يَسْتَأْجِرُ ، أَوْ لَا يُصَالِحُ عَنْ مَالٍ ،
أَوْ لَا يُقَاسِمُ ، أَوْ لَا يُخَاصِمُ أَوْ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ لَمْ
يَحْنَثْ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَلَا يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ ؛ لِأَنَّهَا
الْحَقِيقَةُ ، وَهُوَ مَجَازٌ
.
إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ
الْفِعْلَ كَالْقَاضِي وَالْأَمِيرِ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِهِمَا
وَإِنْ كَانَ يُبَاشِرُهُ مَرَّةً وَيُوَكِّلُ فِيهِ
أُخْرَى فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ قَالَ فِي الْكَنْزِ بَعْدَهُ : مَا
يَحْنَثُ بِهِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ ، وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ ،
وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ عَمْدٍ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ ،
وَالْقَرْضُ وَالِاسْتِقْرَاضُ وَضَرْبُ الْعَبْدِ وَالذَّبْحُ ، وَالْبِنَاءُ ، وَالْخِيَاطَةُ
، وَالْإِيدَاعُ وَالِاسْتِيدَاعُ ، وَالْإِعَارَةُ وَالِاسْتِعَارَةُ وَقَضَاءُ
الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ ، وَالْكِسْوَةُ ، وَالْحَمْلُ ، وَالْأَفْعَالُ ،
وَالْعُقُودُ فِي الْأَيْمَانِ هَلْ تَخْتَصُّ
بِالصَّحِيحِ ، أَوْ تَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ فَقَالُوا : الْإِذْنُ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ
وَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ وَالتَّوْكِيلُ بِالنِّكَاحِ
لَا يَتَنَاوَلُهُ ، وَالْيَمِينُ عَلَى النِّكَاحِ إنْ كَانَتْ عَلَى الْمَاضِي
تَتَنَاوَلُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَا وَالْيَمِينُ عَلَى
الصَّلَاةِ كَالْيَمِينِ عَلَى النِّكَاحِ ، وَكَذَا عَلَى الْحَجِّ وَالصَّوْمِ
كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ، وَكَذَا عَلَى الْبَيْعِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ
وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْيَوْمَ لَا
يَتَقَيَّدُ بِالصَّحِيحِ قِيَاسًا وَيَتَقَيَّدُ بِهِ اسْتِحْسَانًا وَمِثْلُهُ
لَا يَتَزَوَّجُ الْيَوْمَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ
وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْيَوْمَ لَا
يَتَقَيَّدُ بِالصَّحِيحِ قِيَاسًا وَيَتَقَيَّدُ بِهِ اسْتِحْسَانًا وَمِثْلُهُ
لَا يَتَزَوَّجُ الْيَوْمَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ ،
وَمِنْهَا لَوْ قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ كَانَ
إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لَهُ
حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنَّهَا مَسْكَنُهُ لَمْ تُقْبَلْ
،
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَوْلُهُ : فُلَانٌ سَاكِنٌ
هَذِهِ الدَّارَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِكَوْنِهَا لَهُ بِخِلَافِ زَرْعِ فُلَانٍ ،
أَوْ غَرْسٍ ، أَوْ بِنَاءٍ وَادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْأَجْرِ فَهِيَ
لِلْمُقِرِّ وَمِنْهَا : لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ حَنِثَ بِلَحْمِهَا
؛ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ دُونَ لَبَنِهَا وَنِتَاجَهَا .
بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ
النَّخْلَةِ حَنِثَ بِثَمَرِهَا وَطَلْعِهَا لَا بِمَا اتَّصَلَ بِهِ صَنْعَةٌ
حَادِثَةٌ كَالدِّبْسِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَمَرٌ حَنِثَ بِمَا أَكَلَهُ
مِمَّا اشْتَرَاهُ بِثَمَنِهَا.
وَمِنْهَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ
يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَيْنِهَا لِلْإِمْكَانِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِهَا.
وَمِنْهَا: حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ حَنِثَ
بِالْكَرْعِ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ وَلَا يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ بِيَدِهِ ، أَوْ
بِإِنَاءٍ بِخِلَافِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ .
وَمِنْهَا:
أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ عُتَقَاءُ وَلَهُمْ عُتَقَاءُ
اخْتَصَّتْ بِالْأَوَّلِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ حَقِيقَةً ، وَالْآخَرُونَ مَجَازًا
بِالتَّسَبُّبِ .
وَمِنْهَا : أَوْصَى لِأَبْنَاءِ زَيْدٍ وَلَهُ
صُلْبِيُّونَ وَحَفَدَةٌ فَالْوَصِيَّةُ لِلصُّلْبِيَّيْنِ.
وَنُقِضَ عَلَيْنَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ بِالْمُسْتَأْمِنِ
عَلَى أَبْنَائِهِ لِدُخُولِ الْحَفَدَةِ ، وَبِمَنْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ
فِي دَارِ زَيْدٍ حَنِثَ بِالدُّخُولِ مُطْلَقًا ، وَبِمَنْ أَضَافَ الْعِتْقَ
إلَى يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ فَقَدِمَ لَيْلًا عَتَقَ ، وَبِمَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ
دَارَ زَيْدٍ عَمَّتْ النِّسْبَةُ لِلْمِلْكِ وَغَيْرِهِ
وَبِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا رَحِمَهُمَا
اللَّهُ قَالَا فِيمَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ رَجَبٍ نَاوِيًا لِلْيَمِينِ
أَنَّهُ نَذَرَ يَمِينٍ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمَانَ لِحَقْنِ الدَّمِ الْمُحْتَاطِ
فِيهِ فَانْتَهَضَ الْإِطْلَاقُ شُبْهَةً تَقُومُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ فِيهِ ،
وَوَضْعُ الْقَدَمِ مَجَازٌ عَنْ الدُّخُولِ بِهِ فَعَمَّ ، وَالْيَوْمُ إذَا
قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ كَانَ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } وَالنَّهَارُ إذَا امْتَدَّ لِكَوْنِهِ
مِعْيَارًا وَالْقُدُومُ غَيْرُ مُمْتَدٍّ فَاعْتُبِرَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ ، وَإِضَافَةُ
الدَّارِ نِسْبَةٌ لِلسُّكْنَى ، وَهِيَ عَامَّةٌ وَالنَّذْرُ مُسْتَفَادٌ مِنْ
الصِّيغَةِ .
وَالْيَمِينُ مِنْ الْمُوجِبِ فَإِنَّ إيجَابَ
الْمُبَاحِ يَمِينٌ كَتَحْرِيمِهِ بِالنَّصِّ وَمَعَ الِاخْتِلَافِ لَا جَمْعَ
كَذَا فِي الْبَدَائِعِ .
وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ : لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي
صَلَاةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِرَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا الْحَقِيقَةُ
بِخِلَافِ لَا يُصَلِّي ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُقَيِّدَهَا بِسَجْدَةٍ
؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ آتِيًا بِجَمِيعِ الْأَرْكَانِ.
وَهَلْ يَحْنَثُ بِوَضْعِ الْجِهَةِ ، أَوْ بِالرَّفْعِ
؟
قَوْلَانِ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَيَنْبَغِي
تَرْجِيحُ الثَّانِي كَمَا رَجَّحُوهُ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا
يُصَلِّي الظُّهْرَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْأَرْبَعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا
يُصَلِّيه جَمَاعَةً لَمْ يَحْنَثْ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا
أَتَى بِالْأَكْثَرِ.
خَاتِمَةٌ تَشْمَلُ عَلىَ فَوَائدَ فِي تِلْكَ
الْقَاعِدَةِ أَعْنِي : الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ .
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: تُسْتَثْنَى مِنْهَا مَسَائِلُ :
الْأُولَى: الْمُسْتَحَاضَةُ الْمُتَحَيِّرَةُ
يَلْزَمُهَا الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ
الثَّانِيَةُ : إذَا وَجَدَ بَلَلًا وَلَا يَدْرِي
أَنَّهُ مَنِيٌّ ، أَوْ مَذْيٌ قَدَّمْنَا إيجَابَ الْغُسْلِ مَعَ وُجُودِ
الشَّكِّ .
الثَّالِثَةُ
: وَجَدَ فَأْرَةً مَيِّتَةً وَلَمْ يَدْرِ مَتَى
وَقَعَتْ وَكَانَ قَدْ تَوَضَّأَ مِنْهَا ، قَدَّمْنَا وُجُوبَ الْإِعَادَةِ
عَلَيْهِ مُفَصَّلًا مَعَ الشَّكِّ
.
الرَّابِعَةُ : قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ كَبَّرَ
لِلِافْتِتَاحِ ، أَوْ لَا ، أَوْ أَحْدَثَ أَوْ لَا ، أَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ،
أَوْ لَا وَكَانَ أَوَّلَ مَا عَرَضَ لَهُ اسْتَقْبَلَ .
الْخَامِسَةُ : أَصَابَتْ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ وَلَا
يَدْرِي أَيَّ مَوْضِعٍ أَصَابَتْهُ ، غَسَلَ الْكُلَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَا عَنْ
الظَّهِيرِيَّةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ .
السَّادِسَةُ : رَمَى صَيْدًا فَجَرَحَهُ ، ثُمَّ
تَغَيَّبَ عَنْ بَصَرِهِ ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا وَلَا يَدْرِي سَبَبَ مَوْتِهِ
يَحْرُمُ مَعَ وُجُودِ الشَّكِّ لَكِنْ شَرَطَ فِي الْكَنْزِ لِحُرْمَتِهِ أَنْ
يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ ، وَشَرَطَ قَاضِي خَانْ أَنْ يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ ،
وَإِلَيْهِ يُشِيرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ .
السَّابِعَةُ : لَوْ أَكَلَتْ الْهِرَّةُ فَأْرَةً
قَالُوا : إنْ شَرِبَتْ عَلَى فَوْرِهَا الْمَاءَ يَتَنَجَّسُ كَشَارِبِ الْخَمْرِ
إذَا شَرِبَ الْمَاءَ عَلَى فَوْرِهِ وَلَوْ مَكَثَتْ سَاعَةً ، ثُمَّ شَرِبَتْ
لَا يَتَنَجَّسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِاحْتِمَالِ غَسْلِهَا
فَمَهَا بِلُعَابِهَا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَنَجَّسُ
بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَزُولُ إلَّا
بِالْمُطْلَقِ كَالْحُكْمِيَّةِ :
وَهُنَا مَسَائِلُ تَحْتَاجُ إلَى الْمُرَاجَعَةِ وَلَمْ
أَرَهَا الْآنَ :
مِنْهَا: شَكَّ مُسَافِرٌ أَوَصَلَ بَلَدَهُ ، أَوْ لَا
؟ ،
وَمِنْهَا :
شَكَّ مُسَافِرٌ هَلْ نَوَى الْإِقَامَةَ ، أَوْ لَا ،
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ التَّرَخُّصُ بِالشَّكِّ ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة
وَلَوْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ أَمُقِيمٌ ، أَوْ مُسَافِرٌ صَلَّى أَرْبَعًا
وَيَقْعُدُ عَلَى الثَّانِيَةِ احْتِيَاطًا فَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ فِي نِيَّةِ
الْإِقَامَةِ .
وَمِنْهَا : صَاحِبُ الْعُذْرِ إذَا شَكَّ فِي
انْقِطَاعِهِ فَصَلَّى بِطَهَارَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ .
وَمِنْهَا : جَاءَ مِنْ قُدَّامِ الْإِمَامِ وَشَكَّ
أَمُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ أَمْ لَا ،
وَمِنْهَا :
شَكَّ هَلْ سَبَقَ الْإِمَامَ بِالتَّكْبِيرِ،أَوْ لَا
ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة : وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُ هَلْ
سَبَقَ إمَامَهُ بِالتَّكْبِيرِ ،أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ
كَبَّرَ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ،وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَبَّرَ
قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ.
وَإِنْ اشْتَرَكَ الظَّنَّانِ أَجْزَأَ ؛ لِأَنَّ
أَمْرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّدَادِ حَتَّى يَظْهَرَ الْخَطَأُ ( انْتَهَى ) .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ
الَّتِي قَبْلَهَا ، وَهِيَ الشَّكُّ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ
وَمِنْهَا :
مَنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ وَشَكَّ فِي قَضَائِهَا فَهِيَ
سِتٌّ . وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة : رَجُلٌ لَا يَدْرِي هَلْ فِي ذِمَّتِهِ
قَضَاءُ الْفَوَائِتِ أَمْ لَا؟ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْفَوَائِتَ ، ثُمَّ
قَالَ : وَإِذَا لَمْ يَدْرِ الرَّجُلُ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ
الْفَوَائِتِ ، أَوْ لَا؟.
الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ ،
وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ فِي الْأَرْبَعِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ انْتَهَى .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:
الشَّكُّ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ
وَالظَّنُّ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ وَهُوَ تَرْجِيحُ
جِهَةِ الصَّوَابِ
وَالْوَهْمُ رُجْحَانُ جِهَةِ الْخَطَأِ
وَأَمَّا أَكْبَرُ الرَّأْيِ وَغَالِبُ الظَّنِّ فَهُوَ
الطَّرَفُ الرَّاجِحُ إذَا أَخَذَ بِهِ الْقَلْبُ ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ
الْفُقَهَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّامِشِيُّ فِي أُصُولِه
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الظَّنَّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ
قَبِيلِ الشَّكِّ ؛ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ التَّرَدُّدَ بَيْنَ وُجُودِ
الشَّيْءِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ اسْتَوَيَا ، أَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا ، وَكَذَا
قَالُوا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ
: لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْف دِرْهَمٍ فِي ظَنِّي
لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لِلشَّكِّ ( انْتَهَى ) .
وَغَالِبُ الظَّنِّ عِنْدَهُمْ مُلْحَقٌ بِالْيَقِينِ ،
وَهُوَ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ تَصَفَّحَ
كَلَامَهُمْ فِي الْأَبْوَابِ ، صَرَّحُوا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ بِأَنَّ
الْغَالِبَ كَالْمُتَحَقِّقِ ، وَصَرَّحُوا فِي الطَّلَاقِ بِأَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْوُقُوعَ
لَمْ يَقَعْ ، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَقَعَ
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: فِي الِاسْتِصْحَابِ
وَهُوَ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ الْحُكْمُ بِبَقَاءِ
أَمْرٍ مُحَقَّقٍ لَمْ يُظَنَّ عَدَمُهُ وَاخْتُلِفَ فِي حُجِّيَّتِهِ فَقِيلَ
حُجَّةٌ مُطْلَقًا وَنَفَاهُ كَثِيرٌ مُطْلَقًا وَاخْتَارَ الْفُحُولُ
الثَّلَاثَةُ أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ
حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ
وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ
الدَّفْعَ اسْتِمْرَارُ عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ؛لِأَنَّ مُوجِبَ الْوُجُودِ لَيْسَ
مُوجِبَ بَقَائِهِ فَالْحُكْمُ بِبَقَائِهِ بِلَا دَلِيلٍ ،كَذَا فِي التَّحْرِيرِ.
وَمِمَّا فُرِّعَ عَلَيْهِ الشِّقْصُ إذَا بِيعَ مِنْ
الدَّارِ وَطَلَبَ الشَّرِيكُ الشُّفْعَةَ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي مِلْكَ
الطَّالِبِ فِيمَا فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ إلَّا
بِبَيِّنَةٍ. وَمِنْهَا : الْمَفْقُودُ لَا يَرِثُ عِنْدَنَا وَلَا يُورَثُ.
وَقَدَّمْنَا فُرُوعًا مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ فِي
قَاعِدَةِ أَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ .
وَفِي إقْرَارِ الْبَزَّازِيَّةِ :
صَبَّ دُهْنًا لِإِنْسَانٍ عِنْدَ الشُّهُودِ فَادَّعَى
مَالِكُهُ الضَّمَانَ فَقَالَ كَانَتْ نَجِسَةً لِوُقُوعِ فَأْرَةٍ فِيهَا فَالْقَوْلُ
لِلصَّابِّ لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ؛ وَالشُّهُودُ يَشْهَدُونَ عَلَى الصَّبِّ
لَا عَدَمِ النَّجَاسَةِ.
وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ لَحْمَ طَوَّافٍ فَطُولِبَ
بِالضَّمَانِ فَقَالَ : كَانَتْ مَيْتَةً فَأَتْلَفْتهَا لَا يُصَدَّقُ
وَلِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ لَحْمٌ ذَكِيٌّ بِحُكْمِ الْحَالِ .
قَالَ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ
بِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ ، وَهِيَ : أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا
فَلَمَّا طُلِبَ مِنْهُ الْقِصَاصَ قَالَ : كَانَ ارْتَدَّ ، أَوْ قَتَلَ أَبِي
فَقَتَلْته قِصَاصًا ، أَوْ لِلرِّدَّةِ لَا يُسْمَعُ ، فَأَجَابَ وَقَالَ :
لِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَ لَأَدَّى إلَى فَتْحِ بَابِ الْعُدْوَانِ ، فَإِنَّهُ
يَقْتُلُ وَيَقُولُ : كَانَ الْقَتْلُ كَذَلِكَ وَأَمْرُ الدَّمِ عَظِيمٌ فَلَا
يُهْمَلُ بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّمِ أَهْوَنُ
حَتَّى حُكِمَ فِي الْمَالِ بِالنُّكُولِ
وَفِي الدَّمِ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ ، أَوْ يَحْلِفَ
وَاكْتُفِيَ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ فِي الْمَالِ وَبِخَمْسِينَ يَمِينًا فِي الدَّمِ
( انْتَهَى ) ،
الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ: الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ
التَّيْسِيرَ
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى : { يُرِيدُ اللَّهُ
بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ } وقَوْله تَعَالَى : { وَمَا
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }
( وَفِي حَدِيثِ { أَحَبُّ الدِّينِ إلَى اللَّهِ
تَعَالَى الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ } ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : يَتَخَرَّجُ
عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جَمِيعُ رُخَصِ الشَّرْعِ وَتَخْفِيفَاتِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ التَّخْفِيفِ فِي الْعِبَادَاتِ
وَغَيْرِهَا سَبْعَةٌ :
الْأَوَّلُ السَّفَرُ ، وَهُوَ نَوْعَانِ :
مِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ
أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا ، وَهُوَ الْقَصْرُ ، وَالْفِطْرُ ، وَالْمَسْحُ أَكْثَرَ
مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
وَسُقُوطُ الْأُضْحِيَّةُ عَلَى مَا فِي غَايَةِ
الْبَيَانِ .
وَالثَّانِي مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ
، مُطْلَقُ الْخُرُوجِ عَنْ الْمِصْرِ ، وَهُوَ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ
وَالْجَمَاعَةِ ، وَالنَّفَلُ عَلَى الدَّابَّةِ ، وَجَوَازُ التَّيَمُّمِ ،
وَاسْتِحْبَابُ الْقُرْعَةِ بَيْنَ نِسَائِهِ ، وَالْقَصْرُ لِلْمُسَافِرِ
عِنْدَنَا رُخْصَةُ إسْقَاطٍ بِمَعْنَى الْعَزِيمَةِ ، بِمَعْنَى أَنَّ
الْإِتْمَامَ لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا حَتَّى أَثِمَ بِهِ وَفَسَدَتْ لَوْ أَتَمَّ
وَلَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ إنْ لَمْ يَنْوِ إقَامَتَهُ قُبَيْلَ
سُجُودِ الثَّالِثَةِ . الثَّانِي : الْمَرَضُ ؛ وَرُخَصُهُ كَثِيرَةٌ :
التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ ، أَوْ عَلَى عُضْوِهِ ، أَوْ مِنْ
زِيَادَةِ الْمَرَضِ ، أَوْ بُطْئِهِ
، وَالْقُعُودُ
فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالِاضْطِجَاعُ فِيهَا ، وَالْإِيمَاءُ ، وَالتَّخَلُّفُ
عَنْ الْجَمَاعَةِ مَعَ حُصُولِ الْفَضِيلَةِ ، وَالْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ
لِلشَّيْخِ الْفَانِي مَعَ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ
الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، وَالْفِطْرُ فِي
رَمَضَانَ ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الْمُعْتَكَفِ ، وَالِاسْتِنَابَةُ فِي الْحَجِّ
وَفِي رَمْيِ الْجِمَارِ وَإِبَاحَةُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْفِدْيَةِ ،وَالتَّدَاوِي
بِالنَّجَاسَاتِ وَبِالْخَمْرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَاخْتَارَ قَاضِي
خَانْ عَدَمَهُ وَإِسَاغَةُ اللُّقْمَةِ إذَا غَصَّ بِهَا اتِّفَاقًا ،
وَإِبَاحَةُ النَّظَرِ لِلطَّبِيبِ حَتَّى الْعَوْرَةِ وَالسَّوْأَتَيْنِ ،
الثَّالِثُ : الْإِكْرَاهُ .
الرَّابِعُ : النِّسْيَانُ .
الْخَامِسُ: الْجَهْلُ وَسَيَأْتِي لَهَا مَبَاحِثُ
السَّادِسُ :
الْعُسْرُ وَعُمُومُ الْبَلْوَى ؛ كَالصَّلَاةِ مَعَ
النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا كَمَا دُونَ رُبْعِ الثَّوْبِ مِنْ مُخَفَّفَةٍ
وَقَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ ، وَنَجَاسَةُ الْمَعْذُورِ الَّتِي
تُصِيبُ ثِيَابَهُ وَكَانَ كُلَّمَا غَسَلَهُ خَرَجَتْ
وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ ، وَالْبَقِّ فِي الثَّوْبِ ،
وَإِنْ كَثُرَ ، وَبَوْلٌ تَرَشَّشَ عَلَى الثَّوْبِ قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ
وَطِينُ الشَّوَارِعِ وَأَثَرُ نَجَاسَةٍ عَسُرَ
زَوَالُهُ
وَبَوْلُ سِنَّوْرٍ فِي غَيْرِ أَوَانِي الْمَاءِ وَعَلَيْهِ
الْفَتْوَى
، وَمِنْهُمْ
مَنْ أَطْلَقَ فِي الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخُرْءِ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ ،
وَإِنْ كَثُرَ ، وَخُرْءِ الطُّيُورِ الْمُحَرَّمَةِ فِي رِوَايَةٍ ، وَمَا لَا
نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً
وَرِيقُ النَّائِمِ مُطْلَقًا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ ،
وَأَفْوَاهُ الصِّبْيَانِ وَغُبَارُ السِّرْقِينِ وَقَلِيلُ الدُّخَانِ النَّجِسِ
، وَمَنْفَذُ الْحَيَوَانِ ،
وَالْعَفْوُ عَنْ الرِّيحِ ، وَالْفُسَاءِ ، إذَا
أَصَابَ السَّرَاوِيلَ الْمُبْتَلَّةَ ، وَالْمَقْعَدَةَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ ،
وَكَانَ الْحَلْوَانِيُّ لَا يُصَلِّي فِي سَرَاوِيلِهِ ، وَلَا تَأْوِيلَ لِفِعْلِهِ
إلَّا التَّحَرُّزُ مِنْ الْخِلَافِ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُنَا بِأَنَّ النَّارَ
مُطَهِّرَةٌ لِلرَّوْثِ ، وَالْعَذِرَةِ ، فَقُلْنَا بِطَهَارَةِ رَمَادِهِمَا
تَيْسِيرًا ، وَإِلَّا لَزِمَتْ نَجَاسَةُ الْخُبْزِ فِي غَالِبِ الْأَمْصَارِ ،
وَمِنْ ذَلِكَ طَهَارَةُ بَوْلِ الْخُفَّاشِ وَخُرْئِهِ
، وَالْبَعْرُ
إذَا وَقَعَ فِي الْمِحْلَبِ وَرُمِيَ قَبْلَ التَّفَتُّتِ ، وَتَخْفِيفُ
نَجَاسَةِ الْأَرْوَاثِ عِنْدَهُمَا ، وَمَا يُصِيبَ الثَّوْبَ مِنْ بُخَارَاتِ
النَّجَاسَةِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَمَا يُصِيبُهُ مِمَّا سَالَ مِنْ الْكَنِيفِ ،
مَا لَمْ يَكُنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ النَّجَاسَةَ
وَمَاءُ الطَّابَقِ اسْتِحْسَانًا ، وَصُورَتُهُ :
أُحْرِقَتْ الْعَذِرَةُ فِي بَيْتٍ فَأَصَابَ مَاءُ الطَّابَقِ ثَوْبَ
إنْسَانٍ ، وَكَذَا الْإِصْطَبْلُ إذَا كَانَ حَارًّا ،
أَوْ عَلَى كُوَّتِهِ طَابَقٌ ، أَوْ بَيْتُ بَالُوعَةٍ إذَا كَانَ عَلَيْهِ
طَابَقٌ وَتَقَاطَرَ مِنْهُ ، وَكَذَا الْحَمَّامُ إذَا أُهْرِيقَ فِيهِ
النَّجَاسَةُ فَعَرِقَ حِيطَانُهَا وَكُوَّتُهَا وَتَقَاطَرَ مِنْهُ ، وَكَذَا
لَوْ كَانَ فِي الْإِصْطَبْلِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ فِيهِ مَاءٌ فَتَرَشَّحَ فِي
أَسْفَلِ الْكُوزِ .
وَالْقَوْلُ بِطَهَارَةِ الْمِسْكِ وَإِنْ كَانَ
أَصْلُهُ دَمًا ، وَالزَّبَادِ ، وَإِنْ كَانَ عَرَقَ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ
الْأَكْلِ ، وَالتُّرَابِ الطَّاهِرِ إذَا جُعِلَ طِينًا بِالْمَاءِ النَّجِسِ ، أَوْ
عَكْسُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلطَّاهِرِ أَيُّهُمَا كَانَ
وَمَا تَرَشَّشَ عَلَى الْغَاسِلِ مِنْ غُسَالَةِ الْمَيِّتِ
مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ، وَمَا رُشَّ بِهِ السُّوقُ إذَا
ابْتَلَّ بِهِ قَدَمَاهُ ، وَمَوَاطِئِ الْكِلَابِ وَالطِّينِ الْمُسَرْقَنِ
وَرَدْغَةِ الطَّرِيقِ ، وَمَشْرُوعِيَّةِ
الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ
بِمُزِيلٍ ، حَتَّى لَوْ نَزَلَ الْمُسْتَنْجِي بِهِ فِي مَاءٍ نَجِسَةٍ ،
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ كُلَّ مَائِعٍ قَالِعٍ يُزِيلُ النَّجَاسَةَ الْحَقِيقِيَّةَ
، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ لِلصِّبْيَانِ لِلتَّعَلُّمِ ، وَمَسْحِ الْخُفِّ فِي الْحَضَرِ
لِمَشَقَّةِ نَزْعِهِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ ، وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ نَزْعُهُ
لِلْغَسْلِ لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ
، وَأَنَّهُ
لَا يُحْكَمُ عَلَى الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى
الْعُضْوِ وَلَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ إذَا لَاقَى الْمُتَنَجِّسَ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ
عَنْهُ ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّغَيُّرُ بِالْمُكْثِ وَالطِّينِ
وَالطُّحْلُبِ وَكُلِّ مَا يَعْسُرُ صَوْنُهُ عَنْهُ وَإِبَاحَةُ
الْمَشْيِ وَالِاسْتِدْبَارِ عِنْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ وَإِبَاحَتُهُمَا فِي
صَلَاةِ الْخَوْفِ
وَإِبَاحَةُ النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ خَارِجَ
الْمِصْرِ بِالْإِيمَاءِ .
وَفِيهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللَّهُ وَإِبَاحَةُ الْقُعُودِ فِيهَا بِلَا عُذْرٍ
وَوَسَّعَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا فَلَمْ يَقُلْ : إنَّ مَسَّ الْمَرْأَةِ وَالذَّكَرِ
نَاقِضٌ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ فِي الطَّهَارَةِ وَلَا الدَّلْكَ ، وَوَسَّعَ
فِي الْمِيَاهِ فَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ مُقَارَنَةَ
النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا حَتَّى
الْفَاتِحَةَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ
الْقُرْآنِ } وَالتَّعْيِينُ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ عُسْرٌ ، وَأَسْقَطَ
الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ ، بَلْ مَنَعَهُ مِنْهَا شَفَقَةً عَلَى
الْإِمَامِ دَفْعًا لِلتَّخْلِيطِ عَنْهُ كَمَا يُشَاهَدُ بِالْجَامِعِ
الْأَزْهَرِ ، وَلَمْ يَخُصَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ بِلَفْظٍ ، وَإِنَّمَا
جَوَّزَهَا بِكُلِّ مَا يُفِيدُ التَّعْظِيمَ وَأَسْقَطَ نَظْمَ الْقُرْآنِ عَنْ
الْمُصَلِّي ؛ فَجَوَّزَهُ بِالْفَارِسِيِّ تَيْسِيرًا عَلَى الْخَاشِعِينَ .
وَرُوِيَ رُجُوعُهُ عَنْهُ
وَأَسْقَطَ فَرْضَ الطُّمَأْنِينَةِ فِي
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ تَيْسِيرًا ، وَأَسْقَطَ
لُزُومَ التَّفْرِيقِ عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فِي الزَّكَاةِ
وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَجَوَّزَ تَأْخِيرَ النِّيَّةِ فِي الصَّوْم وَعَدَمَ
التَّعْيِينِ لِصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْحَجِّ إلَّا رُكْنَيْنِ ؛ الْوُقُوفَ
وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الطَّهَارَةَ لَهُ وَلَا السِّتْرَ
وَلَمْ يَجْعَلْ السَّبْعَةَ كُلَّهَا أَرْكَانًا بَلْ الْأَكْثَرَ ، وَلَمْ
يُوجِبْ الْعُمْرَةَ فِي الْعُمْرِ ، كُلُّ ذَلِكَ لِلتَّيْسِيرِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
، وَمِنْ ذَلِكَ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ ، وَمِنْ ثَمَّ
لَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ فِي الْجُمُعَةِ لِاسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ
إلَيْهَا عَلَى مَا قِيلَ ، وَلَكِنْ ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ إنَّهَا
كَالظُّهْرِ فِي الزَّمَانَيْنِ وَتَرْكِ الْجَمَاعَةِ لِلْمَطَرِ وَالْجُمُعَةِ بِالْأَعْذَارِ
الْمَعْرُوفَةِ ، وَكَذَا أَسْقَطَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ
الْأَعْمَى الْجُمُعَةَ ، وَالْحَجَّ ، وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا دَفْعًا
لِلْمَشَقَّةِ عَنْهُ
وَعَدَمُ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْحَائِضِ
لِتَكَرُّرِهَا ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَبِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِنُدُورِ
ذَلِكَ
وَسُقُوطُ الْقَضَاءِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا
زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَعَنْ الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الْإِيمَاءِ
بِالرَّأْسِ ، كَذَلِكَ عَلَى
الصَّحِيحِ.
وَجَوَازُ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا
مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لِخَوْفِ دَوَرَانِ الرَّأْسِ .
وَكَانَ الصَّوْمُ فِي السَّنَةِ شَهْرًا ، وَالْحَجُّ
فِي الْعُمْرِ مَرَّةً ، وَالزَّكَاةُ رُبْعَ الْعَشْرِ ، تَيْسِيرًا
وَلِذَا قُلْنَا إنَّهَا وَجَبَتْ بِقُدْرَةٍ
مُيَسَّرَةٍ حَتَّى سَقَطَتْ بِهَلَاكِ الْمَالِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَأَكْلُ
مَالِ الْغَيْرِ مَعَ ضَمَانِ الْبَدَلِ ، إذَا اُضْطُرَّ ، وَأَكْلُ الْوَلِيِّ ،
وَالْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِوَجَوَازُ
تَقَدُّمِ النِّيَّةِ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَفْصِلْ أَجْنَبِيٌّ
، وَتَقَدُّمِ النِّيَّةِ عَلَى الصَّوْمِ مِنْ اللَّيْلِ ، وَتَأَخُّرُهَا عَنْ
طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ
عَنْ جِنْسِ الصَّائِمِينَ ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ تَطْهُرُ بَعْدَهُ ، وَالْكَافِرَ
يُسْلِمُ وَالصَّغِيرَ يَبْلُغُ كَذَلِكَ
وَإِبَاحَةُ التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ بِالْإِحْصَارِ
، وَالْفَوَاتِ وَإِبَاحَةُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَعْيَ حَشِيشِ
الْحَرَمِ لِلْحَاجِّ فِي الْمَوْسِمِ تَيْسِيرًا وَلُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحَكَّةِ
، وَالْقِتَالِ وَبَيْعُ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ ، جُوِّزَ عَلَى
خِلَافِ الْقِيَاسِ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمَفَالِيسِ وَالِاكْتِفَاءُ بِرُؤْيَةِ
ظَاهِرِ الصُّبْرَةِ وَالْأُنْمُوذَجِ وَمَشْرُوعِيَّةُ خِيَارِ الشَّرْطِ
لِلْمُشْتَرِي دَفْعًا لِلنَّدَمِوَخِيَارُ نَقْدِ الثَّمَنِ دَفْعًا
لِلْمُمَاطَلَةِ .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَيْعُ الْأَمَانَةِ
الْمُسَمَّى بِبَيْعِ الْوَفَاءِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخِ بُخَارَى تَوْسِعَةً
، وَبَيَانُهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ
، وَمِنْ
ذَلِكَ أَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالرَّدِّ لِخِيَارِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ ، إمَّا
مُطْلَقًا أَوْ إذَا كَانَ فِيهِ غُرُورُ رَحْمَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي .
وَمِنْهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَالتَّحَالُفِ ، وَالْإِقَالَةِ
وَالْحَوَالَةِ وَالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ ، وَالْإِبْرَاءُ وَالْقَرْضِ
وَالشَّرِكَةِ وَالصُّلْحِ ، وَالْحَجْرِ ، وَالْوَكَالَةِ وَالْإِجَارَةِ
وَالْمُزَارِعَةِ ، وَالْمُسَاقَاةِ ، عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ لِلْحَاجَةِ
، وَالْمُضَارَبَةِ ، وَالْعَارِيَّةِ ، الْوَدِيعَةِ ، لِلْمَشَقَّةِ
الْعَظِيمَةِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَنْتَفِعُ إلَّا بِمَا هُوَ مِلْكُهُ
وَلَا يَسْتَوْفِي إلَّا مَنْ عَلَيْهِ حَقُّهُ ، وَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا
بِكَمَالِهِ وَلَا يَتَعَاطَى أُمُورَهُ إلَّا بِنَفْسِهِ
فَسَهُلَ الْأَمْرُ بِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ
الْغَيْرِ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ ، وَالْإِعَارَةِ وَالْقَرْضِ ،
وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَكَالَةً وَإِيدَاعًا وَشَرِكَةً وَمُضَارَبَةً
وَمُسَاقَاةً ، وَبِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ غَيْرِ الْمَدْيُونِ حَوَالَةً ،
وَبِالتَّوْثِيقِ عَلَى الدَّيْنِ بِرِهَانٍ وَكَفِيلٍ ، وَلَوْ بِالنَّفْسِ
وَبِإِسْقَاطِ بَعْضِ الدَّيْنِ صُلْحًا ، أَوْ كُلَّهُ إبْرَاءٌ ، وَلِحَاجَةِ
افْتِدَاءِ يَمِينِهِ ؛ جَوَّزْنَا الصُّلْحَ عَنْ إنْكَارِ وَلِفَقْدِ مَا
شُرِعَتْ الْإِجَارَةُ لَهُ
لَوْ جُعِلَتْ الْمَنَافِعُ أُجْرَةً عِنْدَ اتِّحَادِ
الْجِنْسِ ، قُلْنَا : لَا يَجُوزُ وَقُلْنَا :
الْإِجَارَةُ عَلَى مَنْفَعَةٍ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ مِنْ الْعَيْنِ لَا تَجُوزُ
لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِالْعَارِيَّةِ كَمَا عُلِمَ فِي إجَارَةِ
الْبَزَّازِيَّةِ ،
وَمِنْ التَّخْفِيفِ جَوَازُ الْعُقُودِ الْحَائِزَةِ ؛
لِأَنَّ لُزُومَهَا شَاقٌّ فَتَكُونُ سَبَبًا لِعَدَمِ تَعَاطِيهَا وَلُزُومُ
اللَّازِمَةِ ، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَقِرَّ بَيْعٌ وَلَا غَيْرُهُ ، وَوَقَفْنَا
عَزْلَ الْوَكِيلِ عَلَى عِلْمِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُ ، وَكَذَا عَزْلُ الْقَاضِي
وَصَاحِبُ وَظِيفَتِهِ .
وَمِنْهُ إبَاحَةُ النَّظَرِ لِلطَّبِيبِ وَالشَّاهِدِ ،
وَعِنْدَ الْخِطْبَةِ وَلِلسَّيِّدِ
.
وَمِنْهُ جَوَازُ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِمَا
فِي اشْتِرَاطِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا يَتَحَمَّلُهَا كَثِيرٌ مِنْ
النَّاسِ فِي بَنَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ ، مِنْ نَظَرِ كُلِّ خَاطِبٍ ؛
فَنَاسَبَ التَّيَسُّرُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ
فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَلَهُ الْخِيَارُ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ ،
وَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا : إنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ
الْبَيْعِ ، وَمِنْ هُنَا وَسَّعَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
فَجَوَّزَهُ بِلَا وَلِيٍّ وَمِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ ، وَلَمْ
يُفْسِدْهُ بِالشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ ، وَلَمْ يَخُصَّهُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ
وَالتَّزْوِيجِ ، بَلْ قَالَ : يَنْعَقِدُ بِمَا يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ
لِلْحَالِ ، وَصَحَّحَهُ بِحُضُورِ ابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ وَنَاعِسِينَ
وَسُكَارَى يَذْكُرُونَهُ بَعْدَ الصَّحْوِ ، وَبِعِبَارَةِ النِّسَاءِ وَجَوَّزَ شَهَادَتَهُنَّ
فِيهِ ، فَانْعَقَدَ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، كُلُّ ذَلِكَ دَفْعًا
لِمَشَقَّةِ الزِّنَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ .
وَمِنْ هُنَا قِيلَ عَجِبْتُ لِحَنَفِيٍّ يَزْنِي .
وَمِنْهُ إبَاحَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ؛ فَلَمْ
يَقْتَصِرْ عَلَى وَاحِدَةٍ تَيْسِيرًا عَلَى الرَّجُلِ وَعَلَى النِّسَاءِ
أَيْضًا لِكَثْرَتِهِنَّ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ
الْمَشَقَّةِ عَلَى الرَّجُلِ فِي الْقَسْمِ وَغَيْرِهِ .
وَمِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الطَّلَاقِ لِمَا فِي
الْبَقَاءِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عِنْدَ التَّنَافُرِ،
وَكَذَا مَشْرُوعِيَّةُ الْخُلْعِ وَالِافْتِدَاءِ
وَالرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ الثَّلَاثِ ، وَلَمْ يُشْرَعْ دَائِمًا لِمَا
فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى الزَّوْجَةِ .
وَمِنْهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى الْمَوْلَى بِمُضِيِّ
أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا ، وَمِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ
الْكَفَّارَةِ فِي الظِّهَارِ ، وَالْيَمِينِ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ ،
وَكَذَا التَّخْيِيرُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِتَكَرُّرِهَا بِخِلَافِ
بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ لِنُدْرَةِ وُقُوعِهَا ، وَمَشْرُوعِيَّةُ التَّخْيِيرِ
فِي
نَذْرٍ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ لَا يُرَادُ كَوْنُهُ بَيْنَ
كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، وَالْوَفَاءِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى مَا عَلَيْهِ
الْفَتْوَى ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ ،
وَمِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الْكِتَابَةِ لِيَتَخَلَّصَ الْعَبْدُ مِنْ دَوَامِ الرِّقِّ
لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ ، وَلَمْ يُبْطِلْهَا بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ
تَوْسِعَةً .
وَمِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ
لِيَتَدَارَكَ الْإِنْسَانُ مَا فَرَطَ مِنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَصَحَّ لَهُ
فِي الثُّلُثِ دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْوَرَثَةِ حَتَّى
أَجَزْنَاهَا بِالْجَمِيعِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ ، وَأَوْقَفْنَاهَا عَلَى
إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَتْ لِوَارِثٍ وَأَبْقَيْنَا التَّرِكَةَ
عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حُكْمًا حَتَّى تُقْضَى حَوَائِجُهُ مِنْهَا رَحْمَةً
عَلَيْهِ ، وَوَسَّعْنَا الْأَمْرَ فِي الْوَصِيَّةِ فَجَوَّزْنَاهَا بِالْمَعْدُومِ
وَلَمْ نُبْطِلْهَا بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ .
، وَمِنْهُ
إسْقَاطُ الْإِثْمِ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْخَطَأِ وَالتَّيْسِيرِ
عَلَيْهِمْ بِالِاكْتِفَاءِ بِالظَّنِّ وَلَوْ كُلِّفُوا الْأَخْذَ بِالْيَقِينِ لَشَقَّ
وَعَسُرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَوَسَّعَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
بَابِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ تَيْسِيرًا ، فَصَحَّحَ تَوْلِيَةَ الْفَاسِقِ ،
وَقَالَ : إنَّ فِسْقَهُ لَا يَعْزِلُهُ ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ ،لَمْ يُوجِبْ
تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ وَلَمْ
يُقْبَلْ الْجَرْحُ الْمُجَرَّدُ فِي الشَّاهِدِ .
وَوَسَّعَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
الْقَضَاءِ ، وَالْوَقْفِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا
، فَجَوَّزَ لِلْقَاضِي تَلْقِينُ الشَّاهِدِ وَجَوَّزَ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى
الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ شَيْئًا مِمَّا شَرَطَهُ
الْإِمَامُ
وَصَحَّحَ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ وَعَلَى جِهَةٍ
تَنْقَطِعُ وَوَقْفَ الْمَشَاعَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّسْلِيمَ إلَى
الْمُتَوَلِّي وَلَا حُكْمَ الْقَاضِي ، وَجَوَّزَ اسْتِبْدَالَهُ عِنْدَ
الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِلَا شَرْطٍ ، وَجَوَّزَهُ مَعَ الشَّرْطِ تَرْغِيبًا فِي
الْوَقْفِ وَتَيْسِيرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
فَقَدْ بَانَ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ يَرْجِعُ
إلَيْهَا غَالِبُ أَبْوَابِ الْفِقْهِ السَّبَبُ السَّابِعُ : النَّقْصُ ؛ فَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنْ
الْمَشَقَّةِ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفَ ؛ فَمِنْ ذَلِكَ عَدَمُ تَكْلِيفِ الصَّبِيِّ
وَالْمَجْنُونِ فَفَوَّضَ أَمْرَ أَمْوَالِهِمَا إلَى الْوَلِيِّ ، وَتَرْبِيَتَهُ
وَحَضَانَتَهُ إلَى النِّسَاءِ رَحْمَةً عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُجْبِرْهُنَّ عَلَى الْحَضَانَةِ
تَيْسِيرًا عَلَيْهِنَّ ، وَعَدَمُ تَكْلِيفِ النِّسَاء بِكَثِيرٍ مِمَّا وَجَبَ
عَلَى الرِّجَالِ ؛ كَالْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْجِهَادِ وَالْجِزْيَةِ
وَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ عَلَى قَوْلٍ
.
وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ ، وَإِبَاحَةُ
لُبْسِ الْحَرِيرِ وَحُلِيِّ الذَّهَبِ ، وَعَدَمُ
تَكْلِيفِ الْأَرِقَّاءِ بِكَثِيرٍ مِمَّا وَجَبَ عَلَى الْأَحْرَارِ ؛ لِكَوْنِهِ
عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ فِي الْحُدُودِ وَالْعِدَّةِ مِمَّا سَيَأْتِي فِي
أَحْكَامِ الْعَبِيدِ .
وَهَذِهِ فَوَائِدُ مُهِمَّةٌ نَخْتِمُ بِهَا الْكَلَامَ
عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ .
الْفَائِدَةُ الْأُولَى:الْمَشَاقُّ عَلَى قِسْمَيْنِ :
مَشَقَّةٌ لَا تَنْفَكُّ عَنْهَا الْعِبَادَةُ غَالِبًا
، كَمَشَقَّةِ الْبَرْدِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَمَشَقَّةِ الصَّوْمِ فِي
شِدَّةِ الْحَرِّ وَطُولِ النَّهَارِ ، وَمَشَقَّةِ السَّفَرِ الَّتِي لَا
انْفِكَاكَ لِلْحَجِّ وَالْجِهَادِ عَنْهَا ، وَمَشَقَّةِ أَلَمِ الْحَدِّ
وَرَجْمِ الزُّنَاةِ ، وَقَتْلِ الْجُنَاةِ وَقِتَالِ الْبُغَاةِ ، فَلَا أَثَرَ لَهَا
فِي إسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ .
وَأَمَّا جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِلْخَوْفِ مِنْ شِدَّةِ
الْبَرْدِ لِلْجَنَابَةِ ؛ فَالْمُرَادُ مِنْ الْخَوْفِ : الْخَوْفُ مِنْ
الِاغْتِسَالِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ مِنْ
حُصُولِ مَرَضٍ .
وَلِذَا اشْتَرَطَ فِي الْبَدَائِعِ لِجَوَازِهِ مِنْ
الْجَنَابَةِ ؛ أَنْ لَا يَجِدَ مَكَانًا يَأْوِيهِ ، وَلَا ثَوْبًا يَتَدَفَّأُ
بِهِ ، وَلَا مَاءً مُسَخَّنًا وَلَا حَمَّامًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ ، كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْخَوْفِ
فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ .
وَأَمَّا الْمَشَقَّةُ الَّتِي تَنْفَكُّ عَنْهَا
الْعِبَادَاتُ غَالِبًا فَعَلَى مَرَاتِبَ :
الْأُولَى :
مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ فَادِحَةٌ كَمَشَقَّةِ الْخَوْفِ
عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَمَنَافِعِ الْأَعْضَاءِ فَهِيَ مُوجِبَةٌ
لِلتَّخْفِيفِ ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَجِّ طَرِيقٌ إلَّا مِنْ الْبَحْرِ
، وَكَانَ الْغَالِبُ عَدَمَ السَّلَامَةِ لَمْ يَجِبْ .
الثَّانِيَةُ
: مَشَقَّةٌ خَفِيفَةٌ ؛ كَأَدْنَى وَجَعٍ فِي أُصْبُعٍ
أَوْ أَدْنَى صُدَاعٍ فِي الرَّأْسِ أَوْ سُوءِ مِزَاجٍ خَفِيفٍ فَهَذَا لَا
أَثَرَ لَهُ وَلَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ مَصَالِحِ
الْعِبَادَاتِ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ مِثْلِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي لَا
أَثَرَ لَهَا .
وَمِنْ هُنَا رُدَّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ مَشَايِخِنَا
: إنَّ الْمَرِيضَ إذَا نَوَى الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ ؛
فَإِنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَى إنْ كَانَ مَرَضًا لَا يَضُرُّ مَعَهُ الصَّوْمُ ،
وَإِلَّا فَيَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ بِأَنَّ مَا لَا يَضُرُّ لَيْسَ بِمُرَخِّصٍ لِلْفِطْرِ
فِي رَمَضَانَ ، وَكَلَامُنَا فِي مَرِيضٍ رُخِّصَ لَهُ الْفِطْرُ .
تَنْبِيهٌ
:
مُطْلَقُ الْمَرَضِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ ؛ إنْ كَانَ
بِالزَّوْجِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ خَلْوَتِهِ بِهَا بِخِلَافِ مَرَضِهَا
الثَّالِثَةُ : مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ هَاتَيْنِ ؛
كَمَرِيضٍ فِي رَمَضَانَ يَخَافُ مِنْ الصَّوْمِ زِيَادَةَ الْمَرَضِ أَوْ بُطْءَ
الْبُرْءِ فَيَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ ، وَهَكَذَا فِي الْمَرَضِ الْمُبِيحِ
لِلتَّيَمُّمِ ، وَاعْتُبِرَ فِي الْحَجِّ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ
الْمُنَاسِبَيْنِ لِلشَّخْصِ ، حَتَّى قَالَ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ : يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ مَا يَصِحُّ مَعَهُ بَدَنُهُ .
وَقَالُوا : لَا يَكْتَفِي بِالْعُقْبَةِ فِي
الرَّاحِلَةِ ، بَلْ لَا بُدَّ فِي الْحَجِّ مِنْ شِقِّ مَحْمِلٍ أَوْ رَأْسِ
زَامِلَةٍ وَمِنْ الْمُشْكِلِ التَّيَمُّمُ ؛ فَإِنَّهُمْ اشْتَرَطُوا فِي
الْمَرَضِ الْمُبِيحِ لَهُ أَنْ يَخَافَ مِنْ الْمَاءِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ
عُضْوِهِ ذَهَابًا أَوْ مَنْفَعَةً أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ أَوْ بُطْءَ بُرْءٍ ،
وَلَمْ يُبِيحُوهُ بِمُطْلَقِ الْمَرَضِ مَعَ أَنَّ مَشَقَّةَ السَّفَرِ دُونَ
ذَلِكَ بِكَثِيرٍ ، وَلَمْ يُوجِبُوا شِرَاءَ الْمَاءِ بِزِيَادَةٍ فَاحِشَةٍ عَلَى
قِيمَتِهِ لَا الْيَسِيرَةِ
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ :تَخْفِيفَاتُ الشَّرْعِ
أَنْوَاعٌ :
الْأَوَّلُ : تَخْفِيفُ إسْقَاطٍ كَإِسْقَاطِ
الْعَادَاتِ عِنْدَ وُجُودِ أَعْذَارِهَا
الثَّانِي :
تَخْفِيفُ تَنْقِيصٍ : كَالْقَصْرِ فِي السَّفَرِ عَلَى
الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِتْمَامَ أَصْلٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ :
الْقَصْرُ أَصْلٌ ، وَالْإِتْمَامُ فُرِضَ بَعْدَهُ ، فَلَا إلَّا فِي صُورَةٍ .
وَالثَّالِثُ : تَخْفِيفُ إبْدَالٍ كَإِبْدَالِ
الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِالتَّيَمُّمِ ، وَالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ
بِالْقُعُودِ وَالِاضْطِجَاعِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِالْإِيمَاءِ ،
وَالصِّيَامِ بِالْإِطْعَامِ
الرَّابِعُ
: تَخْفِيفُ تَقْدِيمٍ ؛ كَالْجَمْعِ بِعَرَفَاتٍ
وَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ ،
وَقَبْلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ بَعْدَ تَمَلُّكِ النِّصَابِ فِي الْأَوَّلِ ،
وَوُجُودِ الرَّأْسِ بِصِفَةِ الْمُؤْنَةِ وَالْوِلَايَةِ فِي الثَّانِي .
الْخَامِسُ :
تَخْفِيفُ تَأْخِيرٍ كَالْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ ،
وَتَأْخِيرِ رَمَضَانَ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ ، وَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا
فِي حَقِّ مُشْتَغِلٍ بِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ
السَّادِسُ : تَخْفِيفُ تَرْخِيصٍ ، كَصَلَاةِ
الْمُسْتَجْمِرِ مَعَ بَقِيَّةِ النَّجْوِ ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِلْغُصَّةِ .
السَّابِعُ : تَخْفِيفُ تَغْيِيرٍ ؛ كَتَغْيِيرِ نَظْمِ
الصَّلَاةِ لِلْخَوْفِ
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ :الْمَشَقَّةُ وَالْحَرَجُ ،
إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ ، وَأَمَّا مَعَ النَّصِّ
بِخِلَافِهِ فَلَا ، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا
اللَّهُ بِحُرْمَةِ رَعْيِ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَقَطْعِهِ ، إلَّا الْإِذْخِرَ .
وَجَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَعْيَهُ
لِلْحَرَجِ ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي
جِنَايَاتِ الْإِحْرَامِ .
وَقَالَ
فِي الْأَنْجَاسِ : إنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ بِتَغْلِيظِ
نَجَاسَةِ الْأَرْوَاثِ ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّهَا رِكْسٌ أَيْ : نَجَسٌ .
وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدَهُ بِالْبَلْوَى فِي مَوْضِعِ
النَّصِّ ، كَمَا فِي بَوْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَعَمُّ ( انْتَهَى ) .
وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي : مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ
مَنْ زَادَ فِي تَفْسِيرِ الْغَلِيظَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ
اللَّهُ ، وَلَا حَرَجَ فِي اجْتِنَابِهِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ ، وَفِي
الْغَلِيظَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا ، وَلَا بَلْوَى فِي إصَابَتِهِ كَمَا فِي
الِاخْتِيَارِ أَيْضًا.
وَفِي الْمُحِيطِ وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ يَشْهَدُ
لَهَا بَعْضُ فُرُوعِ الْبَابِ
.
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَا حَرَجَ فِي اجْتِنَابِهِ
، وَلَا بَلْوَى فِي إصَابَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعِبَارَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ
بِالنِّسْبَةِ إلَى جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ فَيَقَعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى صِدْقِ
الْقَضِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ : أَنَّ مَا عَمَّتْ بَلِيَّتُهُ خَفَّتْ قَضِيَّتُهُ
( انْتَهَى ) الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ : ذَكَرَ بَعْضُهُمْ :
أَنَّ الْأَمْرَ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ ، وَإِذَا اتَّسَعَ
ضَاقَ
وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
كُلُّ مَا تَجَاوَزَ عَنْ حَدِّهِ انْعَكَسَ إلَى
ضِدِّهِ .
وَنَظِيرُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ فِي التَّعَاكُسِ قَوْلُهُمْ :
يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي
الِابْتِدَاءِ.
وَقَوْلُهُمْ:
يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي
الْبَقَاءِ
وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُ
فُرُوعِهِمَا .
الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: الضَّرَرُ يُزَالُ
أَصْلُهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَمْرِو بْنِ
يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيِّ
وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ
مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ .
وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ
الرَّجُلُ أَخَاهُ ابْتِدَاءً وَلَا جَزَاءً ( انْتَهَى ) .
وَذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِ
الْغَصْبِ وَالشُّفْعَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَيُبْتَنَى عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ
كَثِيرٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ
.
فَمِنْ ذَلِكَ ؛ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ
الْخِيَارَاتِ ، وَالْحَجْرُ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ ،
وَالشُّفْعَةُ فَإِنَّهَا لِلشَّرِيكِ ؛ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ ،
وَلِلْجَارِ لِدَفْعِ ضَرَرِ جَارِ السَّوْءِ ( بِجِيرَانِهَا تَغْلُو الدِّيَارُ
وَتَرْخُصُ ) .
وَالْقِصَاصُ وَالْحُدُودُ ، وَالْكَفَّارَاتُ وَضَمَانُ
الْمُتْلَفَاتِ وَالْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ بِشَرْطِهِ ؛ وَنَصْبُ الْأَئِمَّةِ
وَالْقُضَاةِ وَدَفْعُ الصَّائِلِ وَقِتَالُ الْمُشْرِكِينَ وَالْبُغَاةِ .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ :
بَاعَ أَغْصَانَ فِرْصَادٍ ، وَالْمُشْتَرِي إذَا ارْتَقَى لِقَطْعِهَا يَطَّلِعُ
عَلَى عَوْرَاتِ الْجِيرَانِ ؛ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُخْبِرَهُمْ وَقْتَ الِارْتِقَاءِ
؛ لِيَسْتَتِرُوا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا رُفِعَ إلَى
الْحَاكِمِ ؛ لِيَمْنَعَهُ مِنْ الِارْتِقَاءِ ( انْتَهَى )
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا
مُتَّحِدَةٌ أَوْ مُتَدَاخِلَةٌ ، وَتَتَعَلَّق بِهَا قَوَاعِدُ : الْأُولَى :
الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ ،
وَمِنْ ثَمَّ جَازَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ
، وَإِسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ ، وَالتَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ
لِلْإِكْرَاهِ وَكَذَا إتْلَافُ الْمَالِ ، وَأَخْذُ مَالِ الْمُمْتَنِعِ
الْأَدَاءِ مِنْ الدَّيْنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَدَفْعُ الصَّائِلِ ، وَلَوْ أَدَّى
إلَى قَتْلِهِ .
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ
بِشَرْطِ عَدَمِ نُقْصَانِهَا ؛ قَالُوا : لِيَخْرُجَ مَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ
نَبِيًّا ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِلْمُضْطَرِّ ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ
أَعْظَمُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ مُهْجَةِ الْمُضْطَرِّ ( انْتَهَى ) .
وَلَكِنْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَا
يُفِيدُهُ ؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا
: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ بِقَتْلٍ لَا
يُرَخَّصُ لَهُ ، فَإِنْ قَتَلَهُ أَثِمَ ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ قَتْلِ نَفْسِهِ
أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ قَتْلِ غَيْرِهِ .
وَقَالُوا
:
لَوْ دُفِنَ بِلَا تَكْفِينٍ لَا يُنْبَشُ مِنْهُ ؛
لِأَنَّ مَفْسَدَةَ هَتْكِ حُرْمَتِهِ أَشَدُّ مِنْ عَدَمِ تَكْفِينِهِ الَّذِي
قَامَ السَّتْرُ بِالتُّرَابِ مَقَامَهُ .
وَكَذَا قَالُوا : لَوْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ وَأُهِيلَ
عَلَيْهِ التُّرَابُ ؛ صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ وَلَا يُخْرَجُ
الثَّانِيَةُ : مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ
بِقَدْرِهَا
وَلِذَا قَالَ فِي أَيْمَانِ الظَّهِيرِيَّةِ : إنَّ
الْيَمِينَ الْكَاذِبَةَ لَا تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا يُبَاحُ
التَّعْرِيضُ ، ( انْتَهَى ) .
يَعْنِي ؛ لِانْدِفَاعِهَا بِالتَّعْرِيضِ ،
وَمِنْ فُرُوعِهِ : الْمُضْطَرُّ لَا يَأْكُلُ مِنْ
الْمَيْتَةِ إلَّا قَدْرَ سَدِّ الرَّمَقِ وَالطَّعَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ
يُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْحَاجَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ .
قَالَ فِي الْكَنْزِ : وَيَنْتَفِعُ فِيهَا بِعَلَفٍ
وَطَعَامٍ وَحَطَبٍ وَسِلَاحٍ وَدُهْنٍ بِلَا قِسْمَةٍ ، وَبَعْدَ الْخُرُوجِ
مِنْهَا لَا ، وَمَا فَضَلَ رُدَّ إلَى الْغَنِيمَةِ .
وَأَفْتَوْا بِالْعَفْوِ عَنْ بَوْلِ السِّنَّوْرِ فِي
الثِّيَابِ دُونَ الْأَوَانِي ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي الْأَوَانِي ؛
لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِتَخْمِيرِهَا
.
وَفَرَّقَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي الْبَعْرِ
بَيْنَ آبَارِ الْفَلَوَاتِ ؛ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ لِلضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ لَهَا رُءُوسٌ حَاجِزَةٌ وَالْإِبِلُ تَبْعَرُ حَوْلَهَا ، وَبَيْنَ آبَارِ
الْأَمْصَارِ ؛ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ .
وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ آبَارِ
الْفَلَوَاتِ وَالْأَمْصَارِ ، وَبَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمُنْكَسِرِ ، وَبَيْنَ
الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ .
وَيُعْفَى عَنْ ثِيَابِ الْمُتَوَضِّئِ إذَا أَصَابَهَا
مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ ، عَلَى رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا
يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُ ثَوْبَ غَيْرِهِ ؛ لِعَدَمِهَا ، وَدَمُ الشَّهِيدِ
طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، نَجِسٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ ،
وَالْجَبِيرَةُ يَجِبُ أَنْ لَا تَسْتُرَ مِنْ الصَّحِيحِ إلَّا بِقَدْرِ مَا لَا
بُدَّ مِنْهُ ، وَالطَّبِيبُ إنَّمَا يَنْظُرُ مِنْ الْعَوْرَةِ بِقَدْرِ
الْحَاجَةِ .
وَفَرَّعَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْهَا ؛ أَنَّ
الْمَجْنُونَ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ؛ لِانْدِفَاعِ
الْحَاجَةِ بِهَا ( انْتَهَى )
وَلَمْ أَرَهُ لِمَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
تَذْنِيبٌ :[مَا جَازَ لِعُذْرٍ بَطَلَ بِزَوَالِهِ]
يَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ : مَا جَازَ لِعُذْرٍ
بَطَلَ بِزَوَالِهِ
فَبَطَلَ التَّيَمُّمُ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ
الْمَاءِ ؛ فَإِنْ كَانَ لِفَقْدِ الْمَاءِ بَطَلَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ،
وَإِنْ كَانَ لِمَرَضٍ بَطَلَ بِبُرْئِهِ ، وَإِنْ كَانَ لِبَرْدٍ بَطَلَ
بِزَوَالِهِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ تُخَرَّجَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ؛
الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ ؛ إذَا كَانَ الْأَصْلُ مَرِيضًا فَصَحَّ بَعْدَ
الْإِشْهَادِ ، أَوْ مُسَافِرًا فَقَدِمَ أَنْ يَبْطُلَ الْإِشْهَادُ عَلَى
الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا لِمَوْتِ الْأَصِيلِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ
الثَّالِثَةُ : الضَّرَرُ لَا يَزَالُ بِالضَّرَرِ
وَهِيَ مُقَيِّدَةٌ لِقَوْلِهِمْ : الضَّرَرُ يُزَالُ ،
أَيْ لَا بِضَرَرٍ.
وَمِنْ فُرُوعِهَا عَدَمُ وُجُوبِ الْعِمَارَةِ عَلَى
الشَّرِيكِ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِمُرِيدِهَا أَنْفِقْ وَاحْبِسْ الْعَيْنَ إلَى
اسْتِيفَاءِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ مَا أَنْفَقْتَهُ ، فَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ
إذْنِ الْقَاضِي ،
وَالثَّانِي إنْ كَانَ بِإِذْنِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
وَكَتَبْنَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى
فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ : أَنَّ الشَّرِيكَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ ،
وَلَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى تَزْوِيجِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ تَضَرُّرًا ، وَلَا
يَأْكُلُ الْمُضْطَرُّ طَعَامَ مُضْطَرٍّ آخَرَ وَلَا شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ .
تَنْبِيهٌ :يُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ ؛ لِأَجْلِ
دَفْعِ ضَرَرِ الْعَامِّ .
وَهَذَا مُقَيِّدٌ لِقَوْلِهِمْ : الضَّرَرُ لَا يُزَالُ
بِمِثْلِهِ
وَعَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ:
مِنْهَا : جَوَازُ الرَّمْيِ إلَى كُفَّارٍ تَتَرَّسُوا
بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ .
وَمِنْهَا : وُجُوبُ نَقْضِ حَائِطٍ مَمْلُوكٍ مَالَ
إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ عَلَى مَالِكِهَا ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ ،
وَمِنْهَا :
جَوَازُ الْحَجْرِ عَلَى الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحُرِّ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ثَلَاثٍ : الْمُفْتِي الْمَاجِنِ ، وَالطَّبِيبِ
الْجَاهِلِ ، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ
وَمِنْهَا : جَوَازُهُ عَلَى السَّفِيهِ عِنْدَهُمَا
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى،دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ .
وَمِنْهَا :
بَيْعُ مَالِ الْمَدْيُونِ الْمَحْبُوسِ عِنْدَهُمَا
لِقَضَاءِ دَيْنِهِ ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
وَمِنْهَا : التَّسْعِيرُ عِنْدَ تَعَدِّي أَرْبَابِ
الطَّعَامِ فِي بَيْعِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ .
وَمِنْهَا :
بَيْعُ طَعَامِ الْمُحْتَكَرِ جَبْرًا عَلَيْهِ عِنْدَ
الْحَاجَةِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْبَيْعِ ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ
وَمِنْهَا :
مَنْعُ اتِّخَاذِ حَانُوتٍ لِلطَّبْخِ بَيْنَ
الْبَزَّازِينَ ، وَكَذَا كُلُّ ضَرَرٍ عَامٍّ ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ .
وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ
مِنْ الدَّعْوَى .
تَنْبِيهٌ آخَرُ :[الضَّرَرُالْأَشَدُّ يُزَالُ
بِالْأَخَفِّ]
تَقْيِيدُ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا بِمَا لَوْ كَانَ
أَحَدُهُمَا أَعْظَمَ ضَرَرًا مِنْ الْآخَرِ ؛ فَإِنَّ الْأَشَدَّ يُزَالُ
بِالْأَخَفِّ ، فَمِنْ ذَلِكَ الْإِجْبَارُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ ،
وَالنَّفَقَاتِ الْوَاجِبَاتِ .
وَمِنْهَا : حَبْسُ الْأَبِ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الْإِنْفَاقِ
عَلَى وَلَدِهِ ؛ بِخِلَافِ الدَّيْنِ
.
وَمِنْهَا :
لَوْ غَصَبَ سَاجَةً ، أَيْ خَشَبَةً ، وَأَدْخَلَهَا
فِي بِنَائِهِ ؛ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ يَمْلِكُهَا
صَاحِبُهُ بِالْقِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَمْ
يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا
.
وَمِنْهَا : لَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ
غَرَسَ ؛فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ أَكْثَرَ قَلَعَهَا وَرُدَّتْ ،
وَإِلَّا ضَمِنَ لَهُ قِيمَتَهَا
وَمِنْهَا
: لَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً ؛ يُنْظَرُ
إلَى أَكْثَرِهِمَا قِيمَةً فَيَضْمَنُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ قِيمَةَ الْأَقَلِّ .
وَعَلَى هَذَا لَوْ أَدْخَلَ فَصِيلَ غَيْرِهِ فِي
دَارِهِ فَكَبِرَ فِيهَا ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِهَدْمِ الْجِدَارِ
، وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ الْبَقَرُ رَأْسَهُ فِي قِدْرٍ مِنْ النُّحَاسِ
فَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ ، هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ كَمَا ذَكَرَهُ
الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ.
وَفَصَّلَ الشَّافِعِيَّةُ ؛ فَقَالُوا : إنْ كَانَ
صَاحِبُ الْبَهِيمَةِ مَعَهَا فَهُوَ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِ الْحِفْظِ ، فَإِنْ
كَانَتْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ كُسِرَتْ الْقِدْرُ ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ .
أَوْ مَأْكُولَةً فَفِي ذَبْحِهَا وَجْهَانِ ، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ مَعَهَا فَإِنْ فَرَّطَ صَاحِبُ الْقِدْرِ كُسِرْت ، وَلَا أَرْشَ ،
وَإِلَّا فَلَهُ الْأَرْشُ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِمَسْأَلَةِ الْبَقَرَةِ مَا
لَوْ سَقَطَ دِينَارُهُ فِي مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَخْرُجْ إلَّا
بِكَسْرِهَا
وَمِنْهَا : جَوَازُ دُخُولِ بَيْتِ غَيْرِهِ إذَا
سَقَطَ مَتَاعُهُ فِيهِ وَخَافَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَهُ مِنْهُ أَخْفَاهُ
وَمِنْهَا : مَسْأَلَةُ الظَّفَرِ بِجِنْسِ دَيْنِهِ ،
وَمِنْهَا : جَوَازُ شَقِّ بَطْنِ الْمَيِّتَةِ ؛
لِإِخْرَاجِ الْوَلَدِ إذَا كَانَتْ تُرْجَى حَيَاتُهُ .
وَقَدْ أَمَرَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
فَعَاشَ الْوَلَدُ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ .
قَالُوا:بِخِلَافِ مَا إذَا ابْتَلَعَ لُؤْلُؤَةً
فَمَاتَ فَإِنَّهُ لَا يُشَقُّ بَطْنُهُ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْآدَمِيِّ أَعْظَمُ
مِنْ حُرْمَةِ الْمَالِ .
وَسَوَّى الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَهُمَا فِي جَوَازِ
الشَّقِّ .
وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ مِنْ الْحَظْرِ
وَالْإِبَاحَةِ ، وَقِيمَةُ الدُّرَّةِ فِي تَرِكَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ
شَيْئًا لَا يَجِبُ شَيْءٌ ( انْتَهَى
) .
وَمِنْهَا طَلَبُ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ الْقِسْمَةَ ،
وَشَرِيكُهُ يَتَضَرَّرُ ؛ فَإِنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يُجَابُ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ
؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ فِي عَدَمِ الْقِسْمَةِ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ شَرِيكِهِ بِهَا
الرَّابِعَةُ:[إذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ
أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا]
نَشَأَتْ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَاعِدَةٌ
رَابِعَةٌ،وَهِيَ مَا:
إذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا
ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا".
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ :
ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ
بِبَلِيَّتَيْنِ ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ يَأْخُذُ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ ،
وَإِنْ اخْتَلَفَا يَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَرَامِ لَا تَجُوزُ
إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ .
مِثَالُهُ :
رَجُلٌ عَلَيْهِ جُرْحٌ لَوْ سَجَدَ سَالَ جُرْحُهُ ،
وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسِلْ ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا يُومِئُ
بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ
مَعَ الْحَدَثِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ جَائِزٌ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ
فِي التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ،وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ .
وَكَذَا شَيْخٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَائِمًا
وَيَقْدِرُ عَلَيْهَا قَاعِدًا ، يُصَلِّي قَاعِدًا ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ حَالَةَ
الِاخْتِيَارِ فِي النَّفْلِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ ، وَلَوْ
صَلَّى فِي الْفَصْلَيْنِ قَائِمًا مَعَ الْحَدَثِ ، وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ
يَجُزْ
وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ نَجَاسَةُ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ ، يَتَخَيَّرُ مَا لَمْ يَبْلُغْ
أَحَدُهُمَا قَدْرَ رُبُعِ الثَّوْبِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَنْعِ
وَلَوْ كَانَ دَمُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ الرُّبُعِ ،
وَدَمُ الْآخَرِ أَقَلَّ يُصَلِّي فِي أَقَلِّهِمَا دَمًا ، وَلَا يَجُوزُ
عَكْسُهُ ؛ لِأَنَّ لِلرُّبُعِ حُكْمَ الْكُلِّ ، وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
قَدْرُ الرُّبُعِ أَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ
ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ ، وَفِي الْآخَرِ قَدْرُ الرُّبُعِ ، صَلَّى فِي أَيِّهِمَا
شَاءَ ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي
أَقَلِّهِمَا نَجَاسَةً .
وَلَوْ كَانَ رُبُعُ أَحَدِهِمَا طَاهِرًا ، وَالْآخَرِ
أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ يُصَلِّي فِي الَّذِي رُبُعُهُ طَاهِرٌ ، وَلَا يَجُوزُ
فِي الْعَكْسِ .
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً لَوْ صَلَّتْ قَائِمَةً
يَنْكَشِفُ مِنْ عَوْرَتِهَا مَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ ، وَلَوْ صَلَّتْ
قَاعِدَةً لَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا شَيْءٌ ؛ فَإِنَّهَا تُصَلِّي قَاعِدَةً ؛ لِمَا
ذَكَرْنَا أَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ أَهْوَنُ .
وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ يُغَطِّي جَسَدَهَا ، وَرُبُعَ رَأْسِهَا
وَتَرَكَتْ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ كَانَ يُغَطِّي أَقَلَّ
مِنْ الرُّبُعِ لَا يَضُرُّهَا تَرْكُهُ ؛ لِأَنَّ لِلرُّبُعِ حُكْمَ الْكُلِّ ،
وَمَا دُونَهُ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ تَقْلِيلًا
لِلِانْكِشَافِ ( انْتَهَى )
وَمَنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ
؛ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا خَرَجَ لِلْجَمَاعَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ ،
وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَائِمًا ، يَخْرُجُ إلَيْهَا وَيُصَلِّي قَاعِدًا
وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَنَقَلَ عَنْ شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي تَصْحِيحًا
آخَرَ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَائِمًا ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ ؛ لَوْ اُضْطُرَّ ، وَعِنْدَهُ
مَيْتَةٌ ، وَمَالُ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ .
وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ : مَنْ
وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ لَا يُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ ، وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ
الْغَصْبُ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ
.
وَبِهِ أَخَذَ الطَّحْطَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَخَيَّرَهُ
الْكَرْخِيُّ ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
وَلَوْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ ، وَعِنْدَهُ مَيْتَةٌ
وَصَيْدٌ أَكَلَهَا دُونَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ : لَوْ كَانَ الصَّيْدُ
مَذْبُوحًا فَالصَّيْدُ أَوْلَى وِفَاقًا .
وَلَوْ اُضْطُرَّ ، وَعِنْدَهُ صَيْدٌ وَمَالُ الْغَيْرِ
فَالصَّيْدُ أَوْلَى ، وَكَذَا الصَّيْدُ أَوْلَى مِنْ لَحْمِ الْإِنْسَانِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ ؛ الصَّيْدُ أَوْلَى مِنْ لَحْمِ
الْخِنْزِيرِ ( انْتَهَى ) .
وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ
الْإِكْرَاهِ: لَوْ قَالَ لَهُ لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَك فِي النَّارِ أَوْ مِنْ
الْجَبَلِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ ؛ وَكَانَ الْإِلْقَاءُ بِحَيْثُ لَا يَنْجُو
مِنْهُ ، وَلَكِنْ فِيهِ نَوْعُ خِفَّةٍ فَلَهُ الْخِيَارُ ؟ إنْ شَاءَ فَعَلَ ذَلِكَ
، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَصَبَرَ حَتَّى يُقْتَلَ ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ فَيَخْتَارُ مَا هُوَ
الْأَهْوَنُ فِي زَعْمِهِ .
وَعِنْدَهُمَا يَصْبِرُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ
مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إهْلَاكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ .
وَأَصْلُهُ أَنَّ الْحَرِيقَ إذَا وَقَعَ فِي سَفِينَةٍ
وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ فِيهَا يَحْتَرِقُ ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ
يَغْرَقُ ؛ فَعِنْدَهُ يَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ .
وَعِنْدَهُمَا يَصْبِرُ ، ثُمَّ إذَا أَلْقَى نَفْسَهُ
فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا
قَالَ لَهُ : لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَك مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ
بِالسَّيْفِ فَأَلْقَى نَفْسَهُ فَمَاتَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ ( انْتَهَى ) .
الْخَامِسَةُ : وَنَظِيرُ الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ
قَاعِدَةٌ خَامِسَةٌ ؛ وَهِيَ:
"دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ
الْمَصَالِحِ .
فَإِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَةٌ وَمَصْلَحَةٌ قُدِّمَ
دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ غَالِبًا ؛ لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِالْمَنْهِيَّاتِ
أَشَدُّ مِنْ اعْتِنَائِهِ بِالْمَأْمُورَاتِ ، وَلِذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إذَا
أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ
عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ } ، وَرَوَى فِي الْكَشْفِ حَدِيثًا { لَتَرْكُ
ذَرَّةٍ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ أَفْضَلُ
مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ } وَمِنْ ثَمَّ جَازَ
تَرْكُ الْوَاجِبِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ ، وَلَمْ يُسَامَحْ فِي الْإِقْدَامِ
عَلَى الْمَنْهِيَّاتِ .خُصُوصًا الْكَبَائِرَ .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي
فَتَاوِيهِ : وَمَنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً تَرَكَ الِاسْتِنْجَاءَ ، وَلَوْ عَلَى
شَطِّ نَهْرٍ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ رَاجِحٌ عَلَى الْأَمْرِ حَتَّى اسْتَوْعَبَ
النَّهْيُ الْأَزْمَانَ ، وَلَمْ يَقْتَضِ الْأَمْرُ التَّكْرَارَ ( انْتَهَى )
وَالْمَرْأَةُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ ، وَلَمْ
تَجِدْ سُتْرَةً مِنْ الرِّجَالِ تُؤَخِّرُهُ ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ إذَا لَمْ
يَجِدْ سُتْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا يُؤَخِّرُهُ وَيَغْتَسِلُ .
وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ إذَا لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً
يَتْرُكُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْحُكْمِيَّةَ أَقْوَى
، وَالْمَرْأَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ كَالرَّجُلِ بَيْنَ الرِّجَالِ ، كَذَا فِي
شَرْحِ النُّقَايَةِ
وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ:
الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ
مَسْنُونَةٌ ، وَتُكْرَهُ لِلصَّائِمِ وَتَخْلِيلُ الشَّعْرِ سُنَّةٌ فِي
الطَّهَارَةِ ، وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ ، وَقَدْ تُرَاعَى الْمَصْلَحَةُ
لِغَلَبَتِهَا عَلَى الْمَفْسَدَةِ ؛ فَمِنْ ذَلِكَ الصَّلَاةُ مَعَ اخْتِلَالِ
شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا مِنْ الطَّهَارَةِ أَوْ السَّتْرِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ ؛
فَإِنَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَفْسَدَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِخِلَالِ
اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ لَا يُنَاجَى إلَّا عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ
وَمَتَى تَعَذَّرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ تَقْدِيمًا
لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ .
وَمِنْهُ الْكَذِبُ مَفْسَدَةٌ مُحَرَّمَةٌ ، وَهُوَ
مَتَى تَضَمَّنَ جَلْبَ مَصْلَحَةٍ تُرَدُّ ، وَعَلَيْهِ جَازَ كَالْكَذِبِ
لِلْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَعَلَى الزَّوْجَةِ لِإِصْلَاحِهَا ، وَهَذَا
النَّوْعُ رَاجِعٌ إلَى ارْتِكَابِ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ.
السَّادِسَةُ: الْحَاجَةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ
الضَّرُورَةِ ، عَامَّةً كَانَتْ أَوْ خَاصَّةً ،
وَلِهَذَا:جُوِّزَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى خِلَافِ
الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ وَكَذَا قُلْنَا لَا تَجُوزُ إجَارَةُ بَيْتٍ بِمَنَافِعِ
بَيْتٍ لِاتِّحَادِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا حَاجَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ
، وَمِنْهَا: ضَمَانُ الدَّرَكِ جُوِّزَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ .
وَمِنْ ذَلِكَ: جَوَازُ السَّلَمِ عَلَى خِلَافِ
الْقِيَاسِ ؛ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَعْدُومِ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمَفَالِيسِ ،
وَمِنْهَا جَوَازُ
الِاسْتِصْنَاعِ لِلْحَاجَةِ ، وَدُخُولُ الْحَمَّامِ
مَعَ جَهَالَةِ مُكْثِهِ فِيهَا وَمَا يَسْتَعْمِلُهُ مِنْ مَائِهَا ، وَشَرْبَةُ
السَّقَّاءِ ، وَمِنْهَا الْإِفْتَاءُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْوَفَاءِ حِينَ كَثُرَ
الدَّيْنُ عَلَى أَهْلِ بُخَارَى وَهَكَذَا بِمِصْرَ وَقَدْ سَمَّوْهُ بَيْعَ
الْأَمَانَةِ ، وَالشَّافِعِيَّةُ يُسَمُّونَهُ الرَّهْنَ الْمُعَادَ ، وَهَكَذَا سَمَّاهُ
بِهِ فِي الْمُلْتَقَطِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ بَابِ
خِيَارِ الشَّرْطِ .
وَفِي الْقُنْيَةِ وَالْبُغْيَةِ:يَجُوزُ لِلْمُحْتَاجِ
الِاسْتِقْرَاضُ بِالرِّبْحِ ( انْتَهَى )
الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ : الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ
وَأَصْلُهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
{ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ } قَالَ
الْعَلَائِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ مَرْفُوعًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ
أَصْلًا ، وَلَا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ ، وَكَثْرَةِ الْكَشْفِ وَالسُّؤَالِ
، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ مَرْفُوعًا عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ اعْتِبَارَ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ يُرْجَعُ
إلَيْهِ فِي الْفِقْهِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ حَتَّى جَعَلُوا ذَلِكَ أَصْلًا ،
فَقَالُوا فِي الْأُصُولِ فِي بَابِ مَا تُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ : تُتْرَكُ
الْحَقِيقَةُ بِدَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ .
كَذَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ.
فَاخْتُلِفَ فِي عَطْفِ الْعَادَةِ عَلَى
الِاسْتِعْمَالِ فَقِيلَ: هُمَا مُتَرَادِفَانِ ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ
الِاسْتِعْمَالِ نَقْلُ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ إلَى مَعْنَاهُ
الْمَجَازِيِّ شَرْعًا ، وَغَلَبَةُ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ ، وَمِنْ الْعَادَةِ
نَقْلُهُ إلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ عُرْفًا ، وَتَمَامُهُ فِي الْكَشْفِ
الْكَبِيرِ .
وَذَكَرَ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي :
الْعَادَةُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَسْتَقِرُّ فِي النُّفُوسِ مِنْ الْأُمُورِ
الْمُتَكَرِّرَةِ الْمَقْبُولَةِ عِنْدَ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ
وَهِيَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ :
الْعُرْفِيَّةُ الْعَامَّةُ ،كَوَضْعِ الْقَدَمِ ،
وَالْعُرْفِيَّةُ الْخَاصَّةُ : كَاصْطِلَاحِ كُلِّ
طَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ ، كَالرَّفْعِ لِلنُّحَاةِ ، وَالْفَرْقِ وَالْجَمْعِ
وَالنَّقْضِ لِلنُّظَّارِ .
وَالْعُرْفِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ : كَالصَّلَاةِ
وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ ، تُرِكَتْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةُ بِمَعَانِيهَا
الشَّرْعِيَّةِ ( انْتَهَى ) .
فَمَا فُرِّعَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ:حَدُّ الْمَاءِ
الْجَارِي ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا ،
وَمِنْهَا وُقُوعُ الْبَعْرِ الْكَثِيرِ فِي الْبِئْرِ ؛
الْأَصَحُّ أَنَّ الْكَثِيرَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ .
وَمِنْهَا حَدُّ الْمَاءِ الْكَثِيرِ الْمُلْحَقِ
بِالْجَارِي ، الْأَصَحُّ تَفْوِيضُهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ لَا
التَّقْدِيرُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُشْرِ وَنَحْوِهِ ،
وَمِنْهَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ ، قَالُوا : لَوْ زَادَ
الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ يُرَدُّ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا .
وَمِنْ ذَلِكَ الْعَمَلُ الْمُفْسِدُ لِلصَّلَاةِ مُفَوَّضٌ
إلَى الْعُرْفِ لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رَآهُ يَظُنُّ أَنَّهُ خَارِجَ
الصَّلَاةِ ،
وَمِنْهَا : تَنَاوُلُ الثِّمَارِ السَّاقِطَةِ
وَفِي إجَارَةٍ الظِّئْرِ وَفِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنْ
الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ فِي كَوْنِهِ كَيْلِيًّا
أَوْ وَزْنِيًّا .
وَأَمَّا الْمَنْصُوصُ عَلَى كَيْلِهِ
أَوْ وَزْنِهِ ، فَلَا اعْتِبَارَ بِالْعُرْفِ فِيهِ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ
رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوَّاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الرِّبَا ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ
لِلرِّبَا ، وَإِنَّمَا الْعُرْفُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ،
قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الصَّلَاةِ : وَكَانَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَقُولُ السُّرَّةُ إلَى مَوْضِعِ نَبَاتِ الشَّعْرِ
مِنْ الْعَانَةِ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ ؛ لِتَعَامُلِ الْعُمَّالِ فِي الْإِبْدَاءِ
عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عِنْدَ الِاتِّزَارِ ،
وَفِي النَّزْعِ عِنْدَ الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ نَوْعُ
حَرَجٍ .
وَهَذَا ضَعِيفٌ وَبَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ
بِخِلَافِ النَّصِّ لَا يُعْتَبَرُ ( انْتَهَى بِلَفْظِهِ ) وَفِي صَوْمِ يَوْمِ
الشَّكِّ فَلَا يُكْرَهُ لِمَنْ لَهُ عَادَةٌ ، وَكَذَا صَوْمُ يَوْمَيْنِ
قَبْلَهُ ، وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ كَرَاهِيَةِ صَوْمِهِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ
مُطْلَقًا .
وَمِنْهَا قَبُولُ الْهَدِيَّةِ لِلْقَاضِي مِمَّنْ لَهُ
عَادَةٌ بِالْإِهْدَاءِ لَهُ قَبْلَ تَوْلِيَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى
الْعَادَةِ ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا رَدَّ الزَّائِدَ ،
وَالْأَكْلُ مِنْ الطَّعَامِ الْمُقَدَّمِ لَهُ
ضِيَافَةً بِلَا صَرِيحِ الْإِذْنِ
.
وَمِنْهَا أَلْفَاظُ الْوَاقِفِينَ تَبْتَنِي عَلَى
عُرْفِهِمْ كَمَا فِي وَقْفِ فَتْحِ الْقَدِيرِ ،
وَكَذَا لَفْظُ النَّاذِرِ وَالْمُوصِي وَالْحَالِفِ ،
وَكَذَا الْأَقَارِيرُ تَبْتَنِي عَلَيْهِ
إلَّا فِيمَا نَذْكُرُهُ
وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ.
وَتَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَبَاحِثُ
الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ : بِمَاذَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ
؟
وَفِي ذَلِكَ فُرُوعٌ :
الْأَوَّلُ : الْعَادَةُ فِي بَابِ الْحَيْضِ
اُخْتُلِفَ فِيهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ، قَالُوا : وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
وَهَلْ الْخِلَافُ فِي الْأَصْلِيَّةِ أَوْ فِي الْجَعْلِيَّةِ أَوْ فِيهِمَا ؟ مُسْتَوْفًى
فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا
الثَّانِي : تَعْلِيمُ الْكَلْبِ الصَّائِدِ يَتْرُكُ
أَكْلَهُ لِلصَّيْدِ بِأَنْ يَصِيرَ التَّرْكُ عَادَةً ، وَذَلِكَ بِتَرْكِ
الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
الثَّالِثُ : لَمْ أَرَ بِمَاذَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ
بِالْإِهْدَاءِ لِلْقَاضِي الْمُقْتَضِيَةُ لِلْقَبُولِ ؟
الْمَبْحَثُ الثَّانِي : إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْعَادَةُ
إذَا اطَّرَدَتْ أَوْ غَلَبَتْ
وَلِذَا قَالُوا فِي الْبَيْعِ : لَوْ بَاعَ بِدَرَاهِمَ
أَوْ دَنَانِيرَ
وَكَانَا فِي بَلَدٍ اخْتَلَفَ فِيهِ النُّقُودُ مَعَ
الِاخْتِلَافِ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ انْصَرَفَ الْبَيْعُ إلَى
الْأَغْلَبِ .
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ
فَيَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ
وَمِنْهَا لَوْ بَاعَ التَّاجِرُ فِي السُّوقِ شَيْئًا
بِثَمَنٍ ، وَلَمْ يُصَرِّحَا بِحُلُولٍ وَلَا تَأْجِيلٍ ، وَكَانَ الْمُتَعَارَفُ
فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُ كُلَّ جُمُعَةٍ قَدْرًا مَعْلُومًا
انْصَرَفَ إلَيْهِ بِلَا بَيَانٍ
.
قَالُوا : لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ.
وَلَكِنْ إذَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِيَ تَوْلِيَةً وَلَمْ
يُبَيِّنْ التَّقْسِيطَ لِلْمُشْتَرِي هَلْ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ؟
فَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً
بِلَا بَيَانٍ لِكَوْنِهِ حَالًّا بِالْعَقْدِ ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّوْلِيَةِ .
وَمِنْهَا فِي اسْتِئْجَارِ الْكَاتِبِ ، قَالُوا الْحِبْرُ
عَلَيْهِ وَالْأَقْلَامُ ، وَالْخَيَّاطُ قَالُوا : الْخَيْطُ وَالْإِبْرَةُ
عَلَيْهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْكُحْلُ عَلَى الْكَحَّالِ
لِلْعُرْفِ
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ طَعَامُ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ
عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِخِلَافِ عَلْفِ الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ
حَتَّى لَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَسَدَتْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة
بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا
وَكِسْوَتِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لِلْعُرْفِ ،
وَتَفَرَّعَ عَلَى أَنَّ عَلْفَ الدَّابَّةِ عَلَى مَالِكِهَا دُونَ
الْمُسْتَأْجِرِ إذْ الْمُسْتَأْجِرُ لَوْ تَرَكَهَا بِلَا عَلْفٍ حَتَّى مَاتَتْ
جُوعًا لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
وَمِنْهَا مَا فِي وَقْفِ الْقُنْيَةِ : بَعَثَ شَمْعًا
فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إلَى مَسْجِدٍ فَاحْتَرَقَ ، وَبَقِيَ مِنْهُ ثُلُثُهُ أَوْ
دُونَهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ إذْنِ
الدَّافِعِ ، وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ( انْتَهَى )
وَمِنْهَا الْبَطَالَةُ فِي الْمَدَارِسِ،كَأَيَّامِ
الْأَعْيَادِ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ ، وَشَهْرِ رَمَضَانَ فِي دَرْسِ الْفِقْهِ
لَمْ أَرَهَا صَرِيحَةً فِي كَلَامِهِمْ .
وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَإِنْ كَانَتْ
مَشْرُوطَةً لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْمَعْلُومِ شَيْءٌ ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ
يَلْحَقَ بِبَطَالَةِ الْقَاضِي ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الْقَاضِي مَا
رُتِّبَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي يَوْمِ بَطَالَتِهِ ، فَقَالَ فِي
الْمُحِيطِ : إنَّهُ يَأْخُذُ فِي يَوْمِ الْبَطَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَرِيحُ لِلْيَوْمِ
الثَّانِي.
وَقِيلَ : لَا يَأْخُذُ ( انْتَهَى ) .
وَفِي الْمُنْيَةِ : الْقَاضِي يَسْتَحِقُّ الْكِفَايَةَ
مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي يَوْمِ الْبَطَالَةِ فِي الْأَصَحِّ ، وَاخْتَارَهُ فِي
مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ ، وَقَالَ : إنَّهُ الْأَظْهَرُ فَيَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْمَدَارِسِ ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْبَطَالَةِ
لِلِاسْتِرَاحَةِ ، وَفِي
الْحَقِيقَةِ يَكُونُ لِلْمُطَالَعَةِ وَالتَّحْرِيرِ عِنْدَ
ذِي الْهِمَّةِ ، وَلَكِنْ تَعَارَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زَمَانِنَا بَطَالَةً
طَوِيلَةً أَدَّتْ إلَى أَنْ صَارَ الْغَالِبُ الْبَطَالَةَ ، وَأَيَّامُ
التَّدْرِيسِ قَلِيلَةً ، وَبَعْضُ الْمُدَرِّسِينَ يَتَقَدَّمُ فِي أَخْذِ
الْمَعْلُومِ عَلَى غَيْرِهِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْمُدَرِّسَ مِنْ الشَّعَائِرِ
مُسْتَدِلًّا بِمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَعَ أَنَّ مَا فِي الْحَاوِي
الْقُدْسِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُدَرِّسِ لِلْمَدْرَسَةِ لَا فِي كُلِّ
مُدَرِّسٍ ، فَخَرَجَ مُدَرِّسُ الْمَسْجِدِ كَمَا هُوَ فِي مِصْرَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَدْرَسَةَ تَتَعَطَّلُ
إذَا غَابَ الْمُدَرِّسُ بِحَيْثُ تَتَعَطَّلُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ
فَإِنَّهُ لَا يَتَعَطَّلُ ؛ لِغَيْبَةِ الْمُدَرِّسِ.
فَائِدَةٌ
:
نَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْإِمَامَ لِلْمَسْجِدِ
يُسَامَحُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أُسْبُوعًا لِلِاسْتِرَاحَةِ أَوْ لِزِيَارَةِ
أَهْلِهِ .
وَعِبَارَتُهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ : يَتْرُكُ
الْإِمَامَةَ لِزِيَارَةِ أَقْرِبَائِهِ فِي الرَّسَاتِيقِ أُسْبُوعًا ، أَوْ
نَحْوَهُ أَوْ لِمُصِيبَتِهِ أَوْ لِاسْتِرَاحَتِهِ لَا بَأْسَ بِهِ
، وَمِثْلُهُ
عَفْوٌ فِي الْعَادَةِ وَالشَّرْعِ ( انْتَهَى ) .
وَمِنْهَا الْمَدَارِسُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى دَرْسِ
الْحَدِيثِ ، وَلَا يُعْلَمُ مُرَادُ الْوَاقِفِ فِيهَا هَلْ يُدَرَّسُ فِيهَا
عِلْمُ الْحَدِيثِ الَّذِي هُوَ مَعْرِفَةُ الْمُصْطَلَحِ كَمُخْتَصَرِ ابْنِ
الصَّلَاحِ ؟ أَوْ يُقْرَأُ مَتْنُ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ
وَنَحْوِهِمَا ، وَيُتَكَلَّمُ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ فِقْهٍ أَوْ
عَرَبِيَّةٍ أَوْ لُغَةٍ أَوْ مُشْكِلٍ أَوْ اخْتِلَافٍ كَمَا هُوَ عُرْفُ
النَّاسِ الْآنَ ؟
قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ : وَهُوَ شَرْطُ
الْمَدْرَسَةِ الشَّيْخُونِيَّةِ كَمَا رَأَيْته فِي شَرْطِ وَاقِفِهَا .
قَالَ:وَقَدْ سَأَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو
الْفَضْلِ بْنُ حَجَرٍ شَيْخَهُ الْحَافِظَ أَبَا الْفَضْلِ الْعِرَاقِيَّ عَنْ
ذَلِكَ ، فَأَجَابَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ اتِّبَاعُ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ
فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي شُرُوطٍ ، وَكَذَلِكَ اصْطِلَاحُ كُلِّ بَلَدٍ ؛
فَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ يُلْقُونَ دُرُوسَ الْحَدِيثِ بِالسَّمَاعِ ،
وَيَتَكَلَّمُ الْمُدَرِّسُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ، بِخِلَافِ الْمِصْرِيِّينَ
، فَإِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ
الْأَمْرَيْنِ بِحَسَبِ مَا يُقْرَأُ فِيهَا مِنْ الْحَدِيشثِ .
فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ الْعُرْفِ مَعَ الشَّرْعِ :
فَإِذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ
خُصُوصًا فِي الْأَيْمَانِ ، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ
عَلَى الْبِسَاطِ أَوْ لَا يَسْتَضِيءُ بِالسِّرَاجِ لَمْ يَحْنَثْ بِجُلُوسِهِ
عَلَى الْأَرْضِ ، وَلَا بِالِاسْتِضَاءَةِ .
بِالشَّمْسِ ، وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى
فِرَاشًا وَبِسَاطًا وَسَمَّى الشَّمْسَ سِرَاجًا .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ
بِأَكْلِ لَحْمِ السَّمَكِ ، وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمًا فِي
الْقُرْآنِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا
لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى دَابَّةً ، وَلَوْ حَلَفَ لَا
يَجْلِسُ تَحْتَ سَقْفٍ فَجَلَسَ تَحْتَ السَّمَاءِ ، لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ
سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى سَقْفًا إلَّا فِي مَسَائِلَ فَيُقَدَّمُ الشَّرْعُ
عَلَى الْعُرْفِ : الْأُولَى : لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَمْ يَحْنَثْ بِصَلَاةِ
الْجِنَازَةِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ
الثَّانِيَةُ :لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ لَمْ يَحْنَثْ
بِمُطْلَقِ الْإِمْسَاكِ ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِصَوْمِ سَاعَةٍ بَعْدَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ بِنِيَّتِهِ مِنْ أَهْلِهِ
.
الثَّالِثَةُ : لَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ فُلَانَةَ
حَنِثَ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ النِّكَاحُ الشَّائِعُ شَرْعًا لَا بِالْوَطْءِ
كَمَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ ، بِخِلَافِ لَا يَنْكِحُ زَوْجَتَهُ فَإِنَّهُ
لِلْوَطْءِ .
الرَّابِعَةُ : لَوْ قَالَ : لَهَا إنْ رَأَيْتِ
الْهِلَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَعَلِمَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ يَنْبَغِي
أَنْ يَقَعَ لِكَوْنِ الشَّارِعِ اسْتَعْمَلَ الرُّؤْيَةَ فِيهِ بِمَعْنَى
الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ
وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } فَلَوْ كَانَ الشَّرْعُ يَقْتَضِي الْخُصُوصَ ،
وَاللَّفْظُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ اعْتَبَرْنَا خُصُوصَ الشَّرْعِ .
قَالُوا لَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ لَا يَدْخُلُ
الْوَارِثُ اعْتِبَارًا لِخُصُوصِ الشَّرْعِ وَلَا يَدْخُلُ الْوِلْدَانُ ،
وَالْوَالِدُ لِلْعُرْفِ .
وَهُنَا فَرْعَانِ مُخَرَّجَانِ لَمْ أَرَهُمَا الْآنَ
صَرِيحًا:
أَحَدُهُمَا : حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَمْ
يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ
.
الثَّانِي :
حَلَفَ لَا يَطَأُ لَمْ يَحْنَثْ بِالْوَطْءِ فِي
الدُّبُرِ ، وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ مَاءً تَغَيَّرَ
بِغَيْرِهِ فَالْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الرَّضَاعِ
فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ الْعُرْفِ مَعَ اللُّغَةِ :
صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ ، وَغَيْرُهُ بِأَنَّ
الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ
وَعَلَيْهَا فُرُوعٌ :
مِنْهَا : لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ حَنِثَ
بِمَا يَعْتَادُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ:
فَفِي الْقَاهِرَةِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِخُبْزِ
الْبُرِّ ،
وَفِي طَبَرِسْتَانَ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الْأُرْزِ ،
وَفِي زَبِيدَ إلَى خُبْزِ الذُّرَةِ وَالدُّخْنِ ،
وَلَوْ أَكَلَ
الْحَالِفُ خِلَافَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْخُبْزِ لَمْ
يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْقَطَائِفِ إلَّا بِالنِّيَّةِ .
وَمِنْهَا : الشِّوَاءُ وَالطَّبِيخُ عَلَى اللَّحْمِ ،
فَلَا يَحْنَثُ بِالْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ
الْمَشْوِيِّ ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْمُزَوَّرَةِ فِي الطَّبِيخِ وَلَا بِالْأُرْزِ
الْمَطْبُوخِ بِالسَّمْنِ بِخِلَافِ الْمَطْبُوخِ بِالدُّهْنِ وَلَا بِقَلِيَّةٍ يَابِسَةٍ .
وَمِنْهَا : الرَّأْسُ مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ فَلَا
يَحْنَثُ إلَّا بِرَأْسِ الْغَنَمِ
وَمِنْهَا: حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ
ضَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ أَوْ الْكَعْبَةَ لَمْ يَحْنَثْ .
تَنْبِيهٌ :خَرَجَتْ عَنْ بِنَاءِ الْأَيْمَانِ عَلَى
الْعُرْفِ مَسَائِلُ :
الْأُولَى :
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ
الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ عَلَى مَا فِي الْكَنْزِ وَلَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ .
وَجَوَابُ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ
فَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا بِخِلَافِ الْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ فَقَدْ رَدَّهُ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِمْ فِي الْأُصُولِ : الْحَقِيقِيَّةُ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ
الْعَادَةِ إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ إلَّا عُرْفًا عَمَلِيًّا ( انْتَهَى )
الثَّانِيَةُ : حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا يَحْنَثُ
بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ ؛ لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ وَالْعُرْفِ
الْعَمَلِيِّ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُرْكَبُ عَادَةً لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا ،
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ .
بِخِلَافِ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ ،
وَقَدْ اسْتَمَرَّ عَلَى مَا مَهَّدَهُ ، وَقَدْ عَلِمْت رَدَّهُ لَكِنْ لَمْ
يُجِبْ ابْنُ الْهُمَامِ عَنْ هَذَا الْفَرْعِ.
الثَّالِثَةُ : لَوْ حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا حَنِثَ
بِهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ ، بِخِلَافِ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا وَفَرَّقَ
الزَّيْلَعِيُّ بَيْنَهُمَا بِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِحَقِيقَتِهِ فِي
الْهَدْمِ،بِخِلَافِ الدُّخُولِ ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْمِلْكُ لَمْ يَصِحَّ
بِنَاءُ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ
بِحَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ.
الرَّابِعَةُ : حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا حَنِثَ
بِأَكْلِ الْكَبِدِ ، وَالْكِرْشِ عَلَى مَا فِي الْكَنْزِ مَعَ أَنَّهُ لَا
يُسَمَّى لَحْمًا عُرْفًا ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ : إنَّهُ إنَّمَا
يَحْنَثُ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا
يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَحْمًا ( انْتَهَى ) .
وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا ، وَمِنْ هَذَا وَأَمْثَالِهِ
عُلِمَ أَنَّ الْعَجَمِيَّ يُعْتَبَرُ عُرْفُهُ قَطْعًا ، وَمِنْ هُنَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ
فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْكَنْزِ : وَالْوَاقِفُ عَلَى السَّطْحِ دَاخِلٌ : أَنَّ
الْمُخْتَارَ لَا يَحْنَثُ فِي الْعَجَمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا
عِنْدَهُمْ ( انْتَهَى )
الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ : الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ
هَلْ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ ؟
قَالَ فِي إجَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ : الْمَعْرُوفُ
عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْعًا ( انْتَهَى ) .
وَقَالُوا :
فِي الْإِجَارَاتِ لَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى خَيَّاطٍ ؛
لِيَخِيطَهُ لَهُ أَوْ إلَى صَبَّاغٍ ؛ لِيَصْبُغَهُ لَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ أُجْرَةً
، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ وَعَدَمِهِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ
بِالْعَمَلِ بِالْأُجْرَةِ ؛ فَهَلْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِ الْأُجْرَةِ ؟
فِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ : لَا أُجْرَةَ
لَهُ ،
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنْ كَانَ
الصَّابِغُ حَرِيفًا لَهُ أَيْ مُعَامِلًا لَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ ، وَإِلَّا لَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنْ كَانَ
الصَّابِغُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأَجْرِ ، وَقِيَامِ حَالِهِ
بِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَإِلَّا فَلَا اعْتِبَارَ لِلظَّاهِرِ
الْمُعْتَادِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ ؛ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ
مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ( انْتَهَى
) .
وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِصَابِغٍ بَلْ كُلُّ صَانِعٍ نَصَبَ
نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ بِأُجْرَةٍ فَإِنَّ السُّكُوتَ كَالِاشْتِرَاطِ ، وَمِنْ
هَذَا الْقَبِيلِ نُزُولُ الْخَانِ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ وَالدَّلَّالِ كَمَا فِي
الْبَزَّازِيَّةِ .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الْمُعَدُّ لِلِاسْتِغْلَالِ
كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ .
وَلِذَا قَالُوا : الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ ،
فَعَلَى الْمُفْتَى بِهِ صَارَتْ عَادَتُهُ كَالْمَشْرُوطِ صَرِيحًا.
وَهُنَا مَسْأَلَتَانِ لَمْ أَرَهُمَا الْآنَ ، يُمْكِنُ
تَخْرِيجُهُمَا عَلَى أَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ
الْمَشْرُوطُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْعًا
مِنْهَا : لَوْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُقْتَرِضِ بِرَدِّ
أَزَيْدَ مِمَّا اقْتَرَضَ هَلْ يَحْرُمُ إقْرَاضُهُ تَنْزِيلًا لِعَادَتِهِ
بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ ؟
وَمِنْهَا لَوْ بَارَزَ كَافِرًا مُسْلِمٌ ،
وَاطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِالْأَمَانِ لِلْكَافِرِ ، هَلْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ
اشْتِرَاطِ الْأَمَانِ لَهُ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إعَانَةُ الْمُسْلِمِ
عَلَيْهِ ؟
وَحِينَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ وَرَدَ عَلَيَّ
سُؤَالٌ فِيمَنْ آجَرَ مَطْبَخًا لِطَبْخِ السُّكَّرِ وَفِيهِ فَخَّارٍ ، أَذِنَ
لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي اسْتِعْمَالِهَا فَتَلِفَ ذَلِكَ ، وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ
فِي الْمَطَابِخِ بِضَمَانِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ.
فَأَجَبْتُ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ فَصَارَ
كَأَنَّهُ صَرَّحَ بِضَمَانِهَا عَلَيْهِ . وَالْعَارِيَّةُ إذَا اُشْتُرِطَ
فِيهَا الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ
تَصِيرُ مَضْمُونَةً عِنْدَنَا فِي رِوَايَةٍ ، ذَكَرَهُ
الزَّيْلَعِيُّ فِي الْعَارِيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَمْ يَقُلْ
فِي رِوَايَةٍ ، لَكِنْ نَقَلَ بَعْدَهُ فُرُوعَ الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْيَنَابِيعِ.
ثُمَّ قَالَ : وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ وَالْعَيْنُ
الْمُؤَجَّرَةُ فَلَا يُضْمَنَانِ بِحَالٍ( انْتَهَى )
وَلَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ :
قَالَ أَعِرْنِي هَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ ضَاعَ فَأَنَا
ضَامِنٌ لَهُ فَأَعَارَهُ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ ( انْتَهَى ) .
وَمِمَّا تَفَرَّعَ عَلَى أَنَّ الْمَعْرُوفَ
كَالْمَشْرُوطِ لَوْ جَهَّزَ الْأَبُ بِنْتَه جِهَازًا ، وَدَفَعَهُ لَهَا ثُمَّ
ادَّعَى أَنَّهَا عَارِيَّةٌ ، وَلَا بَيِّنَةَ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ ؛ وَالْفَتْوَى
أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَمِرًّا أَنَّ الْأَبَ يَدْفَعُ ذَلِكَ
الْجِهَازَ مِلْكًا لَا عَارِيَّةً لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ
الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ كَذَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ: وَعِنْدِي أَنَّ الْأَبَ إنْ
كَانَ مِنْ كِرَامِ النَّاسِ ، وَأَشْرَافِهِمْ لَمْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ
مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ( انْتَهَى ) .
وَفِي الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ أَنَّ الْقَوْلَ
لِلزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا ، وَعَلَى الْأَبِ الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ
شَاهِدٌ لِلزَّوْجِ كَمَنْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ ؛ لِيُقَصِّرَهُ وَلَمْ
يَذْكُرْ الْأَجْرَ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِجَارَةِ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ ( انْتَهَى ) .
وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ فَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ الْعُرْفُ
؛ فَالْقَوْلُ الْمُفْتَى بِهِ نَظَرَ إلَى عُرْفِ بَلَدِهِمَا ، وَقَاضِي خَانْ
نَظَرَ إلَى حَالِ الْأَبِ فِي الْعُرْفِ ، وَمَا فِي الْكُبْرَى نَظَرَ إلَى
مُطْلَقِ الْعُرْفِ مِنْ أَنَّ الْأَبَ إنَّمَا يُجَهِّزُ مِلْكًا ؛
وَفِي الْمُلْتَقَطِ مِنْ الْبُيُوعِ ، وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ
الصَّفَّارِ : الْأَشْيَاءُ عَلَى ظَاهِرِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ ؛ فَإِنْ
كَانَ الْغَالِبُ الْحَلَالَ فِي الْأَسْوَاقِ لَا يَجِبُ السُّؤَالُ ، وَإِنْ
كَانَ الْغَالِبُ الْحَرَامَ فِي وَقْتٍ أَوْ كَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْمَالَ
مِنْ حَيْثُ وَجَدَهُ وَلَا يَتَأَمَّلُ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَالسُّؤَالُ
عَنْهُ حَسَنٌ ( انْتَهَى ) .
وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ دُخُولَ الْبَرْذعَةِ
وَالْإِكَافِ فِي بَيْعِ الْحِمَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ ، وَفِيهِ أَيْضًا
أَنَّ حَمْلَ الْأَجِيرِ الْأَحْمَالَ إلَى دَاخِلِ الْبَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى
التَّعَارُفِ ، ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَاتِ .
وَفِي إجَارَاتِ مُنْيَةِ الْمُفْتِي : رَجُلٌ دَفَعَ
غُلَامَهُ إلَى حَائِكٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً ؛ لِيَتَعَلَّمَ النَّسْجَ ، وَلَمْ
يُشْتَرَطْ الْأَجْرُ عَلَى أَحَدٍ فَلَمَّا عَلِمَ الْعَمَلَ طَلَبَ الْأُسْتَاذُ
الْأَجْرَ مِنْ الْمَوْلَى وَالْمَوْلَى مِنْ الْأُسْتَاذِ ؛ يُنْظَرُ إلَى عُرْفِ
أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ يَشْهَدُ
لِلْأُسْتَاذِ ؛ يُحْكَمُ بِأَجْرِ مِثْلِ تَعْلِيمِ ذَلِكَ الْعَمَلِ عَلَى
الْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لِلْمَوْلَى فَأَجْرُ مِثْلِ ذَلِكَ
الْغُلَامِ عَلَى الْأُسْتَاذِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ ابْنَهُ ( انْتَهَى ) .
وَمِمَّا بَنُوهُ عَلَى الْعُرْفِ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ
السُّوقِ إذَا اسْتَأْجَرُوا حُرَّاسًا ، وَكَرِهَ الْبَاقُونَ
فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تُؤْخَذُ مِنْ الْكُلِّ ،
وَكَذَا فِي مَنَافِعِ الْقُرْبَةِ. وَتَمَامُهُ فِي
مُنْيَةِ الْمُفْتِي.
وَفِيهَا لَوْ دَفَعَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ ؛
لِيَنْسِجَهُ بِالنِّصْفِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى وَأَبُو اللَّيْثِ
وَغَيْرُهُ لِلْعُرْفِ ( انْتَهَى
) .
الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ : الْعُرْفُ الَّذِي تُحْمَلُ
عَلَيْهِ الْأَلْفَاظُ
إنَّمَا هُوَ الْمُقَارِنُ السَّابِقُ دُونَ
الْمُتَأَخِّرِ ؛ وَلِذَا قَالُوا لَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ الطَّارِئِ فَلِذَا
اُعْتُبِرَ فِي الْمُعَامَلَاتِ ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي التَّعْلِيقِ فَيَبْقَى
عَلَى عُمُومِهِ وَلَا يُخَصِّصُهُ الْعُرْفُ .
وَفِي آخِرِ الْمَبْسُوطِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ
يَغِيبَ فَحَلَّفَتْهُ امْرَأَتُهُ فَقَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ اشْتَرَيْتهَا
فَهِيَ حُرَّةٌ ، وَهُوَ يَعْنِي كُلَّ سَفِينَةٍ جَارِيَةٍ ، عَمِلَ بِنِيَّتِهِ
وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى{وَلَهُ الْجَوَارِ
الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ } وَالْمُرَادُ السُّفُنُ ، فَإِذَا
نَوَى ذَلِكَ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّهَا ظَالِمَةٌ فِي هَذَا
الِاسْتِحْلَافِ وَنِيَّةُ الْمَظْلُومِ فِيمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ مُعْتَبَرَةٌ ،
وَإِنْ حَلَّفَتْهُ بِطَلَاقِ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك فَلْيَقُلْ
: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك فَهِيَ طَالِقٌ ، وَهُوَ يَنْوِي بِذَلِكَ
كُلَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَى رَقَبَتِك فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ ؛
لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ( انْتَهَى ) .
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبٍ
سَابِقٍ ، وَرُبَّمَا يُقَدَّمُ الْوُجُوبُ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ ، وَكَذَا
لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ فَسَّرَهَا أَنَّهَا زُيُوفٌ ، أَوْ نَبَهْرَجَةٌ يُصَدَّقُ
إنْ وَصَلَ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ قَرْضٍ لَمْ
يُصَدَّقْ .
عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا قَالَ هِيَ زُيُوفٌ وَصَلَ أَوْ
فَصَلَ ، وَصَدَّقَاهُ إنْ وَصَلَ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ غَصْبًا أَوْ
وَدِيعَةً قَالَ : هِيَ زُيُوفٌ صُدِّقَ مُطْلَقًا .
وَكَذَا الدَّعْوَى لَا تَنْزِلُ عَلَى الْعَادَةِ ؛
لِأَنَّ الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارَ إخْبَارٌ بِمَا تَقَدَّمَ فَلَا يُقَيِّدُهُ
الْعُرْفُ الْمُتَأَخِّرُ بِخِلَافِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ بَاشَرَهُ لِلْحَالِ فَقَيَّدَهُ
الْعُرْفُ .
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الدَّعْوَى مَعْزِيًّا
إلَى اللَّامِشِيِّ : إذَا كَانَتْ النُّقُودُ فِي الْبَلَدِ مُخْتَلِفَةً
أَحَدُهَا أَرَوْجُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى مَالَمْ يُبَيِّنْ ، وَكَذَا لَوْ
أَقَرَّ
بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ حُمْرٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ
مُخْتَلِفَةٌ حُمْرٌ لَا يَصْلُحُ بِلَا بَيَانٍ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ
يَنْصَرِفُ إلَى الْأَرْوَجِ ( انْتَهَى ) .
وَقَدْ أَوْسَعْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ
الْكَنْزِ مِنْ أَوَّلِ الْبَيْعِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَخْرُجَ عَلَيْهَا
مَسْأَلَتَانِ:
أَحَدُهُمَا:مَسْأَلَةُ الْبَطَالَةِ فِي الْمَدَارِسِ
فَإِذَا اسْتَمَرَّ عُرْفٌ بِهَا فِي أَشْهُرٍ مَخْصُوصَةٍ حُمِلَ عَلَيْهَا مَا
وُقِفَ بَعْدَهَا لَا مَا وُقِفَ قَبْلَهَا.
الثَّانِيَةُ: إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِلْحَاكِمِ
وَكَانَ الْحَاكِمُ إذْ ذَاكَ شَافِعِيًّا ثُمَّ صَارَ الْآنَ حَنَفِيًّا لَا
قَاضِيَ غَيْرَهُ إلَّا نِيَابَةً هَلْ يَكُونُ النَّظَرُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ
الْحَاكِمُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فَلَا يُحْمَلُ الْمُتَقَدِّمُ
عَلَيْهِ ؟ فَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ . وَلَكِنْ قَالُوا فِي الْأَيْمَانِ
لَوْ حَلَّفَهُ وَالِي بَلْدَةٍ لِيُعْلِمَهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلْدَةَ
بَطَلَتْ الْيَمِينُ بِعَزْلِ الْوَالِي فَلَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ يُعْلِمْ
الْوَالِيَ الثَّانِيَ ، وَلَمْ أَرَ الْآنَ حُكْمَ مَا إذَا حَلَفَ مَتَى رَأَى مُنْكَرًا
رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي ؛ هَلْ يُعَيَّنُ الْقَاضِي حَالَةَ الْيَمِينِ ؟
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ لَوْ وَقَفَ بَلَدًا عَلَى الْحَرَمِ
الشَّرِيفِ ، وَشَرَطَ النَّظَرَ لِلْقَاضِي هَلْ يَنْصَرِفُ إلَى قَاضِي
الْحَرَمِ أَوْ قَاضِي الْبَلْدَةِ الْمَوْقُوفَةِ أَوْ قَاضِي بَلَدِ الْوَاقِفِ
؟ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَخْرَجَ مِنْ مَسْأَلَةِ مَا لَوْ كَانَ الْيَتِيمُ فِي
بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَهَلْ النَّظَرُ عَلَيْهِ لِقَاضِي بَلَدِ
الْيَتِيمِ أَوْ لِقَاضِي بَلَدِ مَالِهِ ؟ صَرَّحُوا بِالْأَوَّلِ فَيَنْبَغِي
أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ لِقَاضِي الْحَرَمِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَرْجَحَ كَوْنُ النَّظَرِ
لِقَاضِي الْبَلَدِ الْمَوْقُوفَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْرِفُ بِمَصَالِحِهَا
فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَهُ ، وَبِهِ تَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ وَقَدْ
اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَقَارُ لَا فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي
وَتَنَازَعَا فِيهِ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمْ يَصِحَّ
قَضَاؤُهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَظَرَ إلَى التَّدَاعِي وَالتَّرَافُعِ،وَاخْتَلَفَ
التَّصْحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
تَنْبِيهٌ :هَلْ يُعْتَبَرُ فِي بِنَاءِ الْأَحْكَامِ
الْعُرْفُ الْعَامُّ أَوْ مُطْلَقُ الْعُرْفِ وَلَوْ كَانَ خَاصًّا ؟
الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ : قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ
مَعْزِيًّا إلَى الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي خُتِمَ بِهِ الْفِقْهُ.
الْحُكْمُ الْعَامُّ لَا يَثْبُتُ بِالْعُرْفِ الْخَاصِّ
وَقِيلَ : يَثْبُتُ ( انْتَهَى
) .
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ لَوْ اسْتَقْرَضَ أَلْفًا
وَاسْتَأْجَرَ الْمُقْرِضُ لِحِفْظِ مِرْآةٍ أَوْ مِلْعَقَةٍ كُلَّ شَهْرٍ
بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْأَجْرِ
فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
صِحَّةُ الْإِجَارَةِ بِلَا كَرَاهَةٍ اعْتِبَارًا
لِعُرْفِ خَوَاصِّ بُخَارَى .
وَالصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِلِاخْتِلَافِ ، وَالْفَسَادُ
؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ بِالتَّعَارُفِ الْعَامِّ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَقَدْ
أَفْتَى الْأَكَابِرُ بِفَسَادِهَا
.
وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ اسْتِئْجَارِ
الْمُسْتَقْرِضِ الْمُقْرِضَ : التَّعَارُفُ الَّذِي تَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ لَا يَثْبُتُ
بِتَعَارُفِ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْبَعْضِ .
وَعِنْدَ الْبَعْضِ إنْ كَانَ يَثْبُتُ وَلَكِنْ
أَحْدَثَهُ بَعْضُ أَهْلِ بُخَارَى فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا مُطْلَقًا كَيْفَ ،
وَإِنَّ هَذَا الشَّيْءَ لَمْ يَعْرِفْهُ عَامَّتُهُمْ بَلْ تَعَارَفَهُ
خَوَاصُّهُمْ فَلَا يَثْبُتُ التَّعَارُفُ بِهَذَا الْقَدْرِ ، قَالَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : وَهُوَ الصَّوَابُ
( انْتَهَى
) .
وَذَكَرَ فِيهَا مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ قُبَيْلَ التَّحَرِّي
؛ لَوْ تَوَاضَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى زِيَادَةٍ فِي سَنَجَاتِهِمْ الَّتِي
تُوزَنُ بِهَا الدَّرَاهِمُ وَالْإِبْرَيْسَمُ عَلَى مُخَالَفَةِ سَائِرِ
الْبُلْدَانِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ ( انْتَهَى ) .
وَفِي إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ فِي إجَارَةِ الْأَصْلِ
؛ اسْتَأْجَرَهُ ؛ لِيَحْمِلَ طَعَامَهُ بِقَفِيزٍ مِنْهُ فَالْإِجَارَةُ
فَاسِدَةٌ ، وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى ،
وَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا عَلَى أَنْ يَنْسِجَهُ بِالثُّلُثِ .
وَمَشَايِخُ بَلْخِي وَخُوَارِزْمَ أَفْتَوْا : يَجُوزُ
إجَارَةُ الْحَائِكِ لِلْعُرْفِ ، وَبِهِ أَفْتَى أَبُو عَلِيٍّالنَّسَفِيُّ
أَيْضًا ؛ الْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ لَا الطَّحَّانِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ
عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ إبْطَالُ النَّصِّ ، ( انْتَهَى ) .
وَفِيهَا مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي الْكَلَامِ
عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ فِي الْقَوْلِ السَّادِسِ مِنْ أَنَّهُ صَحِيحٌ .
قَالُوا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ فِرَارًا مِنْ
الرِّبَا فَأَهْلُ بَلْخِي اعْتَادُوا الدَّيْنَ ، وَالْإِجَارَةَ وَهِيَ لَا
تَصِحُّ فِي الْكَرْمِ ، وَأَهْلُ بُخَارَى اعْتَادُوا الْإِجَارَةَ الطَّوِيلَةَ
وَلَا يُمْكِنُ فِي الْأَشْجَارِ فَاضْطُرُّوا إلَى بَيْعِهَا وَفَاءً .
وَمَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرٌ إلَّا اتَّسَعَ
حُكْمُهُ ( انْتَهَى ) .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ اعْتِبَارِ
الْعُرْفِ الْخَاصِّ ، وَلَكِنْ أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِاعْتِبَارِهِ
؛
فَأَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِهِ :يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى
بِأَنَّ مَا يَقَعُ فِي بَعْضِ أَسْوَاقِ الْقَاهِرَةِ مِنْ خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ
لَازِمٌ ، وَيَصِيرُ الْخُلُوُّ فِي الْحَانُوتِ حَقًّا لَهُ ؛ فَلَا يَمْلِكُ
صَاحِبُ الْحَانُوتِ إخْرَاجَهُ مِنْهَا
وَلَا إجَارَتَهَا لِغَيْرِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ وَقْفًا .
وَقَدْ وَقَعَ فِي حَوَانِيتِ الْجَمَلُونِ
بِالْغُورِيَّةِ أَنَّ السُّلْطَانَ الْغُورِيَّ لَمَّا بَنَاهَا أَسْكَنَهَا
لِلتُّجَّارِ بِالْخُلُوِّ وَجَعَلَ لِكُلِّ حَانُوتٍ قَدْرًا أَخَذَهُ مِنْهُمْ ،
وَكَتَبَ ذَلِكَ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِوَكَذَا أَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ
الْخَاصِّ ، قَدْ تَعَارَفَ الْفُقَهَاءُ بِالْقَاهِرَةِ النُّزُولَ عَنْ الْوَظَائِفِ
بِمَالِ يُعْطَى لِصَاحِبِهَا وَتَعَارَفُوا ذَلِكَ فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ ،
وَأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لَهُ وَقَبَضَ مِنْهُ الْمَبْلَغَ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ
عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ
الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .
وَقَدْ اعْتَبَرُوا عُرْفَ الْقَاهِرَةِ فِي مَسَائِلَ ؛
مِنْهَا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ دُخُولِ السُّلَّمِ فِي الْبَيْتِ
الْمَبِيعِ فِي الْقَاهِرَةِ دُونَ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ بُيُوتَهُمْ طَبَقَاتٌ لَا
يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِهِ .
وَقَدْ تَمَّتْ الْقَوَاعِدُ الْكُلِّيَّةُ وَهِيَ سِتٌّ :
الْأُولَى : لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ .
الثَّانِيَةُ : الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا .
الثَّالِثَةُ : الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ .
الرَّابِعَةُ : الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ .
الْخَامِسَةُ : الضَّرَرُ يُزَالُ .
السَّادِسَةُ : الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ .
وَالْآنَ نَشْرَعُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ
الْقَوَاعِدِ فِي قَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ يَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا مَا لَا يَنْحَصِرُ
مِنْ الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ
أقسام الكتاب 1 2
3
4
5
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق